رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هاقد استطاع الرئيس الأمريكي حشد أربعين دولة لمقاتلة الدولة الإسلامية المعروفة باسم داعش ( اختصارا لا استحقارا).. وقد حرص على إشراك أكبر عدد من الدول الإسلامية السنية في هذا الحلف حتى لا يظهر وكأنه حرب صليبية ضد الإسلام والمسلمين، وستنقل وسائل الإعلام خلال الحرب القادمة صورا لطائرات عربية تقصف مقرات ومعسكرات داعش ليظهر الأمر وكأن العالم – حتى الإسلامي منه – يشارك في هذه المعركة المصيرية، هل تذكرون الحرب على العراق؟ سيكون الأمر مشابها، ولكن دعونا نتذكر بأن نتيجة تدمير العراق ومن ثم حصاره قد أوصلنا إلى أمر آخر لم يكن يدور في عقولنا، وهو تسليم أمريكا العراق لإيران كهدية.
نعم سلمت أمريكا العراق لإيران، هذا ليس قولي، ولكنه قول وزيرة الخارجية الأمريكية التي قالت هذه الجملة خلال حديثها عن العراق في تجمع صغير كنت حاضرا فيه، ثم أضافت: لقد كان من أكبر أخطاء أمريكا في العصر الحديث .
دعونا باختصار نضع خارطة الشرق الأوسط أمامنا حتى نرى ما الذي يحصل وقد يؤدي بنا ذلك لاستقراء ما الذي سيحصل.
استخدم بشار الأسد كل الأسلحة في ترسانته العسكرية والسياسية لضرب المعارضة، فاستخدم البراميل المتفجرة التي أثبتت الأحداث أنها أسلوب إيراني بامتياز واستخدم القنابل الكيماوية التي تحدث العالم كثيرا عن شجاعة الشباب والشابات الذين شاركوا في تدميرها، ولكن ذات العالم لم يتوقف كثيرا عن الذين دمرتهم هذه الأسلحة وأحالتهم إلى جثث يسيل من أنوفها وأفواهها زبد يوحي بأن هؤلاء الضحايا قد عانوا الأمرين قبل أن تفيض أرواحهم إلى بارئها.
لقد بقي الأمر في سوريا عالقا والعالم يتفرج على أكبر مأساة إنسانية في المنطقة وذهبت تهديدات أوباما أدراج الرياح، وعرفنا أن قادة أقوى دولة في العالم قد يتراجعون عن تهديداتهم إن تم تهديد مصالحهم، ولكن لابأس من القتل أحيانا، فالعالم استمع لكتابات إدوارد لتواك بعنوان: أعطوا الحرب فرصة والتي نشرتها دورية فورن أفيرز في 1999 م..
إن صمت الغرب عما يحدث في سوريا هو تطبيق كامل لما كتبه هذه الرجل الذي يرى أن الحروب ليست كلها شرا، بل إن الشر هو في إسكاتها قبل بلوغها مرحلة النضج، فالحروب كما استدل من التاريخ الحديث ترسم طريق التوافق والنهايات السعيدة للمتقاتلين الذين ستدفعهم الحرب لإيجاد صيغة تعايش ترضي جميع الأطراف .
إن ما كتبه هذا الرجل يعتبر جريمة في وجهة نظري، فهو مريض نفسيا يرتوي برؤية الدم المتدفق من أجساد الضحايا، ولو أنه قاس ما كتب على نفسه قبل أن يضع قلما على ورقة ماكان كتب ما كتب .
حسنا، عرفنا الآن أن المسألة السورية برمتها تجربة حية لنظرية إدوارد لتواك التي تبنتها الإدارة الأمريكية.. ولكن ماهي نتيجة هذه النظرية ؟
خرجت داعش من رحم المأساة وتصادمت مع بقية الفصائل المقاومة في الساحة السورية، فالدولة الإسلامية كما يحب أنصارها تسميتها تشكلت في وعي عناصرها على أنها الدولة المنقذة وهي تجسيد لتاريخ حفر في العقول لعقود طويلة ولابد من تجسيده على أرض الواقع، ولهذا السبب لاتسمح هذه الدولة لغير عناصرها بحمل السلاح وتنظيم المدن وحتى برعاية الأيتام والأرامل، فهي الدولة وعلى الجميع السمع والطاعة والمبايعة.
إن شعور عناصر الدولة بأنهم هم الدولة والأمة وليسوا جزءا منها أضاف في وعيهم نوعا من التقديس للخليفة الذي هو أقرب إلى المهدي المنتظر منه إلى خادم الشعب حسب رؤية عامة المسليمن للخليفة كما جسدتها سير الخلفاء الأولين .
هناك حقيقة غابت عن الدول السنية المشاركة في الحرب على داعش، وهي أن سنة العراق شئنا أم أبينا ارتبط مصيرهم بداعش، بمعنى أن في حال سقوط داعش وهزيمتها ستكتسح الميليشيات الشيعية المناطق السنية آخذة بثأر الحسين والأئمة الاثنا عشر وكل شيعي سقط صريعا سواء في الهند أو في أدغال إفريقيا، بمعنى أن سنة العراق سيبادون عن بكرة أبيهم ذبحا وحرقا محملين ذنب كل دم سفك في العراق وخارجه.
إن كان ولابد من المشاركة في الحرب ضد داعش، فلتفاوض الدول الإسلامية السنية على إسقاط بشار ، ومشاركة السنة في حكم العراق بشكل جاد بعيدا عن المناورات التي استهلكتنا واستهلكناها من قبل إيران وأنصارها في المنطقة الخضراء، وتحجيم الحوثي بضمه إلى قائمة الجماعات الإرهابية التي حفلت بمسميات حركات سنية مستثنية الشيعية منها.
لن يستطيع هذا الحلف الأربعيني من الدخول فعليا في حرب ضد داعش بزخم مرغوب إن لم تنضم له الدول السنية، فضعوا شروطكم على الطاولة، واحصلوا لشعوبكم على شيء من الكرامة قبل أن تكتشفوا أنكم كنتم قطعة غيار في آلة حرب كبيرة ليس أكثر.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
9027
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6540
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5733
| 14 أكتوبر 2025