رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بقينا لعدة أيام نتابع أخبار اليمن، محاولين جهدنا معرفة تفاصيل سقوط صنعاء ومدى صدقها، لم يسعفنا أصدقاؤنا وزملاؤنا اليمنيون، فهم مثلنا.. حجب ضباب تنوع المصادر وتضاربها رؤيتهم، حتى بثت وكالات الأنباء أخبار دخول الحوثي إلى صنعاء دون الحديث عن بعض المذابح التي ارتكبتها قواته في بعض المناطق وبدون ذكر المنازل التي دمرت أو أحرقت أو نهبت، والتي يملكها علماء ووجهاء وناشطون يمنيون، حتى شعرنا بأن العالم كله يتآمر على صنعاء بمن فيهم مراسلو وكالات الأنباء.
أول صورة خرجت للعالم بعد ذلك، كانت للرئيس عبدربه في حال توتر واضح على وجهه، محاولا أن يسابق الحوثي الذي كان يمشي بخطوات سريعة إلى الطاولة التي عليها أوراق الاتفاق، تساءلت حينها، من الذي صاغ الاتفاقية؟ ومتى؟ وكيف قرأها كل هؤلاء؟ أليس هذا غريبا؟ تكتب اتفاقية ويتم التوقيع عليها في غضون ساعات فقط؟ أي قدرة خارج إمكانات البشر هذه؟!!
تسقط عاصمة عربية موغلة في التاريخ ومشاركة في صناعة أحداث المنطقة ثم لا يحدث شيء!! ولا يشجب أحد!! نجابه بشلل تام في السنة الزعماء وطابعات وكالات الأنباء!! وحتى الأسلحة التي يحملها اليمنيون أينما حلوا وارتحلوا تصمت فجأة!! ماالذي حدث أو يحدث؟
الحقيقة التي علينا تقبلها أن الحوثي هو الحاكم الفعلي لليمن الآن، وكل تلك الأوراق التي وقع عليها الموقعون في القصر الرئاسي لا تعدو أن تكون مسرحية تافهة بطلها عبدربه منصور هادي الذي سقطت العاصمة في عهده في يد مجموعة من المسلحين الطائفيين من دون أن يحاول حتى المقاومة، هذا إن أحسنا الظن.
كنت في صنعاء عام 2006 عندما قرر علي عبدالله صالح أن يمثل دور الديمقراطي، فنافسه الرجل الأكثر نزاهة في السياسة اليمنية في تلك الفترة، المهندس فيصل بن شملان كمرشح عن أحزاب اللقاء المشترك، تحت شعار: رئيس من أجل اليمن، لا يمن من أجل الرئيس.
قررت أن أزور السيد فيصل في منزله في صنعاء، استقبلني شخص على الباب وقادني إلى مجلس متواضع الفرش، جلست هناك بانتظار صاحب المنزل الذي جاء مبتسما ابتسامة هادئة ربما تنم عن قليل من التوتر، فلم يعرف عن السيد فيصل كثرة الظهور الإعلامي.
كان اللقاء قصيرا، حاولت خلاله معرفة مدى قناعته بالعملية الديمقراطية في اليمن، وهل يعتقد فعلا أن هناك تحولا ديمقراطيا، لم تكن إجابات الرجل واضحة كما اتذكر، حاول أن يكون دبلوماسيا في ردوده، ولكنه جلس بقربي محنيا ظهره باتجاهي حتى اقتربنا من بعض أكثر مما يفعل صحفي وضيف في مثل هذه الظروف، ولكني خرجت بانطباع أن السيد فيصل كان واضح الهدف، بعيدا عن المظاهر، يحارب في معركة يفتقد إلى السلاح المناسب لخوضها، لا يملك الكثير من الإمكانات، فمجلسه ولباسه وحجم إعلاناته مقارنة بالرئيس كان لا شيء، لست أعرف ما الذي كان يفكر به حينها، ولكني خرجت بقناعة أن الرجل يحارب في معركة خاسرة بكل المقاييس.
فعلا خسر السيد فيصل بن شملان، الذي كان يشهد له الجميع بنظافة اليد وحسن الخلق وصدق المنطق، تابعت أخبار الرجل من بعيد، فقد اختفى بعد تلك الانتخابات وقيل لي إنه أصيب بمرض ألزمه البيت، نسيت الرجل حتى سمعت عن خبر وفاته في بداية 2010 في منزله في عدن بعد مرض ألم به.
بعد خروجي من منزل السيد فيصل ذهبت إلى المركز الرئيسي للتجمع اليمني للإصلاح في العاصمة صنعاء، وبعد أن عرفت بنفسي قادني أحدهم إلى غرفة كبيرة بها قيادات التجمع الذين استقبلوني بترحاب واضح، فسألتهم أن كان لأحد منهم الرغبة في الحديث عن الانتخابات ثم أكملت مازحا: أنا أعرف أن الرئيس صالح قد أغلق عليكم كل وسائل الإعلام، فإن كان لأحدكم رغبة في الحديث فأنا جاهز.
لم يتحدث أحد، اختفت الابتسامات وشعرت بتوتر الجو، فاستأذنت مغادرا.
وفي تلك الليلة اتصل بي زميل صحفي طالبا مني مرافقته إلى مجلس شيخ قبلي موال للرئيس لتمضية السهرة، وافقت لسبب واحد هو أن طائرتي كانت في وقت مبكر غدا صباحا، والسهر في منزل الشيخ سيجعل الليل الذي لن أنام خلاله أقصر قليلا، دخلت منزل الشيخ وسلمت عليه، فقال: لقد شاهدتك في مركز التجمع اليمني للإصلاح اليوم، فقلت في نفسي، الآن عرفت لماذا تهرب الجميع من الحديث معي، لقد كان الرجل من المقربين جدا من الرئيس حتى أنه أمضى الليل يحدثنا عن روعة الرئيس وحسن خلقه وطيبة قلبه ووجوب بقائه رئيسا لليمن حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
عدت إلى الدوحة، وكتبت مقالا قلت فيه إن اليمن مثل السجادة التي قد يغرك نقشها وجمالها وحسن تصميمها، ولكن عليك أن تقلبها وتعد عقدها حتى تتعرف عليها، فظاهرها غير باطنها.
هناك الآن بوادر حرب أهلية قادمة ولن ينفع أعضاء التجمع اليمني للإصلاح حرصهم على عدم مواجهة الحوثي، قد تكون هذه مناورة ناجحة من قبلهم في هذه المرحلة الحساسة فقط، ولكنها مناورة لن تدوم، فالحوثي جاء ليحكم، ليعيد تركيب اليمن ويغير ثقافتها وسياستها ودورها، وحتى يقوم بذلك عليه أن يقتل ويسفك الكثير من الدماء، فعقليته ليست سياسية، هي عقلية طائفية مستنسخة من حسن نصر الله، ولكنها تفتقد إلى مرونته ومكره وحساباته وخبرته، أما هذا فهو أحمق قد أعمته القوة وشل تفكيره النصر السريع الذي حققه.
سنجد القليل من أمثال فيصل بن شملان الذين يخوضون معارك خاسرة بما لديهم من إمكانات، وسنجد الكثيرين ممن يجيدون اللعب على حبال السياسة من أمثال الشيخ المقرب من الرئيس السابق والذين قد يجدون في الحوثي صورة أخرى للرئيس السابق، لا تهم الصورة إن كان الولاء يتلون.
صمت الكثيرون عن أحداث اليمن وتآمر الكثيرون أيضاً عليه، ولكن أحداث اليمن لن تصمت عنهم، فقد يشمون عرق الحوثي قريبا.
أثناء تصفحي لمواقع التواصل الاجتماعي استوقفني أحدهم ممن يصفونهم بالمنجمين والذين يدّعون العلم بالمستقبل ولا يعلم بالغيب سوى... اقرأ المزيد
147
| 05 أكتوبر 2025
يقول الاسكندر الأكبر: أنا مدين لمعلمي لأنه قدم لي حياة جديدة. يحتفل العالم أجمع بيوم المعلم الذي ينظم... اقرأ المزيد
147
| 05 أكتوبر 2025
ضغوط عالمية وداخلية شعبية لوقف الحرب وانهاء الابادة، تسارع مكوكي لا يوصف في مفاوضات الصلح بين حماس واسرائيل... اقرأ المزيد
96
| 05 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4587
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3399
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون أعمق، لكن الوجدان لا يتحمل كل هذه الأوجاع. في الوقت الذي نقف في قلب الحسرة ونحن نطالع ذلك الجرح النازف في غزة دون أن نستطيع إيقاف نزفه، يتملكنا الشعور أحيانًا بأنها المأساة الوحيدة في أمتنا وذلك من فرط هولها وشدتها، ويسقط منا سهوًا الالتفات إلى مصائبها الأخرى، تأتي أزمة السودان في صدارة هذه المآسي. أوجاع السودان كثيرة ومتعددة، كلها بحاجة لأن تكون حاضرة دائما في الوجدان العربي الإسلامي، لكن أولاها في الوقت الراهن مأساة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024 لحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع للضغط على الجيش الوطني السوداني. سكان مدينة الفاشر يفتك بهم الجوع والقصف المدفعي اليومي الذي يحول دون دخول المساعدات الإنسانية، في ظل ضعف التعاطي العربي مع القضية وتجاهل دولي تام لهذه المأساة، على الرغم من أنها تقترب من الإدراج في صفحات الإبادة الجماعية. قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تحاصر الفاشر، تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، لذا تقصف بوحشية مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخامسة (شمال دارفور)، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الإقليم وتعادل حوالي 12 بالمائة من مساحة السودان، وذلك بهدف إتمام السيطرة على الإقليم بأسره. إضافة إلى الوضع الكارثي للمدنيين في الفاشر بسبب الحصار والقصف الهمجي، ينذر سقوط الفاشر ووقوعها بقبضة ميلشيات الدعم السريع، بكارثة عظمى للسودان بشكل عام. الفاشر ليست مدينة عادية في أهميتها، فهي مفتاح السيطرة على مساحات إستراتيجية واسعة تصل إلى حدود تشاد وليبيا، وهي كذلك تقع على الطرق المؤدية بين شرق وغرب السودان، بما يعني أن سيطرة قوات الدعم عليها سيحول دون قيام دولة مركزية، وفرض واقع عسكري يتحكم في جغرافيا المنطقة، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستؤمن لقوات الدعم ممرات تهريب الأسلحة. سيطرة قوات حميدتي على الفاشر يؤمن لها كذلك خطوط الإمداد ويقوي شوكتها ويجعل الولاية مركزا لمهاجمة الولايات الأخرى والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. لذا نستطيع الجزم، بأن الفاشر هي آخر الخطوط الفاصلة بين سودان موحد وسودان مجزأ، ولن يكون مجرد سقوط مدينة، بل انهيار وحدة الدولة السودانية، والذي سيتحول إلى شمال مركزي تحت سيطرة الجيش، وغرب تحت سلطة الميلشيات، وشرق تتجاذبه الانقسامات والنزعات القبلية، وجنوب منهك مهمش. إذا سقطت الفاشر، فإن الخطورة ستتجاوز حينئذ القتال بين الجيش وميليشيات الدعم، فمن أخطر تداعيات سقوط الفاشر – لا قدر الله - انفجار الصراع الإثني في السودان الذي يكتظ بالتنوع الإثني والقبائل المسلحة مختلفة الولاءات، لأن هذا البلد يرقد على بركان تسليح الهوية، وفي هذه الحال سيمتد الصراع الإثني بلا شك إلى الدول المجاورة. الدول العربية، والدول المحيطة بالسودان وعلى رأسها مصر، منوطة بالعمل الفوري الجاد على منع سقوط الفاشر والذي يعني تفتيت وحدة السودان وما له من تداعيات على الجوار، وذلك عبر مسارين، الأول هو كسر هذا الحصار على المدينة وإدخال المساعدات، والثاني تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني المنهك لفرض سيطرته التامة على ولاية شمال دارفور ومنع سقوطها في أيدي حميدتي، والضغط كذلك على الدول والجهات التي تدعم ميلشيات الدعم السريع المتمردة. وعلى المستوى الشعبي، يتعين على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وضع مأساة الفاشر والملف السوداني بشكل عام في بؤرة الاهتمام، وتسليط الضوء على الأحوال الكارثية التي يعانيها أهل المدينة، وأهميتها الإستراتيجية وخطورة سقوطها في أيدي قوات الدعم على وحدة السودان، لتكوين رأي عام عربي ضاغط على الأنظمة والحكومات العربية لسرعة التدخل، إضافة إلى لفت أنظار الشعوب الغربية إلى هذه المأساة لإحراج حكوماتها والعمل على التدخل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية.
1362
| 28 سبتمبر 2025