رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تقع جمهورية أيسلندا إلى الشمال من بريطانيا قريبا من القطب المتجمد الشمالي ويبلغ عدد سكانها حوالي 300 ألف نسمة فقط، يعيشون في برد شبه دائم مع فترة صيف قصيرة، ولكن لماذا أتحدث عن هذه الجزيرة التي لا يعرف الكثيرون بوجودها أصلا؟لسبب رئيسي واحد، هو أن هذه الجزيرة بها 30 ألف كاتب ومؤلف، أي أن واحدا من كل عشرة من سكانها ألف كتابا أو رواية، فسكان هذه الجزيرة هم أكثر شعوب العالم تأليفا للكتب وأكثر شعوب العالم قراءة للكتاب مقارنة بعدد السكان.ولو أسقطنا هذا العدد على دولة مثل مصر التي يبلغ عدد سكانها 80 مليونا، فإن عدد المؤلفين بها يجب أن يبلغ حوالي 8 ملايين مؤلف، ولو أسقطنا هذه النسبة على سوريا فيجب أن يكون لدينا ثلاثة ملايين مؤلف، ولو أسقطناها على قطر فيجب أن يكون لدينا في حدود عشرين ألف مؤلف، هل هذه النسب صادمة؟ حتى بداية القرن العشرين كانت أيسلندا من أكثر دول المنطقة الأوروبية تخلفا، فقد كانت تعتمد اعتمادا كليا على الزراعة وصيد الأسماك، ولكن المساعدات الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية أنقذتها من كارثة اقتصادية حينها وأوقفتها على قدميها، وبحلول التسعينيات أصبحت من أكثر دول العالم ثراء، وفي عام 2013 احتلت المركز 13 في قائمة أكثر دول العالم تطورا، كما جاء في تقرير الأمم المتحدة عن تطور التنمية البشرية HDI.في تقرير نشره موقع البي بي سي العام الماضي وأسقطه كاتب أمريكي يدعى دومينيك سمث على مدينته الأمريكية نشره في موقع Themillions.com يقول: "إن المؤلفين لا يعملون بأسلوب اقتصادي أبدا، فهم لا يقيمون السوق ليعرفوا إن كان هناك طلب على كتبهم قبل الشروع في الكتابة، إن الكتابة تنبع من دافع ذاتي، فالأمر يتطلب الكثير من الوقت والطاقة ووجع القلب من دون أي ضمان لهذا الاستثمار، كما هو الإيمان بقوة عليا، التأليف يتطلب تجاوز النقاشات المنطقية والأرقام.. فمتوسط مبيعات أي كتاب في أمريكا لا يتجاوز ثلاثة آلاف نسخة".انتهى عن هذه الجزيرة يقول أحد المؤلفين المواطنين: "نحن شعب من (الحكواتية)، كنا في الأيام الخوالي قبل مجيء الكهرباء نجلس حول النار لنحكي القصص لبعضنا، وبعد ذلك بدأنا في تحويل هذه القصص إلى روايات، وبعد استقلالنا عن الدنمارك عام 1918 شكلت الثقافة والأدب هويتنا".بعد قراءة التقرير عن أيسلندا وعن أمريكا كانت مبررات الكتابة التي أجمعوا عليها هي وجود ثقافة عامة عالية وتوفر نظام اقتصادي قوي واستقرار سياسي، ولكن هل هذا يكفي؟نعم، إن وجود هذه العوامل مهم جدا، بالإضافة إلى وجود معايير للحفاظ على حياة جميلة هي من أسباب الإبداع، فالتلوث وسوء الطرق والازدحام وسوء النظام القضائي والإداري والتعليمي والصحي وكثرة الأعباء الحياتية، وغياب المعايير المنظمة لحياة الناس لا تصنع مبدعين ولا تصنع حياة هادئة جميلة.
1334
| 06 مارس 2014
في منتصف التسعينيات دعيت إلى مؤتمر يعقد في الدار البيضاء المغربية، علم أحد الأصدقاء بعزمي على السفر فسلمني أمانة صغيرة من والدته حتى أوصلها إلى سيدة تعمل في المجال الدعوي النسائي هناك هناك.بعد وصولي إلى المغرب اتصلت بالهاتف المكتوب على مظروف مرفق بتلك الأمانة، وكلمتني طفلة صغيرة لم تتعد العاشرة من عمرها، فسألتها عن والدتها وأخبرتني أنها خارج المنزل، فسألتها مرة أخرى إن كانت تحسن الكتابة وإن كان لديها قلم وورقة، أجابت بلهجتها المغربية التي نسمعها نحن المشارقة وكأنها تخرج من عمق البلعوم، نعم لدي كل ذلك، أضحكني أسلوب الطفلة في الحديث وأدبها الجم ، فأعطيتها اسم الفندق و رقم الغرفة و طلبت منها أن تخبر والدتها بأن لدي غرضًا أرغب في إيصاله إليها.وفي المساء اتصلت بي السيدة وجاءت مع زوجها في اليوم التالي لاستلام الأمانة، كانت السيدة في حوالي الخمسين من عمرها وزوجها في الستينيات من عمره ، تحدثنا عن زيارتها السابقة إلى الدوحة وعن النشاط الذي تزاوله في مجال الدعوة النسائية، ثم ذكرت لها كيف أن ابنتها الصغيرة استطاعت أن تكتب كل المعلومات التي أعطيتها إياها بدقة وأن أسلوبها في الحديث جميل وواضح، ولدهشتي قالت إنها ليست ابنتي .ثم حكت لي الحكاية التالية : منذ سنوات طويلة طرق بابنا في الدار البيضاء رجل كنا نعرفه عندما كنا نعيش في قريتنا التي تقع في الجنوب المغربي، كانت حاله بائسة ، يحمل طفلة مازلت في مهدها ، تبكي بكاء يقطع نياط القلب ، فطلب منا أن نعتني بالطفلة التي ولدتها زوجته اليوم وتوفيت بعدها مباشرة ، وسيكون مشغولا خلال الأيام القادمة بنقل جثمانها إلى القرية لدفنه هناك.تقول السيدة، أخذت الطفلة منه وذهب ، وبعد أن أغلقت الباب حاولت إسكاتها بكل وسيلة و لم افلح، وشعرت أن الطفلة ستموت إن لم أجد لها مرضعة وبسرعة ، وبعدها بعدة ساعات طرقت بابنا فتاة شابة تحمل في أحشائها جنينا على وشك الخروج إلى الدنيا، وطلبت مني أن أؤيها في منزلي، فهي فقيرة قد تركها زوجها وحيدة وليس هناك من يعتني بها.رفعت يدي إلى السماء شاكرة الله على نعمه وفضله، وقلت للفتاة، إن شرطي الوحيد هو أن ترضعي هذه الصغيرة ، ثم سلمتها الطفلة التي كانت في يدي، أخذت الفتاة الطفلة و بدأت في إرضاعها وعاشت تلك الفتاة معنا حتى وضعت هي بدورها، وبعدها بفترة غادرتنا ولم تعد إلينا أبدا، و كأن الله أرسلها لترضع هذه الطفلة الصغيرة فقط ، أما والد الطفلة فقد توفي في القرية بعد دفن زوجته بعدة أشهر.انتهت مقابلتي مع السيدة و زوجها وودعتهما.بعد هذه الحادثة بحوالي الثماني سنوات، دعيت إلى الرباط لحضور مؤتمر آخر، كان مملا كالكثير من المؤتمرات التي يغلب على متحدثيها التكرار وعلى مستمعيها النوم ، خرجت من القاعة ووجدت سيدة أمامي ، كانت هي ذات السيدة التي قابلتها في زيارتي الأولى للدار البيضاء، عرفتها بنفسي، وبقيت للحظات تستدعي ذاكرتها حتى تذكرتني واعتذرت لكبر سنها، سألتها عن زوجها فقالت بصوت حزين إنه توفي منذ عدة سنوات، ثم سألتها عن طفلتها التي حدثتني على الهاتف، فقالت لن أخبرك حتى تأتي لتزورني في مقر عملي في الدار البيضاء.ذهبت إلى هناك وأوقفني سائق سيارة الأجرة أمام بيت كبير جميل وأخبرني أن هذا هو العنوان، نزلت وطرقت الباب مترددا، فتحت لي فتاة في السابعة عشرة من عمرها محجبة، تلبس جلبابا واسعا، ابتسمت بعد أن رأتني ثم قادتني خلال حديقة جميلة حيث تجلس مضيفتي على طاولة وحولها مجموعة من الكراسي، سلمت عليها مبديا إعجابي بالمنزل وحديقته.قالت لي إن هذا المنزل قد أوقفته إحدى السيدات ليكون مقرا للدعوة النسائية حيث يمتلئ المكان أثناء المناسبات والدروس بهن ، والمركز يعنى بمتابعة النساء الكبيرات في السن اللواتي يبحثن عن مجموعة تساندهن في وحدتهن و تثقفهن في دينهن.ثم أشارت السيدة إلى الفتاة، وقالت هذه هي التي تحدثت معها هاتفيا منذ عدة سنوات، وهي ستتزوج قريبا، احمر وجه الفتاة خجلا وغادرت.قد تفلح الحياة في نخر حياتنا و تدميرها أو هكذا نشعر أحيانا، ولكن تبقى رحمة الله وعافيته تخفف عنا هذا الشعور، فمن أرسل للرضيعة حليبها بعد وفاة أمها قادر على كل شيء.
1419
| 27 فبراير 2014
ما بدها تتحلحل يا أبو أحمد؟ فيرد بلهجة الريف الدمشقي: لا، ما بدها تتحلحل، هكذا كنت أسأل الشيخ السوري الستيني النحيف ذا النظرة الحزينة والظهر المحدودب، وكان هذا رده دائما، فلم يكن الحديث عن السياسة في سوريا أمر ممتع، بل يجب أن تكون لك كلمات سرية تستشف منها الوضع من دون أن تكون واضحا، فصلاحيات المخبرين بلا حدود، والسجون تتمتع بسمعة سيئة تكاد تضاهي سمعة محاكم التفتيش الإسبانية في القرون الوسطى، وعقول السورييين مليئة بقصص التعذيب والتنكيل والقطع والحرق وانتهاك الأعراض التي لا تريد أن تفارقهم.نشرت مجلة التايم يوم 17 فبراير نقلا عن منظمات معنية بحقوق الإنسان إحصائية عن جرائم القتل التي ارتكبها النظام السوري خلال فترة انعقاد مؤتمر جنيف 2، فخلال الفترة من صباح 22 يناير وحتى منتصف ليلة 14 فبراير قتل حولي 6000 سوري، أي 242 شخص في اليوم، أي بما يعادل 10 أرواح تغادر إلى ربها كل ساعة من اليوم.ومع صعود كل هذه الأرواح إلى خالقها بانتظار ما سيسفر عنه مؤتمر جنيف 2، كانت النتيجة أن الوفد الحكومي السوري رفض حتى مناقشة طلبات المعارضة، ففشل المؤتمر فشلا ذريعا جعل عرابه الأخضر الإبراهيمي يعترف بقوله: أنا آسف جدا، آسف جدا، واعتذر للشعب السوري، اعتذر لهم لأننا خلال الاجتماعين لم نساعدهم كثيرا.هذه الجملة التي قالها الإبراهيمي لن تمحو ذكرى آل 6000 شخص قتلوا خلال أيام المؤتمر، ولن تمحو ذكرى 140000 شخص قضوا خلال السنوات الثلاث الماضية، ولن تريح الملايين الذين يعيشون في بؤس يومي منتشرين في بقاع الأرض أو في خيام على الحدود بانتظار الإذن بالعودة إلى مكان ليس به مستقبل أو حياة.إن الشعوب لا تحمل السلاح وتقاتل وهي تعلم علم اليقين أن فعلها هذا سيجر عليها الويلات والدمار إلا أن كانت مضطرة لذلك، وحين ترى أن موتها حاملة سلاحها خير لها من حياة تهدد فيه كل لحظة بالسلاح، فالأنظمة تتشبث بكراسيها التي تراها أغلى من الشعوب وتطلعاتهم وأحلامهم، وليس لدى هذه الأنظمة القاسية أي تردد في فعل ما ترى أنه مناسب لحماية العرش من السقوط، ولكن مالحل أن وصلت الحال بهذه الشعوب إلى طريق مسدود ليس له مخرج سوى الموت ؟ حينها ستختار الموت وهي تقاتل عوضا عن الموت كل يوم في حياة من الذل والمهانة.أتساءل أحيانا عن سبب تكلس هذه الأنظمة وعدم قابليتها للتطور وإيجاد مخارج للازمات المحيطة بها، فهل كان بشار سيخسر كثيرا فيما لو جعل نفسه رئيسا مدى الحياة وطرح منصب رئيس الوزراء للانتخابات؟ وهل كان سيصل حال البلد إلى هذه الحال أن كان ادخل إصلاحات في النظام الأمني وحد من تغولها وسطوتها على الناس والمجتمع؟ وهل ستكون مصيبة عليه أن أصلح النظام القضائي؟ وهل سيجد نفسه في مصيبة أن ادخل إصلاحات على النظام التعليمي والصحي ؟ بالتأكيد لم يكن ليخسر الكثير، بل كان سيربح الكثير، ولكنه النظام حين يتكلس ويتجلط ويصبح غير قابل للحياة فتسري عليه سنة الحياة في التغيير والاستبدال.لم أجد من يؤيد الذهاب إلى جنيف 2، سواء من الساسة المتصارعين في الخارج أو من الجيش الحر في الداخل، الجميع كان يعلم انه مؤتمر فاشل بكل المعايير حتى قبل أن يبدأ، وكيف ينجح أن كان الوفد السوري رفض حتى فكرة إزاحة الأسد عن الحكم؟ وجاء المؤتمر في وقت كان الاقتتال الداخلي بين داعش والكتائب الأخرى على أشده، وفي الوقت التي كانت المساعدات الإيرانية والروسية تنهال على النظام بشكل غير مسبوق، فكان بين مجموعتين إحداهما مهلهلة، مفككة، متصارعة، متقاتلة، والأخرى مترابطة ومتجانسة ولا تقبل المساومة على ثوابتها!! لست أعلم أين أبو أحمد (هذه ليست كنيته الحقيقية)، فجسده الناحل وسنه لن يسمحان له بتجاوز هذه الأزمة التي قد تكون الأخيرة في حياته، ولكني مازلت أخاف عليه حتى من الجهر بلقب قد يحمله معه الآلاف ومازلت أخاف عليه وان كانت الأرض قد حوت جسده، فأي حياة تلك التي يعيشها الناس وهم يخافون من نظام حكم يتسلل إلى مخادعهم ويحسب عليهم أنفاسهم ويضيق عليهم حياتهم؟ حينها قد يصبح الموت طريقا للحياة.
793
| 20 فبراير 2014
من الأماكن التي حرصت على زيارتها خلال رحلتي الأولى إلى اليابان في نهاية التسعينيات كان المركز الإسلامي في طوكيو، فقد قرأت بعض ما كتبه الدكتور السامرائي مدير المركز حينها عن الإسلام في اليابان وتاريخ العلاقة بينهما، فحرصت على لقائه والتعرف عليه، فقد كان الدكتور السامرائي موسوعة في هذه العلاقة، ونشر العديد من الأوراق والكتب التي تتحدث عنها، وأذكر أنني استخدمت الكثير مما كتب في ورقة قدمتها لمؤتمر عقد في البحرين بعدها عن العلاقة بين الإسلام واليابان.لفت نظري خلال وجودي في المركز شيخ تركي كان في أواخر الستينيات من عمره، له منظر وسمت لم أره من قبل، فقد كان ذا بشرة بيضاء تميل إلى الاحمرار، ويضع على رأسه عمامة بيضاء ويلبس ثوبا شديد البياض يضع فوقه عباءة بيضاء مطرزة بخيوط مذهبة، وله لحية بيضاء لا تتخللها شعرة سوداء، وينتعل حذاء أبيض اللون على جراب أبيض، لقد كان بمنظره المميز ذلك يلفت نظر كل من يراه وخصوصا في عاصمة مزدحمة مثل اليابان التي ليس بها تنوع عرقي.حاولت أن أجد فرصة لأجلس مع الشيخ لأتعرف عليه ولمعرفة السبب الذي يجعله يلبس هذا اللبس اللافت للنظر، وعندما بدأ في الحديث وجدت نفسي مندهشا لما يقول، فلم يكن الشيخ يفعل شيئا دون سبب، فنظرته التي مازلت أذكرها توحي بذكاء شديد، وتصرف مقصود.بدأ حديثه بوضع يده على ملابسه ليشرح لي أنه يلبس هذا اللباس متعمدا حتى يلفت أنظار الناس إليه، فاليابانيون مؤدبون جدا، يحاولون عدم النظر إلى الآخرين حتى وإن كانوا يلبسون لباسا غريبا مثل لباسه، ولهذا السبب فهو يذهب إلى محطات قطارات الأنفاق المزدحمة ويتحدث معهم محاولا كسر حاجز الخجل هذا ليدعوهم إلى الإسلام، وذكر لي عدة حوادث طريفة حصلت معه كان من أجملها قصة رواها ومازلت أذكرها حتى هذه اللحظة.يقول الشيخ: ذهبت لزيارة الأتراك في ألمانيا، فهذه الدولة بها جالية كبيرة منهم، وحال وصولي إلى هناك أخذني مضيفي إلى المسجد الذي كان به مجموعة من رواده، نظرت إلى وجوههم مستغربا، وقلت لهم إنني لم أسافر كل هذه المسافة من اليابان إلى ألمانيا لأحدث أناسا يرتادون المسجد، ولكن دلوني على من لا يرتاده، أين يجلس الأتراك الذين لا يحضرون لمسجدكم هذا؟ فقيل لي إنهم يجتمعون في بار (حانة) لا تبعد كثيرا عن المسجد، فقلت لهم: خذوني إلى هناك.تردد الجميع وحاولوا ثنيي عن رأيي ولكنني كنت قد اتخذت قراري، فذهبت بهذا الزي الذي تراه إلى المخمرة، رآني الأتراك داخلا عليهم بهذا الزي فرحبوا بي أشد ترحيب، وبدأت أحدثهم عن تركيا وعظمتها وعن الفتوحات العثمانية، فتأثروا أيما تأثر بحديثي ثم انتقلت إلى المرحلة الثانية، فقلت لهم أنتم أحفاد أولئك العظام الذين فتحوا العالم ووصلوا إلى أسوار فيينا، فبدأ بعضهم يبكي تأثرا، فالخمر كانت قد فعلت فعلها قبل أن أحدثهم.شاهدت تأثرهم فوجدتها فرصة لجمع التبرعات للمسجد منهم، ثم قال ضاحكا: كم يكون السكران كريما، ثم واصلت الحديث معهم حتى بدأ بعضهم بالبكاء بشكل واضح، فطلبت منهم أن نذهب إلى المسجد، فهذا المكان ليس مكانا للحديث بعد أن تنزل دموع الندم.أكمل الشيخ حديثه بالقول: وصلنا إلى المسجد وكان بعض من معي يستند على الآخر من تأثير الخمر وبعضهم كان مسيطرا على نفسه، كانت مجموعة من السكارى الذين وجدت صعوبة في السيطرة عليهم، وعلى باب المسجد قال بعضهم: هل يصح أن ندخل المسجد ونحن في هذه الحالة من السكر، فقلت: فليبق السكارى في الخارج حتى يصحوا.كنت أنتظر أن ينهي الشيخ قصته هنا، ولكنه أكمل قائلا:مرت من السنوات الكثير، وفي أحد الأيام كنت في مكة جالسا قريبا من الكعبة، فجاءني رجل تركي لابس عمامة وسلم علي سلاما قويا وكأنه يعرفني، وسألني إن كنت قد عرفته، فرددت عليه معتذرا بسني وضعف ذاكرتي مزينا نفيي بقولي: وكيف لشخص مثلي أن يعرف عالما كبيرا مثلك؟!ابتسم الرجل ابتسامة كبيرة ورد عليَّ قائلا: لقد كنت مع السكارى خارج المسجد عندما زرتنا في ألمانيا.
1701
| 06 فبراير 2014
عندما تفرغت لإعادة إحياء صحيفة العرب في 2006، نصحني صديق بالاتصال بنائب عميد كلية الصحافة في إحدى الجامعات الأمريكية، والذي كان صديقا له، لأخذ رأيه والاستفادة من تجاربه، فقد عمل هذا الأمريكي لفترة طويلة في الصحف وانتهى به المطاف مديرا لتحرير صحيفة دولية مرموقة، ثم قرر أن يتجه إلى العمل الأكاديمي هاربا من مذبحة الصحافة.اتصلت به على هاتفه النقال وعرفته بنفسي وبصديقنا المشترك فرحب، وسألني السؤال التقليدي الذي نسمعه دائما، كيف أستطيع أن أساعدك؟ أعطيته فكرة عن مشروع الصحيفة وعن الرغبة في إخراجها من التقليدية إلى أسلوب جديد لجذب القراء، وعن المنافسة الشرسة التي تعاني منها الصحافة المطبوعة مع وسائل التخاطب المجتمعي، كان الرجل مستمعا جيدا، وأنصت لي حتى انتهيت، ثم سأل عدة أسئلة عن سوق الإعلام وعن مستوى حرية الصحافة وعن القراء وأعدادهم واهتماماتهم، وأنهى أسئلته بالسؤال التالي: هل أنت متأكد أنك تريد أن تنشئ صحيفة في هذا الوقت؟ ثم تحولت أنا إلى المنصت لما يقول، فقد كان مندهشا من إنشاء صحيفة مطبوعة في الوقت الذي أصبحت الصحف الأمريكية تغلق أبوابها وتتخلص من موظفيها وتخسر أسواقها وقراءها لتتحول أغلبها إلى صحف إلكترونية محاولة الاستفادة من هذه الطفرة التي تقتل من لا يجاريها ولا يستفيد منها، أعطاني الكثير من الأمثلة التي تؤيد وجهة نظره ومنها الصحيفة التي كان يعمل بها، ثم أنهى حديثه بالقول: لعل لديكم الكثير من الأموال لتنفقوها.انتهى الحديث.في عام 2000 كان مدخول الصحف الأمريكية من الإعلانات حوالي 63.5 مليار دولار، وبحلول عام 2012 نزل هذا المدخول إلى 19 مليارا فقط، وفي نفس الفترة من الزمن ارتفع مدخول محرك البحث غوغل من الإعلانات من صفر إلى 46.5 مليار دولار، وخلال الفترة من 2001 إلى 2011 انخفضت أعداد الصحفيين في الصحف الأمريكية بنسبة 44 %.لقد كانت العشر سنوات الماضية مذبحة للصحافة المطبوعة في أغلب دول العالم، هذه الوسيلة الإخبارية التي أثرت في العالم لعقود طويلة ولم تتأثر بمنافسة الإذاعة ولا بالتلفاز كثيرا، ولكنها لم تستطع مجابهة غوغل وغيرها من وسائل التخاطب المجتمعي، فألقت سلاحها ورفعت يدها وأعلنت استسلامها.مرت وسائل الإعلام بمرحلة كانت تتسابق لإرسال أخبارها إلى مستخدمي أجهزة الهواتف الذكية وغدت تتصيد القراء صيدا، وتقدم لهم خدماتها مجانا في محاولة لجعلهم أرقاما لها تتفاوض بهم مع المعلنين، ثم ذهب هذا وانتهى تقريبا. ابتكرت بعدها شركات المعلومات تطبيقات تفننت في تصميمها وإخراجها لتجعل من الأخبار سلعة مغرية للمستخدم والقارئ، وجهزت البنية التحتية لسيل مختار من المحتوى الإخباري، وأصبحت أجهزتنا تختار المحتوى الذي نريد فقط، من دون أن نتعب في البحث عنه.أحاول أحيانا أن أدرس أسلوبي في التعامل مع المتغيرات السريعة في عالم المعلومات، فقد كنت سابقا أتابع صحفا أو مواقع بعينها، أما الآن فإن هناك الكثير من التطبيقات التي تأخذ من هذه المواقع ما أرغب أنا في قراءته، وتقدمه لي بشكل مختصر.إن هذه الخاصية في تنظيم الأخبار والمحتوى جعلت من مصممي هذه التطبيقات وسطاء للأخبار تستخدمهم وسائل الإعلام لنشر محتواها، كما يحصل في الأسواق حين يقف الدلال ليصرخ في المشترين طالبا منهم المزايدة على السعر.إننا أمام عالم ديناميكي غير ساكن، تختفي منه خدمات وتظهر أخرى، تجعلني أشعر أن تسارع الزمن ليس في الزمن ذاته ولكنه فيما يحصل فيه من متغيرات خلال فترة محددة، وأعتقد أيضاً أن الوظائف والمؤسسات التي لا تستطيع مجاراة هذه المتغيرات ستنتهي قريبا.
1135
| 30 يناير 2014
صور منظمو جنيف 2 أن المؤتمر هو الحل الوحيد والأفضل للأزمة السورية، وبدأت الاتصالات والدعوات تنهال على الجميع وكأنه حفل عرس لا يريدون أن ينسوا دعوة أحد إليه، متناسين أن في الأيام التي انشغلوا خلالها في إرسال الدعوات وحجز الفنادق وتجهيز المواصلات كان الموت يحصد الآلاف من السوريين، والملايين منهم يعانون البرد والجوع والحرمان في خيم ممزقة محاولين التشبث بالحياة بكل وسيلة متاحة. أرسل الأمين العام للأمم المتحدة دعوة لطهران لحضور المؤتمر، ولكن بعد تهديد الائتلاف السوري بعدم الحضور تم سحب الدعوة، ولم يقل لنا الأمين العام من الذي طلب منه أن يدعو طهران لحضور مؤتمر عن دولة عربية لا تجاورها في الحدود ولا يربطها بشعبها رابط أبدا.ستحاول إيران إفشال المؤتمر، فهي تريد أن ترسل رسالة واضحة للعالم أنها اللاعب المهيمن في المنطقة، ولن يكون هناك أي اتفاق من دونها، ولذلك فإن النظام السوري سيتحرك في هذا المؤتمر على هذا الأساس، فخرج أول تصريح من دمشق ليعلن أن إزاحة بشار الأسد من الحكم لن تكون ضمن النقاط المطروحة في الاجتماع، ثم سرد لنا وليد المعلم تهما خلال خطابه الطويل يراد منها دمغ هذا المؤتمر بالفشل، منها أنه اتهم المعارضة بالعمالة والخيانة، فهل نتوقع من نظام يتهم معارضيه بهذه التهم أن يصل معهم إلى نتيجة مرضية؟، ثم أضاف المعلم أن لا أحد من خارج سوريا لديه الحق في المطالبة بإزاحة الرئيس بشار وأن الكثير من الدول التي حضرت هذا المؤتمر قد تلطخت أيديها بالدم.بعد تصريحات المعلم هذه هل يبقى في خلدنا أنه يريد إنجاحه؟.يجب أن نعترف أن إيران هي من يدير النظام السوري الآن، وأن كل المساعدات والمعونات التي صرفها الزعماء العرب على النظام السوري خلال الأربعين عاما الماضية لم تكن سوى أرقام تضاف إلى أرصدة عصابة من القتلة الطائفيين الذين يحكمون سوريا بالحديد والنار وأن قبلتهم التي كانوا ومازالوا عليها هي طهران، وأن صمت الحكومات العربية وزعاماتها عن مذبحة حماة عام 1982 لم تكن سوى رسالة له للولوغ في دماء الشعب وإذلاله، فهم سيتحملون وزر 30 ألف قتيل خلالها ووزر 130 ألفا بعدها، متناسين أن الصمت في بعض الأحيان جريمة يجب أن يحاسب عليها فاعلها.في لقاء له مع قناة الميادين، قال بشار الأسد إن لدى النظام السوري خبرة في التغلغل في أوساط الجماعات المتطرفة، ثم أعلن أنه سيقدم هذه الخدمة للغرب لضرب الحركات الإسلامية في المنطقة.إن تصريحه هذا كان تذكيرا للسوق الذي احتكره لعقود طويلة ومحاولا التغلب على منافسيه في المنطقة، فسجونه مليئة بالشباب الذين كانوا يحاولون دخول العراق لمقاومة الأمريكان وهي مليئة بمن كانوا يعملون في مجال الإغاثة ومليئة بمن أرسلهم الغرب ليتم تعذيبهم في أقبية سجونه ومليئة بكل من يحاول أن يقوم بعمل لم تطلبه منه أجهزته الأمنية.لم يلاحظ الكثيرون أن الصدامات بين داعش وبقية الكتائب المقاتلة في الساحة السورية قد ازدادت حدتها مؤخرا قبل مؤتمر جنيف2، والسبب وراء ذلك هو إضعاف الائتلاف وجعله يحضر محملا بعبء الاقتتال الداخلي والتفكك، ولذلك حضر الائتلاف ضعيفا مترهلا بخلاف الابتسامات التي كان يوزعها الوفد السوري والتي توحي بنجاح مهمته قبل أن تبدأ.يجب ألا ننسى أن النظام السوري قد وجد في الروس والإيرانيين حلفاء متضامنين، يرسلون رسائل ثابتة موحدة لوصف أعداء النظام السوري، فهؤلاء كما ورد في كل الرسائل التي أرسلتها كل من دمشق وموسكو وطهران كانت تصفهم بالإرهابيين والتكفيريين والوهابيين، ولم تتغير هذه الرسائل ولم تتبدل، ولكثرتها وحسن صياغتها وثباتها فقد وجدت آذانا صاغية في دول الاتحاد الأوروبي وغيرها، أما رسائل الدول المساندة للثوار فهي غير مترابطة وتتصادم أحيانا وقد تغير مسارها فجأة دون أي إنذار، فليس للجبهة المساندة لإسقاط نظام بشار هوية واضحة، ولا خطاب موحدا، بل إن الخلاف فيما بينها واضح في كل رسائلها وتصرفاتها وبياناتها.إن خروج شخصية سورية قوية تستطيع أن تجمع الخيوط بيدها وتبعد المتحدثين من غير السوريين من الساسة المساندين للثورة الذين كثر عددهم وقلت بركتهم هو مطلب عاجل، حتى يشعر الجميع بأن هناك مركزية في الصراع وليست تعددية في القيادة.
599
| 23 يناير 2014
بعد حوالي العام من الاحتجاجات السلمية أرسل المالكي قوات عسكرية مدججة لفض اعتصامات أهالي الأنبار بالقوة، فقدمت كدأبها رافعة أعلاما طائفية ويصرخ جنودها بأناشيد الثأر للحسين من يزيد وأعوانه، فقتلوا وأحرقوا واعتقلوا، فحمل أبناء الأنبار السلاح دفاعا عن أنفسهم وعن أعراضهم وديارهم في ردة فعل تلقائية معروفة مسبقا، فأعلنت إيران مباشرة وقوفها إلى جانب المالكي في حربه على الإرهاب واستعدادها لإرسال الدعم اللازم له، ثم أعلنت الولايات المتحدة ذات الشيء واستعجلت إرسال الأسلحة التي سبق وأن وقع عليها المالكي، وتبعهم مجلس الأمن الدولي ثم الأمين العام للأمم المتحدة ثم جامعة الدول العربية!أي جنون هذا الذي نعيشه؟ هل من المعقول ألا يعرف كل هؤلاء أن سنة العراق يعانون الأمرين تحت حكم طائفي متوحش متغول يعمل بكل جهده على إذلالهم وإفقارهم وعزلهم وتهميشهم والتخلص منهم بكل وسيلة خسيسة أبدعها عقل سادي لا يرحم؟ أم أن إيران بدأت تحصد ثمار حوارها الطويل مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ أيا كان، فالأمر يبدو وكأن تهمة الإرهاب قد حازها السنة بشكل حصري دون غيرهم، فهم الإرهابيون في سوريا وكأن بشار الأسد لم يحصد أكثر من مائة ألف روح، نسبة كبيرة منهم من النساء والأطفال، وكأن مليشياته الطائفية لا تحاصر الآلاف في مخيم اليرموك ليموتوا جوعا تحت أنظار العالم، وكأن مقاطع الجياع وهم يصرخون أمام عدسات المصورين لا تعني شيئا، وكأن البراميل التي ترمى من طائرات الهليكوبتر لتدمر كل ما تقع عليه ليست إرهابا، وكأن قذائف الغازات السامة التي حصدت المئات من الأرواح ليست إرهابا، وكأن جموع الطائفيين القتلة الذين أرسلهم حسن نصر الله ومعممي العراق هم في سوريا لأعمال الإغاثة، إنها إذن تهمة الإرهاب التي التصقت بنا وتأبى أن تفارقنا، حتى وأن أبادتنا سيوف الطائفية أو دمرتنا القاذفات أو أصبحنا ضحايا لقتلة محترفين فنحن إرهابيون، لقد أحسن أولئك إدارة علاقاتهم من واشنطن التي توزع تلك الألقاب على من تشاء وكيف تشاء ولا عزاء للضعفاء.وهم الإرهابيون في لبنان عندما يصرخون ألما من تلاعب حزب الله بمقدرات البلاد وأهلها، يقتل من ساستها من يريد من دون أن يحاسب أو يساءل، وهو الذي اكتسح بيروت بعناصره المسلحة مدعيا دفاعه عن حقوقه في التلاعب بأمن المطار وهو الذي يقرر متى يدخل البلاد في حرب ومتى يخرجها منها متلاعبا بمصير الآلاف من البشر من دون رحمة!!ستبقى على أهل الأنبار إدارة معركتهم بطريقة واقعية بعيدا عن الشعارات والوعود التي قد يحصلون عليها ممن لا يملكون من أمرهم شيئا، فهم الآن في نظر العالم إما إرهابيون تابعون للدولة الإسلامية في العراق والشام أو مساندون لها، مع أنهم هم أكثر من احترق بلهيب هذا التنظيم وهم أكثر من قاتله وضحى من أجل إخراجه من مدنهم وقراهم.هناك عدة نقاط يجب أن ينظر إليها ثوار الأنبار: أولا: يجب أن يوضحوا موقفهم من داعش للعالم بشكل واضح، فالعالم يعيش حالة رعب من هذا التنظيم الذي أصبح عبئا على الجميع، ولا بأس من الحوار معه للخروج من المدن إلى الصحراء مرة أخرى، فوجود التنظيم في مدن الأنبار يعطي الجميع عذرا في القتل من دون رحمة، وهو العذر الذي استخدمه المالكي لكسب تعاطف العالم معه حين قال إنه يحارب الإرهاب، وهو الذي جعل شباب الشيعة في الجنوب يصطفون أمام مراكز التجنيد للحصول على السلاح والتدرب عليه لأنهم يخافون من هذا التنظيم الذي أصبح كالغول في عقولهم، وهو العذر الذي تجتمع عليه واشنطن وموسكو وطهران وترتعب منه الدول العربية.ثانيا: يجب أن يكون هناك ممثلون لثوار الأنبار في الغرب وفي واشنطن خصوصا، يتحدثون باسمهم ويوضحون موقفهم من داعش ومن المالكي وأن يبرزوا مطالبهم التي اعتصموا من أجلها سنة كاملة قبل أن يرفعوا السلاح ليدافعوا عن أنفسهم.ثالثا: يجب أن تتشكل فرق إعلامية على مستوى عال تتحدث باللغة الإنجليزية لكسر الحصار الإعلامي عن الأحداث هناك، وتقع على المغتربين العراقيين مسؤولية أخلاقية في المشاركة وتوعية الناس بما يحدث في الأنبار، فالإعلام السني في العراق ضعيف وغير مؤثر، ولا توجد سوى قناتين فاعلتين، هما الرافدين وبغداد، ولكنهما مازالتا في المحيط العراقي لم تخرجا منه، ولكل منهما خط مختلف يكاد يكون معارضا لتوجه الآخر، بل ومعاد له.رابعا: يجب أن يترك أهالي الأنبار خلافاتهم، ويتناسوها حتى تنجلي الأزمة، فخلافاتهم أصابت مؤيديهم باليأس ومناصريهم بالخذلان.إن الحرب لم تعد مجموعة من الشباب يحملون السلاح ويختفون خلف السواتر ليقاوموا المحتل، بل هي أكثر وأكبر من ذلك بكثير، فالطائرات من دون طيار التي حصل عليها المالكي من واشنطن ستعمل عملها لقنص المقاومين ليلا ونهارا، والمال المتدفق من المالكي لزعماء العشائر سيطيح برؤوس الكثيرين غدرا وغيلة، والإعلام المضاد سيجد آذانا صاغية، والطعام سيشح والكهرباء ستقطع وسيجد أهل الأنبار أنفسهم في عزلة وحصار محكمين إن لم يكن لهم صوت في الخارج يتحدث باسمهم.على أهل الأنبار أن يتذكروا أنهم لوحدهم يقاومون العالم، فهل هم مستعدون لأمر كهذا؟ أكاد أجزم بأنهم ليسوا بعد، فهم بحاجة لفعل الكثير قبل أن تخرج رصاصة من سبطانة، وأتمنى من كل قلبي أن أكون مخطئا.
747
| 16 يناير 2014
حاولت جهدي أن أتابع كل ما يكتب عن الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، فتابعت مؤيدين لها ومعارضين، وشاهدت العديد من الأفلام التي تبثها والتي يبثها أعداؤها، وجعلت من معاييري نوعية الناس التي تبث هذه الأخبار وتوجهاتهم وقرأت بعض ما كتبته وسائل الإعلام الغربية عنهم، وقرأت عن تاريخ نشأتهم فدعوني أشارككم بخلاصة قد لا تكون النهائية.بدأ التنظيم في العراق مع بداية عام 2004 تحت مسمى جماعة التوحيد والجهاد، وفي أكتوبر من نفس العام غير اسمه إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، ولكن وسائل الإعلام وعامة الناس بقيت تعرفه بتنظيم القاعدة في العراق، وفي يناير 2006 تجمعت تحت التنظيم السابق عدة تنظيمات صغيرة أخرى فأطلق على نفسه مجلس شورى المجاهدين، وفي أكتوبر من نفس العام أيضا، أطلق على نفسه دولة العراق الإسلامية، وفي أبريل من عام 2013 غير اسمه مرة أخرى إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ولكن وسائل الإعلام الأجنبية مازالت مختلفة على اختصار هذه التسمية، فتسميه أحيانا ISIS وأحيانا أخرى ISIL، والاختلاف في الحرف الأخير سببه أن البعض يختصر الشام في حرف S والبعض مازال يسمي الشام Levant خلال الأيام الأخيرة أيدت الولايات المتحدة وإيران وروسيا رئيس الوزراء العراقي المالكي في حربه ضد الإرهاب في الأنبار، بل إن إيران والولايات المتحدة بدأتا في إرسال الأسلحة المتطورة له، فقد أعلنت واشنطن أنها أرسلت صواريخ Hell fire وعشر طائرات بدون طيار ستتبعها بحوالي خمسين أخرى لمراقبة الثوار وتدميرهم من الجو، وعلى ذلك فقد أصبح كل سنة العراق يدخلون تحت مسمى الإرهاب، وتناسى العالم أن المالكي فشل فشلا ذريعا في إدارة دولة غنية بمصادرها الطبيعية والزراعية والبشرية وأدارها على أساس طائفي مقيت لم يعهده العالم الحديث من قبل، ومع هذه الفشل يعاني سنة العراق من تهميش وإقصاء وإفقار وتشريد وقتل بشكل منهجي في محاولة لجعلهم يعيشون على هامش الحياة أسوة بأخوتهم العرب والكرد والبلوش في إيران "الإسلامية".ولكن ما هو حجم تنظيم القاعدة في العراق؟ وهل هو فاعل كما يدعي البعض إلى درجة أن روسيا وأمريكا وإيران أعلنوا الطوارئ لمساندة المالكي في معركته؟ أم أن الأمر غير هذا؟ قدر مركز دراسات تابع لوزارة الخارجية الأمريكية في عام 2007 عدد عناصر تنظيم القاعدة في العراق بحوالي ألف مقاتل، ولكن منذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق في أواخر 2011 زاد عدد عناصر التنظيم إلى حوالي 2500 مقاتل، وأعلنت الاستخبارات الأمريكية في عام 2007 أن 15% من أعمال العنف في العراق من تنظيم القاعدة ولكن مركز دراسات تابع للكونغرس أعلن أن نسبة أعمال العنف التي تنسب للقاعدة هي حوالي 2 % فقط، واتهم إدارة بوش بتزوير الحقائق لأغراض سياسية، فقد نسبت مراكز معنية بمتابعة نشاط التنظيم 43 هجوما من أصل 439 هجوما على الجيش العراقي ومليشيات شيعية لنشاط القاعدة في حين أن 17 هجوما من أصل 357 هجوما على عناصر الجيش الأمريكي نسب للقاعدة.وعلى ذلك فإن نسبة عمليات القاعدة هي هامشية بالنسبة للأحداث الدموية في العراق، ولو أسقطنا هذه النسب على أعمال العنف في تلك الدولة المنكوبة فسنرى التالي: ففي عام 2013 أعلنت وزارتا الدفاع والصحة في العراق أن 12 ألف شخص قتل خلال ذلك العام وأصيب ضعف هذا العدد، فلو استخدمنا إحصائيات بوش التي هي 15% فإن عدد العراقيين الذين قتلوا على يد القاعدة هو 1800 شخص من إجمالي 12 ألف شخص، ولو استخدمنا إحصائيات الكونغرس فإن عدد القتلى على يد القاعدة هو 240 شخصا فقط.أعلن وزير العدل العراقي (شيعي) يوم الإثنين الماضي: أن هناك رؤوسا كبيرة في الدولة سهلت هرب سجناء من تنظيم القاعدة من سجني أبو غريب والتاجي في بغداد، وقال حسن الشمري في تصريحه: إن الغرض من تسهيل عملية الهرب هذه كان تقوية النظام السوري من خلال تقوية داعش وتخويف الولايات المتحدة من أن البديل القادم لنظام بشار الأسد هو ذلك التنظيم، مبينا أن قوات حماية السجن انسحبت قبيل اقتحام عناصر القاعدة لهما وإطلاق رفاقهم. وأضاف، بأن تسهيل عملية الهرب جاءت قبل اتخاذ الكونغرس الأمريكي قرارا بإعطاء التخويل للرئيس الأمريكي باراك أوباما بتوجيه ضربة عسكرية لسويرا في حينه التي تم إلغاؤها لاحقا. انتهى .والآن، يحق لنا أن نتساءل عن الدور الذي يقوم به تنظيم القاعدة في المنطقة، فوجوده لم يعد مرغوبا به، بل إن وجوده أصبح مبررا إما لضرب السنة أو لعدم ضرب أعدائهم، وعليه فإن على التنظيم عبئا أخلاقيا اتجاه السنة يتطلب منه تفكيك التنظيم وحله والاندماج في الكتائب والحركات الموجودة سواء في الشام أو في التشكيلات القبلية في الأنبار، فإصراره على موقفه تجعل أصابع الاتهام تشير إليه بالعمالة والتبعية.لقد صرح عضو البرلمان الأوروبي السيد ستروان ستيفنسون والذي يرأس وفد البرلمان للعلاقة مع العراق أن الهجوم على إرهابيي القاعدة في 6 محافظات عراقية ليس أكثر من غطاء لإبادة السنة المعارضين للسياسات الشيعية الطائفية على نحو متزايد من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي. انتهى فهل سنرى تنظيم القاعدة يعرف الخطر الذي يشكله على السنة في العراق؟ أم أنه سيبقى مصرا على أنه حامي حمى الإسلام وأهله مهما كلف ذلك من أرواح وأعراض وأموال؟
1260
| 09 يناير 2014
اشتعلت الأنبار في الأيام الماضية، وخرج علينا نوري المالكي في آخر خطبه ليقول إن المعركة في الأنبار بين أنصار الحسين وأنصار يزيد، وبهذا الخطاب أعلن أن معركته طائفية تحمل إرثا تاريخيا ثقيلا لا تقبل الصلح وأنه من أنصار الحسين الذي سيقف في وجه أنصار يزيد الذين خرجوا في الأنبار فجأة، وأنه القائد العام لمعركة ستحدد هوية العراق برمته وأن الضحايا هم نتاج معركة طويلة الأمد حافرة في أعماق التاريخ، مصيرهم إما إلى نار أو إلى جنة الحسين، كما حاول أن يوضح في خطابه.لم تتحدث الصحف الغربية كثيرا عن حراك الأنبار، فما ورد في صحيفة نيويورك تايمز والفاينانشال تايمز لا يعدو أن يكون تعريفا بالأنبار وخلفية تاريخية عن خلافها مع نظام المالكي، ولكنها كلها تقريبا أخذت معلوماتها من الناطق باسم الحكومة العراقية علي الموسوي الذي قال إن الجيش العراقي وجد سيارتين مفخختين في خيام المعتصمين !!يقع على ثوار الأنبار – دعوني أعرفهم هكذا – عبء كبير جدا، فهم في مواجهة عدو لا يرحم، ينظر إليهم على أنهم أحفاد يزيد الذي قتل الحسين، ومعنى ذلك أن في قتلهم والتنكيل بهم أجرا كبيرا سيؤدي إلى الجنة على حسب مفهوم المالكي وجيشه الذي بناه على أساس طائفي مقيت. يساند المالكي في معركته هذه الكثير من شيعة الجنوب الذين تأثروا بالإعلام الموجه الذي يقول إما المالكي أو القاعدة، فاختاروا!! وهذه باختصار الرسالة التي قامت عليها الكثير من الفضائيات المدعومة إما حكوميا أو من جهات خاصة تضرب بمعولها الطائفي في عقول البسطاء.الأمر لا يقف هنا، بل إن كل الإعلام الإيراني الموجه والذي يملك المئات من الفضائيات والرجال الذين يتحركون في شوارع أوروبا محاولين إقناع الصحفيين والسياسيين وقادة الأحزاب بشكل فردي بصحة موقف المالكي الذي يصورونه أنه هو حامي حمى المنطقة من القاعدة وأخواتها وأن ما يفعله هو حماية للمواطن العراقي في وجه جماعات متطرفة تستبيح الذبح والقتل على الهوية.يجب أن يعرف ثوار الأنبار أيضاً أن العالم يثق بالشخصيات التي تبدو أنها عاقلة، تبتسم وتضحك وتظهر إنسانيتها ولها حضور في المؤتمرات الصحفية، فهذا النوع من الشخصيات مقنع للآخرين، لأن له عنوانا معروفا، بعكس الآخر الذي لا يخرج سوى ملثم يصرخ في وجه العدسة وكأنه يهدد المشاهد، وقد يلوح بسكينه أو سلاحه ليظهر مدى جديته في القيام بمهمته الدموية، فهذا شخص لا يوحي مظهره بالثقة ولا حديثه بجدية المطلب السلمي وصدقه.إن أكثر ما أخاف منه في هذه المرحلة هو الخلافات التي لا تكاد تنتهي بين سنة العراق، فعامة السنة تكره السياسيين المشتركين في العملية السياسية وتنظر إليهم على أنهم خونة وضعوا أيديهم بأيدي حكومة طائفية، والمطالبين بالأقاليم بينهم وبين المصرين على الوحدة خلافات كثيرة أيضا، والذين يصرون على حمل السلاح قد لا يتفقون مع الذين يرون أنها يجب أن تبقى سلمية، وكل هؤلاء يعرفون أيضاً أنهم مستهدفون لأنهم سنة فقط، ومع ذلك فخلافاتهم لا تكاد تنتهي أبدا.سيطول الصراع مع المالكي، وستتعدد أساليبه، وسيكتشف الجميع أنهم بحاجة لكل شخص ولكل جهد، فهم في وجه آلة عسكرية وإعلامية ومخابراتية قوية، لها حلفاء كثر يمدونها بما تريد، أما الثوار فليس لديهم سوى أسلحتهم البسيطة ومحاطون بدول لا تريدهم على أراضيها ولا تريد نقل مشاكلهم إليها.ولكن أكبر تحدٍ سيواجه ثوار الأنبار هو إثبات أنهم ليسوا إرهابيين وليس لهم علاقة بالقاعدة، فهذا الممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق السيد نيكولاي ملادينوف وصفهم في أول تصريح له عن الأحداث بالإرهابيين في قوله: الدولة لها مسؤولية قانونية لحماية مواطنيها من الإرهاب.....أتمنى أن يكون العراقيون قد تعلموا من أخطائهم خلال السنوات الماضية، فتعاطف العرب والمسلمين معهم مضمون نوعا ما، ولكنهم بحاجة إلى تعاطف العالم وأن يستطيعوا أن يوصلوا وجهة نظرهم بشكل واضح إلى الإعلام الغربي والعالمي بعيدا عن الصورة النمطية التي نقلتها بعض الجماعات خلال الأحداث الماضية.
1178
| 02 يناير 2014
في منتصف شهر مارس الماضي هبطت طائرة عسكرية أمريكية في مسقط عاصمة سلطنة عمان وعلى متنها كل من وليم بيرن، نائب وزير الخارجية الأمريكي، وجاك سوليفان، مستشار نائب الرئيس الامريكي ومجموعة صغيرة مختارة من التقنيين والفنيين لحضور اجتماع مع مسؤولين إيرانيين، عقدت هذه الاجتماعات بشكل سري خمس مرات خلال عدة أشهر حتى تسربت المعلومات عنها ونشرتها وكالة الأسوشيتد برس بشكل شبه تفصيلي، ولم يكشف النقاب عن ممثلي إيران في هذه الاجتماعات ولكن الأمريكان ذكروا أنهم كانوا يتحدثون الإنجليزية بطلاقة.هذه الاجتماعات هي التي عبدت الطريق لاجتماعات جنيف التي يحضرها كل من محمد جواد ظريف من الجانب الإيراني و ممثلة الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، وهي الاجتماعات التي أعلن عنها بشكل مفاجئ مما حدا بفرنسا وإسرائيل بأن تشككان فيها منذ البداية لأنهما شعرتا أن هناك أمورا تمت للترتيب لها بدون علمهما فكانت ردود أفعالهما مبالغا فيها يغلب عليها الغضب والانفعال.ولكن لماذا كل هذه السرية منذ البداية؟ ولماذا انحصرت في أوباما ومجموعة مختارة صغيرة من مساعديه فقط؟تفاجأ العالم بالاحتفاء الأمريكي بكل خطوة اتصال تمت بين طهران وواشنطن خلال الفترة الماضية، وكأن الأمر كان تلقائيا بين صديقين اختصما ثم قررا ان يتصالحا، وبدأ الإعلام الأمريكي متفاجئا من تلقائية هذه اللقاءات وحميميتها متناسيا أن السياسة ليس بها مصادفات وأنها ترمي بكل الانفعالات الإنسانية في سلة القمامة، وأنها باحتفاليتها هذه تنثر الزهور على قرار كان أوباما قد اتخذه منذ بداية السنة لإطلاق المحادثات السرية التي إن فشلت فإنها ستعصف بمستقبله السياسي بشكل نهائي، ولهذا فان الاحتفاء بها يضيف إلى رصيده السياسي أيضا.وبشكل متزامن مع إطلاق المفاوضات السرية نشر مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تقريره الثاني عشر بعنوان (أوباما 2) والرقم 2 يعني الإدارة الثانية للرئيس الأمريكي، كتب التقرير كلا من دنيس روس و جيم جيفري، وهما شخصيتان مرموقتان في مجال الفكر السياسي ولهما دور في تحديد ورسم السياسة الأمريكية في المنطقة، وكلاهما ينتمي إلى اليمين المحافظ المؤيد لإسرائيل بشكل قوي.التقرير يقع في حوالي 50 صفحة، وهو يحدد آلية التعامل مع التحديات التي تواجه السياسة الأمريكية في المنطقة العربية.www.washingtoninstitute.orgObama middle east policyوضع التقرير عدة تحديات أمام إدارة الرئيس أوباما على حسب أهميتها، وهي كالتالي :* البرنامج الذري الإيراني الذي على وشك أن يجتاز نقطة ألا عودة في إنتاج السلاح الذري.* الحرب الأهلية السورية* بوادر الصراع الطائفي في العراق.* بروز الإسلام السياسي السني الذي يمثل تحديا لقيم الولايات المتحدة و لحلفائها التقليديين خصوصا الملكيات المرتبطة بها والتي تخاف من الزعامات الإسلامية الجديدة و تخاف من ايران في الوقت نفسه ( نص التقرير )* الإرهاب الإسلامي في شمال إفريقيا.* توقف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.فهل هي مصادفة ان يخرج مثل هذا التقرير المهم في ذات الوقت الذي سمح فيه أوباما بإطلاق عملية المفاوضات مع الإيرانيين بشكلها السري؟وحتى نستوعب أهمية هذه المفاوضات بعد ان اخذت شكلها العلني واهتمام واشنطن بها، وصل الى جنيف يوم السبت الماضي 23 نوفمبر، كل من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري برفقة نظرائه وزير الخارجية البريطاني والفرنسي والصيني و الروسي والألماني لحضور هذه الاجتماعات التي أصبحت أهم حدث عالمي تتناقله وسائل الإعلام.إذن لقد نجحت ايران في ان تحصل لها على كرسي مهم بين الدول المهمة الأخرى، وأصبحت - شئنا أم أبينا- قوة إقليمية تطالب بمصالحها التي ستكون على حساب مصالحنا بدون شك، وهي لن تتنازل عن تخصيب اليورانيوم حتى تحصل على مبتغاها ويتم التعامل بها بالشكل الذي يرضيها إقليميا وعالميا.و الان دعوني اشرح لكم ماهو الثمن الذي دفعته طهران لتصل إلى ما وصلت اليه، لقد صرفت ايران خلال العشرين عاما الماضية على برنامجها الذري 40 مليار دولار، ووصلت إلى مستويات متقدمة في مسألة تخصيب اليورانيوم بالإضافة إلى تقدمها الواضح في انتاج الصواريخ البالستية ( ذاتية الدفع ) مما سيجعلها قوة ذرية خلال سنوات قليلة قادمة، ومع معرفة واشنطن بخطورة هذا الوضع بدأت في فرض عقوبات اقتصادية عليها مما تسبب في خسارتها لحوالي 105 مليارات دولار من مبيعات النفط ومشتقاته، بالإضافة إلى 25 مليار دولار اخرى خسرتها في النظام البنكي، أي أنها خسرت مبلغا يقدر بحوالي 170 مليار دولار على برنامجها الذري وعلى حمايته، وبدأت تحصد نتيجة ذلك.لقد كان نتيجة هذه المفاوضات توقف الإدارة الأمريكية عن تنفيذ تهديدها بالتدخل في سوريا بعد ان استخدم بشار السلاح الكيماوي ضد مواطنيه، مع أن أنظار العالم بقيت مركزة على واشنطن ترقبا لتهديد شديد أطلقه رئيسها قبل ذلك، ومن نتيجة ذلك أيضا إهمال صراخ المكون السني في العراق و التعامل معه على انه هامشي لا وزن له، ومن نتيجة ذلك غضب بعض الدول العربية من الإدارة الأمريكية لأنها شعرت بألم طعنة الظهر.ان ما رأيناه هو فقط البداية، وقد تكون تداعيات هذا الاتفاق اقسى علينا مما نظن، لقد أسهمنا في الإطاحة بعمقنا الاستراتيجي المصري و وضعنا حكومة عسكرية دموية على رأس اكبر دولة عربية كانت ستقف في وجه التمدد الإيراني، و أظننا سنبدأ في الصراخ ألما قريبا..
555
| 28 نوفمبر 2013
هناك الكثير الذي قيل عن جبهة النصرة في سوريا ، عن تشيكلاتها و دورها و اهميتها و خطورتها ، حتى ان احد المسؤولين العراقيين قال : اننا لو لم نقاتل جبهة النصرة في سوريا فإنها قد تقاتلنا في بغداد .فهل جبهة النصرة فعلا بهذه القوة ؟ ولماذا وضعتها الامم المتحدة و امريكا واستراليا و بريطانيا وكثير من دول الاتحاد الاوروبي على قوائم المنظمات الارهابية ؟ في حين ان كثير من المنظمات المقاتلة الشيعية بقيت في مأمن من هذه القوائم ؟.سارت على ركب العداء ايضا الكثير من الدول العربية التي بدأت تحارب هذه الجبهة بدون اي اعتبارات اخرى و بدون اي دراسة او تبرير معتبر لهذا العداء ، حتى انها بدأت في سجن من يفكر في الذهاب الى سوريا للمشاركة في الحرب الدائرة هناك ، وكأن الجميع يخاف من تكرار التجربة الافغانية مرة اخرى ، ولكن هل هذا الخوف مبرر اصلا ؟.في وضع عدائي مستحكم مثل هذا سيصعب الحصول على معلومات صحيحة ، وحتى الصحفي الذي يعمل في مؤسسات اعلامية يفترض ان تكون محايدة لن يكون موضوعيا عند تغطية هذه المنظمة خوفا من ان يحاسب على ذلك .بدأت بحثي عن جبهة النصرة في محرك البحث غوغل باللغة الانجليزية ، فظهرت لي قوائم طويلة من المقالات والدراسات والاخبار ، فحاولت ان استثني المواقع الروسية والايرانية او تلك المدعومة من ايران مثل برس تي في والمنار وغيرها ، باختصار تلك المواقع المؤيدة للنظام السوري بشكل واضح ، وحاولت ان ابحث عن مراكز الدراسات وفي المقالات التي بها نوع من الموضوعية الشكلية فخرجت بالتالي :أعلن رسيما عن تشكيل جبهة النصرة في 23 يناير عام 2012 ، اي ان الجبهة لم تكمل عامها الثاني بعد ، فهي جبهة صغير السن نسبيا ، ولكنها حازت على متابعات كثيرة خلال هذه الفترة ، فوصفتها الكثير من المواقع الاخبارية على انها من اشرس وانجح فصائل المعارضة السورية ، وبعد الاعلان عنها ببضعة اشهر وضعتها الامم المتحدة وامريكا في ديسمبر من عام 2012 على قوائم الارهاب ثم تبعتهم استراليا في يونيو 2013 و بعدها بشهر بريطانيا في يوليو 2013 .ومع بداية 2013 اي بعد سنة من الاعلان عنها كان للجبهة حوالي 6000 مقاتل ومازالت منذ ذلك الحين تستقبل الكثير من المتطوعين الذين يدخلون لمدة عشرة ايام في دورة دينية مكثفة قبل ان يلتحقوا بدورة عسكرية تمتد لمدة ثلاثة اسابيع .ولدى الجبهة جهاز استخباري فعال متغلغل في بعض وحدات الجيش السوري الموالي لبشار ، ونجح في كثير من الاحيان في تهريب ضباط وجنود ناقمين على النظام الى مناطق اكثر أمنا ، ومازالت بيانات الجبهة تصور مثل هذه العمليات وتنشرها على اليوتيوب من حين الى اخر .للجبهة وحدات مقاتلة في المحافظات السورية الثمان ، وهي تقوى وتضعف بناء على الدعم الذي تحصل عليه من الاهالي ، فوجودها ضعيف في مناطق الساحل وفي المناطق العلوية والشيعية وفي مناطق الدروز ، ولكن وجودها يكاد يكون كاسحا في المناطق السنية ، وللجبهة تشكيلات عسكرية تشابه الجيوش ، مثل السرايا و الوحدات و الالوية ولكنها تملك خلايا سرية عنقودية في منطقة دمشق وريفها .حددت جامعة ستانفورد الامريكية اهداف جبهة النصرة بالتالي :* توحيد الالوية و الوحدات المقاتلة في جبهة واحدة* أسلمة الثورة السورية تحت مسمى الجهاد .* تقوية نفسها بالحصول على اسلحة ومجندين و تحسين اساليب التدريب .* تحويل سوريا لدولة اسلامية .* إحياء الخلافة .أما اسباب نجاح الجبهة كما ذكرت ستانفورد فهو دورها في اثخان جيش بشار بالعمليات الانتحارية ، وهم قوة موحدة و منضبطة و يملكون قيادة فعالة ، وروحهم المعنوية عالية ، ولهم القدرة على تحمل الضحايا .و قد كتب المراسل الحربي لصحيفية الغارديان البريطانية غيث عبد الاحد يوم 10 يوليو 2013 مقالا مطولا عن جبهة النصرة في شرق سوريا ، قال ان بها مقاتلين من العراق وتونس و مصر واخرين ، ولمن لايعرف غيث ، فهو مسيحي عراقي برز اسمه خلال احداث فلوجة العراق و سافر الى افغانستان و الصومال و سوريا ، وكتاباته عن الصراعات في هذه الدول بها شيء من الموضوعية التي تفتقدها الكثير من التقارير الغربية .أما صحيفة جيراسيلم بوست الاسرائيلية فقد نقلت مقتطفات من تقرير نشره مركز مائير عاميت للاستخبارات وشؤون الارهاب يقع في 150 صفحة و عنوانه هو Terrorism-info.org.ilوقامت بعمل لقاء مع مدير المركز الدكتور ريوفين ارلنتس عن هذا التقرير قال فيه : ان ما قامت به القاعدة في افغانتسان خلال عشر سنين انجزته جبهة النصرة في سنتين ، واذا قارناهم بالطاعون فهم الان في مرحلة الحضانة ، ولكن بعد هذه المرحلة فان المرض سينتشر في المنطقة والعالم ( واعتقد ان هذا سبب وضع الجبهة على قوائم الارهاب )ثم اضاف بان موقع سوريا الجغرافي أهم بكثير من موقع افغانستان ، فهي على ابواب اوروبا و جارة لاسرائيل ، ولكن الخبر الجميل هو ان احتمال نجاحهم في اعادة الخلافة الاسلامية قليل جدا ، اما الخبر السيء هو ان قوة انتشارهم يهدد المنطقة برمتها .لم يستطيع التقرير معرفة من هو قائد جبهة النصرة المسمى الجولاني ، فتوقع ان يكون معارضا سوريا غادر الى العراق للانضمام للقاعدة هناك ثم عاد الى سوريا بعد الثورة برفقة احد قيادات القاعدة ليؤسسوا جبهة النصرة في بلاد الشام ، و يشارك في القتال مابين 500 الى 600 مقاتل من دول اروبية كما اورد التقرير . انتهىخلال الصراعات القاسية والحروب التي تنسف كل مباديء الانسانية كالتي يشنها نظام بشار على شعبه فان المنظمات الدينية تجد لها مكانا على جبهات القتال ، حتى روسيا الشيوعية سمحت للكهنة الاورثوذكس باحياء الصلوات وتبخير الجنود الذين يقاتلون تحت قيادات ملحدة لاتحمل للدين اي اعتبار ، ولهذا فان اعتبار الحركات الجهادية حركات ارهابية بدون مبررات معتبرة قصر في النظر وخصوصا في مثل الصراع السوري .ولكن الخوف كل الخوف هو ان تنجر جبهة النصرة لصراعات داخلية تحيد بها عن هدفها المعلن في اسقاط نظام بشار ، مع ان رأيي الشخصي هو ان الاهداف تتغير بعد ان يزول الخطر المتمثل في النظام السوري وانصاره من متطرفي الحركات الشيعية ، فالحرية تفتح افاقا جديدة غير تلك التي تمليها ظروف القتال .
644
| 14 نوفمبر 2013
نشرت صحيفة بلينر زايتونغ الألمانية مقالاً كتبه عضو البرلمان الألماني السابق يورغن تودنهوفر بتاريخ 6 أكتوبر 2013، ذكر فيه أنه تولى شخصياً إيصال طلب إيراني إلى الإدارة الأمريكية في 26 أبريل 2010، ينص على التالي:1- تتقدم إيران بضمانات موثقة وحقيقية تتعهد فيها بعدم تصنيع القنبلة الذرية، ومن بين تلك الضمانات التزام الحكومة الإيرانية بعدم تخصيب اليورانيوم لأكثر من 20% المخصصة للأغراض الطبية.2- الاستعداد للوصول إلى اتفاق مرضٍ مع أمريكا حول تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.3- استعداد إيران للمساهمة البناءة في إيجاد حلول للصراع في أفغانستان والعراق.4- الاستعداد للتعاون مع أمريكا لمحاربة الإرهاب العالمي بأفكار وإجراءات ملموسة.نصت الورقة الإيرانية، كما ذكر الكاتب أيضاً، على أن إيران تريد السلام مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها طلبت أن تكون المفاوضات على أعلى مستوى وعلى أساس الندية بعيداً عن الضجيج الإعلامي، كما اقترحت أن يكون وزير العدل الألماني السيد شوبل هو الوسيط لترتيب هذه المفاوضات.لم نعد، نحن في العالم العربي، نرى صورة العلاقات الإيرانية الأمريكية بشكل واضح، كأن هناك ضباباً كثيفاً عليها يمنعنا من سبر أغوارها ومعرفة كنهها والتأمل في تفاصيلها، فهل هذا ضباب طبيعي أم أنه مصطنع؟دأبت إيران على مدى عقود طويلة في شيطنة الولايات المتحدة الأمريكية وتصويرها على أنها الشيطان الأكبر الذي أفسد في الأرض ولم يسمح لها بالتقدم والتطور، وعلقت على هذه الشماعة الكثير من الإخفاقات الإجتماعية والإقتصادية الملطخة بدماء الضحايا، ومازال عوام الناس يصرخون بهذا الشعار في المساجد وخلال صلاة الجمعة في حالة دائمة من اللطم والشعور بالمظلومية التي تغذي النظام بالحياة، في صورة مخالفة تماما لما يجري من لقاءات وخطابات بين المسؤولين في البلدين.لا تستطيع إيران بعد عقود من عمليات غسيل الدماغ الممنهجة ضد الشيطان الأكبر أن تغير هذا الأمر بشكل مفاجئ، ولكنها تستطيع أن تحاول تغيير الأمر تدريجياً ابتداء من إزالة اللافتات التي تندد بدور الشيطان الأكبر في دمار العالم من شوارع طهران وخفض النبرة العدائية لهذا الشيطان في وسائل الإعلام الرسمية ومن على المنابر والحسينيات.إن البند الثاني من قائمة الطلبات الإيرانية مرعب بالنسبة لنا، بل هو وصفة واضحة لقتلنا، فعن أي مناطق يتحدثون إن لم نكن نحن جزءاً من الأوراق التي يلعبون بها ويتبادلونها؟لم يقل لنا كاتب المقال ما الذي حصل بعد أن أوصل الطلبات الإيرانية إلى الإدارة الأمريكية، فهل قبلت؟ هل تعطلت؟ هل تأجلت؟إن مبادرة روحاني الأخيرة والمحادثات الهاتفية غير البريئة بين الطرفين تقنعنا بأن هذه المبادرات الإيرانية قد وجدت آذانا صاغية في واشنطن، بل إن تغير الموقف الأمريكي من الأزمة السورية يؤكد ذلك.حاولت أن أبحث عن نتائج زيارة رئيس وزراء العراق نوري المالكي الأخيرة إلى واشنطن، فما زلت أعتقد أن لها دوراً في مسألة التقارب الإيراني الأمريكي، فالمالكي لا يهرول عبثا كما نقول، بل إن لتحركاته أهدافاً ليست البراءة جزءا منها، خصوصا بعد سلسلة المذابح التي أحدثها في العراق والتي سبقت زيارته، فالحديث عن الإرهاب لن يكون مقنعا إن لم تسبقه تفجيرات وجثث مقطعة لتكون دليلاً عليه.مرت المدن العراقية قبل زيارة المالكي الأخيرة بسلسلة تفجيرات أخذت معها حوالي 600 روح، حملها معه المالكي في حقيبته وأخرجها كوثيقة تثبت صدق حديثه عن الإرهاب ووجوب مقاومته، مع أن كلمة الإرهاب لا تخرج في وسائل الإعلام إلا عند الحديث عن السنة، أما عندما تقوم بذلك المجموعات المتطرفة الشيعية فيتم استخدام مصطلح (مجاميع مسلحة) وعلى ذلك فإن المالكي طوال حديثه عن الإرهاب كان يتحدث عن الإرهاب السني بالتحديد، ناسيا أنه وعصابته يملكون وينظمون إرهاب الدولة ضد مكون كبير من الشعب العراقي الذي يعاني من التهميش والقتل والتنكيل والتشريد.لم يتحدث موقع البيت الأبيض عن هذه الزيارة سوى في أربعة أسطر لا تعطي القارئ شيئا عن نتائج الزيارة وأسبابها، ولكن الصحف الأمريكية أوضحت في كثير من تحليلاتها ومقالاتها أسباب هذه الزيارة، على الأقل في جانبها المعلن.فالمالكي جاء يستعطف الإدارة الأمريكية للحصول على طائرات أباتشي العمودية وعلى طائرات ف 16 المقاتلة، بالإضافة إلى طلب مساعدتها في مكافحة (الإرهاب) الذي تعاني منه العراق، وجميعنا يعلم أن الحصول على مثل هذه الأسلحة المتطورة يتوجب وجود العديد من المدربين والتقنيين الأمريكان بعقود طويلة الأجل، ومع ذلك لم تحتج طهران على ذلك أبدا، بل إنها هي التي تكون قد أمرت المالكي بهذه الزيارة للتأكيد على رغبتها في تحقيق البنود المذكورة أعلاه، فإن كان هناك ثمن للتقارب الإيراني الأمريكي فستضع طهران يدها في جيب المالكي لإخراج هذا الثمن.هذه هي السياسة بشكلها الخبيث التي تحسن إيران اللعب فيه، ولكن السؤال هو: لماذا ليس لنا دور فيما يحدث حولنا؟، لقد تحولنا إلى بيادق على رقعة الشطرنج الإيرانية الأمريكية، وسيعبثون بنا كما يحلو لهم، فلسنا في نظرهم سوى بدو نعيش على صحراء وضعت الصدفة تحتها نفطا لا نحسن استغلاله.
617
| 07 نوفمبر 2013
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4587
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3399
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1362
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1197
| 28 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
1104
| 02 أكتوبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
885
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
852
| 30 سبتمبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...
792
| 05 أكتوبر 2025
لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...
768
| 03 أكتوبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
723
| 02 أكتوبر 2025
في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...
633
| 30 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية