رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عندما يكون الخيار خسارة كل شيء أو التضحية ببعض الأشياء!

في ضوء حرب لبنان الثالثة التي أشعلتها إسرائيل عبر قصف عنيف غير مسبوق على جنوب لبنان، وبعض الأماكن المتفرقة في لبنان. قد أصبح أهم سؤال مطروح على الإطلاق:هل تخلت إيران عن حزب الله؟ والواقع أن هذا السؤال قد تم طرحة مبكراً منذ اغتيال فؤاد شكر مرورا بتفجيرات البيجر؛ لكن باتت الإجابة عليه مسألة في غاية الإلحاح إثر التعثر الواضح الذي يواجه الحزب في حربه أمام إسرائيل؛ وقد كانت أخطر مظاهر ذلك اغتيال حسن نصر الله إثر قصف مدو على مقر قيادة الحزب. لا يمثل حزب الله تنظيم مقاومة مسلحة عادي لإيران، إذ تعتبره درة حركات المقاومة، والتجربة الأكثر إلهاماً لباقي حركات المقاومة. هذا إلى جانب اعتبارات أخرى عقائدية وتاريخية وتنظيمية، إذ بحسب بعض الخبراء الإيرانيين توازي قوة حزب الله قوة الحرس الثوري الإيراني. والحقيقة إن كل تلك المعطيات السابقة تضع جميع المحللين في حيرة عظيمة، وهي لماذا لم تتدخل إيران بصورة مباشرة عاجلة لإنقاذ الحزب. بل ربما هناك هالة من الغموض تتعلق بأوامر إيرانية للحزب بعدم استخدام ما بحوزته من أسلحة وصواريخ ثقيلة دقيقة ضد إسرائيل. بلا أدنى شك أو مواربة تواجه إيران، أو فرض عليها وضع شائك شديد التعقيد وربما غير مسبوق. إذ تواجه تحديداً خطة إسرائيلية محكمة معدة سلفا-ناجحة حتى الآن- منذ طوفان الأقصى لدفع إيران دفعاً لحرب مفتوحة معها، ومدخل هذه الحرب هو بالتأكيد حزب الله، وإذا فشلت ورقة حزب الله لن يكون هناك مدخل آخر حيث توجيه دفعة الحرب مباشرة تجاه إيران. واختصاراً، في تقديرنا المتواضع، منطلق حسابات إيران حاليا يتمحور حول «إما خسارة كل شيء أو التضحية ببعض الأشياء». بجمل أكثر وضوحا، تفطن إيران جيداً أن التدخل المباشر لإنقاذ حزب الله سيترجم مباشرة لتدخل الولايات المتحدة. ومن ثم، فعلى اقل تقدير سيكون ذلك كارثيا على النظام الإيراني وربما يؤدى إلى انهياره مع تحويل الدولة إلى أشلاء، ما لم تكن المنشآت النووية محل استهداف عنيف وهو أكثر ما تخشى منه إيران، بل هو عينه «خسارة كل شيء». والتضحية ببعض الأشياء والمقصود بالطبع «حزب الله»، لا يعني تخلي إيران بصورة كاملة عن الحزب. بل العمل على وقف استنزافه جنبا إلى جنب عرقلة مخطط إسرائيل الأوسع. ويتبدى ذلك بجلاء من مستويات وطبيعة التحركات الإيرانية منذ بدء ضرب إسرائيل جنوب لبنان. ففي اليوم الأول لبدء ضرب الجنوب، بل فور ضرب الجنوب، أعلنت إيران أنها لا تعادي أحدا في المنطقة، ولا تريد الحرب مع أي طرف، ولا تسعى إلى امتلاك قنبلة نووية. وبالتوازي مع ذلك، أُعطي ضوء أخضر واضح لما تسمى جبهات إسناد المقاومة في العراق واليمن للهجوم على إسرائيل من أجل التخفيف عن الحزب. فضلا عن تسريبات تشير إلى انتقال عناصر من تلك الجبهات وعناصر من الحرس الثوري إلى جنوب لبنان لمساندة حزب الله. وناهيك عما سبق، قد اتضحت الصورة كاملة من خلال تصريحات الرئيس الإيراني الإصلاحي «بزشكيان» إبان حضوره اجتماعات الجمعية العامة وقبلها، والتي قال فيها تصريحات مثيرة للجدل، حيث وصف الأمريكان كأخوة وإيران تسعى للتقارب مع واشنطن، وأعلن استعداد إيران لإبرام صفقة سريعة بشأن البرنامج النووي، وعدم رغبة إيران مطلقا في الحرب الشاملة في المنطقة. ويشير ذلك وهو مربط الفرس صراحة إلى تركيز الجهد الإيراني على ترتيب اتفاق مع واشنطن تقوم بموجبه الأخيرة بالضغط على إسرائيل لثنيها عن مخططها الأوسع، على اعتبار أن لا حل غير ذلك. وربما المقابل هو إحراز تقدم في الاتفاق النووي، والتعهد بتحييد حركات المقاومة ضد إسرائيل بما في ذلك حزب الله. وتعول طهران على تحرك أمريكي مدعوم غربيا خاصة من جانب فرنسا، من منطلق وعيها التام أن تدمير إيران ليس في مصلحة واشنطن بالمقابل. فإيران هي الذريعة الرئيسية للتواجد الأمريكي العسكري في المنطقة، وإبرام صفقات تسليح مع الخليج تناهز المليارات. ملخص القول، إن إيران في وضع لا تحسد عليه، قد جعل حساباتها تتمحور في خيار إما خسارة كل شيء أو التضحية ببعض الأشياء. إذ من الواضح أنها على استعداد لقبول وضع ضعيف لحزب الله في جنوب لبنان، مقابل بقاء النظام وعدم المساس مطلقا بالحلم النووي.

768

| 30 سبتمبر 2024

خيارات صعبة أمام «حزب الله»

باعتراف السيد حسن نصر الله - قبل إقرار جميع المراقبين - تعرض حزب الله على خلفية تفجيرات أجهزة «البيجر» اللاسلكية لأكبر عملية اختراق أمنى في تاريخه. وهي ضربة موجعة للحزب بحسب كلام نصر الله بسبب أيضا استهدافها لأكثر من خمسة آلاف من كوادر الحزب ما بين قتيل ومصاب في يوم واحد. وبعد مرور ساعات قليلة على تفجيرات البيجر، تعرضت ما تسمى «وحدة الرضوان» التابعة للحزب لضربة إسرائيلية أودت بحياة عدد من عناصر الوحدة، ومقتل القيادي البارز «إبراهيم عقيل». يواجه حزب الله بلا أدنى شك مأزقا غير مسبوق في تاريخه؛ حيث أصبح الرد على إسرائيل أمرا حتميا وجوبيا للثأر لشهدائه، واستعادة مكانته التي اهتزت كثيراً ليس بعد البيجر بل منذ سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية لقادة الحزب العسكريين من الصف الثاني والتي توجتها إسرائيل باغتيال فؤاد شكر، وتقويض مستهدف إسرائيل من الحزب التي تسعى بحسب آخر تصريحات مسؤوليها إلى تجريد قدرات حزب الله. وعلى الرغم من امتلاك حزب الله لقدرات عسكرية كبيرة ومتطورة، خاصة صاروخية قادرة على هز أعماق إسرائيل بعنف وحسم، وتماسك قدراته خاصة البشرية حيث يمتلك أكثر من مائة ألف مقاتل مدربين على خوض المعارك. بيد أن خيارات رد حزب الله أمست شديدة الصعوبة. في ظل الظرف الحساس الذي يمر به حزب الله، فمن الطبيعي أن يكون أمامه ثلاثة خيارات للرد وهما: عدم الرد بالأساس، أو الاستمرار في خيار الاشتباك العادي، أو الرد الحاسم العنيف. ونضيف أيضا بصعوبة التكهن بأي خيار من الثلاثة. وعلى كل، فخيار الرد الحاسم سيفضي بلا أدنى مواربة إلى عواقب وخيمة على الأقل على لبنان، وليس بالضرورة إلى حرب شاملة التي توسع الكلام عنها بلا داعٍ. إذ بمجرد بدء الحزب بالرد الحاسم الانتقامي ضد إسرائيل، ستصبح لبنان برمتها في مرمى آلة العنف والتدمير الإسرائيلية الرهيبة كما حدث في 2006. ولعل المعضلة العويصة التي تواجه الحزب بشأن هذا الخيار هو تأهب إسرائيل لهذه اللحظة ومعها ضوء أخضر أمريكي ظهر جليا بعد تفجيرات البيجر، بل إن كل ما تقوم به إسرائيل ضد حزب الله هو بغرض جره إلى الحرب الواسعة. ويتوقع الحزب شن إسرائيل لحرب على لبنان وجنوبه تحديداً تفوق في شراستها أضعاف حرب 2006 لاسيما في ضوء التغير التام في أسباب الحرب واستعداد إسرائيل لها مقارنة بعام 2006. على الرغم من طرح الكثير من المحللين لخيار عدم الرد من جانب الحزب وذلك انطلاقاً من حالة الانكشاف والضعف التي تمر على الحزب خلال تلك الفترة، أو استجابة لطلب من إيران في سياق سياسة الهدوء والحذر والصبر التي تتبعها خاصة أمام العواصف العاتية، أو لرغبة حكيمة لتجنيب لبنان أتون نار سيجهز عليه تماما في ضوء الضعف الشديد الذي يعانى منه. وبغض النظر عن المنطلقات أو أيا ما كانت، فخيار عدم الرد له عواقب شديدة الوطأة على الحزب. فعدم الرد يعني صراحة إقرار الحزب بالهزيمة. وثمة الكثير والكثير من التداعيات الخطيرة جراء ذلك، فمن ناحية سيشجع إسرائيل على الاستمرار في استنزاف وتجريد قدرات الحزب. ومن ناحية أخرى، سيؤدي ذلك إلى إضعاف الروح المعنوية داخل الحزب، ومن ناحية ثالثة ستصبح شعبية ومكانة الحزب على المحك. في خطاب السيد حسن نصر الله عقب تفجيرات البيجر، قد أقر بلا مكابرة بالضربة المدوية التي تلقها الحزب. لكنه في ثنايا الخطاب قد أكد جازما بالرد وعدم التخلي عن التصعيد في الجبهة الجنوبية وعدم التخلي عن أهل غزة وعدم السماح لإسرائيل باختراق جنوب لبنان بريا. ويشي ذلك من حيث المبدأ أن خيار عدم الرد مستبعد إلى حد كبير. وفي ضوء العواقب المدمرة للرد الحاسم فهذا الخيار مستبعد بدرجة كبيرة أيضا. إذن ما تبقى هو خيار الاستمرار في قواعد الاشتباك التقليدية التي بدأت منذ طوفان الأقصى. بيد أن هذا الخيار-رغم تفضيله مرحليا من جانب الحزب-قد بات بلا جدوى، بل يعد رسالة لإسرائيل لاستكمال مخطط التجريد والتصعيد. في النهاية، يمر حزب الله بفترة عصيبة غير مسبوقة في تاريخه، إذ يواجه خصما يسعى بشتى الطرق إلى جره في حرب مفتوحة ستكون تكلفتها تدمير لبنان برمتها-على الأقل- ومن ثم، فجميع الخيارات المتاحة أمام الحزب لردع إسرائيل بات أصعب من بعض، ويصعب التكهن بواحدة منها.

816

| 23 سبتمبر 2024

الهوية والعداء.. إيران ـــ إسرائيل كنموذج

يمثل العداء أو الصراع الطويل الممتد من الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 حتى الوقت الحاضر بين إيران وإسرائيل، النموذج المثالي الذي يتم الاستشهاد به عند دراسة دور الهوية كمحدد رئيسي للصراع في النظام الدولي. فهذا الصراع على وجه الخصوص، وكثير من الصراعات المتقاربة حتى الصراع بين الصين والولايات المتحدة، والأخيرة والاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة؛ قد دحض تماما تصورات المدرسة الواقعية الراسخة في النظام الدولي والتي أطرت أي صراع دولي في مقاربات القوة والنفوذ والأمن والحدود السيادية والهيمنة. مع عدم إنكارنا ببواعث هذه المقاربات في الكثير من الصراعات والعداوات بين الدول. يجادل أنصار المدرسة البنائية التي أحدثت ثورة هائلة في حقل العلاقات الدولية، وغيرهم من أنصار التفسيرات غير المادية للصراعات، بأن الهوية تشكل المحدد الرئيسي لسلوك الدول. بعبارة أخرى، إن أي سلوك أو سياسة خارجية للدولة هو انعكاس لهويتها التي تشكلت عبر مزيج من التقاطعات التاريخية والقومية والإيديولوجية. وفي طور هذه الهوية يتم تكريس «نحن»، و»الآخرون» وهم الأعداء المختلفون معنا في العقيدة أو الثقافة أو يحملون قومية معادية لنا، أو لدينا ميراث عدائي تاريخي معهم، والقضية هنا ليست كيف أصبح الآخرون أعداء لنا، حيث الأسباب لا حصر لها. المهم أنهم أعداء أو مختلفون عنا، ويتم تكريس ذلك كهوية وطنية للدولة تنعكس في الخطابات الرسمية والتنشئة السياسية والاجتماعية ومناهج التعليم وبرامج النخب والمعارضة ووسائل الإعلام. وعند النظر لجوانب مختلفة للعداء المستحكم بين إيران وإسرائيل يتبدى لنا كيف أنه النموذج المثالي لعامل الهوية. إذ من جانب ليس هناك حدود مشتركة بين الدولتين، ومن جانب ثانٍ ليس هناك ميراث عدائي تاريخي بين الدولتين قبل الثورة الإيرانية، حيث كان نظام الشاه يتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل. ومن جانب ثالث هناك قوى إقليمية منافسة كبرى لكلا الدولتين، بمعنى آخر يحاط بإيران عدة قوى منافسة متعددة كتركيا وروسيا وباكستان، وعلى الجانب الإسرائيلي يحاط بها عدة قوى إقليمية منافسة كمصر والعراق وسوريا. ومع ذلك، يرى كل طرف الآخر كتهديد وجودي مقارنة برويتهم للقوى الأخرى كقوى منافسة فقط رغم اختلاف الهوية أيضا. وبالتالي، يكمن السر في الهوية العدائية التي تطورت وتكرست على مدار أربعة عقود. إذ منذ اندلاع الثورة الإيرانية وإسرائيل ومعها حليفها الرئيسي الولايات المتحدة هي الشيطان الأعظم بحسب مفردات الخطاب الإيراني، التي يجب استئصالها من المنطقة. وعلى الجانب الآخر، تبلورت هوية إسرائيلية ترى في إيران العدو الوجودي الرئيسي لإسرائيل. ويعد الصراع بين الدولتين حول البرنامج النووي والذي قد ينجرف إلى حرب إقليمية، كاشفا بوضوح لعمق تأثير الهوية العدائية. إذ لماذا يشكل البرنامج النووي لإيران على وجه التحديد خطرا وجوديا على إسرائيل، على الرغم من امتلاك باكستان القوى السنية الكبرى لقنبلة نووية. بعبارة أخرى، لماذا لا تسعى إسرائيل لتدمير البرنامج النووي لباكستان، ولماذا سمحت به بالأساس وبرضا أمريكي. الإجابة ببساطة لأن باكستان وبكل صراحة لم تتبلور لديها هوية عدائية تجاه إسرائيل بحيث تصبح تهديدا وجوديا لها، بل هوية باكستان العدائية منصبه تماما نحو الهند، والعكس صحيح حيث يرى مسلمو الهند باكستان العدو الرئيسي لبلدهم. والأمثلة لا حصر لها، فإيران الشيعية ترى في أذربيجان الشيعية عدوا لها وقد تجلى ذلك في مساندة أرمينيا المسيحية الأرثوذكسية في الحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان. والسبب الرئيسي في عرقلة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي هو الهوية الأوروبية المشتركة التي ترى في تركيا آخر غريب مهدد لتلك الهوية؛ على الرغم من إيفاء تركيا بمعظم مطالب الانضمام. وينطبق ذلك على كل الدول الأوروبية المسلمة كالبوسنة وألبانيا.

1047

| 16 سبتمبر 2024

آمال استئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن

بينما كان العالم ينتظر الرد الإيراني المدوي ضد إسرائيل على خلفية اغتيال هنية في طهران؛ قد تفاجأ في أواخر أغسطس، بعد انتظار شهر كامل، بتصريحات إيرانية رسمية مفادها فتح الباب لإحياء المفاوضات النووية مع واشنطن التي قد توقفت مع اندلاع الحرب الأوكرانية دون إحراز أي تقدم. وما لبثت بعض الأقلام أن استنتجت أن إحياء المفاوضات هو الثمن أو التسوية التي تمت سراً بين طهران وواشنطن لثني إيران عن ضرب إسرائيل ومنع اندلاع حرب شاملة في المنطقة. وربما كان هناك تسوية سرية بين الجانبين، وربما «لا». لا شك أن كلا الجانبين لديهم الرغبة في استئناف المفاوضات النووية؛ لكن فيما يبدو أن إحياء المفاوضات في هذه المرة قد جاء كمبادرة إيرانية من جانب واحد. ويتبدى ذلك من خلال تصريحات إدارة بايدن التي قالت نصاً «سنحكم على إيران من خلال الأفعال وليس الأقوال»، كما صرحت الخارجية الأمريكية أن إيران قد خصبت اليورانيوم بصورة تجعلها قادرة على إنتاج سلاح نووي في غضون أسبوعين، كما عليها عدم المناورة والتعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية. وتتطابق التصريحات مع التقرير الفصلي للوكالة الذي قال إن إيران قد خصبت اليورانيوم بنسبة 60 % وهي بذلك قريبة من نسبة التخصيب النووي وهي 90%، كما تمتلك مخزونا كافيا من البلوتونيوم لإنتاج قنبلة نووية واحدة على الأقل. كما أشار التقرير أيضا إلى رفض إيران زيارة كبار مفتشي الوكالة لمنشآتها النووية. لا نرى أن تفجير إيران من جانب واحد لقضية إحياء المفاوضات مناورة متعددة الأبعاد من جانبها للتملص من الرد على اغتيال هنية، أو تهدئة الأجواء مع واشنطن وعرقلة مساعي نتنياهو لحرب شاملة؛ بل هي جادة في ذلك. ويتبين ذلك أولاً من تصريحات القيادة الإيرانية وخاصة الرئيس الإيراني «بزشكيان» الذي قال صراحة في أكثر من مناسبة إن إعادة العلاقات أو خفض التوتر مع واشنطن يرمي بالأساس إلى رفع العقوبات عن الشعب الإيراني، وقد قال المرشد الأعلى ووزير الخارجية الإيراني تصريحات مشابهة في إحدى المناسبات. وثانيا وهو الأهم هي حسابات إيران ويأتي على رأسها مخاوفها من عودة ترامب مع احتمالية مسايرة حكومة نتنياهو بتوجيه ضربة حاسمة للبرنامج النووي. وبالتالي تسعى إيران إلى إبرام اتفاق ملزم مع واشنطن والقوى الغربية يعوق أية مساعٍ لترامب لإفشاله. في ذات الوقت تعلم طهران جيداً أن إبرام هذا الاتفاق ترغبه إدارة بايدن لأنه سيحسب كانتصار تاريخي لبايدن، كما سيدعم بقوة كامالا هاريس ضد ترامب. وربما في هذا الصدد قد قدرت إيران باحتمالية انتصار هاريس وذلك في ظل الدعم والشعبية المتنامية لها. وبالتالي فتح المجال لاستئناف المفاوضات فور وصولها للبيت الأبيض. وقد يكون لإيران حسابات كثيرة وراء رغبتها المتسرعة في إبرام الاتفاق. لكن ما هو أهم هو إمكانية إحياء الاتفاق من عدمه في ظل التحديات الهائلة التي تواجه. بادئ ذي بدء، يمكننا القول إن إمكانية إحياء الاتفاق «فقط» في ظل الفترة المتبقية من إدارة بايدن تكاد تكون شبه معدومة. إذ ربما ترى إيران أن إبرام اتفاق بين ليلة وضحاها ممكن وذلك فقط عبر رفع العقوبات مقابل موافقة إيران على وقف تخصيب اليورانيوم ووضع منشآتها النووية تحت أعين مفتشي الوكالة. لكن الواقع خاصة بعد طوفان الأقصى قد يدحض ذلك. فمن حيث المبدأ أو استنادا إلى مجريات المفاوضات في بداية ولاية بايدن، يعد رفع العقوبات كاملة عن إيران مسألة معقدة وتحتاج إلى موافقة الكونجرس ودعم الدوائر الداخلية العميقة. ناهيك عن عدم الثقة الكبيرة للولايات المتحدة في التزام طهران بخضوع منشآتها النووية بصورة كاملة لرقابة الوكالة الدولية، إذ تعتقد واشنطن أن لدى إيران منشآت نووية سرية. والجانب الآخر المهم يتعلق بموقف إسرائيل والموقف العام في المنطقة. ففي ظل هذا المناخ الملتهب في المنطقة الذي تقوده إسرائيل نحو حافة الهاوية؛ فستواجه إحياء المفاوضات ممانعة قوية من إسرائيل ومن داعميها داخل واشنطن التي ترمي بالأساس لحرب مع إيران. وقد برهنت تطورات الأحداث منذ طوفان الأقصى سطوة إسرائيل القوية على القرار الأمريكي. وفي خضم هذه التطورات أيضا، من المؤكد أن إدارة بايدن ستفرض على إيران مجموعة شروط تعجيزية على رأسها إيقاف هجمات وكلائها وخاصة حزب الله على إسرائيل. وعلى افتراض موافقة إيران على ذلك- وهو مستبعد - ستفسد إسرائيل ذلك عبر استفزاز متواصل لهؤلاء الوكلاء. وفي التقدير الأخير، من حيث المبدأ تعد آمال إحياء المفاوضات خلال المدة القصيرة المتبقية لإدارة بايدن شبه معدومة، وفي المجمل العام أصبحت فرص التوصل إلى اتفاق نووي صعبة للغاية حتى في ظل إدارة هاريس التي في كل مناسبة لا تنسى تأكيدها على دعم وتسليح إسرائيل؛ إذ إن الأخيرة بعد طوفان الأقصى قد وضعت مسألة تدمير البرنامج النووي كهدف إستراتيجي لأجل بقاء إسرائيل.

546

| 09 سبتمبر 2024

الصين وترامب.. التحدي والفرص الإستراتيجية

يقدم المقال تصوراً لتحديات وفرص الصين المتوقعة إذا فاز ترامب برئاسة الولايات المتحدة في 2025، ووفقا لاستطلاعات الرأي الأمريكية فإن ترامب قد اقترب بشدة من البيت الأبيض عن منافسته هاريس. لعل من مميزات ترامب هو وضوحه وصراحته المزعجة في الكثير من الأحيان. وبالتالي، فمن السهل توقع سياسات ترامب عامة التي يكون جاداً للغاية أيضا في تنفيذها مع بعض الاستثناءات. ومن ثم أيضا، فسياسة ترامب في ولايته الجديدة أو (ترامب 2) تجاه الصين لن تختلف بأي حال من الأحوال عن ولايته السابقة من حيث محاور التركيز الرئيسية وهى تحديدا الحرب التجارية والتكنولوجية، ولعل الاختلاف فقط سيكون في حدة المواجهة في هذه المحاور. وباعتراف الكثيرين داخل واشنطن بما في ذلك أعضاء في إدارة بايدن أن الحرب التجارية والتكنولوجية التي استحدثها ترامب في مواجهة الصين، أدوات فعالة لإضعاف الصين؛ وعليه فاستمرار ترامب في تلك السياسات التي ستكون أكثر حدة، ستؤدى إلى توتر شديد في العلاقات الصينية الأمريكية ربما غير مسبوق. ويذكر هنا أن إدارة بايدن قد استمرت في الحرب التجارية والتكنولوجية ضد الصين وبمستوى حدة أعلى من ترامب. لكن ما سوف يتميز به ترامب في ولايته الثانية هو اتباع تلك الحرب بصورة عنيفة للغاية، ترمى إلى تقليص فجوة الميزان التجاري الشاسعة إلى مستويات متدنية، حيث تصدر الصين للولايات المتحدة بأكثر من 400 مليار دولار سنويا، بينما لا تتجاوز صادرات الولايات المتحدة للصين 200 مليار سنويا. إذ في إطار ذلك أيضا كشف ترامب في أكثر من لقاء عن خطة كبيرة لتوطين الصناعات الأمريكية وتشجيع الشركات الأمريكية للعودة للعمل في الولايات المتحدة. وعلى المستوى التكنولوجي، فمن المتوقع أتباع ترامب لسياسة رامية لتصفير صادرات التكنولوجيا الأمريكية إلى الصين، وتصفير أيضا جميع المنتجات والتطبيقات التكنولوجية الصينية في الولايات المتحدة، أي قطيعة تامة في هذا المجال. ولعل الأهم من ذلك هو كم الضغوط الهائلة التي ستمارسها إدارة ترامب على حلفائها لمقاطعة المنتجات التكنولوجية واللاسلكية الصينية، ففي نهاية ولاية ترامب الأولى، مارست ضغوط شديدة على حلفائها بما في ذلك إسرائيل وإنجلترا لثنيهم عن إدخال الجيل الخامس من الشبكات التابع لشركة هواوى في بلادهم. ويجدر الذكر أن تلك الضغوط قد باءت بالفشل. أدت الحرب التجارية والتكنولوجية خاصة الأولى إلى توتر كبير في العلاقات بين البلدين في ولاية ترامب الأولى، وهو ما يدل على الفعالية الكبيرة للحرب التجارية على الصين، حيث أجبرتها هذه الحرب على رفع وارداتها من الولايات المتحدة بما يقدر بـ 200 مليار دولار. وبالتالي، فولاية ثانية لترامب ستمثل تحديا هائلا للصين خاصة وأن الولايات المتحدة ثاني أكبر سوق للصين بعد الاتحاد الأوروبي، ويساهم مساهمة كبيرة في إنعاش الاقتصاد الصيني الذي يعانى من التباطؤ بالأساس. لكن على الجانب الموازي للقصة، يقدم ترامب للصين فرصا عظيمة بمقدار ما يفرض تحديات أيضا. ثمة فارق شاسع ما بين العناوين الإعلامية غير الرصينة التي تبني سردية وتوقعات بناء على موقف أو توتر، وما بين الأبحاث العلمية الموثقة التي تسعى إلى تقديم تحليل شامل الأبعاد للظاهرة. الشاهد في الأمر في هذا الصدد، أن تلك الأبحاث العلمية قد وجدت أن سياسات ترامب الانعزالية ونهجه الانفرادي وتركيزه فقط على الصفقات والحروب التجارية قد منحت للصين فرصا ذهبية لتمديد نفوذها، وتقوية مواقفها وحقوقها. فبسبب الانغماس الضعيف لإدارة ترامب في آسيا، نجحت الصين في استثمار ذلك عبر توثيق العلاقات مع الدول الآسيوية حتى مع حلفاء واشنطن التاريخيين كاليابان وكوريا الجنوبية، والذي قد أسفر عن توقيع 20 دولة آسيوية على اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بقيادة الصين في 2020 والتي ضمت اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والهند. وعلى نفس المنوال أيضا، تحسنت العلاقات الصينية الأوروبية بصورة لافتة خلال إدارة ترامب وانضمت بعض الدول الأوروبية لمبادرة الحزام والطريق، إثر سياسة ترامب العدائية تجاه أوروبا وحلف الناتو. وعلى إثر ذلك، فاستمرار نهج ترامب المتوقع كما هو تجاه شركاء وحلفاء الولايات المتحدة؛ سيفضى إلى تنافر حاد بين واشنطن وحلفائها مقابل تقارب أوسع مع الصين. فضلا عن ذلك، سيفسد ترامب الجهود الجبارة التي بذلتها إدارة بايدن في إرساء شبكة تحالفات قوية في المحيطين الهندي والهادئ أهمها تحالف كواد. ولعل الأهم من ذلك للصين، أن ترامب سيمنح الصين فرصاً كبيرة لتعزيز موقفها تجاه تايوان وبحر الصين الجنوبي بسبب سياساته الضعيفة المتوقعة تجاه هذين الملفين الخطيرين للغاية.

810

| 02 سبتمبر 2024

الدور المتصاعد للوساطة الصينية الدولية

لم تضطلع الصين منذ تخليها عن سياسة العزلة الخارجية في سبعينيات القرن الماضي بدور كبير أو يذكر في مجال الوساطة الدولية. ويعزو ذلك -بحسب البعض- إلى عدم رغبة الصين في إقحام نفسها في صراعات دولية قد تؤثر على صورتها الدولية الإيجابية وثوابتها الراسخة في السياسة الخارجية وخاصة مبدأي عدم التدخل واحترام السيادة. وقد استمر الوضع على ذلك حتى قدوم الرئيس «شى جين بينغ» حيث بدأت الصين في البروز كوسيط دولي، وبرزت مساحة هذا الدور بصورة أكبر في المنطقة، فالصين كانت إحدى القوى الرئيسية المساهمة في المفاوضات بين إيران والغرب والتي أثمرت الاتفاق النووي عام 2015. كما قامت بوساطة في اليمن والسودان. وربما المعترك الرئيسي الذي اضطلعت فيه الصين بمساحة أكبر في الوساطة هو الانقسام الفلسطيني الداخلي، حيث استضافت أطراف الانقسام في بكين ما يقرب من ثلاث مرات. وفي يوليو الماضي استضافت الأطراف في جولة جديدة، أثمرت اتفاق الوحدة بين حركة حماس وفتح في 23 يوليو. وفي صراعات كثيرة في العالم، وفي مقدمتها الحرب الأوكرانية؛ ارتفعت الرهانات بصورة كبيرة على وساطة صينية تنهي هذه الحرب. وتطور دور الوساطة الصينية مقترن بثلاثة أسباب رئيسية: الأول، الأهمية الحيوية للوساطة في إطار إعادة صياغة دور الصين العالمي في النظام الدولي على يد الرئيس «بينغ». والثاني، تزايد الصراعات الدولية وتراجع دور الولايات المتحدة التي كانت ضالعة في حل معظم الصراعات الدولية. والثالث، تزايد الثقة الدولية في الوساطة الصينية. الوساطة بالطبع من الأنشطة المحمودة في العالم، لكنها وفقا لعلم وسائل فض المنازعات ليست مجانية أو بدون مقابل للوسيط. وفي محط إعادة صياغة الدور العالمي للصين وتطلعها للقيادة الدولية، تخدم الوساطة هذا الغرض من نواح شتى. تعد الوساطة من أهم الأدوات لاكتساب النفوذ بصورة ناعمة، إذ تختلف الصين عن معظم القوى الدولية قديما وحديثا في اعتمادها شبه التام على الأدوات الناعمة بكافة صورها والتغلغل الاقتصادي لتمديد نفوذها العالمي وترسيخ موقعها كقائد في نظام دولي متعدد الأقطاب. والوساطة الصينية غدت شديدة الحيوية لترسيخ صورة الصين كقوى دولية مسؤولة، بحسبان أن دورها كقوى كبرى مسؤولة أحد المرتكزات الرئيسية لإعادة التموضوع الصيني في النظام الدولي كقوى صاعدة سلمية تعاونية، وتقويض نظرية التهديد الصيني التي تضخمها واشنطن بصورة دائمة لتنفير وتخويف دول العالم وخاصة دول آسيا من الصين. في ضوء غياب دور أمريكي قوي في النظام الدولي، وتنامٍ مأهول لمصالح الصين الاقتصادية في العالم. لا بديل أمام الصين سوى تولي زمام القيادة خاصة في حل الصراعات التي تضر مصالح الصين في المقام الأول. فمبادرة الحزام والطريق على سبيل المثال، تمر بطرقها البحرية والبرية في أرجاء العالم تقريبا، وفي أكثر مناطق العالم صراعاً. فضلا عن ذلك، تعتمد الصين على دول العالم لاستيراد مستلزمات التصنيع، واحتياجاتها من الطاقة. حيث تستورد أكثر من نصف احتياجها من النفط الخام من منطقة الخليج العربي. لذا، نلحظ وساطة صينية نشطة ومقترحات مستمرة للسلام في المنطقة على وجه الخصوص التي تلعب الدور الحيوي للطاقة الصينية ومبادرة الحزام والطريق. ولعل أبرز مثال على ذلك هو نجاح الوساطة الصينية في تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية وهو ما فشل فيه كثيرون من قبل. وفقا لعلم الوساطة، تعتمد نجاح الوساطة على عاملين رئيسيين: أولهما حيادية ومصداقية الوسيط، والثاني قدرته على المتابعة والضغط على أطراف النزاع لاحترام مقررات اتفاق المصالحة وإنهاء الصراع. وبدأ القبول الواسع ومطالبة أطراف الصراع بوضوح لتدخل أو وساطة صينية، بسبب ما تتمتع به الصين من حيادية ومصداقية عالية نابعة بالأساس من المبادئ الأساسية الراسخة للسياسة الخارجية الصينية. حيث نلحظ في وساطات الصين السابقة لاسيما المتعلقة بالمصالحة الداخلية الفلسطينية، تركيز جهودها على تقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية، وحثهم على منافع المصالحة، وعدم ممارسة ضغوط على أحد الأطراف، أو الانحياز لطرف على حساب الآخر. بينما الوسيط التقليدي الأشهر وهو الولايات المتحدة غالبا ما كان متحيزا لطرف على حساب الآخر حتى وإن أظهر عكس ذلك، ويعتمد على الإكراه والضغوط لإنهاء الصراعات. يضاف إلى ذلك أن ما تتمتع به الصين من صورة إيجابية ونزاهة ونفوذ كبير في النظام الدولي، سيجعل أطراف الصراعات يميلون دائما إلى احترام اتفاقات المصالحة وحل الصراعات بصورة جذرية.

939

| 26 أغسطس 2024

ترامب والحرب الأوكرانية

منذ أن بدأ حملته الانتخابية وحتى آخر لقاء معه مع الملياردير «إيلون ماسك» على منصة «إكس»، كرر ترامب في كل مناسبة أو لقاء جماهيري أو إعلامي، جملتين بشأن الحرب الأوكرانية وهما «لو كنت موجودا في السلطة لما قامت هذه الحرب»، و»سأنهى هذه الحرب خلال 24 ساعة بصورة سلمية». وعلى هذا الأساس، أثار موقف ترامب من الحرب الأوكرانية الكثير من التساؤلات الرئيسية، خاصة وأنه الأقرب للبيت الأبيض بصورة كبيرة عن منافسته هاريس، وأهم هذه التساؤلات المثيرة للجدل مفاده هل بمقدور ترامب إنهاء الحرب، وكيف؟. إذ يرى كثيرون في صدد ذلك أن تصريحاته بشأن الحرب مجرد دعاية انتخابية. بسبب الخطورة والحساسية الشديدة للملف الأوكراني للولايات المتحدة وحلفائها وللعالم. في كل مرة يُسأل فيها ترامب كيف ستنهى الحرب الأوكرانية، لم يدل بإجابة أو خطة محددة، مع الإدلاء بجمل غامضة من قبل بوتين مفاوض ناجح ويريد إنهاء الحرب، قمت باتصال مع رئيس أوكرانيا والاتفاق معه على إنهاء الحرب، الحرب كلفت الخزانة الأمريكية أموالا طائلة وأضرت بالولايات المتحدة. ويدل ذلك على معرفة ترامب الجيدة أن إنهاء هذه الحرب، أو إنهاء الدعم الأمريكي لها ليس بالأمر الهين. يمنح الدستور الأمريكي للرئيس الأمريكي صلاحية تحديد السياسة الخارجية الأمريكية أو وضع التصور العام للسياسة الخارجية الأمريكية. ومع ذلك، فصلاحيات الرئيس الخارجية تظل مقيدة في بعض الجوانب الخارجية التي خص بها الدستور الأمريكي الكونجرس، وعلى رأسها المساعدات الخارجية، وسلطة تمديد عمل القوات المسلحة في الخارج، وهذا من جانب. ومن جانب آخر، في بعض القضايا الاستراتيجية الحساسة وخاصة دعم إسرائيل، والتصدي للصين وروسيا، ومكافحة الإرهاب. يتم صنع القرار بمشاركة دوائر داخلية متعددة من أبرزها البنتاجون وجهاز الأمن القومي، ويخضع الرئيس دائما لقرار هذه الدوائر التي يطلق عليها «العميقة» حيث لديها رؤى مختلفة تتعلق بأمن الولايات المتحدة واستدامة دورها المهيمن في العالم. ومن هذا المنطلق، فقدرة ترامب على إنهاء الحرب الأوكرانية ليس بالأمر السهل، حيث يتطلب ذلك أمرين، أولهما أغلبية جمهورية في الكونجرس، وموافقة الدوائر العميقة على ذلك. وباستقراء الموقف الأمريكي تجاه الحرب منذ اندلاعها، يتبين أن تلك الحرب تلقى دعما واضحا من الحزبين من خلال الكونجرس الذى وافق بأغلبية عدة مرات على استمرار الدعم المادي والعسكري لأوكرانيا، وأيضا من الدوائر العميقة التي تسعى فيما يبدو إلى استنزاف روسيا. ومن ثم، أيضا إضعاف التحالف الصيني- الروسي. وعليه، فإنهاء ترامب لهذه الحرب أو إنهاء الدعم الأمريكي لها، في وقت قصير وليس في 24 ساعة كما يدعى لأغراض دعاية، نظن أنه مهمة مستحيلة. إذن، فمحل البحث الرئيسي ينبغي أن يكون منطلقة الرئيسي كيف سيؤثر ترامب على هذه الحرب، وليس كيف سينهيها. فوجود ترامب في السلطة بما له من صلاحيات خارجية واسعة وحق الفيتو في قرارات الكونجرس، سيؤثر بلا أدنى شك على مسار الحرب الأوكرانية. من منطلق سوابق ترامب الخارجية، وأسلوب قيادته، وتصريحاته في الحملة الانتخابية. يمكن القول إن تقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا سيتأثر مؤكداً في وجوده. يتعامل ترامب في السياسة الخارجية من منطلق التاجر والمكسب والخسارة المباشرة. إذ لا يعنيه مصالح ومفردات من قبيل انتصار الديمقراطية على الديكتاتورية أو محور الشر، أو استنزاف روسيا.. إلخ. فقط ما ترمى إليه بصيرته هو كيف سيؤثر هذا القرار على المصالح الأمريكية المباشرة خاصة الاقتصادية، وكيف يؤثر هذا التهديد بشكل مباشر على الولايات المتحدة. وسبق وقد انتقد ترامب في أكثر من مناسبة الدعم المالي الأمريكي الكبير على أوكرانيا. وبالتالي، سيضغط ترامب بشتى السبل لتقليص الدعم لأوكرانيا، وسيواجه الكونجرس فيتو رئاسيا مستمرا موجها لدعم أوكرانيا. والدعم الأمريكي لأوكرانيا أمر في غاية الأهمية لترسيخ الصمود الأوكراني ضد روسيا، حيث تمكن الجيش الأوكراني من اختراق «كورسيك» على مقربة من العمق الروسي. وجود ترامب أيضا، سيدفع تحالف شركاء الأطلسي مجددا إلى حافة التوتر كما حدث في ولايته السابقة. في لقائه الأخير مع ماسك، وجه انتقادات لأوروبا بحسبانها تستغل واشنطن، ويجب أن تدفع ثمن الحماية الأوروبية. ومن ثم، فمن المؤكد أن تحالف الأطلسي القوى الداعم لأوكرانيا لن يستمر على نفس القوة في وجود ترامب. ونخلص من ذلك، أن وجود ترامب في البيت الأبيض مرة ثانية، لن ينهى الحرب أو الدعم الأمريكي بصورة نهائية قاطعة. لكنه حتما سيؤثر بصورة كبيرة على هذه الحرب، وهذا سيصب في صالح روسيا، على الأقل من زاوية عدم تقديم أية تنازلات لإنهاء هذه الحرب.

741

| 19 أغسطس 2024

احتمالات الحرب الشاملة في المنطقة

في إطار التصعيد الجاري حاليا بين إسرائيل وحزب الله، عقب اغتيال إسرائيل لكل من إسماعيل هنية وفؤاد شكر. وتوعد حسن نصر الله والحرس الثوري الإيراني إسرائيل برد حاسم ردا على عمليات الاغتيال. تتزايد المخاوف في المنطقة من حرب شاملة، ويتداول مفهوم الحرب الشاملة على نطاق واسع دون التمعن في تفاصيله لاسيما أطرافه الرئيسية ونطاقه وتداعياته. قد أصبح من المتداول في المنطقة أن الحرب الشاملة هي مرادف لحرب عنيفة يتم فيها حشد كل القوات والإمكانات العسكرية واللوجستية بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، أسوة بحرب عام 2006 لكن على نطاق أقوى وأعنف. وإن كانت شرارة الحرب ستكون بالقطع بين حزب الله وإسرائيل؛ إلا أنها ستكون شاملة- في واقع الأمر - لأنها ستدفع أطرافا عديدة للتورط فيها وعلى رأسها إيران والولايات المتحدة، بجانب معظم حركات المقاومة في سياق وحدة الساحات. وبالتالي، فهي شاملة من حيث النطاق والأطراف والتداعيات الوخيمة على المنطقة والعالم بالقطع. ومن هذا المنطلق، فاندلاع هذه الحرب الشاملة ليس بالأمر السهل- كما يتراءى للكثيرين - بل يؤكد عدد لا يحصى من الشواهد خلال السنوات السابقة الممتدة حتى ما بعد تداعيات طوفان الأقصى، أن الأطراف الرئيسية الكبرى ونقصد تحديدا الولايات المتحدة وإيران لا يريدون هذه الحرب بأي حال من الأحوال. وأقرب شاهد على ذلك هو تسوية أزمة قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في سوريا، عبر اتفاق بين واشنطن وإيران على عدم التصعيد. وتمادي إسرائيل في استفزاز الجميع وخاصة حزب الله، يؤكد أمراً واحداً، أن إسرائيل ترغب في هذه الحرب بشدة، والمستفيد الوحيد منها. بل وتسعى بشتى الطرق لتوريط الولايات المتحدة فيها، لأنها ستكون الفرصة الذهبية للقضاء على طموحات إيران النووية وتدمير جميع خصومها من حركات المقاومة وخاصة حزب الله الذين أصبحوا يشكلون تهديداً وجودياً لإسرائيل، وفقا لمزاعمها ورؤيتها الأمنية. وعلى إثر تلك المعطيات السابقة، يتبدى لدينا سيناريوهان بشأن الحرب الشاملة على الأقل خلال الفترة المتبقية لإدارة الرئيس بايدن: الأول: وهو المرجح بشدة، استبعاد اندلاع هذه الحرب. ثمة عوامل متعددة مرجحة لهذا السيناريو أهمها عدم رغبة واشنطن وإيران- كما ذكرنا - في اندلاع هذه الحرب. ينبع الرفض الأمريكي العام من التورط في حرب مع إيران من عدة اعتبارات من بينها، التداعيات الخطيرة لهذه الحرب على مصالح واشنطن وقواعدها في المنطقة وعلى مصالح حلفائها، عدم استعداد الولايات المتحدة لخوض حروب أخرى في المنطقة نتيجتها الفشل الحتمي، تركيز واشنطن التام على تقويض الخطر الصيني، وأخيراً أن وجود التهديد الإيراني في حد ذاته يشكل مبرراً لاستمرار وجودها العسكري في الخليج والضغط لتسريع التطبيع واستمرار مبيعات السلاح في المنطقة بصفقات تقدر بمليارات الدولارات. وعلى الجهة المقابلة، فتداعيات حرب مباشرة مع أمريكا شديدة الوطأة على إيران وعلى مكاسبها الثمينة التي حققتها منذ الربيع العربي. وبالتالي، يتوقف تحقيق هذا السيناريو في المقام الأول في نجاح الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل في إيقاف سياستها الاستفزازية تجاه حزب الله وخاصة سياسة الاغتيالات، وعدم الانجرار إلى تصعيد عنيف إذا قام حزب الله بالرد على عمليات الاغتيالات الأخيرة. إذ من المؤكد أن يقوم حزب الله بصورة منفردة أو بالتعاون مع إيران أو بعض الوكلاء، بعملية عسكرية قوية إلى حد ما ضد إسرائيل، لكن نعتقد أنه سيكتفى بهذا الرد كالمتعاد بأوامر عليا من إيران. الثاني: ليس مستبعدا، لكنه غير مرجح بصورة كبيرة، وهو اندلاع الحرب الشاملة. يشير بعض الخبراء الأمريكيين أن إسرائيل قد أصبحت أخطر تهديد للولايات المتحدة، بل يضيفون أن ضياع ما تبقى من هيمنة أمريكية في العالم سيكون على يد إسرائيل. ويتبدى منذ طوفان الأقصى أن واشنطن قد أصبحت في مأزق عميق بشأن التعامل الأمثل مع إسرائيل، حيث أصبحت الأخيرة خارج نطاق السيطرة الأمريكية المعتادة. فرغم ضغوط إدارة بايدن على إسرائيل لعدم التصعيد في المنطقة وخاصة تجاه حزب الله والذي وصل إلى حد منع توريد بعض الأسلحة الخطيرة لإسرائيل. ومع ذلك فإسرائيل بقيادة تحالف اليمين المتطرف ماضية في تصعيدها. وبالتالي، فاستمرار هذا التصعيد سيدفع بالحرب الشاملة لأن إيران ووكلاءها ليس بمقدورهم تحمل فوق طاقتهم من استفزاز إسرائيلي. خاصة وأن هذا الاستفزاز قد بدأ يطال خطوطا حمراء لإيران. فسياسة الاغتيالات على سبيل المثال قد طالت أكثر من 40 قيادة عسكرية هامة في حزب الله آخرهم فؤاد شكر أهم قائد عسكري في الحزب. لكن على الرغم من ذلك، ثمة أمر رئيسي قد يجعل إسرائيل تعدل عن إصرارها على الحرب الشاملة- وليس استبعادها تماما - خلال ولاية بايدن المتبقية، ويكمن في مخاوفها من عدم تقديم إدارة بايدن الدعم الكافي لها للاستمرار في هذه الحرب، والضغط لإنهائها بصورة سريعة. فإسرائيل على علم تام بالانقسام الدائر الآن حتى بين الديمقراطيين بشأن دعم إسرائيل، فقد قاطع عدد من النواب الديمقراطيين خطاب نتنياهو الأخير في الكونجرس. ملخص القول، نرى أن الحرب الشاملة في المنطقة أمر مستبعد على الأقل حتى نهاية ولاية بايدن، فالحاصل الآن هو ضغوط أمريكية شديدة على إسرائيل لعدم التصعيد يساندها بعض الأطراف الرئيسية كقطر ومصر والسعودية، مما سيجعل إسرائيل ترضخ لهذه الضغوط بصورة كبيرة.

1257

| 05 أغسطس 2024

سياسة الاغتيالات الإسرائيلية

في كل عملية اغتيال تقوم بها إسرائيل خاصة ضد قيادات كبيرة في حركات المقاومة؛ يثار لفترة قصيرة مجموعة أسئلة متكررة حول أهداف إسرائيل من سياسة الاغتيالات، وجدوى سياسة الاغتيالات (السؤال الأهم)، وتأثير هذه السياسة على حركة المقاومة المستهدفة...وغيره. وأقدمت إسرائيل في يومين متتالين باغتيال اثنين من أكبر قادة حركات المقاومة في سابقة غير مسبوقة، الأول إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وأحد القادة التاريخيين لحماس. وفؤاد شكر القائد العسكري الأول لحزب الله ويعد الرجل الثاني في الحركة بعد حسن نصرالله، وأحد قادة الحزب التاريخيين أيضا. ونعتقد بعد هذه السابقة غير المسبوقة، ستدور مناقشات كبيرة حول سياسة الاغتيالات الإسرائيلية لاسيما في ذلك التوقيت الحساس، ونسعى في هذا المقال بالمساهمة في هذا النقاش. تعد سياسة الاغتيالات سياسة إسرائيلية راسخة منذ زرع الكيان الصهيوني في المنطقة. فإسرائيل تعد من أكثر الدول في التاريخ التي قامت بعمليات اغتيال لخصومها، ففي العقد الأخير فقط اغتالت العشرات من قادة ورموز حركات المقاومة وعلى رأسهم الشيخ ياسين الزعيم التاريخي الروحي لحركة حماس. وبعد طوفان الأقصى، نفذت عمليات اغتيال ضد قادة بارزين في حماس وحزب الله كان أشهرها اغتيال الشهيد صالح العرورى. وتؤمن إسرائيل إيمانا راسخا بأن سياسة الاغتيالات ضد قادة ورموز حركات المقاومة تحقق لها مجموعة أهداف استراتيجية، لعل أهمها إضعاف هذه الحركات عبر تصفية الشخصيات الأكثر تأثيراً وخبرة سواء سياسيا أو عسكريا أو رمزياً، وتسمى هذه الاستراتيجية بـ «قطع الرؤوس». ولعل اغتيال فؤاد شكر ذي الخبرة العسكرية الميدانية التي تمتد لأكثر من عقدين، والمسؤول الأول عن مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله، يؤكد منطق إسرائيل من سياسة الاغتيالات. ومن الجدير بالذكر أن سياسة قطع الرؤوس سياسة أمريكية راسخة في مواجهة خصومها أيضا نقلتها من الخبرة البريطانية الطويلة في المنطقة، حيث عادة ما كانت تعتقد وتنصح بريطانيا أن المنطلق الرئيسي للقضاء على أي حركة أو تيار، أو إخضاعه هو القضاء على قادته أو ترويضهم. وتؤمن إسرائيل أيضا أن سياسة الاغتيالات، سياسة غير مكلفة لإسرائيل، تساهم في تعزيز شعبية القيادة الحاكمة، ورفع الروح المعنوية للشعب والجيش الإسرائيلي. حيث تقدم إسرائيل على عملية الاغتيال ومتيقنة أن الرد على هذا الاغتيال لن يكون بمستوى الرد على عملية عسكرية كبرى أو يتطور إلى حرب شاملة. وبالتالي، تعده إسرائيل انتصارا معنويا كبيرا بدون تكلفة عسكرية وبشرية ومادية كبيرة. هذا بخلاف ما تعقده إسرائيل من إضعاف قوة حركة المقاومة، وزعزعة روحها المعنوية، وإضعاف شعبيتها خاصة إذا أقدمت على اغتيال رمز كبير من رموزها. وعطفا على ذلك، ربما تعتقد إسرائيل سياسة الاغتيالات الممنهجه لقادة حركات المقاومة، ستخلق عملية إحجام عن تولى مناصب قيادية حساسة أو هامة داخل حركات المقاومة خاصة القيادات غير القابلة للمهادنة مع إسرائيل. أو على العكس ستساهم في صعود قيادات ضعيفة قابلة للمهادنة والرضوخ لإسرائيل أو لديها استعداد دائم لتنحية ورقة المقاومة المسلحة مقابل التفاوض غير المشروط. سياسة الاغتيالات الإسرائيلية: رهان فاشل على المدى الطويل ونتائج عكسية مخيبة لا يمكن إنكار أن اغتيال كبار القادة والرموز في حركات المقاومة أو أية جماعة أخرى سياسية أو حتى إرهابية، من شأنه إحداث إرباك شديد في صفوف الحركة، وربما إضعاف لكنه في كل الأحوال «مؤقت» أو قصير المدى. ومع حركات المقاومة خصيصا التي تقاوم من أجل قضية عادلة تاريخيا وقانونياً كالقضية الفلسطينية؛ فتداعيات الاغتيالات لن يزعزع من الروح المعنوية أو عقيدة المقاومة لتلك الحركات، أو يدفعهم للاستسلام، بل على العكس تزيدهم صلابة وشعبية. وليس هذا محض خيال إنشائي، بل حقيقة قد رسخها الزمن. أقدمت إسرائيل على اغتيال العشرات من أبرز قيادات حماس؛ وكانت النتيجة ظهور جيل جديد من القيادات لا تقل كفاءتهم أو خبرتهم عن الأجيال المغتالة، وتعاظم أعداد المنتمين للحركة، بالإضافة إلى زيادة شعبيتها داخل فلسطين وخارجها. وكانت المحصلة النهائية المخيبة تماما لإسرائيل، هو قيام هذا الجيل بعملية طوفان الأقصى التي تعد أكبر هزيمة في تاريخ إسرائيل. وينطبق ذلك أيضا على حزب الله اللبناني، الذى أصبح بعد عشرين عاما من اغتيالات ممنهجة لقادته أكبر تهديد وجودي لإسرائيل.

810

| 03 أغسطس 2024

لماذا فشل تحالف الازدهار في هزيمة الحوثيين؟

في مطلع الشهر الحالي أقر الرئيس بايدن بما مفاده أن الحملة العسكرية على الحوثيين لن تؤتى بثمارها المتوقعة، وهو شبه إقرار بفشل الحملة ضد الحوثيين، أو بصعوبة هزيمتهم. وفي ذات الشهر أيضا، شن الحوثيون ولأول مرة هجوما على إسرائيل، تأكيدا على فشل حملة تحالف الازدهار المستمرة من يناير في تقويض الحوثيين، وتمدد سطوة الأخيرة. بالإضافة إلى شن الجماعة هجمات على بعض السفن في البحر الأحمر التي يزعم تبعيتها أو دعمها لإسرائيل. وقد أثار فشل تحالف حارس الازدهار بقيادة واشنطن الذي تشكل في يناير الماضي، في هزيمة الحوثيين الكثير من اللغط والحيرة. إذ على مدار سبعة أشهر من انطلاق الحملة، لم تحقق أية نتائج جوهرية. بل ان الحوثيين في منعطف استعراض قوة مستمر، بل حتى زعيم الجماعة «عبد المالك الحوثي» قد قلل في حديث رسمي له من أهمية وفعالية هذه الحملة. ومكمن الحيرة أو التعجب الرئيسي ربما لدى واشنطن أيضا، هو عدم تصور أن تكون هزيمة الحوثيين بهذه الصعوبة. وعلى إثر ذلك، ذهب البعض بالتأكيد أن ثمة تواطؤا أمريكيا مع الجماعة، إذ لا تتعمد واشنطن استهداف مراكز القيادة الرئيسية للجماعة في اليمن، ولا قادتها الرئيسيين. أما سبب التواطؤ، فهو للإضرار بالتجارة الصينية في البحر الأحمر. مسألة التواطؤ الأمريكي مع الحوثيين أو إيران داعمها الرئيسي، مستبعدة من الأساس، وذلك عند النظر فقط لحجم الإنفاق المهول على الحملة التي بلغت بحسب التقديرات 30 مليار دولار حتى الآن دون نتيجة بالطبع، وتطور خطر الجماعة ليطال إسرائيل الخط الأحمر الأمريكي. ثمة أسباب عديدة مترابطة لفشل الحملة ضد الحوثيين. أولها وأهمها، هو سوء التقدير الأمريكي-الغربي حول القوة الحقيقية للجماعة، وذلك من حيث خبرتها القتالية، وأعداد العتاد والصواريخ معها، وعقيدتها القتالية، وعدد أفرادها. وأبلغ دليل على ذلك، هو الكم الهائل من الصواريخ والمسيرات التي لدى الجماعة والتي لم تنفد رغم نجاح التحالف في إسقاط المئات منها. فضلا عن دقة استخدامها عن بعد ضد أهداف في البحر الأحمر، ويعكس ذلك الخبرة الواسعة التي اكتسبتها الجماعة. إذن فمن حيث المبدأ، كان من المفترض على تحالف الازدهار تبني خطط أكثر قوة وصرامة في حربه ضد الحوثيين، وهذا ما أقر به البنتاجون بالقول إن هزيمة الحوثيين تحتاج إلى استراتيجية أكثر قوة وصرامة. ومع ذلك، فالرهان على قدرة الاستراتيجية الصارمة على هزيمة الحوثيين بصورة مطلقة رهان خاسر، فمن شأنها فقط الحد من هجمات الجماعة المتواصلة في البحر الأحمر. إذ يمكن القول إن هزيمة جماعة أيديولوجية مثل الحوثيين تعمل في بيئة تضارسية جبلية معقدة، أمر أشبه بالمستحيل. ولنا في طالبان أفغانستان عبرة، إذ أقصى ما أنجزته الولايات المتحدة من خلال أسلحتها شديدة التطور، وإنفاقها الذي ناهز ال2 تريليون دولار، هو إضعاف طالبان وقتل بعض من قادتها. ومن ثم، فإضعاف الحوثيين، وليس هزيمتهم، يتطلب استراتيجية صارمة طويلة المدى تستند على استخدام تقنيات عسكرية متطورة، وتحالف أوسع، وتعاون استخباراتي عالي المستوى. والاستعداد إلى تدخل بري إذا استلزم الأمر. ونعتقد أن الولايات المتحدة غير راغبة وغير مستعدة أيضا لتبني تلك الاستراتيجية التي ستكبدها مليارات الدولارات، وتشتت التركيز الأمريكي على أهداف أكثر أهمية. الرهان على الحسم العسكري ضد الحوثيين وغيرها من الكيانات من غير الدول العسكرية الجهادية، قد فشل فشلا ذريعاً. وسيواجه جولة أخرى من الفشل ربما أكثر فداحة مع الحوثيين. وبالتالي، فالرهان على تحييد تلك الجماعات وتقويض تهديداتها، ينبغي أن يكون رهاناً سياسياً بالأساس. تعالج فيه جذور الأزمة وليس أعراضها. ومن ثم، فالحل يجب أن يبدأ من داخل اليمن ذاتها عبر تكثيف الجهود لمصالحة شاملة يتم فيها الاعتراف بالحوثيين كمكون سياسي واجتماعي أصيل، ويحتاج ذلك إلى صبر وتدخل وسطاء أكثر قبولا وعلى رأسهم الصين. وفوق كل ذلك، يكمن الحل الجذري في تخميد المد الجهادي في المنطقة في العمل على حل شامل عادل للقضية الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة، وضرورة وقف حرب الإبادة في غزة.

1164

| 30 يوليو 2024

ترامب والانعزالية الأمريكية

من بين الأمور التي لا تحصى التي أثارها دونالد ترامب منذ ظهوره في المشهد الأمريكي عام 2016، أي قبل انتخابه رسميا عام 2017، هي هل سيدفع ترامب الولايات المتحدة إلى الانعزالية؟. تعنى الانعزالية الأمريكية المقصودة ببساطة تخلي الولايات المتحدة عن دورها القيادي في العالم طواعية. برز الحديث والجدل الأمريكي حول الانعزالية في نهاية ولاية الرئيس بوش الابن، حيث طلت أصوات أكاديمية ونخبوية عالية تنادي بالانعزالية، وذلك من عدة منطلقات رئيسية من بينها، الأضرار البالغة التي لحقت باضطلاع الولايات المتحدة بدور القيادة، حيث يستلزم هذا الدور دعم الحلفاء وحمايتهم، تكبد الخزينة الأمريكية نفقات باهظة، الانخراط في كل الأزمات الدولية وفي بعض الحالات عسكريا. ومن الحجج الداعمة للانعزالية كذلك، عدم قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار بدور القيادة، إذ إن الاستمرار في هذا الدور في ظل الظروف والتحديات الراهنة في الوقت الحاضر سيؤدي إلى إضعاف الولايات المتحدة بصورة نهائية. وعلى البر الآخر، تناطح حجج الانعزالين حجج التدخلين أو أنصار القيادة، وبعض من تلك الحجج في غاية الوجاهة، والتي من بينها، الربط بين القيادة الأمريكية والفوضى في النظام الدولي. إذ يرون أن ما تبقى من استقرار في النظام الدولي يعزو بصورة أساسية لاستمرار الدور الريادي العالمي لواشنطن في حين لا تستطيع قوى أخرى أن تضطلع بهذا الدور في الوقت الراهن. كما يرى آخرون أن الانعزالية ستضر بمصالح واشنطن المترامية الأطراف في العالم، كما ستؤدي إلى تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي، وتفشي الديكتاتورية، وتراجع الاهتمام بالقضايا الخطيرة كالانتشار النووي وتغير المناخ. ويلاحظ المتتبع لسياسة الولايات المتحدة منذ تولي إدارة أوباما أن ثمة تغيرا كبيرا على السياسة الخارجية الأمريكية يشير إلى أمر جوهري رئيسي وهو محاولة الولايات المتحدة إعادة صياغة دورها القيادي في العالم، أي محاولة إظهار استمرار القيادة الأمريكية في العالم، لكنها قيادة «انتقائية إلى حد بعيد» أو قيادة غير تدخليه، والبعض يطلق عليها «قيادة من الخلف». ويعزو ذلك من إحساس الولايات المتحدة العميق بعدم قدراتها على الاضطلاع بقيادة تامة كما كان في السابق. وعلى هذا الأساس، دشنت إدارة أوباما في إطار ما بات يعرف بعقيدة أوباما مصطلحات وسياسات غير معهودة عن واشنطن، من أبرزها «تقاسم الأعباء مع الشركاء» «الحروب الذكية» «التدخل في الأزمات الحرجة أو على المحك». ومع تولي ترامب سدة الحكم في واشنطن، جدد الجدل من جديد بفضل سياساته العنيفة مع أقرب الحلفاء ومن قبلها شعاره الانتخابي «أمريكا أولاً»، حول الانعزالية الأمريكية. في واقع الأمر، هناك نزعة انعزالية واضحة بصورة كبيرة لدى ترامب- حتى دون أن يعي ذلك أو يعرف ما هي الانعزالية تحديدا - لاسيما وأنه ينطلق في تعاطيه مع السياسة الخارجية من منطلق الصفقة، ولا يكترث بأي قضايا خارج نطاق المصالح الضيقة لواشنطن كالاستقرار العالمي أو تغير المناخ. لكن في ذات الوقت، من الصعب أيضا أن يدفع ترامب وحدة الولايات المتحدة نحو الانعزالية، فالمصالح الإستراتيجية الأمريكية تصنعها شبكة معقدة من المؤسسات الداخلية الأمريكية. والأقرب إلى الصح والموضوعي، أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض يعكس تنامي توجه شعبي يرغب الانعزالية هذا من جانب، ومن جانب آخر أن وجود ترامب عامة في المشهد السياسي الأمريكي سيساهم في تعزيز التوجه الانعزالي الأمريكي. واحد من العوامل الرئيسية للشعبية الجارفة لترامب هو خطابه الخارجي الناقد بشدة للإنفاق العسكري الأمريكي في العالم، والحروب في المناطق البعيدة عن الولايات المتحدة، وكذلك الدعم الأمريكي لحلفاء مثل أوكرانيا، وهجومه على الأمم المتحدة، ودعمه للحمائية التجارية حتى ضد شركاء وحلفاء واشنطن، وانسحابه من المؤسسات الدولية كمنظمة الصحة العالمية، وعداؤه لحلف الناتو... وغيرها. ويحظى هذا الخطاب بدعم شعبي متنامٍ بسبب الوضع الاقتصادي المتردي الذي يئن منه الأمريكان وفي اعتقادهم الراسخ أنه بسبب استمرار الولايات المتحدة الاضطلاع بدور القيادة على حساب الشعب الأمريكي. إذ بحسب استطلاعات مركز بيو، لا يدعم ما يقرب من 70 % من الأمريكان الدعم الأمريكي لأوكرانيا. وفي استطلاعات مماثلة عبر عدد لا يستهان به عن عدم اقتناعهم بالقيادة الدولية الأمريكية. بنسبة تتجاوز الـ 90% ترامب هو سيد البيت الأبيض القادم، والحظ حليفه بقوة حتى الآن خاصة بعد الأداء المخيف لبايدن في المناظرة الأخيرة، ومحاولة اغتيال ترامب التي رفعت شعبيته لنحو 20 % في غضون ساعات. ومن ثم، ستشهد ولاية ترامب القادمة الكثير من المظاهر الخارجية الداعمة للانعزالية الأمريكية على المدى البعيد.

780

| 22 يوليو 2024

اليمين المتطرف الفرنسي ولعنة نهاية الماراثون

اتحد الأنداد والأعداء ضد اليمين المتطرف الفرنسي، هذا هو ملخص الانتخابات البرلمانية الفرنسية الأخيرة وعنوانها الرئيسي. لكن على الرغم من أن هذا الاتحاد بين تحالف الوسط الرئاسي والتحالف اليساري، والتحالف الاشتراكي ذاته، كان مساهما رئيسيا في عرقلة حلم اليمين المتطرف الفرنسي من الاستحواذ على الأغلبية البرلمانية التي كان قوب قوسين أو أدنى من نيلها بعد تصدره في الجولة الأولى. إلا أن ذلك لا يقدم تفسيراً واضحا للغز تحطم أحلام اليمين المتطرف في نهاية كل ماراثون انتخابي. ففي الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعامي 2017، و 2022، كادت ماري لوبان زعيمة التجمع الوطني أن تصل إلى قصر الإليزيه لكن تعرقل وصولها على آخر لحظة. وفى الانتخابات البرلمانية لعام 2015، تصدر حزبها في الجولة الأولى، لكنه فقدها في الجولة الثانية. وفى كل مرة يتكرر نفس السيناريو حرفياً، تتحالف أحزاب الوسط واليسار ضد اليمين المتطرف، والتحالف هنا لا يعنى تشكيل جبهة موحدة لخوض الانتخابات ضد اليمين المتطرف. بل عبر التنسيق و دعم بعضهم البعض في الدوائر الانتخابية المختلفة، وحث أنصارهم للتصويت ضد اليمين أو لصالح أي منافس اليمين. وذلك عندما فعل التحالف اليسار عندما حث أنصاره للتصويت بكثافة لماكرون ضد لوبان في انتخابات 2022. لكن يتبدى وراء ذلك، أن الناخب الفرنسي نفسة - صاحب الكلمة العليا في الانتخابات عامة ووصول اليمين المتطرف لحكم فرنسا خاصة- ينتابه حالة من التردد الشديد في اللحظات الأخيرة. فلا شك أن القاعدة الشعبية الداعمة لليمين المتطرف قد تنامت بصورة مطردة. وهذا ما برهنت عليه الانتخابات الأخيرة التي حصل فيها اليمين المتطرف رغم حلوله في المركز الثالث على أعلى نسبة تصويت شعبي له في تاريخه والتي ناهزت 11 مليون صوت. مما أدخل المشهد السياسي الفرنسي أيضا في حالة إرباك شديد حيث لم يحصل أي تكتل على الأغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة. ومع ذلك، يبدو بجلاء أن هناك كتلة تصويتية ضخمة اغلبها من انصار اليمين بأطيافه، لم تحسم موقفها النهائي من اليمين المتطرف، رغم تماشى خطاب وسياسات اليمين المتطرف مع مزاجها العام. هنالك مخاوف متنوعة لدى الفرنسيين (شعبا ونخبة) من حكم اليمين المتطرف لفرنسا كشفت عنها العديد من الاستطلاعات التي تعد السبيل الوحيد لفك شفرة هذا اللغز. ولم تجمع هذه الاستطلاعات على مخاوف محددة مشتركة، لكن اليمين المتطرف الفرنسي بصفة عامة يثير عددا لا يستهان به من المخاوف. يخشى عدد كبير من الفرنسيين أن يغير اليمين المتطرف المعالم الرئيسية وروح الجمهورية الفرنسية التي بنيت على مبادئ الثورة الفرنسية. فمبادئ اليمين المتطرفة للغاية قد تقوض أسس العلمانية والليبرالية المتجذرة في فرنسا. ويخشى البعض الآخر، من تقويض اليمين المتطرف لروح التسامح وأسس مبادئ حقوق الإنسان العالية التي تتمتع بها فرنسا، وذلك على إثر خطابه شديد التطرف والتعصب ضد كل ما هو غير فرنسي خاصة العرب والمسلمين. وهذا لا يتماشى مع حال فرنسا اليوم حيث أقليات من السود والمسلمين والعرب تناهز الملايين، وتلعب دورا رئيسيا في جميع مناحي الحياة الفرنسية. حتى كرة القدم معشوقة الفرنسيين أساطيرها التاريخيين اغلبهم ليسوا فرنسيين في الأصل. وثمة مخاوف تتعلق بعزلة فرنسا عن محيطها الأوروبي، بل واحتمالية انسحابها من الاتحاد الأوروبي. فاليمين المتطرف كما هو معروف يرفض ما يسمى هوية أوروبية جامعة، ومؤسسات فوق سيادية. وواقع الأمر، أن ندم الإنجليز الشديد من الخروج من الاتحاد الأوروبي بفضل ضغوط اليمين الإنجليزي، ماثل في ذهن الفرنسيين باستمرار. فخروج إنجلترا من الاتحاد قد أصاب اقتصادها بنكبة شديدة، وأضعف من قوتها السياسية. إذن ملخص القضية أن الفرنسيين في حيرة شديدة أمام يمين متطرف يلامس ويداعب مخاوفه ومتاعبه لاسيما مخاوفه من تنامى أعداد الأقليات والمهاجرين وطمس الهوية الفرنسية ومعها تأكل حقوقه الأصلية لصالح الغرباء. وبين مخاوفه من سياسات شديدة الراديكالية على كافة المناحى إذا حكم اليمين المتطرف فرنسا.

903

| 11 يوليو 2024

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

2415

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
كبار في قفص الاتهام.. كلمة قطر أربكت المعادلات

في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...

2379

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
غياب المعرفة المالية عن الطلاب جريمة اقتصادية بحق الأجيال

في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...

2331

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
قطر في الأمم المتحدة.. السيادة والإنسانية

يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...

1041

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

906

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
الأمير يكشف للعالم حقيقة الكيان الإسرائيلي

صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....

846

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
حضور فاعل للدبلوماسية القطرية

تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...

822

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
1960.. أمّ الانقلابات في تركيا وإرث الوصاية العسكرية

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...

756

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
أهمية وعي المُستثمر بالتشريعات الناظمة للتداول

يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...

729

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
خطاب صريح أقوى من السلاح

• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...

699

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

672

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

606

| 26 سبتمبر 2025

أخبار محلية