رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في أواخر 2002 وبدايات 2003 كان السيد بول ولفوتز يجتمع مع مجموعة من المعارضين العراقيين في البنتاغون حيث يقع مكتبه كنائب لوزير الدفاع، كانت الاجتماعات شبه روتينية يسمع فيها ما يحب أن يسمعه من مجموعة المعارضة العراقية كما يطلق عليها في ذلك الوقت والتي يتكون أغلبها من المعارضين الشيعة الذين يعيشون في ضواحي واشنطن، ولم يكن لهم هم سوى إقناع الساسة الأمريكان بوجوب غزو العراق والتخلص من صدام حسين.يقود المجموعة العراقية الدكتور علي العطار والذي كان له دور كبيرة في إقناع ولفوتز بغزو العراق أو (تحريرها) واعدا إياه برقص الناس في شوارع بغداد فرحا بدخول القوات الأمريكية، وهذه الكلمات هي التي كان يحب ولفوتز سماعها دائما رغم تكرارها الممل في تلك الاجتماعات، ولكن من هو الدكتور علي العطار الذي دفع ولفوتز وأقنعه بفكرة غزو العراق؟ فقد قال دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق في لقاء مع شبكة فوكس التلفزيونية يوم 8 فبراير 2011، أن ولفوتز هو صاحب فكرة غزو العراق بعد أحداث 11 سبتمبر، فقد ذكرها في منتجع كامب ديفيد خلال اجتماع خاص مع الرئيس بوش الابن.دعونا الآن نعود إلى الدكتور علي العطار الذي كانت بينه وبين ولفوتز علاقة قوية وهو الذي سوق له فكرة غزو العراق حتى استطاع هذا أن يبيعها على الرئيس بوش ثم استطاع هذا بدوره أن يسوقها على الكثير من الدول من ضمنها دول عربية وإسلامية.ولد الدكتور علي العطار في بغداد عام 1963 وتخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت بشهادة في الطب عام 1989، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأنشأ في أحد ضواحي واشنطن عيادته الصغيرة التي يمارس فيها مهنته، ثم توسع حتى أصبح يملك العديد من العيادات المنتشرة في المدن الأمريكية، ثم أصبح ثريا متخما، فتغيرت حياته وارتفع مستواه المالي بشكل كبير.ولكن هذا الطبيب الثري وجد نفسه فجأة في مواجهة مع أقوى مؤسستين أمريكتين هما مصلحة الضرائب وهيئة تنظيم العمل الطبي الأمريكية، وفي عام 2009 تم توقيف رخصته لممارسة الطب بسبب تهربة الضريبي وبسبب تزويره للفواتير وتلاعبه بها بالإضافة إلى الكثير من الشكاوي التي وصلت إلى المؤسستين عن سوء ممارسته للطب بالإضافة إلى شكاوي عن تحرشات جنسية مع المرضى، وقد رفض العطار التعاون مع اللجنة التي شكلت للتحقيق من كل تلك الدعاوي التي قدمت ضده، ثم سحبت رخصة ممارسة الطب منه بشكل نهائي في سبتمبر عام 2011.ثم تدخلت أكبر منظمة أمنية أمريكية وهي الـ FBI للتحقيق مع ممارسات هذا الرجل، فقد وصلت الفواتير الطبية التي كان يقدمها لشركات التأمين الطبية إلى الملايين، واغلبها لموظفين في السفارة المصرية في واشنطن.رفعت قضية الدكتور العطار إلى الحكومة الفيدرالية من قبل مصلحة الضرائب الأميركية بتهمة التزوير، وهي تهمة كبيرة جدا يعاقب عليها القانون الأمريكي بشده، ثم توسع الموضوع لينكشف أيضاً بان للدكتور العطار وشريكه قد حولا مبالغ ماليه هائلة إلى بنوك خارجية، وأصبحت القضية أكبر وأكبر.هرب الدكتور العطار من الولايات المتحدة الأميركية بعد توجيه كل تلك التهم له من قبل الحكومة الفيدرالية، وفي أواخر 2012 شوهد في بيروت رفقة مسؤلين من حزب الله اللبناني، واكتشفت أمريكا أن العطار لم يكن في حقيقة الأمر عراقيا، بل إنه ولد في بغداد لأبوين إيرانيين، ثم انضم إلى المخابرات الإيرانية التي أرسلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية بصفة لاجئ ومعارض عراقي هارب من بطش صدام حسين.لقد استطاع هذا العميل الإيراني اختراق دائرة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية مع آخرين يعملون لصالح المخابرات الإيرانية من ضمنهم الملياردير أحمد جلبي الذي كان له دور كبير في اغتيال العديد من الطيارين والعلماء العراقيين، ثم اكتشفت الولايات المتحدة بعد فوات الأوان بأنه عميل مزدوج، اتهم بتزويد الحكومة الإيرانية بشفرات سرية يستخدمها الجيش الأمريكي في العراق، ثم دوهمت مكاتبه في بغداد وبعدها اختفى من المسرح السياسي بشكل تدريجي.من أكبر مشاكل الولايات المتحدة الأمريكية التي ستواجهها خلال المرحلة المقبلة هي التحالف الباطني غير المرئي وغير المعلن بين المحافظين الجدد (اليمين اليهودي) وبين النظام الإيراني، وهذا التحالف وأن كان هدفه تدمير المنطقة العربية والسيطرة عليها ولكنه أيضاً يطمح إلى السيطرة على صناعة القرار الأميركي.كتب قصة الدكتور علي العطار السيد Philip Giraldi والذي سبق وأن عمل مع المخابرات الأمريكية الـ CIA.
2216
| 12 يونيو 2014
في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر بدأ الغرب في تحدي سيطرة العرب والمسلمين على البحر الأبيض المتوسط، فقد كانت الدول الأوروبية تدفع ضريبة المرور لزعماء كل من المغرب والجزائر وليبيا التي كان يطلق عليها طرابلس في ذلك الوقت.لم تستوعب الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس توماس جفرسون، مسألة دفع الضرائب لدول أصغر منها حجما وأضعف منها جيشا وأسطولا، فقد كانت في مرحلة التحول الاقتصادي والعسكري الذي نقلها من سن الطفولة إلى شدة الرجولة من دون مرحلة الشباب، وأصبحت تملك أسطولا بحريا ضخما بدأ يتلمس طريقه في البحار معجبا بقوته وسطوته وعارضا عضلاته في موانئ العالم.ففي عام 1805 أرسل الرئيس توماس جفرسون أربع سفن حربية إلى البحر الأبيض المتوسط لمحاصرة خليج طرابلس بقيادة فخر الأسطول، السفينة فيلالفيا، فحاصرت السفن الخليج لمدة طويلة، رامية عليه حممها من حين إلى آخر في محاولة لكسر إرادة ومقاومة سيد طرابلس يوسف باشا القرمانلي (مع اختلاف في كتابة اسم العائلة).وفي إحدى معارك الاستنزاف التي كانت تدور بين الأسطول الأمريكي والمقاومين، ضربت السفينة فيلادلفيا حيدا بحريا في الخليج، فانغرست في الرمل وتعطلت حركتها، فهجم الطرابلسيون عليها واستطاعوا هزيمة طاقمها وأسر ما يزيد على 300 بحار وجندي وأخذوهم إلى المدينة.كانت هذه الهزيمة بمثابة قاصمة الظهر للقوة العسكرية الأمريكية البارزة التي لم تقبل بها، فقررت أن تحيلها إلى نصر للحفاظ على سمعتها، فوضعت مخططا محكما، كان هو المخطط الأول الذي تضعه الإدارة الأمريكية لقلب نظام حكم دولة أخرى، وهو أول تدخل عسكري أمريكي يكتبه التاريخ لها.فأرسلت مغامرا عسكريا يدعى وليم ايتون بصفة دبلوماسي إلى تونس، ولم يكن ايتون سوى جاسوس يتقن العربية وبعض علوم الدين، فاستطاع أن يجمع من المعلومات ما يكفي عن مدينة طرابلس ومكان الأسرى وعن يوسف باشا، وعندما وجد أنه قد حصل على المعلومات التي يريدها غادر إلى القاهرة ليقنع حامد القرمانلي، أخو يوسف باشا، المبعد ليحل محل أخيه على كرسي طرابلس، وافق الآخر على المخطط وبدأ الجميع في التنفيذ.ومن الإسكندرية سارت قافلة مكونة من الجنرال وليم ايتون يرافقه حامد القرمانلي وحفنة من الجنود الأمريكان، معهم حوالي 400 مغامر عربي وغربي، برا خلال الصحراء، متوجهين إلى درنة ومنها إلى مدينة طرابلس في مسيرة خطرة استمرت حوالي الشهرين، وكان معهم ألف بندقية و20 ألف دولار.وصلت القافلة إلى مدينة درنة الحدودية وبدأت أول معركة مع الليبيين، وكانت أول معركة برية يخوضها الأمريكيون خارج وطنهم أيضا، وهي التي سجلها لهم التاريخ ومازال مشاة البحرية الأمريكية يتغنون بها خلال تدريباتهم وأهازيجهم.نجح المخطط وجلس أول عميل لهم على كرسي الحكم في بلد أجنبي، انفتحت الشهية الأمريكية لمغامرات مثل هذه، ومازالت المخططات تتوالى منذ ذلك الحين، لسهولتها وتدني تكلفة تنفيذها ولرخص أدواتها.الآن، وفي الشهر الخامس من عام 2014، برز اسم خليفة حفتر في وسائل الإعلام بصفته قائدا عسكريا يقود مجموعة من المغامرين القادمين من أمريكا التي عاش فيها ما يزيد على العشرين عاما حاملا لجنسيتها، وبدأ مخططه للاستيلاء على الحكم في دولة فتحت الباب أمام التنافسية الحزبية على مصراعيه، ولكنه جاء بخطة لم يأتِ بها أحد من قبل، وهي أن الجميع إرهابي وأنه هو المهدي المنتظر الذي سيقوم بتنظيف أرض طرابلس من الإخوان المسلمين الفاسدين وكل من شايعهم وأيدهم، ولكن الممول هذه المرة كان عربيا، ولم يكن على أمريكا سوى وضع المخطط وتوفير أدواته فقط.إن المخطط الذي وضعته واشنطن للاستيلاء على السلطة في ليبيا لم يكن الأول، ولكنه قد يكون الأخير في تلك البلاد التي كان قدرها أن تكون أول أرض يجلس على عرشها عميل أمريكي بسلاح أمريكي. إن نجح حفتر في مهمته، فستعود ليبيا كما كانت، مضخة نفط يديرها نظام فاسد، وسيكرر الشعب الليبي تجربة ضحى بالكثير لتغييرها.
1439
| 29 مايو 2014
في لقاء مع وكالة الأنباء الألمانية بث على موقع التليفزيون الألماني dw.de بتاريخ 20 مايو 2014 قال المراقب العام للإخوان المسلمين في ليبيا الشيخ بشير الكبتي: إنه وجماعته تحت مظلة القانون، نافيا اتهامات الإرهاب التي يوجهها لهم اللواء العسكري المتقاعد خليفة حفتر ... وقال: إن حفتر بقراره تجميد عمل المؤتمر الوطني يحاول أن ينسخ شيئا مماثلا لما حدث بمصر في ليبيا .لكنه شدد على استحالة مرور مثل هذا الأمر، وقال: لقد قلت من قبل إن هذا مستحيل أن يحدث في ليبيا ، لأن الشعب الليبي كله مسلح... فلا يخلو بيت من وجود مسدس أو رشاش أو آر بي جي .... كل أنواع الأسلحة موجودة في الشارع ... نحن نتكلم عن 22 إلى 25 مليون قطعة سلاح منتشرة .ثم قال: نحن جزء من الشعب الليبي ، وإذا كان هناك قانون في البلاد وثبت على أي شخص من الإخوان أو من غيرهم أنه مارس الإرهاب فليقدم الدليل على ذلك وليقبض عليه، نحن ليس لدينا مشكلة في ذلك .وتابع المراقب العام للإخوان المسلمين في ليبيا: نحن تحت القانون ولسنا فوقه... إذا كانت هناك أدلة فلتقدم، بلا شك نحن نتطلع لإقامة دولة القانون . حاولت أن أحصل على معلومات عن الإخوان المسلمين في ليبيا ، فتصفحت موقع الإخوان المسلمين الرسمي فوجدت أن آخر تحديث لصفحة إخوان ليبيا كان في 31 مايو 2010 ، أي منذ أربع سنوات بالضبط .بحثت عن مواقع أخرى، فوجدت عدة صفحات في الفيس بوك، كان بعضها من معجبين أو مؤيدين أو أعداء ، ولكن الصفحة الرسمية التي تحوي أخبار الجماعة وتصريحاتهم لها حوالي 13 ألف معجب، وبها وصلات تحمل إلى موقع Almanaralink.com وقد يكون هو الموقع الرسمي للجماعة في ليبيا، لأني وجدت ذات اللقاء الذي عملته وكالة الأنباء الألمانية مع المراقب منشورا فيه ، وتكتب به شخصيات أعرف أنها إما تنتمي للجماعة أو أنها متعاطفة معها.من الواضح أن الدور قد جاء على إخوان ليبيا الذين تعرضوا لضربات قاصمة طوال سنوات حكم القذافي، فأعدم الكثير منهم في معتقلاته وفي الملاعب الرياضية أمام طلبة الجامعات كما يحب أن يفعل حين يريد أن يعدم بدافع الانتقام، ولذلك لم يكن لإخوان ليبيا بعد عددي واجتماعي كما هو الحال مع إخوان مصر، فمن استطاع منهم أن يهرب إلى الخارج "نفد بجلده" ، ومن بقي واحتسب عانى من السجون والاعتقال والتعذيب .لم يسمع الناس عن إخوان ليبيا من قبل ، ولم يظهر دورهم الدعوي والخدمي للعلن طوال العقود الماضية، فلعلها فرصة في أن يظهروا للعالم الآن معلنين عن وجودهم في جو استقطابي حاد أو عدائي يقودهم حفتر ومجموعة من المعادين لكل أشكال التدين.أعتقد أن الوقت قد حان لإخوان ليبيا لأن يعيدوا حساباتهم، ويخرجوا من قوقعتهم التي عاشوا فيها محاولين حماية أنفسهم تحت حكم القذافي البشع إلى مرحلة ما بعد الثورة التي تحتاج إلى سلاح الإعلام والإعلان عن الذات والبرنامج في مواجهة من أعلن الحرب عليهم بقوة السلاح .
1406
| 22 مايو 2014
علق صديق لي خلال زيارته لمطار أتاتورك في اسطنبول قائلا: كأن هذا المطار يقع في منتصف العالم، فكل الأعراق والبشر يمرون من هنا، إنه مزدحم بطريقة غريبة.أغلبنا نزل في مطار اسطنبول وشاهد الازدحام الذي عليه المطار، مع أن هناك مطارا آخر يقع إلى الشرق من العاصمة، وفي الجانب الآسيوي منها أيضا، وكلا المطارين يستوعبان حوالي 60 مليون مسافر سنويا.لقد وصل المطاران إلى حد التخمة، فهما لا يستطيعان استيعاب أي إضافة لأعداد الطائرات الحالية، ولهذا السبب قررت الحكومة التركية بناء مطار ثالث يستوعب 130 مليون مسافر سنويا، أي أكثر بالضعف مما يستوعبه كل من مطار أتاتورك وصبيحة مجتمعين، بتكلفة قدرها 5.6 مليار دولار.فهذا المطار الجديد سيكون منافسا قاسيا للمطارات الأوروبية التي احتلت سوق السفر الأوروبي لعقود طويلة، وقد جاء أوان التغيير الآن، ولكن وكالعادة لا تستسلم الدول المتقدمة بسهولة ولا تضع سلاحها دون قتال، فقد أعلنت بريطانيا عن توسعة مطار هيثرو وإضافة مدرج آخر له، ويقول المسؤولون عن المشروع إن المطار سيكون بحاجة لحوالي 100 ألف وظيفة إضافية وأنه سيضخ حوالي 100 مليار جينه إسترليني سنويا في الاقتصاد البريطاني، أي حوالي 700 مليار ريال قطري.إذن فحركة البشر في السفر والسياحة تدر ذهبا، وهذه الحركة لها ثمنها الذي يجب أن يدفعه المجتمع، فقد أصبحت تركيا الآن الوجهة المفضلة المؤقتة للباحثين عن حياة أفضل أو الهاربين من جحيم دولهم إلى الاتحاد الأوروبي، فقد صدرت قوانين كثيرة مؤخرا تنظم مسألة إقامات الأجانب وقضايا اللجوء وغيرها من الأمور التي تصاحب التوسع في سوق السفر وجعل المطارات محطات توقف للطائرات التي تنقل كل أنواع المسافرين من الجنوب إلى الشمال أو من الشرق إلى الغرب.لقد تغير مفهوم الوطن في الكثير من الدول، فهو لم يعد تلك القلعة الحصينة التي يجب الدفاع عنها أمام كل غاز باحث عن الغنائم، ولكنها أقرب ما تكون إلى منظومة اقتصادية تحمي مواطنيها بموجب عقود بينهم وبين الدولة، فالحاصل على الجنسية حسب الأنظمة المتبعة يحصل تلقائيا على الواجبات والحقوق التي تأتي مع حصوله على جواز السفر، وأولها الالتزام بقوانين الدولة التي تم الاتفاق عليها وإقرارها من قبل مجالسها التشريعية، ومن يتجرأ ويكسر هذه القوانين يتعرض لعقوبات قاسية جدا، وأفضل مثال أجده هو سحب الجواز كما قررت فرنسا مع مواطنيها المجنسين الذين يخالفون قوانينها.إن الدول التي تبنت فكرة العقد بين المواطن والدولة هي التي لديها نظام تشريعي مرن وسريع وعاقل، تغذيه الكثير من المؤسسات البحثية والعلمية والاقتصادية والسياسية التي تشكل بمجملها عقلا لكل القرارات والتشريعات التي تصدر لتنظيم حركة الناس في الدولة.إنني أضع يدي على صدري خوفا مما قد يحدث، ففي بعض دول الخليج، أو تلك التي لديها رؤية لجعل مطاراتها محطات لملايين البشر القادمين والمسافرين من أصقاع الأرض، تفتقر لأبسط التشريعات للتعامل مع وضع كهذا، ففتح المطارات لا يعني توفير البنية التحتية الخدمية لها، ولكن تعني وضع بنية تشريعية سريعة عاقلة لإصدار التشريعات والقوانين التي ستستجد مع هذا الأمر وتحديثها عندما يتطلب الأمر ذلك على حسب المتغيرات والمستجدات، فهل لدينا البنية القانونية والتشريعية لحل مشاكل عشرات الملايين من البشر الذين سيحطون في مطاراتنا بكل مشاكلهم أو تلك التي يريدون منا أن نحلها لهم؟ الدول الغربية تعمل كبوتقة لصهر الهجرات في ثقافة واحدة، فأعداد البشر فيها تسمح باستيعاب الهجرات وتشكيلها خلال جيل واحد، أما نحن في دول الخليج فلا نملك هذه الأعداد من البشر، بل إننا نقاوم الانصهار في ثقافات أخرى، وكلما نجا جيل بدأنا ندعو للجيل الذي يليه بالنجاة أيضا، ولكن هذا الأمر لن يدوم، والتغيير قادم، فما هي الثقافة التي ستغلب في نهاية الأمر؟.. لست أعرف، وليس لدي إجابة.
1037
| 15 مايو 2014
اسمحوا لي أن أحكي لكم قصة رواها الكاتب ارفنغ ولاس في أحد كتبه، تقول القصة: إن الملك الإنجليزي شارلز الثاني لديه عشيقتين، الأولى اسمها نيل غوين، قصيرة ذات شعر أحمر، عملت في بداية شبابها في ماخور ثم احترفت التمثيل حتى أصبحت عشيقة الملك في سن التاسعة عشرة، والثانية اسمها لويز دو كيرويال، فرنسية كاثوليكية، أرسلها الملك الفرنسي لويس الرابع عشر لتسلية الملك البريطاني شارلز.وفي ظهر أحد أيام 1675 م، صعدت نيل غوين الإنجليزية في عربة العشيقة الفرنسية مسدلة الستائر على نوافذها حتى لا يتعرف عليها أحد، شقت العربة طريقها في شوارع لندن المزدحمة وبدأ الناس في كيل السباب لها على أساس أنها العشيقة الفرنسية للملك.كان الخلاف بين الكاثوليك والبروتستانت قد بلغ أوجه خلال تلك الفترة من الزمن في أوروبا عامة وفي بريطانيا خاصة، وانشغلت محاكم التفتيش الكاثوليكية في تعذيب المخالفين البروتستانت الذين تحصنوا بقلعتهم الانجليزية وبدأوا بدورهم في إقصاء الكاثوليك وتهميشهم من الحياة العامة وقتلهم عند الحاجة. بدأ الناس في الصراخ وتوجيه الإهانات على من بداخل العربة حتى غضبت السيدة غوين وطلبت من الحوذي إيقاف العربة، ثم أزاحت ستارتها وأخرجت رأسها للجماهير الغاضبة قائلة بأعلى صوتها: صلوا أيها الطيبون، كونوا متحدين، فأنا مومس بروتستانتية.وبصوت واحد تغيرت النبرة الغاضبة للجماهير إلى هتافات وتشجيع لها، لوحت لهم بيدها ثم تابعت العربة طريقها. انتهى مع بعض التصرف.في الأجواء المشحونة بكل الصراعات الطائفية والدينية والعرقية يختفي المنطق من عقول الناس، ويتحول تفكيرهم إلى غريزي بدائي فاقدا لأبسط معايير الحياة والإنسانية، فتطفوا على السطح أدوات تلك الصراعات، فإن كان الصراع طائفيا بين البروتستانت والكاثوليك كما في القصة السابقة، فلن تكون المشكلة في الملك الذي لديه عشيقتين أحدهما تخرجت من ماخور طالما هي بروتستانتية صالحة، ولكن المشكلة في وجود أخرى كاثوليكية تمثل الجانب الآخر أو الجبهة الأخرى في الصراع الطائفي الحاد بين الفريقين.ولو أسقطنا هذه الصورة على مناطق الصراع الطائفي في العالم العربي والمتمثلة في سوريا والعراق لوجدنا أن الأمر هناك مشابه للقصة السابقة، ففي سوريا التي حكمتها عائلة الأسد والتي أدارت الدولة على أساس طائفي مقيت، لم تألو جهدا في تشتيت هذا الشعب وإهدار كرامته، فقسم الشعب إلى طوائف، إحداها طاهرة موالية، ممسكة بسوط السلطة وأدواتها، وأخرى مهمشة مهدورة الكرامة بائسة الحياة، ويكفي ذكر مكان الميلاد أمام أي ضابط أو حاجز أو مخفر ليتحدد أسلوب التعامل، وانتهى هذا التقسيم الطائفي بثورة عارمة أنهت حكم بشار خارج العاصمة وجعلته منبوذا مذموما، ينتظر الناس نهايته على أحر من الجمر.أما في العراق، فقد وصلت التنظيمات الشيعية المتطرفة إلى عرش بغداد، وبدأت تعامل الناس على أساس طائفي مشابه لحكم عائلة الأسد، فقسمت المناطق إلى سنية وأخرى شيعية، وهجر السنة من العاصمة وحزامها، ووضع سفهاء القوم وأرذالهم في مناصب عامة، ففسدوا وأفسدوا، وتعاملوا مع الشعب العراقي على أساس غير عقلاني بغيض لم يشهد العالم مثله منذ الاحتلال الصفوي للعراق عام 1508.فتفنن هذا النظام الطائفي في القتل والتنكيل والتلاعب بعواطف عوام الشيعية، حتى غدت هذه الدولة من أكثر الدول تنفيذا لأحكام الإعدام التي يعلم الجميع أنها تتم على أساس طائفي محض، وأن الاعترافات تنتزع من المتهمين في سجون ومعتقلات سرية سيئة السمعة وسط حالة من الصمت المريب في أوساط الشيعة الذي يرون في قياداتهم صورة تلك العشيقة البروتستانتية التي تنتمي لنفس الطائفة، لا يهم ما تفعل أن كانت تذكرهم بأنها واحدة منهم، فما يهم هو دينها قبل دورها في الحياة.
1243
| 08 مايو 2014
هل نستطيع أن نعلن أن الأزمة الخليجية الخليجية قد هدأت؟ ربما، فهدوء غبار العواصف قد يعلن عن نزول المطر، والاتفاق القطري السعودي تم الانتهاء منه والإعلان عنه من دون تلك التسريبات الغريبة التي سبقته، ولكن دعونا نجرد الدروس المستفادة من هذه الأزمة، فلعلنا نتعلم شيئا منها حتى لا نكررها، أليس هذا هو الهدف من دراسة التاريخ؟ظهرت شخصية مغمورة فجأة على شاشات التلفاز لتعلن عن انقلاب عسكري على حكومة الدكتور محمد مرسي المنتخبة، وكعادة الانقلابات العسكرية التي لا تستقر سوى بسفك الدم وإحداث قلاقل في النسيج الاجتماعي في الدولة، وضع العالم يده على صدره بانتظار تداعيات الانقلاب التي وصلت أوجها في مجزرة فض رابعة، كما أطلق عليه، وبدأت المشاكل تتوالى على العالم العربي جراء دموية السيسي ورغبته الشبقة في الاستحواذ على السلطة.في تلك المرحلة الحساسة بدأ الصدع في الصف الخليجي يظهر بشكل واضح، فانهالت الأموال على نظام السيسي من بعض دول الخليج بشكل غير مسبوق في التاريخ، وارتبط هذا المال في الوجدان المصري بالمجازر التي حدثت في رابعة وغيرها، في حين أن قطر آثرت الانسحاب خوفا من تلوث ثوبها بالدم وقد هالها تراكم الجثث المشوهة والمحترقة وامتلاء السجون المصرية بالمعتقلين والرافضين للانقلاب.أعلنت أبو ظبي بلسان الحال أنها رأس الحربة في معركة السيسي، فأرسلت وفودها إليه وأعلنت عن مشاريع سكنية غير واقعية في محاولاتها الحثيثة لتهدئة الوضع ورصف الطريق أمام حكم عسكري رفضته الغالبية من الشعب المصري، واشترت مناطق في وسط القاهرة لتحيلها واحات للنخب البرجوازية وسط بحر من الفقر المدقع المحيط بتلك المدنية الكبيرة، ووقعت عقودا ضخمة استملكت بموجبها ساحل قناة السويس، في وسيلة غير إنسانية لوقف مشروع كان الرئيس مرسي قد أعلن عنه سابقا، قاصدة تعطيله في مسعى لحماية موانئها، متناسية أن كل هذه العقود قد تتطاير في الهواء حين تعود الشرعية إلى مكانها ويسقط حكم العسكر.وفي تلك المرحلة الحرجة والمرتبكة وقعت الولايات المتحدة وإيران اتفاقهما النووي الذي جعل دول الخليج تشعر أن ظهرها قد انكشف أمام قوة إقليمية كبرى قد تغدر بها، فغضبت المملكة العربية السعودية من حليفتها أمريكا وبدأت بوادر هذا الخلاف تظهر بتقارب روسي سعودي وبدأت الرياض تعيد حساباتها التي بقيت تعتمد عليها لعقود طويلة، وكان توقع الجميع أن تتكتل دول الخليج مرة أخرى لتشكل قوة عسكرية واقتصادية وبشرية في مواجهة الأطماع الإيرانية التي لم تكف عن التدخل في الشأن الخليجي ابتداء من اليمن وانتهاء بالبحرين وشرق المملكة.فجأة!! خرجت أبو ظبي من هذا التكتل المطلوب والمفروض والمأمول، لترسل وزير خارجيتها عبد الله بن زايد إلى طهران وتبدأ حملة من الغزل غير العفيف وغير المتكافئ بين أبو ظبي وطهران، ففي إحدى خطبه في ختام الدورة الثانية للجنة العليا المشتركة بين الإمارات وجمهورية إيران الإسلامية في ديوان عام وزارة الخارجية الإماراتية بحضور محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني قال بن زايد: إن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل قبل عدة أعوام إلى أكثر من 44 مليار درهم إماراتي سنويا ولكنه تراجع في السنوات الأخيرة ليصبح 25 مليار درهم في 2012، وطالب عبد الله بن زايد بانفراج الأزمة بين إيران والعالم، ليعود الحجم التجاري إلى سابق عهده.كما قال وزير الخارجية الإيراني في ذات المناسبة إن هناك 200 رحلة جوية بين الإمارات وإيران أسبوعيا، مشيراً إلى أن التفاعل ما بين الشعب الإماراتي والإيراني قديم، مما أعطى العلاقات الثنائية عمقا تاريخيا بغض النظر عن الأوضاع "السياسية" بين الحكومتين. ثم أضاف وزير الخارجية الإيراني قائلا بأن منطقتنا تمر بوضع حساس ودقيق، لذا فإن للإمارات وإيران دورا مهما ومؤثرا، فالمنطقة مهددة بالإرهاب والراديكالية وبالتالي فإن الأمر يتطلب حكمة القيادات والحوار المستمر ما بين كبار المسؤولين في البلدين.. انتهى.لم يكن الوزير الإيراني يتحدث عن فيلق بدر وجيش المهدي وعصائب أهل الحق ولواء أبو الفضل العباس وحزب الله الشيعي ومسلحي الحوثي وعصابات الحرق والدمار بكل تشكيلاتها في البحرين حين تحدث عن المتطرفين والراديكاليين، بل كان يتحدث عن الذين يقاومونهم بالتأكيد، فقد كان يعني السلفية بكل تفرعاتها والإخوان المسلمين والثوار السوريين والثوار العراقيين السنة الذين سئموا حكما طائفيا بغيضا مقيتا.إن عبث أبو ظبي بمصالح دولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج والعرب بحاجة إلى وقفة صريحة، فأسلوب حب الخشوم لن يحل مشكلة مستعصية، فقد أشعلت أبو ظبي شرارة الموت في مصر ثم هربت رامية نفسها في أحضان إيران، في تصرف لم يسر الرياض كثيرا.في مكاتب الإدارات المعنية بمجلس التعاون في وزارات الخارجية في دول الخليج أكوام من الأوراق والاتفاقيات التي وقعتها دول الخليج، أوراق ليس لها معنى حقيقي، يتراكم عليها الغبار بانتظار أن يفتحها شخص ما ليبحث عن بند ما لحاجة ما، فأغلب هذه الاتفاقيات لم ينفذ ولم يفعل، فالأحداث أثبتت أن كوم الأوراق هذه لا تصلح سوى لجمع الغبار أو لإثارته عند الحاجة.عندما أعلنت قطر أنها لن تشارك في حفلة الموت التي يقيمها السيسي فتحت وسائل الإعلام المصرية النار على الدوحة وبدأت تلك الأفواه القذرة تتهجم على قطر ورموزها بأبشع الألفاظ وأحطها وأدناها، حاولنا، نحن القطريين، الترفع عن الرد عليها حتى وصلت إلى أن ينادي أحد قضاة مصر بتدخل عسكري ضد قطر، متهما إياها بمعاداة مصر، وهو تهديد كان من الواجب أن يأخذه مجلس التعاون بجدية ويتكتل مع قطر خلال هذه الأزمة ولكن كل الاتفاقيات التي وقعها المجلس لم تشفع، ولم يتم اتخاذ أي إجراء سوى بيان باهت من الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي بالاستنكار!!، ألم نقل إن أكوام الاتفاقيات لا وزن لها، وأنها هناك لجمع الغبار أو لإثارته!لم يكن الاتفاق القطري السعودي بلا ثمن، فثمنه كان ومازال ضربات تكال من طرف لم يسره أن يرى عودة المياه إلى مجاريها بين جارين يعز عليهما المبيت ثلاثا متخاصمين، فهذا الناطق شبه الرسمي لأبو ظبي الدكتور عبد الخالق عبد الله يقول تعليقا على هذا التقارب لقناة السي إن إن: "كما هو الحال في أي دولة، فهناك الحمائم والصقور، وفي وقت من الأوقات تمكن الصقور من السياسة الخارجية السعودية، لكن أظن أن أيام الصقور في السياسة الخارجية السعودية قد ولت، وأول هذه الصقور هو بندر بن سلطان، وبالتالي فإن الحمائم قادمون وهم من سيوجهون الأجندة في المرحلة المقبلة"،هل ما قاله عبارة عن صراخ ألم من تأثير التقارب القطري السعودي؟ سأترك تفسير ذلك للقارئ. والآن، أما آن نكون مجلسا حقيقيا أو لا نكون؟، إما أن نلتزم حقيقة بأمننا الكلي أو لا نلتزم، إما أن تكون حكومات الخليج جزءا من شعوبها أو أنها ستلعب دور سجانها، إما أن نختار دورنا في الحياة أو سيختاره الآخرون لنا.إن العابثين بأمننا كثر، ولن تحتمل المنطقة عبثا آخر، لقد اتخمت ذاكرتنا بالهم وطعنات أولاد العم، فرفقا بنا.
1006
| 24 أبريل 2014
نشرت صحفية الأيكونومست تقريرا بعنوان: المغامرة مع الموت، الأمم المتحدة تقدم نصائح لتجنب القتل.أليس هذا عنوانا جذابا؟ فصحيفة الأيكونومست صحيفة رصينة جادة، وإدخال الأمم المتحدة في العنوان أضاف بعدا عولميا إلى هذا الإحصاءات المرعبة، ولكن ماهي هذه النصائح التي قد تجنبنا القتل؟ النصحية الأولى هي أن لا تعيش في أي من الأمريكيتين أو إفريقيا، لأن نسبة القتل فيهما عالية مقارنة مع بقية القارات والدول، ففي أميركا يقتل شخص من بين كل 6100 شخص، أما في إفريقيا فيقتل شخص من بين كل 8000 شخص، أي أن معيشة المرء في إفريقيا أكثر أمنا من معيشته في الأمريكتين (الشمالية واللاتينية).أوروبا الغربية وشرق آسيا من المناطق الأكثر أمنا على حسب التقرير، أما أكثر هذه الدول سلامة وأمنا أو على الأقل لن تشعر انك معرض للقتل فيهما، فهما مملكة لخشتنشتاين الأوروبية الصغيرة وجمهورية سنغافورة التي حصل بها 11 جريمة قتل في عام 2012، أي جريمة واحدة لكل نصف مليون شخص تقريبا، قارنوا ذلك بما قلناه سابقا عن الأمريكيتين وإفريقيا.لا تفكروا في الذهاب إلى الهندوراس التي من الواضح أن التقرير يريد أن يخبركم بان الناس يقتل بعضهم بعضا هناك، فهناك جريمة قتل تحصل بين كل 1100 شخص، قارنوا بين هذه النسبة وبين النسبة في دولة مثل سنغافورة مثلا.النصيحة الثانية التي تجعلك أقل عرضة للقتل هو أن تكون امرأة، نعم أن تكون امرأة، هكذا جاء في التقرير، فالنساء بالمجمل يتعرضن لربع جرائم القتل التي يتعرض لها الرجال، ونصف جرائم القتل تلك التي تتعرض لها النساء بسبب الرجال القريبين منهن أو من عائلتهن، أي أن الرجال يحبون أن يقتلوا ويقتلوا، بفتح الياء في الأولى وضمها في الثانية، لكن هذه النسبة لا تنطبق على اليابان وكوريا الجنوبية، فنسبة قتل النساء تزيد لتضاهي نسبة القتل في الرجال، وقد يكون ذلك عائد إلى حصول النسوة في هاتين الدولتين على حقوقهن في المساواة مع الذكور، فالمطالبة بالمساواة مع القتلة والمقتولين ليست جيدة في كل الأحوال، وعلى النسوة الحذر من المطالبات العشوائية بالمساواة، فليس كل مساواة حسنة.فإذا عرفنا أن أسباب القتل في دول العالم الثالث هو الفقر والفساد وسوء الأنظمة القضائية والتشريعية فإن سبب القتل في الدول المتقدمة يختلف بشكل كبير، دعوني اترك التقرير يشرح لكم ذلك.ففي دول متقدمة مثل أستراليا وفنلندا والسويد فإن أكبر قاتل هو الكحول، أي تلك الزجاجة الجميلة الملونة والمذهبة التي توضع على موائد الطعام وتزين البارات والمراقص ولا تكاد تختفي من شاشات التلفاز، هذه الزجاجة الجميلة عبارة عن قاتل محترف ينتظر الأمر لتنفيذ جريمة القتل في أي وقت، ففي أستراليا نصف جرائم القتل يرتكبها الكحول بكل ألوانه وأنواعه وديكوراته وتلبيسه وبهرجته ومكياجه، أما في فنلندا والسويد فإن سلاح الكحول هو أكثر الأسلحة استخداما في جرائم القتل، أي أكثر من السكين والمسدس والأحذية وما ثقل وزنه وقل ثمنه مما يستخدم في تنفيذ الجريمة. أما الخبر السيئ فهو أن أقل من نصف جرائم القتل على مستوى العالم يتم وضع القاتل فيها خلف القضبان، أي 43% منها فقط، ولو فصلنا في هذا الرقم قليلا فسنجد أن الشرطة الأوروبية تحل ثمان جرائم قتل من بين عشرة، والشرطة الآسيوية تحل نصف جرائم القتل، وثلاثة أرباع القتلة في الأمريكيتين لا يتم القبض عليهم.ولكن أين سوريا والعراق من هذه الإحصائية؟ أليس غريبا أن يتم إهمال أكثر الدول استهلاكا للأرواح البشرية بسبب أنظمة الحكم الحمقاء الطائفية المتطرفة؟ قد يقول قائل إن هذا التقرير أهمل هاتين الدولتين بسبب التقارب الإيراني الأمريكي، سأتوقف عن التعليق هنا، فجرائم القتل بحق الكتاب كبيرة، والإحصاءات بها مثيرة، ولست أريد أن أكون رقما يضاف إليها.
4689
| 17 أبريل 2014
البحث عن جذور المشكلة ليس سهلا، والجالسون على كراسي جلدية مريحة للظهر خلف مكتب جميل لن يجدوا الجرح الذي يرغبون في وضع أصابعهم عليه، دعوني أحكي لكم هاتين القصتين، الأولى جديدة والثانية قديمة بعض الشيء، ولكن في كل منهما درس يتوجب علينا الوقوف أمامه والتمعن فيه والاستفادة منه.القصة الأولى: قرر عضو البرلمان البولندي ارتور دبسكي أن يغادر وطنه ليعيش في بريطانيا لبعض الوقت بمبلغ لا يتعدى 100 جنيه إسترليني كل أسبوع، والهدف كما قال: "أريد أن أعرف لماذا يعمل النظام في بريطانيا ولا يعمل في بولندا!! أريد أن أعرف لماذا الناس سعداء في بريطانيا ونحن البولنديين لسنا كذلك!! نريد أن نقول لحكومتنا ما هو الجيد في بريطانيا ليحضروه لنا".سيمتهن عضو البرلمان هذا أي مهنة يستطيع أن يعيش منها، فهو يتوقع أن يقوم بغسل الصحون في المطاعم والتنظيف والقيام بأي شيء يساعده على البقاء في بريطانيا كما يفعل المهاجرون، حتى يعرف أسباب نجاح النظام البريطاني، فمراكز الأبحاث تقول إن حوالي ثلاثة أرباع البولنديين المقيمين في بريطانينا يبقون هناك لتأسيس حياة جديدة لهم، وأن 40 % من البولنديين المقيمين في بريطانيا يفكرون في التقدم للحصول على جواز بريطاني، وقد أصدر البنك البولندي تقريرا يقول فيه إن المال الذي يرسله بولنديو المهجر إلى ذويهم يقل بمرور الوقت مما يثبت أنهم استوطنوا الدول التي يعملون بها.أتساءل (أنا) بدوري ما الذي يميز بريطانيا عن غيرها من الدول الأوروبية لتكون جاذبة لكل هؤلاء البشر إليها!! ولماذا يترك المهاجرون العرب دولهم التي استوطنوها في أوروبا للذهاب للعيش في بريطانيا؟ هناك عدة أمور أستطيع أن أتحدث عنها، ولكن في رأيي الشخصي أنها دولة صممت للحياة، فكل شيء فيها يخدم الإنسان، مواصلاتها، إدارتها، أنظمتها، تنوعها، لن أتحدث كثيرا هنا، ولكن دعونا نعود لقصتنا الأولى.لم يمض على ذهاب عضو البرلمان البولندي سوى أيام وقد يعود بعدها إلى دولته حاملا تقريرا متكاملا يساهم به في جعل بولندا أفضل، قد يكون صادقا في بحثه هذا أو قد يكون هذا المشروع جزءا من حملة علاقات عامة لحزبه كما يقول البعض، لا يهم!! المهم هو النتيجة التي سيحققها حال عودته إلى وطنه.القصة الثانية: حضرت دورة تدريبية في أمريكا منذ سنوات وأخبرنا المحاضر الذي كان يعمل مع الحكومة الأمريكية القصة التالية: كنت أعمل لدى حكومة إحدى ولايات الغرب الأوسط، وقد أصدرت هيئة التعليم تقريرها الذي يفيد بأن نسبة التلاميذ الهنود الحمر الذين يخرجون من التعليم لأسباب عدة في تزايد مستمر وطلب مني مسؤولي البحث عن جذور هذه المشكلة.عرفت أنني لن أعرف الأسباب وأنا في مكتبي، فقررت أن أعيش مع الأطفال لمدة أسبوع، أنام معهم وأذهب معهم إلى المدرسة وأدرس حتى أعرف ما الذي يمرون به وما الذي يجعلهم يتركون مقاعد الدراسة في هذا الوقت المبكر من العمر.يقول: اتصلت بعائلة لديها أطفال في عمر الدراسة تعيش في محمية للهنود على أطراف الصحراء، واستأجرت منهم غرفة صغيرة لمدة أسبوع، فكنت أستيقظ مع أطفالهم وأركب الحافلة إلى المدرسة وأجلس على مقاعد الدراسة وأعود في نهاية اليوم إلى المنزل معهم وبعد بضعة أيام عرفت المشكلة.كانت المشكلة أن الحافلة في طريقها من وإلى المدرسة تمر في طريق ترابي غير معبد، ولم تكن الحافلة مكيفة والجو حار جدا في أشهر الصيف، فكان الطلبة يعانون من الغبار والحر طوال الطريق الذي يمتد لأكثر من ساعة.عدت إلى مديري وطلبت منه طلبا عاجلا باستبدال الحافلات القديمة بأخرى جديدة ومكيفة، فانخفض تسرب الأطفال كثيرا جدا وأصبح متناسبا مع بقية المدارس والأطفال من أعراق مختلفة.في كلتا القصتين كانت هناك مشكلة قرر شخص أن يجد حلا لها بطريقة تبني المعاناة لمعرفة الحل وليس بزيادة المعاناة لنسيان الحل.
1274
| 10 أبريل 2014
أصابت وسائل التخاطب المجتمعي العالم بصداع مزمن ليس له حل سريع، فكل القوانين التي تبدعها عقول المتخوفين من تأثيرها "السلبي" قد فشلت، فهناك مخرج لكل صعب والتفاف على كل قانون، والدول المستهدفة قد تحمل أسماء دول أخرى يعرفها المتعارفون، والشخصيات تتحول بقدرة قادر إلى رسومات يفهمها المتابعون، فإشارة رابعة المشهورة بكفها ذي الأصابع الأربع تحولت إلى رقم أربعة بلونه الأصفر أو حتى إلى 5 – 1، فأي قانون هذا الذي سيجاري كل هذه المتغيرات؟نشرت صحيفة الفاينانشال تايمز تقريرا مطولا عن صداع الحكومة البريطانية من تأثر الجهاد بوسائل التخاطب المجتمعي، فقد غادر 400 مواطن بريطاني إلى سوريا للقتال ضد نظام بشار ولكن المصيبة التي تعاني منها الحكومة أن هؤلاء يستخدمون وسائل التخاطب المجتمعي بكثرة واحترافية، وكل شخص من هؤلاء لديه بضعة آلاف من المتابعين على التويتر أو الفيس بوك، أي أن العدد المرشح للمغادرة إلى هناك أكثر بكثير من هذا الرقم المعلن.حفلت حسابات هؤلاء الشباب بالكثير من الكلمات، مثل الجنة والجهاد والخلافة والشهادة، كلمات تتابعها الجهات الأمنية لمحاولة الوصول إلى وسيلة تستطيع بها توقع أعمال عنف أو خطة للذهاب إلى جبهات القتال، ولكن من الصعب عمل ذلك، فالأمر ليس سهلا، فكثير من هؤلاء الشباب أو من متابعيهم لديهم اهتمامات أخرى، ولكن متى هي اللحظة المناسبة التي تستطيع الجهات الأمنية إلقاء القبض على مغرد بتهمة التحريض على العنف أو الدعوة للجهاد؟ مستحيل!! فالكثير من هذه الأسماء السابقة ترد في سياق آيات قرآنية أو أحاديث أو حتى أدعية، فكيف ستقرر الجهات الأمنية متى يشكل هذا الأمر خطورة على الدولة؟ وكيف ستقنع القاضي بهذا الأمر؟ (تذكروا أن هذه دول ديمقراطية).يتوقع المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كنغز كولج في لندن أن عدد الأوروبيين الذين غادروا إلى سوريا للقتال يبلغ حوالي 2000 شخص أغلبهم لا يرغب في العودة إلى أوروبا مرة أخرى وهم هناك بانتظار الشهادة، ولكن المشكلة ليست أيضاً في بقاء هؤلاء هناك ولكن في موتهم، لأن موتهم سيشعل رغبة الجهاد في الكثيرين ممن يتابعونهم على التويتر أو يرون صورهم في الفيس بوك وهم مضرجين بدمائهم.أقفلت الحكومة البريطانية حوالي 28000 موقع منذ بداية 2013 ولكن الأمر أصبح غير مسيطر عليه، خصوصا مع التويتر الذي يستطيع صاحب الحساب إضافة حرف إلى اسمه التويتري وإعادة التغريد من جديد.حاولت ترجمة أهم النقاط التي وردت في تقرير الفاينانشال تايمز حتى نستوعب حجم التحديات التي تواجه الأجهزة الأمنية الأوروبية عامة والبريطانية خاصة، ولكن دعونا ننظر إلى الأمر من جهة أخرى أغفلها التقرير، ودعونا نطرح السؤال التالي: ماذا لو تدخلت أمريكا وأوروبا لوقف المجازر في سوريا منذ بداية الحرب ولم تترك آلة الموت تتحرك لوحدها ناهشة لحوم ضحاياها؟ دعوني أصيغ الأمر بطريقة أخرى، هل تذكرون حرب البوسنة؟ لقد أحكمت القوات الصربية الحصار على المدن البوسنية حتى بدأ الناس يعانون من الجوع والبرد بشكل لم تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن استطاع البوسنيون تنظيم أنفسهم وشكلوا جيشا قوامه مئة ألف مقاتل، وتقاطر عليهم المقاتلون الشباب المسلمون من زوايا الأرض، واستطاع هذا الجيش أن يتقدم ويعيد الاستيلاء على أراض كان قد خسرها، حينها قررت أمريكا التدخل عسكريا وضربت بعض المنشآت العسكرية الصربية وبدأت مفاوضات دايتون وعاد المقاتلون من حيث أتوا، وكفى الله المؤمنين القتال.إن القضية التي لا تريد أوروبا أن تفهمها هي أنها شريكة في جريمة السكوت عن المجازر بالتضامن مع أمريكا، والسكوت عن الجريمة له ثمن سيدفعه أكثر من يستطيع أن يمنعها ولم يفعل، فهؤلاء الشباب الأوروبيون لن يذهبوا للقتال لو كان الغرب قد تحرك لمنع المجازر التي تحدث في سوريا وغيرها من الأماكن، فأغلب تغريدات هؤلاء الشباب كانت تأثرا بما يحدث للنساء والأطفال من قتل وانتهاك عرض وتشريد.ستصرف الدول الغربية المليارات لمراقبة وسائل التخاطب المجتمعي، وقد تخرج عن ديمقراطيتها أحيانا بدعوى الحفاظ على الديمقراطية، فأعداد المعتقلين في السجون بتهم التحريض على الجهاد يزداد بمرور الوقت والسبب هو الصمت عن الظلم.ليس من السهولة منع جرائم القتل التي يرتكبها النظام السوري ومؤيدوه، ولكن الأصعب منه هو إطفاء الحرائق التي تشتعل في قلوب الملايين من البشر الذين يشاهدون هذه المذابح دون أن يروا من يفعل شيئا لإيقافها.
1447
| 03 أبريل 2014
بثت قناة Democracy Now على موقع اليوتيوب تقريرا عن العقد الذي وقعته إمارة أبوظبي مع شركة بلاكووتر للخدمات العسكرية، وفي التقرير لقاء مع مؤلف كتاب: بلاكووتر، صعود أقوى جيش من المرتزقة، السيد جيريمي شول، وهو الشخص الذي اثار قضية المرتزقة الكولومبيين في أبوظبي قبل خروجها للعلن بشهرين.بالإمكان مشاهدة التقرير الذي مدته 9 دقائق كاملا على الوصلة التالية: http://youtu.be/y_nFMRpDKCQ خلال اللقاء ذكر السيد شول أن شركة بلاكووتر كانت تدفع للمرتزقة الكولومبيين 34 دولارا يوميا في العراق وهو أقل مما كانت تدفعه الشركة للمرتزقة الآخرين من أوروبا، مما حدا بالكولومبيين للاحتجاج والعودة إلى بلادهم واغتيال من قام بتجنيدهم لصالح شركة بلاكووتر.يتحدث التقرير باختصار أيضاً عن العقد الذي وقعته إمارة أبوظبي مع الشركة والتي تم تغيير اسمها إلى ريفلكس رسبونسيز للاستشارات الإدارية، صورة من العقد في هذه الوصلة. http://graphics8.nytimes.com/packages/pdf/CONTRACT.pdf?ref=middleeast والعقد موقع مع شركة وهمية تخفي تحتها اسم شركة بلاكووتر ذات السمعة السيئة والذي تبلغ قيمته نصف مليار دولار سنويا لعدد 800 مرتزق كولومبي تم تدريبهم في إسرائيل على حرب العصابات والسيطرة على المظاهرات وغيرها من التدريبات التي تحتاجها الإمارة.واهم ما ورد في التقرير هو أن ولي عهد إمارة أبوظبي محمد بن زايد طلب من رئيس شركة بلاكووتر عدم تجنيد أي مسلم، لان: "المسلم قد يتردد في إطلاق النار على المسلم" كما نقل عنه حرفيا.وفي تقرير آخر مدته دقيقة وعشرون ثانية باللغة الإسبانية بثه التلفزيون الكولومبي عن هؤلاء المرتزقة الذين وجدوا لهم مقاما شبه دائم في أبوظبي يتحدث عن أسلوب تدريب هؤلاء في إسرائيل على الرابط التالي: http://youtu.be/HQb7tbrW_XM أهم ما جاء فيه:* تعاقدت الإمارات مع عناصر من الجيش الكولومبي الذين تم تدريبهم في إسرائيل لتقوية العسكرية الإماراتية في منطقة متوترة ولإسكات المعارضة.* تم التعاقد مع 800 عنصر من وحدات النخبة في الجيش الكولومبي ولكن هذا العدد مرشح للزيادة إلى ثلاثة آلاف عنصر في القريب العاجل.* الإمارات وجلة من التطورات في المنطقة خصوصا من الجارة إيران، وقد أضافت المظاهرات في المنطقة إلى هذا الخوف لهيبا آخر.* تم اختيار هؤلاء العناصر من وحدات النخبة الذين شاركوا في القتال ضد مجموعات الثوار في أمريكا الجنوبية.ولكن الأسئلة التي نحن بحاجة للبحث عن إجاباتها هي: لماذا كل ذلك؟ وهل تعجز دولة الإمارات العربية المتحدة عن تدريب بضعة آلاف شاب من شبابها على القتال؟ وعندما قال ولي عهد أبوظبي بأنه لا يريد مسلما ضمن هذه العناصر فهل هو جاد في توجيه بنادق هؤلاء المرتزقة إلى صدور شعبه؟ الفوبيا كلمة مشتقة من اليونانية فوبوس بمعنى الخوف المرضي، وهو خوف متواصل من مواقف او نشاطات معينة، هذا الخوف الشديد والمتواصل يجعل الشخص المصاب يعيش في ضيق وضجر لمعرفته بهذا النقص، ويكون المريض غالبا مدركا تماما بان الخوف الذي يصيبه غير منطقي ولكنه لا يستطيع التخلص منه من دون الخضوع للعلاج النفسي لدي طبيب متخصص.إن هذا المرض هو السبب الذي جعل عقدا مثل هذا يتم توقيعه مع مرتزقة كولومبيين تم إحضارهم من أقاصي الأرض من أجل منع مظاهرات في دولة تعتبر من أكثر دول العالم دخلا، ونسبة مواطنيها تقل عن العشرة في المئة من سكانها.ولكن دعونا نقرأ ما تم تسريبه في وثائق وكيليكس عن ولي عهد ابو ظبي حتى تتضح الصورة..• أبلغ محمد بن زايد مساعد وزيرة الخارجية ويلش أن دولة الإمارات فضلت نهج حرمان "المتطرفين" موطئ قدم فيها بدلا عن نهج السماح لهم بلعب دور في العملية السياسية. ورغم أنه يحذر من خطورة الانتخابات الحرة في دول لديها حضور منظم للإخوان المسلمين، فإنه أبلغ الضيوف من الحكومة الأمريكية أن دولة الإمارات ستمضي قدما في الانتخابات. وأبلغتنا القيادة الإماراتية أنهم لن يسمحوا للإسلاميين بالمشاركة في الانتخابات. (وثيقة مرجع 06ABUDHABI1401 – بتاريخ 10- 4-2006).• يرى محمد بن زايد أن الأيدلوجية المتطرفة تهدد النظام التعليمي حيث يصرف هو وإخوانه أموالا طائلة لتحديث المناهج وأعضاء الهيئة التدريسية. (وثيقة مرجع 06ABUDHABI1401 – بتاريخ 10- 4-2006).• الأسرة الحاكمة في أبوظبي استمرت في صراحتها بشأن موضوع المتطرفين المسلمين وخطرهم على المنطقة. أبلغ محمد تاونسند أنه لو أجريت انتخابات في دبي غدا فإن الإخوان المسلمين سيكتسحونها. وقال إن التحدي هو العثور على طريقة للتخلص من المتطرفين بشكل لا يسمح لهم أبدا بالعودة مرة أخرى. إحدى الطرق التي يحاول هو وإخوانه إنجازها هي من خلال إصلاح النظام التعليمي الذي اخترق من قبل الإخوان المسلمين منذ نهاية الستينات. (وثيقة مرجع 06ABUDHABI1725 – بتاريخ 29- 4-2006).عندما يهبط المسافر في مطار دبي سيبدأ في رؤية صور ولي عهد ابوظبي معلقة على حيطان المكاتب او على طاولات الموظفين، بنظرته الحالمة وابتسامته الباهتة التي توحي بالتهديد والترحيب في ذات الوقت، وقد لا يعرف القادم الجديد سببا لأن تحتل هذه الصورة كل مكتب وجدار، ولكن هذه الصورة في حقيقة امرها عبارة عن تعويذة لحماية معلقها من تهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين والتي أصبحت تهمة يحب ولي عهد أبوظبي وابنه خالد الذي يتولى مسؤولية جهاز أمن الدولة توزيعها على من يشاؤون ومتى يشاءون، متناسين أن المرتزقة لا عهد لهم ولا ذمة، فقد ينقلبون على من جندهم كما فعلوا في كولومبيا.
7379
| 27 مارس 2014
مكتبتي مليئة بالكتب التي تتحدث عن الحركات الإسلامية، كتب أكاديمية غربية، بعضها انتهى وقتها، فللكتب حياة كحياة البشر، تعيش طفولتها وشبابها وشيخوختها ثم تموت، وبعضها تبقى لعمر أطول، وبعضها تعمر كما عمر نوح، تبقى بيننا بحيويتها وشبابها وكأنها شربت من نبع الحياة، فهي لا تشيخ ولا تموت، يقرأها جيل بعد جيل وكل جيل يرى فيها نفسه، فتعيش، هكذا قدر لها.وأخرى تحكي تجارب شخصية كتبها معتقلون سابقون في سجون عبد الناصر، وأخرى تتحدث عن المرأة في الإسلام، وقفت أمام النقاب متسائلا مستفسرا ثم بحثت عنه في الكتب حتى خرجت بما أنا مقتنع به ولست أخاصم الآخرين عليه، وعن الحياة، كيف يجب أن تكون نظرتنا لها؟ وعن الموت وانتظاره، استهوتني كتب الرقائق، وجدت بها طمأنة لقلبي في مرحلة من حياتي، استغرقت في كتب الشيخ محمد أحمد الراشد التي وجدت فيها لغة لم أقرأها من قبل، لغته راقية، قوية، ثابتة، مقنعة، تقودك إلى حيث يريد مستسلما لها، فللغة الجميلة تأثير السحر، تسحرك، فتجد نفسك محترما دورها، بقلم ينحت الورق ليشكل منه تحفة فنية راقية قلما تجدها في أقلام الآخرين، وسحت مع الشيخ علي الطنطاوي في مذكراته وكتبه التي كتبها بروحه قبل قلمه، وقلبه قبل عقله، فكتاباه رجال من التاريخ وقصص من التاريخ مازالا في ذاكرتي، فقد حفرا مكانهما في عقلي وبقيا فيه، ومازلت أعتبر نفسي من تلاميذه، مع أنني لم أقابله في حياتي، بحثت عن كتبه في كل مكتبة دخلتها، مذكراته مليئة بالعبر والتجارب، هي حياة مروية بعقل واع، فقد أدمنت أسلوبه وعشقت قلمه. كنت أستمع لبرنامج "قول على قول" في قناة البي بي سي حين كانت تهتم بالأدب والتاريخ وعندما كانت لغتها العربية رصينة قوية تفرض موسيقاها على أذن السامع، وكنت مدمنا على برنامج "من القائل" حتى حصلت على مجلداته بعد ذلك وقرأتها كلها، مستمتعا بها وكأني وقعت على كنز.قرأت للشيخ الغزالي، فهو صاحب قلم مقاتل بعكس شخصيته الهادئة الوديعة، وقفت في شبابي أمام كتاباته متسائلا، مستفسرا، باحثا، ولكنه أقنعني، عندما تقرأ له من دون أحكام مسبقة تجد أنه يكتب بعقله، ويضع قدمه، حيث لم يتجرأ أحد على أن يسير، يكتب بأسلوب المحب الوجل، الذي تشعر بحبه لك يتقاطر بين السطور.وقرأت لجدي، والد والدتي، الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وعلي أن أعترف أنني لم اقرأ له إلا بعد وفاته، رحمه الله، فقد كان سلفي العقيدة، حر الرأي، لم يلزم نفسه برأي لم يلزمنا الشارع به، فالعادة عنده غير مقدسة، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر، هكذا كنت أشعر به في صغري، يصدح مجلسه مساء بمن يقرأ له من كتب يحب أن يستمع إليها، وفي الأعياد والمناسبات كان مجلسه عامرا بشخصيات كنت أتأملها صغيرا، شخصيات تمثل الأديان المختلفة بلباسها الديني، كان يرحب بها ويتحدث معها باحترام، تعلمت في مجلسه أن كل الأديان يجب أن تحترم، فالناس أحرار بما يريدون أن يعتقدوه، لم يكن يسفه رأي احد، بل كانت حجته مكتوبة لمن أراد أن يرجع إليها، وبعد وفاته تصفحت كتبه وأعجبت بمواقفه التي دافع عنها بكل قوة في وجه من خالفوه، حاولت أن أكتب عنه ولكن قلمي لم يطاوعني حينها، فقد كنت أرى وجهه يطل علي في كل صفحة، وكان فقده حديثا حينذاك، فآثرت التوقف، فلمحبيه أقلام كثر قد يسعفوني بما لم أتمكن منه.وفي واشنطن أهداني خالي كتاب العقد الفريد، فقرأته ثم حصلت على سلسلته بعد أن عدت إلى الدوحة، ولم أجد ما هو أجمل منه لزيادة الحصيلة اللغوية والمعرفية، فهو عقد بلآلئ متنوعة وكل لؤلؤة لها شكلها الخاص الفريد بها، ولم أكن أتوقع أنني سأتعرف على العقد في واشنطن العاصمة!! أتساءل أحيانا، إن اقتحم مكتبتي ثلة من عناصر المخابرات فبماذا سيخرجون؟ وكيف سيكتبون تقريرهم؟ ففيها كل الكتب التي ذكرت سابقا، وفيها كتب للروائيين الروس مثل ليوتولستوي وغيره، فهل أنا من معارضي الثورة البلشفية؟ وفيها كتب عن أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي وغيره، فأنا معجب بهم، نعم بالحمقى والمغفلين، فهم يضيفون طعما إلى حياتنا، وما يقومون به يضحكنا ويسلينا ويخرجنا من تلك السياسة الغامضة الجامدة إلى سياستهم المضحكة المبكية التي نعيشها هذه الأيام.
1080
| 20 مارس 2014
جمعني مجلس مع دبلوماسي أمريكي، وسألته إن كانت الولايات المتحدة فعلا جادة في الضغط على الحكومات العربية من أجل القيام بإصلاحات سياسية، فجاء الرد غريبا بعض الشيء: نحن نكتب ذلك في أدبياتنا ولكننا لا نفعل أكثر من ذلك، فإن كنتم أنتم لا تطالبون بإصلاحات سياسية فلن نفعل ذلك نيابة عنكم.مرت عدة سنوات على هذا اللقاء وطالب العرب بإصلاحات سياسية، وخرجوا في مظاهرات عارمة في القاهرة، مطالبين بتنحي حسني مبارك الذي كان يفترض أن يكون آخر حلقة في سلسلة من حكم العسكر منذ جمال عبد الناصر، حكم شمولي طويل جثم على صدور المصريين، مراكما فساده وسوء إدارته للدولة المصرية حتى وصلت إلى ما هي عليه من ضعف وترهل وانحدار يوشك أن يكون كارثيا. اختار المصريون بعد ثورتهم في انتخابات حرة ونزيهة الرئيس محمد مرسي، ولكن المؤامرات التي كانت تحاك تحت الأرض أفسدت على المصريين فرحتهم وليست الولايات المتحدة وإسرائيل بعيدتين عنها.جاء السيسي إلى السلطة بشكل دموي غير مسبوق، ووقف أقرب حلفاء واشنطن إلى جانبه دعما بالمال والأقوال، وضخت المليارات إلى جنرالات الجيش الفاسدين الذين تعرف الولايات المتحدة قبل غيرها مقدار فسادهم، بل إن هؤلاء الحلفاء الداعمين للسيسي مازالوا يحاولون إرغام الكثير من الدول على الرضوخ لحكمه بكل الوسائل، حتى أن إحدى الدول الخليجية منعت السودانيين العاملين فيها من تحويل أموالهم إلى أهاليهم، ليشكل ذلك ضغطا على الخرطوم من أجل الاعتراف بالسيسي رئيسا شرعيا متوجا على ركام الجثث والضحايا والجماجم.ها قد طالبنا بالإصلاحات في سوريا أيضا، وأنزلت طائرات الأسد على السوريين كل أنواع المتفجرات التي لا تفرق بين مدني وعسكري وبين صغير وكبير، براميل ممتلئة بمواد شديدة الانفجار تدحرج من طائرات الهليكوبتر على المدن والأحياء لتأخذ معها الكثير من الأرواح، واستخدمت قوات بشار الأسلحة الكيماوية التي أبادت المئات من النساء والأطفال والشيوخ ولم تفعل الولايات المتحدة شيئا، وبقي الخط الأحمر الأوبامي خطا وهميا متحركا بتحرك المصالح.لم تنجح الولايات المتحدة حتى الآن في إيجاد معادلة واضحة تسمح لها بالضغط على الدول العربية للقيام بإصلاحات سياسية كما تدعي في أدبياتها وبين دعم هذه الأنظمة سياسيا وعسكريا، فسياستها في هذا الشأن مازالت تقوم على التخبط وتشوه المعلومات التي تصلها، وليس هناك ما يوضح هذا التخبط أفضل من التقرير الأخير الذي نشره معهد كارنغي للشرق الأوسط بعنوان: مقاربة أمريكية جديدة لأمن الخليج، ففي هذا التقرير عدة توصيات موجهة للإدارة الأمريكية للتعامل مع دول الخليج، والغريب أن هذا التقرير الذي أصدره مركز دراسات مرموق لم يخرج عن الإطار العسكري للإصلاح ولم يتحدث عن إصلاحات سياسية أو اقتصادية ذات قيمة، وهذه هي أهم نقاط التقرير: * استخدام المبيعات العسكرية إلى دول الخليج بشكل أكثر انتقائية، فالتحكم في الأسلحة والمعدات التي تستخدم للقمع الداخلي وتلك التي توفر الهيبة للأنظمة هي التي يجب أن تستخدم للضغط على هذه الدول للقيام بإصلاحات محدودة.* تغيير مناهج التدريب للضباط الأجانب في المعاهد الأمريكية وجعلها تركز على الربط بين الإصلاحات المؤسسية والسياسية وبين الأمن المستدام.* الإعداد لتقديم خطاب رفيع المستوى يتبنى رؤية شاملة وإيجابية للتحالف بين أمريكا ودول الخليج.* جعل البحرين محور التشجيع الأمريكي على الإصلاح في الخليج، وتمكين المعتدلين في الحكومة والمعارضة من تحقيق مصالحة تقوم على أساس خريطة طريق للإصلاحات السياسية، وإعداد خطة طوارئ لنقل مقر إقامة الأسطول الخامس من البحرين عند الحاجة.إن كل النقاط المذكورة أعلاه والتي نقلتها مع بعض التعديل لتقريبها من الفهم تتمحور حول أمن الخليج، فليس هناك حديث عن إصلاحات سياسية أو اقتصادية واضحة، والغريب أن كاتب التقرير يطالب أوباما بخطاب موجه إلى دول الخليج لطمأنتها على مستقبلها وفي الوقت نفسه يتحدث في آخر نقطة عن وضع خطة طوارئ لنقل الأسطول الخامس من البحرين!!نقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورة معبرة لأوباما، واضعا يده على وجهه، كتب تحتها: دوخوني البدو.. كانت الصورة معبرة عن الوضع الذي وصلت إليه أحوالنا في منطقة الخليج، فنحن دول ست مختلفة في كل ما يمت إلى السياسة الخارجية بصلة، ثم توجه اختلافنا بعد تربع السيسي على عرشه الدموي إلى داخلنا، وأصبحنا ننتظر من الإدارة الأمريكية تدخلا لحلها، في بادرة تعلن على العالم فشل مجلس التعاون الخليجي في إدارة أزماته، فهل نجح السيسي في مهمته؟ أعتقد أنه فعل.
1168
| 13 مارس 2014
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4587
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3399
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1362
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1197
| 28 سبتمبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
1104
| 02 أكتوبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
885
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
852
| 30 سبتمبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...
792
| 05 أكتوبر 2025
لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...
768
| 03 أكتوبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
723
| 02 أكتوبر 2025
في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...
633
| 30 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية