رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تأتي رواية دروز بلغراد للبناني ربيع جابر في سياق توجه عربي جديد لكتابة الرواية التاريخية ، بعد مرور قرابة مائة سنة على تجربة جورجي زيدان رائد هذا المضمار وما تلاه من تجارب وعلي أحمد باكثير وشكيب أرسلان ... وغيرهم، وذلك قبل أن يلتفت الروائيون العرب إلى الواقع المعاصر ، ولعلّ هذا التوجه الجديد الذاهب إلى مناطق رمادية في التاريخ ، والتاريخ القريب الشفاهي .. شبه المجهول في صفحات التاريخ ، قد جعل روايات مثل :" توترات القبطي " للسوداني أمير تاج السرّ ، و " سلالم الشرق " للبناني أمين معلوف ، و"يوميات يهودي من دمشق" للسوري إبراهيم الجبين .. قد جعلها أثيرة القراءة وهي تقدم وجبة سردية من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر عن التنوع الديمغرافي الحقبة العثمانية في خضم تعايش الهويات المختلفة بخطاباتها المتناقضة . يظهر الآخر ( حنا يعقوب المسيحي ) في الرواية ضحية تسامح الوالي التركي مع أحد مشايخ الدروز الذي سأل الوالي التخفيف عن أولاده المحكوم عليهم بالنفي إلى بلغراد وكانت تحت سيطرة العثمانيين، وذلك على خلفية الحرب الأهلية اللبنانية أواسط القرن التاسع عشر ، فطلب منه الوالي استبقاء أحد أولاده الخمسة، وعند إقلاع السفينة يبحث الضابط العثماني عمّن يحلّ مكان الفتى المُعفى فلا يجد إلا حنا يعقوب بائع البيض المسلوق في حارات بيروت وعلى شاطئها ، الذي يستدرَج إلى الخديعة بكل بساطة، ويركب مع المحكومين إثر لطمة تفقده أسنانه، ويحمل اسم الفتى الدرزي المُعفي (سليمان عزالدين)، ويعيش مع الجماعة (الدروز) كواحد منهم، يتعاطفون معه، ويواسونه ، ويساعدونه في مرضه في سجن بلغراد الرهيب ، قبل أن ينتقلوا إلى البوسنة . وفي متوالية عكسية يتناقص المحابيس يوماً بعد يوم ، حتى إن أحدهم يحسب أن وجود حنا يعقوب معه سبب اللعنة، وذلك للظلم الذي طاله، و لكن ّ تداعيات الأحداث تنسيهم الموت المتلاحق، وتجعلهم يستمتعون بالتطورات الجديدة، إذ قضوا الفترة الأخيرة من سنوات الحكم السبعة في قرية صغيرة مع سكان البلاد الأصليين، وباتوا يعملون في السخرة لصالح الدولة الأمبراطورية. وفي تناوب بين الوصف والسرد يأخذنا ربيع جابر إلى جماليات جديدة يتآلف فيها وينسجم الإحساس بالاغتراب مع الدهشة بالجديد، وأدب السجون مع أدب الرحلة، ثمة عين روائية ترصد بنهج متوازٍ مع المنظار الاستشراقي ، تعيد سبر المكان الذي عاثت فيه روايات اليوناني كازانتزاكيس والألباني إسماعيل قدري، مجتمع أوربا الشرقية بتكويناته المختلفة. يعود حنا يعقوب (أوليس ربيع جابر) إلى بيته بعد رحلة عذاب وقع فيها ضحية سلبيته التي تحكيها أحداث متعاقبة يفلت فيها من الموت و السخرة والسجن، ويأتي الفرج أخيراً حين يصل إلى مقدونيا ليلحق بقافلة الحج التي توصله إلى دمشق في وصف مبهج للروائي يعوّض فيها حنا يعقوب والقارئ معاً عن الرحلة التي كلفته عشر سنوات من الشقاء والحرمان. يصل أوليس بيته البيروتي ليفاجأ أن ابنته بربارة ذات الثلاثة عشر عاماً باتت تشبه أمه التي تركها وهي في العشرين. ثمة (بينيلوبي) أيضاً تقاوم أسباب السقوط وتنجو، وهي مؤمنة أن أوليسها سيعود. دروز بلغراد محاولة روائية وإنسانية لقراءة الآخر فينا في إطار الوقت الذي ندفع فيه ثمن الخطاب الشمولي الذي فصّل البلاد والعباد على مقاس هوية واحدة.
1010
| 14 أغسطس 2012
تستحق سوريّة أولمبيادها الخاص، ولماذا لا يكون لها أولمبياد ؟ كلّ شيء متوفّر ؛ الأعلام المختلفة الملونة ، الأناشيد ، و النياشين ، رايات بنجوم خضراء وحمراء ورايات أخرى من دون نجوم ، عداؤون يحملون البلطات ، عداؤون يهرولون أمام الرصاص ، طائرات سريعة ـ أسرع من الطائرة التي أقلت الملكة إليزابيث عند الافتتاح ـ رماة ماهرون يسددون ببراعة ، قبضات متوعدة في حلبات فسيحة ، جماهير تحتشد أمام الموت العاجل و الفضائيات الدامية تجرّ ذيلها الإخباري المرقّط ، حكّام قادمون من جميع أنحاء العالم ، مصائر طائرة لا كالكرة التي لن تجاوز حدود القاعة المسقوفة . أولمبياد للمدن المهدّمة ، أولمبياد للأصدقاء الذين تركوا الحياة باكراً ، أولمبياد للرصاص و القذائف الهائجة، أولمبياد للقرى تحتضن النازحين ، أولمبياد حلب ودرعا وحمص ودمشق ، أولمبياد دير الزور المفجوعة ، أولمبياد الخريطة الجديدة ، أولمبياد الشهداء الذين يصومون في مقابر جماعية ، أولمبياد المجازر المتجدّدة ، أولمبياد الأرقام القياسية التي تتحطم كل يوم بالضحايا التي لا تتوقف ، والحراب التي لا تكلّ. في أوروبا والدول المتقدمة (مع الاعتذار لصديقي محمد السنّي) تقف العائلات في البيوت والشباب في الساحات والمقاهي أمام الشاشات يتابعون أبطالهم المشاركين في أضخم حشد عالمي، تتعالى الصرخات و الدموع ، يشتمون فريقهم إن خسر ، و يدخلون في نوبات جنون إن فاز ، يقفون مع ترديد النشيد الوطني ، وتنهمر دموع البطل مع دموعهم ، ويغادر ضعاف القلب إلى العالم الآخر بهدوء ، قد يستبق ذلك زيارات عجولة إلى مستشفيات نظيفة . في بلادي تجلس العائلات في المخيمات في انتظار وجبة ، أو قصف ، يتابعون في الأخبار أسماء الشهداء الذين غادروا ، والأحياء التي استهدِفت ، في بلادي ليس ثمة دموع ، نفد كلّ الدمع ، نفد الخوف والقلق ، نفدت ( المرحبا ) بين الجيران المختلفين . في بلادي أولمبياد خاص ، وميداليات خاصة ، ضعاف القلب ماتوا منذ زمن تحت القصف والحصار وانعدام الدواء. قناصون مهرة يصيبون جميع النقاط ، طائرات تسدد لكماتها ببراعة ، دبابات عائدة للتوّ من مسابقة رمي الجُلّة ، مشجعون فقدوا عيونهم ، أذرع فقدت جامليها ، جمباز سياسي غير مسبوق ، جدول ترتيب الميداليات يتبدّل كل يوم ، أرقام ..أرقام .. أرقام . أرغفة تتدحرج في ذاكرة الصبيّ الجائع ، كرة يتقاذفها أطفال مخيّم ، أشلاء لم تعثر على ترتيب لها منذ اليوم الأول للمسابقة ، أرواح ترتب حزنها في انتظار اليوم الأخير ، طغاة يعلقون الميداليات ، ماراثون طويل ، مصارعون يخطون الحلبة بالطباشير القرمزي ، فضائيات تتناسل مثل الفطريات ، إفطار رمضاني مـتأخر ، رمضان كريم. على جبل الأولمب حاك الأسياد مصير أوليس، وفي ذكرى أيام الأولمب قرروا بعد حين استعادة الحروب رمزياً باختراع جديد اسمه الرياضة، حيث الفوز قتل رمزي مخفّف، وميداليات البطولة هي ذاتها أكاليل الغار الجيش المظفر، وفي بلادي القتل اليومي رياضة يجيدها القتلة، ويستمرئها الطغاة. *** صباح الخير أيتها الحرية.
405
| 08 أغسطس 2012
في زحمة الأحداث التي تتناهب شاشات الفضائيات العربية الذاهبة إلى استحقاقات شهر رمضان المبارك تنتزعها من ساعات البث المباشر عن الثورات العربية، أو ساعات الدم المباشر نقلاً حياً عن سورية ؛ وما بين استحقاقات الرياضة العالمية التي تجذب إليها أنظار الكون كل أربع سنوات في مظهر جميل للحروب السلمية بين الأمم في مدة نصف شهر؛ بين هذا الزحام المحموم تتناقل وكالات الأنباء خبر وفاة الشاعر المصري الجميل حلمي سالم ، شاعر قصيدة النثر ، و الصوت العربي المقاوم الذي عاش تجربة النضال القومي في الخندق الأول. قبل أن ألتقي حلمي سالم كنت قرأت له مقطعاً نثرياً لافتاً في مجلة الجسرة القطرية بعنوان القرين يكتب فيه :" لم يتحدث أحد عن الأندلس / كلّ ما جرى أنك نظرت في المرآة ". وراقتني مغامرة التحليل للمقارنة بين صورتين ؛ صورة الأنوثة الفائضة ، وصورة الجمال المستلب اللتين تتقافزان وتتبادلان الظهور من مكمن الدلالة إلى ظاهر المعنى في سياق لعبة لغوية ماكرة اجترحت لها مصطلح النصّ المتماوج ، وذلك قبل أن ألتقي الراحل في الدوحة في مهرجان الدوحة الثقافي الأول ، فأحدثه عما كتبته في نصه وعن قراءتي له ، فوافقني في ذلك متحمساً ، و أتاحت لي أيام المهرجان أن أقترب من عالم حلمي سالم ، استتبع ذلك لقائي معه في القاهرة بعد سنتين شاعراً محبوباً من الأجيال الشعرية المختلفة ، وإنساناً قريباً من القلب . عرفت حلمي سالم في نصوصه ( تحيات الحجر الكريم ) التفعيلية التي يقارب فيها الحجر الفلسطيني الغاضب بمفهوم الحجارة الكريمة مغترفاً من معين الانتفاضة الفلسطينية مفردات جديدة لمعجمه الشعري ، وعرفته في نصوص " شرفة ليلى مراد " و " يوجد هنا عميان " شاعراً مغامراً مجدداً ، يسلك طرائق جديدة في القول ، معيداً إلينا ذكرى جماعة " إضاءة " و الجماعة 77" في حضن السبعينيات ورحلة التحول نحو قصيدة النثر ، وعرفته في لقائنا العابر في القاهرة وهو يسرد بيروت الحصار عام 1982 قريباً من النار و الموت ، زاهداً في رغد العيش الذي سكنت إليه بعض الأسماء الأدبية. ورغم سنواته عمره التي لم تقارب سقف الستين بعد؛ فإن الأمراض لم تسعفه كي يقضي كهولة متعافية بل أودت به إلى النهاية في خضم الحراك العربي الجديد ، الذي غطى على كلّ أحداث الساعة ، فلم يبق غير خبر مجزرة أو انشقاق أو قصف جديد ، وكأني بأحمد شوقي يعزي بمصطفى المنفلوطي صاحب العبرات والنظرات الذي توفي يوم محاولة اغتيال الزعيم سعد زغلول ، فلم يحفل بموته سوى نفر قليل من أحبائه و أصدقائه .. فقال أمير الشعراء: اخترتَ يومَ الهول يوم وداعِ ونعاكَ في عصف الرياح الناعي من مات في فزع القيامة لم يجد قدماً تشيِّع أو حفاوة ساعِ *** يرحمك الله أيها الشاعر
811
| 31 يوليو 2012
كما عاشقِين على أول الليل / نحثّ الأغاني إلى عشبها / كما الوقت يفتح أحلامنا النائية / نضيّع أسماءنا في الرحيل / نهش ّعلى ممكن ٍ واجفٍ / لعلّي أراهن موتي / على قطرةٍ باقية. تعيد انتظاري لترنيمة الشيخ / حين يعود إلى ورده / ويجهش في السجدة الثانية كما أمهاتٍ / تثرثر ملء مواويلهنّ الدموع / أخبّ إلى نسغي المستضام ِ / القصيّ عن النخلِ /الشجيّ بلا رفّةٍ حانية. لا فضاء أراه يهيم بقاماتنا / ولا قمرٌ يستحمّ بليل الرؤى / ولا سنونوةٌ تشرئبّ إلى ما نشيم / نشيم نهاراتها وفستقها / والذي أغفلته الحكايات من برد كانون / في الحنطة الآتية. أقاسمك الآن هذي المراثي / وهذا الوجيع من الوجد / وهذا المطر / غداة يمرّ على باب بيتي موتٌ أليف غداة أعودُ / ملاكاً من الورد / أشهقُ كلّ الفضاء / أعدّ الخطايا التي لم أذقها / أعدّ الوجوه التي رسمتها عذاباتها في حروفي / وكلّ الوجوه التي مارست لعبة الأقنعة / ومرّت عليّ بثوب النصيحة ِ آه ٍ وأعرف قلبي / سيتركني وخطاي الكسولة َ / في غمرة السابلة / سيسرفُ في ذا المسمّى " الحنين " / و لا حول لي / كي أماري صباباته / ويعرف أني صبرت عليه / وهذّبت ورد العتاب / و أتقنت عدّ خطاه . ولكن؟ سيمشي وحيدا / ويمضي إلى جملةٍ في الغياب / وأعرفه يستحي ويكابر / ولن ينحني للبكاء إذا نادمته الحروف / وظلّلها بعريش العنب / وأعرفه / إذ يطلّ نداماه ليلا / من الأغنيات / وكأس القصيد/ِ يغنّي لهم / ويجوس المكان البعيد براحات أنّاتِهِ. أجل.. وأعرفه حين تملأ أمّي له كأساً من الشاي / وتوقد حقلاً من الذكريات / لعلّ على النار بعض الحطب وأعرفه لا يردّ علي َّ السلام َ / ولا يحتفي بندوبي. أجل عاتبٌ / لأنّي تأخّرت جدّاً عليه / حين استفاق الحمام ُ/ على طعنة في المساء الرطيبِ أجل.. ويمدّ البحار إلى ليله / ثمّ يعدو / يبارزُ وهجَ الظهيرة/ يفني تباريح نشوانةً ً/ ويزعم أنّ اليمام على نقطة النون يشدو / وأعرف قلبي / يطيب له أن يعبّ حروف البلاد / ويحرس معنى البياض ِ/ الذي يتضاءل حتّى السواد / كما لا يطيب له أن تذلّ القبيلة / ولا أن يرى خوذةً تستريح / ولم يتعلّم من النهر كيف يسافر دون حصاه/ ولم يتعلّم من الآخرين احتراف النميمة / كذلك أحلامه لم تشذّ عن المتن / غماماته.. لم تكفّ مناديلها عن غناء الطيور / وأعرفه... لا يحنّ عليّ. وأنا سادرٌ ـ كنتُ ـ في لمّ أشواقه / بلا حجّة أتسلّى بتقليبها / ولا رعشةٍ في ارتباك اليدين / أسمّي النهار حصاد السريرةِ / أشدو بلا غيمةٍ / قد تردّ العصافير نحو المغيب / وأرمي لما يتبقّى من العاديات / حروف الصهيل ولي من بكائي على داثرات الطلول / احتمائي بنزفي.. ولي في صلاتي على شاطئ الليل / فصلٌ قديمٌ من النحو / يسرفُ في طيّبات الشواهد ِ / لي ما يبلّ المسافة بين السكون الجميل / وبين انثيال الأغاني التي غسّلتني بحزن ٍ طويلٍ طويل . ولي قبّراتي / إذا كان أجهش بين الأصابع قلبي / ومال على وردةٍ ذابلة / تلهّى / ليتركني وخطاي الكسولة َ في غمرة السابلة / ولي وجع ٌنازفٌ لا يريم / إذا تركتني رفيقة دربي / وقالت " تأخرت عنّي / وأسرفْت َ في غربة ٍ قاتلة / فمن سوف يأخذُ فيّ العزاء / ومن سيزيّن قبري الصغير ببيت رثاء " / فأمضي قصيّاً....... قصيّاً إلى دفتر العائلة / إلى بيت قلبي / ولكنّ قلبي سيمشي وحيداً / لأهجع في فسحةٍ من غناء / أحنّ إلى مزنةٍ هاطلة / غير أنّي أخاف إذا ما بكيت بأن يستفيقوا / يبلّل ُ دمعي مناماتهم / فأضحك ُ / أضحكُ / أضحك ُ / حتّى البكاء الطليق / ولي كلّ ما تركته النجوم من الضوء .. يفلّي الطريق / ولي كلّ آهةِ حزن ٍ / تندّ ُ عن الطّين / وعشب النهار الحزين / ولي ثّـَــمّ َ لي جمرةٌ طيّبة / يموت بها إخوتي الطيّبون / تؤوّل فينا رماد النصوص/ وتقرأ أيّامنا المتعبة.
563
| 24 يوليو 2012
يخجل الإنسان ممّا يكتب ، يخجل ممّن يكتب عنهم ، الحروف أيضاً تخجل ، الحروف المرسومة على حجارة الكيبورد، الصفحات المشعّة بالضوء الباهت أيضاً خجلى ، صارت المجزرة عرفاً في أيام السوريين ، لها تقاليدها و طقوسها ، صراخ على الشاشات وقبور جماعية ، وتحليل سياسي جاهز ، ثم تأخذنا الأخبار إلى نسيان جديد . لا تسأل السوريّ المغترب عن صحّته ، لا تسأله عن حاله وراتبه وإجازة الصيف . سله عن أهله هناك ، قل له :" الله يفرّج عليكم ". فبعد كلّ مجزرة يعلو الصراخ و يتبرّأ القتلة من قتلاهم ، ويندّد الجيران والأقارب والأباعد ، وننتظر اليوم التالي على قتلى نتسلّى بعدّهم على رأي أحد الأصدقاء. المجزرة ليست مجرّد حروف يهجّئها طفل في الصفّ الأوّل باحثاً عن طبوق لها بين الصور ، ليست اسم مكان أو اسم آلة تعين مدرّس مثالاً يضربه لطالب كسول، ليست عاصفة نعبر ويبقى منها الاسم ، ليست حقل جزر على نهر متعب، ليست بقايا اللحمة في دكان قصاب الحارة ، ليست موجزاً في أوّل النشرة . يأخذ الجميع حصتهم من الصراخ ثم يذهبون إلى النوم، وتبقى المجزرة قطع لحم متناثرة بين الشجر ، يذهب السياسي إلى النوم وتبقى المجزرة صرخة طفل أخيرة في أذن أمّه ، تذهب قارئة النشرة إلى النوم تنفض عن ثيابها غبار الحوار الساخن وتنام قريرة العين، و تبقى المجزرة جثثاً تتزاحم بحثاً عن مأوى ، يذهب قارئو الصفحة الأولى من الجريدة إلى عملهم وتبقى المجزرة كابوساً يمنع طفلاً ناجياً من النوم، يذهب القاتل إلى النوم بعد أن بلطته من الدم المتيبّس، وتبقى المجزرة بقعة كبيرة من الدمّ في ساحة الحوش، تذهب الطائرة إلى النوم في مربضها العتيد، يدهنون مدفعها بالزيت، ينظفون السبطانة جيداً ..السبطانة نائمة، وتبقى المجزرة حفراً متناثرة تتعثّر فيها الدوابّ والحكايات، يذهب الجميع إلى النوم، تظلّ الدروب إلى المجازر وثيقة تحفظ الأقدام التي سعت، والجنازير التي دبّت، يذهب النوم إلى النوم وتبقى المجزرة تفقأ عين القاتل في المنام، وتنهض كشعاع فوق القبور الجديدة . من غيرنيكا إلى كفر قاسم من العامرية إلى الحولة، من ميّا فارقين إلى صبرا وشاتيلا ، من غزة إلى حموريّة، من دير ياسين إلى التريمسة تعثّرت أقدام برؤوس، وتعثّر موت بقتلة، من تاريخ الفؤوس إلى جغرافيا الشجر، من خناجر الأسئلة إلى بصائر الموت، ثمة مجزرة عطشى في القواميس، في لسان العرب باب الجيم فصل الراء :" اتقوا هذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر". يحفر الموت اسمه في بلادي بالخطّ الثلث، على جدران القرى الوادعة، يحفر الموت اسمه على الأرصفة، يحفر اسمه على كلّ بيت، كلّ باب، كلّ بلادي الآن ترقص مع الموت، أنشودة للسيل، وأملاً في الهواء . *** يا نار كوني برداً وسلاماً على بلادي
457
| 17 يوليو 2012
كان الرجل يقرأ أفكاره ويحلم بصوتٍ عالٍ والجمهور صامت مبتسم، يصغي إلى كلّ كلمة بإعجاب، يتقدّمهم رئيس البلاد، الناس يستمعون ويهزّون رؤوسهم، وزراء وقادة جامعات وصحفيون.. ثمة من يكتب ملاحظاته، وثمّ من يكتفي بمتعة الإصغاء. والرجل يتكلم في معلومة علمية يلوكها بأعجميتها ثم يستعين بعربيته (المصرية) ويداعب هذا ويطري على ذاك، يمزج العلم بالثورة والسياسة وينتقد بلباقة، ويبث الأملّ بواقعية. والجمهور الذي يزيد على المائة مأخوذ بمحدثه وعلى رأسهم الرئيس. وذلك في الأمسية التي التقى فيها العالم المصري أحمد زويل مجموعة من المهتمين بالبحث العلمي في تونس في إطار فعاليات حوارات قرطاج، وفيها أثار أول عالم عربي يحوز جائزة نوبل مجموعة من القضايا، بدءاً بالنظر إلى المستقبل في ضوء الثورات العربية، مروراً بمعاناة الباحث العربي، وانتهاء بشروط النهضة العربية الجديدة. يضيف أحمد زويل إلى نبوغه العلمي حضوره التشخيصي الباهر، فالرجل يمتلك كاريزما قلّ أن يمتلكها رجل علم، بل قلما يمتلكها رجل سياسة، واثق من نفسه، يبسط المعلومات المعقدة التي تكوّن مادة محاضراته، بالإضافة إلى روحه المرحة المتفائلة التي تجعل من المحاضرة العلميّة المعقدة جلسة سمر حاضرة المتعة.ولعلّ هذه الصفات جعلت من زويل نجماً تلفزيونياً في بلده مصر وفي البلدان الأخرى، ولهذا سيشاهد المتتبع لمحاضرات زويل أكثر من رابط يتيح مشاهدة كثير من المقاطع الفلمية التي تسجل حضور الرجل. كان واضحاً أن زويل يعيد إلى الثورة لون الحلم الذي كادت تفقده في تداعيات العملية السياسية في مصر وتونس، أراد الرجل أن يقول إن الثورة لم تبدأ بعد، ثورة العقل العربي التي يجب أن تبنى على نجاح ثورتي مصر وتونس، فمن الخطل أن تتوقف ثورة الشارع التي استكملت إنجازها في إسقاط المنظومة السياسية التقليدية، ويجب أن تبدأ ثورة العقل العربي بتوفير الأطر الملائمة، الثورة التي تستند بحسب زويل إلى أقانيم الحرية والمعرفة والإرادة. ويقدم الرجل دليلاً ملموساً من تجربته في مصر، إذ يتصدى الرجل لمشروع واعد عملاق في بناء مدينة زويل التي تتيح لكثير من العلماء الشباب أن يعملوا مع أساتذتهم في فتح قناة للعلماء العرب المنتشرين في مشارق الأرض ومغاربها بحثاً عمّن يحتضن مواهبهم. واستطاع حتى الآن أن يجمع مليار جنيه من تبرعات رجال أعمال وتبرعات شعبية، ومازال يأمل أن يستكمل باقي المال البالغ عشرة مليارات جنيه. واعداً أن يستقبل المركز كلّ صاحب كفاءة دون النظر إلى وضعه المادي، لافتاً إلى أنه سيجمع في مدينته بين إتقان اللغة الإنكليزية وحضور العربية في المكان لغةً وثقافة ولسان حلم. وبرغم أن زويل لا يعدم منتقديه في مصر بداعي أنه صار نجم شاشة منذ فوزه بنوبل عام 2009، وما زال ينفخ في روح مشروعه منذ زمن، في حين أن زميله في الشهرة والعبقرية جراح القلب العالمي مجدي يعقوب قد أسس مركزاً لأمراض القلب في أسوان، يعالج الفقراء مجاناً، دون الضجة التي أحدثها أحمد زويل. لعلّ ذلك من لوازم الحرية والنقد العالي الخارج من دون هدف، فالنقد لم يتوقف عند هذا، بل اتهمه أحد أعضاء مجلس الشعب بأنه تبرع بنصف قيمة جائزة نوبل لإسرائيل، الأمر الذي جعل الرجل يضحك بألم. فعلاً نحن بحاجة إلى ثورة عقل.
403
| 10 يوليو 2012
يلد الخريف عباءةً، والليل مفتاح النهارْ. والليل داجٍ داكنٌ ، خطواته كالرعب مرّت فوق عشبٍ لم يزل يمحو التجاعيد القديمة للقفارْ. والليل وهنٌ موجعٌ ، ما بين ثائرة وثارْ لا ليس هذا الليل مائدة لنصّي ، غير أن الحزن قد أوفى ولم يسدل على النصّ الخمارْ ** لاتمحُ وجهك حين تخذلك المرايا ، هذي الطلول تكاثرت و الآنَ تذبحك القصيدة ، تأخذ الأطفال نحو أغنيةٍ شَموسٍ لا تنامُ ، و تأخذ المرعى لماشيةٍ ، وتحرس الليل الطويل من الذئاب ، تعدّ ميراثاً مديداً للدماء ، " بين الدخول فحوملٍ" قمرٌ كسولٌ ينحني للنخل حين يهزّها ولد الحنين ، فتسأل البدوَيّ في غسق الليالي عن شآمِك. عد ملء نصّي إنّ أصحابي هناك ، تقاسموا راياتهم ، ناديت حادي الريح أمهلني قليلاً ، خذ بعض قلبي ريثما ينحاز هذا السيل للأرض الضعيفة، خذني هناك لأرتدي جهةً تبدّت في حطامِكْ. ماريت كل سفينة تسعى إلى الجزر البعيدة ، قارفت مرثية َالقبيلة ِ، ورأيت في المرعى ذئاباً تخطف النصّ الجديد، رأيت أهلي يرفعون أكفّهم نحو السماء، رأيت فأساً مترعاً بالدم ، ورأيتهم ملء المشاهد ِ يركضون، جثثاً تَبَعثُرُ في جثث، جثثاً تفتّش عن جدث، يا أيها السوريّ يا مرياعنا ، يا خطوة الوعد الوليدة ، خذ بعض قلبي ريثما ينحاز هذا السيل للأرض الضعيفة، ريثما يرتاح حزني، لأدسّ نبضي في غمامِكْ. عد ملْء نصّي ، لا تأتِ مرتبكاً وتتركَ دفتري ، لم أكتبِ الأحزان بعدُ، ولم أجوّد في الضغينة ، كل من في الدار هم أهلي، وكلّ مواجعي ميراث هذا الشرق من حبرٍ تأبّد في الطروس، عد ملء نصّي الآن يا وطني الشهيد، عد لأحترف التحية في المواسم، عد لأركض في سلامِكْ. ** في كلّ حربٍ يشهر القتلى محبّتهم فيظنّ قاتلهم بأنه شهم نبيلٌ يحمل الأوزار عن موتٍ تعدّد عند أكثر من سببْ في الحرب نبحث عن غضب عن شارعٍ يبكي ويصرخ عالياً متوعّداّ :" هل من عرب؟" في الحرب نبحث عن حطبْ
958
| 03 يوليو 2012
هذه البلاد تحتاج إلى بنّائين.. تهدّمت الدور وانهدّت المباني، لن نجد عاطلاً عن العمل مدّة خمس سنوات.. قال بنّاء وهو يتابع النشرة، قال حامل القاذف ثمة أبنية لم تنهدّ، يجب أن أسدّد بدقّة يجب أن نبني إيماننا بالوطن.. ومضى يبحث عن موقع جديد ليهدمه. هذه البلاد لم تزل مليئة بالعصاة.. قال حامل البلطة، قالت العصا للبلطجي: صرت أخجل من أشجار الغابة وصرخت ولم يفهم البلطجي ولكنّ يده شلّت فجأة. وقالت طيور السماء: لم يعد لنا مأوى في هذا المكان فالأطفال يطيرون في فضائنا، وقال طالب المدرسة: نريد دفاتر جديدة لنحصي أسماء الشهداء، دفاترنا القديمة امتلأت، وقال المعلم: منهج هذا العام مختلف، لم يعد الفاعل مرفوعاً ولا المفعول به منصوباً، سنساوي بين الجار والمجرور، وهمزة القطع وهمزة الوصل. جارتنا الندّابة همست: هذه البلاد تحتاج إلى دمع كثير، أنفقت دمعي في مراثٍ قديمة.. بكيت مع أم فقدت ولدها الوحيد، وبكيت مع أرامل ودّعن شباباً قبل أن ينجبن، ومع أيتام لا يتذكرون من آبائهم إلا صوراً باهتة، وبكيت مع الناجين من الطاعون والجوائح والمجاعات فقدان ذويهم، ولكنّ هذا الموت كثير، السكاكين تشقّ الجلود كأنها أكياس قماش، هذا كثير.. والدمع في صرّتي لا يكفي. هذه البلاد بحاجة إلى نار لا تنطفئ، الثورات لا تقوم كلّ يوم، سنعيد تنظيم الحياة من جديد، لكلّ بيت نافذة، ولكلّ حقل غيمة.. قال الشابّ مندفعاً، وقال الكهل: النار هي الدواء الأخير، أكواخنا لا تحتمل، ومواسمنا تحتاج إلى فؤوسنا وقلوبنا. سأكتب مرثيّة كبيرة لم يظفر بمعانيها مالك بن الريب ولا متمم بن نويرة ولا أبو ذؤيب الهذلي، سأبكي بلاداً على صورة شجرة كانت خضراء.. قال الشاعر البكّاء بن نادب، وقال صديق الشاب: سأكتب رواية بل ملحمة، هذه أساطير وليست أحداثاً عابرة. هذه البلاد تحتاج إلى الحبّ.. أحبوا بعضكم كما كنتم، بالحبّ نطفئ النار ونصلح البيت قال الشيخ: هذه البلاد بحاجة إلى أمل قال المسافر، بحاجة إلى حكمة قال الفيلسوف، بحاجة إلى نفضة قال بائع السجاد، بحاجة إلى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب قال لاعب الشطرنج، بحاجة إلى مال قال السمار، بحاجة إلى نوافذ وأبواب قال الحدّاد، بحاجة إلى قلب جديد قال الطبيب الجّراح. *** ورسم الأولاد سطراً جديداً أسفل الصفحة، كتبوا فيه كلمات قليلة صالحة لخاتمة نص مبعثر، واشتبك مبضع الجرّاح ببلطة القاتل، وإزميل البنّاء بقاذف العسكري، اشتبك الشاب والكهل والشاعر النادب والفيلسوف والمرأة الباكية، اشتبكت الغيوم بالعواصف والليالي بالنهار القادم. وتجدول الدين والموت والحاجات الجديدة لبلاد كانت تشعر بالحاجة إلى كلّ شيء. مرّت شهور وشهور، ومازال المطر يهطل في الصيف، والشمس تظهر في الليل، والأولاد يحصلون على درجات عالية، وتغيّرت ألوان الشوارع والجدران والسماوات، وفقدنا عائلات بحالها، ومدناً وبيوتاً وأشجاراً، فقدنا بحراً كبيراً كان عشاق البلاد يلوذون بحزنه من خيباتهم، فقدنا خوفنا أيضاً، وحملنا رجاءنا الباقي، وخرجنا إلى الشوارع لنهتف.
359
| 29 يونيو 2012
"تلك المظاهرة المضحكة التي سار فيها بضعة أنفار فقط فأثارت استهزاء عقلاء المدينة بسبب قلة العدد .. يومها أيضاً. قطعة معدن طائشة انطلقت من فوهة سلاح يحمله شرطي أحمق تخترق جسداً موعوداً بالخلود ". بهذا السبب يختصر إبراهيم الكوني في جديده الروائي " فارس الأحلام القتيلة " سبب نجاح الثورات العربية التي ساهمت لغة القمع في تأجيجها ونجاحها. وكانت الرواية الآنفة الذكر قد صدرت في سلسلة كتاب دبي العدد 63 المرافق لمجلة دبي الثقافية المنوعة العدد الأخير للروائي الليبي الذي سبق له نشر رواية سابقة عن ذات المصدر قبل عشرة شهور بالتمام والكمال في ذات الموضوع ، وذلك بعيد شهور قليلة من سقوط نظام الحكم الليبي السابق ، وفي تلك الرواية " جنوب غرب طروادة – جنوب شرق قرطاجة " يستعير الكوني جزءاً من تاريخ ليبيا القريب " حرب السنوات الأربع 1803 -1807 م " والتي تمكنت فيها ليبيا من صد عدوان الولايات المتحدة ، ولكن البطولة لم تمنع من انهيار الحكم الذي أسرف في استبداده. وذلك في إسقاط واضح للحالة الراهنة عربياً . ولكن الكوني لم يكتف بهذا العمل الروائي المفارق للغته الروائية السابقة ، بل فاجأنا في عمله الجديد " فارس الأحلام القتيلة " ينهل به من معين الأحداث السابقة التي فجّرت الثورة . في يوميات موزعة على ثلاثين فصلاً ، تؤرخ لشخصية يتماهى بها الروائي إلى حدّ بعيد :" مازلت أتساءل : هل كنت سأهبّ ، كما هبّ كل من هبّ ودبّ لو لم أعرف القتيل ؟ لا لاأدري؟" . وكان الكوني قد قارب موضوعة الثورة في روايته الأولى على استحياء فأبعد الحادثة التاريخية، ولم يكن التأويل في حاجة إلى كدح ذهني ، فالباشا وحاشيته ملأوا البلاد جوراً وظلماً وفساداً ، و العدو المتربص من كل الجهات ينتظر من كلّ الجهات ، ليعود السؤال العابر للأزمنة إلى بؤرة النصّ من تختار قريبك الظالم أم عدوك الديمقراطي؟ ولكن الكوني في روايته الثانية يحمل أدواته ويكتب من أرض الحدث ، محايثاً مناخ الثورة الشخوص و الأحداث فتتناثر في الرواية مفردات :" البوعزيزي - الجرذان - الزعيم - القناصة - اغتصاب القصّر - القصف - بنغازي" مقترباً من الأحداث التي تجري على لسان المدرس الخائب الذي واكب أحداث الثورة. وذلك في مسعى إلى توثيق الثورة بعين ثائر ليبي، يشترك في الأحداث، ويستذكر ما كان قبل الربيع الليبي وما حدث خلاله من بطولات، ولا يغضّ الطرف عن التداعيات التي أعقبت الثورة، وما حدث لحظة تقسيم الغنائم من قبل البعض. يهجر إبراهيم الكوني البيئة الطوارقية التي أثرت المكتبة الروائية العربية من خلال روايات إبراهيم الكوني ، الذي عاد إلى مفردات ليبيا الحيّة ، وكأن البيئة الجديدة التي يستمدّ منها الكوني مادة رواياته الجديدة كانت في حقل المسكوت عنه . وأنه هرب إلى الجغرافيا البعيدة . مثيراً الغرابة للمرة الثانية أيضاً في استعجال الكتابة عن حدث حار ، و بروايتين أخذتا منه جهداً غير يسير. يعيد الكوني في روايتيه سؤال الحرية الغضّ في كل زمان ومكان ، فالحرية شرط الإبداع الوحيد ، و الحياة الكريمة أثمن من أي عنفوان عابر. وبهذا فاستبداد الباشا وديكتاتورية الزعيم لم يكونا مبررين بالرغم من كلّ تسويغ.
543
| 18 يونيو 2012
في مبادرة تحسب لها قدمت مدرسة الوكرة الثانوية للبنين احتفالية مؤثرة كافأت فيها الفائزين في مسابقة الأثر الطيب، واستطاعت أن تجمع أطراف العمل التربوي ، كما نجحت في تقديم الحفل للرأي العام من حيث دعوة الشخصيات العامة والتربوية ووسائل الإعلام، لتسليط بقعة الضوء على المعلم؛ الأب الباقي بحسب الإسكندر المقدوني الذي فضله على أبيه الفاني أو " البيولوجي "، رداً على من سأله عمّن أثّر فيه معلمه ( أرسطو ) أم أبوه؟ ولم أدرِ ..أكان عليّ أن أتذكر معلمِيّ الذين يخطرون على البال صوراً متناثرة تعلمت منهم حب الحياة والأدب واللغة والمعرفة ؟ أم أتذكر طلابي الذين حاولت ما استطعت غرس محبة اللغة العربية في أرواحهم؟ وتذكرت الطالب ذا التهذيب الجمّ يوسف أحمد شير، القادم من معهد الإعداد الديني إلى مدرسة عبد الرحمن بن جاسم الإعدادية قبل بضع سنوات، شاب صامت لا يتكلم، ولا يكاد يشارك في درس، يتقن القراءة الطليقة بتعبير جميل، ولغة سليمة، وأذكر مرّة أنه شارك في درس التعبير الشفهي ( التحدّث) وقرأ نصاً قصيراً، ملأني وزملاءه عجباً ودهشة، فأثنيت عليه بعبارات ٍ لم أعد أتذكرها، بل حدثت زملائي عن الجمل الأدبية التي نطقها . ولم يخطر في بالي أن ذاك الفتى الصغير الذي غدا شاباً ملتحياً سيذكر أن ذاك الإطراء أو غيره قد أحدث فيه كلّ هذا الأثر. وفي تلك التظاهرة المبهجة نسي المرء لساعات أخبار الموت والدمار والحرائق المشتعلة، وأعادت له الشموع المضيئة (بحسب منظمي الفعّالية) أعادت الأمل أن ثمة غراساً خضراً طرية ستثمر علماً ومحبة وخيراً وجمالاً، أطفال في عمر الورد خرجوا إلى منصة العرض، وتكلموا بثبات وثقة وفصاحة عن أثر معلّميهم الطيب، والذي جعلهم يتقدّمون في دراستهم، ويتقنون من مهاراتهم، وينمّون مواهبهم، ولعلّ الفقرة المدهشة التي أثّرت في الجميع فقرة المتسابقين من ذوي الاحتياجات الخاصة التي عرّفتنا بمواهب وقدرات إخوانٍ وأبناء لنا، لم تمنعهم الإعاقة من الغرف من معين السعادة وهم يعيشون حياتهم بكلّ أمل، فيعملون ويبدعون ويجترحون أساليب مختلفة، لتلوين الحياة بألوان الفرح والتفاؤل. مما يؤكد الأثر الفعّال الذي أحدثته البيئة المحيطة من معلمين مخلصين يعملون بحبّ. ولعلّ قصة الطفل غانم تصلح أن تكون مثالاً، فغانم ذو السنوات العشر لم يستلم للإعاقة، وكانت السيدة والدته مثالاً للشجاعة والإرادة الصلبة، فقد قررت أن تتحدى به الإعاقة، واستطاعت أن توقظ فيه روح الإرادة والتحدي. وفي معرضه الصغير على هامش التظاهرة قرأنا قصة غانم (الرابح) بكلّ حب، وتعرفنا ملامح من الأثر الطيب الذي أحدثه اهتمام الأهل والمدرسة. ولئن كان اقتراح فضيلة الشيخ أحمد بو العينين في أن تسمّى قاعات الصفوف المدرسية بأسماء المعلمين الذين أحدثوا أثراً طيباً في الأجيال المتلاحقة جديراً بالتنفيذ، فإني أناشد وزارة التربية والمجلس الأعلى للتعليم أن يشدّا على يد أصحاب الفكرة، وأن يجعلاها مناسبةً تربويةً رسميةً، تُتحذ من أجلها القرارات اللازمة.
1719
| 14 يونيو 2012
سيكون علينا إذن أن نعدّ الحصا/ في حساب الطفولة والذكرياتِ / يكون لنا أن نعود إلى حكمة صالحة / لتخطّي الفضاء المجاز/ الفضاء الذي لا يحور إذا ناوشته الأغاني بحبّات أدمعها / لا يغيم إذا ناشدته الخطى / واستقالت بلا رحلة يانعة. ** وإذاً كي ننام طويلاً / فلابدّ أن نتغاضى عن البرد ِ/ حين يحثّ الأصابع كي تتلاشى / عن الأصدقاء إذا لوّحوا دون وعد لقاء / إذا لوّحوا في مساء ثقيل / وإذا حال ما بيننا سفرٌ يستطيل / وإذاً سوف نغدق في همسنا صاعداً / في دروب الشتاءِ الذي يتأخر ُ / آه ٍ ونرمي على أوّل القلب بيتاً من الشعر ِ تسكنه السيّدة / ولا بدّ أن ننتمي.... ونطير إلى حلم ٍ من لغة / ويكون لنا أن نعود إلى شكلنا / ونسمّي تفاصيلنا. ** سيكون لنا بيدرٌ / وبيوتٌ من الطين تسعى إلى زرقةٍ ممكنة / ونهار يغنّي لنا فيه أيّوبنا عن سخام ٍ أليف / نغمّس حزن البلاد بأشواقنا / لتمرّ الصبابات في شارع الموت حتى النهايةِ / في المنعطف وتكون لنا جرّةٌ من ضلوع الندامى / تحبّرنا باحتمال العنب / ويكون على الجمر أن يتثاءب دون حطب. ** وعلى النهر أن يستميح الجفاف / وعلى النمل أن يدخلوا في مساكنهم / وعلى اللاحقين أن يقرؤوا سورة الفاتحة / وعلينا إذاً أن نعدّ لها الورد والعطر والرائحة / سيكون على الغيث أن يستشير الهواء على بسمةٍ لا تجيء بأن لا تجيء / على الصبر أن يتمطّى / على الحزن أن يستغيث بنصٍّ يجوس المساء َ الذي لاينام. ** أنجزتنا البلاغة يا صاحبي / ولدينا هنا وطنٌ من كلام / بتضاريسه، وحدود مجازاته / والشواطئ، والمدن الصاخبة / ولدينا هنا أرخبيل ٌ من الشعر واللغة الغامضة/ جزرٌ من شروحٍ تفلّي الرثاء َ / قرىً تزرع النحو في آخر الصيف / كي تبكّر في بيع أخطائنا / ويكون علينا غداً / أن نحرّر وشماً على يدها / الفتاة التي حملتنا إلى أوّل الفكرة القاتلة. ** سيكون على همزة الوصل ِ / محو الخلاف الذي يتصاعد ُ / بين النداءات والخيبة المزمنة / ويكون علينا إذاً أن نخبّئ أطفالنا / سيكون الحداء ضئيلاً / ويكون النهار بلا سَمْتِه ِ/ والدخانُ الدخانُ صبيّا ً لجوجا ً / لابثاً في الحياة القصيرة والوردة الذابلة / فاضحاً سيرة البرق والرعد والزلزلة. ** سيكون على البنت ألاّ تلوّح قبل اكتمال السفر/ وعلى قلبه أن يخبّئ ضحكاتها لتعود إليه/ على الموت أن يستريح َ / على البحر ألاّ يثور َ / على الخوف ِ أن يتحرّى ابتكاراته / وعلى الشاعر المختبي أن يحثّ الحروف إلى حبره / وعلى النصّ...أن " يتوارى من القوم من سوء ما "قرأته الرياح ُ وهزّت ظلالاً تخبّئ في ثوبها الأجوبة.
416
| 05 يونيو 2012
الوردة الآن حبر الحرب ، لاقمرٌ يعلو ، ولا ضفّة ٌ تدنو ، و لاسفنُ غفت نجوم الليالي عن متاهتنا و نام عنها سؤالُ الناس والمدنُ نامي احتمالاً جميلاً قبل أن تجدي في ساحة الموت من هانوا ومن وهنوا هذّبت موتي لأنأى بي فما اتسعت لبعض رؤياي نجوى ، أو بدا كفنُ *** في الوردة متسعٌ كي تكتب كلّ الأشياء طفولتها، كي أكتب عني ، عن صمتي ، عن وجعي النازف إذ أخطو في العتمة ، أو أدعو :" وصن ضحكة الأطفال ياربّ إنها / إذا غرّدت في ظامئ الرمل أعشبا ". *** للوردةِ أن نرمي حجراً ، أو نتوارى خجلاً ، أن نشقى بمحبّتنا ، أن نحذف كل الأسماء المجرورة من تاريخ الخوف ، للوردة أن تكبر فينا ، أن نبكي حين نلوّح للمشهد ، أن نكفر بالطاغوت ونفتح كل نوافذنا للشمس . *** الوردة قلقي ؛ ماذا لو نسي القارئ مرثيةَ الهذلي :" أودى بنيّ وأعقبوني غصة / وإخال أني لاحقٌ مستتبع ". لكن الورد تساقط بعد أفول الطاعون عن الكرة الأرضية ، كان الطاعون جديداً بقلوب حاقدة ٍ وسكاكين . الوردة قلقي ، تهذي بي اللغة العربية ، أنسى اسمي ، أتذكّر بيتاً رقّ له قلب ابن الخطّاب :" ما ذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ / زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ ". *** أشتاق إلى بلدي ، أتقرّى الأخبار العاجلة كسيفاً ، أمسح وجه الشاشة كي يبدو الورد جليلاً ، للقاتل مديته ، لي عيناي ، للذئب الليلُ ، ولي قمري ، أفتح حصالة عمري المترامي على أربعة عقود ، لو وزّعت عليهم هذا العمر أكان سيكفيهم ؟ *** الوردة قلقي ، نامي نامي يا شجراً أغفى في عجز أصابعنا عن نزف الحبر ، نامي يا خبز الشاشات ، الآن الموتى ينتظرون قيامتهم :" يا أكباداً تمشي على الأرض " ، فنامي . هل كان على دمهم أن يكتب هذا الطارئ حتى نصحو؟ ** الوردة تصحو، يرتبك الظلّ لينهض ، ألتمس لحزني أغنيةً ، أكتبُ أيضاً ، لي من هذا الوقت نصيبي كي أكتب أو أعجز ، لي متسعٌ في سبورة قلقي ، أكتب ما أغفى في دمي الحزن :" بلادٌ يحضنها هذا الورد لتصحو ..ستحلّق طيراً ، وتغنّي". ألتمس لهم باباً ، أو ثرثرةً بين الدرسين ، أو طبشوراً أبيض كي أسدل فوق كتابتهم خبراً ليس كأخبار الشاشة ، أو أجلس بين هلالين صغيرين لكي أنجو منّي.
417
| 02 يونيو 2012
مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2355
| 30 نوفمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1125
| 01 ديسمبر 2025
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...
639
| 28 نوفمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
615
| 02 ديسمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
564
| 30 نوفمبر 2025
كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...
495
| 30 نوفمبر 2025
في كلمتها خلال مؤتمر WISE 2025، قدّمت سموّ...
483
| 27 نوفمبر 2025
للمرة الأولى أقف حائرة أمام مساحتي البيضاء التي...
447
| 26 نوفمبر 2025
استشعار نعمة الأمن والأمان والاستقرار، والإحساس بحرية الحركة...
447
| 27 نوفمبر 2025
يقول المثل الشعبي «يِبِي يكحّلها عماها» وهي عبارة...
438
| 30 نوفمبر 2025
أكدت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، في المادّة...
429
| 28 نوفمبر 2025
شاع منذ ربع قرن تقريبا مقولة زمن الرواية....
411
| 27 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل