رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هجمات موسكو: المنفذ والأهداف والتداعيات

في يوم 22 مارس 2024، تعرضت روسيا لأعنف عملية إرهابية منذ تولي بوتين السلطة عام 2000، والتي نفذها إرهابيون على قاعة «كروكوس سيتي» الموسيقية التي لا تبعد كثيرا عن موسكو. وراح ضحيتها أكثر من 150 قتيلا وعشرات الجرحى. وأثارت العملية جدلا وتساؤلات لا حصر لها بشأن منفذها وأهدافها وتوقيتها، وكذلك تداعيتها على مستويات عدة. فالعملية قد نفذت بعد يومين فقط من إعادة انتخاب بوتين كرئيس للمرة الخامسة. كما نفذت أيضا في ضوء تصعيد بين حلف الناتو وروسيا، وخلافات من ناحية أخرى بين المجموعة الغربية حول الدعم العسكري لأوكرانيا.. وغيرها من المعطيات المرتبطة بالعملية التي فاقمت الجدل حولها. لم تمض ساعات قليلة على وقع العملية حتى أعلن الفرع الأفغاني التابع لتنظيم داعش المسمى «داعش خراسان» مسؤوليته الكاملة عن العملية الإرهابية. ورغم ذلك، تضاربت الأقوال الرسمية والتحليلات حول هوية المنفذ، ففي حين أكدت واشنطن مسؤولية التنظيم عن الحادثة وقالت أيضا إنها حذرت موسكو من عمليات إرهابية من قبل التنظيم قبل وقوع العملية بفترة قصيرة. نفت موسكو في البداية أي صلة بالتنظيم عن العملية، متهمة أوكرانيا بصورة مباشرة. لكن لم يمضِ يومان حتى أعلنت موسكو عن تورط التنظيم في العملية لكن بدعم وتواطؤ أوكراني، وهو ما أكده الرئيس بوتين علانية في لقاء متلفز. ومن الملفت أن كثيرا من التحليلات الصحفية يكتبها صحفيون ومحللون مرموقون؛ قد كذبت تلك الروايات الرسمية. يمكن القول، إن للعملية الإرهابية على موسكو عدة تداعيات مؤكدة على ملفات محددة. لكن المشكلة تكمن في صعوبة الجزم أي من تلك التداعيات سيتم ترجيحه على الآخر في سياق ذات الملف في المستقبل القريب. إذ تحمل تداعيات كل ملف سيناريوهين أو أكثر يسيران بصورة متناقضة. وبطبيعة الحال تعد الحرب الأوكرانية من الملفات الأولى التي ستطالها تلك التداعيات. يتبين من إصرار موسكو على إقحام أوكرانيا بصورة أو بأخرى في العملية الأوكرانية، على أن الحرب الأوكرانية قد تشهد في الشهور القادمة مزيدا من العنف والحسم من جانب موسكو. لكن على الجانب الآخر من الزاوية، نجد أن روسيا قد انخرطت فعليا في جبهة قتال شرسة أخرى مع الإرهاب وافد من حدود ملتهبة خاصة أفغانستان، تستلزم حشد المزيد من التركيز والموارد، والأصعب على موسكو حتمية التعاون الاستخباراتي مع الأعداء الغربيين وخاصة واشنطن. ويجب الوضع في الاعتبار أن المعارضة الروسية وجانبا كبيرا من الصحف العالمية، تحمّل القيادة الروسية المسؤولية الكاملة عن العملية الإرهابية بسبب الإفراط في التركيز على أوكرانيا على حساب المواجهة الحاسمة للإرهاب الذي يهدد روسيا على جميع حدودها بحسبان ذلك الأولوية وليس أوكرانيا. وبالقطع من العسير جدا ترجيح أي من السيناريوهين، لكن نظن أن العملية الإرهابية قد يكون لها مردود إيجابي على الحرب الأوكرانية وذلك من حيث تخفيف حدة العنف، وبدء عملية تسوية للحرب بدعم غربي - صيني. أحد التداعيات الأخرى ذات الأهمية الكبيرة وذات صلة أيضا بالحرب الأوكرانية، يتمثل في تداعيات العملية على شعبية الرئيس بوتين. بنى بوتين منذ توليه الرئاسة عام 2000 جزءا كبيرا من شعبيته باعتباره حامي روسيا من خطر الإرهاب، حيث بدأ ولايته الأولى بحرب عنيفة ضد المتمردين في الشيشان. ورغم من يرى أن العملية بغض النظر عن تواطؤ موسكو فيها، ستصب في صالح زيادة شعبية بوتين. يرى آخرون، أن مردود العملية شديد السلبية على شعبية بوتين حيث أفقدته جزءا كبيرا من شرعيته، حيث أصحبت تتهم الأجهزة الأمنية بالضعف والإهمال والعمل لحماية النظام وليس الشعب.

1626

| 01 أبريل 2024

لماذا تتعثر مبادرات الهدنة في السودان؟

قبيل اندلاع حرب الإبادة الصهيونية في غزة في السابع من أكتوبر 2023، نالت الحرب الأهلية في السودان استحواذ الاهتمام الدبلوماسي الدولي والاهتمام الإعلامي أيضا خاصة العربي. وخلال الفترة التي غابت فيها الحرب في السودان عن الاهتمام نظير غزة؛ شهدت الحرب في السودان تطورات شديدة السلبية جراء تزايد حدة الصراع. فبحسب الأمم المتحدة، وصلت أعداد النازحين قرابة الـ 5 ملايين، كما يعاني قرابة 5 آخرين من أزمة غذاء تنذر بمجاعة، بخلاف عشرات القتلى يومياً، إذن فالوضع في السودان لا يقل كارثية عن غزة. إن مبادرات الهدنة والحل في السودان منذ اندلاع الصراع بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني لن تتوقف. ومنذ أحداث طوفان الأقصى؛ جرت جهود تهدئة من قبل كل من قطر والسعودية ومصر والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها، لكنها لم تسفر عن أي تطور - كما كان متوقعا. كما لم يتم تسليط الضوء عليها بشكل كاف بسبب الانشغال بغزة. ووراء فشل تلك الجهود والمبادرات الساعية حتى لهدنة مؤقتة وكان آخرها قرار مجلس الأمن بالدعوة لوقف القتال في شهر رمضان الكريم؛ أسباب عدة كاشفة للغاية لفشل الهدنة وترشح الوضع في السودان لمزيد من التدهور. منذ اندلاع الصراع الطاحن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كان واضحا من البداية أن هذا الصراع سيدوم لفترة طويلة، لأنه في جوهره صراع «صفري» على الهيمنة على السودان، طرف يجب أن يحقق انتصارا ساحقا على الآخر. وما فاقم الصراع أن قوات الدعم السريع تمتلك من الخبرة والإمكانات البشرية والعسكرية ما يمكنها من استنزاف الجيش السوداني أو تحقيق مكاسب على الأرض في ولايات مختلفة. هذا فضلا عن الدعم الخارجي القوي لها. وأبلغ دليل على ذلك هو عدم تمكن الجيش السوداني من تحقيق انتصار حاسم على قوات الدعم بعد قرابة سنة من القتال اليومي المستمر. مقابل ذلك، يصر الجيش السوداني، وفقا لتصريحات مسؤوليه، على القضاء على الحركة ودمج قواتها في الجيش السوداني. إذن، حينما نفسر سبب فشل جهود الهدنة، وبدء حوار أو تفاهم سياسي بين الطرفين، يجب أن نعي أن تحت السطح هذا الصراع الصفري المدعوم خارجيا. وتكمن المشكلة أيضا، أن أية تنازلات خاصة من جانب الجيش السوداني، هي بمثابة إقرار باستمرار قوات الدعم خارج السيطرة التامة كقوة موازية للجيش السوداني. إذ إن موقف حركة الدعم القاضي بعملية الدمج خلال خمس سنوات وإعادة هيكلة القوات المسلحة لبدء حوار مع الجيش لن يتغير، ولن يقبله الجيش أيضا لأنها مجرد مناورة لتقوية الحركة. وإن كان الصراع الصفري بين الطرفين هو السبب الجوهري لاستمرار تأزم الوضع في السودان، تبرز مجموعة أسباب أخرى مدعاة لاستمرار هذا التأزم. ويأتي على رأسها انشغال القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة بقضايا أخرى أكثر أهمية لديها وخاصة الوضع في غزة. في حين أن الوضع المتدهور في السودان يتطلب مزيدا من التركيز والاهتمام. وأسوة بذلك أيضا، نرى عدم تركيز دولي أو أممي عموما بالسودان حيث ينصب الاهتمام على غزة وأوكرانيا. وهذا بدوره يفشل أية مبادرات للهدنة في السودان التي تحتاج إلى دفعة قوية من القوى الكبرى والأمم المتحدة. ولعل من ضمن الأسباب الأخرى، عدم توافر وسيط حيادي مقبول لدى الطرفين. في حين أن سبب رفض جهود ومبادرات الهدنة التي قدمها أطراف مختلفة تعزو إلى التحيزات الكامنة غير المعلنة لطرف على حساب طرف. وقد سبق وأشرنا في مقالات سابقة، ونكرر الآن، أن الوضع في السودان يحتاج إلى وسيط متمرس حيادي مثل قطر مدعوماً بقوة دفع من قبل الأمم المتحدة والقوى الكبرى خاصة الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ملخص البيان، الصراع في السودان يعد من أعقد الصراعات العصية على الحل، ويزداد تعقيداً يوما بعد يوم. وهذا يقتضي في مرحلته الأولى لوقف نزيف الدم المستمر وعرقلة أزمة إنسانية عالمية؛ مزيدا من التركيز الدولي والدفع بوساطة مقبولة وحيادية لدى الطرفين، والضغط لوقف الدعم الخارجي.

1233

| 25 مارس 2024

الثقافة والنشر بين قطر والصين.. رؤية حضارية

شاركت في ندوة عقدت في الدوحة برعاية المجموعة الصينية للإعلام الدولي ودار النشر باللغات الأجنبية، ومجلة «الصين اليوم»، وبتنسيق «مجموعة بيت الحكمة للثقافة»، تحت عنوان «التبادل الحضاري والتنمية العالمية... علاقات الثقافة والنشر بين قطر والصين في العصر الجديد». شارك في الندوة كل من لو تساي رونغ نائب مدير المجموعة الصينية للإعلام الدولي، وتشياو شو رئيس قسم الإعلام السياسي في السفارة الصينية في قطر، وبشار شبارو المدير التنفيذي لدار جامعة حمد بن خليفة للنشر والأمين العام لاتحاد الناشرين العرب، ولي ووتشو نائب مدير مركز إعلام أوروبا الغربية وأفريقيا (دار مجلة الصين اليوم). مشاركتي جاءت بحكم تخصصي في الشأن الصيني حيث كانت رسالة الدكتوراة والعديد من الأبحاث التي شاركت بها في مؤتمرات معنية بتطور العلاقات العربية الصينية وشملت قائمة المشاركين في الندوة السيد وانغ قوانغ دا، الأستاذ في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية ومدير المركز الصيني العربي لأبحاث الإصلاح والتنمية، والدكتور أحمد السعيد الرئيس التنفيذي لمجموعة بيت الحكمة للصناعات الثقافية في مصر. وضمّت الندوة ضيوفاً في مجالات الثقافة الصينية والعربية والنشر والإعلام ومراكز الأبحاث وغيرها من المجالات، حضوراً وعبر الإنترنت، وأدار الندوة السيد جيا تشيويا، نائب رئيس دار النشر باللغات الأجنبية. استعرضت الندوة التطور السلس للعلاقات الدبلوماسية بين الصين وقطر منذ تأسيسها عام 1988، حيث حافظت الدولتان في السنوات الأخيرة على التبادلات الثنائية الوثيقة رفيعة المستوى، وعززتا الثقة السياسية المتبادلة، وحققتا نتائج مثمرة في التعاون العملي في مختلف المجالات، كما حافظت الدولتان على التواصل الوثيق والتعاون الجيد في الشؤون الدولية والإقليمية. المجموعة الصينية للإعلام الدولي - باعتبارها منظمة مهنية دولية شاملة للاتصالات - تسعى لتعزيز التبادلات وتعميق التعاون في التنمية المشتركة مع قطر، والعمل بجدّ لتعزيز بناء الحزام والطريق وبناء مستقبل أفضل، والسعي لبناء مصير مشترك للبشرية. كما نوقشت ثلاث نقاط أخرى تمثلت في: تعزيز التعاون في مجال النشر بين الصين وقطر لتشجيع الفهم المتبادل، وتعزيز التعاون الإعلامي بين الصين وقطر للسرد المشترك لكيفية سير البلدان النامية في طريق التنمية الحديث بخصائصها المتميزة، وتعزيز التبادلات الثقافية والحضارية وتقوية الروابط بين الشعوب. الندوة استعرضت تاريخ العلاقات الودية بين الدول العربية والصين التي تتمتع بتاريخ طويل، ولم تشهد صراعات على مدار أكثر من 1000 عام، وفي السنوات الأخيرة وضعت الصين نموذجًا للعلاقات الدولية وفق مفهوم بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. وذلك على عكس المجتمعات الغربية، المليئة بالتناقضات والمعايير المزدوجة، ذلك أنّ الرؤى والمفاهيم الصينية تحظى بدعم وتأييد شامل من الدول العربية بما في ذلك قطر، ويرجع ذلك إلى أنّ الصين قدّمت مثالًا يُحتذى به في تطبيق أفكارها ومقترحاتها في مختلف مجالات التعاون، وهي في سبيل ذلك تتحدث بلغة الأفعال وسرد الحقائق. الجانب الصنيي أبدى حرصا كبيرا على تطوير العلاقات الثقافية مع العالم العربي بالإشارة إلى التاريخ الحافل للتبادل الحضاري بين الشعب الصيني والشعوب العربية، وأنّ الحضارتين الصينية والعربية قدّمتا مساهمات إيجابية في بناء نظام ثقافي عالمي جديد متناغم، من خلال التبادلات والاندماج في ما بين الجانبين. على سبيل المثال ظهرت فاعلية «الكونفوشيوسية لتفسير الكتب المقدّسة» في الصين خلال عهد أسرتيّ مينغ وتشينغ، واستمر لأكثر من 200 عام، وهو بمثابة محاولة ناجحة لتقارب العقيدة الإسلامية مع الثقافة التقليدية الصينية، ما أسهم في تعميق فهم الثقافة الصينية من جهة، والتبادل الثقافي مع البلدان العربية من جهة أخرى، وأصبح ذلك نموذجًا ناجحًا في تاريخ الحوار الحضاري بين الشرق والغرب، كما أدّى دورًا مهمًّا في تعزيز التعايش متعدد الثقافات وتنمية الحضارات حول العالم. إنّ الدول العربية والصين لهما نفس الرؤية التنموية والمثل العليا الراسخة. ومن أجل بناء نظام عادل ومنصف، والتحدث معًا بشأن العديد من القضايا الدولية والإقليمية الكبرى، أتمّت مبادرة «الحزام والطريق» التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عقدها الثاني. وقد تلقّت هذه المبادرة العظيمة ترحيبًا من الدول العربية المختلفة، ومن بينها قطر. وقد ساهمت مشاريع البنية التحتية، التي نفّذتها الشركات الممولة من الصين، في البناء الحضري والإقليمي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولاقت قبول الرأي العام في جميع مناحي الحياة.

765

| 19 مارس 2024

الحملة العسكرية الأمريكية والقضاء على خطر الحوثيين

في منتصف يناير الماضي شكلت الولايات المتحدة تحالف «حامي الازدهار» العسكري لمحاربة جماعة الحوثيين في اليمن، ردا على الهجمات المتعددة التي شنتها الجماعة على سفن تجارية في البحر الأحمر تابعة أو داعمة لإسرائيل. وواقع الأمر، توقع الخبراء فشل الحملة في القضاء التام على الجماعة، أو ردعها عن استمرار عملياتها، قبل أن تنطلق الحملة. وبحسب ما ورد لنا من تقارير البنتاجون، نفذ التحالف منذ انطلاق مهمته عشرات الضربات الجوية قدرت بأكثر من 100 على مواقع للجماعة ومخازن لتخزين السلاح. وبحسب التقارير أيضا، نجحت هذه الضربات في شل قدرة الجماعة على تنفيذ ضربات جديدة بنسبة تصل الى 40%. بيد أن ضربة الحوثيين الأخيرة التي أدت إلى إغراق السفينة «روبيمار»-المزعم تبعيتها لإنجلترا- قد وضعت تلك التقارير محل شك كبير، كما أصبحت إمكانية القضاء التام على الجماعة أو ردعها تماما محل شك أيضا. إذ كشفت تلك الحادثة أمرين غاية في الأهمية أو الخطورة. أولهما، القدرة الكبيرة للجماعة على إعادة تنظيم نفسها، وقدراتها على المراوغة، والتخطيط المدروس بدعم من حلفاء إقليميين. والثاني، الإمكانات العسكرية والبشرية الكبيرة التي تمتلكها الجماعة، وفشل قوات التحالف في تحديد أو دراسة تلك الإمكانات بدقة، لاسيما أماكن تخزين السلاح. إذن لا تمثل الجماعة مليشيا عسكرية، بل هي قوة عسكرية تفوق قدراتها وقوتها جيوش دول صغيرة ومتوسطة. وبالتالي فمن حيث المبدأ فإن هزيمتها ليست بالأمر السهل. فضلا عن استخدامها تكتيكات حروب العصابات والقوات شبه النظامية مما يجعل هزيمتها أمام الجيوش النظامية غاية في الصعوبة-بل مستحيل في أغلب الأوقات. علاوة على ذلك، تتبدى خلفيات أخرى هامة في صعوبة هزيمة أو ردع الجماعة تماما. ومنها أن تقويض قدرة الجماعة والحد من خطورتها، وواقع الأمر، يتبين أو يعكس نمط الضربات الانتقائي الأمريكي تجاه الجماعة، حرص أمريكي على عدم التوسع في القتال عاكس تماما لعدم الرغبة في مزيد من التركيز. فضلا عن ذلك أن شركاء واشنطن يشاركونها نفس الرغبة. فتحالف «حامي الازدهار» وفقا للخبراء لا يرقى منذ تشكيله إلى مستوى التحالف العسكري القوي، وهو بمثابة قوة عسكرية مصغرة في مهمة مؤقتة. حيث أحجم الكثير من شركاء واشنطن الأقوياء في المنطقة وخارجها عن المشاركة. ويذهب العقلاء -ونتفق معهم- أن القضاء على خطر الحوثيين أو تخفيف هذا الخطر إلى حد كبير، يجب أن يرتكن على الحلول السياسية في المقام الأول. وتحديدا عبر ثلاثة مسارات. الأول هو الضغط على إسرائيل لإيقاف حرب الإبادة في غزة، والبدء في حل سياسي شامل للصراع العربي الإسرائيل، إذ ما دام الصراع موجودا، لن تنتهى المقاومة ضد إسرائيل. والثاني هو إجراء تسوية سريعة أو مصالحة مع إيران وفك عزلتها الدولية. والأخير، هو العمل على إجراء مصالحة شاملة في اليمن والاعتراف بالحوثيين كفصيل وطني أصيل. فالحوثيون يمثلون ما يقرب من 15% من اليمنيين. ملخص البيان، يذكرنا التاريخ جيدا أن هزيمة القوات شبه النظامية خاصة التي تقاتل في أماكن شديدة الوعورة مثل اليمن وأفغانستان، أمر شبه مستحيل وتعلم الولايات المتحدة ذلك جيدا. وبالتالي فاستمرار القتال العسكري ضد الحوثيين سيفضي إلى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار. إذن لا مفر من الحل السياسي كما آلت إليه كل الصراعات بين القوات النظامية وشبه النظامية التي تورطت واشنطن في الكثير منها.

1008

| 12 مارس 2024

ترامب والديمقراطية الأمريكية

يجمع المتخصصون على أن وصول ترامب للبيت الأبيض في 2017، كان في حد ذاته دليلا دامغا على أن الديمقراطيات الغربية عموما تعانى من أزمة حادة. يمثل ترامب المظهر الأقوى لصعود الشعبوية اليمينية المتطرفة في الديمقراطيات الغربية. في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، بدأت تتشكل في الديمقراطيات الغربية ما يطلق عليه «قاعدة الرجل الأبيض» والتي لديها هواجس رهيبة بشأن ضياع الهوية القومية بسبب زيادة عدد الأجانب، ولديها أيضا سخط رهيب على السياسات النيوليبرالية الاقتصادية التي أسقطت الملايين في الغرب في الفقر والبطالة، ووسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بصورة مرعبة. وعلى إثر ذلك، توسعت قاعدة الرجل الأبيض بحيث أصبحت القاعدة الرئيسية الداعمة للتيارات اليمينية المتشددة والتيارات الشعبوية. وكلا التيارين لديهم أفكار وخطابات معادية تماما للديمقراطية والقيم النيوليبرالية. وصل ترامب للبيت الأبيض على ظهر قاعدة الرجل الأبيض الأمريكي التي تشكلت في 2008 على يد «حزب الشاي» وقوامها من البيض الأمريكيين في الولايات الهامشية، والإنجيليين الأصوليين. وتوسعت بسبب فوز أوباما بانتخابات عام 2009، الذى ينظر إليه من قبل قاعدة الرجل الأبيض العنصرية بالأمريكي غير الأصلى، والتدهور الحاد في الاقتصاد الأمريكي. وحمل خطاب ترامب أجندة متطرفة متشددة للغاية ترتكز على تغذية أصولية الرجل الأبيض وشيطنة الأقليات والأجناس الأخرى خاصة السود والمسلمين والمكسيكيين باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية وسبب تراجع أمريكا. كما تأسس خطابه أيضا على عداء النظام الديمقراطي الراسخ في أمريكا بكل مكوناته خاصة جماعات الضغط. ولعل ذلك أهم ما يميز التيارات الشعبوية عن غيرها من التيارات هو سعيها إلى تغيير بنية النظام الديمقراطي والعداء الشديد للنظام المؤسسي. وأيضا، بنى خطاب ترامب على الهجوم على النيوليبرالية والعولمة والانفتاح الاقتصادي متهما إياهم بتدهور أمريكا وفقدان سيادتها. وعلى إثر ذلك، تشهد أمريكا منذ ولاية ترامب، نكوصا حادا في الديمقراطية. فالترامبية الشعبوية المرتبطة باسم ترامب، قد أفرزت ثلاثة مظاهر خطيرة تشير إلى التراجع الحاد في الديمقراطية الأمريكية. أولهما تفاقم أصولية الرجل الأبيض وتنامى العنصرية والكراهية ضد غير الأبيض، وهو ما تجسد في مقتل «جورج فلويد». والثاني، زيادة حدة الاستقطاب المجتمعي وفقدان أمريكا لروح الجماعة. والثالث وهو الأخطر، تعميق حدة الاستقطاب المؤسسي والحزبي، ووضع القواعد المنظمة للديمقراطية وشرعيتها في حالة من الفوضى والتشكيك. ترك ترامب البيض الأبيض في 2021، تاركاً وراءه ترامبية تغلغلت بصورة مرعبة في مفاصل المؤسسات الأمريكية. فمنذ هزيمته أمام بايدن، لم يكف هو وأنصاره عن التشكيك في شرعية الانتخابات الأمريكية وهو ما لم يحصل في تاريخ أمريكا، محاولاً أيضاً إبطال شرعيتها عبر الدفع بأكثر من 60 دعوة قضائية لإبطالها. إذ بحسب مركز بيو للأبحاث يرى ما يقرب من 46% من الأمريكيين أن انتخابات عام 2020 غير شرعية. محاولات ترامب تدعمها الأغلبية في الحزب الجمهورى، وهو ما يعني إجماع نظام الحزبين في أمريكا حول نقل السلطة في مشهد رهيب. ناهيك عن حالة الفوضى الديمقراطية الجارية حول أهلية ترشح ترامب لانتخابات عام 2024. تتباين الاستطلاعات حول فرص ترامب في الفوز في انتخابات 2024، لكنها ترى أغلبها أن فرصه بالفوز كبيرة. علاوة على ذلك، يعد ترامب حتى الآن المرشح الأكثر تفضيلا للحزب الجمهوري، خاصة بعد انسحاب رون ديسانتيس من السباق معلنا أيضا تأييده الكامل لترامب. إذن، فالمرجح على نحو كبير للغاية أن يكون ترامب منافس الحزب الديمقراطى في سباق 2024 وغالبا سيكون بايدن. وربما سيحقق انتصارا كبيرا. لكن الشاهد في الأمر، أن نجاح ترامب في الوصول لاستحقاق 2024 حتى في حال خسارته يشير بجلاء إلى أزمة حادة تعانى منها الديمقراطية الأمريكية والتي تتجلى في توسع قاعدة الرجل الأبيض التي تعادي الديمقراطية، وزيادة حدة الاستقطاب المجتمعي والحزبي، وتنامي روح الكراهية والعنصرية.

981

| 07 مارس 2024

إصرار إسرائيل على اجتياح رفح.. الأهداف والسيناريوهات

خلال الأيام العشرة الأخيرة، تصدرت مسألة إصرار إسرائيل على اجتياح مدينة رفح في قطاع غزة، المشهد الإعلامي والسياسي الدولي، نظراً للتداعيات الخطيرة المرتقبة لهذا الاجتياح، لاسيما على مستوى العلاقات بين مصر وإسرائيل. قال نتنياهو ومعه أعضاء بارزون في حكومته، إن الانتصار في الحرب وتحقيق أهدافها يتوقف على هذا الاجتياح. وقال آخر في حكومته إن منع إسرائيل من اجتياح هو بمثابة القضاء على إسرائيل. وهو ما يشير عن جدية بالغة من إسرائيل لتنفيذ الاجتياح، رغم التداعيات الخطيرة. تتضارب الاجتهادات حول أهداف إسرائيل من الغزو، لكننا نرجح ثلاثة أهداف تبدو أكثر واقعية، أولها، إحكام السيطرة التامة على القطاع أو محاصرة بالكامل داخليا وخارجيا لاسيما بعد السيطرة على محور فيلادلفيا. والثاني، إيهام الرأي العام الإسرائيلي بتحقيق أهداف جوهرية في الحرب بعد الفشل الذريع في تحقيق أية من الأهداف المستحيلة التي حددتها إسرائيل منذ طوفان الأقصى خاصة هدف القضاء على حماس وتحرير جميع الرهائن. إذ تدور السردية الإسرائيلية في هذا الصدد حتى على لسان نتنياهو أن القضاء على حماس والأنفاق وتحرير الرهائن مرهون باجتياح رفح. والثالث وهو يعد صلب الإشكالية الكبرى الضغط على نازحي القطاع المتمركزين في الجنوب للفرار على الحدود المصرية وتقدر أعدادهم بنحو المليون ونصف المليون. هل تستطيع إسرائيل تنفيذ الاجتياح بالفعل؟ في الواقع يبدو الأمر في غاية التعقيد ومسار لتكهنات وضغوط عدة. إذ في ضوء مبررات وأهداف إسرائيل السابقة، يبدو أنها عازمة بشكل قوى على الاجتياح، لاسيما وأن هذا الاجتياح يبدو في نظر حكومة إسرائيل الحالية طوق النجاة من الإقالة ثم المحاكمات. لكن في الوقت عينه، ثمة عواقب وتحديات شديدة الجسامة جراء هذا الاجتياح، تعلمها إسرائيل جيداً. العقبة الرئيسية التي تواجه إسرائيل هي تأثير الاجتياح على علاقاتها مع مصر، وخطورة الاجتياح تنبع من أمرين، أولا يعد انتهاكا واضحا لمعاهدة «كامب ديفيد» لأنه سيمتد إلى الشريط الحدودي ومحور فيلادلفيا وهى المنطقة العازلة منزوعة السلاح بين إسرائيل ومصر بحسب المعاهدة. وثانيا، سيؤدى الضرب المكثف في رفح إلى دفع سكان القطاع على المعابر المصرية للدخول إلى سيناء. لذا، هددت مصر صراحة بتعليق العمل باتفاقية كامب ديفيد إذا نفذ الاجتياح. فضلا عن ذلك، قد يدفع الاجتياح إلى فتح جبهات مواجهة مع إسرائيل من قبل حركات المقاومة، وربما تمتد إلى حرب إقليمية، نظراً لمستوى الضحايا الجسيم المرتقب جراء هذا الاجتياح. وإزاء ما سبق، تتبلور ثلاثة سيناريوهات- مرجحين بشكل متساوٍ - لا رابع لهم، بشأن الاجتياح: الأول- تنفيذ الاجتياح، رغم تداعياته الخطيرة والتي قد تصل إلى مواجهة عسكرية مع مصر. إلا أن سلوك وتصرفات حكومة إسرائيل منذ السابع من أكتوبر التي يغلب عليها الانتقام والعشوائية، قد يرجح تنفيذ الاجتياح. الثاني- تأجيل الاجتياح إلى أجل غير مسمى، وليس إسقاطه تماما. والاكتفاء بتكثيف الضرب في الجنوب حتى خان يؤنس ودير البلح، على أمل ممارسة المزيد من الضغوط على حماس للإفراج على الرهائن بدعم وضغط خارجي، وإخراج قيادة حماس من القطاع. والثالث-وهو المرجح نسبياً، التخلي تماما عن فكرة الاجتياح بسبب العقبة المصرية المانعة. وهنا يجب أن نضع في الاعتبار أن الولايات المتحدة لديها عقيدة ثابتة وهى منع أية حرب بين حليفين بشتى الطرق. فضلا عن ذلك، يدرك عقلاء إسرائيل وهم قلة محدودة أن إسرائيل لن تقوى على فتح جبهة توتر مع مصر الآن. ولعل ما قد يرجح هذا السيناريو أيضا الجهود الجبارة التي تقودها أطراف إقليمية على رأسها قطر لإثناء إسرائيل عن خطوة الاجتياح.

1140

| 22 فبراير 2024

تأثير السياسة الخارجية على الانتخابات الأمريكية

حينما غزت الولايات المتحدة العراق في 2003، أظهر استطلاع رأى أمريكي موسع أن 30 % من الأمريكيين لا يعرفون أين تقع العراق في العالم؛ في حين أن بلادهم تخوض واحدة من أكبر الحروب ساهمت مساهمة رئيسية في تراجع القوى الأمريكية. منذ التخلي عن عزلتها رسمياً بعد الحرب العالمية الثانية، والرأي العام الأمريكي لا يكترث بالسياسة الخارجية لبلاده، هكذا كانت دائما تلعب السياسة الخارجية دوراً ثانوياً للغاية في التأثير على استحقاقات الانتخابات الرئاسية، وانتخابات الكونجرس. ويعزو ذلك، لعوامل تاريخية واجتماعية مرتبطة بنشأة الولايات المتحدة. وبصدد الانتخابات الأمريكية لاسيما الانتخابات الرئاسية، كان ولا يزال محددان رئيسيان فقط هما اللذان يلعبان الدور الحاسم في قرار الناخب الأمريكي للتصويت لمرشح معين، وهما: المحدد الاقتصادي وهو المحدد الرئيسي الفيصلي. فمهما حقق المرشح للاستحقاق الانتخابي الرئاسي من إنجازات على مستوى السياسة الخارجية، لكن لا تقابلها نفس الإنجازات على المستوى الاقتصادي، ففي الغالب لن يصل أو يستمر في البيت الأبيض. ولنا مثال في انتخابات كلينتون وبوش الأب، حيث انتصر الأول عبر برنامج اقتصادي قوى على الثاني بالرغم من انتصاره في حرب العراق عام 1990 وتدشين عصر الأحادية الأمريكية على العالم. والمحدد الثاني هو شخصية أو كاريزمية المرشح، يأتي تأثيره بالقطع بعد المحدد الاقتصادي، لكنه محدد في غاية الأهمية. ولنا عبرة في ريجان وكلينتون وأوباما وترامب، حيث ساهمت شخصياتهم الساحرة مساهمة قوية في وصولهم للبيت الأبيض. وإن كان محدد السياسة الخارجية لا يزال ليس مؤثرا بالدرجة الكافية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بما في ذلك القادمة في نوفمبر 2024. إلا أن دوره قد بدأ يأخذ حيزا من التأثير أخذ في الزيادة، منذ انتخابات 2009 بين أوباما وماكين. ويعزو ذلك لسبيين رئيسيين، الأول- تراجع قوة الولايات المتحدة وبروز متغيرات العامل الخارجي كمحددات حاسمة على مستقبل الهيمنة الأمريكية، وقوة الاقتصاد الأمريكي على وجه التحديد. فتراجع القوة الاقتصادية للولايات المتحدة، وتقويض دولة الرفاهة أو الحلم الأمريكي؛ كان حتما سيثير اهتمام الرأي العام الأمريكي بدرجة أعلى بالسياسة الخارجية خاصة مع ربط واشنطن القوى هذا التراجع ببروز قوى معادية منافسة خاصة الصين وروسيا. لذا، قد بدأننا نشهد بروز الصين على وجه التحديد بشكل لافت للغاية في برامج ومناظرات المرشحين من الحزبين. إذ أصبح التنافس بين المرشحين حول كيفية التصدي للتهديد الصيني من العوامل القوية للفوز. فأثناء حملته الانتخابية، وصف بايدن الصين بقوى المراجعة التي تشكل تهديد اخطيرا للنظام الليبرالي العالمي. والسبب الثاني، يكمن في التغير الواسع في التركيبة الاجتماعية للولايات المتحدة، وذلك من حيث تنام كبير للأقليات والمهاجرين خاصة من العرب والمسلمين، كما أن تأثيرهم التصويتي قد أصبح حاسما في بعض الولايات. وتلك الأقليات والمهاجرون معنيون بصورة كبيرة ببعض قضايا السياسة الخارجية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والهجرة. إن تأثير السياسة الخارجية، قد بدأ يأخذ من الآن حيزا مؤثراً على الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويأتي على رأس الاهتمام الحرب في غزة، فيكفى القول، إن جميع استطلاعات الرأي الأمريكية قد أشارت إلى تراجع حاد في شعبية بايدن بسبب دعمه للحرب في غزة، وفشله في إنهاء الحرب الأوكرانية. وقد أشارت أيضا إلى تخوف الأمريكيين من وصول ترامب للبيت الأبيض على خلفية سياساته الخارجية المتهورة ودعمه المطلق لإسرائيل.

1260

| 13 فبراير 2024

تغيرات في حرب إسرائيل على غزة

المتابع عن كثب لحجم وكثافة الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة في شهر يناير خاصة آخر أسبوعين منه، مقارنة بالشهور الثلاثة السابقة له؛ سيلاحظ بعضا من التغير المحدود. حيث خفضت إسرائيل ضرباتها الجوية في غزة نوعا ما، كذلك قد أجرت بعض التغيرات المحدودة أيضا على تكتيكاتها القتالية في سياق حربها البرية مع قدر ما محدود أيضا في حجم التحركات والمناورات التي تستهدف عناصر حركة حماس. ونظن أن هذا التغيير هو مقدمة لتحول أكبر لعمليات إسرائيل في غزة- نحو التخفيف بالطبع- كذلك، على صعيد عمليات ومناوشات إسرائيل مع حزب الله وفى سوريا. مدفوعاً بجملة من الوقائع والضغوط الشديدة الوطأة. راهن معظم الخبراء السياسيين والعسكريين بالصعوبة البالغة التي ستواجه إسرائيل في تحقيق أهدافها الرئيسية المعلن بعضها في غزة، وعلى رأسها إسقاط حكم حماس في غزة، واستعادة الرهائن بالقوة والضغط دون صفقة. ومن الغريب أن حلفاء إسرائيل ومن بينهم أمريكا قد أوحوا أيضا بصعوبة تحقيق هذه الأهداف. وتدخل الحرب الإسرائيلية على القطاع شهرها الرابع دون تحقيق إسرائيل أيا من تلك الأهداف. بل ما جنته إسرائيل حتى الآن جملة من الخسائر الفادحة وعلى رأسها انقلاب الرأي العام العالمي، وبعض من داعميها التقليديين لاسيما على المستوى الأوروبي ضدها، جراء عمليات قتل المدنيين الوحشية التي راح ضحيتها قرابة 26 ألف مدني. هذا فضلا عن حدوث بعض الشرخ في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو الأخطر على إسرائيل. وعليه، فمن البديهي في ضوء ذلك الفشل الذريع، أن تحدث إسرائيل بعضا من التحول في عملياتها في غزة، والذي قد يسير باتجاه تكثيف العنف بصورة جنونية. لكن يتبدى لنا بأنه يسير باتجاه التخفيف النوعي، واحتمالية عدم العودة لمستوى القصف الوحشي السابق. ويمكن القول، إن فشل إسرائيل الذريع في تحقيق أهدافها في غزة، يمثل عنصر الضغط الرئيسي شديد الوطأة لهذا التحول. فإذا كان هناك بعض الضغوط الأخرى-التي سيأتي ذكرها- دافعة نسبياً لهذا التحول. إلا أن إسرائيل لا تعبأ بها بصورة كبيرة، مقارنة بضغط الفشل الذريع. يتراءى لنا أن قيادة إسرائيل بعد أربعة شهور متواصلة من الهجمات الوحشية في غزة، قد تيقنت أنه لا مفر من تخفيف هذه الهجمات، واتباع نهج جديد على الأرجح سيقوم على الانتقائية؛ أي شن عمليات محدودة مركزة جوية وبرية تستهدف قيادات ومراكز حماس، وتتفادى قتل المزيد من المدنيين. شنت إسرائيل هجمات إبادة عشوائية على غزة منذ طوفان الأقصى، كصورة من صور الانتقام الأعمى العشوائي، وامتصاص غضب الرأي العام الإسرائيلي الناقم على حكومته، والضغط على حماس للإفراج على الرهان المحتجزين، وتخويف حركات المقاومة المسلحة وخاصة حزب الله من مغبة تكرار طوفان الأقصى على الجبهة الجنوبية. ومحصلة ذلك بعد أربعة شهور، هو الفشل الذريع، وتشويه سمعة إسرائيل، ولعل الأهم هو تزايد ضغط وسخط الرأي العام الإسرائيلي من فشل الحكومة في تحرير الرهان، والضغط على حماس. فالرأي العام الإسرائيلي-وفقا للعديد من استطلاعات الرأي- داعم بشدة لاستمرار هذه الحرب لاسيما حتى القضاء على حكم حماس في القطاع. لكنه ساخط بشدة من إدارة حكومته لهذه الحرب. ويتبدى لنا أن قطاعا لا يستهان به من الرأي العام الإسرائيلي، بدأ يدرك أن تحقيق أهداف إسرائيل في غزة باتت أمراً مستحيلاً، كذلك بدأ يدرك أن سياسة التخويف الوحشية التي تمارسها حكومته، سياسة فاشلة بامتياز في ردع حركات المقاومة المسلحة عن تهديد أمن إسرائيل. وبالتالي، تأخذ حكومة نتنياهو في حسبانها احتمالية تنامي ضغط عام داخلي يرمي إلى إنهاء الحرب تماما وإتمام صفقة تبادل مع حماس، لاسيما في ضوء نزيف الخسائر الاقتصادية والمعنوية لإسرائيل. ولعل ذلك أخطر ما تخشاه حكومة إسرائيل، لأنه سيكون بمثابة هزيمة ساحقة وتهديد مزمن لوجود إسرائيل ذاته. ومن ثم، يبدو لإسرائيل أنه لا مفر من تعديل النهج بنهج أكثر انتقائية يضمن استمرار الضغط على حماس، وتهدئة الرأي العام الداخلي، وتخفيف الضغوط الخارجية. ويمثل العامل الأمريكي أحد الضغوط الدافعة لهذا التحول. فرغم تأييد واشنطن الطبيعي للحرب على غزة منذ طوفان الأقصى. إلا أن حدة هذا التأييد قد شهدت بعضا من التراجع، كما تخلله بعض من الضغوط بشأن نهج وإدارة العمليات في غزة، ومستقبلها. يتبدى من الموقف الأمريكي تجاه غزة، لاسيما خلال الشهر الأخير، أن واشنطن بفضل وطأة ضغوط شديدة، تسعى إلى المحافظة على توازن يراعي مخاوف وأمن وضغوط إسرائيل، وفي الوقت عينه يحول دون اتساع نطاق الحرب إلى حرب إقليمية شاملة، كذلك تحويل القطاع إلى أكبر مقبرة بشرية جماعية في التاريخ. لهذا السبب، شهدت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية توترا كبيرا ربما غير مسبوق، بسبب العناد الإسرائيلي على التصعيد في غزة دون تحقيق الأهداف المرجوة. وبالتالي، فعلى الأرجح قد ارتأت حكومة إسرائيل أن تعديل النهج لاسيما النهج الانتقائي سيرضي واشنطن، التي لا تمانع من استمرار العمليات ضد حماس مراعاة لهواجس إسرائيل بشان وجودها، دون الحاجة إلى استمرار تصعيد وحشي سيفضي إلى قتل المزيد من المدنيين وجر إسرائيل إلى حرب إقليمية مفتوحة الجبهات. ويتمثل العامل الأخير الدافع لهذا التحول هو الدعوة التي أقامتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بشأن جرائم الإبادة في غزة. والتي أصدرت فيها المحكمة حكماً تاريخيا ضد إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة في غزة، وفرض تدابير على حكومة إسرائيل لمنع إبادة جماعية في غزة. ويعرف القاسي والداني أن المحاكمة يغلب عليها الطابع الرمزي إلى حد كبير، وأن قرارات المحكمة لم تنفذ حيث يتطلب تنفيذها موافقة مجلس الأمن الذي سيعرقل التنفيذ بالقطع عبر الفيتو الأمريكي-الإنجليزي. ومع ذلك، مثلت قرارات المحكمة صفقة قوية لإسرائيل، وإدانة عالمية واضحة العيان حيث صدر القرار بأغلبية، ستشكل بلا أدنى شك ضغطا قويا على إسرائيل لتعديل نهجها في غزة من الآن فصاعداً.

792

| 30 يناير 2024

حدود التركيز الأمريكي في المنطقة بعد طوفان الأقصى

بالرغم من التراجع الواسع لأهمية المنطقة الاستراتيجية للولايات المتحدة منذ ولاية إدارة أوباما. ومع ذلك، ظلت المنطقة-وستظل- معضلة عويصة لواشنطن. وذلك من حيث حدود التركيز الشامل اللازم فيها، وأيضا بشأن التعاطي مع أخطر القضايا التي تعنى واشنطن فيها وعلى رأسها أمن إسرائيل، وتحجيم إيران، ومحاربة الإرهاب، والمحافظة على ثقة الحلفاء التقليديين في المنطقة وأهمهم دول الخليج ومصر والأردن. بدأ الجدل المحتدم داخل دوائر صنع القرار في واشنطن، وبين أبرز الكتاب الأمريكيين، حول الأهمية الاستراتيجية للمنطقة لواشنطن؛ بدأ مبكراً جداً في نهاية ولاية «بوش الابن»، والتي تبين فيها أن واشنطن بصدد تحول جذري في استراتيجيتها تجاه العالم والمنطقة.وبشأن المنطقة، ارتأى الكثير داخل دوائر صنع القرار ومعهم كتاب بارزون مؤثرون في صنع القرار الأمريكي، أن عزم واشنطن تحويل تركيزها التام نحو آسيا، وتهميش المنطقة بصورة شبه تامة، ينطوي على خطورة شديدة للغاية. إذ لاتزال المنطقة تمثل أهمية استراتيجية بالغة من حيث مكافحة الإرهاب، والاستراتيجية البحرية العالمية لواشنطن. وبعض من هؤلاء قد نبه إلى استغلال خصوم واشنطن وبالأخص روسيا والصين وإيران هذا الفراغ لملئه. وتحت وطأة التهديد الصيني الخطير، وتراجع قوة الاقتصاد الأمريكي؛ انتصر التيار المؤيد بحتمية تقليص واشنطن اهتمامها بالمنطقة، والذي يرى أيضا أن المنطقة قد أمست «عبئا» ثقيلا للغاية يجب التخلص منه. وقد تجسد ذلك في سياسات الإدارة الأمريكية في المنطقة منذ ولاية أوباما التي رمت إلى المحافظة على حضور عسكري قوى «لكن دون فعالية»، والتركيز على ملفات ضيقة على رأسها أمن إسرائيل بالقطع، وتأمينه قد يقتضي إبرام صفقة تسوية مع إيران. عد بايدن من أكثر المتحمسين لتقليص التركيز الأمريكي في المنطقة، حيث كان واضحا للغاية بشان ذلك، أثناء ما كان نائبا لأوباما، وأثناء حملته الانتخابية التي كرر فيها أكثر من مرة عبارة «إنهاء الحروب الأبدية لواشنطن في المنطقة». وقد تبدى ذلك من قرار الانسحاب السريع المتخبط من أفغانستان فور توليه الرئاسة، وسحب بعض الأصول العسكرية من منطقة الخليج وإعادة توجيهها إلى الباسفيك. أعادت الحرب الأوكرانية الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بقوة إلى المدرك الاستراتيجي الأمريكي. حيث تبين لواشنطن الأهمية البالغة للمنطقة في حسابات واستراتيجيات واشنطن العالمية. وعلى نحو آخر، قد تيقنت أن الأحداث والتحولات الرئيسية في المنطقة لها ارتدادات خطيرة على واشنطن. لذا، سرعان ما قصد بايدن السعودية بعد الحرب في زيارة وصفت بالتاريخية، للتنسيق في شأن أسعار النفط، وتقوية جبهة التحالف التقليدية ضد محور روسيا-الصين. وبالنسبة لبايدن تحديدا، فقد تكشف له في إطار سياسات التحالفات التي ينتهجها لمقاومة الصين، مدى أهمية تعزيز التحالف مع حلفائه في المنطقة لاسيما في إطار تنامي النفوذ الصيني في المنطقة. لذا، قد شدد في خطابه في السعودية على مسألة بقاء واشنطن في المنطقة وعدم ذهابها إلى أي مكان آخر على حد تعبير بايدن. وعلى أثر ذلك، بدأت إدارة بايدن في تعزيز تركيزها في المنطقة بقدر ما. حيث تكشف عن وجود خطط أمريكية لإعادة هندسة المنطقة، بما يضمن تعزيز مصالح واشنطن دون انغماس واسع في المنطقة. إذ بدأ الحديث عن مخطط واسع للتطبيع مع إسرائيل، كما تم الإعلان عن الممر الاقتصادي الجديد الذي يربط بين الخليج والهند وأوروبا والرامي إلى تقويض مبادرة «الحزام والطريق الصينية».ومثل طوفان الأقصى، الحدث الفيصلي الحاسم لواشنطن بشان حدود وأفق التركيز الأمريكي في المنطقة، لأنه مس أخطر وأهم ملف لواشنطن في المنطقة وهو «وجود إسرائيل ذاته». والأخطر بالنسبة لطوفان الأقصى بالنسبة لواشنطن-كما يرى العديد من المتخصصين المرموقين- أنه قد دمر خطط بايدن بالكامل لإعادة هندسة المنطقة التي عكف على بنائها منذ الحرب الأوكرانية. لذا، عادت بقوة المنطقة كمعضلة عويصة لواشنطن، وذلك من حيث حتمية اتخاذ قرار حاسم بشأن التركيز كما كان في السابق لاسيما التركيز العسكري. فناهيك عن أن وجود إسرائيل ذاته بات محل تهديد خطير بعدما تعرى تماما ضعف الردع الاستراتيجي لإسرائيل؛ فإن احتمالات حرب إقليمية واسعة بين إيران وإسرائيل، باتت قاب قوسين أو أدنى، خاصة في ظل حكومة إسرائيلية يمينية. ويمكن تلامس هذه المعضلة من مسيرة التعاطي الأمريكي مع حرب غزة؛ إذ ما لبث أن هزمت إسرائيل عبر طوفان الأقصى، أرسلت واشنطن أكبر حاملة طائرات لمساندة إسرائيل، وردع خصومها، وعلى الأرجح لعرقلة حرب إقليمية شاملة. لكن سرعان ما شهد الموقف الأمريكي بعض التطورات التي تشي بعدم الرغبة المطلقة في التصعيد، ومنها الدفع بمسالة حل الدولتين. ملخص البيان، على الرغم من ان المنطقة كانت وستظل معضلة لواشنطن تفاقمت بشدة بعد طوفان الأقصى. إلا أنه من المستبعد تماما أن تدفع واشنطن إلى إعادة تركيزها في المنطقة إلى ما قبل 2009؛ وينطوي ذلك-رغم معارضة داخلية أمريكية قوية- على وجاهة واقعية. إذ من جانب لم تعد المنطقة تمثل أهمية حيوية استراتيجية كبيرة بسبب تراجع أهمية النفط، ومن جانب آخر هناك ما هو أخطر لاسيما التهديد الصيني الذي يستلزم تكثيف كافة الموارد والجهود لمواجهته. وعليه، ستحاول واشنطن موازنة هذه المعضلة، عبر إعادة اهتمامها نسبيا بالمنطقة، وتحميل الأعباء على حلفائها لاسيما العسكرية عبر تشكيل تحالف وشراكات أمنية كبيرة. والأهم، هو الضغط على إسرائيل إلى أقصى حد لمنع حرب إقليمية ستضرها إلى التدخل بشكل مباشر، والاستمرار لعقود في الانغماس في المنطقة. وأخيراً، إعادة تهيئة المنطقة لخطط واسعة لهندستها لاسيما التطبيع.

2514

| 23 يناير 2024

إلى أين يتجه النظام الدولي في 2024؟

مضى عام 2023 وترك وراءه استمرار حالة الصراع والتوتر الحاد على مستوى الصراعات الرئيسية في النظام الدولي، وعلى رأسها الصراع الأمريكي الصيني، والحرب في أوكرانيا، إلى جانب فتح بؤر صراع حادة جديدة، وأهمها الحرب في غزة، والصراع في السودان، والبحر الأحمر عبر هجمات الحوثيين. وعام 2023 لم يختلف كثيراً عن سابقيه، بل ربما يتزايد قليلا من حيث نطاق وقوة الصراعات، لكن الشاهد في الأمر أن حالة الصراع والتوتر قد باتت السمة الغالبة للنظام الدولي. وليس في هذا الأمر ما يستحق التعجب، فالصراع هو حالة مستدامة في النظام الدولي الواقعي الفوضوي- بحسب المدرسة الواقعية - لكن يعزو تطور وتزايد حدة الصراع في السنوات الأخيرة إلى أسباب متعددة، أهمها تزايد حدة المنافسة بين القوى الكبرى والصراع على القيادة الدولية والأدوار المركزية، وتراجع دور الولايات المتحدة في النظام الدولي الذي كان بمثابة شرطي النظام الدولي القادر على إخماد التوترات في مهدها خاصة التوترات في المنطقة. ويتبدى مما سبق- رغم أن تلك المقالة رؤية استشرافية للنظام الدولي لـ 2024- أن حالة الصراع والتوتر ستستمر لعام 2024 وما بعدها. لكن درجة وتطور تلك الصراعات هو ما سنحاول استشرافه بإيجاز في المقالة. الصراع الأمريكي الصيني هو ما يجب البدء في الحديث عنه، بل هو المرتكز الرئيسي الحاكم لمعظم الصراعات في النظام الدولي، ونمط هذا النظام ومستقبله. الصراع الأمريكي الصيني لن يتوقف فكلتا القوتين في حرب باردة ومنافسة شديدة على كافة المستويات، ولن يتوقف لأنه صراع على حسم قيادة العالم. لكنه في الوقت عينه لن يحسم بمواجهة عسكرية (ستكون الحرب العالمية الثالثة بحق) في القريب العاجل، لأن كلتا القوتين تسير المنافسة بعقلانية ورشادة شديدة وفقاً لمبدأ «التنافس الإستراتيجي» وهو مبدأ يقوم على مرتكزات كثيرة أهمها «رهان الوقت»، بمعنى تكسير عظام بطيء على المدى الطويل. وربما من السيناريوهات المتفائلة لعام 2024، والتي قد يعارضها الكثيرون، وهو تخفيض حدة التوتر بين القوتين. إذ على الرغم من أن بايدن قد انتهى 2023 بالتصديق على قانون الإنفاق العسكري الجديد الموَجَّه بالكامل ضد الصين بميزانية تناهز 800 مليار دولار. ومع ذلك، ثمة بوادر عدة على توافق القوتين على تقليص التوتر، ومن أهمها استئناف الاتصال العسكري، وزيارات «بلينكن» لبكين التي تشي برغبة أمريكية كبيرة في تخفيض التوتر. وقد يعزو ذلك إلى رغبة القوتين في التعاون لإنهاء الحرب الأوكرانية، ومواجهة قضية التغير المناخي، والحرب في غزة، وصراعات المنطقة عموماً. فضلا عن أن 2024 هو عام حاسم لبايدن بسبب انتخابات الرئاسة. إذن ستدفع تبعات 2023 وما قبلها القوتين إلى حتمية تخفيض مستوى الصراع إلى قدر المستطاع، والتعاون بنفس المستوى أيضاً. فقضية مثل التغير المناخي والتي وصلت إلى مستويات حرجة جدا من الخطورة، تحتم على القوتين التعاون بسبب الأضرار شديدة الوطأة عليهما. وتقليص مستوى الصراع بين القوتين، سيؤدى إلى تقليص موازٍ في آسيا، خاصة فيما يتعلق بالتجارب النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، التي اشتعلت كبؤرة توتر في جنوب شرق آسيا. كذلك، على مستوى الصراع بين الهند والصين، والأخيرة واليابان. وتعد الحرب الأوكرانية، أخطر بؤر الصراع في العالم. إذ لا تكمن الحرب في مطالب ومزاعم روسيا فيها، بل لها أبعاد تتجاوز ذلك بكثير. ولعل أهم تلك الأبعاد هو تداخلها في معادلة الصراع على تحديد النظام الدولي الجديد وأدوار القوى الدولية الكبرى فيه. والحرب الأوكرانية في 2024 تتجه إلى سيناريوهين رئيسيين: الأول استمرار حالة التوازن على مستوى جبهة الصراع بين الجيشين الروسي والأوكراني. والثاني محاولة إنهاء هذه الحرب بضغط أمريكي روسي. ويتبدى من مجريات الصراع ومواقف الأطراف المتورطة فيه، وخاصة الموقف الغربي بقيادة الولايات المتحدة؛ أرجحية السيناريو الثاني. فالمجموعة الغربية بقيادة واشنطن يبدو أنها قد سئمت من استمرار هذه الحرب، والأهم تشعر باستنزاف اقتصادي كبير جراء الدعم المستمر لأوكرانيا. ففي مشروع الإنفاق العسكري الجديد للولايات المتحدة، تم تقليص مساعدات مالية لأوكرانيا بفضل معارضة شديدة من الكونجرس. ولم يختلف الأمر كثيراً مع الأوروبيين الذين لم يخفوا نواياهم بتقليص الدعم لأوكرانيا. والوضع في المنطقة لاسيما على صعيد الحرب في غزة والصراع في السودان، فمن الصعب التكهن بمسارهما في 2024. فحرب إسرائيل الهوجاء على غزة، تعد بالنسبة لها صراع وجود. لكن رغم ذلك، فعلى الأرجح- بسبب الضغوط الأمريكية - توقف حدة هذه الحرب على القطاع، والأهم الحيلولة دون توسعها على جبهات قتال أخرى لاسيما مع حزب الله. لكنها لن تتوقف تماما، كذلك الصراع مع حزب الله اللبناني لن يتسع لينزلق لحرب شاملة، لكنه أيضا لن يتوقف. إذ تمارس الولايات المتحدة ضغوطا شديدة للغاية على إسرائيل لتوقف هذه الحرب بسبب تداعياتها الكارثية وصعوبة تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة (القضاء التام على حماس وتهجير أهالي القطاع). فاستمرار هذه الحرب يعني مزيداً من تورط واشنطن في المنطقة وهو ما ترفضه واشنطن بشكل قاطع. من جملة ما سبق، نستشرف أن عام 2024 سيكون عام تقليص حدة التوتر في النظام الدولي، وخاصة على مستوى الصراع المركزي الرئيسي الصيني - الأمريكي. لكن التوتر والصراع في 2024 لن يتوقف، وربما تطرأ بؤر صراع جديدة، لأن النظام الدولي انخرط في حالة توتر مزمن على خلفية تراجع قوة الولايات المتحدة، وتنامي الفوضى الدولية، وزيادة قوة القوى الدولية الساعية إلى ترتيب النظام الدولي وأدوارها فيه وفقاً لرؤيتها ومصالحها وقوتها.

1749

| 16 يناير 2024

حدود التصعيد بين حزب الله وإسرائيل

منذ اليوم الثاني لعملية طوفان الأقصى وعلى مدار شهرين تقريبا، نفذت منظمة حزب الله اللبنانية عمليات صاروخية متعددة ضد إسرائيل في أراضي جنوب لبنان المحتلة، وقد برر حزب الله العمليات بأنها تضامنا مع المقاومة المسلحة حماس وغزة. وفي مقابل ذلك، ردت إسرائيل على هذه الهجمات، باستهداف مواقع وعناصر للحزب في جنوب لبنان، لم تتجاوز مستوى رد الفعل. أي لم تتوسع إسرائيل في هذه العمليات بصورة انتقامية. فالمواجهة بين الجانبين قد مضت بصورة محسوبة مستقرة للحيلولة دون اتساع نطاق المواجهة إلى حرب شاملة على غرار عام 2006. وفي الأسبوعين الماضيين، توسع نطاق المواجهة نسبياً بين الجانبين عسكريا وإعلامياً، وبلغت ذروة تلك المواجهة عقب اغتيال الشيخ «صالح العاروري» في بيروت، مما دعا الشيخ «حسن نصر الله» إلى توجيه خطاب حاد إلى إسرائيل، محذراً فيه إسرائيل من مغبة القيام بعمليات اغتيالات أخرى في لبنان وضد قيادات المقاومة حماس، ومعلنا استعداد الحزب لخوض حرب مفتوحة مع إسرائيل. وبعد ساعات من خطاب الشيخ «حسن نصر الله» نفذت إسرائيل غارة جوية في جنوب لبنان قتل فيها «حسين يزبك» القائد البارز في الحزب وثلاثة من مرافقيه. مما أوحى بأن حربا شاملة على الجبهة اللبنانية على وشك الانطلاق. على الرغم من أن حربا شاملة على غرار 2006 بين الكيان الصهيوني وحزب الله، قد تندلع في أي لحظة، خاصة الآن في ظل التوتر المتصاعد بين الجانبين، وفي ظل أيضا حالة التخبط اللاعقلاني والانتقام العشوائي التي تعاني منها القيادة الإسرائيلية. ومع ذلك، فعلى الأرجح، فإن هذه المواجهة لن تكون في الوقت الراهن، وذلك على خلفية اعتبارات عدة. قد بدا واضحا للغاية في ضوء قواعد الاشتباك المدروسة بين الحزب وإسرائيل منذ طوفان الأقصى؛ أن المتحكم في زمام المواجهة تماماً أطراف خارجية، ونقصد تحديداً الولايات المتحدة وإيران. فكلا الطرفين- حتى وبدون اتفاق سري أو غير معلن - لا يريدان مطلقاً أن يتسع نطاق المواجهة بين الجانبين إلى حرب، بسبب كارثية هذه الحرب، والتي ستشمل تورطهما المباشر في الحرب لاسيما الولايات المتحدة. فحزب الله يختلف كليا عن حماس، وذلك من حيث عدد القوات والخبرة القتالية ونوعية السلاح المتطور للغاية الذي يمتلكه خاصة الصواريخ ومضادات الصواريخ. مما يعني أن إسرائيل ستفتح جبهة قتال جديدة مع عدو شرس للغاية، هزيمته شبه مستحيلة. وهو ما يعني أيضا، انزلاق المنطقة برمتها في ساحة حرب إقليمية مفتوحة. فبحسب تقارير أمريكية مؤكدة، مارس الرئيس بايدن منذ طوفان الأقصى ضغوطا شديدة على إسرائيل لعدم توسيع نطاق مواجهتها مع حزب الله. ولعل قيامه بإرسال أكبر حاملة طيران للمنطقة كان لمنع اتساع نطاق المواجهة مع حزب الله وبالتبعية الدخول في خط مواجهة مباشر مع إيران. وعلى الجانب الآخر، قد بدا واضحا من تصريحات قادة إيران وأيضا حزب الله منذ اندلاع طوفان الأقصى، عدم رغبة إيران في توسع نطاق المواجهة وتجنب الانخراط في حرب مفتوحة مع إسرائيل والولايات المتحدة. إذ ربما قد ارتأى الإيرانيون أن تلك المواجهة غير مطلوبة الآن بسبب كلفتها العالية جدا، وتداعياتها الخطيرة على المنطقة ومصالح إيران وخططها الإستراتيجية. أو ربما قد رأوا أن هذه المواجهة ستمنح الضوء الأخضر لإسرائيل لارتكاب مجازر مروعة في القطاع، وإدخال القضية الفلسطينية برمتها في متاهات يصعب الخروج منها لأعوام. ومن ناحية أخرى، لا يجب أن نتغافل عن معطيات الحرب في غزة وتأثيرها على إسرائيل. إذ بحسب خبراء إسرائيليين، لم تحقق إسرائيل في حربها المتوحشة على غزة أي هدف إستراتيجي يذكر. بل والأهم من ذلك، تعاني إسرائيل اقتصاديا جراء هذه الحرب، وتعاني القيادة الإسرائيلية من ضعف شديد للشعبية. وعليه، فمن الصعب أن تفتح إسرائيل خط مواجهة مفتوحة مع حزب الله القوي في ظل ما تعاني منه، وأيضا في ظل رفض إدارة بايدن التامة لهذه المواجهة التي ستأتي في سنة انتخابات حاسمة لبايدن. والدليل على ذلك، هو قرار الإدارة الأمريكية بمغادرة حاملة الطائرات «جيرالد فورد» البحر المتوسط، والذي وصف من قبل بعض المحللين، بأنه تخلٍّ واضح من واشنطن عن إسرائيل. وعلى هدى ما سبق، نستخلص أن اندلاع حرب مفتوحة بين إسرائيل وحزب الله سيناريو قائم، لكن ثمة عوامل متعددة ترجح بشكل كبير عدم تنفيذه الآن. وأهمها على الإطلاق، ممانعة واشنطن القوية لتلك المواجهة. وعليه أيضا، فعلى الأرجح أن تستمر حدود التصعيد الحالية بين الحزب وإسرائيل على نفس الوتيرة المستقرة وربما تزيد أو تنقص قليلاً على ضوء التطورات في غزة.

2682

| 09 يناير 2024

سياسة بايدن الخارجية.. إنجازات وإخفاقات وتحديات

إبان حملته الانتخابية في 2020، تمحور خطاب بايدن في السياسة الخارجية على مجموعة ركائز أساسية، كان أبرزها التصدي للتحدي الصيني، وعودة القيم الأمريكية في السياسة الخارجية (الترويج للديمقراطية)، وترميم العلاقات مع الحلفاء التقليديين، ومواجهة الإرهاب. نجح بايدن بصورة ملفتة خلال العام الأول من ولايته في ملف ترميم العلاقات مع الحلفاء، ومع حلف الناتو. حيث نجح في إقناع الحلفاء في توسيع الشراكات وإقامة تحالفات جديدة في سياق سياسة التحالفات التي ينتهجها، وتحت شعار «تحالف الديمقراطيات». وفي سياق هذا الشعار المتواري تحت سياسة نشر الديمقراطية، قلص بايدن من اتصالاته مع الدول التي يصنفها بغير الديمقراطية خاصة في المنطقة. وعلى مستوى التصدي للنفوذ الصيني، يمكن القول، إن بايدن نجح نسبيا في جذب خصوم الصين إلى المدار الأمريكي، وتأسيس تحالفات جديدة في المحيط الهادئ كتحالف «أوكوس» النووي. فضلا عن إقناع بعض الدول الغربية في تضييق فجوة العلاقات مع الصين خاصة فيما يتعلق بالشراكة عبر مبادرة «الحزام والطريق». وعلى مستوى ملفين رئيسيين لبايدن وهما مواجهة الإرهاب وملف البرنامج النووي الإيراني، فقد بدا الإخفاق الرهيب لبايدن في معالجتهما، حيث الهرولة من أفغانستان وتركها تماما لحكم طالبان. وكذلك، تعثر مفاوضات عودة الاتفاق النووي. ويتبدى مما سبق، أن جل تركيز بايدن كان على التهديد الصيني، وأن باقي الملفات الأخرى تخدم هذا الغرض بصورة أو بأخرى. وهو ما يفسر إلى حد بعيد نجاح بايدن في التصدي للتهديد الصيني، وإخفاقه الشديد في الكثير من الملفات بعد عام 2021. ويعد عاما 2022 و2023، الأكثر تحدياً لبايدن، حيث الحرب الروسية على أوكرانيا، والحرب الإسرائيلية على غزة. واللتين على إثرهما، قد أربكتا توجهات بايدن في السياسة الخارجية، وكشفتا النقاب عن النوايا الحقيقية للسياسة الأمريكية، وعدد من التحديات العسيرة. تباينت الآراء بشدة في مسألة تقييم فعالية الدور الأمريكي في التصدي للغزو الروسي لأوكرانيا. إذ يرى البعض أن دور واشنطن كان ضعيفا للغاية، حيث لم تتدخل عسكريا عبر الناتو للتصدي للغزو أو إجبار بوتين على التراجع. بينما يخالف البعض الآخر ذلك، بالقول إن الغزو أعاد التركيز الأمريكي على أوروبا بحسبانه الضامن الرئيسي لأمن أوروبا، كما قادت أوروبا فعليا على المستوى الاقتصادي لمواجهة روسيا، ودعم أوكرانيا عسكريا. وفوق كل ذلك، ساهم الغزو وبقيادة واشنطن في ترميم الخلافات داخل حلف الناتو. ومع ذلك، لإجراء تقدير موضوعي لذلك، ينبغي تفحص عدة معطيات أخرى ناجمة عن الغزو، ومن أهمها، إعادة التفكير الأوروبي في الاستقلالية الدفاعية، ففي أعقاب الغزو صدق المجلس الأوروبي على ما يسمى «البوصلة الإستراتيجية» التي أشارت بوضوح إلى ضرورة اعتماد الأوروبيين على أنفسهم في مسألة الدفاع والأمن في أوقات الضرورة بعيدا عن مساندة الناتو والولايات المتحدة. وفي نفس الإطار، نجد أن ألمانيا قد رصدت ميزانية ضخمة لإعادة تسليح نفسها، وامتدت تداعيات الغزو إلى اليابان التي حذت حذو ألمانيا. وتشي خطوات الأوروبيين وحلفاء واشنطن التاريخيين كاليابان التي تعتمد كليا على واشنطن لحماية نفسها، تشي باتساع هوة عدم الثقة في واشنطن بشأن الحماية لاسيما التصدي للتهديد النووي لروسيا. إذ في خضم تغول التوسع الروسي في أوكرانيا، صرح بايدن صراحة أن واشنطن ستتدخل عسكريا إذا هاجمت الصين تايوان، رغم أن الصين نووية وأشد قوة عسكريا بأشواط من موسكو. حرب إسرائيل على غزة، تعد من أكبر التحديات الكبرى التي تواجه بايدن. فعلى إثر الدعم المطلق لواشنطن لجرائم إسرائيل في غزة، تدهورت صورة الولايات المتحدة في العالم بصورة كبيرة، كما مثَّل ذلك مقتلا رهيبا لأجندة بايدن المزعومة لنشر الديمقراطية، التي تستخدم أيضا للضغط على الصين وتشويه صورتها الدولية. والحرب أيضا تمثل تحديا كبيرا لبايدن فيما يتعلق بالتركيز العسكري لواشنطن في المنطقة، ودعم أوكرانيا، ومواجهة التحدي الصيني، ومسار المواجهة مع إيران. فالتركيز العسكري المفرط لواشنطن في المنطقة، سيؤثر حتما على الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وهو ما بدأ يتبلور بالفعل، حيث ألغى الكونجرس مساعدات إضافية لأوكرانيا كانت مقررة ضمن مشروع الإنفاق الدفاعي الجديد. وعلى نحو آخر، سيقلص هذا التركيز مسألة مواجهة الصين في المحيط الهادئ، ودعم حلف الناتو، وصفقة الاتفاق النووي مع إيران. مما سبق، يتكشف لنا أن هاجس وهم بايدن الأساسي في السياسة الخارجية هو التصدي للصعود الصيني. ولاستمرار نجاحه النسبي في ذلك، يجب أن يتغلب على عدة تحديات رئيسية، برزت بجلاء عبر تعاطيه مع حرب غزة. وأهمها، التوقف عن الدعم المطلق لإسرائيل والتخفيف من التركيز العسكري في المنطقة، إعادة التركيز بشكل أكبر على الحلفاء الرئيسيين وإعطاؤهم المزيد من الضمانات والمشاركات العسكرية الفعالة، الاستمرار في دعم أوكرانيا عسكريا، التركيز على قضية التغير المناخي وانتزاع دور الريادة فيه للتخفيف من الإخفاق المذهل في ملف نشر الديمقراطية، والتصدي بحسم للاستفزازات النووية لكوريا الشمالية.

1116

| 01 يناير 2024

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

5904

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
كبار في قفص الاتهام.. كلمة قطر أربكت المعادلات

في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...

5595

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4470

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3321

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

1596

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1314

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1185

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

840

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
خطاب صريح أقوى من السلاح

• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...

831

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
حضور فاعل للدبلوماسية القطرية

تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...

831

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

819

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية