رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إصرار إسرائيل على اجتياح رفح.. الأهداف والسيناريوهات

خلال الأيام العشرة الأخيرة، تصدرت مسألة إصرار إسرائيل على اجتياح مدينة رفح في قطاع غزة، المشهد الإعلامي والسياسي الدولي، نظراً للتداعيات الخطيرة المرتقبة لهذا الاجتياح، لاسيما على مستوى العلاقات بين مصر وإسرائيل. قال نتنياهو ومعه أعضاء بارزون في حكومته، إن الانتصار في الحرب وتحقيق أهدافها يتوقف على هذا الاجتياح. وقال آخر في حكومته إن منع إسرائيل من اجتياح هو بمثابة القضاء على إسرائيل. وهو ما يشير عن جدية بالغة من إسرائيل لتنفيذ الاجتياح، رغم التداعيات الخطيرة. تتضارب الاجتهادات حول أهداف إسرائيل من الغزو، لكننا نرجح ثلاثة أهداف تبدو أكثر واقعية، أولها، إحكام السيطرة التامة على القطاع أو محاصرة بالكامل داخليا وخارجيا لاسيما بعد السيطرة على محور فيلادلفيا. والثاني، إيهام الرأي العام الإسرائيلي بتحقيق أهداف جوهرية في الحرب بعد الفشل الذريع في تحقيق أية من الأهداف المستحيلة التي حددتها إسرائيل منذ طوفان الأقصى خاصة هدف القضاء على حماس وتحرير جميع الرهائن. إذ تدور السردية الإسرائيلية في هذا الصدد حتى على لسان نتنياهو أن القضاء على حماس والأنفاق وتحرير الرهائن مرهون باجتياح رفح. والثالث وهو يعد صلب الإشكالية الكبرى الضغط على نازحي القطاع المتمركزين في الجنوب للفرار على الحدود المصرية وتقدر أعدادهم بنحو المليون ونصف المليون. هل تستطيع إسرائيل تنفيذ الاجتياح بالفعل؟ في الواقع يبدو الأمر في غاية التعقيد ومسار لتكهنات وضغوط عدة. إذ في ضوء مبررات وأهداف إسرائيل السابقة، يبدو أنها عازمة بشكل قوى على الاجتياح، لاسيما وأن هذا الاجتياح يبدو في نظر حكومة إسرائيل الحالية طوق النجاة من الإقالة ثم المحاكمات. لكن في الوقت عينه، ثمة عواقب وتحديات شديدة الجسامة جراء هذا الاجتياح، تعلمها إسرائيل جيداً. العقبة الرئيسية التي تواجه إسرائيل هي تأثير الاجتياح على علاقاتها مع مصر، وخطورة الاجتياح تنبع من أمرين، أولا يعد انتهاكا واضحا لمعاهدة «كامب ديفيد» لأنه سيمتد إلى الشريط الحدودي ومحور فيلادلفيا وهى المنطقة العازلة منزوعة السلاح بين إسرائيل ومصر بحسب المعاهدة. وثانيا، سيؤدى الضرب المكثف في رفح إلى دفع سكان القطاع على المعابر المصرية للدخول إلى سيناء. لذا، هددت مصر صراحة بتعليق العمل باتفاقية كامب ديفيد إذا نفذ الاجتياح. فضلا عن ذلك، قد يدفع الاجتياح إلى فتح جبهات مواجهة مع إسرائيل من قبل حركات المقاومة، وربما تمتد إلى حرب إقليمية، نظراً لمستوى الضحايا الجسيم المرتقب جراء هذا الاجتياح. وإزاء ما سبق، تتبلور ثلاثة سيناريوهات- مرجحين بشكل متساوٍ - لا رابع لهم، بشأن الاجتياح: الأول- تنفيذ الاجتياح، رغم تداعياته الخطيرة والتي قد تصل إلى مواجهة عسكرية مع مصر. إلا أن سلوك وتصرفات حكومة إسرائيل منذ السابع من أكتوبر التي يغلب عليها الانتقام والعشوائية، قد يرجح تنفيذ الاجتياح. الثاني- تأجيل الاجتياح إلى أجل غير مسمى، وليس إسقاطه تماما. والاكتفاء بتكثيف الضرب في الجنوب حتى خان يؤنس ودير البلح، على أمل ممارسة المزيد من الضغوط على حماس للإفراج على الرهائن بدعم وضغط خارجي، وإخراج قيادة حماس من القطاع. والثالث-وهو المرجح نسبياً، التخلي تماما عن فكرة الاجتياح بسبب العقبة المصرية المانعة. وهنا يجب أن نضع في الاعتبار أن الولايات المتحدة لديها عقيدة ثابتة وهى منع أية حرب بين حليفين بشتى الطرق. فضلا عن ذلك، يدرك عقلاء إسرائيل وهم قلة محدودة أن إسرائيل لن تقوى على فتح جبهة توتر مع مصر الآن. ولعل ما قد يرجح هذا السيناريو أيضا الجهود الجبارة التي تقودها أطراف إقليمية على رأسها قطر لإثناء إسرائيل عن خطوة الاجتياح.

1143

| 22 فبراير 2024

تأثير السياسة الخارجية على الانتخابات الأمريكية

حينما غزت الولايات المتحدة العراق في 2003، أظهر استطلاع رأى أمريكي موسع أن 30 % من الأمريكيين لا يعرفون أين تقع العراق في العالم؛ في حين أن بلادهم تخوض واحدة من أكبر الحروب ساهمت مساهمة رئيسية في تراجع القوى الأمريكية. منذ التخلي عن عزلتها رسمياً بعد الحرب العالمية الثانية، والرأي العام الأمريكي لا يكترث بالسياسة الخارجية لبلاده، هكذا كانت دائما تلعب السياسة الخارجية دوراً ثانوياً للغاية في التأثير على استحقاقات الانتخابات الرئاسية، وانتخابات الكونجرس. ويعزو ذلك، لعوامل تاريخية واجتماعية مرتبطة بنشأة الولايات المتحدة. وبصدد الانتخابات الأمريكية لاسيما الانتخابات الرئاسية، كان ولا يزال محددان رئيسيان فقط هما اللذان يلعبان الدور الحاسم في قرار الناخب الأمريكي للتصويت لمرشح معين، وهما: المحدد الاقتصادي وهو المحدد الرئيسي الفيصلي. فمهما حقق المرشح للاستحقاق الانتخابي الرئاسي من إنجازات على مستوى السياسة الخارجية، لكن لا تقابلها نفس الإنجازات على المستوى الاقتصادي، ففي الغالب لن يصل أو يستمر في البيت الأبيض. ولنا مثال في انتخابات كلينتون وبوش الأب، حيث انتصر الأول عبر برنامج اقتصادي قوى على الثاني بالرغم من انتصاره في حرب العراق عام 1990 وتدشين عصر الأحادية الأمريكية على العالم. والمحدد الثاني هو شخصية أو كاريزمية المرشح، يأتي تأثيره بالقطع بعد المحدد الاقتصادي، لكنه محدد في غاية الأهمية. ولنا عبرة في ريجان وكلينتون وأوباما وترامب، حيث ساهمت شخصياتهم الساحرة مساهمة قوية في وصولهم للبيت الأبيض. وإن كان محدد السياسة الخارجية لا يزال ليس مؤثرا بالدرجة الكافية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بما في ذلك القادمة في نوفمبر 2024. إلا أن دوره قد بدأ يأخذ حيزا من التأثير أخذ في الزيادة، منذ انتخابات 2009 بين أوباما وماكين. ويعزو ذلك لسبيين رئيسيين، الأول- تراجع قوة الولايات المتحدة وبروز متغيرات العامل الخارجي كمحددات حاسمة على مستقبل الهيمنة الأمريكية، وقوة الاقتصاد الأمريكي على وجه التحديد. فتراجع القوة الاقتصادية للولايات المتحدة، وتقويض دولة الرفاهة أو الحلم الأمريكي؛ كان حتما سيثير اهتمام الرأي العام الأمريكي بدرجة أعلى بالسياسة الخارجية خاصة مع ربط واشنطن القوى هذا التراجع ببروز قوى معادية منافسة خاصة الصين وروسيا. لذا، قد بدأننا نشهد بروز الصين على وجه التحديد بشكل لافت للغاية في برامج ومناظرات المرشحين من الحزبين. إذ أصبح التنافس بين المرشحين حول كيفية التصدي للتهديد الصيني من العوامل القوية للفوز. فأثناء حملته الانتخابية، وصف بايدن الصين بقوى المراجعة التي تشكل تهديد اخطيرا للنظام الليبرالي العالمي. والسبب الثاني، يكمن في التغير الواسع في التركيبة الاجتماعية للولايات المتحدة، وذلك من حيث تنام كبير للأقليات والمهاجرين خاصة من العرب والمسلمين، كما أن تأثيرهم التصويتي قد أصبح حاسما في بعض الولايات. وتلك الأقليات والمهاجرون معنيون بصورة كبيرة ببعض قضايا السياسة الخارجية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والهجرة. إن تأثير السياسة الخارجية، قد بدأ يأخذ من الآن حيزا مؤثراً على الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويأتي على رأس الاهتمام الحرب في غزة، فيكفى القول، إن جميع استطلاعات الرأي الأمريكية قد أشارت إلى تراجع حاد في شعبية بايدن بسبب دعمه للحرب في غزة، وفشله في إنهاء الحرب الأوكرانية. وقد أشارت أيضا إلى تخوف الأمريكيين من وصول ترامب للبيت الأبيض على خلفية سياساته الخارجية المتهورة ودعمه المطلق لإسرائيل.

1299

| 13 فبراير 2024

تغيرات في حرب إسرائيل على غزة

المتابع عن كثب لحجم وكثافة الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة في شهر يناير خاصة آخر أسبوعين منه، مقارنة بالشهور الثلاثة السابقة له؛ سيلاحظ بعضا من التغير المحدود. حيث خفضت إسرائيل ضرباتها الجوية في غزة نوعا ما، كذلك قد أجرت بعض التغيرات المحدودة أيضا على تكتيكاتها القتالية في سياق حربها البرية مع قدر ما محدود أيضا في حجم التحركات والمناورات التي تستهدف عناصر حركة حماس. ونظن أن هذا التغيير هو مقدمة لتحول أكبر لعمليات إسرائيل في غزة- نحو التخفيف بالطبع- كذلك، على صعيد عمليات ومناوشات إسرائيل مع حزب الله وفى سوريا. مدفوعاً بجملة من الوقائع والضغوط الشديدة الوطأة. راهن معظم الخبراء السياسيين والعسكريين بالصعوبة البالغة التي ستواجه إسرائيل في تحقيق أهدافها الرئيسية المعلن بعضها في غزة، وعلى رأسها إسقاط حكم حماس في غزة، واستعادة الرهائن بالقوة والضغط دون صفقة. ومن الغريب أن حلفاء إسرائيل ومن بينهم أمريكا قد أوحوا أيضا بصعوبة تحقيق هذه الأهداف. وتدخل الحرب الإسرائيلية على القطاع شهرها الرابع دون تحقيق إسرائيل أيا من تلك الأهداف. بل ما جنته إسرائيل حتى الآن جملة من الخسائر الفادحة وعلى رأسها انقلاب الرأي العام العالمي، وبعض من داعميها التقليديين لاسيما على المستوى الأوروبي ضدها، جراء عمليات قتل المدنيين الوحشية التي راح ضحيتها قرابة 26 ألف مدني. هذا فضلا عن حدوث بعض الشرخ في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو الأخطر على إسرائيل. وعليه، فمن البديهي في ضوء ذلك الفشل الذريع، أن تحدث إسرائيل بعضا من التحول في عملياتها في غزة، والذي قد يسير باتجاه تكثيف العنف بصورة جنونية. لكن يتبدى لنا بأنه يسير باتجاه التخفيف النوعي، واحتمالية عدم العودة لمستوى القصف الوحشي السابق. ويمكن القول، إن فشل إسرائيل الذريع في تحقيق أهدافها في غزة، يمثل عنصر الضغط الرئيسي شديد الوطأة لهذا التحول. فإذا كان هناك بعض الضغوط الأخرى-التي سيأتي ذكرها- دافعة نسبياً لهذا التحول. إلا أن إسرائيل لا تعبأ بها بصورة كبيرة، مقارنة بضغط الفشل الذريع. يتراءى لنا أن قيادة إسرائيل بعد أربعة شهور متواصلة من الهجمات الوحشية في غزة، قد تيقنت أنه لا مفر من تخفيف هذه الهجمات، واتباع نهج جديد على الأرجح سيقوم على الانتقائية؛ أي شن عمليات محدودة مركزة جوية وبرية تستهدف قيادات ومراكز حماس، وتتفادى قتل المزيد من المدنيين. شنت إسرائيل هجمات إبادة عشوائية على غزة منذ طوفان الأقصى، كصورة من صور الانتقام الأعمى العشوائي، وامتصاص غضب الرأي العام الإسرائيلي الناقم على حكومته، والضغط على حماس للإفراج على الرهان المحتجزين، وتخويف حركات المقاومة المسلحة وخاصة حزب الله من مغبة تكرار طوفان الأقصى على الجبهة الجنوبية. ومحصلة ذلك بعد أربعة شهور، هو الفشل الذريع، وتشويه سمعة إسرائيل، ولعل الأهم هو تزايد ضغط وسخط الرأي العام الإسرائيلي من فشل الحكومة في تحرير الرهان، والضغط على حماس. فالرأي العام الإسرائيلي-وفقا للعديد من استطلاعات الرأي- داعم بشدة لاستمرار هذه الحرب لاسيما حتى القضاء على حكم حماس في القطاع. لكنه ساخط بشدة من إدارة حكومته لهذه الحرب. ويتبدى لنا أن قطاعا لا يستهان به من الرأي العام الإسرائيلي، بدأ يدرك أن تحقيق أهداف إسرائيل في غزة باتت أمراً مستحيلاً، كذلك بدأ يدرك أن سياسة التخويف الوحشية التي تمارسها حكومته، سياسة فاشلة بامتياز في ردع حركات المقاومة المسلحة عن تهديد أمن إسرائيل. وبالتالي، تأخذ حكومة نتنياهو في حسبانها احتمالية تنامي ضغط عام داخلي يرمي إلى إنهاء الحرب تماما وإتمام صفقة تبادل مع حماس، لاسيما في ضوء نزيف الخسائر الاقتصادية والمعنوية لإسرائيل. ولعل ذلك أخطر ما تخشاه حكومة إسرائيل، لأنه سيكون بمثابة هزيمة ساحقة وتهديد مزمن لوجود إسرائيل ذاته. ومن ثم، يبدو لإسرائيل أنه لا مفر من تعديل النهج بنهج أكثر انتقائية يضمن استمرار الضغط على حماس، وتهدئة الرأي العام الداخلي، وتخفيف الضغوط الخارجية. ويمثل العامل الأمريكي أحد الضغوط الدافعة لهذا التحول. فرغم تأييد واشنطن الطبيعي للحرب على غزة منذ طوفان الأقصى. إلا أن حدة هذا التأييد قد شهدت بعضا من التراجع، كما تخلله بعض من الضغوط بشأن نهج وإدارة العمليات في غزة، ومستقبلها. يتبدى من الموقف الأمريكي تجاه غزة، لاسيما خلال الشهر الأخير، أن واشنطن بفضل وطأة ضغوط شديدة، تسعى إلى المحافظة على توازن يراعي مخاوف وأمن وضغوط إسرائيل، وفي الوقت عينه يحول دون اتساع نطاق الحرب إلى حرب إقليمية شاملة، كذلك تحويل القطاع إلى أكبر مقبرة بشرية جماعية في التاريخ. لهذا السبب، شهدت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية توترا كبيرا ربما غير مسبوق، بسبب العناد الإسرائيلي على التصعيد في غزة دون تحقيق الأهداف المرجوة. وبالتالي، فعلى الأرجح قد ارتأت حكومة إسرائيل أن تعديل النهج لاسيما النهج الانتقائي سيرضي واشنطن، التي لا تمانع من استمرار العمليات ضد حماس مراعاة لهواجس إسرائيل بشان وجودها، دون الحاجة إلى استمرار تصعيد وحشي سيفضي إلى قتل المزيد من المدنيين وجر إسرائيل إلى حرب إقليمية مفتوحة الجبهات. ويتمثل العامل الأخير الدافع لهذا التحول هو الدعوة التي أقامتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بشأن جرائم الإبادة في غزة. والتي أصدرت فيها المحكمة حكماً تاريخيا ضد إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة في غزة، وفرض تدابير على حكومة إسرائيل لمنع إبادة جماعية في غزة. ويعرف القاسي والداني أن المحاكمة يغلب عليها الطابع الرمزي إلى حد كبير، وأن قرارات المحكمة لم تنفذ حيث يتطلب تنفيذها موافقة مجلس الأمن الذي سيعرقل التنفيذ بالقطع عبر الفيتو الأمريكي-الإنجليزي. ومع ذلك، مثلت قرارات المحكمة صفقة قوية لإسرائيل، وإدانة عالمية واضحة العيان حيث صدر القرار بأغلبية، ستشكل بلا أدنى شك ضغطا قويا على إسرائيل لتعديل نهجها في غزة من الآن فصاعداً.

807

| 30 يناير 2024

حدود التركيز الأمريكي في المنطقة بعد طوفان الأقصى

بالرغم من التراجع الواسع لأهمية المنطقة الاستراتيجية للولايات المتحدة منذ ولاية إدارة أوباما. ومع ذلك، ظلت المنطقة-وستظل- معضلة عويصة لواشنطن. وذلك من حيث حدود التركيز الشامل اللازم فيها، وأيضا بشأن التعاطي مع أخطر القضايا التي تعنى واشنطن فيها وعلى رأسها أمن إسرائيل، وتحجيم إيران، ومحاربة الإرهاب، والمحافظة على ثقة الحلفاء التقليديين في المنطقة وأهمهم دول الخليج ومصر والأردن. بدأ الجدل المحتدم داخل دوائر صنع القرار في واشنطن، وبين أبرز الكتاب الأمريكيين، حول الأهمية الاستراتيجية للمنطقة لواشنطن؛ بدأ مبكراً جداً في نهاية ولاية «بوش الابن»، والتي تبين فيها أن واشنطن بصدد تحول جذري في استراتيجيتها تجاه العالم والمنطقة.وبشأن المنطقة، ارتأى الكثير داخل دوائر صنع القرار ومعهم كتاب بارزون مؤثرون في صنع القرار الأمريكي، أن عزم واشنطن تحويل تركيزها التام نحو آسيا، وتهميش المنطقة بصورة شبه تامة، ينطوي على خطورة شديدة للغاية. إذ لاتزال المنطقة تمثل أهمية استراتيجية بالغة من حيث مكافحة الإرهاب، والاستراتيجية البحرية العالمية لواشنطن. وبعض من هؤلاء قد نبه إلى استغلال خصوم واشنطن وبالأخص روسيا والصين وإيران هذا الفراغ لملئه. وتحت وطأة التهديد الصيني الخطير، وتراجع قوة الاقتصاد الأمريكي؛ انتصر التيار المؤيد بحتمية تقليص واشنطن اهتمامها بالمنطقة، والذي يرى أيضا أن المنطقة قد أمست «عبئا» ثقيلا للغاية يجب التخلص منه. وقد تجسد ذلك في سياسات الإدارة الأمريكية في المنطقة منذ ولاية أوباما التي رمت إلى المحافظة على حضور عسكري قوى «لكن دون فعالية»، والتركيز على ملفات ضيقة على رأسها أمن إسرائيل بالقطع، وتأمينه قد يقتضي إبرام صفقة تسوية مع إيران. عد بايدن من أكثر المتحمسين لتقليص التركيز الأمريكي في المنطقة، حيث كان واضحا للغاية بشان ذلك، أثناء ما كان نائبا لأوباما، وأثناء حملته الانتخابية التي كرر فيها أكثر من مرة عبارة «إنهاء الحروب الأبدية لواشنطن في المنطقة». وقد تبدى ذلك من قرار الانسحاب السريع المتخبط من أفغانستان فور توليه الرئاسة، وسحب بعض الأصول العسكرية من منطقة الخليج وإعادة توجيهها إلى الباسفيك. أعادت الحرب الأوكرانية الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بقوة إلى المدرك الاستراتيجي الأمريكي. حيث تبين لواشنطن الأهمية البالغة للمنطقة في حسابات واستراتيجيات واشنطن العالمية. وعلى نحو آخر، قد تيقنت أن الأحداث والتحولات الرئيسية في المنطقة لها ارتدادات خطيرة على واشنطن. لذا، سرعان ما قصد بايدن السعودية بعد الحرب في زيارة وصفت بالتاريخية، للتنسيق في شأن أسعار النفط، وتقوية جبهة التحالف التقليدية ضد محور روسيا-الصين. وبالنسبة لبايدن تحديدا، فقد تكشف له في إطار سياسات التحالفات التي ينتهجها لمقاومة الصين، مدى أهمية تعزيز التحالف مع حلفائه في المنطقة لاسيما في إطار تنامي النفوذ الصيني في المنطقة. لذا، قد شدد في خطابه في السعودية على مسألة بقاء واشنطن في المنطقة وعدم ذهابها إلى أي مكان آخر على حد تعبير بايدن. وعلى أثر ذلك، بدأت إدارة بايدن في تعزيز تركيزها في المنطقة بقدر ما. حيث تكشف عن وجود خطط أمريكية لإعادة هندسة المنطقة، بما يضمن تعزيز مصالح واشنطن دون انغماس واسع في المنطقة. إذ بدأ الحديث عن مخطط واسع للتطبيع مع إسرائيل، كما تم الإعلان عن الممر الاقتصادي الجديد الذي يربط بين الخليج والهند وأوروبا والرامي إلى تقويض مبادرة «الحزام والطريق الصينية».ومثل طوفان الأقصى، الحدث الفيصلي الحاسم لواشنطن بشان حدود وأفق التركيز الأمريكي في المنطقة، لأنه مس أخطر وأهم ملف لواشنطن في المنطقة وهو «وجود إسرائيل ذاته». والأخطر بالنسبة لطوفان الأقصى بالنسبة لواشنطن-كما يرى العديد من المتخصصين المرموقين- أنه قد دمر خطط بايدن بالكامل لإعادة هندسة المنطقة التي عكف على بنائها منذ الحرب الأوكرانية. لذا، عادت بقوة المنطقة كمعضلة عويصة لواشنطن، وذلك من حيث حتمية اتخاذ قرار حاسم بشأن التركيز كما كان في السابق لاسيما التركيز العسكري. فناهيك عن أن وجود إسرائيل ذاته بات محل تهديد خطير بعدما تعرى تماما ضعف الردع الاستراتيجي لإسرائيل؛ فإن احتمالات حرب إقليمية واسعة بين إيران وإسرائيل، باتت قاب قوسين أو أدنى، خاصة في ظل حكومة إسرائيلية يمينية. ويمكن تلامس هذه المعضلة من مسيرة التعاطي الأمريكي مع حرب غزة؛ إذ ما لبث أن هزمت إسرائيل عبر طوفان الأقصى، أرسلت واشنطن أكبر حاملة طائرات لمساندة إسرائيل، وردع خصومها، وعلى الأرجح لعرقلة حرب إقليمية شاملة. لكن سرعان ما شهد الموقف الأمريكي بعض التطورات التي تشي بعدم الرغبة المطلقة في التصعيد، ومنها الدفع بمسالة حل الدولتين. ملخص البيان، على الرغم من ان المنطقة كانت وستظل معضلة لواشنطن تفاقمت بشدة بعد طوفان الأقصى. إلا أنه من المستبعد تماما أن تدفع واشنطن إلى إعادة تركيزها في المنطقة إلى ما قبل 2009؛ وينطوي ذلك-رغم معارضة داخلية أمريكية قوية- على وجاهة واقعية. إذ من جانب لم تعد المنطقة تمثل أهمية حيوية استراتيجية كبيرة بسبب تراجع أهمية النفط، ومن جانب آخر هناك ما هو أخطر لاسيما التهديد الصيني الذي يستلزم تكثيف كافة الموارد والجهود لمواجهته. وعليه، ستحاول واشنطن موازنة هذه المعضلة، عبر إعادة اهتمامها نسبيا بالمنطقة، وتحميل الأعباء على حلفائها لاسيما العسكرية عبر تشكيل تحالف وشراكات أمنية كبيرة. والأهم، هو الضغط على إسرائيل إلى أقصى حد لمنع حرب إقليمية ستضرها إلى التدخل بشكل مباشر، والاستمرار لعقود في الانغماس في المنطقة. وأخيراً، إعادة تهيئة المنطقة لخطط واسعة لهندستها لاسيما التطبيع.

2532

| 23 يناير 2024

إلى أين يتجه النظام الدولي في 2024؟

مضى عام 2023 وترك وراءه استمرار حالة الصراع والتوتر الحاد على مستوى الصراعات الرئيسية في النظام الدولي، وعلى رأسها الصراع الأمريكي الصيني، والحرب في أوكرانيا، إلى جانب فتح بؤر صراع حادة جديدة، وأهمها الحرب في غزة، والصراع في السودان، والبحر الأحمر عبر هجمات الحوثيين. وعام 2023 لم يختلف كثيراً عن سابقيه، بل ربما يتزايد قليلا من حيث نطاق وقوة الصراعات، لكن الشاهد في الأمر أن حالة الصراع والتوتر قد باتت السمة الغالبة للنظام الدولي. وليس في هذا الأمر ما يستحق التعجب، فالصراع هو حالة مستدامة في النظام الدولي الواقعي الفوضوي- بحسب المدرسة الواقعية - لكن يعزو تطور وتزايد حدة الصراع في السنوات الأخيرة إلى أسباب متعددة، أهمها تزايد حدة المنافسة بين القوى الكبرى والصراع على القيادة الدولية والأدوار المركزية، وتراجع دور الولايات المتحدة في النظام الدولي الذي كان بمثابة شرطي النظام الدولي القادر على إخماد التوترات في مهدها خاصة التوترات في المنطقة. ويتبدى مما سبق- رغم أن تلك المقالة رؤية استشرافية للنظام الدولي لـ 2024- أن حالة الصراع والتوتر ستستمر لعام 2024 وما بعدها. لكن درجة وتطور تلك الصراعات هو ما سنحاول استشرافه بإيجاز في المقالة. الصراع الأمريكي الصيني هو ما يجب البدء في الحديث عنه، بل هو المرتكز الرئيسي الحاكم لمعظم الصراعات في النظام الدولي، ونمط هذا النظام ومستقبله. الصراع الأمريكي الصيني لن يتوقف فكلتا القوتين في حرب باردة ومنافسة شديدة على كافة المستويات، ولن يتوقف لأنه صراع على حسم قيادة العالم. لكنه في الوقت عينه لن يحسم بمواجهة عسكرية (ستكون الحرب العالمية الثالثة بحق) في القريب العاجل، لأن كلتا القوتين تسير المنافسة بعقلانية ورشادة شديدة وفقاً لمبدأ «التنافس الإستراتيجي» وهو مبدأ يقوم على مرتكزات كثيرة أهمها «رهان الوقت»، بمعنى تكسير عظام بطيء على المدى الطويل. وربما من السيناريوهات المتفائلة لعام 2024، والتي قد يعارضها الكثيرون، وهو تخفيض حدة التوتر بين القوتين. إذ على الرغم من أن بايدن قد انتهى 2023 بالتصديق على قانون الإنفاق العسكري الجديد الموَجَّه بالكامل ضد الصين بميزانية تناهز 800 مليار دولار. ومع ذلك، ثمة بوادر عدة على توافق القوتين على تقليص التوتر، ومن أهمها استئناف الاتصال العسكري، وزيارات «بلينكن» لبكين التي تشي برغبة أمريكية كبيرة في تخفيض التوتر. وقد يعزو ذلك إلى رغبة القوتين في التعاون لإنهاء الحرب الأوكرانية، ومواجهة قضية التغير المناخي، والحرب في غزة، وصراعات المنطقة عموماً. فضلا عن أن 2024 هو عام حاسم لبايدن بسبب انتخابات الرئاسة. إذن ستدفع تبعات 2023 وما قبلها القوتين إلى حتمية تخفيض مستوى الصراع إلى قدر المستطاع، والتعاون بنفس المستوى أيضاً. فقضية مثل التغير المناخي والتي وصلت إلى مستويات حرجة جدا من الخطورة، تحتم على القوتين التعاون بسبب الأضرار شديدة الوطأة عليهما. وتقليص مستوى الصراع بين القوتين، سيؤدى إلى تقليص موازٍ في آسيا، خاصة فيما يتعلق بالتجارب النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، التي اشتعلت كبؤرة توتر في جنوب شرق آسيا. كذلك، على مستوى الصراع بين الهند والصين، والأخيرة واليابان. وتعد الحرب الأوكرانية، أخطر بؤر الصراع في العالم. إذ لا تكمن الحرب في مطالب ومزاعم روسيا فيها، بل لها أبعاد تتجاوز ذلك بكثير. ولعل أهم تلك الأبعاد هو تداخلها في معادلة الصراع على تحديد النظام الدولي الجديد وأدوار القوى الدولية الكبرى فيه. والحرب الأوكرانية في 2024 تتجه إلى سيناريوهين رئيسيين: الأول استمرار حالة التوازن على مستوى جبهة الصراع بين الجيشين الروسي والأوكراني. والثاني محاولة إنهاء هذه الحرب بضغط أمريكي روسي. ويتبدى من مجريات الصراع ومواقف الأطراف المتورطة فيه، وخاصة الموقف الغربي بقيادة الولايات المتحدة؛ أرجحية السيناريو الثاني. فالمجموعة الغربية بقيادة واشنطن يبدو أنها قد سئمت من استمرار هذه الحرب، والأهم تشعر باستنزاف اقتصادي كبير جراء الدعم المستمر لأوكرانيا. ففي مشروع الإنفاق العسكري الجديد للولايات المتحدة، تم تقليص مساعدات مالية لأوكرانيا بفضل معارضة شديدة من الكونجرس. ولم يختلف الأمر كثيراً مع الأوروبيين الذين لم يخفوا نواياهم بتقليص الدعم لأوكرانيا. والوضع في المنطقة لاسيما على صعيد الحرب في غزة والصراع في السودان، فمن الصعب التكهن بمسارهما في 2024. فحرب إسرائيل الهوجاء على غزة، تعد بالنسبة لها صراع وجود. لكن رغم ذلك، فعلى الأرجح- بسبب الضغوط الأمريكية - توقف حدة هذه الحرب على القطاع، والأهم الحيلولة دون توسعها على جبهات قتال أخرى لاسيما مع حزب الله. لكنها لن تتوقف تماما، كذلك الصراع مع حزب الله اللبناني لن يتسع لينزلق لحرب شاملة، لكنه أيضا لن يتوقف. إذ تمارس الولايات المتحدة ضغوطا شديدة للغاية على إسرائيل لتوقف هذه الحرب بسبب تداعياتها الكارثية وصعوبة تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة (القضاء التام على حماس وتهجير أهالي القطاع). فاستمرار هذه الحرب يعني مزيداً من تورط واشنطن في المنطقة وهو ما ترفضه واشنطن بشكل قاطع. من جملة ما سبق، نستشرف أن عام 2024 سيكون عام تقليص حدة التوتر في النظام الدولي، وخاصة على مستوى الصراع المركزي الرئيسي الصيني - الأمريكي. لكن التوتر والصراع في 2024 لن يتوقف، وربما تطرأ بؤر صراع جديدة، لأن النظام الدولي انخرط في حالة توتر مزمن على خلفية تراجع قوة الولايات المتحدة، وتنامي الفوضى الدولية، وزيادة قوة القوى الدولية الساعية إلى ترتيب النظام الدولي وأدوارها فيه وفقاً لرؤيتها ومصالحها وقوتها.

1806

| 16 يناير 2024

حدود التصعيد بين حزب الله وإسرائيل

منذ اليوم الثاني لعملية طوفان الأقصى وعلى مدار شهرين تقريبا، نفذت منظمة حزب الله اللبنانية عمليات صاروخية متعددة ضد إسرائيل في أراضي جنوب لبنان المحتلة، وقد برر حزب الله العمليات بأنها تضامنا مع المقاومة المسلحة حماس وغزة. وفي مقابل ذلك، ردت إسرائيل على هذه الهجمات، باستهداف مواقع وعناصر للحزب في جنوب لبنان، لم تتجاوز مستوى رد الفعل. أي لم تتوسع إسرائيل في هذه العمليات بصورة انتقامية. فالمواجهة بين الجانبين قد مضت بصورة محسوبة مستقرة للحيلولة دون اتساع نطاق المواجهة إلى حرب شاملة على غرار عام 2006. وفي الأسبوعين الماضيين، توسع نطاق المواجهة نسبياً بين الجانبين عسكريا وإعلامياً، وبلغت ذروة تلك المواجهة عقب اغتيال الشيخ «صالح العاروري» في بيروت، مما دعا الشيخ «حسن نصر الله» إلى توجيه خطاب حاد إلى إسرائيل، محذراً فيه إسرائيل من مغبة القيام بعمليات اغتيالات أخرى في لبنان وضد قيادات المقاومة حماس، ومعلنا استعداد الحزب لخوض حرب مفتوحة مع إسرائيل. وبعد ساعات من خطاب الشيخ «حسن نصر الله» نفذت إسرائيل غارة جوية في جنوب لبنان قتل فيها «حسين يزبك» القائد البارز في الحزب وثلاثة من مرافقيه. مما أوحى بأن حربا شاملة على الجبهة اللبنانية على وشك الانطلاق. على الرغم من أن حربا شاملة على غرار 2006 بين الكيان الصهيوني وحزب الله، قد تندلع في أي لحظة، خاصة الآن في ظل التوتر المتصاعد بين الجانبين، وفي ظل أيضا حالة التخبط اللاعقلاني والانتقام العشوائي التي تعاني منها القيادة الإسرائيلية. ومع ذلك، فعلى الأرجح، فإن هذه المواجهة لن تكون في الوقت الراهن، وذلك على خلفية اعتبارات عدة. قد بدا واضحا للغاية في ضوء قواعد الاشتباك المدروسة بين الحزب وإسرائيل منذ طوفان الأقصى؛ أن المتحكم في زمام المواجهة تماماً أطراف خارجية، ونقصد تحديداً الولايات المتحدة وإيران. فكلا الطرفين- حتى وبدون اتفاق سري أو غير معلن - لا يريدان مطلقاً أن يتسع نطاق المواجهة بين الجانبين إلى حرب، بسبب كارثية هذه الحرب، والتي ستشمل تورطهما المباشر في الحرب لاسيما الولايات المتحدة. فحزب الله يختلف كليا عن حماس، وذلك من حيث عدد القوات والخبرة القتالية ونوعية السلاح المتطور للغاية الذي يمتلكه خاصة الصواريخ ومضادات الصواريخ. مما يعني أن إسرائيل ستفتح جبهة قتال جديدة مع عدو شرس للغاية، هزيمته شبه مستحيلة. وهو ما يعني أيضا، انزلاق المنطقة برمتها في ساحة حرب إقليمية مفتوحة. فبحسب تقارير أمريكية مؤكدة، مارس الرئيس بايدن منذ طوفان الأقصى ضغوطا شديدة على إسرائيل لعدم توسيع نطاق مواجهتها مع حزب الله. ولعل قيامه بإرسال أكبر حاملة طيران للمنطقة كان لمنع اتساع نطاق المواجهة مع حزب الله وبالتبعية الدخول في خط مواجهة مباشر مع إيران. وعلى الجانب الآخر، قد بدا واضحا من تصريحات قادة إيران وأيضا حزب الله منذ اندلاع طوفان الأقصى، عدم رغبة إيران في توسع نطاق المواجهة وتجنب الانخراط في حرب مفتوحة مع إسرائيل والولايات المتحدة. إذ ربما قد ارتأى الإيرانيون أن تلك المواجهة غير مطلوبة الآن بسبب كلفتها العالية جدا، وتداعياتها الخطيرة على المنطقة ومصالح إيران وخططها الإستراتيجية. أو ربما قد رأوا أن هذه المواجهة ستمنح الضوء الأخضر لإسرائيل لارتكاب مجازر مروعة في القطاع، وإدخال القضية الفلسطينية برمتها في متاهات يصعب الخروج منها لأعوام. ومن ناحية أخرى، لا يجب أن نتغافل عن معطيات الحرب في غزة وتأثيرها على إسرائيل. إذ بحسب خبراء إسرائيليين، لم تحقق إسرائيل في حربها المتوحشة على غزة أي هدف إستراتيجي يذكر. بل والأهم من ذلك، تعاني إسرائيل اقتصاديا جراء هذه الحرب، وتعاني القيادة الإسرائيلية من ضعف شديد للشعبية. وعليه، فمن الصعب أن تفتح إسرائيل خط مواجهة مفتوحة مع حزب الله القوي في ظل ما تعاني منه، وأيضا في ظل رفض إدارة بايدن التامة لهذه المواجهة التي ستأتي في سنة انتخابات حاسمة لبايدن. والدليل على ذلك، هو قرار الإدارة الأمريكية بمغادرة حاملة الطائرات «جيرالد فورد» البحر المتوسط، والذي وصف من قبل بعض المحللين، بأنه تخلٍّ واضح من واشنطن عن إسرائيل. وعلى هدى ما سبق، نستخلص أن اندلاع حرب مفتوحة بين إسرائيل وحزب الله سيناريو قائم، لكن ثمة عوامل متعددة ترجح بشكل كبير عدم تنفيذه الآن. وأهمها على الإطلاق، ممانعة واشنطن القوية لتلك المواجهة. وعليه أيضا، فعلى الأرجح أن تستمر حدود التصعيد الحالية بين الحزب وإسرائيل على نفس الوتيرة المستقرة وربما تزيد أو تنقص قليلاً على ضوء التطورات في غزة.

2697

| 09 يناير 2024

سياسة بايدن الخارجية.. إنجازات وإخفاقات وتحديات

إبان حملته الانتخابية في 2020، تمحور خطاب بايدن في السياسة الخارجية على مجموعة ركائز أساسية، كان أبرزها التصدي للتحدي الصيني، وعودة القيم الأمريكية في السياسة الخارجية (الترويج للديمقراطية)، وترميم العلاقات مع الحلفاء التقليديين، ومواجهة الإرهاب. نجح بايدن بصورة ملفتة خلال العام الأول من ولايته في ملف ترميم العلاقات مع الحلفاء، ومع حلف الناتو. حيث نجح في إقناع الحلفاء في توسيع الشراكات وإقامة تحالفات جديدة في سياق سياسة التحالفات التي ينتهجها، وتحت شعار «تحالف الديمقراطيات». وفي سياق هذا الشعار المتواري تحت سياسة نشر الديمقراطية، قلص بايدن من اتصالاته مع الدول التي يصنفها بغير الديمقراطية خاصة في المنطقة. وعلى مستوى التصدي للنفوذ الصيني، يمكن القول، إن بايدن نجح نسبيا في جذب خصوم الصين إلى المدار الأمريكي، وتأسيس تحالفات جديدة في المحيط الهادئ كتحالف «أوكوس» النووي. فضلا عن إقناع بعض الدول الغربية في تضييق فجوة العلاقات مع الصين خاصة فيما يتعلق بالشراكة عبر مبادرة «الحزام والطريق». وعلى مستوى ملفين رئيسيين لبايدن وهما مواجهة الإرهاب وملف البرنامج النووي الإيراني، فقد بدا الإخفاق الرهيب لبايدن في معالجتهما، حيث الهرولة من أفغانستان وتركها تماما لحكم طالبان. وكذلك، تعثر مفاوضات عودة الاتفاق النووي. ويتبدى مما سبق، أن جل تركيز بايدن كان على التهديد الصيني، وأن باقي الملفات الأخرى تخدم هذا الغرض بصورة أو بأخرى. وهو ما يفسر إلى حد بعيد نجاح بايدن في التصدي للتهديد الصيني، وإخفاقه الشديد في الكثير من الملفات بعد عام 2021. ويعد عاما 2022 و2023، الأكثر تحدياً لبايدن، حيث الحرب الروسية على أوكرانيا، والحرب الإسرائيلية على غزة. واللتين على إثرهما، قد أربكتا توجهات بايدن في السياسة الخارجية، وكشفتا النقاب عن النوايا الحقيقية للسياسة الأمريكية، وعدد من التحديات العسيرة. تباينت الآراء بشدة في مسألة تقييم فعالية الدور الأمريكي في التصدي للغزو الروسي لأوكرانيا. إذ يرى البعض أن دور واشنطن كان ضعيفا للغاية، حيث لم تتدخل عسكريا عبر الناتو للتصدي للغزو أو إجبار بوتين على التراجع. بينما يخالف البعض الآخر ذلك، بالقول إن الغزو أعاد التركيز الأمريكي على أوروبا بحسبانه الضامن الرئيسي لأمن أوروبا، كما قادت أوروبا فعليا على المستوى الاقتصادي لمواجهة روسيا، ودعم أوكرانيا عسكريا. وفوق كل ذلك، ساهم الغزو وبقيادة واشنطن في ترميم الخلافات داخل حلف الناتو. ومع ذلك، لإجراء تقدير موضوعي لذلك، ينبغي تفحص عدة معطيات أخرى ناجمة عن الغزو، ومن أهمها، إعادة التفكير الأوروبي في الاستقلالية الدفاعية، ففي أعقاب الغزو صدق المجلس الأوروبي على ما يسمى «البوصلة الإستراتيجية» التي أشارت بوضوح إلى ضرورة اعتماد الأوروبيين على أنفسهم في مسألة الدفاع والأمن في أوقات الضرورة بعيدا عن مساندة الناتو والولايات المتحدة. وفي نفس الإطار، نجد أن ألمانيا قد رصدت ميزانية ضخمة لإعادة تسليح نفسها، وامتدت تداعيات الغزو إلى اليابان التي حذت حذو ألمانيا. وتشي خطوات الأوروبيين وحلفاء واشنطن التاريخيين كاليابان التي تعتمد كليا على واشنطن لحماية نفسها، تشي باتساع هوة عدم الثقة في واشنطن بشأن الحماية لاسيما التصدي للتهديد النووي لروسيا. إذ في خضم تغول التوسع الروسي في أوكرانيا، صرح بايدن صراحة أن واشنطن ستتدخل عسكريا إذا هاجمت الصين تايوان، رغم أن الصين نووية وأشد قوة عسكريا بأشواط من موسكو. حرب إسرائيل على غزة، تعد من أكبر التحديات الكبرى التي تواجه بايدن. فعلى إثر الدعم المطلق لواشنطن لجرائم إسرائيل في غزة، تدهورت صورة الولايات المتحدة في العالم بصورة كبيرة، كما مثَّل ذلك مقتلا رهيبا لأجندة بايدن المزعومة لنشر الديمقراطية، التي تستخدم أيضا للضغط على الصين وتشويه صورتها الدولية. والحرب أيضا تمثل تحديا كبيرا لبايدن فيما يتعلق بالتركيز العسكري لواشنطن في المنطقة، ودعم أوكرانيا، ومواجهة التحدي الصيني، ومسار المواجهة مع إيران. فالتركيز العسكري المفرط لواشنطن في المنطقة، سيؤثر حتما على الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وهو ما بدأ يتبلور بالفعل، حيث ألغى الكونجرس مساعدات إضافية لأوكرانيا كانت مقررة ضمن مشروع الإنفاق الدفاعي الجديد. وعلى نحو آخر، سيقلص هذا التركيز مسألة مواجهة الصين في المحيط الهادئ، ودعم حلف الناتو، وصفقة الاتفاق النووي مع إيران. مما سبق، يتكشف لنا أن هاجس وهم بايدن الأساسي في السياسة الخارجية هو التصدي للصعود الصيني. ولاستمرار نجاحه النسبي في ذلك، يجب أن يتغلب على عدة تحديات رئيسية، برزت بجلاء عبر تعاطيه مع حرب غزة. وأهمها، التوقف عن الدعم المطلق لإسرائيل والتخفيف من التركيز العسكري في المنطقة، إعادة التركيز بشكل أكبر على الحلفاء الرئيسيين وإعطاؤهم المزيد من الضمانات والمشاركات العسكرية الفعالة، الاستمرار في دعم أوكرانيا عسكريا، التركيز على قضية التغير المناخي وانتزاع دور الريادة فيه للتخفيف من الإخفاق المذهل في ملف نشر الديمقراطية، والتصدي بحسم للاستفزازات النووية لكوريا الشمالية.

1149

| 01 يناير 2024

هل سيؤدي طوفان الأقصى إلى إعادة ضبط العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؟

الحماية المطلقة للولايات المتحدة لإسرائيل مسألة محسومة، وأسبابها المتعددة قُتلت بحثا ويعلمها حتى غير المتبحرين في العلاقات الدولية، ويأتي على رأسها هيمنة اليهود على مفاصل السياسة والمال والإعلام داخل الولايات المتحدة، فضلا عن اعتبارات دينية وتاريخية. وبدا ذلك بوضوح شديد في دفع إدارة بايدن بكل ثقلها بصورة غير مسبوقة لحماية إسرائيل عقب عملية طوفان الأقصى لأنها شعرت أن وجود إسرائيل ذاته قد أمسى في تهديد خطير. وذلك من قبيل إرسال أكبر حاملة طائرات، ودعم عسكري ومالي. وسياسي أيضا من قبيل عرقلة قرارات مجلس الأمن القاضية بوقف العمليات على غزة، وتأييد حق إسرائيل المطلق في الدفاع عن النفس ضد ما أسمته هجمات حماس الإرهابية. لكن من يتابع حراك الدبلوماسية الأمريكية على مدار شهر تقريبا وحتى كتابة هذه السطور، يلحظ ثبات الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، لكن مع بروز توترات على السطح- ربما غير مسبوقة - بين واشنطن وتل أبيب. إذ من الملفت في صدد ذلك، أن واشنطن عبر كبار مسؤوليها أكدت على مسألة رفض تهجير أهالي قطاع غزة. بل والأغرب من ذلك، أدان مسؤولو الإدارة الأمريكية حتى بايدن استمرار قتل المدنيين في غزة. وأفادت تسريبات متعددة، أن ثمة خلافا كبيرا بين إدارة بايدن وإسرائيل حول إدارة وأهداف العمليات الإسرائيلية في غزة، بما في ذلك الهدنة بين حماس وإسرائيل. ونظير ذلك، نرى أن إسرائيل خاصة عبر رئيس وزرائها نتنياهو يبدو أنه يقصد إحراج واشنطن وتحدي إرادتها. إذ عادة ما يخرج بتصريحات معاكسة تماما لتحذيرات واشنطن، من قبيل التأكيد على استمرار العمليات العسكرية في غزة لشهور حتى القضاء على حماس، بينما- كما أفادت التسريبات وتلميحات بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية - تسعى واشنطن إلى إبرام اتفاق لتبادل الرهائن مقابل وقف العمليات تماماً. كما يتبين من العمليات الوحشية لإسرائيل على أهالي القطاع نوايا إسرائيل المستميتة للدفع بسيناريو التهجير، وهو ما تعارضه واشنطن تماماً. ويعزو الكثير من المحللين سبب التوتر بين واشنطن وتل أبيب حول غزة إلى تأثير غزة على الانتخابات الرئاسية لبايدن، وإحراج إسرائيل لواشنطن أمام العالم، أو أسباب أخرى. وإن كانت تلك الأسباب وجيهة بالطبع لاسيما انتخابات بايدن القوية أمام غريمه ترامب، حيث أصبحت غزة رقما صعبا في حسم هذه الانتخابات. ومع ذلك، فسياق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية يجب أن ينظر إليه عبر منظور أوسع. التوترات الناشئة عن طوفان الأقصى وحرب غزة بين واشنطن وتل أبيب، والتي تتصاعد يوميا بصورة غير مسبوقة، تعد في حقيقة الأمر كاشفة لمتغيرات وتحديات أكبر ستدفع العلاقات- بلا أدنى شك - بين البلدين إلى إعادة صياغة تكون أكثر انضباطاً وتكون واشنطن لها اليد العليا في صياغتها وإدارتها. الولايات المتحدة القوى العظمى في العالم، لا يقع على عاتقها عبء الحماية الأبدية لإسرائيل وفقط، بل لديها مصالح وحسابات إستراتيجية في المنطقة والعالم شديدة الحيوية والتعقيد. الاهتمام الأمريكي في المنطقة متراجع بصورة واضحة قرابة العقد نظير التركيز التام على المحيط الهادئ حيث الصعود الصيني التحدي الخطير لواشنطن، بل إن سبب بقاء القوات الأمريكية في المنطقة في ظل تراجع الاهتمام يعزى إلى بقاء مستوى الردع المطلوب لحماية أمن إسرائيل. لكن عندما تدفع تصرفات إسرائيل الهوجاء واشنطن إلى إعادة التركيز التام لها في المنطقة على حساب الصين، وروسيا وأوكرانيا في المرتبة الثانية. هنا لابد أن يعلو صوت المصلحة الإستراتيجية لواشنطن على صوت إسرائيل. وما أدل على ذلك، من رفض الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي إعطاء مساعدات مالية إضافية لإسرائيل. بل برزت أصوات سياسية وأكاديمية لامعة في واشنطن تطالب واشنطن بوقف الدعم المطلق لإسرائيل. عملية طوفان الأقصى والحرب العدوانية على غزة، من المؤكد نبهت واشنطن أنها لن تؤدي إلى إغراقها في المنطقة وحسب، بل من الممكن أن تورطها في حرب إقليمية ستقضي على ما تبقى من مقومات قوة للولايات المتحدة. لذا، نتفق مع الآراء التي تجادل أن واشنطن قد أرسلت أكبر حاملة طائرات لها في المتوسط لمنع حرب إقليمية، أو كما يجادل البعض لحماية إسرائيل من نفسها. وللتأكيد على ذلك، هذا التشديد الأمريكي المستمر على خيار العودة للتفاوض في إطار حل الدولتين. ونقدر أن هذا ما تسعى إليه واشنطن بقوة إنهاء الحرب في غزة والتركيز الكبير على الحل التفاوضي. وفي خضم ذلك، يبرز من جديد ملف التطبيع وملف التسوية مع إيران، بغرض الهدف النهائي وهو ضمان استقرار المنطقة وأمن إسرائيل وتركيز أقل في المنطقة. وعلى هذا المنوال، فمن المؤكد أن واشنطن خلال الأعوام القليلة القادمة، ستمارس جميع أساليب الضغط على إسرائيل لضمان حليف مطيع، بل والأهم من ذلك، عرقلة تشكيل حكومة إسرائيلية يتحكم فيها يمين متطرف سينهي وجود إسرائيل. ولعل هناك متغير آخر لا ينتبه إليه الكثيرون، والمتعلق بالتحول الكبير في التركيبة الاجتماعية داخل الولايات المتحدة نتيجة لموجات الهجرة. حيث غدا تتشكل لوبيات من أعراق متعددة بما في ذلك من الجاليات المسلمة، كما غدا اليسار الأمريكي في اتساع نوعي. ولعل تتوحد تلك اللوبيات على مناصرة القضية الفلسطينية ورفض الاحتلال الصهيوني، وهو ما تكشف بوضوح من المظاهرات العارمة داخل الولايات المتحدة المناهضة لمجازر غزة. وهذا بالقطع سيكون عاملا مؤثرا على قرار واشنطن بشأن الدعم المطلق لإسرائيل، ولعل بايدن يضع في حساباته هذا العامل حيث يميل ملايين المهاجرين والأقليات إلى الحزب الديمقراطي. ملخص البيان، الحماية الأبدية لواشنطن لإسرائيل لن تنتهي، لكنها من المؤكد على إثر طوفان الأقصى ستتخذ نمطاً أكثر انضباطاً وصرامة، بحيث يكون المتحكم والموجه الرئيسي لإسرائيل هو واشنطن.

1236

| 24 ديسمبر 2023

ارتدادات غزة على أوروبا

وصف الحرب الوحشية الحالية على قطاع غزة باعتبارها من أهم الأحداث الفارقة في تاريخ المنطقة والعالم، وصف لا يشوبه أية تهويل. فانعكاسات وارتدادات الحرب والتي بدأت تتضح جليا على المشهدين الإقليمي والدولي، تعد انعكاسات في غاية التأثير والخطورة. والواقع الأوروبي برمته طفت فيه هذه التداعيات على السطح بسرعة البرق. المشهد السياسي الأوروبي يمكن تقسيمه إلى أربع قوى مؤثرة، النخب الحاكمة، النخب المعارضة، الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، والرأي العام الأوروبي وله تأثير ضاغط على القرار السياسي الأوروبي لا يستهان به. من خبرة التعاطي الأوروبي برمته مع المنطقة العربية والإقليمية طيلة العقود الماضية، بما في ذلك الموقف من إسرائيل وسياستها وحروبها على القطاع منذ 2008؛ كان أميل لتأييد إسرائيل وسياستها العنصرية والوحشية، حتى الرأي العام الأوروبي لم يكن يشغل باله كثيراً لما يجرى في المنطقة، جنبا إلى جنب مع انحياز إسرائيل، ونظرة سلبية لجنوب المتوسط والعرب والمسلمين غدتها وسائل الإعلام الجبارة الغربية المعادية للمسلمين. ارتدادات حرب غزة المدعومة بتصرفات إسرائيل الجنونية الوحشية على القطاع، قد طالت القوى الأربع المؤثرة في المشهد الأوروبي بصورة عنيفة غير مسبوقة. الموقف الأوروبي تجاه طوفان الأقصى وحرب غزة في البداية، لاسيما على المستوى النخبوي والمؤسسي، لم ينحرف على الموقف التقليدي المعتاد، وذلك من حيث إدانة حركة حماس ووصمها بالإرهابية، وتأييد حق إسرائيل المشروع في الدفاع عن النفس ردا على أعمال حماس الإرهابية. لكن ما لبث أن تغير هذا الموقف بشكل دراماتيكي نتيجة للعنف المفرط من قبل إسرائيل على القطاع، بل وتبعه انقسام حاد وتبدل للمواقف من جانب أطراف منحازة بصورة تامة لإسرائيل. إذ سرعان ما انقلب موقف الاتحاد الأوروبي الذى يجسده المجلس الأوروبي، من تأييد تام لإسرائيل، إلى الدعوة إلى وقف النار والإسراع في إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع. والأخيرة على وجه الخصوص، قد أثارت خلافات حادة داخل مجلس الاتحاد الأوروبي بين مؤيد ومعارض. وفى خضم ذلك، تبدلت مواقف داعمة لإسرائيل، كفرنسا وهولندا وإيرلندا وبلجيكا، من تأييد خفيف أو لنقل حياد سلبى لإسرائيل، إلى الدعوة ونشاط دبلوماسي مكثف لوقف إطلاق النار، حيث تقدموا بمشروع قرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، لم يمرر، بفيتو أمريكي إنجليزي، ورفض من قبل دول أوروبية كالمجر والتشيك والنمسا. وهنا نلحظ بشدة، واحدة من أخطر وأهم ارتدادات حرب غزة على المستوى المؤسسي والنخبوي الأوروبي. فتبدل المواقف الداعمة تاريخيا لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وما استتبعه من انقسام حاد يقوض من فاعلية وتضامن الاتحاد الأوروبي برمته؛ إنما ينبع من حسابات واعتبارات واقعية برجماتية شديدة المنطقة. إذ بخلاف إحراج أعمال إسرائيل الوحشية التي خلفت ما يناهز 14 ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى وتدمير 60 % من القطاع تلك النخب أمام العالم وشعوبها؛ نرى أنها قد استوعبت تماما خطأ الانحياز المطلق الفادح لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية. والذى سيفضى إلى سقوط المنطقة في فوضى عارمة قد تمتد لعقود، وربما حرب إقليمية واسعة ستدمر المنطقة، وتنامى موجات الإرهاب والتطرف والهجرة إلى شمال المتوسط. واستنادا إلى ذلك، غدت تمثل غزة وفي إطار الأوسع القضية الفلسطينية، أحد أهم المحددات المؤثرة في القرار السياسي الأوروبي من الآن فصاعداً، حيث سنشهد المزيد من تبديل المواقف، والمزيد من الانقسامات، والمزيد من الارتدادات داخل التيارات الواحدة بما في ذلك تيارات اليمين المتطرف المنحازة بشكل مطلق لإسرائيل. ونجادل أن ذلك في المجمل سيكون إيجابيا على القضية الفلسطينية حيث سيتشكل تيار قوى داخل أوروبا ضاغط باتجاه حل جذري للقضية الفلسطينية. ولعل من أبرز الارتدادات لحرب غزة على المستوى النخبوي الحاكم والمعارض وعلى المستوى الشعبي أيضا، كان قد تجلى في صحوة اليسار الأوروبي وانتفاضته ضد إسرائيل. اليسار الأوروبي تقليديا منقسم بشان تأييد إسرائيل، علاوة على ضعف حضوره وتأثيره على المشهد الأوروبي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، مقابل صعود مكتسح لليمين المتطرف الأوروبي منذ 2008. ومنحت حرب غزة لليسار الأوروبي مساحة واسعة لإعادة التموضوع بقوة من جديد في المشهد السياسي الأوروبي، مدعوماً بتنامى التعاطف الشعبي الأوروبي الواسع مع غزة، ونبذه لسياسات وضربات إسرائيل الوحشية المناهضة للقانون الدولي والقيم الليبرالية الراسخة في وجدان الأوروبيين. ففي خضم الانقسام الأوروبي الحاد حول الإجراءات الملائمة والمتوازنة حول غزة دون الحيلولة لتوجيه اتهامات مباشرة لإسرائيل. حادت إسبانيا بقيادة رئيس وزرائها الاشتراكي «بيدرو سانشيز» عن هذا التوازن الأوروبي الباهت، حيث أدان سانشيز غارات إسرائيل على القطاع باعتبارها جرائم حرب تماما كالتي تقترف منة قبل روسيا في أوكرانيا. بل والأخطر من ذلك، قد طالب الأوروبيين بالاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة وأعلن عن نيته عمل ذلك من جانب واحد. إسبانيا بقيادة الاشتراكيين، ويناصرها قطاع واسع من الأحزاب الاشتراكية الأوروبية لاسيما في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وبلجيكا وغيرها، قد غدت عنصرا ضاغطا بشدة على القرار السياسي الأوروبي بشأن غزة والقضية الفلسطينية برمتها وتخفيض حدة الانحياز لإسرائيل. وأخيراً، نختم بالارتداد الملفت وهو على المستوى الرأي العام الأوروبي. دمر الغباء الإسرائيلي ما بناه لسنين عبر آلة الدعاية الجبارة من صور لنفسه كمستضعف ديمقراطي مسالم يعيش وسط محيط ديكتاتوري إرهابي كاره لإسرائيل. فمشاهد القتلى والتدمير الوحشية التي تنقلها للعالم على مدار الساعة قنوات مرموقة مثل قناة الجزيرة، قد حركت مشاعر قطاعات عريضة من الأوروبيين الميالين نحو اليمين، تجاه التعاطف مع الفلسطينيين، وكشف زيف أكاذيب الصهيونية. وعلى إثر ذلك، غدا أيضا الرأي العام الأوروبي قوة ضاغطة لا يستهان بها على صانع القرار الأوروبي والنخب الأوروبية بشأن موقفه تجاه المنطقة وإسرائيل والقضية الفلسطينية.

1302

| 11 ديسمبر 2023

مستقبل حل الدولتين

يعد حل الدولتين للقضية الفلسطينية المرتكز الرئيسي شبه المتفق عليه من جميع الأطراف المضطلعة بالقضية الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو عام 1993. وطوال تلك السنوات الممتدة منذ أوسلو، استمر حل الدولتين المرتكز الرئيسي لزحزحة القضية أو إحياء عملية السلام، دون تقدم فعلى ملموس بسبب التعنت والتعسف الإسرائيلي على الأراضي المحتلة التي تعرقل بدء مباحثات جادة لحل القضية الفلسطينية. ولا يخفى على أحد أن اليمين الإسرائيلي الحاكم في إسرائيل منذ عقدين غير مؤمن بمسألة حل الدولتين، وأبلغ دليل على ذلك، هو سياسة التهويد والاستيطان المتوسعة التي ينتهجها على أراضى 67. إذ يقبل بها شكلياً بسبب الضغوط لاسيما من قبل داعمه الرئيسي الولايات المتحدة، وأيضا كوسيلة للمناورة وكسب الوقت. في خضم اشتداد الوضع المأسوي في غزة إثر الهجمات الوحشية لإسرائيل على القطاع، والذى على إثره أيضا، عاود الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية. بدأ الحديث بقوة لاسيما من قبل الولايات المتحدة حول مسألة إحياء مباحثات السلام في سياق حل الدولتين. ونرى أن الأطراف الدولية المختلفة وبخاصة الولايات المتحدة الراعي الرئيسي لعملية السلام في المنطقة، جادة تماماً في الدفع بعملية السلام قدماً حال انتهى الصراع في غزة، بسبب تيقنها بعد طوفان الأقصى، أن لا سبيل لحماية أمن إسرائيل، وعدم انزلاق المنطقة في دوامة من عدم الاستقرار، وإضعاف المقاومة الإسلامية، وسحب البساط من حماس، وتخفيف عبء التركيز الأمريكي في المنطقة. إلا عبر الدفع بإحياء المباحثات في إطار حل الدولتين. وليس بالضرورة أن تحل جميع القضايا العالقة في إطار حل الدولتين دفعة واحدة أو تحل بشكل نهائي، فقط المطلوب الآن البدء في المباحثات، والضغط على إسرائيل لتقديم بعض التنازلات البسيطة مثل إيقاف الاستيطان، أو التعهد بعدم العودة لاحتلال قطاع غزة، أو منح السلطة الفلسطينية بعضا من السيادة والصلاحيات الواسعة في الأراضي المحتلة ولو بشكل مؤقت. مع التسليم أن حل الدولتين سيكون هو مرمى التركيز الأساسي لأية مباحثات متوقعة لحقبة ما بعد غزة. بيد أن حرب غزة قد فرضت ثلاثة معطيات جديدة، من شأنها التأثير كليا على مستقبل حل الدولتين. المعطى الأول، السابق الذكر، إجماع خارجي بقيادة واشنطن على ضرورة إحياء المباحثات في سياق حل الدولتين، وذلك لأجل تجميد الصراع أو إدارته كما كان في السابق عبر جولات مباحثات عدة لن تفضي إلى شيء على الأغلب. المعطى الثاني، تنامٍ في قوة المقاومة، والرأي العام الداخلي الفلسطيني، الذى، لاسيما الأول، قد يتزعزع عن موقفه الجامد ويقبل بحل الدولتين، بشرط السيادة الكاملة للفلسطينيين على القدس الشرقية والمسجد الأقصى، وعودة جميع الأراضي المحتلة عام 97 بالطبع، والإفراج عن جميع الأسرى، وعودة المهجرين... إلخ. لكن الأهم والحاسم للمقاومة هي السرعة والجدية في التنفيذ؛ أي عدم الوقوع في فخ المماطلة والتسويف والالتفاف الإسرائيلي السابق. المعطى الثالث، وهو الفيصل في الأمر، التراجع الكبير في قوة اليمين الإسرائيلي الرافض لحل الدولتين. لكن تبقى إشكالية أخرى، أن أحزاب الوسط واليسار التي من المرجح أن تشكل المشهد السياسي في مرحلة ما بعد غزة والمؤيدة لحل الدولتين. أصبحت تخشى ومعها قطاع عريض من اليهود من منح الفلسطينيين دولة ولو منقوصة السيادة بعد طوفان الأقصى. وذلك لاعتبارات عدة أفصح عنها بعض السياسيين والأكاديميين اليهود، ومن بينها، أن دولة فلسطينية في ظل قوة وشعبية حماس وحركات المقاومة، ستزيد من التهديد الوجودي لإسرائيل، كما ستمدد من نفوذ إيران وحركات المقاومة داخل فلسطين. مختصر ما قاله هؤلاء الساسة، مفاده أن دولة فلسطينية ذات سيادة لن ينهى العداء والخطر على إسرائيل. فضلا عن ذلك، لا يمكن تجاهل قوة اليمين بأطيافه المختلفة داخل إسرائيل الذى سيعارض بشدة من الأساس أية تنازلات لاسيما فيما يتعلق بالقدس. وهذا ما سوف تأخذه حكومات الوسط واليسار على عاتقها بشدة حيال عمليات السلام المرتقبة. ويمكن أن يستدل مما سبق، بالرغم من أن مسألة حل الدولتين ستكون المنطلق الرئيسي لمرحلة ما بعد غزة، بدعم وقيادة أمريكية. ومع ذلك، فقواعد اللعبة وإدارة الصراع في سياق حل الدولتين ستتغير تماماً. فحقبة الجمود وإدارة الصراع لأجل غير مسمى قد ولت بلا رجعة في تقديرناً. إذن نحن أمام مقاومة قوية مدعومة شعبياً لن ترضى إلا بحل شامل للقضية في إطار حل الدولتين، ولن تقبل بمسألة الجمود. وحكومات ورأى عام إسرائيلي رافض أو متوجس تماماً لمسألة دولة فلسطينية ذات سيادة ولو منقوصة. وموقف دولي بقيادة واشنطن يسعى على أقل تقدير إلى تجميد الصراع مع منح الفلسطينيين بعض الحقوق البسيطة. وعليه أيضا، فإزاء هذا المشهد المعقد بشأن حل الدولتين، فعلى الأرجح ستتبدى المواقف على حقيقتها لا سيما من جانب إسرائيل، وتعلن صراحة الرفض التام لدولة فلسطينية. وهنا لا يمكن إلقاء أية لوم على المقاومة القوية والتي بفضلها تم إحياء الزخم والانتباه الدولي للقضية الفلسطينية من جديد بعد ركود وصل إلى القاع لمدة عقد.

1143

| 04 ديسمبر 2023

طوفان الأقصى والداخل الإسرائيلي

ما بعد 7 أكتوبر ليس كما قبله، عملية طوفان الأقصى المجيدة حدث فارق في تاريخ المنطقة بل ربما العالم، مثله مثل حرب الخليج الثانية والحرب الأمريكية على العراق 2003. إذ سيكون لطوفان الأقصى تداعيات هائلة على مستويات متعددة، بدأ يظهر بعضها الآن، كما ستغير الكثير من المعادلات والتوازنات في المنطقة وخارجها. وليس من قبيل المبالغة القول إن طوفان الأقصى هي الحدث الأبرز في تاريخ إسرائيل التي ستزلزل داخلها برمته، حيث سنشهد داخلا إسرائيليا مغايرا تماما على كافة الأصعدة خلال العقد القادم. خلال العقدين الماضيين، ارتسم الداخل الإسرائيلي بوضوح على كافة مستوياته. فعلى المستوى السياسي غلبة واضحة ليمين الوسط المتحالف مع اليمين المتطرف بقيادة الليكود. وعلى الصعيد الاجتماعي، مجتمع قوامه من المهاجرين ربعهم تقريبا علمانيون، والباقي مع اليهود الأصليين يمينيو النزعة لكن بدرجات متفاوتة. أما على المستوى الاقتصادي، اقتصاد كبير ومتطور خاصة على الصعيد التكنولوجي، لكنه ليس بحجم وقوة اقتصادات الدول الكبرى والصاعدة والمتوسطة كالولايات المتحدة والصين وفرنسا على سبيل المثال. وأخيرا، المستوى العسكري، جيش يمتلك أحدث الأسلحة المتطورة خاصة الأمريكية، فضلا عن السلاح النووي، لكن لا يمكن وصفه بالجيش العظيم أو جيش القوة الكبرى على غرار الجيش الأمريكي ولا حتى التركي. لافتقاره لعدة مقومات رئيسية كالقوة البشرية والعمق الاستراتيجي، فإسرائيل قد هزمت في جميع المعارك التي خاضتها منذ 1973. الشاهد في الأمر أن إسرائيل خلال العقدين الماضيين بقيادة اليمين بصفة عامة، قد ازدهر اقتصادها بشكل كبير، ونجحت في جلب الآلاف من يهود الشتات إلى إسرائيل خاصة من شرق أوروبا وروسيا، وطورت من إمكانات جيشها. حتى ترسخت قناعة أسطورية أن أمن وسلامة إسرائيل في أمان تام، وأن جيش إسرائيل لا يقهر، وهذا أمر لا غنى عنه لضمان بقاء يهود الشتات في الداخل، وجلب المزيد لاسيما يهود الولايات المتحدة لنجاح دولة إسرائيل العظمى وموازنة التسارع الكبير في زيادة أعداد الفلسطينيين. تلقت إسرائيل في 7 أكتوبر وذلك بحسب اليهود أنفسهم أكبر هزيمة مذلة غير متوقعة في تاريخها، فهي الحدث الفارق كما أسلفنا في تاريخ إسرائيل، وأبرز ما كشفته طوفان الأقصى على الإطلاق هو الأسطورة الوهمية لجيش إسرائيل الذي لا يقهر، ونظرية الردع الإسرائيلي الجبارة. وعلى أثر ذلك، فالانعكاس الأول المباشر الذي لا جدال فيه لطوفان الأقصى هو فقدان الداخل الإسرائيلي للثقة التامة في اليمين القابض على زمام السلطة لعقدين، مقابل صعود ملحوظ في الثقة والشعبية لأحزاب اليسار والوسط وربما الأحزاب العلمانية. والحقيقة شعبية اليمين في إسرائيل لاسيما حزب الليكود بقيادة نتنياهو تشهد شعبيتها بعضا من التآكل النسبي منذ 2006، إثر حرب إسرائيل مع حزب الله، وزيادة الكتلة التصويتية الشعبية للعلمانيين واليسار، وضم حكومات اليمين أحزاب أقلية شديدة التطرف كحزب شاس، التي تذهب في التطرف إلى حد تحريم ممارسة المهام العسكرية في المناسبات. حيث يحملها البعض في إسرائيل هزيمة طوفان الأقصى بسبب تراخي الجنود اليهود في مهامهم يوم 7 أكتوبر عيد «سمحات توراة» اليهودي. وتراجع شعبية اليمين المتطرف، لا بد أن يتبعه تغيير تام في طبيعة النظام الانتخابي في إسرائيل، الذي يعد من نقاط الضعف الرئيسية لإسرائيل. فالنظام الانتخابي في إسرائيل لا يتيح بسهولة أن يشكل حزب بمفرده الحكومة، فمنذ الثمانينيات لم يتمكن حزب بمفرده من تشكيل الحكومة، فعادة ما يتحالف الحزب الحائز على أغلبية مع أحزاب صغيرة-وعادة المتطرفة- ليتمكن من تشكيل الحكومة، وبالتبعية، تتبع الحكومات الإسرائيلية سياسات شديدة التطرف حيال الصراع العربي الإسرائيلي لإرضاء الأحزاب المتطرفة المتحالفة معها. وانحسار اليمين في إسرائيل، لا يعني نهايته تماما، فإسرائيل دولة دينية بالأساس، والسلطة الدينية والحاخامات لهم سلطة وقوة دينية وروحية ومعنوية على النظام السياسي والشعب الإسرائيلي، علاوة على أن اليهود المتطرفين لهم قوة لا يستهان بها في إسرائيل لاسيما على المستوى الاقتصادي، ولا ننسى أيضا أن الشعب اليهودي ذاته يميني النزعة يؤمن بدولة إسرائيل الكبرى، ورافض لحل الدولتين، لكنه مجرد فاقد الثقة في حكومة يمينية وليست سياسات يمينية. إذن، نحن سنكون إزاء مشهد متناحر داخل إسرائيل، غلبة حكومية مرتقبة لليسار والوسط، تصارع ضد يمين سيزيد تطرفا إثر هزيمة طوفان الأقصى، مما سيفضي بالطبع إلى تعزيز الضعف والانقسام داخل إسرائيل. وعلى مستوى آخر، ستعمق طوفان الأقصى من أزمة الهجرة والاقتصاد في إسرائيل، ولعل ذلك أكثر ما تخشاه إسرائيل، هدم طوفان الأقصى ليهود الداخل والخارج مرتكز الأمن والرخاء الذي توفره إسرائيل لشعبها، ومن ثم، لم يعد يهود الداخل من المهاجرين يشعرون بالأمن مهما عملت إسرائيل من تدابير، فيهود الداخل يشعرون في داخلهم بأن العداء لإسرائيل يتزايد وقوة المقاومة تتزايد، وبالتالي، من المؤكد أن وتيرة الهروب من إسرائيل ستتزايد خلال الفترة القادمة، والعكس صحيح بالنسبة لوتيرة الهجرة إلى إسرائيل. طوفان الأقصى ستجعل إسرائيل تنفق على التدابير الأمنية والعسكرية بجنون رهيب، وهذا بالطبع سيكبد الخزينة الإسرائيلية مبالغ طائلة، ومن ثم، سينعكس ذلك على قوة الاقتصاد الإسرائيلي، حيث ستعتريه الهشاشة بشكل كبير، وستكون تداعيات ذلك خطيرة على كافة المستويات، كالاستقرار الحكومي والاجتماعي، وملف الهجرة.. وغيرها. تداعيات طوفان الأقصى على الداخل الإسرائيلي لا تحصى، لكن يمكن إيجاز أبرزها في تزايد الصراع الداخلي بين المتطرفين والعلمانيين، تقويض خطط الهجرة، ضعف كبير مرتقب للاقتصاد الإسرائيلي، تنامي عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.

981

| 27 نوفمبر 2023

لماذا تصدرت قطر جهود الوساطة في غزة؟

بعد ما يقرب من أسبوعين من عملية طوفان الأقصى المجيدة، بدأت تتداول أخبار وتسريبات أغلبها أمريكي عن وساطة قطرية في غزة. ولم تمر أيام معدودة حتى تكشف عن وساطة قطرية قوية في غزة يقودها أمير البلاد « سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني «. وحتى كتابة هذه السطور، تتصدر قطر جهود الوساطة في غزة سواء منفردة في بعض المسائل كوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفع، والرفض التام لتهجير أهالي القطاع إلى الجنوب، أو بشكل مشترك مع بعض الأشقاء لاسيما في ملف الأسرى، حيث توجت هذه الجهود بإفراج حركة المقاومة حماس عن بعض الأسرى من الأطفال والنساء الطاعنات في السن. ويبدو جليا أن الآمال العربية والغربية معلقة بشدة على الوساطة القطرية لوقف نزيف الدماء في غزه، والتوصل إلى تسوية بين حماس وإسرائيل منطلقها الرئيسي تبادل الأسرى. قد غدا من المألوف في المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية، أنه بمجرد اندلاع أزمة عنيفة تتجه الأنظار العربية والعالمية إلى قطر بحسبانها الوسيط الأمثل المرتقب للتدخل في حل الأزمة. ومن ثم، فليس من المستغرب أن تتصدر قطر الوساطة في غزة حالياً. وعلة ذلك أسباب متعددة، لعل أبرزها، مركزية الوساطة في السياسة الخارجية القطرية، إذ تعد الوساطة أبرز أدوات القوة الناعمة لقطر. وأيضا، خبرة قطر العميقة التي تناهز العقد ونصف العقد في الوساطة، إذ لعبت قطر دور الوسيط الناجح في جل صراعات المنطقة منذ عام 2006. فالوساطة القطرية قد تمكنت في حل أزمة دارفور، والصراع في لبنان، والخلاف بين جيبوتي وإريتريا، وإنهاء أكبر حرب في المنطقة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان أفغانستان. وخلال تلك الخبرة الطويلة للوساطة القطرية، وهو العنصر الأهم الذى يعول عليه الغرب تحديدا لإنهاء الصراع في غزة، أثبتت قطر أنها وسيط محايد، يتمتع بعلاقات وثيقة مع كل الأطراف، لديه الصبر على حل الصراعات الشديدة التعقيد كالصراع في دارفور، قادر على طرح الحلول والمبادرات البناءة، ساعي إلى السلام والاستقرار في المنطقة، وقادر أيضا على فرض النفوذ البناء لتسيير المحادثات الشائكة. وعلى أساس ذلك، نرى أن تهافت الغرب وتحديدا الولايات المتحدة إلى قطر للعب دور وساطة رئيسي فعال في غزة، يكمن في قناعته التامة بان قطر هي الوسيط الأمثل حاليا لإنهاء هذا الصراع. تدعم قطر وبشكل صريح وعلني حركات المقاومة المناضلة، ولا تتوانى مطلقا عن نبذ ومحاربة الإرهاب والجماعات التكفيرية. فقطر كانت من طليعة الدول المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة داعش في سوريا والعراق، وكانت شريكا رئيسيا مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، وتنبذ قوانينها ومناهجها التعليمية جميع الأفكار المتطرفة البعيد عن تعاليم الإسلام الحنيفة. وبالعودة إلى الوساطة القطرية، فعلاقات قطر المتميزة مع حماس، قد أهلتها أولا إلى أن تكون شريكا موثوقا يقبل به حماس، وثانياً أن تكون وسيطا قادرا على التأثير البناء على حماس للتوصل إلى حل لإنهاء الأزمة. وبما أن الحرب في غزة متداخل فيها اطراف وأبعاد إقليمية، لاسيما إيران وحلفائها في المنطقة. فعلاقات قطر المتميزة مع إيران ووكلائها، تجعلها في الوضع الأمثل كوسيط قادر على التأثير على إيران ووكلائها، والحيلولة دون اتساع رقعة الحرب في غزة إلى حرب إقليمية ستضع استقرارا المنطقة برمته على أهبة الريح. وهذا ناهيك بالطبع عن علاقات قطر المتميزة مع الولايات المتحدة وأوروبا المتورطين في الحرب في غزة بصورة واسعة. ومن ثم قدرة قطر على التأثير البناء على الموقف الغربي برمته للضغط على إسرائيل، ويبدو أن بعض الدول الأوروبية قد بدأت في إحداث تغيير جزئي في موقفها الداعم لإسرائيل. حيث بدأت تتعالى أصوات تدين مجازر إسرائيل الوحشية في غزة، وتطالب بسرعة إيجاد حل للأزمة. الوساطة القطرية في غزة ليست سهلة، إذ ربما تعد من أصعب الوساطات التي ستخوضها قطر في تاريخها. فالصراع بين إسرائيل وحماس يبدو حتى الآن صراعا صفريا على الأقل من جانب إسرائيل التي تريد الإفراج عن جميع الأسرى، والقضاء التام على حماس. لكن يبدو أن هناك بارقة أمل قد تبدت من تصريحات بعض الدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة ويدور مفادها حول ضرورة التفاوض أو الحل السياسي وإدانة التهجير القسري لأهالي غزة، والتحذير من مغبة انفلات الوضع في غزة، وانتقال الأزمة إلى مربع صراع إقليمى واسع، فضلا عن التحذير الذى يبديه بعض الأكاديميين والخبراء الإسرائيليين من الخطورة البالغة من استمرار الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي والوضع الداخلي برمته لاسيما تفاقم أزمة هجرة يهود الداخل إلى الغرب. واستنادا إلى ذلك، تتأتى أهمية الوساطة القطرية مدفوعة بدعم غربي كبير خاصة خلال الفترة القادمة، لتكثيف الجهود الدبلوماسية استنادا إلى خبرة وعلاقات قطر الواسعة من أجل التوصل إلى تسوية في غزة لابديل عنها من أجل أمن واستقرار الوضع الإقليمي برمته.

3294

| 21 نوفمبر 2023

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

2466

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

2280

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

1200

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

780

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

675

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

660

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
الإسلام منهج إصلاح لا استبدال

يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا...

591

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة

أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام...

588

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

570

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
النهايات السوداء!

تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...

567

| 12 ديسمبر 2025

alsharq
تحديات تشغل المجتمع القطري.. إلى متى؟

نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...

531

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
معنى أن تكون مواطنا..

• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...

525

| 11 ديسمبر 2025

أخبار محلية