رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في 2001 بدأت تظهر على سطح الإعلام قضية الاعتداءات الجنسية التي كان يقوم بها الكهنة الكاثوليك ضد الأطفال، وهي قصة كبيرة غطتها وسائل الإعلام الغربية بشكل موسع وتفصيلي، حتى إن الكنيسة احتجت على تلك التغطيات واعتبرتها مبالغا فيها بشكل كبير، عمت المظاهرات الكثير من العواصم الغربية واللاتينية مطالبة بكشف المشاركين في هذه الاعتداءات والمتسترين عليها، وشكلت الكنيسة لجانا للتحقيق ونشرت الكثير من التقارير كان من نتائجها أن الاعتداءات الجنسية التي قام بها الكهنة الكاثوليك على أطفال تتراوح أعمارهم من 11 إلى 14 سنة كانت تمارس منذ عقود طويلة، وبعضها يرجع إلى 1930، وأن هناك حوالي 10 آلاف شخص تعرضوا لهذا الاعتداءات الجنسية. كانت الولايات المتحدة الأميركية من أكثر الدول التي حققت في هذا الموضوع، ونشرت مقاطع لرجال في الأربعين والخمسين وهم يبكون أمام الصحفيين متذكرين الفترات التي تم الاعتداء فيها عليهم جنسيا من قبل شخصيات دينية كان الجميع يثق فيها على أنها ممثلة للرب على الأرض، وجهت أصابع الاتهام إلى حولي 3000 كاهن ووضع موقع Bishop-accountability.orgقائمة باسمائهم على حسب الولايات التي يعملون بها، والكثير من هؤلاء القساوسة تم نقلهم من مناطق عملهم إلى مناطق أخرى تسترا على تلك الفضائح.لم تشارك وسائل الإعلام العربية بتلك الحملة، بل إنها كانت تنقل ماتنقله وسائل الإعلام الغربية ووكالات الأنباء على استحياء احتراما لمعتنقي الديانة الكاثوليكية في بلادهم ومجتمعاتهم.وبتاريخ 30 سبتمبر 2005 نشرت صحيفة Jylands-posten الدنماركية رسوما مسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، فقامت قائمة الدنيا ولم تقعد حينها، وقتل خلال المظاهرات التي عمت عواصم الدول المسلمة حوالي 200 شخص، وغطت وسائل الإعلام الغربية هذا العنف والغضب بنوع من الاستغراب غير المفهوم، فقد سألتني مراسلة وكالة أنباء عالمية عن سبب هذه الغضب، ولماذا يغضب الناس على رسومات كرتونية بهذا الشكل؟ قد يكون اختلاف الثقافات يشكل عائقا ومانعا أمام فهم الغربيين لغضب المسلمين من هذه الرسومات المسيئة، مع أن هذه الرسومات تعبر عن صراع تاريخي وحضاري أكثر منه اختلاف حضاري، وأذكر إني سألت ذات المراسلة إن كانت مؤسستها تستطيع أن تنشر ذات الشيء عن اليهود، قالت لي: لا، بالتأكيد.يجب أن نعترف أن هناك متطرفين غربيين كما لدينا متطرفين إسلاميين، ويجب أن لا تبقى كلمة التطرف حكرا على المسلمين فقط، فهناك تطرف مسيحي وتطرف بوذي وتطرف شيعي وتطرف يساري ليبرالي وتطرف قومي.. الخ.إن لم نعترف بوجود هذا التطرف بكل أنواعه وأشكاله وجنسياته فنحن أمام تطرف مقصود يشير إلى كل مسلم سني على أنه متطرف محتمل يجب أن يحقق معه ويراقب ويسجن.قال لي صحافي غربي بنبرة تعاطف عندما نشرت الصحيفة الدنماركية تلك الرسومات: هل يعلم هؤلاء الناس كيف يسيئون لكم بهذه الرسومات؟ كيف لو رسمت صحيفة عربية صورة كاريكاتيرية للبابا وهو يعتدي على أحد الأطفال جنسيا؟ هل سيعتبرون ذلك حرية رأي أيضا؟ لم أعلق بقيت صامتا.
1095
| 22 يناير 2015
في أواخر عام 1491 تكالبت الجيوش الكاثوليكية على غرناطة التي صمدت وسط بحر لجج من الأعداء، فتلك المدينة الرائعة التي لم يزد عدد سكانها على 300 ألف نسمة، بنسائها وأطفالها ورجالها، أغلقت أسوارها عليها وبدأت تأكل أوراق الشجر وجذور النباتات من الجوع، فلم يكن هناك طعام يصل إليها، وبدأ الناس يتساقطون جوعا في طرقاتها، فخارج الأسوار كان هناك عشرة آلاف فارس وخمسون ألف راجل، مسلحين بالدروع والمدافع تحت راية الملك الكاثوليكي، قد أقسموا على إسقاطها مهما كان الثمن، لقد قررت كل أوروبا إخراج المسلمين من إسبانيا، ولم يبق منهم سوى تلك الجزيرة المعزولة التي تسمى غرناطة.كثر ضحايا الجوع والقتال وتكدست الجثث داخل السور، جوعا وقتلا، فقرر الأمير أبو عبد الله ألا مفر من الاستسلام، فبدأت وفود فرناندو وايزابيلا في الدخول إلى قصر الأمير للتفاوض على شروط، يقبلها الطرفان.وفي قصر الحمراء الذي يقع على ربوة عالية مقابلة لحي البيازين صرخ موسى ابن أبي الغسان في جموع المستشارين والوزراء: "ليعلم ملك النصارى أن العربي ولد للجواد والرمح، فإذا طمح إلى سيوفنا فليكسبها غالية، أما أنا فخير لي قبر تحت أنقاض غرناطة في المكان الذي أموت مدافعا عنه، من أفخر القصور التي سنغنمها بالخضوع لأعداء الدين".لم يكن أحد ليسمع لهذا الفارس الذي كانت له صولات وجولات على أسوار غرناطة، فجحيم الموت الذي يخيم على المدينة لا يترك صدى لما يقول، ولكنه كان يحاول إرسال رسالة إلى الموقعين، فكانت رسالة الثانية: "خير لي أن أحصى من بين القتلى الذين ماتوا دفاعا عن غرناطة من أن أكون بين الذين شهدوا تسليمها".مرة أخرى، لم تسمع غرناطة المثخنة بجراحها صرخات الفارس الغاضب، فقد كتبت وثيقة الاستسلام ولم يبقَ سوى التوقيع عليها، ولكنه كان يستشرف نهايات المدينة ونهايات أهلها، فعندما وقع الأمير على الوثيقة صرخ بأعلى صوته: "إن الموت أقل ما نخشى، فأمامنا نهب مدننا وتدنيس مساجدنا، وأمامنا الجور الفاحش والسياط والأغلال والأنطاع والمحارق، وهذا ما سوف تراه تلك النفوس الوضيعة التي تخشى الموت، أما أنا فوالله لن أراه".خرج من القصر وذهب إلى منزله ولبس لامته وتدرع ثم ركب فرسه وواجه سرية راكبة من الفرسان الكاثوليك على ضفة نهر شنيل، فكبر ثم دخل في وسطها ضاربا بسيفه، ولكنه سقط بسبب ضربة رمح فتكالب عليه الفرسان وعندما شعر بضعفه رمى بنفسه في النهر هربا من آسريه.هذه نهاية البطل موسى ابن أبي الغسان، الذي تجاوزته الأدبيات العربية وكرمته الإسبانية بصفته الفارس العربي الشهم الذي يأبى الذل.بعد سقوط غرناطة بعدة سنوات دخل قساوسة محاكم التفتيش إلى تلك المدينة في كسر للاتفاقية، وبدأوا في جمع السلاح والكتب والسيطرة على المساجد، وأمر الناس بترك أبواب منازلهم مشرعة ومنع تدريس اللغة العربية والدين ثم منع الناس من الحديث بالعربية، ثم طلب منهم التوقف عن ارتداء اللباس العربي، ثم بدأت تلك المحاكم بحرق الناس أحياء في ميادين المدينة، ففي كل ميدان تمرون عليه في غرناطة ستشمون رائحة اللحم المحترق، حتى جاء قرار الطرد الكبير في 1609 الذي فرق فيه بين الأم وولدها، فقد أخذت الكنيسة كل الأطفال الصغار من آبائهم الذين شحنوا في سفن حتى تلقيهم على الشاطئ الإفريقي، وكان كل ما تنبأ به موسى ابن أبي الغسان قد حصل.نعتقد دائما بأن مثل هذه الأمور قد طواها التاريخ وكأننا نعيش نهايته، متوقعين ألا يتكرر، ولكنه التاريخ، يأبى إلا أن يكرر نفسه بصور مختلفة، فالصراع البشري لن يقف، وكل ما علينا فعله هو الاستعداد للمتغيرات، فأمثال أبي الغسان لا يحبون أن يعمروا طويلا، هم يحذرون ثم يموتون، وقد سمعنا مثل هذه التحذيرات مؤخرا، وكل ما علينا فعله هو مراقبة المتغيرات في اليمن وبلاد الشام والعراق، ثم الإنصات لأمثال موسى ابن أبي الغسان.
1836
| 04 ديسمبر 2014
في السابع من شهر يونيو عام 1494 وقعت الدولتان الكبيرتان في ذلك الوقت إسبانيا والبرتغال اتفاقية تورديسيلاس والتي تم بموجبها تقسيم العالم المعروف حينئذ بينهما، بارك البابا في روما هذه الاتفاقية التي شطرت العالم إلى نصفين، القديم منه بكل بشره وجباله وأرضه ومائه وهوائه، ملك لملك البرتغال، والعالم الجديد بكل ما عليه من بشر وما يحويه من ثروات ملك لملك إسبانيا.وبناء على هذه الاتفاقية التي باركت سفك دم المغلوبين وأموالهم وأعراضهم وديارهم، أرسلت إسبانيا أساطيلها للسيطرة على أمريكا الجنوبية وجزرها، فكان أن حدثت الكثير من المذابح التي دونها الغالبون ونسيها المغلوبون، فتمت إبادة جزء كبير من السكان الأصليين، مرضا وجوعا وسيفا، وتم إخراجهم من التاريخ والجغرافيا بقوة السلاح، فهجروا ديارهم واستوطنوا الجبال حتى تمت إبادتهم بشكل نهائي ولم يحصل أحفادهم على حقوقهم إلا في أواخر القرن العشرين بعد أن تولى بعض سلالاتهم الحكم في دول أمريكا اللاتينية.أما شرقا، حيث ملكت البرتغال كل العالم القديم، فقد حصلت الكثير من المذابح التي يعجز اللسان عن وصفها والقلب عن ذكرها، فطبقت البرتغال، حالها حال إسبانيا، محاكم التفتيش في أجزاء كبيرة من العالم، وتم تنصير الناس بالقوة أو حرقهم أحياء أو بطرق قتل ابتكرها عقل شيطاني، سواء في سواحل إفريقيا والهند والأرخبيل الآسيوي مرورا بمنطقة الخليج.ثم تكررت القصة عدة مرات على مر التاريخ كان آخرها اتفاقية سايكس بيكو 1916، التي قسمت العالم العربي إلى الدول المعروفة حاليا، بعد عدة نماذج تم التفاوض عليها حتى خرج هذان المجرمان بشكل يرضيهما ويرضي جشع حكومتيهما.لم تكن المذابح التي حصلت بعد سايكس بيكو بحجم المذابح التي ارتكبت في أواخر القرن الخامس عشر ولكن الحروب التي مرت بها المنطقة بعد ذلك والصراعات التي لا تكاد تنتهي أودت بأضعاف أضعاف البشر الذين وجدوا أنفسهم تحت حكم عسكري طارئ لم يكن لهم رأي فيه ولا يمت لهم بصلة، وحدود عشوائية قسمت الأهل والعشيرة والأرض بين دول ولدت فجأة بشكل غريب، لن أضرب أمثالا، فالربيع العربي جاء ليصلح خطأ ارتكب منذ حوالي 100 سنة، وما نراه من مآسٍ وحروب وسفك دماء وإهدار للكرامة هو ذات ما عانى منه أجدادنا منذ خمسمائة سنة مضت.أتساءل أحيانا، إلى متى سنبقى عرضة للعبث من الآخرين؟ وما هي وسائل الخروج من هذا الضعف الذي نحن عليه؟من الصعوبة تحديد خريطة طريق للخروج من حالة الذل والهزال الذي نعيشه، ولكن البعض قرر أن الوسيلة المثلى هي القتال والإثخان وإظهار البأس، كما يفعل تنظيم الدولة، ولكن هذا الأسلوب لا يجد قبولا عند عامة الناس، فقد تكون نتائجه أسوأ من الحال التي يعيشونها. استطعت بعد جهد، مشاهدة مقطع "ولو كره الكافرون"، الذي بثه تنظيم الدولة، وهو مقطع قاس جدا جدا جدا بالنسبة لي، فقد وضعت يدي على الشاشة محاولا حجب بعض المقاطع التي لا أستطيع تحمل مشاهدتها، فتساءلت عن سبب نشرها، وما الحسنة في ذلك؟ هل هو بث الرعب؟ ربما، ولكن من الواضح أن هؤلاء الشباب قد وصلوا إلى مرحلة اليأس من الإصلاح، إصلاح العالم لحالهم وإصلاح الحكام لأمرهم، فأثروا الإعلان عن غضبهم وسخطهم بهذه الطريقة الدموية، وكأنها رسالة موت أرسلوها للعالم، إما أن تتوقفوا عن العبث بنا أو سنعبث بكم.من الصعوبة بمكان السيطرة على مجموعة تشعر أنها تعرضت للظلم والقهر لعقود طويلة ثم محاولة إقناعها بعدم جدوى العنف وهي ترى أنها ضحية له، ولست أرى بديلا عن هذه المرحلة سوى الإصلاح والإصلاح الحقيقي الذي يغري من تبنى العنف أو يكاد على تغيير رأيه، ولكن العالم قد قرر طريقته في حل هذه المشكلة والتي ستصبح كالدائرة المغلقة تحرق كل ما بداخلها.
2054
| 20 نوفمبر 2014
أراد سيف بن ذي يزن أن يطرد الحبشة من اليمن، فذهب إلى قيصر الروم جوستينانوس الثاني، وطلب منه أن ينصره عليهم، فأبى حمية للدين قائلا: "الحبشة على ديني ودين أهل مملكتي "، ثم غادر سيف إلى كسرى طالبا عونه، فأبى أيضا، فأقام سيف عند باب كسرى، كلما ركب عرض له، فجمع كسرى مرازبته وقال لهم: ما ترون في هذا العربي وقد رأيته شجاعا حكيما، فقال أحدهم: إن في السجون قوما قد سجنهم الملك بجرائمهم فلو بعثهم معه، فإن قتلوا استراح منهم، وإن ظفروا بما يريد هذا العربي فهو زيادة في ملك الملك.اختار كسرى 800 سجين وولى عليهم رجلا يقال له "وهراز" وأمدهم بسلاح كثير وحملهم على ثماني سفن، فغرقت سفينتان في البحر وبقي منهم 600 رجل عندما رست سفنهم في عدن.التقى الجيشان، سيف بن ذي يزن بأنصاره من الفرس والعرب في جهة ومسروق ابن أبرهة بجيشه العرمرم في جهة أخرى، فحملت العرب والفرس على الحبشة وقتل مسروق ابن أبرهة خلال المعركة وحصلت مذبحة كبيرة في الحبش سجلها التاريخ، واتجه المنتصرون إلى صنعاء.وأمام باب صنعاء وقف "وهراز" أمام بابها الصغير قائلا: لا تدخل رايتي منكسة، اهدموا الباب، هدم الباب ودخل الفارسي ناصبا رايته بين يديه، فقال سيف: ذهب ملك حمير آخر الدهر ولا رجع إليها أبدا.أمر كسرى قائده "وهراز" بالعودة إلى فارس وتعيين سيف ملكا على اليمن، وبينما كان سيف وسط حرسه من الحبش قاموا عليه وطعنوه بالحراب، وبقي اليمن تحت حكم الفرس حتى ظهور الإسلام.عندما كنت رئيسا لتحرير صحيفة الشرق في أواخر التسعينيات، طلبت من السفير اليمني حينها ترتيب لقاء لي مع الرئيس علي عبد الله صالح، فوعد خيرا، حتى جاء اليوم الذي اتصل بي طالبا مني ملاقاته في مطار الدوحة للمغادرة إلى صنعاء.نزلت في مطار صنعاء وأخذت سيارة إلى الفندق الذي بقيت فيه أياما، محاولا الاتصال بالسفير لتريب الموعد، ولم يحصل شيء من ذلك، فقد أغلق السفير هاتفه بعد أن غادر إلى محافظته وبقيت لوحدي في صنعاء منتظرا هذا اللقاء الذي بدأت أيأس من حصوله.قمت بالاتصال بمن أعرف من اليمنيين طالبا منهم المساعدة، حتى تم ربطي بشخصية مازلت أكنّ لها كل احترام، جاءني إلى الفندق واستمع مني لما حصل ثم وعد خيرا.استفدت من وقتي بزيارة اللجان الخيرية والتسكع في طرق صنعاء وأزقتها وزيارة بعض من استطعت زيارته، فهالني حجم الفقر وتكدس طلبات الإغاثة بكل أنواعها ويأس اللجان الخيرية من تلبيتها كلها، حتى قال لي أحد مسؤوليها: لم نعد نستطيع أن نلبي حاجات المحتاجين، فقد اتسع الخرق على الراقع، قالها وهو يشير إلى أعداد كبيرة من النساء والأطفال الذين يتزاحمون على مدخل الجمعية، يخيم عليهم البؤس والفقر والحاجة.في اليمن عليك أن تغمض عينيك وتعود عقلك على تجاوز مصائب الناس، فالفقر في كل ناحية، وكل شيء حولك يجعل قلبك يتقطع، وليس هناك وجود للدولة بمعناها الإداري والخدمي، فالمسلحون يجوبون الطرق على ظهر عربات دون ألواح رسمية، تبرز من أكتافهم أسلحة من كل الأنواع، فقد كنت مع أستاذ للهندسة في جامعة صنعاء وهو يقود سيارته المتهالكة حين سألته عن هذه الظاهرة، لم يقل شيئا، هز رأسه وابتسم لي ابتسامة ذات مغزى، لقد كان هذا الأستاذ يتحدث ثلاث لغات، وحصل على الدكتوراه في الهندسة من أرقى الجامعات الأمريكية وهو بالكاد يحصل على ما يسد به حاجته وحاجة عياله، ولكنه عاد لليمن حبا بها كما كان يقول لي.بعد عدة أيام من الانتظار حصلت على فرصتي في مقابلة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح كما كانوا ينادونه، أخذت آلة التصوير وجهاز التسجيل وانطلقت رفقة الشخص الذي وعدني بترتيب المقابلة.وبعد فترة طويلة من الانتظار وقبل الدخول على الرئيس أخذ مني الحرس كل ما كان معي، فتساءلت كيف سأعمل اللقاء مع الرئيس؟ لم أحصل على جواب، دخلت مجلسا يجلس في صدره الرئيس وبقربه مستشاره الإعلامي، سلمت وجلست، ثم تساءلت: سيادة الرئيس، لقد أخذ حرسك آلة التصوير وجهاز التسجيل، ولا أعرف كيف سأعمل اللقاء من دونهما.كان رده فاترا: نحن سنصور وسنبعث لك بالصور، وأنت عليك أن ترسل الأسئلة للمستشار وهو سيجاوب عليها.شعرت بالمهانة والقهر، فلم أحضر إلى اليمن حتى أصور مع هذا الرجل الذي لفت نظري بأسلوبه المتعالي في التعامل، ولم أرتح لنظراته الغريبة وعينيه اللتين لم تتوقفا عن الحركة وكأنهما عينا حرباء تبحث عن فريستها.سقطت صنعاء منذ أيام على يد الحوثي، واستبدل الرئيس السابق صورته في موقعه على الفيسبوك بأخرى وهو يبتسم مسرورا بما حصل لعاصمته، لقد كان يتآمر طوال حياته على شعبه وعلى وطنه من خلال تحريكه لكل أداة يرى أنها ستساهم في تثبيت عرشه الذي يرتكز على شعب أنهكه الفقر والإهمال.لم يعد يخفى على أحد دور الرئيس السابق في التعاون مع الحوثي، فقد شاركت الفرق العسكرية الموالية له في هذه المهزلة، وشارك كل الذين سبق لهم الأكل من مائدته والذين بقوا على كراسيهم منتظرين اللحظة المناسبة والمال الكافي للإعلان عن مواقفهم المخزية.لقد بيعت اليمن، كل اليمن إلى إيران، وسنسمع تهديدات قادتها بإغلاق مضيق باب المندب قريبا بعد أن أنهكونا بتصريحاتهم بإغلاق مضيق هرمز، ستتغير النبرات، وستكون نبرة الفرس أعلى وأحدّ بعد أن أمسكوا بخناقنا.لقد سقط سيف بن ذي يزن تحت حراب الحبش وبقيت اليمن بعده لسنوات طويلة ترزح تحت حكم الفرس، فهل سيتكرر ذلك مع الرئيس اليمني السابق؟ ربما، فالتاريخ يعيد نفسه حين يرغب في ذلك.
4061
| 16 أكتوبر 2014
باستخدام تقنية جوجل وجدت أن المسافة بين قرية عين العرب أو كوباني كما يحب الأكراد تسميتها وأقرب قرية تركية هي 600 متر، يستطيع الماشي اجتيازها في 6 دقائق أو أقل، وفيها تدور معارك شرسة بين عناصر الدولة الإسلامية ومليشيا كردية تساندها قوات التحالف الأربعيني (زادت الآن على أربعين دولة، ولكننا سنحافظ على المسمى للتوضيح فقط). قال لي دبلوماسي آسيوي منذ سنوات قليلة هذه القصة: كنت حديث التخرج حين تم إرسالي إلى بعثة بلادي في نيويورك، وحضرت إحدى جلسات التصويت قريبا من دبلوماسي أمريكي، وحين ارتفعت الأيادي كان أحد من رفع يده ممثل دولة إفريقية تحصل على مساعدتها من أمريكا، ولم يعجب هذا التصرف الدبلوماسي الأمريكي الذي كان جالسا بقربي، فأسر في أذني قائلا: ستكلف رفعة اليد تلك هذه البلاد بضعة ملايين من الدولارات التي تعودت بلادي على دفعها لبلاده". أكمل الدبلوماسي الآسيوي حديثه قائلا: عرفت حينها أن السياسة لا قلب لها. كانت أغلب عناوين الصحافة الغريبة خلال الأسبوع الماضي تتحدث عن تردد تركيا في الدخول البري ضد داعش لمساندة التحالف الأربعيني، فقد وضعت تركيا خطوطا دفاعية من الدبابات على طول حدودها مع سوريا مقابل مدينة كوباني، معلنة موقفها بشكل صريح، لن نتدخل ما لم نشعر بتهديد مباشر، ولكن لماذا؟ وفي الأسبوع الماضي ومتزامنا مع حملة إعلامية غربية اتهم جو بايدن تركيا بتمويلها الجماعات المتطرفة قائلا: "لقد سكبوا- يقصد الأتراك - مئات الملايين من الدولارات وآلاف الأطنان من الأسلحة لكل من يحاول إسقاط نظام الأسد، وقد حصلت النصرة والقاعدة والمتطرفون الآخرون الذين جاءوا من أصقاع الأرض على تلك المساعدات"، ثم اعتذر بايدن عن هذا الاتهام بعد عدة أيام في اتصال هاتفي مع الرئيس التركي أردوغان. لقد كانت حملة قوية تلك التي تعرضت لها ومازالت تتعرض لها تركيا للمشاركة في حملة لا ترى لها نتيجة واضحة ولا نهاية سعيدة، وهي محقة في ذلك بالتأكيد. في لقاء مع قناة الـCNN الإخبارية أرسل رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو رسائل مباشرة إلى الغرب عن الموقف التركي، وقد احتفت القناة بهذا اللقاء الذي غردت به كبيرة مراسليها كرستيان امانبور لمتابعيها على التويتر جاذبة انتباههم إلى أهميته. كان رئيس الوزراء التركي واضحا في مطالب تركيا التي أعلنها: "نحن مستعدون إن كانت هناك إستراتيجية واضحة، نحن لا نريد منظمات إرهابية أو نظاما يدفع باللاجئين إلى حدودنا"، مما يعني أن تركيا لم تر إستراتيجية واضحة لهذا التحالف سوى ضرب داعش فقط وترك النظام السوري قائما، وقد تركت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الباب مفتوحا أمام هذه العملية سواء في جانبها المالي أو الزمني، فكل شيء ممكن، وهذا ما لم تقبله أنقرة. ثم أضاف داود أوغلو قائلا: "مستعدون لنشر جنودنا إذا قام الآخرون بدورهم أيضا، أما إن بقي نظام الأسد الطائفي فهذا سيعطي مثالا سيئا للأنظمة الأخرى، نحن لا نريد إرضاء ناخبينا، نحن نريد حل المشكلة بشكل نهائي"، وكأن رئيس الوزراء يلمح أن كل ما يحصل عبارة عن حملات انتخابية غربية ستسدد تكاليفها من أكداس الجثث التي ستتراكم في هذه المنطقة. لقد أصر داود أوغلو على أن المشكلة ليست داعش، ولكنه نظام الأسد الذي كان سببا في خروج داعش وخروج الجماعات المتطرفة الأخرى، وكأنه يلمح بذلك إلى حزب العمال الكردستاني الذي مازالت أنقرة تراه عدوا لم يلق سلاحه بعد. ثم أضاف: "سبق وأن قلنا إن الكيماوي خط أحمر، ثم استخدمه النظام لقتل مواطنيه، ثم ماذا؟ هناك حوالي خمسين ألف صورة توثق هذه المجزرة، ولكن الجميع بقي صامتا". لم يعتذر بايدن للرئيس التركي راغبا ولكنه كان مرغما، فتركيا أصبحت لاعبا رئيسا في المنطقة، لاعبا إيجابيا يعرف مصالحه وحدوده وحساسية تركيبته السكانية، والدخول في أمر كهذا يتطلب الحصول على ضمانات، لا كما فعلت بعض الدول العربية التي شاركت بكلها وكلكلها دون حتى المطالبة بسقوط النظام السوري البشع. مازالت جملة الدبلوماسي الآسيوي ترن في أذني: "السياسة لا قلب لها"، ويمكن أن نضيف لها: "ولا عقل أيضاً".
1402
| 09 أكتوبر 2014
دعوني أذكركم بقصة جميلة بطلها السلطان العثماني سليم ياووز، أو القاطع كما كان يسميه البعض، لعل هذه القصة تدغدغ خيالنا و تجعلنا نعيش أحلاما جميلة لدقائق. لم يكن السلطان سليم يعتني بهندامه كثيرا، وكان الوزراء وكبار رجال الدولة يقلدونه في ذلك، حتى غدا ديوان السلطان خاليا من البهرجة وجميل اللباس، بل إن لباسهم أصبح رثا مجاريا لباس السلطان الذي يخجل الجميع من مفاتحته، فاستغل الصدر الأعظم حضور سفير دولة أوروبية إلى الديوان فتقدم بتردد إلى السلطان قائلا: يا مولانا السلطان، إن عدونا ناقص عقل، ولهذا فهو ينظر بسطحية ويعطي أهمية زائدة للمظاهر، ومن اللائق أيها السلطان .. قاطعه السلطان قائلا : نعم، لنفعل ذلك، وأنتم أيضا تدبروا لأنفسكم ألبسة جديدة مزركشة. فرح الوزراء بهذا الأمر السلطاني ولبسوا أجمل ما لديهم في تلك المناسبة محاولين مجاراة السلطان الذين سيكون في أبهى حلة. طلب السلطان بوضع سيف مجرد من غمده مسنودا على العرش قبل حضور السفير، وفي ذلك اليوم تجمع الوزراء وكبار رجالات الدولة في القاعة السلطانية منتظرين السلطان الذي توقعوا أن يحضر المناسبة بشكل مختلف عما اعتادوه. دخل السلطان بذات الملابس القديمة التي كان يلبسها، فانصدم الوزراء وخجلوا من أنفسهم، فلباسهم أجمل وأغلى من لباس سلطانهم، فدخلت أعناقهم في أجسادهم وانتظروا حتى يعرفوا السبب. دخل السفير ووقف أمام السلطان منحنيا راكعا راجفا بين يديه، وبعد تبادل بعض الجمل القليلة غادر السفير بسرعة، حينها طلب السلطان من أحد وزرائه أن يسأل السفير عن لباس السلطان، وكان رد السفير صادما.. " لم أر السلطان العظيم، فقد خطف بصري السيف المجرد المسنود على قائمة العرش، ولم أر غيره." وعندما نقل الخبر للسلطان، أشار نحو السيف الذي مازال مسنودا قائلا: "طالما بقي حد السيف بتارا، لن ترى عين العدو لباسنا ولن تنتبه إليه، الله لا يرينا اليوم الذي يجعل فيه سيفنا غير بتار وننشغل باللباس والمظاهر .." أورد هذه القصة الكاتب التركي مصطفى أرمغان في كتابه: التاريخ السري للامبراطورية العثمانية وقد نقلتها بتصرف هنا. دعوني أعود إلى عنواني، أنا لا أعتقد أن داعش صنيعة إيرانية أو أمريكية كما يود البعض أن يردد، ولكنهم في نظري صنيعة عربية بامتياز، وإن أردت التوضيح أكثر هم صنيعة الأنظمة العربية التي راكمت على مدى عقود من الزمن ظلما لم يستطع هؤلاء الشباب تحمله فآثروا الموت مقاتلين على القتل مسالمين. تقول المصادر الاستخبارية الغربية بأن أعداد المقاتلين في صفوف الدولة الإسلامية حوالي عشرين ألف شخص، نصفهم لديهم خبرة قتالية يعتد بها والنصف الآخر مازالوا في مرحلة تراكم الخبرات، ولكنهم لن يستطيعوا مجابهة قوة مقاتلة تملك التدريب والتسليح اللازمين لمجابهة عسكرية، فنحن إذن نتحدث عن حوالي عشرة آلاف مقاتل فقط. وقدرت المصادر الغربية بأن تكلفة الحملة على داعش حوالي 21 مليار دولار سنويا، تكفلت بها الدول الخليجية، وهذه الحملة قد تمتد من خمس إلى عشر سنوات في أحسن الأحوال، أي أن خزائن الدول المساندة والداعمة لهذه الحملة ستفرغ من احتياطها المالي قريبا، وقد يؤدي بها ذلك الى إفقار شعوبها و تعطيل تنميتها إن لم يكن موتها. لم تشكل داعش حتى هذه اللحظة خطرا على أي دولة عربية سنية بالمعنى الحقيقي، فهي أعلنت الحرب على النظام السوري و النظام العراقي، ومع اختلافنا في طريقة تفكيرها وأسلوبها وغبائها وجنونها إلا أنها مازالت تستنزف هذين النظامين الطائفيين البغيضين، بل إنها كسرت الهلال الشيعي الذي عملت إيران على تشكيله طوال عقود طويلة من الزمن. وإذا كانت الولايات المتحدة والغرب ترى في داعش خطرا على مصالحها، فدونها إياه، فإن كانت داعش قد قتلت بضع غربيين بطريقة مقززة تبعث على الغثيان فهم قد نكلوا بالآلاف من المسلمين بطريقة أسوأ من ذلك يصعب اللسان عن شرحها والعقل عن استيعابها، من هؤلاء من كان يستسقى به المطر، فدعوا الطرفين يتفاهمان باللغة التي يحسنانها. إن دخول دول الخليج في معركة مثل هذه يجعلها عرضة لانتقام عناصر داعش ودخولها في أزمة هي في غنى عنها من البداية، وفي حال افترضنا أنه تم الانتهاء من تنظيم داعش عسكريا فسيخرج لنا تنظيم آخر باسم آخر وقيادات أخرى، فالأمر لن ينتهي أبدا طالما بقي الاستبداد والظلم، فقد اعتقدت الولايات المتحدة أنها أنهت طالبان في أفغانستان، ولكن الأخيرة مازالت تقاتل هناك وقد بدأت بوادر حوار قادم بعد أن تعب الجميع من القتل، واعتقدت الولايات المتحدة أنها أنهت المقاومة في العراق، ولكن المقاومة مازالت هناك أيضا، فمن الصعوبة إنهاء عارض إن لم يتم تشخيص المرض وعلاجه. لإيران أجنحة عسكرية متعددة أكثر من أن تحصى، حزب الله اللبناني (حالش) وفيلق بدر وكتائب أبو الفضل العباس، وعصائب الحق، والحوثيين وماعش (مليشيا إيران الشيعية في العراق) وغيرها الكثير، وقوائم القتل والتنكيل والتهجير التي قامت بها هذه المليشيات أكثر من أن تسرد، بل إن هناك خلايا نائمة لايران منتشرة في دول الخليج بانتظار الإشارة للتحرك لم نعرف أسماءها بعد، ومع ذلك لم توسم بالإرهاب، فهل المسألة أصبحت انتقائية؟ لقد بدأ السنة يشعرون بهذا الانحياز الواضح الذي أضاف تعاطفا شعبيا مع الحركات السنية مهما كانت درجة الخلاف العقائدي معها، فانتقائية الغرب تغض النظر عن تفاصيل البذور التي تضعها في أرض عنيفة خصبة. ثم إننا لم نعط داعش فرصة الحوار والمناظرة كما فعلنا مع إسرائيل التي مازلنا نتفاوض معها منذ عقود طويلة موقنين بأننا لن نحصل منها على شيء، ولم نعطهم ما أعطينا الحوثيين الذين فاوضتهم الحكومة اليمنية لسنوات طويلة ولم يشفع لها ذلك وانقلبوا عليها، ولم نعطهم الفرصة التي حصل عليها حزب الله الذي أصبح يتحدث باسم لبنان يجره من حرب إلى أخرى ومن مأساة إلى مثلها بل إنه أدخل البلاد والعباد في دوامة عنف لأن هناك من فصل ضابط أمن المطار!! كل هذا بدون أن يحصل الحزب حتى على كلمة لوم في ذلك، ولم نعطهم ما أعطينا حكومة المنطقة الخضراء في العراق التي أهانتنا بتصريحاتها الطائفية البغيضة في إعلامها بشكل فج بعيدا عن الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها، ومع ذلك مازلنا متمسكين بأن اللاحق قد يكون أفضل من السابق حتى وإن درسوا على نفس الشيخ ، ألم تفاوض بريطانيا الجيش الأيرلندي الذي فجر ودمر حتى في العاصمة لندن؟ ألم تفاوض أمريكا كل عصابات الأرض في أمريكا الجنوبية خوفا على مصالحها؟ ألم تفاوض أسبانيا منظمة الباسك؟ هل تريدون أمثلة أخرى؟ إن الأموال التي رصدت لضرب داعش خلال سنة واحدة فقط بالإمكان استخدامها لإغراء الكثير منهم بالعودة إلى ديارهم وإكمال تعليمهم ودمجهم في مجتمعاتهم والحوار معهم، أو على الأقل محاولة ذلك قبل العلاج بالكي. لكم أن تتخيلوا معي لو ما الذي سيقول السلطان سليم عنا الآن، ولكننا أسقطنا السيف ثم تعرينا، بل قد نكون سلمنا سيف السلطان سليم لعدونا.
3280
| 02 أكتوبر 2014
بقينا لعدة أيام نتابع أخبار اليمن، محاولين جهدنا معرفة تفاصيل سقوط صنعاء ومدى صدقها، لم يسعفنا أصدقاؤنا وزملاؤنا اليمنيون، فهم مثلنا.. حجب ضباب تنوع المصادر وتضاربها رؤيتهم، حتى بثت وكالات الأنباء أخبار دخول الحوثي إلى صنعاء دون الحديث عن بعض المذابح التي ارتكبتها قواته في بعض المناطق وبدون ذكر المنازل التي دمرت أو أحرقت أو نهبت، والتي يملكها علماء ووجهاء وناشطون يمنيون، حتى شعرنا بأن العالم كله يتآمر على صنعاء بمن فيهم مراسلو وكالات الأنباء.أول صورة خرجت للعالم بعد ذلك، كانت للرئيس عبدربه في حال توتر واضح على وجهه، محاولا أن يسابق الحوثي الذي كان يمشي بخطوات سريعة إلى الطاولة التي عليها أوراق الاتفاق، تساءلت حينها، من الذي صاغ الاتفاقية؟ ومتى؟ وكيف قرأها كل هؤلاء؟ أليس هذا غريبا؟ تكتب اتفاقية ويتم التوقيع عليها في غضون ساعات فقط؟ أي قدرة خارج إمكانات البشر هذه؟!! تسقط عاصمة عربية موغلة في التاريخ ومشاركة في صناعة أحداث المنطقة ثم لا يحدث شيء!! ولا يشجب أحد!! نجابه بشلل تام في السنة الزعماء وطابعات وكالات الأنباء!! وحتى الأسلحة التي يحملها اليمنيون أينما حلوا وارتحلوا تصمت فجأة!! ماالذي حدث أو يحدث؟الحقيقة التي علينا تقبلها أن الحوثي هو الحاكم الفعلي لليمن الآن، وكل تلك الأوراق التي وقع عليها الموقعون في القصر الرئاسي لا تعدو أن تكون مسرحية تافهة بطلها عبدربه منصور هادي الذي سقطت العاصمة في عهده في يد مجموعة من المسلحين الطائفيين من دون أن يحاول حتى المقاومة، هذا إن أحسنا الظن.كنت في صنعاء عام 2006 عندما قرر علي عبدالله صالح أن يمثل دور الديمقراطي، فنافسه الرجل الأكثر نزاهة في السياسة اليمنية في تلك الفترة، المهندس فيصل بن شملان كمرشح عن أحزاب اللقاء المشترك، تحت شعار: رئيس من أجل اليمن، لا يمن من أجل الرئيس. قررت أن أزور السيد فيصل في منزله في صنعاء، استقبلني شخص على الباب وقادني إلى مجلس متواضع الفرش، جلست هناك بانتظار صاحب المنزل الذي جاء مبتسما ابتسامة هادئة ربما تنم عن قليل من التوتر، فلم يعرف عن السيد فيصل كثرة الظهور الإعلامي.كان اللقاء قصيرا، حاولت خلاله معرفة مدى قناعته بالعملية الديمقراطية في اليمن، وهل يعتقد فعلا أن هناك تحولا ديمقراطيا، لم تكن إجابات الرجل واضحة كما اتذكر، حاول أن يكون دبلوماسيا في ردوده، ولكنه جلس بقربي محنيا ظهره باتجاهي حتى اقتربنا من بعض أكثر مما يفعل صحفي وضيف في مثل هذه الظروف، ولكني خرجت بانطباع أن السيد فيصل كان واضح الهدف، بعيدا عن المظاهر، يحارب في معركة يفتقد إلى السلاح المناسب لخوضها، لا يملك الكثير من الإمكانات، فمجلسه ولباسه وحجم إعلاناته مقارنة بالرئيس كان لا شيء، لست أعرف ما الذي كان يفكر به حينها، ولكني خرجت بقناعة أن الرجل يحارب في معركة خاسرة بكل المقاييس.فعلا خسر السيد فيصل بن شملان، الذي كان يشهد له الجميع بنظافة اليد وحسن الخلق وصدق المنطق، تابعت أخبار الرجل من بعيد، فقد اختفى بعد تلك الانتخابات وقيل لي إنه أصيب بمرض ألزمه البيت، نسيت الرجل حتى سمعت عن خبر وفاته في بداية 2010 في منزله في عدن بعد مرض ألم به.بعد خروجي من منزل السيد فيصل ذهبت إلى المركز الرئيسي للتجمع اليمني للإصلاح في العاصمة صنعاء، وبعد أن عرفت بنفسي قادني أحدهم إلى غرفة كبيرة بها قيادات التجمع الذين استقبلوني بترحاب واضح، فسألتهم أن كان لأحد منهم الرغبة في الحديث عن الانتخابات ثم أكملت مازحا: أنا أعرف أن الرئيس صالح قد أغلق عليكم كل وسائل الإعلام، فإن كان لأحدكم رغبة في الحديث فأنا جاهز.لم يتحدث أحد، اختفت الابتسامات وشعرت بتوتر الجو، فاستأذنت مغادرا.وفي تلك الليلة اتصل بي زميل صحفي طالبا مني مرافقته إلى مجلس شيخ قبلي موال للرئيس لتمضية السهرة، وافقت لسبب واحد هو أن طائرتي كانت في وقت مبكر غدا صباحا، والسهر في منزل الشيخ سيجعل الليل الذي لن أنام خلاله أقصر قليلا، دخلت منزل الشيخ وسلمت عليه، فقال: لقد شاهدتك في مركز التجمع اليمني للإصلاح اليوم، فقلت في نفسي، الآن عرفت لماذا تهرب الجميع من الحديث معي، لقد كان الرجل من المقربين جدا من الرئيس حتى أنه أمضى الليل يحدثنا عن روعة الرئيس وحسن خلقه وطيبة قلبه ووجوب بقائه رئيسا لليمن حتى يرث الله الأرض ومن عليها.عدت إلى الدوحة، وكتبت مقالا قلت فيه إن اليمن مثل السجادة التي قد يغرك نقشها وجمالها وحسن تصميمها، ولكن عليك أن تقلبها وتعد عقدها حتى تتعرف عليها، فظاهرها غير باطنها.هناك الآن بوادر حرب أهلية قادمة ولن ينفع أعضاء التجمع اليمني للإصلاح حرصهم على عدم مواجهة الحوثي، قد تكون هذه مناورة ناجحة من قبلهم في هذه المرحلة الحساسة فقط، ولكنها مناورة لن تدوم، فالحوثي جاء ليحكم، ليعيد تركيب اليمن ويغير ثقافتها وسياستها ودورها، وحتى يقوم بذلك عليه أن يقتل ويسفك الكثير من الدماء، فعقليته ليست سياسية، هي عقلية طائفية مستنسخة من حسن نصر الله، ولكنها تفتقد إلى مرونته ومكره وحساباته وخبرته، أما هذا فهو أحمق قد أعمته القوة وشل تفكيره النصر السريع الذي حققه.سنجد القليل من أمثال فيصل بن شملان الذين يخوضون معارك خاسرة بما لديهم من إمكانات، وسنجد الكثيرين ممن يجيدون اللعب على حبال السياسة من أمثال الشيخ المقرب من الرئيس السابق والذين قد يجدون في الحوثي صورة أخرى للرئيس السابق، لا تهم الصورة إن كان الولاء يتلون.صمت الكثيرون عن أحداث اليمن وتآمر الكثيرون أيضاً عليه، ولكن أحداث اليمن لن تصمت عنهم، فقد يشمون عرق الحوثي قريبا.
1644
| 25 سبتمبر 2014
هاقد استطاع الرئيس الأمريكي حشد أربعين دولة لمقاتلة الدولة الإسلامية المعروفة باسم داعش ( اختصارا لا استحقارا).. وقد حرص على إشراك أكبر عدد من الدول الإسلامية السنية في هذا الحلف حتى لا يظهر وكأنه حرب صليبية ضد الإسلام والمسلمين، وستنقل وسائل الإعلام خلال الحرب القادمة صورا لطائرات عربية تقصف مقرات ومعسكرات داعش ليظهر الأمر وكأن العالم – حتى الإسلامي منه – يشارك في هذه المعركة المصيرية، هل تذكرون الحرب على العراق؟ سيكون الأمر مشابها، ولكن دعونا نتذكر بأن نتيجة تدمير العراق ومن ثم حصاره قد أوصلنا إلى أمر آخر لم يكن يدور في عقولنا، وهو تسليم أمريكا العراق لإيران كهدية. نعم سلمت أمريكا العراق لإيران، هذا ليس قولي، ولكنه قول وزيرة الخارجية الأمريكية التي قالت هذه الجملة خلال حديثها عن العراق في تجمع صغير كنت حاضرا فيه، ثم أضافت: لقد كان من أكبر أخطاء أمريكا في العصر الحديث .دعونا باختصار نضع خارطة الشرق الأوسط أمامنا حتى نرى ما الذي يحصل وقد يؤدي بنا ذلك لاستقراء ما الذي سيحصل.استخدم بشار الأسد كل الأسلحة في ترسانته العسكرية والسياسية لضرب المعارضة، فاستخدم البراميل المتفجرة التي أثبتت الأحداث أنها أسلوب إيراني بامتياز واستخدم القنابل الكيماوية التي تحدث العالم كثيرا عن شجاعة الشباب والشابات الذين شاركوا في تدميرها، ولكن ذات العالم لم يتوقف كثيرا عن الذين دمرتهم هذه الأسلحة وأحالتهم إلى جثث يسيل من أنوفها وأفواهها زبد يوحي بأن هؤلاء الضحايا قد عانوا الأمرين قبل أن تفيض أرواحهم إلى بارئها.لقد بقي الأمر في سوريا عالقا والعالم يتفرج على أكبر مأساة إنسانية في المنطقة وذهبت تهديدات أوباما أدراج الرياح، وعرفنا أن قادة أقوى دولة في العالم قد يتراجعون عن تهديداتهم إن تم تهديد مصالحهم، ولكن لابأس من القتل أحيانا، فالعالم استمع لكتابات إدوارد لتواك بعنوان: أعطوا الحرب فرصة والتي نشرتها دورية فورن أفيرز في 1999 م.. إن صمت الغرب عما يحدث في سوريا هو تطبيق كامل لما كتبه هذه الرجل الذي يرى أن الحروب ليست كلها شرا، بل إن الشر هو في إسكاتها قبل بلوغها مرحلة النضج، فالحروب كما استدل من التاريخ الحديث ترسم طريق التوافق والنهايات السعيدة للمتقاتلين الذين ستدفعهم الحرب لإيجاد صيغة تعايش ترضي جميع الأطراف .إن ما كتبه هذا الرجل يعتبر جريمة في وجهة نظري، فهو مريض نفسيا يرتوي برؤية الدم المتدفق من أجساد الضحايا، ولو أنه قاس ما كتب على نفسه قبل أن يضع قلما على ورقة ماكان كتب ما كتب .حسنا، عرفنا الآن أن المسألة السورية برمتها تجربة حية لنظرية إدوارد لتواك التي تبنتها الإدارة الأمريكية.. ولكن ماهي نتيجة هذه النظرية ؟ خرجت داعش من رحم المأساة وتصادمت مع بقية الفصائل المقاومة في الساحة السورية، فالدولة الإسلامية كما يحب أنصارها تسميتها تشكلت في وعي عناصرها على أنها الدولة المنقذة وهي تجسيد لتاريخ حفر في العقول لعقود طويلة ولابد من تجسيده على أرض الواقع، ولهذا السبب لاتسمح هذه الدولة لغير عناصرها بحمل السلاح وتنظيم المدن وحتى برعاية الأيتام والأرامل، فهي الدولة وعلى الجميع السمع والطاعة والمبايعة.إن شعور عناصر الدولة بأنهم هم الدولة والأمة وليسوا جزءا منها أضاف في وعيهم نوعا من التقديس للخليفة الذي هو أقرب إلى المهدي المنتظر منه إلى خادم الشعب حسب رؤية عامة المسليمن للخليفة كما جسدتها سير الخلفاء الأولين .هناك حقيقة غابت عن الدول السنية المشاركة في الحرب على داعش، وهي أن سنة العراق شئنا أم أبينا ارتبط مصيرهم بداعش، بمعنى أن في حال سقوط داعش وهزيمتها ستكتسح الميليشيات الشيعية المناطق السنية آخذة بثأر الحسين والأئمة الاثنا عشر وكل شيعي سقط صريعا سواء في الهند أو في أدغال إفريقيا، بمعنى أن سنة العراق سيبادون عن بكرة أبيهم ذبحا وحرقا محملين ذنب كل دم سفك في العراق وخارجه.إن كان ولابد من المشاركة في الحرب ضد داعش، فلتفاوض الدول الإسلامية السنية على إسقاط بشار ، ومشاركة السنة في حكم العراق بشكل جاد بعيدا عن المناورات التي استهلكتنا واستهلكناها من قبل إيران وأنصارها في المنطقة الخضراء، وتحجيم الحوثي بضمه إلى قائمة الجماعات الإرهابية التي حفلت بمسميات حركات سنية مستثنية الشيعية منها.لن يستطيع هذا الحلف الأربعيني من الدخول فعليا في حرب ضد داعش بزخم مرغوب إن لم تنضم له الدول السنية، فضعوا شروطكم على الطاولة، واحصلوا لشعوبكم على شيء من الكرامة قبل أن تكتشفوا أنكم كنتم قطعة غيار في آلة حرب كبيرة ليس أكثر.
1191
| 12 سبتمبر 2014
حسنا، إنه رمضان، وأنتم لا تريدون قراءة أي موضوع يتحدث عن هدر المال العام أو عن الإعلام، فما بالك في موضوع يتحدث عن دور الإعلام في هدر المال العام!! لكن دعوني أصرخ في واد محاولا تبرئة ذمتي، فربما يكون هناك من يسمع، فهذا ليس المقال الأول عن ذات الموضوع، فقد سبق وأن كتبت مقالا بعنوان: أنقذوا الجزيرة أمريكا، واخترت أن يكون هذا المقال بعنوان: هل ستنقذنا الجزيرة أمريكا؟كتب جيك شافير في وكالة رويتر بتاريخ 9 يوليو 2014 تقريرا مطولا ساخرا بعنوان: أيهما أكثر ندرة؟ وحيد القرن أم مشاهدي الجزيرة أمريكا؟ متحدثا عن دور القناة في وسط كم كثيف من وسائل الإعلام الأمريكية الأخرى، وأرجو ألا يخلط القارئ بين الجزيرة الإنجليزية والجزيرة أمريكا، فهو يتحدث عن الجزيرة أمريكا ونحن كذلك. دعوني في البداية أشرح كيف ظهرت الجزيرة أمريكا حتى يعلم القارئ تاريخها وكيف تم شراؤها ولماذا؟ كان لنائب الرئيس الأمريكي السابق Al Gore قناة اسمها Current TV، لم يكن يشاهدها سوى 35 ألف أمريكي في فترة الذروة، فاعتبرت حينئذ قناة فاشلة يتوجب على مالكها التخلص منها، فوجودها أسوأ من عدمها، فباعها هذا الرجل على قناة الجزيرة التي اشترتها بحوالي نصف مليار دولار، وصرفت عليها ما يقارب من نصف مليار أخرى لتطويرها وتحديثها، ودفعت مبلغا آخر مازال سريا لشركة الكيبل لتقنعها بضمها إلى حزمة من القنوات الأخرى وتدخلها إلى 55 مليون منزل أمريكي، والقناة مازالت تصرف لتفتح لها 12 مكتبا إقليميا بتكلفة مئات الملايين من الدولارات (كما يقول الكاتب) http://america.aljazeera.com/tools/contact.html لنفاجأ أن مشاهدي القناة قد هبط عددهم ليكون حوالي 15 ألف في وقت الذروة، وحتى أعطيكم مقارنة مع القنوات الأمريكية فقناة فوكس نيوز يشاهدها 1.6 مليون مشاهد والسي إن إن 460 ألف مشاهد، والجزيرة أمريكا 15 ألف مشاهد فقط، حتى أصبحت هدفا للتندر في وسط الإعلام الأمريكي. يقول الكاتب مواصلا حديثه (وكأن أمريكا تهز كتفيها وتقول هيا اصرفوا ملايينكم ووظفوا من تريدون، اشحنوا غرفة أخباركم بكل الصحفيين التي تستطيع أموالكم شراءهم، وأغرقوا المكان بمراسليكم، وابنوا استوديوهات حديثة، سيكون هناك المزيد من هز الكتف.. حتى إذا تعثر المواطن الأمريكي في قناتكم وهو يقلب القنوات سيبىقى يهز كتفيه)وفي برنامجه الكوميدي المشهور الذي يشاهده الملايين من الأمريكيين قال Leno Weighing مخاطبا الجزيرة أمريكا: أنتم تعرفون أنكم مملون جدا عندما يتكشف الناس أن نائب الرئيس الأمريكي السابق Al Gore أكثر تسلية منكم.وكتب David Zurawil في صحيفة البلتمور صن: لقد فقدت القناة 48% من مشاهديها مابين 2005 وحتى 2013 مما يدل على أن الجزيرة أمريكا تبحث عن مشاهدين على وشك الانقراض.لن نريد أن نحمل الجزيرة أمريكا أكثر من طاقتها، فهي تعمل في عش الدبابير، أو قل في غابة الديناصورات واسمها قد يكون جزءا من مشكلتها كما قال البعض، ولكن أليس علينا واجب مراجعة دورها ورؤيتها وعملها وموازنتها؟لم تنقذنا الجزيرة أمريكا كما كنا نتوقع، بل قد تكون جعلتنا هدفا رخوا لهجوم إعلامي لن نستطيع مواجهته. لقد كادت الجزيرة أمريكا أن تصبح المثال الحي في الوقع الأمريكي الذي يخسر الكثير ومع ذلك يتم الصرف عليه ببذخ، وهذه بحد ذاتها قضية تثير السخرية.
2272
| 17 يوليو 2014
توقفت عدة سيارات تحمل أعلام الدولة الإسلامية في العراق والشام أمام منزل ضابط كبير متقاعد سبق له العمل في الجيش العراقي في عهد صدام حسين، لم يكن واضحا ما بداخل السيارات، فقد كانت نوافذها مظللة، نزل منها عدة رجال مسلحين ودخلوا المنزل ثم خرجوا مصطحبين الضابط الذي خرجت خلفه زوجته وابنه محاولين معرفة ما الذي سيحصل لمعيلهم.اعتقلت الدولة الإسلامية في مدينة الموصل ما بين 25 إلى 60 ضابطا كبيرا من الذين سبق لهم العمل في الجيش العراقي قبل الغزو الأمريكي للعراق، وقد اتصل مراسل وكالة رويتر بابن الضابط الكبير الذي أخبره باكيا بتفاصيل عملية الاعتقال.هذه القصة نشرتها الوكالة بتاريخ 8 يوليو 2014، أي بعد ظهور البغدادي علنا، معتليا منبر أحد المساجد مستدعيا التاريخ في خطبة بدت مضحكة وخصوصا حين استخدم جملا شوهتها بيئة خروجه والظروف المحيطة بمناسبتها.أي أن البغدادي وهو يتحدث إلى عموم المسلمين معلنا عن نفسه، كان قد خطط لاعتقال ضباط الجيش العراقي السابق، في تناقض غريب بين الحديث والفعل، فقد أسكرته نشوة النصر الذي شاركه فيه مختلف فصائل المقاومة العراقية من بعثييها وحتى نقشبندييها مرورا بقبلييها مرت الدولة الإسلامية بتجربة دمغتها بدمغة سوداء لن تمحوها الأيام، ففي كل إقليم جغرافي تتواجد فيه وترفع عليه علمها تمنع الآخرين من العمل بحرية، فهي الحركة الطاهرة المطهرة التي لها حق الدفاع عن المظلومين في كل مكان، وعلى الجميع السمع والطاعة، ومن أبى فليس له سوى القتل بطريقة بشعة يتم تصويرها ونشرها إلكترونيا لبث الرعب في كل من تسول له نفسه التشكيك في شرعيتها.هي العادة المستحكمة في تاريخنا الحديث، حين يخرج علينا مجموعة من الشباب المتحمس، قليل العلم، مستدعيا التاريخ في مخيلته، يعيش أحداثا تاريخية صورها في أبهى صورها كما يراها صغيرا، وبقيت في عقله تكبر بكبره، فيحاول تطبيقها دون النظر إلى العالم نظرة فاحص متأمل في أحداثه ودوله وتوازناته ومتغيراته، فجملة: وليت عليكم ولست بخيركم، تتطلب الشورى في جو من الحرية والمساءلة ومراقبة الأداء والرضا العام وتحمل النقد، أما اجتزاء الحديث وفصله عن الحدث فهو يشوهه، بل يدمره ويجعل الأمر مضحكا أو أن شئت مبكيا.بدأ الأمر في الشيشان، فبسبب هذا الحماس غير المنضبط، دخلت الدبابات الروسية إلى غروزني ودمرتها عن بكرة أبيها، وانتشر اللاجئون في مختلف دول وسط آسيا باكين على بيوتهم ومزارعهم وأبنائهم وحياتهم، ثم تكرر الأمر في أفغانستان والصومال وبعدهما سوريا، فقد انتزعت داعش النصر من قبضة الجيش الحر والكتائب الإسلامية الأخرى، ونشرت ثقافة قطع الرؤوس والتهديد والوعيد، والمطالبة بمبايعة البغدادي الذي كان حينها شبحا لم يره أحد، فمن مد يده سلم ومن أبى قطع رأسه علنا ليكون عبرة لغيرة.لست أشك في صدق مقاتلي داعش وشجاعتهم وإخلاصهم، ولكن عليهم مساءلة قادتهم والتفكير فيما يفعلونه وكيف يفعلونه، فدم المسلم حرام وماله حرام وترويعه حرام وحتى دماء غير المسلمين وأموالهم وحرمة منازلهم وحرياتهم يجب أن تضبط بضابط الشرع ولا تسيرها الرغبة في الانتقام فقط.ما الذي سيحدث في العراق الآن؟ نشر موقع الـ CNN بتاريخ 3 يوليو تقريرا يذكر أن ما تسيطر عليه داعش في سوريا يبلغ خمسة أضعاف مساحة لبنان، وأنها تسيطر على حقل العمر الذي يبلغ حجم إنتاجه 75 ألف برميل يوميا. أما بعد أن دخلت العراق وأعلنت أنها أزالت حدود سايكس بيكو وتوغلت حتى مشارف بغداد فقد حصل التالي: أصبحت سيطرة الدولة الإسلامية على خط طولي من شمال بغداد وحتى الباب في حلب بطول 1060 كيلو مترا، وبسطت سيطرتها على ريف حلب الشمالي، ودير الزور والرقة وها هي الآن على مشارف بغداد، أي أنها مساحة شاسعة جدا يسكنها حوالي 12 مليون نسمة كلهم من السنة تقريبا.إن أعداد عناصر الدولة بضعة آلاف فقط، ولكن أسلوبهم الاستخباري وطريقة التخلص من مخالفيهم أثبتت أنهم يحسنون بث الرعب أمامهم وحولهم، فهي سيطرة خوف وليست سيطرة نظام، مما يجعل كل المنظومة هشة قابلة للهدم حين تحين الفرصة لذلك.نعود إلى الضباط الذين تم إلقاء القبض عليهم مؤخرا، فهؤلاء الضباط هم معيار الحكم النهائي غير قابل للاستئناف الذي سيطلقه الناس على داعش، فإن هي أجبرتهم على مبايعة البغدادي ثم أطلقت سراحهم، فهي حركة دينية يغلب عليها ما ذكرناه سابقا، أما إن أعدمتهم، فقد سجلت نفسها في سجل العمالة الإيرانية، مثبتة التهمة التي سبق وأن أطلقها عليها أعداؤها.
1232
| 10 يوليو 2014
عندما قرر جورج بوش الابن، غزو العراق في 2003 استطاع أن يحشد عددا مهولا من الحلفاء معه، فقد أرسلت الولايات المتحدة 148 ألف جندي، وبريطانيا 45 ألف جندي، وشاركت 38 دولة أخرى بأعداد رمزية، فقد كانت أعلام الدول المشاركة وأزياء جنودها وتنوع أسلحتهم أوحى لنا بأن العالم كله قد اجتمع في معركة مصيرية لإسقاط صدام حسين، ولكن الأسباب التي ساقتها كل من واشنطن ولندن لم تكن لتتماسك أمام المعارضين لهذه الحرب، واكتشف العالم بعد فوات الأوان أنها حرب غير نبيلة وغير عادلة كما صورها الإعلام، بل إنها كانت كارثية على العراق والمنطقة لعقود إن لم تكن لقرون قادمة.حسنا، ما الذي كان سيفعله بوش الابن لو ظهرت داعش في العراق واحتلت الموصل وكل مناطق الأنبار وسيطرت على حوالي 60 % من مساحة العراق؟ فما هي الأسباب التي كان سيسوقها لنا؟ وهل كان سيتردد في دخول حرب ضدها؟ في نظري أن الأسباب التي قد تسوقها واشنطن لضرب العراق في هذه الظروف أكبر وأكثر وأكثر إقناعا من الأسباب التي ساقتها لحرب العراق في 2003، ولكن مع ذلك لم تتدخل، ولم تتحمس لضربات جوية، بل كانت تتحدث بحذر، مختارة كلماتها بعناية دقيقة كعادتها حين تتصرف مع قضايا حساسة، ولكن ما الذي دعاها لذلك أصلا؟ نشر معهد كندي التابع لجامعة هارفرد تقريرا عن تكاليف الحروب التي خاضتها واشنطن في كل من أفغانستان والعراق، والتقرير جدير بالقراءة والتأمل خصوصا أن تداعيات الحربين مازالت باقية لتضيف إلى تلك الفاتورة الضخمة الكثير من الأرقام بشكل يومي.بلغت تكلفة هذه الحروب 6 تريليونات دولار، أي رقم 6 وبجانبه 12 صفر، فقد دفع كل مواطن أمريكي لهذه الحروب الطويلة التي استمرت حوالي 10 سنوات 75 ألف دولار، لقد أضافت هذه الحروب ما قيمته 20 % إلى الدين الذي تعاني منه الموازنة الأمريكية أصلا، ودفعت واشنطن حتى الآن 260 مليار دولار أرباحا على ديونها جراء هذه الحروب والمتوقع أن تكون إجمالي الأرباح على إجمالي الدين في حدود ألف مليار، أي ترليون واحد.وذكر التقرير أن هذه الحروب كانت من أكثر الحروب كلفة في التاريخ الأمريكي، فحتى تاريخ نشر التقرير لم يتم تحديد تكاليف هذه الحرب ولم تغلق الموازنات المرصودة لتداعياتها، فبناء على هذه الدراسة فإن هناك حوالي مليون ونصف عسكري أمريكي مازالوا يحصلون على علاجات طبية قد تستمر لبقية حياتهم.فواحد من كل شخصين حاربوا في العراق أو أفغانستان تقدم بطلب للحصول على تقرير للإعاقة الدائمة، مما يعني أن الدولة ستكون مسؤولة عنه طوال حياته متحملة راتبه وعلاجه بدون أن يقدم هذا المريض أي مساهمة للمجتمع، وتضاعفت موازنة العسكريين المتقاعدين إلى أكثر من 140 مليار دولار في 2013 بعد أن كانت 61.4 مليار في عام 2001 وأصبحت تستهلك 3.5 % من الموازنة الأمريكية.بعد هاتين الحربين، ومع توقع واشنطن بمرور عقود قبل ظهور عدو محتمل، خرجت مشكلة الإسلاميين في الصومال، ثم القرصنة التي كلفت المجتمع الدولي مابين 7 إلى 12 مليار دولار كما ذكر السفير البريطاني في الصومال والمقيم في نيروبي في مقاله الذي نشر في في موقع فورن آند كومنولث أوفس.ومع انتهاء مشكلة القرصنة وبقاء مشكلة الإسلاميين، ظهرت مشكلة إسلاميي الصحراء الكبرى والتي قررت الولايات المتحدة وأوروبا وضع حد لها بإنشاء قيادة مشتركة ومراقبتها بالطائرات بدون طيار، ثم ظهرت مشكلة إسلاميي مالي فجأة، فتصدت لها فرنسا نظرا لتردد الولايات المتحدة وخوفها من الدخول في حرب استنزافية أخرى، وقد كلفت هذه الحرب الخزانة الفرنسية 2.7 مليون يورو يوميا دفعتها دولة خليجية معروفة.ولم تكد مشكلة مالي تنتهي حتى ظهرت الأزمة السورية التي أخرجت الكثير من الحركات الإسلامية إلى الساحة، كان من أبرزهم داعش والنصرة وكتائب أخرى رفعت ألوية مشابهة مما أثار حفيظة الغرب وقرر الوقوف على الحياد بانتظار أن تستهلك الحرب السورية كل أعدائهم.ثم فجأة وبدون مقدمات، ظهرت داعش في العراق، وكسبت الكثير من الأراضي والأسلحة والمعدات والجنود والأنصار، واحتلت مساحة شاسعة من العراق وفرضت سيطرتها على مدن وتقاطعات للطرق ومعسكرات للجيش، ثم أعلنت أن الخليفة سيكون من بين عناصرها وكأنها تستبق الأحداث وتتوقعها.لقد سببت الحركات الإسلامية الجهادية استنزافا بالغا وقاتلا للموازنة الأمريكية، فهي تختفي في قارة لتخرج في أخرى، في ظاهرة لن تتوقف كما يبدو، ولكن هل نتوقع أن تغير الولايات المتحدة أسلوبها؟ هل نتوقع أن تتحدث مع هذه الحركات لتعرف ما تريد؟ أم أن العناد سيدفع بالعالم إلى مواجهات شرسة ستستهلك كل ثرواته ولن يخرج منها أحد منتصرا؟ في رأيي أن أمريكا ستبقى على عنادها، فطالما هناك من يريد أن يتحمل تكاليف حروبها كما تفعل بعض دول الخليج، وهناك من يريد أن يحقق مصالحها إن تقاطعت مع مصالحه كما تفعل إيران.. فإن الحروب والأزمات ستستمر.
968
| 03 يوليو 2014
إن ما يحصل في العراق غير مفهوم أبدا، لقد تابعت بشغف كاد أن يكون مرضا- العديد من الصحف الأمريكية ومراكز الدراسات وحسابات تويترية وهمية وغير وهمية في محاولة لمعرفة ما الذي يحدث هناك، واكتشفت خلال هذه المتابعة تضاربا في الأخبار وعدم دقة في البحث وتناقلا غير موثق وصورا مزورة ومقاطع فيديو مفبركة وقديمة أعيد نشرها والتعليق عليها لتخدم وجهة نظر ناشرها، وشاركت في هذه المهزلة وسائل إعلام رسمية وغير رسمية، وأصبحت هذه بدورها تسرق من الإنترنت بدون أن تتأكد، فهي أيضاً تريد أن تربح في سوق الأخبار كما يفعل غيرها، فقد اختفى المراسلون فجأة وكأنهم هناك فقط لنقل أخبار نوري المالكي وحاشيته وبرلمانه وشيء قليل من معارضته إن توفر لهم الأمن والأمان وحصلوا على بدلات تكاد تعادل ما يأخذه أعضاء حكومة المالكي.خلال هذه الحفلة التي دعي لها الجميع عدا الإعلاميين تذكرت زميلنا تيسير علوني حين كان في أفغانستان ينقل أخبار ما يحدث على الأرض بعد أن انسحبت قوات طالبان تاركة كابل لقدرها، ولم تجد العراق "تيسيرا" آخر ينقل تفاصيل انتفاضتها، فبقيت ثورتها مبهمة يحيط بها الظلام من كل جانب وكأن هذا هو حظ بغداد من العرب، تموت بمباركتهم وتحيا بغيابهم.خرج أبوبكر البغدادي من سجن بوكا ملوحا لسجانيه بيده قائلا لهم: أراكم في نيويورك.لم يكن سجانوه يعرفون ما الذي يدور في رأسه، ولكنهم ابتسموا له بدورهم وهم يرون هذا الشاب الذي خرج من زنزانته هزيلا مكسورا محطم النفس، معتقدين أنه سيبحث له عن زاوية يعيش فيها بعد أن ذاق الأمرين في معتقل افتخروا بتسميته على اسم إحدى ضحايا 11 سبتمبر، فهم جاءوا للثأر أيضاً كما جاءت إيران من أجل ثأر قديم لم يفارق وعيها منذ معركة القادسية، فابتدع دهاقنة الفرس حينها دينا يبقي أتباعه واقفين على أطراف أصابعهم استعدادا لمعركة تزيل أعداءهم وتمحق جيرانهم، يرمى حطبها في عقول أتباعها في كل مناسبة لطم أو ذكرى وفاة أو ولادة، فتتحول الحسينيات إلى محاضن لغسل الدماغ والاستعداد ليوم الثأر.إذن لقد أصبحت العراق نقطة التقاء أصحاب الثأرات، ثأرات الحسين وثأرات بوكا متناسين أن العرب السنة في العراق ليس لهم دور في مقتل ريحانة الجنة الأول ولا في مقتل السيد بوكا في نيويورك، ولكن نوري المالكي بقى يذكر شركاءه السنة بدورهم في مقتل الحسين في كل خطبه وفي كل مناسبة، وكأن الحسين قتل في الرمادي أو في الفلوجة أو الموصل، ولكنه الحقد الأعمى الذي تغلغل إلى تجاويف العقول فأحالها عمياء صماء عن رؤية الحق والإنصات له.منذ أن خرجت داعش إلى العلن وهي في صراع مع محيطها، صراع غير واقعي، فهي تشعر أنها تملك الأرض والبشر حين ترفع علمها على جغرافية تعلنها لها، فقد أثخنت في كتائب المقاومة السورية كما أثخنت في جيش بشار وشبيحته، وخطب البغدادي تحوي الكثير من المعلومات التي جمعت له، ولكنه يصل إلى نتائج غير واقعية لها، فصحة المعلومات لا تعني صحة النتائج بالضرورة، فمعاداة النظام السوري لا تعني إبعاد كتائب المقاومة الأخرى عن الساحة.سنتغاضى عن عيوب داعش لبعض الوقت الآن، فهم الذين أشعلوا الثورة في العراق، ولهم الفضل في ذلك، ولكننا سنبقى نتابع نتائج هذه الثورة متمنين أن تشعر قيادة داعش أنها تعمل مع فصائل أخرى قد لا تتوافق مع رؤيتها وتصرفاتها، مع أنني لاحظت أن بيانات فصيل عراقي مهم قد بدأ يتغير بعد أن شعر أن داعش تريد الأرض ومن عليها تحت يدها ورهن إشارتها، مملية على ساكني الجغرافيا التي تحتها شكل اللباس والعبادة والتفكير.الدارس لتاريخ الثورات يرى أمرا غريبا، فكل الثورات التي حدثت في التاريخ تحمل أيدلوجية الفصيل الأكبر، ثم يتشظى هذا الفصيل ليدخل في صراعات مع ذاته ومع الآخرين، ثم يعاد تشكيل هذه الجبهات لتتصارع حتى تصل إلى نتيجة واحدة: نحن شعب واحد، ولابد أن نتعايش بما يرضي الجميع، ثم تكون دولة المواطنة، وتصبح الثورة وأحداثها وصراعاتها وضحاياها تاريخا، يدرس أحيانا، وينسى أحيانا كثيرة.لن أنسى ما قاله لي سياسي عراقي كان عضوا في البرلمان، فقد اتصلت به من عدة سنوات أسأله عن حاله بعد صراع سياسي غير متكافئ مع رئيس الوزراء: "سنتصارع لسنوات طوال، ثم سيعرف الجميع أن الصراع لن ينتهي، وحين نصل جميعا إلى هذه النتيجة سيكون الحل قريبا".
1207
| 19 يونيو 2014
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4587
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3399
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1362
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1197
| 28 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
1104
| 02 أكتوبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
885
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
852
| 30 سبتمبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...
792
| 05 أكتوبر 2025
لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...
768
| 03 أكتوبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
723
| 02 أكتوبر 2025
في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...
633
| 30 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية