رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الحماية المطلقة للولايات المتحدة لإسرائيل مسألة محسومة، وأسبابها المتعددة قُتلت بحثا ويعلمها حتى غير المتبحرين في العلاقات الدولية، ويأتي على رأسها هيمنة اليهود على مفاصل السياسة والمال والإعلام داخل الولايات المتحدة، فضلا عن اعتبارات دينية وتاريخية.
وبدا ذلك بوضوح شديد في دفع إدارة بايدن بكل ثقلها بصورة غير مسبوقة لحماية إسرائيل عقب عملية طوفان الأقصى لأنها شعرت أن وجود إسرائيل ذاته قد أمسى في تهديد خطير. وذلك من قبيل إرسال أكبر حاملة طائرات، ودعم عسكري ومالي. وسياسي أيضا من قبيل عرقلة قرارات مجلس الأمن القاضية بوقف العمليات على غزة، وتأييد حق إسرائيل المطلق في الدفاع عن النفس ضد ما أسمته هجمات حماس الإرهابية.
لكن من يتابع حراك الدبلوماسية الأمريكية على مدار شهر تقريبا وحتى كتابة هذه السطور، يلحظ ثبات الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، لكن مع بروز توترات على السطح- ربما غير مسبوقة - بين واشنطن وتل أبيب. إذ من الملفت في صدد ذلك، أن واشنطن عبر كبار مسؤوليها أكدت على مسألة رفض تهجير أهالي قطاع غزة.
بل والأغرب من ذلك، أدان مسؤولو الإدارة الأمريكية حتى بايدن استمرار قتل المدنيين في غزة. وأفادت تسريبات متعددة، أن ثمة خلافا كبيرا بين إدارة بايدن وإسرائيل حول إدارة وأهداف العمليات الإسرائيلية في غزة، بما في ذلك الهدنة بين حماس وإسرائيل.
ونظير ذلك، نرى أن إسرائيل خاصة عبر رئيس وزرائها نتنياهو يبدو أنه يقصد إحراج واشنطن وتحدي إرادتها. إذ عادة ما يخرج بتصريحات معاكسة تماما لتحذيرات واشنطن، من قبيل التأكيد على استمرار العمليات العسكرية في غزة لشهور حتى القضاء على حماس، بينما- كما أفادت التسريبات وتلميحات بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية - تسعى واشنطن إلى إبرام اتفاق لتبادل الرهائن مقابل وقف العمليات تماماً. كما يتبين من العمليات الوحشية لإسرائيل على أهالي القطاع نوايا إسرائيل المستميتة للدفع بسيناريو التهجير، وهو ما تعارضه واشنطن تماماً.
ويعزو الكثير من المحللين سبب التوتر بين واشنطن وتل أبيب حول غزة إلى تأثير غزة على الانتخابات الرئاسية لبايدن، وإحراج إسرائيل لواشنطن أمام العالم، أو أسباب أخرى. وإن كانت تلك الأسباب وجيهة بالطبع لاسيما انتخابات بايدن القوية أمام غريمه ترامب، حيث أصبحت غزة رقما صعبا في حسم هذه الانتخابات.
ومع ذلك، فسياق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية يجب أن ينظر إليه عبر منظور أوسع. التوترات الناشئة عن طوفان الأقصى وحرب غزة بين واشنطن وتل أبيب، والتي تتصاعد يوميا بصورة غير مسبوقة، تعد في حقيقة الأمر كاشفة لمتغيرات وتحديات أكبر ستدفع العلاقات- بلا أدنى شك - بين البلدين إلى إعادة صياغة تكون أكثر انضباطاً وتكون واشنطن لها اليد العليا في صياغتها وإدارتها.
الولايات المتحدة القوى العظمى في العالم، لا يقع على عاتقها عبء الحماية الأبدية لإسرائيل وفقط، بل لديها مصالح وحسابات إستراتيجية في المنطقة والعالم شديدة الحيوية والتعقيد. الاهتمام الأمريكي في المنطقة متراجع بصورة واضحة قرابة العقد نظير التركيز التام على المحيط الهادئ حيث الصعود الصيني التحدي الخطير لواشنطن، بل إن سبب بقاء القوات الأمريكية في المنطقة في ظل تراجع الاهتمام يعزى إلى بقاء مستوى الردع المطلوب لحماية أمن إسرائيل.
لكن عندما تدفع تصرفات إسرائيل الهوجاء واشنطن إلى إعادة التركيز التام لها في المنطقة على حساب الصين، وروسيا وأوكرانيا في المرتبة الثانية. هنا لابد أن يعلو صوت المصلحة الإستراتيجية لواشنطن على صوت إسرائيل. وما أدل على ذلك، من رفض الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي إعطاء مساعدات مالية إضافية لإسرائيل. بل برزت أصوات سياسية وأكاديمية لامعة في واشنطن تطالب واشنطن بوقف الدعم المطلق لإسرائيل.
عملية طوفان الأقصى والحرب العدوانية على غزة، من المؤكد نبهت واشنطن أنها لن تؤدي إلى إغراقها في المنطقة وحسب، بل من الممكن أن تورطها في حرب إقليمية ستقضي على ما تبقى من مقومات قوة للولايات المتحدة. لذا، نتفق مع الآراء التي تجادل أن واشنطن قد أرسلت أكبر حاملة طائرات لها في المتوسط لمنع حرب إقليمية، أو كما يجادل البعض لحماية إسرائيل من نفسها.
وللتأكيد على ذلك، هذا التشديد الأمريكي المستمر على خيار العودة للتفاوض في إطار حل الدولتين. ونقدر أن هذا ما تسعى إليه واشنطن بقوة إنهاء الحرب في غزة والتركيز الكبير على الحل التفاوضي. وفي خضم ذلك، يبرز من جديد ملف التطبيع وملف التسوية مع إيران، بغرض الهدف النهائي وهو ضمان استقرار المنطقة وأمن إسرائيل وتركيز أقل في المنطقة.
وعلى هذا المنوال، فمن المؤكد أن واشنطن خلال الأعوام القليلة القادمة، ستمارس جميع أساليب الضغط على إسرائيل لضمان حليف مطيع، بل والأهم من ذلك، عرقلة تشكيل حكومة إسرائيلية يتحكم فيها يمين متطرف سينهي وجود إسرائيل.
ولعل هناك متغير آخر لا ينتبه إليه الكثيرون، والمتعلق بالتحول الكبير في التركيبة الاجتماعية داخل الولايات المتحدة نتيجة لموجات الهجرة. حيث غدا تتشكل لوبيات من أعراق متعددة بما في ذلك من الجاليات المسلمة، كما غدا اليسار الأمريكي في اتساع نوعي. ولعل تتوحد تلك اللوبيات على مناصرة القضية الفلسطينية ورفض الاحتلال الصهيوني، وهو ما تكشف بوضوح من المظاهرات العارمة داخل الولايات المتحدة المناهضة لمجازر غزة. وهذا بالقطع سيكون عاملا مؤثرا على قرار واشنطن بشأن الدعم المطلق لإسرائيل، ولعل بايدن يضع في حساباته هذا العامل حيث يميل ملايين المهاجرين والأقليات إلى الحزب الديمقراطي.
ملخص البيان، الحماية الأبدية لواشنطن لإسرائيل لن تنتهي، لكنها من المؤكد على إثر طوفان الأقصى ستتخذ نمطاً أكثر انضباطاً وصرامة، بحيث يكون المتحكم والموجه الرئيسي لإسرائيل هو واشنطن.
الدوحة مركز عالمي لدعم جهود مكافحة الفساد
جاءت استضافة الدوحة لأعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الحادية عشرة، بحضور... اقرأ المزيد
93
| 16 ديسمبر 2025
القوة الناعمة للصين.. التطور والتحديات
مع بداية الصحوة القوية لما يسمى (الصعود الصيني) في أوائل الألفينات، بدأت الصين في إيلاء مزيد من الاهتمام... اقرأ المزيد
174
| 16 ديسمبر 2025
الفجوة الصامتة بين التعليم والمستقبل
لا يزال التعليم في كثير من مدارسنا وجامعاتنا قائمًا على نموذج قديم، جوهره الحفظ واسترجاع المعلومة، لا فهمها... اقرأ المزيد
327
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1245
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
801
| 10 ديسمبر 2025