رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا شك أن أتعس الحظوظ أن يخير الفرد ، أو الشعب ، أو الأمة بين خيارين كل واحد منهما أسوأ من الآخر ، مثلما يحدث اليوم في سوريا ، حيث يتمثل الخيار الأول في قيام أمريكا أو الناتو بضربات عسكرية بالطائرات والصواريخ تتجه لتدمير البنية التحتية للقوة السورية من الطائرات والصواريخ والقواعد العسكرية السورية التي بنيت بأموال الشعب السوري وقوت يومه ، وعرق جبينه لحماية أمن الوطن والمواطن ولاستعمالها ضد العدو الصهيوني ، ولاستعادة الأراضي العربية المحتلة مثل الجولان بل والضفة والقدس الشريف.
وتدمير القوة السورية يُعد أكبر خدمة تقدم لإسرائيل مجاناً لم تكن تحلم بها ، حيث يتحقق لها هذا الهدف وبأموال عربية خليجية - كما حدث للعراق - وأخطر من ذلك هو أن الأجواء هُيئت ليحتفل العالم العربي أو معظمه بهذا التدخل ، ولا سيما حفاوة معظم الشعب السوري الذي بلغ فيه استبداد النظام السوري وجرائمه الخطيرة على مدى أكثر من عامين ونصف أن يكون كالغريق الذي يتشبث بكل حشيش.
والخيار الثاني: هو ترك هذا النظام ليعيث في الأرض الفساد ويستعمل جميع أسلحته البرية والبحرية والجوية ، والدبابات والصواريخ والطائرات ، وأخيراً الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري الذي قتل منهم إلى الآن أكثر من مائة ألف ، وجرح منهم مئات الآلاف وشرد منهم أكثر من سبعة ملايين داخل سوريا وخارجها .
لكن الشعب السوري ينظر من ناحية أخرى إلى أن هذه الأسلحة التي هي ملك للشعب لم تستعمل في يوم من الأيام منذ أربعين سنة ضد العدو وإنما استعملت دائماً ضد الشعب الأعزل ، ففي عام 1982 في ظل حكم الطاغية حافظ الأسد سويت بهذه الأسلحة والقوة العسكرية مدينة حماة بالأرض فجعلتها قاعاً صفصفاً ، وقتلت من الشعب عشرات الآلاف ، وسجنت آلافاً ، وانتهكت أعراضاً ، فلا تأس على أسلحة هذا شأنها ، وقوة هذا دورها ، وحكومة جائرة هذا ديدنها ، أن تُباد وتهلك ليرتاح منها العباد والبلاد .
حسب علمي بطبائع الشعب السوري الكريم وشهامتهم ونخوتهم الإسلامية لو لم يصلوا إلى مرحلة الضرورة القصوى واليأس من إصلاح النظام الحالي ، ومن معظم قادة العرب الذين لم يستطيعوا أن يمنعوا النظام الجائر الطاغي من إيقاف آليات حربه ضد الشعب ، كما حدث في السابق للكويت ، ثم أخيراً ليبيا ، ما كان بالإمكان أن يوافقوا على ذلك .
إن ما عاناه الشعب السوري خلال ما يقرب من ثلاث سنوات لا يمكن تصوره ، فقد حوَّل النظام حياتهم إلى جحيم بمنتهى القسوة والشدة ، ولا أعتقد أن شعباً آخر - سوى الشعب الكردي الذي عانى من ظلم النظام البعثي في العراق شِق النظام السوري - عانى في تاريخنا الحديث ، مثل ما عانى الشعب السوري خلال هذه المحنة ، فقد بطش هؤلاء الطغاة بطش الجبارين فقال تعالى: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) بل كان بطش النظام السوري الطاغية أشد من فرعون الذي كان يترك النساء ولا يقتلهن فقال تعالى: (قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم) ، في حين أن الطاغية الجديد لا يترك النساء ولا الرجال ، ولا الأطفال .
إن العالم العربي اليوم على حافة الهاوية حينما يعجز بحكوماته البالغ عددها 22 دولة ، وبإمكانياتها الاقتصادية ومواردها البشرية الضخمة عن حماية الشعب السوري حتى يستعين بالغرب للتدخل ضد دولة عربية .
إن الأمة العربية في ظل منظومتها الحالية ، وانقسام قادتها انقساماً حاداً عجزت في السابق عن حل عربي لمشكلة احتلال الكويت ، فاستعانت بأمريكا ومن معها لتحرير الكويت ، ولكن أمريكا لم تقف عند الحد فاحتلت العراق ، فوعدت بتحقيق الديمقراطية والرفاهية للشعب العراقي ، ولكن العراق تمزق نسيجه الاجتماعي ، وازداد فيه الاستبداد والدكتاتورية ، وتحوَّل الاستبداد البعثي بالاستبداد الطائفي ، وقتل منذ الاحتلال إلى الآن حوالي مليون شخص أو يزيد حسب بعض الاحصائيات ، وشرد وهجِّر حوالي مليوني عراقي ، وازدادت الكراهية والأحقاد وعمليات الإقصاء والتهميش والتقتيل ، كما أن العراق يعيش في حالة من الفقر والبطالة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية ما لا يمكن ذكره هنا.
ومن هنا فالذي نخاف منه (بل ونتوقعه) هو أن لا يكون التدخل الأمريكي (ومن معه) لأجل الشعب السوري ، بل لأجل العدو الصهيوني ، حيث توجه ضربات محددة لتدمير المصانع والمراكز والمعسكرات الخاصة بالأسلحة الكيماوية ، والصواريخ ، والطائرات حتى لا يبقى أي خطر محتمل يهدد العدو الصهيوني ، وحتى لا تصل هذه القوى إلى المعارضة الإسلامية (المجاهدين).
وعموماً فإننا جميعاً أمام خيارات كل واحد منها أتعس من الآخر ، ولكن أثبتت التجارب أن التدخل الأجنبي لم يحقق الخير لأمتنا على مر التاريخ ، بل حمل معه الشرور ، ولكن مهما كان الأمر فإن النظام الجائر في سوريا هو الذي يتحمل المسؤولية عما وصلت إليه أحوال السوريين .
وأخيراً فنطلب من قادة العرب التركيز على شيئين أساسيين هما :
1 - التركيز أولاً على إزاحة النظام بأي وسيلة سواء كانت عن طريق التنازل أم غيره ، ثم تشكيل حكومة وطنية ، وكم نتمنى من النظام أن يهتدي إلى التنازل وبذلك منع سوريا من شر التدخل الأجنبي ، ولكن يبدو أن سنة الله في الطواغيت هي ما قاله سيدن موسى: (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) 1.
2 - وإذا لم يمكن ذلك فيجب التركيز على حظر جوي للطيران السوري على المناطق المحررة ، وجعلها مناطق آمنة ، وتشكيل حكومة وفاق وطنية تجمع كل الفصائل ، وتوحدها على أساس الوحدة الوطنية والحقوق المشروعة للجميع دون إقصاء لطائفة ، أو عرق ، أو فكر .
فأرى من الفريضة الواجبة أن يسعى جميع المخلصين من الحكومات ، والساسة والمسؤولين والعلماء والحكماء خارج سوريا وداخلها لتجميع المعارضة في الداخل والخارج ، ولتوحيد فصائل المقاومة والجهاد في إطار الجيش السوري الحر توحيداً حقيقياً بحيث تخضع جميع فصائل المقاومة لإدارة واحدة وقيادة موحدة حتى ولو كانت قيادة جماعية ، وإذا لم تفعل ذلك فستكون فتن القتال الداخلي والحرب الأهلية على الأبواب - لا سمح الله - فأناشد الجميع بالسعي لتحقيق هذا الهدف قبل فوات الأوان. والله المستعان.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4617
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3507
| 29 سبتمبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
1683
| 05 أكتوبر 2025