رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

816

د. فاتن الدوسري

خيارات صعبة أمام «حزب الله»

23 سبتمبر 2024 , 02:00ص

باعتراف السيد حسن نصر الله - قبل إقرار جميع المراقبين - تعرض حزب الله على خلفية تفجيرات أجهزة «البيجر» اللاسلكية لأكبر عملية اختراق أمنى في تاريخه. وهي ضربة موجعة للحزب بحسب كلام نصر الله بسبب أيضا استهدافها لأكثر من خمسة آلاف من كوادر الحزب ما بين قتيل ومصاب في يوم واحد.

 وبعد مرور ساعات قليلة على تفجيرات البيجر، تعرضت ما تسمى «وحدة الرضوان» التابعة للحزب لضربة إسرائيلية أودت بحياة عدد من عناصر الوحدة، ومقتل القيادي البارز «إبراهيم عقيل».

 يواجه حزب الله بلا أدنى شك مأزقا غير مسبوق في تاريخه؛ حيث أصبح الرد على إسرائيل أمرا حتميا وجوبيا للثأر لشهدائه، واستعادة مكانته التي اهتزت كثيراً ليس بعد البيجر بل منذ سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية لقادة الحزب العسكريين من الصف الثاني والتي توجتها إسرائيل باغتيال فؤاد شكر، وتقويض مستهدف إسرائيل من الحزب التي تسعى بحسب آخر تصريحات مسؤوليها إلى تجريد قدرات حزب الله.

وعلى الرغم من امتلاك حزب الله لقدرات عسكرية كبيرة ومتطورة، خاصة صاروخية قادرة على هز أعماق إسرائيل بعنف وحسم، وتماسك قدراته خاصة البشرية حيث يمتلك أكثر من مائة ألف مقاتل مدربين على خوض المعارك. بيد أن خيارات رد حزب الله أمست شديدة الصعوبة.

في ظل الظرف الحساس الذي يمر به حزب الله، فمن الطبيعي أن يكون أمامه ثلاثة خيارات للرد وهما: عدم الرد بالأساس، أو الاستمرار في خيار الاشتباك العادي، أو الرد الحاسم العنيف.

ونضيف أيضا بصعوبة التكهن بأي خيار من الثلاثة. وعلى كل، فخيار الرد الحاسم سيفضي بلا أدنى مواربة إلى عواقب وخيمة على الأقل على لبنان، وليس بالضرورة إلى حرب شاملة التي توسع الكلام عنها بلا داعٍ. إذ بمجرد بدء الحزب بالرد الحاسم الانتقامي ضد إسرائيل، ستصبح لبنان برمتها في مرمى آلة العنف والتدمير الإسرائيلية الرهيبة كما حدث في 2006.

 ولعل المعضلة العويصة التي تواجه الحزب بشأن هذا الخيار هو تأهب إسرائيل لهذه اللحظة ومعها ضوء أخضر أمريكي ظهر جليا بعد تفجيرات البيجر، بل إن كل ما تقوم به إسرائيل ضد حزب الله هو بغرض جره إلى الحرب الواسعة. ويتوقع الحزب شن إسرائيل لحرب على لبنان وجنوبه تحديداً تفوق في شراستها أضعاف حرب 2006 لاسيما في ضوء التغير التام في أسباب الحرب واستعداد إسرائيل لها مقارنة بعام 2006.

على الرغم من طرح الكثير من المحللين لخيار عدم الرد من جانب الحزب وذلك انطلاقاً من حالة الانكشاف والضعف التي تمر على الحزب خلال تلك الفترة، أو استجابة لطلب من إيران في سياق سياسة الهدوء والحذر والصبر التي تتبعها خاصة أمام العواصف العاتية، أو لرغبة حكيمة لتجنيب لبنان أتون نار سيجهز عليه تماما في ضوء الضعف الشديد الذي يعانى منه.

وبغض النظر عن المنطلقات أو أيا ما كانت، فخيار عدم الرد له عواقب شديدة الوطأة على الحزب. فعدم الرد يعني صراحة إقرار الحزب بالهزيمة. وثمة الكثير والكثير من التداعيات الخطيرة جراء ذلك، فمن ناحية سيشجع إسرائيل على الاستمرار في استنزاف وتجريد قدرات الحزب. ومن ناحية أخرى، سيؤدي ذلك إلى إضعاف الروح المعنوية داخل الحزب، ومن ناحية ثالثة ستصبح شعبية ومكانة الحزب على المحك.

في خطاب السيد حسن نصر الله عقب تفجيرات البيجر، قد أقر بلا مكابرة بالضربة المدوية التي تلقها الحزب. لكنه في ثنايا الخطاب قد أكد جازما بالرد وعدم التخلي عن التصعيد في الجبهة الجنوبية وعدم التخلي عن أهل غزة وعدم السماح لإسرائيل باختراق جنوب لبنان بريا.

ويشي ذلك من حيث المبدأ أن خيار عدم الرد مستبعد إلى حد كبير. وفي ضوء العواقب المدمرة للرد الحاسم فهذا الخيار مستبعد بدرجة كبيرة أيضا. إذن ما تبقى هو خيار الاستمرار في قواعد الاشتباك التقليدية التي بدأت منذ طوفان الأقصى.

بيد أن هذا الخيار-رغم تفضيله مرحليا من جانب الحزب-قد بات بلا جدوى، بل يعد رسالة لإسرائيل لاستكمال مخطط التجريد والتصعيد.

في النهاية، يمر حزب الله بفترة عصيبة غير مسبوقة في تاريخه، إذ يواجه خصما يسعى بشتى الطرق إلى جره في حرب مفتوحة ستكون تكلفتها تدمير لبنان برمتها-على الأقل- ومن ثم، فجميع الخيارات المتاحة أمام الحزب لردع إسرائيل بات أصعب من بعض، ويصعب التكهن بواحدة منها.

مساحة إعلانية