رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عندما يختفي الإنسان بين النصوص!!

بحثت عن نص الاتفاقية الأمنية التي وقعتها دول مجلس التعاون فيما بينها، فقد تكون هذه الاتفاقية هي التي استندت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة لحجز الدكتور محمود الجيدة لمدة تسعة أشهر من دون محاكمة وبدون تهمة واضحة حتى الآن، ولكني تفاجأت خلال بحثي بوجود اتفاقية تم اعتمادها خلال الدورة الثالثة والثلاثين المنعقدة في البحرين بتاريخ 24 و25 ديسمبر من عام 2012، أي أنها اتفاقية جديدة نسبيا، ولكن الغريب أن مسودة هذه الاتفاقية لم تناقش قبل إقرارها بشكل واضح وصريح في وسائل الإعلام الخليجية وكأن هناك رغبة في إبقائها غير علنية حتى يتم اعتمادها بشكل كامل. حفل الإعلام الكويتي دون غيره بالكثير من النقاشات عن هذه الاتفاقية بعد اعتمادها، أما بقية دول الخليج فلم يكن إعلامها بقدر المسؤولية لمناقشة حدث كبير مثل هذا، فلم أجد أي نقاش لهذه الاتفاقية في أي موقع إخباري خليجي آخر، وحتى الموقع الرسمي لمجلس التعاون الخليجي والذي هو في نظري موقع احتفالي أكثر منه خبري لم ينشر نص الاتفاقية بل نشر فقرة صغيرة عنها تبدأ بديباجة تقليدية باهته لم تتغير منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي في 1981 وكأن كل قادم جديد على هذا الموقع يتعلم من أستاذه القديم من دون أي مبادرة لتغيير أسلوب كتابة الأخبار وصياغتها أو على الأقل نشر الاتفاقيات الموقعة به. من الغريب أن مجلس التعاون مازال يقع في ذات الأخطاء التي وقع فيها منذ أن تم التوقيع على اول اتفاقية أمنية، فوجود مثل هذه الاتفاقيات بين دول المجلس لايعني أنها نافذة فاعلة أن لم يتم تطوير الأجهزة الأمنية والقضائية، فالمصطلحات يتم التلاعب بها على حسب الرغبة، ومازالت كلمة مثل (الإرهاب) لها عدة معاني تترجمها كل دولة كما يصلح لها ويتناسب مع توجهها الأمني، وكلمة التشريعات الخليجية كلمة هلامية غير واضحة، فعن أي تشريعات يتم الحديث أن كانت أغلب دول الخليج تفتقد لآليات واضحة لإصدار لتشريعات ووضعها موضع التنفيذ من دون استثناءات وتدخلات؟ أما الأنظمة القضائية في أغلب دول الخليج فما زالت غير مستقلة بالمفهوم المتعارف عليه دوليا، وحتى أسلوب اختيار القضاة وتدريبهم وترقيتهم تتم وفق معايير تجاوزها الزمن منذ فترة طويلة، وعلى ذلك فإن أي اتفاقية ستترجم بشكل مختلف باختلاف الجغرافيا والوضع السياسي والأمني. وحتى نعرف سبب التعامل مع الاتفاقية الأمنية بنوع من التكتم يجب أن نعرف الظروف التي خرجت فيها، فهي في ذروة أحداث الربيع العربي، أي أن هناك من يريد أن يستخدمها لوقف موجات المطالبة بالإصلاح، وهناك من يعاني من اضطرابات داخلية يحاول أن يستخدمها لصالحه، وهناك من أصابته حمى الخوف من الإسلاميين فوجد فيها فرصة لاعتقال من يحب اعتقاله. قرأت نص الاتفاقية ووجدت أنها صيغت بأسلوب (ركيك) غير واضح وغير مفصل، وكان من كتبها لم يكمل مستواه العلمي المطلوب للعمل في هيئة قانونية يقع عليها عبء كتابة النصوص القانونية بشكل دقيق غير قابل للتأول والتفسير. دعوني أعطيكم مثلا على ذلك، ففي البند السادس من الاتفاقية كتب هذا النص عمل الدول الأطراف، قدر الإمكان على الآتي: أ ـ تبادل المعلومات والخبرات التي من شأنها الإسهام في تطوير سبل منع ومكافحة الجريمة على اختلاف أشكالها وأنواعها، لاسيَّما الجريمة المنظمة عبر الوطنية المستجدة، وتقديم الدعم الفني في جميع الشؤون الأمنية بما يحقق التكامل المنشود. فما معنى: لاسيَّما الجريمة المنظمة عبر الوطنية المستجدة؟ كنت اعتقد بعد أن قرأت هذا النص انه خطأ مطبعي ولكني شاهدت في موقع إخباري كويتي لقاء مسجل مع السيد أحمد السعدون رئيس مجلس الأمة السابق، ذكر فيه هذا النص كما هو مكتوب أعلاه، وطالب أن يشرحه له أحد لأنه لم يفهمه وأنا أيضاً أضم صوتي للسيد السعدون وأعلن أنني لم افهم شيئا وأطالب أن يشرح لي احدهم المقصود هنا. ثم أريدكم أن تقرأوا المادة 16، وتقولي لي إن كنتم تفهمون أي شيء منها، ففيها النص التالي: عمل الدول الأطراف وفقا لما تقضي به التشريعات الوطنية والاتفاقيات التي تلتزم بها الدولة الطرف المطلوب منها التسليم على تسليم الأشخاص الموجودين في إقليمها، الموجه إليهم اتهام، أو المحكوم عليهم من السلطات المختصة لدى أي منها. وما معنى التسليم على تسليم؟ لست قانونيا ولكني أريد أن اقرأ بنودا واضحة، لايتم استخدامها ضدي كمواطن خليجي، وإنها لن تحتاج لجهابذة القانون ليفسروا إشكالياتها وتعقيداتها، لنكتشف بعد فوات الأوان أن هناك مفسرين مختلفين في كل دولة خليجية تبعا لما تمليه متطلباتها الأمنية والسياسية. أعلن أني استسلمت، فلم أجد نصا واضحا ينص بشكل واضح على أن دولة الإمارات العربية المتحدة تملك الحق القانوني في احتجاز مواطن قطري من دون محاكمة علنية وبدون تهمة واضحة لمدة تسعة أشهر، بل إنه بدأ يعاني من سوء معاملة ومن أمراض كان يعالجها في مرضاه ولم يجد من يعالجها له بعد أن تمكنت من جسده. إن مجلس التعاون الخليجي هو الجغرافيا المستقرة في منطقة تغلي أو هكذا نتمنى أن نعتقد، فسوء اختيار المستشارين وعدم تمكن القانونيين من عملهم كما هو وضح من الصياغة، والسرعة في إنجاز اتفاقيات أمنية، ليست كلها سوى وصفة لطبخة سيئة قد تصيب المنطقة بعسر هضم في المستقبل القريب. والآن، هل اعتمدت الإمارات في اعتقالها للدكتور الجيدة وحجزه لمدة تسعة أشهر في ظروف صعبة على مواد هذه الاتفاقية؟ وهل لها الحق في إعتقال من تشاء عندما تشاء؟ وكيفما تشاء ولأي فترة تشاء؟ إذا كان ذلك الحق مكفول لها في الاتفاقية فنحن أمام أزمة قانونية حقيقة، أما أن لم يكن لها الحق في ذلك، فاقترح أن نبحث عن استخدام أفضل للأوراق التي كتبت بها.

541

| 31 أكتوبر 2013

الصغار ليسوا أرقاما صعبة

في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة التاسع من أغسطس 2013، ظهرت سيارتان فجأة أمام الحافلة الصغيرة التي كانت متجهة من مطار رفيق الحريري إلى بيروت، نزل منهما مجموعة من المسلحين الذين هددوا سائق الحافلة للتوقف وفتح بابها واختاروا الطيارين التركيين من بين طاقم الخطوط الجوية التركية الموجود في الحافلة ثم اختفوا في طرقات بيروت.لم يكن البيان الذي صدر من الأجهزة الأمنية اللبنانية واضحا، حتى إنه لم تحدد عدد المسلحين الذين قاموا بمهمتهم في شارع عام، فقال إنهم بين أربعة وثمانية أشخاص، مع أن جميع من كان في ذلك الشارع يعلم نوع السيارات المستخدمة وألوانها وعدد راكبيها وحتى نوعية الأسلحة التي يحملونها.اغلب ماكتبته وسائل الإعلام حينها كان لوما لتركيا على دورها في مساندة الثورة السورية وكأن الخاطفين المسلحين الذين أوقفوا الحافلة كانوا ضحايا لهذا الصراع الدموي، ثم تحولت هذه النبرة بعد عدة أيام إلى أمر آخر، فقناة Press TV، المدعومة من إيران قالت إن الطيارين المخطوفين يناشدون حكومتهم التدخل لإطلاق سراحهم وشاركتها في تلك النبرة كل القنوات المدعومة إيرانيا سواء تلك الناطقة بالإنجليزية أو بالعربية، فكانت هذه رسالة إلى الحكومة التركية بأن إطلاق سراح الطيارين سيكون رهين صفقة لإيران دور رئيس فيها.كل العالم يعرف أن المسلحين الذين خطفوا هؤلاء الطيارين هم عناصر حزب الله اللبناني ولكن الجميع أيضاً كان مرعوبا من هذا الحزب ابتداء من الأجهزة الأمنية اللبنانية التي صدر بيانها وكأن من صاغه يحاول أن يكون موضوعيا وغير منحاز لأي من الطرفين المتصارعين، وانتهاء برواد المقاهي الذين يحاولون تغيير الموضوع كلما جاءت سيرة حزب الله على لسان أحد الجالسين.لقد سوق حزب الله نفسه على مدى سنوات طوال على أنه حزب منضبط له هدف واحد يرغب في تحقيقه وهو تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، ولكنه مؤخرا قرر أن يحرر سوريا من أهلها، فدخل بثقله في حرب ليس له هدف منها سوى حماية نظام طائفي بغيض يعتقد الحزب انه جزء من تركيبته الطائفية وعمقه الاستراتيجي الذي يجب أن يبقى مهما كان الثمن المدفوع لبقائه.بعد مفاوضات استمرت عدة أشهر تدخلت فيها قطر تم إطلاق سراح عناصر حزب الله التسعة الأسرى لدى لواء عاصفة الشمال نظير الطيارين التركيين ومئة سيدة مختطفة لدى النظام السوري، ولكن لم يتم التأكد حتى الآن من إطلاق سراح السيدات السوريات، مع أن آخر بيان للواء عاصفة الشمال نفى فيه إطلاق أي منهن.والآن، لنضع كل ذلك على خريطة الحدث حتى نعرف من يعمل مع من وضد من!!فالنظام السوري وافق بأن يطلق سراح مئة سيدة سورية مختطفة نظير تسعة عناصر لحزب الله!! فالنظام السوري بهذه الصفقة أعلن بكل وضوح عن أنه يقوم بدور قذر لعصابة تخطف النساء وتستبدلهن بالمرتزقة التابعين لحزب الله والجميع يعرف ذلك ابتداء من الاتحاد الأوروبي وحتى البيت الأبيض، لأن صفقة مثل هذه لم تحصل في تاريخ العالم.وهذا يعطينا صورة أوضح عن العلاقة بين حزب الله اللبناني والنظام السوري الذي لايتوانى عن المتاجرة بأرواح وكرامة سيداته نظير مجموعة من القتلة الذين قرروا أن يعبثوا بأرواح السوريين لأنهم رفضوا حكما طائفيا كريها.كان من الأولى بالنظام السوري لو كان صادقا في دعواه بالممانعة والمقاومة أن يطالب الدول العربية والأجنبية بحسن معاملة اللاجئين السوريين والمحافظة على كرامتهم، وكان أولى بحزب الله الذي صدع رؤوسنا بحديث المقاومة أن يتوقف عن عمليات خطف اللاجئين السوريين في المدن اللبنانية في كل مرة يموت له مقاتل دفاعا عن نظام طائفي فاشل.عندما هبطت الطائرة التي تحمل شعار الخطوط القطرية في مطار رفيق الحريري حاملة عناصر حزب الله تحول المكان إلى حفلة عرس، وتحدث كل بما يجول في خاطرة وظهرت النبرة الطائفية بقوة في حديث اللواء عباس إبراهيم مسؤول الأمن اللبناني الذي قال عن المفاوضات: صعبة من دون شك، لم أكن أريد أي شيء من هذه المفاوضات سوى رؤية هذا المنظر.فهل قال هذا الجنرال شيئا عن المخطوفين السوريين في لبنان؟ وهل سيقول شيئا مماثلا عن النساء السوريات اللواتي مازلن في اقبية معتقلات النظام السوري؟ أم أنها الطائفية التي تزين الأمور وتشوهها؟أشادت كاثرين آشتون مفوض الشؤون السياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي بالجهود التي أثمرت إطلاق سراح المحتجزين اللبنانيين، ولكنها لم تتحدث عن المعتقلات السوريات في سجون بشار!! فهل هذه أيضاً رسالة أخرى تتوافق مع الرسائل التي أطلقتها الإدارة الأمريكية بخصوص التقارب الإيراني؟قد يكون ذلك، فالدول الكبيرة تحب أن تتعامل مع الكبار الذين يعرفون مصالحهم ويعملون على تحقيقها، فالصغار ليسوا أرقاما صعبة يجب التوقف أمامها.

409

| 24 أكتوبر 2013

دعاة يصدون وصامتون يدعون

دعوني أحكي لكم هاتين القصتين، فلعل فيهما عبرة.. منذ سنوات طويلة زرت جنوب إفريقيا وسكنت رفقة من معي في مدينة بريتوريا، وبعد عدة أيام قررنا أن نذهب إلى جوهانسبرغ، فطلبنا من الفندق سيارة لتقلنا إلى هناك، وفي صباح اليوم التالي جاءت سيارة حديثة يقودها شاب أبيض، ركبنا بها بعد أن ألقينا التحية على السائق الذي بقي ينظر إلينا من حين إلى آخر وكأنه يود الحديث معنا، وبعد أن وصلنا إلى الطريق السريع وجه السؤال الذي كان يود أن يلقيه علينا منذ أن ركبنا معه.هل أنتم مسلمون؟نعم، نحن مسلمون، ثم وجهت له السؤال البديهي بعده، وماذا عنك؟ هل أنت مسلم أيضا؟كان رد الشاب غريبا بعض الشيء، لم أتوقعه أبداً، كنت على وشك أن أصبح مسلما، ولكنني غيرت رأيي وأصبحت مارونيا بعد أن تعرفت على مجموعة من الشباب اللبنانيين الذين أقنعوني بذلك.وما الذي جعلك تغير رأيك؟ابتسم قليلا قبل أن يقولسأخبرك لاحقاقاد الشاب السيارة إلى مركز المدينة ثم طلب منا النزول معه، اجتاز بنا الشارع ودخل في ممر بين عمارات طويلة يؤدي بنا إلى مسجد محصور بينها لا يكاد يظهر للعيان، كان المسجد جميلا حسن التصميم، دخلنا إليه بعد أن خلعنا نعلنا بالقرب من بوابته، فجأة وبدون مقدمات جاءنا شاب من أصول هندية نحيل الجسد بلحية غريبة بعض الشيء فعرف نفسه على أنه إمام المسجد، بحثت عن السائق ولكنه كان قد اختفى في تلك اللحظة بالضبط، بدأ هذا الإمام يحدثنا عن أنه من سلالة الشيخ عبدالقادر الجيلاني، وأن جده قدم إلى هذه البلاد لنشر دين الله، ثم بدأ الرجل في الحديث دون أن يبلع ريقه، كلام من فوقه كلام، ظلمات بعضها فوق بعض، دون توقف أو راحة، وكلما حاولنا الاعتذار وجد لنا موضوعا آخر حتى أخذ من وقتنا أكثر من ساعة في حديث لم نخرج منه بنتيجة أبدا، سوى أنه من السلالة النبوية الشريفة وأنه يكاد أن يكون مميزا عن خلق الله، وأن وجوده في هذه البلاد شرف لأهلها إلى يوم القيامة.وبعد أن تخلصنا منه بالقوة واضطررت إلى أن أقوم وأغادر وأنا أقول له اعذرنا فنحن على سفر، مشينا إلى السيارة التي كان سائقها بانتظارنا داخلها، لم يتحدث ولم ينبس ببنت شفه وكأنه كان بانتظاري أن أقول شيئا، وعندما ركبت أمسكت برأسي وقلت: العمى، ذبحنا بالحديث وبكثرة الهذر الذي لا داعي له.رد عليَّ هذا الشاب وكأنه يعرف عن ماذا كنت أتحدث، هذا الذي جعلني أكره الإسلام بعد أن كنت على وشك أن أدخله، لقد كان سبب تركي لدينكم هو هذا الإمام بالذات.قصة أخرىحدثني شاب يعمل في إحدى المؤسسات قائلاً: كنت أعمل في مؤسسة بدوامين، وفي الليل أصلي العشاء في القبو مع مجموعة من الموظفين، وكان يؤمنا أي شخص فينا، الفراش، أحد الموظفين، المنظف، وبعدها نسلم على بعضنا ونتحدث قليلا ثم نغادر.تركت العمل في تلك المؤسسة، وبعدها بسنوات طويلة قررت أن أمر للسلام على من بقي من الموظفين، فعرفوني على عامل نيبالي كان يعمل منظفا في ذات المؤسسة وفي ذات القبو، وأخبروني أنه أصبح مسلما.سألته عن سبب إسلامه فقال:كنت أشاهدكم تجتمعون في الصلاة، المدير والموظف وقد يؤمكم الفراش أو أي شخص آخر، لم تكونوا تهتمون من يكون في المقدمة، المهم أن يعرف كيف يصلي، فقلت في نفسي أن هذا الدين الذي يلغي كل تلك الفروقات لابد أن يكون دين حق، فبدأت أطلب كتيبات تعريفية عن الإسلام حتى أعلنت إسلامي منذ حوالي العام.تذكرت هذه القصة وأنا أستمع لعلي جمعة يتحدث عن وجوب التخلص من المعارضين للانقلاب العسكري وأنهم نتنين من الداخل والخارج وأن هذه الأرض لا تتشرف بوجودهم عليها، يقصد مصر.أي أنه يحض الجيش على قتل المعارضين مستشهدا بكل حصيلته اللغوية والدينية والعقلية لتبرير ذلك.العبرة من القصتينكم من الذين يظنون أنهم دعاة كانوا سببا في ابتعاد الناس عن الدين، يكفي أن تكون سليم القلب، فالناس يقيمونك بعملك لا بما تقول، إلا من أتى الله بقلب سليم.

469

| 10 أكتوبر 2013

ما معنى السعادة؟

حدثني صديق أجنبي قائلا: كنت في جلسة خاصة مع أصدقائي وبدأوا يتحدثون عن مشاكلهم التي يواجهونها في أعمالهم وتعاملاتهم اليومية، ووجدت أن لديهم إنطباعاً سلبياً عن القطريين، إنطباعاً يجعلهم يعتقدون أنكم كسولون ومغرورون، وفي جلسة أخرى جمعتني بمجموعة من الشباب القطريين وجدت أن لديهم شكوى مشابهة من بعض الجنسيات التي تأتي للعمل في قطر وتحصل على كل الإمتيازات ولكنها لاتقوم بواجبها كما يجب. إنتهى تعريف المجتمع في قاموس وبستر مع بعض التعديل هو: مجموعة من الناس تعيش مع بعضها وتنظم حياتها بقوانين وعادات وثقافات مشتركة. فهل نحن مجتمع واحد أو عدة مجتمعات؟ قد يجمعنا قانون مشترك ولكن لايجمعنا أي شيء بعد ذلك، فنحن عبارة عن مجموعات مختلفة العادات والتقاليد واللغات نعيش في أحياء أو مجمعات سكنية مختلفة ولا نختلط مع بعضنا، وفي حقيقة الأمر نحن مجتمعات لا تتحدث مع بعضها وفي أحيانا أخرى لا تحب أن تفعل ذلك أصلا. ما نقلته في الفقرة الأولى آلمني بشده، ولكنه نوع من الإنطباع الذي نجح بعضنا في في بذره وتسميده ورعايته في عقول المجتمعات الأخرى التي تعيش معنا على نفس الأرض، ولكن كيف نستطيع أن نحيا بسعادة في دولة يكره كل مجتمع صغير المجتمع الصغير الاخر؟ منذ سنوات قليلة إتصل بي كاتب أمريكي وطلب أن يقابلني، وحين سألته أن كان يملك وسيلة مواصلات أجاب بالنفي، ذهبت إليه في فندقه الصغير وفي وسط الدوحة وأخذته معي وسألته عن سبب زيارته لقطر، وشرح لي أنه كاتب محترف يحاول أن يكتب كتاباً عن السعادة ومفهومها لدى الحضارات المختلفة، إستهواني الموضوع فأخذته معي في السيارة للحديث عن كتابه، وكان سبب زيارته لقطر أنها تعتبر من أكثر الدول دخلاً للفرد، سألني السؤال الذي تعود أن يسأله كل من يقابل، هل أنت سعيد؟ فكرت كثيراً قبل الإجابة على هذا السؤال، فما هي السعادة اصلاً؟ سألني الكثير من الأسئلة طوال بقائه معي، إسئلة ذكية تدل على أنه قابل الكثير غيري وسألهم عن مشاكلهم وطموحاتهم وعن تعريف السعادة بالنسبة لهم. أخبرني قبل أن يغادر سيارتي بأنه ذاهب إلى آسيا للبحث عن مفهوم السعادة. إنقطعت أخبار الرجل عني لبضعة أشهر، ثم أرسل لي بريداً إلكترونياً يخبرني بأنه إكتشف باننا نحن القطريين غير سعيدين في حياتنا، وأن أموالنا لا تخدم حياتنا ولكنها تخدم ذاتنا، أو كما أنهى رسالته: نملك المال ولا نملك السعادة. وبعد حوالي العام من إرسال تلك الرسالة شاهدته على قناة CNN متحدثاً عن كتابه الذي حقق نجاحاً بعد نشره، وإكتشف فيه أن أسعد دولة في العالم هي بوتان، هل تعرفون أين هذه الدولة؟ إنها دولة لايعرف الكثير بوجودها، مختفية بين جبال آسيا تحدها الهند والصين، يعيش 40 % من شعبها على الزراعة، عدد سكانها أقل من مليون نسمة، تملك صحافة حرة وبرلمان فعال وتحافظ بقوة على بيئتها وتعمل جاهدة على تطوير إنتاجها وتنويعه، إنها مجتمع متصالح مع نفسه، كل ماعليك فعله هو تكتب التالي: Happy Bhutan ، لتظهر لك أكثر من 36 مليون نتيجة، فإن كنت تملك رفاهية الوقت فما عليك سوى أن تقرأ التقارير التي نشرتها عدة مؤسسات معتبرة عن هذه الدولة وأسباب سعادة شعبها. أعتقد أننا وحتى نكون سعداء يجب أن نعمل على أن نعرف السعادة مبتعدين قدر الإمكان عن ربطها بالمال والرفاهية، فقد تكون السعادة في أن نحيا في مجتمع هادئ منظم آمن يستمع أفراده لبعضهم ويحلون المشاكل التي قد تطرأ فيما بينهم من دون تعطيل، إننا نعيش في تجمع بشري فريد، يحوي على كل جنسيات الأرض وبحاجة إلى أن نصنع نوعاً من التواصل بينها، تواصل يحل كل إشكالات التصادم وسوء الفهم.

538

| 03 أكتوبر 2013

كم من المال والجهد فقدنا؟

في منتصف الثمانينيات زرت الوجيه جاسم درويش، رحمه الله، في منزل مستأجر في أحد أحياء مدينة كراتشي الباكستانية، وقد كان قريب لي أخبرني بوجوده في ذات المدينة التي كنت أدرس فيها، ولكني لم أعلم حينها لماذا هو موجود في هذه المدينة المزدحمة والملوثة والخطرة والتي لا يود أحد أن يعيش بها. وصلت منزله بعد صلاة المغرب وكان جالساً في حديقته على كرسي خشبي ومعه أستاذ جامعي عربي محاضر في الجامعة الإسلامية في إسلام أباد. لم يعرفني في بداية الأمر، فقد كنت ألبس لباسا باكستانيا بسروال واسع وقميص طويل يصل إلى الركبة، عندما عرفته بنفسي أجلسني بقربه مرحباً وعرفني على ضيفه ثم تفرع بنا الحديث إلى الجهاد الأفغاني الذي بدأ يتشكل حديثاً وعن وضع العالم الإسلامي بعد دخول الروس إلى كابول. بدأ المرحوم جاسم درويش بالحديث عن سبب وجوده في هذه المدينة الباكستانية، وقال إنه مكلف من قبل الأمير الشيخ خليفة بن حمد حينها بمتابعة إنشاء مجمع طبي في منطقة فقيرة معدمة في ضواحي كراتشي، ثم بدأ يحدثني عن حجم المشروع والخدمات التي سيقدمها للفقراء في منطقة أورانغي القاحلة السبخة والتي سيستفيد منها عدد كبير من المعدمين الذين لا يكادون يحصلون على قوت يومهم. كان مشروعاً طموحاً فعلا، فهو مجمع طبي كبير يحتوي على مستشفى وعيادة طوارئ وسكن للممرضين وآخر للأطباء وخدمات للإسعاف وغيرها من الأمور التي يحتاجها المركز، بدا، رحمه الله، متحمساً للمشروع وينظر إليه على أنه صدقة جارية يجب أن يتمه على أكمل وجه وبأسرع طريقة ممكنة. مرت الأيام وهو يتردد على هذه المدينة وكنت أمر عليه كلما علمت بوجوده فيها، فلم يكن يعرف سوى القليل من الناس في تلك البلاد، وكنا نجلس في ذات الحديقة وعلى ذات الكرسي، ولم يكن الحديث يخرج عن المشروع وإلى أين وصل والمشاكل التي تواجهه. وبعدها مرت فترة طويلة لم أشاهده فيها، ولكنه اتصل بي فجأة طالباً مني الحضور إلى منزله ليخبرني أنهم سلموا المشروع اليوم للحكومة الباكستانية وأن الجنرال ضياء الحق كان هناك وألقى خطبة حث فيها الحضور على الحفاظ على المشروع وعدم تخريبه لأنه هدية من حكومة قطر لهم، وأنه لن يعود إلى هذه البلاد بعد انتهاء مهمته. كان، رحمه الله، فرحاً بإتمام المشروع، فقد انزاح عنه هم كبير، ولكنه أسر لي قبل مغادرته المدينة قائلا: كنت أود لو أن حكومة قطر تكفلت بإدارة المشروع لأني لا أعلم كيف سيدار بعد تسليمه لهم، فحاولت التخفيف عنه بقولي: دعهم يتولون أمرهم، فإدارة مشروع مثل هذا تتطلب الكثير من الجهد، وهم أعلم بأمورهم، ولكنه لم يبد مقتنعا. بعد مرور سنة على آخر لقاء لنا في مدينة كراتشي قابلته في الدوحة، وقال لي: هل تذكر المشروع الذي كنت أشرف عليه في كراتشي؟ لقد تم تدميره بالكامل، فقد بقي لمدة سنة من دون تشغيل، ونشبت الخلافات بين الأجهزة الحكومية على من سيديره ومن سيصرف عليه ومن سيسكن تلك الشقق، ثم بدأ اللصوص في سرقة أجهزته وبيعها حتى سرق كل شيء منه، هل تصدق بأن إطارات النوافذ والأبواب قد سرقت، لم يبقَ من ذلك الصرح الطبي الجميل سوى أطلال مدمرة. كان حزيناً جداً وهو يتحدث عن المشروع الذي تبناه وصرف الكثير عليه من وقته وجهده، ولكن سيبقى ثواب النية الصادقة لمن موله ومن أشرف على إنشائه. وفي أواخر الثمانينيات أيضاً كنت أدرس في الولايات المتحدة في مدينة جامعية صغيرة في ولاية نيويورك، ووصلتنا دعوة من أحد مساجد مدينة الباني التي تبعد حوالي ثلاث ساعات بالسيارة لحضور حفل لجمع التبرعات بعد صلاة التراويح، وكان القصد من جمع التبرعات هو توسعة المسجد الذي بدأ يضيق بالمصلين، وخلال تلك المناسبة التي أبدع فيها شاب جزائري في إقناع الحضور بإخراج ما في جيوبهم وصلت الحصيلة إلى مبلغ كبير نسبياً يكفي لتوسعة المسجد وإضافة بعض الخدمات إليه. وبعد عودتي إلى الدوحة بسنوات إتصلت بصديق آثر البقاء في أمريكا بعد أن منعته ظروف دولته السياسية من العودة إلى وطنه الذي أحبه، وسألته عن المركز، فقال لي بنبرة حزن ظاهرة: لقد تحول المسجد إلى حسينية ولم أعد أعرف عنه شيئا. ومؤخراً زرت مركزاً إسلامياً مولته دولة قطر في إحدى دول أوروبا، وهو مركز يثير الفخر بجماله وحسن تصميمه، وبعد عودتي أرسل لي صديق من هناك بعض الأخبار التي بثها المركز عن زيارة القائمين على المركز إلى إيران ومجيء بعض الدعاة من هناك لإلقاء دروس فيه. لدي قصص غير هذه أيضاً تدل على أننا لا ندير استثماراتنا كما ينبغي، سواء إستثمارات الدنيا أو الآخرة، فأسلوب تسليم المشاريع التي تبنى بأموالنا للآخرين لإدارتها ليست بالمجمل تجارب ناجحة، حتى الخيرية منها يجب أن تكون تحت سمعنا وبصرنا، لأنها إما ستختفي أو أنها ستنتقل إلى أياد أخرى.

390

| 26 سبتمبر 2013

لماذا لايكتب الأكاديميون؟ وإن كتبوا لايقرأ لهم أحد؟

لست أنا من ابتكر هذا العنوان، لقد قرأت مقالا للكاتب جل ليبور في موقع  Chronicle of Higher Education يتحدث فيه عن ظاهرة اختفاء المثقفين، أو كما أطلق عليهم مثقفو الشعب، وهم الكتاب الذين يخاطبون جمهور الناس. ولو سألتكم السؤال التالي: متى قرأتم بحثا أو مقالا علميا لأكاديمي؟ لن يجد الكثير منك جوابا سريعا، بل إن الغالب أنكم لم تقرأوا شيئا مثل هذا منذ فترة طويلة، فما السبب إذن؟ يقول الكاتب إن هناك عدة أسباب لذلك، ولكن السبب الرئيس هو أن النظام الأكاديمي يحصر نشاط الأساتذة في الجامعة ونشراتها العلمية، والسبب الآخر هو أنهم يكتبون مجانا من دون توقع مردود مادي، ولهذا السبب – وأنا مازلت أنقل عن الكاتب – فإن مثقفو الشعب الآن هم الصحفيون لأنهم يكتبون نظير مبلغ مالي. دعوني أذكركم هنا بأن الكاتب يتحدث عن الجامعات الأمريكية وليست العربية، أي عن الجامعات التي تقع في وسط الأحياء السكنية من دون بوابات حراسة والتي تكون مكتباتها مفتوحة للعامة والتي على تواصل مباشر بالمجتمع ومتطلباته، فما الذي سيقوله عن جامعاتنا العربية إذن؟ عندما كنت أدرس في جامعة أمريكية تقع في شمال ولاية نيويورك جمعنا أحد الأساتذة في قاعة كبيرة وطلب منا أن نختار مادة مطلوبة في كلية الهندسة، وطرح علينا عدة خيارات أذكر منها: أن نساهم في تصميم رأس حربي صاروخي في مشروع تابع لوزارة الدفاع الأمريكية، ولكن الشرط الوحيد للمشاركة في هذا المشروع أن يكون الطالب أمريكيا. أما الاختيار الثاني فكان أن نعيد تصميم أجهزة أحد مصانع الزجاج التي تقع في الولاية والتي تعاني من مشكلة الصدأ الدائم بها بعد أن يغمس الزجاج في أحواض الأسيد. لم تكن الاختيارات الأخرى بعيدة عن حل مشكلة ما في أحد المصانع، أو تصميم جهاز ما، لقد توزع الطلبة على هذه الاختيارات بناء على رغباتهم، وفي نهاية العام نشرت الصحيفة الجامعية نتائج أبحاث الطلبة ومدى نجاحهم أو إخفاقهم فيها. لم تكن كليتنا هي الوحيدة في هذا الأمر، فقد كانت كلية الحاسوب تقوم بعمل برامج سواء للحكومة الفيدرالية أو المحلية أو الشركات وكذا الحال مع كلية الإدارة والكهرباء، فالجامعة كانت مصدر للبحث والمعلومات وإيجاد الحلول للمؤسسات الاقتصادية والأمنية والدفاعية، فهي داخلة في نسيج المجتمع ومساهمة في تطويره ودفع عجلته. في تلك القاعة بالذات شعرت بوجود هذا الحبل السري الذي يربط الجامعة ببقية مؤسسات الدولة، فالجامعة توفر العقول الشابة الطموحة التي تستثمر إمكاناتها لإيجاد حلول للمشكلات التي تطرأ على هذه المؤسسات، وهذه المؤسسات تجد في الجامعة مخزونا رائعا من العقول التي تفكر في مشاكلها وتعيد تصميم عملها ليكون أفضل مما هو عليه، فالجميع في حالة تبادل للخبرات والمعلومات والأموال، أنه خط سريع يغذي الطرفين بما يحتاجانه. لدينا في قطر هذا العدد الكبير من الجامعات وفي جميع فروع المعرفة، ولكننا لا نرى نتاجا لها، فلا هي تقوم بأبحاث تهم المجتمع ولا مؤسسات الدولة تطلب منها ذلك، إننا نعاني من الكثير من الأزمات التي تتوجب أن تتدخل المؤسسات الأكاديمية لحلها، مثل الازدحام المروري وتكرار تعطل البنى التحتية وتصميم المدن والأحياء والطرق والتركيبة السكانية بكل تعقيداتها والتنسيق بين اجهزة الدولة.. الخ. ان مسألة استغلال الطاقات الأكاديمية المتوفرة واستخدام الجامعات في دراسة المشاكل وإيجاد حلول لها ليست مسألة رفاهية بل هي ضرورة قصوى، فإن كانت العقول الأكاديمية لا تساهم في تنمية المجتمع فلماذا هي موجودة إذن؟ هل لتدريس النظريات غير قابلة التطبيق للطلبة فقط؟ علينا أن نتذكر أن اغلب الأفكار لناجحة في عالمنا الآن هي من نتاج عقول طلبة الجامعة ابتداء من مايكروسوفت وانتهاء بالفيس بوك وحتى تلك الابتكارات التي نستخدمها من دون أن نسأل عن من صممها. يعتمد الناس عادة على البحث عن أسهل الطرق لحل مشاكلهم متناسين أن التفكير في حل المشاكل هو استثمار في العقل ونشر للوعي، فيجب أن تكف المؤسسات الحكومة عن الاعتماد بشكل كبير على شركات الاستشارات أو شراء الحلول من الخارج والبدء في التواصل مع الجامعات لتفعيل أسلوب البحث العلمي فيها، أن تفعيل هذا الأمر يتطلب إصدار تشريع ينص على الاستعانة بالجامعات وإشراك الطلبة في إيجاد الحلول لمشاكل المجتمع، فهم المخزون العقلي للأمة ولكنه مخزون ينضب إن لم يتم استغلاله بشكل جيد.

588

| 19 سبتمبر 2013

جوهرة العالم

العنوان أعلاه هو لكتاب من تأليف ماريا روزا مينوكال، أستاذة اللغة الإسبانية والبرتغالية في جامعة ييل الأمريكية، وهذا الكتاب من أجمل وأروع الكتب التي قرأتها، فالكتاب يتحدث عن الأندلس بشكل عام وعن قرطبة كمدينة متطورة في عصر الظلام الأوروبي، دعوني أنقل بعضا مما كتبته المؤلفة عن هذه المدينة. كانت قرطبة في بداية القرن العاشر مكانا مدهشا، وقد وجد المعاصرون والمؤرخون عبئا في تسجيل عجائبها، ابتداء من ثرائها ورفاهيتها وبوجود 900 حمام عام بها، وعشرات الألوف من المحلات التجارية ومئات وربما آلاف المساجد، والماء الجاري في قناطرها، وطرقها المعبدة والمضاءة ليلا..... قرطبة كانت معروفة بقوتها العسكرية ومتعها التي لا تحصى.... كانت مكتبة الخليفة لوحدها تحوي أربعمائة ألف كتاب في وقت كانت أكبر مكتبة في أوروبا المسيحية تحوي أربعمائة كتاب فقط، لم تكن مكتبة الخليفة هي الوحيدة في قرطبة فقد كانت هناك سبعون مكتبة أخرى، وكان في سوق المدينة سبعون منسخا مكرسا لنسخ القرآن فقط.... لقد كان فهرس مكتبة قرطبة لوحدة عبارة عن 44 مجلدا، به معلومات عن 600 ألف مجلد. انتهى. الكتاب يأخذ القارئ منذ بداية الفتح الإسلامي للأندلس وحتى نهاية هذه الدولة التي ظهرت واختفت كالحلم، ببداية سعيدة ونهاية مميتة. ثم تطرقت الكاتبة للأسباب التي جعلت المدن الأندلسية ومنها قرطبة تصل إلى هذا المستوى من التحضر والتمدن والعلم ثم حصول ذلك التحول الدرامي والسقوط في هاوية الصراعات الدينية والعرقية لتنتهي هذه الدولة بعد حوالي 600 سنة إلى مجموعة من البؤساء المشردين الذين لا يملكون من متاع الدنيا سوى ما جعلوه في صرر يحملونها إلى أكتافهم بانتظار أن تحملهم سفن إلى أرض غريبة. لم تكن الدولة في الأندلس دولة دينية، بل كانت دولة مسلمة، بمعنى أنها كانت تجمع كل الطوائف بها وتعاملهم معاملة واحدة أمام القانون، ولكل من هذه الطوائف الدينية أن تدير شؤونها الخاصة في الزواج والميراث والأعياد والعبادات وغيرها، لقد كان التسامح هو الثقافة السائدة، اختفت مسألة التعصب الديني والعرقي وعاش الناس تحت ظل حكم عادل نظم حياة الناس في مسائلهم العامة وترك لهم تنظيم شؤونهم الخاصة. إن أغلب المآسي التي مرت بها الأمة تحدث حين تتبنى الحكومات أيديولوجيات بعينها وتفرضها على الناس، حتى العلمانية تصبح أيديولوجية حين تتبناها الدولة وتفرضها على الشعب، فهذا ليس دور دولة بأي حال من الأحوال، بل إن دورها في أن تعامل الناس بعدل أمام القانون، وأن تنظم حياتهم ومعيشتهم وتحل مشاكلهم وتدافع عن حدودها ومقدراتها، فإن فعلت أكثر وتدخلت في تفاصيل حياة الناس ومعتقداتهم وحاكمتهم بالظنة فهي قد تجاوزت حدودها وأخلت بدورها. ليست التجربة الأندلسية هي الوحيدة التي مرت على التاريخ، قد تكون التجربة الأفضل لدى العرب المسلمين، ولكنها تجربة ناجحة استنسختها الدول الأوروبية بعد صراعات دموية لتشكيل نظام حكم متفق عليه، إن ما يحدث الآن في الدول الأوروبية من تمدن حضاري ورفاهية معيشية وفخر علمي نعجب به هو ذاته كان في الأندلس قبل ذلك بقرون، فنحن نعجب من أمور قد صنعناها ثم دمرناها وبقينا نبكي على أطلالها. يجب أن تكون معايير التطور والتقدم في عقولنا غير ما نراه من غابات أسمنتية وأجهزة مستوردة وخدمات ندفع قيمتها ولباس نفخر به وغيرها من الأمور التي لا تدل فعليا على تحضر الأمم، فالتسامح الديني وتطور معايير الحياة وتنظيمها وانتشار القراءة والكتابة والنقد وترفع الناس عن توافه الخلافات وحسن خلق البشر، وبمعنى آخر مشابه، إن تطور نوعية الحياة ورقي التعامل هو الذي يجب أن يكون معيارا للتحضر وليست الرفاهية المستوردة.

1907

| 12 سبتمبر 2013

معسكرات التدريب وحدها لن تفي بالغرض

وضع السيد كينغ سوي، أول زير دفاع سنغافوري ومؤسس جيشها الحديث الفقرتين التاليتين في التقرير الذي قدمه إلى مجلس الدفاع خلال السنوات الأولى لتأسيس سنغافورة: " من الحمق السماح لأنفسنا بالخضوع لتأثير التنويم المغناطيسي الذي يفرزه التفاوت في عدد السكان بين سنغافورة وجاراتها، فالمهم هو القدرة القتالية للقوات المسلحة وليس عدد السكان، وبعد خمس سنين من التجنيد يمكننا حشد جيش من مائة وخمسين ألفا عبر تعبئة الاحتياط وباستخدام الأفراد الأكبر سنا والنساء في المهمات غير القتالية. .... يتوجب علينا في نهاية المطاف تجهيز جيش ميداني بقوة قتالية قوامها مائتان وخمسون ألفا من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 – 35 عاما، ولا ينبغي الاستخفاف أبدا بالقدرة الكامنة لدى شعب صغير مفعم بالطاقة والحيوية والنشاط وعلى مستوى رفيع من التعليم، ويمتلك الدافع المحفز على شن الحرب.". انتهى. أما اليوم فإن عدد سكان سنغافورة يبلغ حوالي خمسة مليون شخص، ولديها جيش عامل تبلغ قوته حوالي 72 ألف شخص مدربا تدريبا عاليا، لديه إمكانية إنزال خارج الحدود لكل فروعه المقاتلة، البحرية والجوية والبرية، ويستطيع هذا الجيش في حالة الطوارئ تجنيد من 500 ألف إلى 800 ألف من الاحتياط المدربين والجاهزين للخدمة العسكرية والذين يعرفون مهامهم القتالية مسبقا. نشرت صحفنا القطرية منذ أيام خبرا عن مشروع التجنيد الإجباري الجديد في الدولة، وأعتقد أن مثل هذا المشروع سيلاقي استحسانا من الناس خصوصا إن بدا جادا صادقا لا يحابي أحدا، فنحن بحاجة لأن نزرع في أولادنا الالتزام والانضباط والروح العسكرية ولكن هل المشروع وحده فقط يكفي لفعل ذلك؟ إن أسلوب حياتنا وتربيتنا وثقافتنا مليئة بالعيوب التي يجب معالجتها قبل أن يجابه مدربو معسكرات التدريب مجموعة من الشباب الصغار الذين لايفهمون من العسكرية سوى الزي والتحية، ومتخمين بعادات يتعين عليهم محاربتها مثل السمنة المفرطة والكسل والاتكال على القبيلة والعائلة والمعارف والخدم للحصول على كل ما يطلبونه ومعتقدين أن المال يستطيع فعل كل شيء لهم. إننا أمام أجيال من الشباب الذي تربوا في ظروف غير الظروف التي تربينا بها، ويستمتعون برفاهية لم نكن نحلم بالحصول عليها عندما كنا في أعمارهم، ولهذه الرفاهية سلبيات كثيرة وهي التي سيواجهها المدربون، ولكنهم بالتأكيد لن يستطيعوا التعامل معها بمفردهم دفعة واحدة. وحتى نؤهل الجميع لهذا التغيير في حياتهم يتوجب علينا أن نرى التربية العسكرية والانضباط تبدأن من المدرسة، يجب أن يغرس في الطلبة خلال مراحلهم الدراسية المختلفة احترام المدرس والنظام والقانون قبل أن تصدر الأنظمة التعليمية والتربوية والاجتماعية مشاكلها إلى معسكرات التدريب فجأة. نحن بحاجة إلى الاعتراف بعيوبنا بشكل صريح قبل محاولة حلها وقد يكون ذلك قاسيا بعض الشيء، ولكنه الطريق الوحيد للحصول على شباب جاد حسن التعليم ومنضبط وقادر على التعامل مع تحديات الزمان والمكان. خلال دراستي في مدرسة صلاح الدين الابتدائية كانت أختي تدرس في مدرسة آمنة بنت وهب القريبة وكنت أراها تحمل معها الكثير من الأعمال التي كان يتوجب عليها القيام بها مثل التطريز والحياكة والتدبير المنزلي والطبخ، كانت تحملها معها من المدرسة أو إليها بشكل يومي، إن تلك المهارات التي تكتسبها الفتيات خلال دراستهن الأولى تنمي فيهن روح المبادرة والاعتماد على النفس والتفكير وتطوير الذات وهي أمور فقدناها مع الأسف، وفي بعض الدول يضاف إلى كل ذلك مبادئ المحاسبة وإدارة المال بشكل مبسط. إن الشاب الذي ينتهي من معسكر التدريب ليكون شخصية أفضل يجب أن يلاقي من تكون قادرة على القيام بواجب المنزل وإدارة المال وتربية العيال بعيدا عن الرفاهية القاتلة التي يعاني منها البعض حاليا، حيث متطلبات العرس عادة ما تكون خارج نطاق العقل والدين ابتداء من إعداد الخدم وانتهاء بأنواع السيارات وألوانها وأسعارها، إذ إن القصد ليس بناء الشاب فقط ولكن بناء العائلة القادرة مجابهة الزمن بكل تقلباته وتصاريفه. إن مشروعا مثل هذا يجب أن يكون مشروعا وطنيا يشربه الطالب في مناهج التعليم ليسير معه في رحلته التعليمية حتى يصل إلى نهايتها، وحين يحط رحاله في المعسكر يكون قد أتم ما عليه وحصل على ما ينبغي من انضباط وتربية بدنية وعقليه فلا يبقى له سوى أن يتدرب على السلاح المقعد النوعي بكل أنواعه وأن يتمكن من العمل ضمن مجموعة من أجل الدفاع عن الوطن متخليا عن العيوب التي تراكمت في عقله خلال سني تربيته المنزلية، فخلال التدريب الجميع سواسية في لباسهم وطعامهم وعرقهم ونومهم، فلا مجال للواسطة والقبيلة والمال. إن تجربة التدريب العسكري للطلبة ليست حديثة، فقد راكمت الكثير من الدول تجاربها الخاصة، فبعضها طور النظام وادخل عليه تعديلات ومازال يفعل، وبعضها مازال يعاني من ثقل الإرث وعدم فاعليته وصعوبة تطويره، وأتمنى من كل قلبي أن نخرج بتجربة ليست محصورة في التدريب لبضعة أشهر فقط ولكن في نظام يعيد لنا صياغة حياة أبنائنا وبناتنا، نظاما متكاملا مع التعليم الأولي والمتقدم ومع نظرتنا لدولتنا خلال العقود القادمة والتحديات التي يجب أن نجهز أبناءنا لها.

444

| 05 سبتمبر 2013

السوريون بين خيارين أحلاهما أمرُّ من الآخر والمسؤول عن ذلك هو النظام الجائر

لا شك أن أتعس الحظوظ أن يخير الفرد ، أو الشعب ، أو الأمة بين خيارين كل واحد منهما أسوأ من الآخر ، مثلما يحدث اليوم في سوريا ، حيث يتمثل الخيار الأول في قيام أمريكا أو الناتو بضربات عسكرية بالطائرات والصواريخ تتجه لتدمير البنية التحتية للقوة السورية من الطائرات والصواريخ والقواعد العسكرية السورية التي بنيت بأموال الشعب السوري وقوت يومه ، وعرق جبينه لحماية أمن الوطن والمواطن ولاستعمالها ضد العدو الصهيوني ، ولاستعادة الأراضي العربية المحتلة مثل الجولان بل والضفة والقدس الشريف. وتدمير القوة السورية يُعد أكبر خدمة تقدم لإسرائيل مجاناً لم تكن تحلم بها ، حيث يتحقق لها هذا الهدف وبأموال عربية خليجية - كما حدث للعراق - وأخطر من ذلك هو أن الأجواء هُيئت ليحتفل العالم العربي أو معظمه بهذا التدخل ، ولا سيما حفاوة معظم الشعب السوري الذي بلغ فيه استبداد النظام السوري وجرائمه الخطيرة على مدى أكثر من عامين ونصف أن يكون كالغريق الذي يتشبث بكل حشيش. والخيار الثاني: هو ترك هذا النظام ليعيث في الأرض الفساد ويستعمل جميع أسلحته البرية والبحرية والجوية ، والدبابات والصواريخ والطائرات ، وأخيراً الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري الذي قتل منهم إلى الآن أكثر من مائة ألف ، وجرح منهم مئات الآلاف وشرد منهم أكثر من سبعة ملايين داخل سوريا وخارجها . لكن الشعب السوري ينظر من ناحية أخرى إلى أن هذه الأسلحة التي هي ملك للشعب لم تستعمل في يوم من الأيام منذ أربعين سنة ضد العدو وإنما استعملت دائماً ضد الشعب الأعزل ، ففي عام 1982 في ظل حكم الطاغية حافظ الأسد سويت بهذه الأسلحة والقوة العسكرية مدينة حماة بالأرض فجعلتها قاعاً صفصفاً ، وقتلت من الشعب عشرات الآلاف ، وسجنت آلافاً ، وانتهكت أعراضاً ، فلا تأس على أسلحة هذا شأنها ، وقوة هذا دورها ، وحكومة جائرة هذا ديدنها ، أن تُباد وتهلك ليرتاح منها العباد والبلاد . حسب علمي بطبائع الشعب السوري الكريم وشهامتهم ونخوتهم الإسلامية لو لم يصلوا إلى مرحلة الضرورة القصوى واليأس من إصلاح النظام الحالي ، ومن معظم قادة العرب الذين لم يستطيعوا أن يمنعوا النظام الجائر الطاغي من إيقاف آليات حربه ضد الشعب ، كما حدث في السابق للكويت ، ثم أخيراً ليبيا ، ما كان بالإمكان أن يوافقوا على ذلك . إن ما عاناه الشعب السوري خلال ما يقرب من ثلاث سنوات لا يمكن تصوره ، فقد حوَّل النظام حياتهم إلى جحيم بمنتهى القسوة والشدة ، ولا أعتقد أن شعباً آخر - سوى الشعب الكردي الذي عانى من ظلم النظام البعثي في العراق شِق النظام السوري - عانى في تاريخنا الحديث ، مثل ما عانى الشعب السوري خلال هذه المحنة ، فقد بطش هؤلاء الطغاة بطش الجبارين فقال تعالى: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) بل كان بطش النظام السوري الطاغية أشد من فرعون الذي كان يترك النساء ولا يقتلهن فقال تعالى: (قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم) ، في حين أن الطاغية الجديد لا يترك النساء ولا الرجال ، ولا الأطفال . إن العالم العربي اليوم على حافة الهاوية حينما يعجز بحكوماته البالغ عددها 22 دولة ، وبإمكانياتها الاقتصادية ومواردها البشرية الضخمة عن حماية الشعب السوري حتى يستعين بالغرب للتدخل ضد دولة عربية . إن الأمة العربية في ظل منظومتها الحالية ، وانقسام قادتها انقساماً حاداً عجزت في السابق عن حل عربي لمشكلة احتلال الكويت ، فاستعانت بأمريكا ومن معها لتحرير الكويت ، ولكن أمريكا لم تقف عند الحد فاحتلت العراق ، فوعدت بتحقيق الديمقراطية والرفاهية للشعب العراقي ، ولكن العراق تمزق نسيجه الاجتماعي ، وازداد فيه الاستبداد والدكتاتورية ، وتحوَّل الاستبداد البعثي بالاستبداد الطائفي ، وقتل منذ الاحتلال إلى الآن حوالي مليون شخص أو يزيد حسب بعض الاحصائيات ، وشرد وهجِّر حوالي مليوني عراقي ، وازدادت الكراهية والأحقاد وعمليات الإقصاء والتهميش والتقتيل ، كما أن العراق يعيش في حالة من الفقر والبطالة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية ما لا يمكن ذكره هنا. ومن هنا فالذي نخاف منه (بل ونتوقعه) هو أن لا يكون التدخل الأمريكي (ومن معه) لأجل الشعب السوري ، بل لأجل العدو الصهيوني ، حيث توجه ضربات محددة لتدمير المصانع والمراكز والمعسكرات الخاصة بالأسلحة الكيماوية ، والصواريخ ، والطائرات حتى لا يبقى أي خطر محتمل يهدد العدو الصهيوني ، وحتى لا تصل هذه القوى إلى المعارضة الإسلامية (المجاهدين). وعموماً فإننا جميعاً أمام خيارات كل واحد منها أتعس من الآخر ، ولكن أثبتت التجارب أن التدخل الأجنبي لم يحقق الخير لأمتنا على مر التاريخ ، بل حمل معه الشرور ، ولكن مهما كان الأمر فإن النظام الجائر في سوريا هو الذي يتحمل المسؤولية عما وصلت إليه أحوال السوريين . وأخيراً فنطلب من قادة العرب التركيز على شيئين أساسيين هما : 1 - التركيز أولاً على إزاحة النظام بأي وسيلة سواء كانت عن طريق التنازل أم غيره ، ثم تشكيل حكومة وطنية ، وكم نتمنى من النظام أن يهتدي إلى التنازل وبذلك منع سوريا من شر التدخل الأجنبي ، ولكن يبدو أن سنة الله في الطواغيت هي ما قاله سيدن موسى: (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) 1. 2 - وإذا لم يمكن ذلك فيجب التركيز على حظر جوي للطيران السوري على المناطق المحررة ، وجعلها مناطق آمنة ، وتشكيل حكومة وفاق وطنية تجمع كل الفصائل ، وتوحدها على أساس الوحدة الوطنية والحقوق المشروعة للجميع دون إقصاء لطائفة ، أو عرق ، أو فكر . فأرى من الفريضة الواجبة أن يسعى جميع المخلصين من الحكومات ، والساسة والمسؤولين والعلماء والحكماء خارج سوريا وداخلها لتجميع المعارضة في الداخل والخارج ، ولتوحيد فصائل المقاومة والجهاد في إطار الجيش السوري الحر توحيداً حقيقياً بحيث تخضع جميع فصائل المقاومة لإدارة واحدة وقيادة موحدة حتى ولو كانت قيادة جماعية ، وإذا لم تفعل ذلك فستكون فتن القتال الداخلي والحرب الأهلية على الأبواب - لا سمح الله - فأناشد الجميع بالسعي لتحقيق هذا الهدف قبل فوات الأوان. والله المستعان.

371

| 04 سبتمبر 2013

الساقطون من المنابر

في عام 2004 زرت أفغانستان بدعوة من حكومتها لحضور حفل تأبين أسد بانشير، أحمد شاه مسعود، لم أفهم شيئا مما دار في حفل التأبين، فقد كان الحديث كله باللغة الفارسية، والمتحدثون يقولون شعرا يهز على أثره الحضور رؤوسهم بشكل آلي، وكنت وصاحبي الصحفي نتردد بين ترك القاعة والبقاء لبضع دقائق خوفا من أن يساء فهم خروجنا، ولكننا اتفقنا على أن يخرج أحدنا بهدوء ثم يبتعه الآخر بعدة دقائق حتى لا نلفت الأنظار. كان من ضمن المدعويين أكاديمي سوداني لم أفهم سبب دعوته هو بالذات، فقد أعطي فرصة الحديث إلى جمهور الحضور باللغة العربية مع ترجمة ما يقوله إلى الفارسية عن طريق شخص يقف بقربه يصرخ كما يصرخ ويبتسم كما يبستم ويغضب كما يغضب. لم يترك هذا الأكاديمي السوداني زاوية من زوايا التاريخ الإسلامي إلا وطعنها طعنة نجلاء، فنحن كما يقول نتاج تاريخ مزور متراكم كذبا ودجلا ونفاقا، ليس لدينا في تاريخنا صحيح أو جميل، وكان الحضور يهزون رؤوسهم طربا كما يهزونها في كل مرة يتحدث أحدهم أو يقول شعرا، فهم بمجملهم جمهور شبه جاهل استغله هذا الأكاديمي للترويج لفكرته. التفت لصاحبي وسألته إن كان هذا الرجل في كامل قواه العقلية!! فهو يتحدث حديثا مرسلا من دون دليل، وهل تاريخنا كله مزور؟ وهل نحن نتاج كذبة كبيرة كما يقول؟ بقي صاحبي مركزا نظره على هذا الشخص ثم قال: دعنا نذهب، لقد أصابني هذا المخلوق بالقرف. لم يبق لدينا ونحن هناك سوى أن نزور بعض الوجوه التي احتلت حيزا كبيرا من وسائل الإعلام، فكان أن قررنا زيارة عبد الرسول سياف، الرجل الذي كان له دور كبير في تجييش الكثير من الشباب للمشاركة في حرب أفغانستان، وقد رسمت لحيته الكثة وعمامته الكبيرة وجسده الضخم صورة رائعة في وعي بعض الشباب العربي عن الجهاد الأفغاني، ولم تكن زيارتنا له هذه المرة سوى لمعرفة موقفه من حكومة كرزاي وعن الأسباب التي دعته لدعمها خلال الانتخابات في موقف متناقض لما كان يقوله للوفود العربية خلال حملات جمع التبرعات. حملتنا سيارة ذات دفع رباعي إلى منزله الواقع في ضواحي كابول، كانت الطرق غير المعبدة غارقة بمياه الأمطار فأضحت موحلة بشكل يمنع السيارة من السير فيها من دون أن يستخدم السائق كل إمكانات عربته، بالإضافة إلى مهاراته لاجتياز هذه العوائق، استقبلنا سياف في منزله ذي الأثاث المتواضع وبدأ في الحديث عن كل شيء عدا عن موقفه من حكومة كرزاي، وعندما سألته عن ذلك تغير وجهه وكأنه لم يكن يتوقع السؤال، وأنا بدوري لم أعد أتذكر الجواب، لأنه لم يكن مقنعا لي بأي حال من الأحوال. خرجنا من منزله ونحن نشعر بضيق منه ومن حديثه، وحين أصبحنا بمفردنا قال صاحبي إن هذا الرجل يملك قصرا على قمة جبل تحرسه كتيبة من جنوده لا يدعو له سوى الأجانب وغيرهم من الصحفيين، أما هذا المنزل الذي أحضرنا إليه فهو فقط للعرض على المتبرعين الخليجيين الذين يدعوهم إليه، مبديا تواضعه المصطنع الذي أتقنه على مدى السنوات الماضية، لقد استطاع هذا الرجل أن يحصل على الكثير من الأموال بحسن استخدامه لإمكاناته ولكن جريمته الكبرى كانت في أنه استطاع أن يقنع الكثير من الشباب بالقتال إلى جانبه وبعد أن وصل إلى مبتغاه أدار لهم ظهر المجن وأصبح من أمراء الحرب الأفغان. تذكرت هذه الحادثة وأنا أرى علي جمعة يهين عمامته الأزهرية بخطابه المشؤوم الذي سجلته له الشؤون المعنوية في الجيش المصري يطلب فيه من الجنود قتل المتظاهرين السلميين المعارضين لانقلاب السيسي، ثم عمرو خالد بأسلوبه الطفولي الناعم الذي بدا خطابه مجتزءا ومقطعا ولكنه يحمل نفس الديكور الذي استخدم في خطاب علي جمعة مما يعطي انطباعا بأنه مسجل في نفس الأستوديو ولنفس الغرض. لقد استخدمت هذه الخطابات لشحن عناصر الجيش والشرطة ضد المتظاهرين، وكانت النتيجة حوالي ألفي قتيل منهم الكثير من النساء والأطفال والشيوخ، وحوالي عشرة آلاف جريح أغلبهم لم يجدوا من يعالجهم لأنهم كفرة يريدون أن يقسموا مصر، فهم خوارج يستحقون القتل والسحل والحرق كما فهم الجنود من خطابات هؤلاء. لقد استخدم الدين في الأزمة المصرية كسلاح ضد المطالبين بالشرعية، وكان هو أقوى الأسلحة الموجهة ضدهم، فهو يحتاج إلى عمامة وبعض الآيات الخارجة عن سياقها ومتلق شبه أمي وجاهل وهي كلها متوفرة وتم استخدامها في مسرح الجريمة. لقد اختفى سياف من مسرح الأحداث بعد أن استخدم الدين لصالحه، وسيموت بهدوء في أحد منازله الكثيرة الموزعة في أرجاء أفغانستان وباكستان، ولن يأسف على موته أحد، وسيختفي علي جمعة وعمرو خالد وغيرهما ممن استخدموا الدين لتبرير جرائمهم، فالساقطون لا يتلقفهم أحد، وخصوصا حين يسقطون من المنابر.  إن التاريخ لا يتذكر العلماء الذين أكلوا الحلوى في قصور السلاطين، ولكنه يتذكر أولئك الذين كتبوا علمهم بين جدران الزنازين.

707

| 29 أغسطس 2013

امبراطورية الجيش المصري المالية

إن محاولة دراسة المساعدات الامريكية للجيش المصري كالوقوع في شباك العنكبوت، فكلما حاولت ان تفك طلسما وقعت في اخر، فهو امر متشابك معقد متعدد الأوجه والآراء بشكل يصعب فهمه. الجيش المصري هو اقوى جيش في القارة الافريقية ويحتل الرقم 11 على مستوى جيوش العالم، ولكنه كما يقول البروفيسور روبرت سبرنغبورغ الاستاذ في المدرسة البحرية  للدراسات  العليا في مونتري كاليفورنيا في مقاله المنشور في صحيفة الاندبندت البريطانية بتاريخ 12 فبراير 2011، وهو بالمناسبة من افضل التحليلات التي قرأتها عن المؤسسة العسكرية المصرية واكثرها واقعية. يقول سبرنغبورع: "ان الهياكل الداخلية للمؤسسة العسكرية تكذب دورها في تشكيل مصر الحديثة، فالواقع هو عكس الرسالة التي استطاعت القوات المسلحة ايصالها لوعي المواطن  المصري من خلال المتاحف العسكرية والمناهج الدراسية التي تمجد دور القوات المسلحة ووسائل الاعلام التي تتحدث عن دوره بشكل استعراضي. ثم يواصل، لا يستطيع احد ممن هو في المعارضة ان ينتقد دور الجيش بشكل علني، ليس لان هذا النقد خط احمر لا يحق لاحد اجتيازه من قبل الحكومة، بل لان هذا النقد لن يجد له صدى في اوساط المصريين ايضا.. فالجيش يستخدم مصانعه وامكنياته لانتاج الكثير من المواد الاستهلاكية المدنية التي تباع في الاسواق بدون أن تورد ارقام مبيعاتها في موازنة الدولة.. وليس هناك أي بند في الدستور أو في التشريعات المصرية يسمح لأي نوع من الرقابة على الجيش". انتهى. إن المؤسسة العسكرية المصرية ليست الوحيدة التي نجحت في تشكيل هالة من القدسية حول نفسها ورجالاتها، بل ان هناك من سبقها الى ذلك، فالعسكرية التركية سابقا فعلت الشيء ذاته وكذلك الباكستانية والاندونيسية والروسية، ولكن ما يجمع بين كل هذه المؤسسات انها سيطرت على الدولة بطرق متعددة ونخرت في هياكلها الاقتصادية والسياسية حتى اوصلتها الى جرف هار بتعليقها المشانق للمعارضين خوفا الى مكتسباتها ، وفي النهاية تحجم دور المؤسسة العسكرية في هذه الدول و تركت خلفها ارثا ثقيلا و ظلما كثيرا يصعب على من جاء بعدهم التخلص منه . ينص البند P.L. 112-74 في القانون الامريكي صراحة على وقف الدعم عن أي دولة يحصل فيها انقلاب عسكري على حكومة منتخبة ، ولكن الغريب ان هذا القانون لايطبق على كل المساعدات فهناك صندوقان تستطيع بهما الحكومة الاميريكة  ايصال المساعدات لأي دولة مهما كان نظامها قاسيا ودمويا هما .. السيطرة الدولية على المخدرات وفرض القانون : والذي كما هو من اسمه له معنى واسع مخادع ، فقد تستطيع ان تفصل التعريف الطويل هذا  ليكون المخدرات  أو فرض القانون ، و لكليهما معنى مختلف ، فهل دعم نظام السيسي يدخل تحت فرض القانون مثلا !! أما الصندوق الآخر فهو منع الانتشار النووي، ومكافحة الإرهاب، وإزالة الألغام، وبرامج ذات صلة : فهو ايضا يحمل عدة معان تستطيع ان الادارة الامريكية ان ارادت ان تحتال من خلاله لايصال المساعدات الى اي نظام دموي ان كان هناك مصلحة في فعل ذلك ، فقد يكون دعم نظام السيسي يدخل تحت دعم الارهاب أو قد يدخل تحت برامج ذات صلة !! ما يهمنا في الامر برمته أن الادارة الأمريكية لم تعترف حتى الان بأن ما حصل في مصر انقلاب، ومازالت تعليقات المسؤولين الامريكان تتهرب من هذ الاعتراف بكل الكلمات المتاحة في القاموس الانجليزي ، وليس علينا  سوى قراءة جواب السيد جي كارني السكرتير الصحفي للبيت الابيض بتاريخ 8 يوليو 2013 حين سأله صحفي عن موقف الادارة الامريكية من الانقلاب في مصر ، ثم جواب السيد جون كيري وزير الخارجية الامريكية في 17 يوليو 2013 حين سئل عن نفس الموضوع ، لم أجرؤ على ترجمة الردين نظرا لتعقد الرد باللغة الانجليزية اصلا ، وترجمته إلى العربية ستكون عبارة عن كلمات و جمل لا تعطي معنى للمستمع والقارئ . من الواضح ان البراغماتية الامريكية وصلت الى اقصى مستواها في التعامل مع الانقلاب المصري ، فهي تتلاعب بالمصطلحات لكسب الوقت وللتعامل مع نظام السيسي الدموي الذي يعمل بكل امكانياته العسكرية والإعلامية للسيطرة على الوضع في القاهرة و بقية المحافظات قبل ان يخسر معركته مع الوقت والدم ، وحتى ان قررت واشنطن الاعتراف باالانقلاب و أعلنت انها ستوقف المساعدات عنه فإن هناك الصناديق التي سبق وان ذكرناها والتي تستطيع ان تفتحها لتخرج مخزونها له وقت الحاجة بدون تبرير ذلك قانونيا للكونغرس ، فالإرهاب تعريف مطاط تستطيع واشنطن أو المنظمات الدولة توجيهه لكل نظام أو اشخاص يتعارض فكرهم أو توجههم أو أهدافهم مع السياسة الامريكية ، وقد يكون في هذا المقام الإخوان المسلمين أو المطالبون بعودة الشرعية او حتى الرئيس المنتخب شرعيا محمد مرسي نفسه . بقي أن نعرف أن القوات المسلحة المصرية ستستلم مخصصاتها من الادارة الامريكية والتي تشكل ربع المعونات العسكرية الامريكية  المخصصة  للعالم  حتى يستطيع هذا العملاق العسكري والمالي الحياة ، فبدون هذه المساعدات سيجد الجيش المصري نفسه في حالة انهيار اقتصادي شبه تام، ولذلك يعرف العالم بأن الولايات المتحدة الامريكية تؤيد الانقلاب، لأنها أن قررت وقف المساعدات فإن الجيش المصري لن يفي بأبسط التزاماته . ولكن أين تذهب هذه المساعدات ؟ و كيف يستطيع كبار ضباط الجيش المصري الاستفادة منها ؟  يملك الجيش نظاما اقتصاديا منوعا غير خاضع لرقابة الدولة  وبعيد عن المساءلة ، استطاع من خلاله تجاوز النظام الرقابي للجيش الأمريكي من خلال استحداث تعقيدات و تقديم التزامات لاتنفذ حال استلام المبالغ ، فمثلا : هناك تشكيلة عريضة  من الأدوات الاستهلاكية والكهربائية التي تباع في الاسواق من نتاج المصانع العسكرية والتي تم تمويلها في الاصل لانتاج أسلحة للجيش المصري ، ولكن قرر كبار الضباط تحويلها الى انتاج مدني للاستفادة المادية منها، ففي دفاتر المراقبين الماليين الأمريكان هي مصانع عسكرية ولكنها في حقيقتها هي غير ذلك أبدا . وهناك أسطول صغير من تسع طائرات نوع جت ستريم تبلغ كلفتها اكثر من 333 مليون دولار  في خدمة كبار ضباط القوات المسلحة وعوائلهم تم شراؤها على أساس انها طائرات مراقبة للحدود المصرية  ولكنها بالتأكيد لاتقوم بذلك حين يكون على متنها كبار الشخصيات وحاشيتهم ، وقد كثرت شكاوي بعض ضباط الارتباط الامريكان الذين اكتشفوا ذلك و رفعوا تقاريرهم للادارة الامريكية التي غضت الطرف عن هذه التجاوزات ، فإبقاء كبار ضباط القوات المصرية في حالة من الرضا خير من أغضابهم . وهناك أيضا  المستشفى الذي موله دافع الضرائب الامريكي و الذي يقع على بعد 45 دقيقة على الشرق من القاهرة بارتفاع ستة طوابق وبمواجهة زجاجية و حدائق غناء و الذي يعتبر جنة في المنطقة التي يقع فيها ، فقد دفعت أمريكا حوالي 163 مليون دولار لانشائه على أساس أنه مستشفى للقوات المسلحة، ولكنه تحول إلى شيء غير ذلك بعد أن تم الانتهاء منه ، وهو مستشفى راق لا يحلم أي ضابط متوسط أو صغير دع عنك اصحاب الرتب الأخرى من الدخول عبر بوابته التي تحرس بشكل مشدد ، لقد  أعلن موقع القوات المسلحة مؤخرا عن انشاء اجنحة ملكية فيه لخدمة من يستطيع ان يدفع من المرضى ، فقد اصبح هذا المستشفى منتجعا صحيا للأثرياء و محرما على افراد القوات المسلحة ، وقد علمت الادارة الامريكية ايضا بذلك و لكنها لم تفعل شيئا يذكر حيال الأمر . إن المساعدات العسكرية الأمريكة للقوات المسلحة المصرية تبلغ حوالي 1.3 مليار دولار أمريكي استطاع كبار ضباط القوات المسلحة المصرية استخدامها لانشاء امبراطورية  مالية متعددة لا يستطيع المواطن المصري العادي الوصول إلى خدماتها ، ومع ذلك فإن جيشا مصريا فاسد ماليا قد يكون أفضل من جيش مصري يصنع سلاحه كما كان يتمنى الرئيس مرسي .

588

| 22 أغسطس 2013

حتى لا يكفروا بدين الملك

مازال صوت الداعية المصري الذي خرج من سجون عبد الناصر يرن في أذني، فقد تحدث عن التحول الفكري لدى بعض الشباب المتدين، كان يحلل ذلك التحول العنيف غير المسيطر عليه الذي يتشكل تحت سياط الجلادين وآلات تعذيبهم، فهؤلاء الجلادين الذين ينفذون تعليمات أسيادهم صنعوا من بعض الشباب آلات انتقام عنيفة ردت الكيل بمكيالين وأعلنت عن تشكيلات تحت مسميات عدة كلها تحمل اسم الجهاد كواجهة لعملياتها وتنظيماتها. يقول الداعية، لقد وجدنا صعوبة ونحن في السجن في إقناع هؤلاء الشباب بعدم تكفير المجتمع، وكان النقاش دائما ما يدور حول أن من يعذبنا بهذه الطريقة البشعة لا يمكن أن يكونوا مسلما، وان من يأمره لا يمكن أن يكون مسلما أيضا، فالمسلم لا يفعل بأخيه هكذا، ويستطرد، وقد كنا نحن الأكبر سنا نحاول جهدنا أن نمحي هذه الفكرة من رؤوسهم ولكن من دون نتيجة، ففي المعتقلات دائما ما تتغلب الفكرة المتطرفة على غيرها، فبدأت الشعارات والأناشيد بالظهور من مثل.. هل بات يجدي أن يقال لك اسلمي إن صح ذلك فاسلمي ثم اسلمي يا مصر إن الله جل جلاله لا يستجيب إلى دعاء النوم فاليوم السنة المدافع وحدها مقبولة الدعوات طاهرة الفم.  وشكل هؤلاء الشباب خلايا تنظيم الجهاد التي كانت تنتظر الخروج من سجنها لتنفذ عملياتها الانتقامية، وقد حدث. كان من الصعوبة خلال الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي اختراق مثل هذه التنظيمات الجهادية أو الحصول على معلومات عنها فلم يكن أمامها سوى خياران إما أن تقتل أو تقتل ولم يكن يهمها الوصول إلى منابر إعلامية لشرح وجهة نظرها، فهي بالتأكيد لن تحصل عليها حتى وإن حاولت. وفي عام 1999 بدأت الجماعة في مراجعة فكرها الجهادي وحاولت الحكومة المصرية استثمار هذه المراجعات لصالحها وسوقت أسلوب التعامل مع الجماعات الإسلامية على انه اختراع مصري للبيع لبقية الدول المصابة بمرض التطرف، ولكن الأمر كان أسهل من ذلك بكثير ولم يكن يحتاج لكل هذه الضجة، ففكرة التصادم مع المجتمع لم تكن لتعيش فترة طويلة بأي حال. انتظر الجميع حدوث تغيير ما، حتى جاء الربيع العربي وأحيا الآمال من جديد وشعر الناس أن فكرة التظاهر السلمي قد تحقق ما لم يحققه السلاح، فقد تكون أفواه المدافع ليست بالطهارة التي كان البعض يظنها. جاء الدكتور مرسي إلى الكرسي بالصندوق، وأصبح يؤم المصلين في قصر الحكم، ويخطب في الناس مستشهدا بالآيات من القرآن، ودخل قلوبهم بلهجته الريفية القريبة من قلوب المصريين، فلم يكن يأنف من الاختلاط بفقراء الناس وضعفائهم، وكانت كلماته متناغمة مع نظرته الأبوية الصادقة، فهاهو قيادي في جماعة الإخوان يحكم مصر بعد أن كان في السجن منذ عدة أشهر فقط، وبدأت فكرة الإخوان في سلمية التغيير التي كانوا يسوقونها للجماعات الجهادية بالرواج، ودخل الناس في دين الملك، ولم يكن الملك هذه المرة سوى مرسي الذي آمن بسلمية التغيير، واقتنعوا بصندوق الانتخابات كوسيلة للوصول إلى السلطة دون غيره، ولكن من ابوا الدخول في دين الملك لم تكن الجماعات الجهادية هذه المرة، بل كانوا عصبة لا ترى في أن يكون الملك مسلما مسالما إخوانيا، فبدأت المؤامرات وقام الإعلام الممول جيدا بمهمته، اقتلوه، بل القوه في غياهب الجب يخل لكم وجه الشعب المصري، ووزعت الأدوار ووضعت العوائق في دولاب الدولة ثم حدث الانقلاب الذي جاء بالسيسي وحاشيته، فنظر الشباب إلى جنود فرعون فوجدوهم من أركان النظام السابق، فبدأوا يفكرون في العودة إلى أفكارهم التي انتعشت في معتقلات العهد الناصري، فلم يفي دين الملك بالغرض وليس هو الوسيلة الوحيدة للوصول للحكم، فجنود فرعون يرعبهم الصندوق ولن يقبلوا بنتائجه أيا كانت، وكأن لسان حالهم مع الصندوق يا بني لاتقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا. والآن، هل إلى مرد من سبيل؟ أم أن الأمور ستخرج عن السيطرة وتجد حكومة الانقلابيين نفسها في صراع مع جماعات الجهاد اليائسة من كل إصلاح سلمي؟ حين تصل الأمور إلى مرحلة الدم، فسيصعب السيطرة عليها، ولن تكون حينئذ الأزمة مصرية بامتياز بل ستكون عربية هذه المرة، وستضطر الحكومات إلى التعامل مع تنظيمات كفرت بدين الملك وصندوقه.

7134

| 15 أغسطس 2013

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4587

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3399

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1362

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1197

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1104

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

792

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

768

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

723

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

633

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية