رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

147

د. فاتن الدوسري

القوة الناعمة للصين.. التطور والتحديات

16 ديسمبر 2025 , 04:00ص

مع بداية الصحوة القوية لما يسمى (الصعود الصيني) في أوائل الألفينات، بدأت الصين في إيلاء مزيد من الاهتمام والتركيز على القوة الناعمة، إثر بواعث متعددة متداخلة من بينها، الفعالية الجبارة للقوة الناعمة في ترسيخ وتوسيع الصعود الصيني وتحدي أكبر منافس وهو الولايات المتحدة تمهيدا للقيادة الدولية، نفى التهم والتصورات المتعلقة بالصعود الصيني كونه صعودا اقتصاديا استغلاليا سيتحول إلى تهديد عسكري خطير خاصة لجيران الصين، وأيضا ترسيخ صورة الصين الدولية كقوى عظمى سلمية حضارية مسؤولة.

 في 2004 وضعت الصين خطة لتعزيز وتطوير قوتها الناعمة قوامها تعزيز المساعدات المادية والإنسانية والفنية خاصة في جنوب شرق آسيا، وتوسيع معاهد كونفوشيوس في العالم لنشر الثقافة الصينية بما في ذلك اللغة الصينية. وفي 2008، أبهرت الصين العالم بتنظيم أولمبياد بكين الذي صنف حفل افتتاحها بالأكثر إبهاراً في تاريخ تنظيم الفعالية، مما وسع من صورة وسمعة الصين الإيجابية في العالم بصورة كبيرة.

 اتخذت القوة الناعمة للصين منذ تولي الرئيس شي جين بينج بعداً أكثر اتساعاً وقوة من حيث حجم الإنفاق والانتشار وتنوع الأدوات، إذ اعتبرها الرئيس بينج الأداة الرئيسية لترسيخ قيادة الصين الحضارية المسؤولة في العالم، والمرتكز الرئيسي لتعزيز القيادة الصينية الدولية في النظام الدولي بصفة عامة. خلال فترة وجيزة منذ تولي الرئيس بينج، أسست الصين العشرات من معاهد كونفوشيوس في العالم خاصة في أفريقيا وآسيا، كما أسست فضائيات صينية تخاطب شعوب الدول التي تعمل فيها، قدمت مساعدات ومنحا مجانية للدول الأكثر فقراً في العالم بلغت نحو 50 مليار دولار، تصدت الصين للقضاء على الأمراض الخطيرة خاصة الإيبولا والملاريا في أفريقيا، قدمت المئات من المنح الدراسة المجانية لدول العالم، وإرسال كوادرها الفنية من كافة التخصصات لدول العالم لغرض المساعدة والاستشارات. يضاف إلى ذلك، بدء اهتمام كبير بلعب دور الوسيط، وتولي زمام المبادرة في قضية التغير المناخي ونشر أسلحة الدمار الشامل.

 * بلغت ذروة القوة الناعمة للصين، في أزمة كوفيد-19، إذ تولت حرفيا زمام المبادرة العالمية في القضاء على الجائحة، في ظل تقاعس غربي، إذ دشنت ما يسمى طريق الحرير الصحي، والذي من خلاله قدمت الصين مساعدات طبيبة للتصدي للجائحة قدرت بنحو 60 مليار دولار، إلى جانب إسقاط بعض من ديون الدول الأكثر فقراً، وتأجيل بعضها المتضررة من الجائحة، وإرسال المئات من كوادرها الطيبية للمساعدة وتقديم الخبرة الفعالة السريعة في التصدي للجائحة. وتقول استطلاعات الرأي والتحليلات الدولية، إن مكانة وسمعة الصين الإيجابية قد ارتفعت بصورة غير مسبوقة إثر دورها العظيم في الجائحة، إذ على سبيل المثال، كشفت تلك الاستطلاعات عن تصدر الصين قائمة الدول الأكثر شعبية في أفريقيا وآسيا الوسطي وأمريكا الجنوبية، متفوقة على الولايات المتحدة التي حلت في المركز الثاني، وفرنسا في المركز الثالث، وروسيا في المركز الرابع.

في إطار الهيمنة الأمريكية المطلقة على النظام الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتى؛ اشتعل جدل واسع حول دور القوة الناعمة الأمريكية الطاغية في صعود الهيمنة الأمريكية وترسيخها، والحقيقة التي لم يستطع أحد إنكارها هو الدور الفعال للقوة الناعمة في ذلك، ربما كان الاختلاف حول حدود القوة الناعمة، لأن إسقاط القوة العسكرية والاقتصادية الأمريكية الساحقة من معادلة الهيمنة الأمريكية أمر غير معقول. والشاهد في الأمر، أن القوة الناعمة الأمريكية كان لها دور حاسم في إضعاف الاتحاد السوفيتي والاشتراكية بصورة عامة التي فشلت في مهدها، وترسيخ الهيمنة الأمريكية حتى 2008، ولاتزال تلعب دوراً كبيراً في تعزيز ما تبقى من قوة لواشنطن في العالم. إذ لا تزال القوة الناعمة الأمريكية المتجسدة في الأفلام الأمريكية، ووسائل الإعلام، واللغة الإنجليزية، وأحدث الابتكارات التكنولوجيا مثل أبل، واحتكار وسائل التواصل الاجتماعي، والرفاهية النسبية؛ لاتزال أكبر قوة ناعمة في العالم -ولا نظير لها حتى الآن.

* قطعت القوة الناعمة للصين شوطاً طويلا من التطور والقوة، مما انعكس على تعزيز سمعة ومكانة الصين الدولية بلا أدنى شك، لكنها في سبيل تحدي القوة الناعمة الأمريكية في إطار صراع الهيمنة المشتعل بين القوتين، لاتزال تواجه بعضا من التحديات، من بينها، الصعوبة البالغة-إذ يكاد يكون مستحيلا- أن تزيح اللغة الصينية اللغة الإنجليزية من عرض القيادة الدولية بسبب صعوبتها البالغة. وهذا ينطبق أيضا على نمط الثقافة الصينية، إذ رغم عراقتها الحضارية الكبيرة، لاتزال أيضا تواجه تحدي الانتشار العالمي مقارنة بالثقافة الأمريكية-الغربية عامة. 

 وعلى صعيد الابتكار والتكنولوجيا، لاتزال تواجه الصين أيضا تحدياً كبيراً، وربما ستتمكن الصين من تكسير فجوة التفوق التكنولوجي الأمريكي على المدى المتوسط، لكن ستظل الولايات المتحدة خصماً تكنولوجياً شديد التحدي. معضلة أخرى تواجه الصين ومن الصعب التملص منها هو نمط الحكم السياسي في الصين القائم على الحزب الواحد، وهذا لا يعني قمع وانتهاك حقوق الإنسان والحريات، فالصين تمارس فيها حريات كبيرة تصل إلى حد انتقاد الحزب الحاكم؛ بل يعني مركزية مفرطة وغياب ديمقراطية واسعة.

 وأخيراً، ثمة مسألة هامة جدا تتعلق بالقوة الناعمة الصينية هو غياب دور فعال أو ملموس للصين في كثير من أجزاء العالم، إذ تبدو الصين دائما في نظر عيون بعض الشعوب، كلاعب اقتصادي لا أكثر، غير مكترث لقضايا الداخل أو المنطقة، ولعل غياب دور قوي للصين في حرب غزة شاهد على ذلك.

مساحة إعلانية