رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ديب سيك... والدلالات الإستراتيجية

في خضم ذروة زهو ترامب بقوته وسياسته الجديدة التي يريد بها تغيير العالم، أحدثت الصين صدمة عالمية مدوية - نظن أنها كانت معدة سلفاً، وليست عشوائية- بإصدار تطبيق «ديب سيك» للذكاء الاصطناعي الذى يحاكى عمل «تشات جى بى تى» التطبيق الأشهر في العالم. وهى صدمة بكافة المقاييس نظراً للتكلفة الزهيدة للتطبيق، ولأدائه وسرعته التي تفوق خمسة أضعاف كل نظائره، وإتاحته بصورة مجانية للعالم. لكن لعل الصدمة الكبرى كانت انفجار فقاعة التفوق لترامب أولاً، والتكنولوجيا الأمريكية ثانيا، أمام العالم في غضون ساعات دون سابق إنذار. إذ من المعروف أن التكنولوجيا هي من الأذرع القليلة التي ما زالت متبقية في يد الولايات المتحدة لتأكيد تفوقها العالمي، بعد انسحاب بساط التفوق في مجالات عديدة إلى أرجل الخصوم. وإن كانت الصين فيما يبدو أرادت توصيل رسالة مباشرة لترامب مفادها بأن الحرب التجارية والتكنولوجية الساحقة التي عزم إعلانها على الصين لن تجدى نفعاً ومن الأفضل للقوتين الحوار والتفاوض. فالحرب التكنولوجية التي فرضها على الصين في ولايته الأولى، قد أفادت الصين حيث أعلنت عن خطة صنع في الصين 2050 والتي ارتكزت على تلبية الاعتماد الذاتي في المجال التكنولوجي خاصة أشباه الموصلات، وقد تمخض عن ذلك «ديب سيك». ومع ذلك، تتبدى في الأفق الدلالة الاستراتيجية الأخطر من ديب سيك وهى استحالة استمرار شارة التفوق التكنولوجي في يد أحد لاسيما قوى كبرى. ولعل ذلك ليس بالجديد في حد ذاته، فمئات «الهاكرز» من المراهقين قد استطاعوا في السابق اختراق أصعب الأنظمة التكنولوجية تحصيناً مثل البنتاجون، واكتشاف ثغرات فادحة في أشهر التطبيقات العالمية مثل فيسبوك. لكن ربما الجديد في هذه الواقعة يتعلق بالذكاء الاصطناعي، فبكلفة زهيدة ووقت قياسي وبأنظمة بسيطة، خرج إلى النور «ديب سيك»، في حين تنفق شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية مئات المليارات سنويا على تطوير برامج وتقنيات ينتهى بريقها في غضون ستة أشهر من خلال تطبيقات أحدث. فالخطير في الأمر أن الذكاء الاصطناعي ذاته قد سهل على جميع تطوير تقنيات فائقة الدقة والسرعة، دون الحاجة إلى تكلفة باهظة، بل مجرد تمكن في المعرفة وإلهام فكرى وهذا قد يكون عبر مراهق أو إرهابي أو هاكر يسعى للتجسس أو السرقة. ولعل هذه النتيجة قد تدفع القوتين خاصة الولايات المتحدة إلى تكثيف التعاون للتصدي لمخاطر الذكاء الاصطناعي الكارثية. لكن فيما يبدو أن ذلك لم يحدث، حيث سيستبد العناد والتحدي من الطرفين خاصة من واشنطن، ففور ظهور التطبيق أعلن ترامب عن استثمارات بنحو بنصف مليار دولار في الذكاء الاصطناعي. والتفوق في مجال الذكاء الاصطناعي- رغم مخاطره- أصبح ضرورة حتمية للتفوق الشامل للدول خاصة في المجال العسكري، فتقنيات الذكاء الاصطناعي تدفع جميع المجالات المعتمدة عليه لخطوات هائلة للأمام وهذا أمر محمود ولا يمكن النكوص عنه. لكن مع ذلك، سيدفع التنافس الاستراتيجي العالمي خاصة بين واشنطن وبكين إلى مربع الصراع المرعب الذى قد يتحول إلى مسلح. فتطبيق ديب سيك لابد أن يزيد المخاوف والهواجس بشأن الصراع على المعرفة والتفوق والموارد اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي.

795

| 09 فبراير 2025

هل ترامب جاد بشأن ضم بنما؟

أدلى الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية، وفي خطاب التنصيب بتصريحات ووعود مثيرة كالعادة، لكن تصريحاته المباشرة أثناء حملته الانتخابية وإعادة التأكيد عليها في خطاب التنصيب بشأن إعادة استعادة قناة بنما، ناهيك عن وعود مباشرة باحتلال جرين لاند، وضم كندا لأمريكا، أصابت العالم كله بذهول، فهي غير متوقعة حقاً خاصة من رئيس يعد بالسلام. قناة بنما خاضعة للسيادة الكاملة لدولة بنما منذ عام 2000 وما قبل ذلك كان مجرد اتفاقات أمريكية مع حكومة بنما تسمح للولايات المتحدة بالإدارة المشتركة على القناة مع الإقرار بسيادة بنما على القناة. والقناة تعد ثاني أهم ممر ملاحي عالمي بعد قناة السويس، ويتجاوز دخل بنما من القناة قرابة الخمسة مليارات دولار سنوياً. بغض النظر عن كيفية إعادة ترامب بنما للسيادة الأمريكية باعتبارها حقا تاريخيا كما يقول؛ بنما أولوية تركيز رئيسية لإدارة ترامب، وصرح ترامب ضمنيا وعلانية لبواعث التركيز على بنما، وهي التصدي للسيطرة الصينية على بنما - كما يقول - والتخلص من الرسوم الجمركية السخيفة وغير العادلة على حد قوله المفروضة على السفن التجارية الأمريكية التي تمر عبر القناة، وتعد الولايات المتحدة أكبر مستخدم للقناة. هدد ترامب باستخدام القوة العسكرية لاستعادة القناة بصورة علانية أمام العالم، وهذا ما سبب جدلا واسعا حول جديته في تنفيذ ذلك. والواقع أن بواعث اهتمام ترامب بالقناة، ربما تؤكد على استعداده لذلك. واستخدام القوة العسكرية لضم بنما ليس بالأمر السهل على الإطلاق، فبخلاف كونها جريمة عدوان متكاملة، فمن المؤكد أن هذا العمل سيتحول إلى حرب عالمية ثالثة، أو بالأصح تشكيل تحالف عالمي بقيادة الصين وروسيا يضم أيضا دول أمريكا اللاتينية ضد الولايات المتحدة وحدها. هل ترامب ومستشاريه لا يعملون ذلك؟ بالقطع يعلمون مآلات هذا التصرف. إذن التهديد باستخدام القوة العسكرية، أو التهديد بضم القناة بصفة عامة ليس ببعيد عن نهج «سياسة حافة الهاوية» أو «سياسة الضغط القصوى» المفضل لترامب. وهو نهج اتبعه لعقود كرجل أعمال، وأشار إليه في كتابه الشهير «فن الصفقة»، ويستند على ممارسة أقصى ضغط على الخصم من أجل إخضاعه بالموافقة على مطالب أدنى هي التي يريدها بالفعل الطرف الضاغط. وبالقياس على ذلك، يتصور ترامب أن ممارسة حافة الهاوية على حكومة بنما، ستؤدي إلى تخفيض الرسوم الجمركية على التجارة الأمريكية كحد أدنى من الطموح، وفي الحد الأقصى للطموح، إبرام اتفاقية مع بنما من شأنها توسيع النفوذ الأمريكي على القناة بصورة ما، وإجبار بنما على تقليص تعاونها مع الصين. وبشأن الأخيرة ربما قد ارتأى ترامب أن توسع النفوذ الصيني في بنما نظراً لموقعها الإستراتيجي الحيوي، يمهد الطريق لتقويض النفوذ الأمريكي التقليدي في أمريكا الجنوبية، لاسيما في ضوء الشراكات الصينية الواسعة مع دول القارة الكبيرة، واجتياح اليسار المعادي لأمريكا القارة. خلاصة القول، نرى أن ترامب استنادا إلى عقيدته المناهضة لاستخدام القوة، والضعف العام الذي تمر به الولايات المتحدة، والخطورة الشديدة الناجمة عن ضم القناة بالقوة، غير قادر على ضم القناة بالقوة، إنما هو تكتيك حافة هاوية هدفه في نهاية المطاف محاولة فرض النفوذ الأمريكي التام على القناة.

870

| 27 يناير 2025

ترامب وسوريا الجديدة

تزامن الوضع السوري الجديد بسقوط الأسد وتولى هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع السلطة فعليا، مع تولى إدارة أمريكية جديدة بقيادة ترامب. ولما كان الدور الأمريكي شديد الأهمية في أية قضية في العالم، ولسوريا الجديدة أمسى أكثر أهمية من ذي قبل؛ بات مستقبل السياسة الأمريكية تجاه سوريا في ظل إدارة ترامب مسار تكهنات متعددة. إذ بالإضافة إلى سياسة ترامب الثابتة تجاه سوريا التي تميل نحو التهميش، يواجه ترامب مجموعة من التحديات والأولويات الهامة والخطيرة خاصة ملف الاقتصاد والهجرة والصين والحرب الأوكرانية. الدور الأمريكي النشط في سوريا الجديدة حاسم ولا غنى عنه لعدة أسباب رئيسية، نذكر ثلاثة منهم، منح الشرعية الدولية الكافية للقيادة الجديدة ذات الخلفية الإسلامية، وتسهيل تدفق المساعدات المالية والاقتصادية لإعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد السوري، والثالث، عرقلة الأطراف الخارجية ذات الأجندات والأطماع المتضاربة من سوريا من إفساد الوضع السياسي الجديد. ومكمن المشكلة هنا أن ترامب فقط لا يعنيه مطلقا استقرار الوضع السوري من عدمه أسوة بالسابق وبدول أخرى خاصة ليبيا ذات الظروف المتشابهة، بل أيضا لديه حساسية شديدة في التعاطي مع حكومة ذات مرجعة إسلامية، بل ينظر ترامب إلى هيئة تحرير الشام وزعيمها الشرع على أنهم «إرهابيين» رغم اعتراف إدارة بايدن بالهيئة ورئيسها وشرعية الوضع العام الجديد في سوريا بصورة عامة، وإلغاء المكافأة الأمريكية بصورة رسمية التي كانت مرصودة للقبض على الشرع. وعلى بيان ذلك، ستشهد السياسة الأمريكية تجاه سوريا في المائة اليوم الأولى لولاية ترامب حالة من التهميش والتخبط في الوقت ذاته، خاصة وأن ترامب سيكون منهمكا في تحدى التعافي الاقتصادي وإنهاء الحرب الأوكرانية. لا تسير سياسة الدول على وتيرة واحدة- عدا الحفاظ على بعض الثواب الاستراتيجية المحدودة- حيث تتبدل بصورة جذرية توافقا أو تعارضا مع مصالح أو تهديدات جديدة. فضلا عن ذلك، تُجبر الدول على التعاطي مع الأمر الواقع حينما تستشعر أنه سيدوم لفترة. وهذا تحديدا ما سوف يجبر ترامب على إعادة مراجعة سياسته تجاه سوريا، أو منحها قدراً من الاهتمام، إذ سيصدم بوضع قائم في سوريا متجسداً في حكومة الشرع ذات الشرعية الداخلية والخارجية، حيث تتهافت عليها دول العالم لترتيب مصالحها في سوريا بما في ذلك جميع شركاء واشنطن. وعلى الجانب الآخر، هناك الكثير من المصالح والتهديدات أيضا نابعة من سوريا الجديدة ذات أهمية كبيرة للمصالح الأمريكية، وتتوافق مع رؤى وهواجس ترامب أيضا، وأقرب حلفائه خاصة إسرائيل، في الوقت عينه. الأولوية لترامب ستكون الهواجس، وعلى رأسها عدم عودة تنظيم داعش لسوريا، وتصفية الوجود الإيراني، ومنع سوريا بان تكون ساحة جديدة لمهاجمة إسرائيل. وإزاء وضع قائم مشروع ممثلا في حكومة الشرع، قد حددت بوضع هذه الهواجس كأولويات لها خاصة رفض تحويل سوريا كساحة لمهاجمة إسرائيل وعودة النشاطات الإرهابية؛ فلا مفر أمام ترامب سوى التنسيق مع حكومة الشرع، بل والضغط لدعمها دوليا دبلوماسيا وماليا، ولنا في طالبان أفغانستان عبرة. وعلى إثر ذلك أيضا، ليس من المستبعد موافقة ترامب على بقاء القوات الأمريكية في شمال سوريا. * تنشيط الدور الأمريكي في سوريا الجديدة من شأنه منع تغلغل النفوذ الصيني داخل سوريا، واستمرار الضغط على روسيا وتركيا تحديداً. وهذا في المجمل سيصب في صالح أولويات ترامب، تقويض القوى الصينية عالميا، إبعاد روسيا عن الصين وإنهاء الحرب الأوكرانية بالتصور الذى يريده وغالبا، تحجيم الدور التركي المنافس لإسرائيل والمهدد لأكراد سوريا. فضلا عن ذلك، تعد سوريا حاليا ساحة خصبة للشركات الأمريكية لجنى ملايين الدولارات من إعادة الإعمار، واستمرار الهيمنة الأمريكية على نفط سوريا المطوق بجنود الحماية الأمريكية في شمال سوريا، وهذا يتقاطع مباشرة مع رأس أولويات ترامب التعافي الاقتصادي الذى كان السبب الرئيسي لفوزه الكاسح في الانتخابات. * خلاصة القول، ينذر الوضع العام لسوريا الجديدة إلى دور أمريكي نشط نسبيا في ولاية ترامب الجديدة، دور لا مفر منه بسبب الفرص والتحديات التي تفرضها على مصالح أمريكا الاستراتيجية التي تتوافق معظمها مع أهواء وانحيازات ترامب شخصيا.

1020

| 19 يناير 2025

الدول الصغيرة والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة

يمثل هاجس البقاء الأولوية الرئيسية للدول الصغيرة، فهي بسبب محدودية مقدراتها الوطنية، وافتقارها إلى عمق استراتيجي، في الأغلب الأعم غير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد تهديدات خارجية من دول كبرى. وعادة أيضا عرضة لأطماع وتدخلات خارجية لا تنقطع. ومن ثم، تتبع عادة الدول الصغيرة استراتيجيات محددة أبرزها التحالف مع قوى كبرى لحماية بقائها وأمنها. فدول بحر الصين الجنوبي الصغيرة معظمها منخرط في تحالفات عسكرية مع الولايات المتحدة لحماية نفسها من الصين. تشهد التكنولوجيا العسكرية طفرة هائلة مطردة، وستشهد طفرة أخرى أكثر تقدما في ظل التنامي المطرد لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وتلك الطفرة-وفقا للخبراء العسكريين والاستراتيجيين- ستقلب موازين القوة العسكرية رأسا على عقب. إذ من ضمن ما سوف تحدثه هو رفع الكفاءة الدفاعية والردعية للدول الصغيرة بصورة غير مسبوقة. بل ربما ستساهم في تغيير ميزان القوى العسكرية بين بعض الدول الصغيرة وجيرانها الأقوياء، لصالح الأولى. فالتطور التقني العسكري هو بمثابة أسلحة أو أدوات تعويضية للدول الصغيرة التي تفتقر بطبيعة الحال لعامل «الكم» لتكوين جيش كبير وقوي. إذ على سبيل المثال لا الحصر، تستطيع الدول الصغيرة تعويض نقص القوة البشرية أو قوة المشاة لديها عبر استخدام «الروبوتات المتقدمة المقاتلة» و «الطائرات دون طيار». وأحد الأمثلة الحديثة على ذلك كان عملية تفجيرات «أجهزة البيجر» التي نفذتها إسرائيل ضد حزب الله، والتي يراها الخبراء مؤشراً على بدء ما يسمى الجيل الخامس للحروب التي ستكون عبر الأسلحة التكنولوجية وفي إطار الفضاء التكنولوجي والسيبرانى. وربما الأهم من ذلك، أن استحواذ الدول الصغيرة على التقنيات التكنولوجية والمعلوماتية الفائقة، وتكيفها عسكريا واستراتيجيا عبر خطة محكمة؛ سيساهم في تعزيز قوتها الدفاعية والردعية ضد أعدائها الأقوياء، وتعويض افتقارها عن العمق الاستراتيجي. إذ مثلا عبر التوظيف الفعال لتقنيات الهجوم والمراقبة من عن بعد؛ تستطيع الدول الصغيرة شل الأنظمة الصاروخية لأعدائها، أو تدميرها. وأيضا عبر التقنيات المتطورة في الفضاء السيبرانى، تستطيع اختراق الأنظمة الدفاعية المحصنة لأعدائها وإفساد الخطط العسكرية أو نوايا الهجوم بصورة استباقية. وبالتالي، في إطار التطور التقني العسكري الفائق، أصبح التفوق يستند على الكيف أو المعيار النوعي، وليس «الكمي». فامتلاك دولة لأسطول محدود كهولندا والدنمارك لكنه مزود بأحدث التقنيات العسكرية، أكثر فاعلية وكفاءة من دول تمتلك أسطولا تقليديا يتكون من مئات السفن والبوارج الحربية. وبدأت عدة دول صغيرة مؤخراً الانتباه لتلك المسألة وفي مقدمتها سنغافورة التي قامت بعملية تحديث شامل لقوتها العسكرية منذ 2009 تستند على توظيف أحدث التكنولوجيات المتطورة، وفي 2023، اعتمدت خطة موسعة لتوظيف الذكاء الاصطناعي في كل أجهزتها العسكرية. تايوان أيضا وبمساندة قوية من الولايات المتحدة، تفطنت إلى فاعلية الاعتماد على أحدث التكنولوجيات المتطورة، كخيار رئيسي ضد أية مساع صينية لضم تايوان بالقوة. وربما تدرك تايوان أن هذا التوظيف لن يردع الصين القوية تماماً عن خططها لضم الجزيرة، لكنه سيرفع من كلفة هذا الضم بصورة فادحة، وربما ستتمكن تايوان من ضرب منشآت صينية حساسة من عن بعد. * خلاصة القول، سيقلب التطور التكنولوجي المطرد موازين القوة العسكرية رأسا على عقب، إذ أصبح التفوق العسكري مرهونا بمدى امتلاك التكنولوجيا المتقدمة وتطويرها بصورة مطردة، وليس بمدى امتلاك الأصول العسكرية التقليدية. ويتضح ذلك من الصراع المحتدم العنيف بين الدول الكبرى خاصة بين الصين والولايات المتحدة على التكنولوجيا. ومن ثم، قد اصبح بمقدور جميع الدول الصغيرة، لاسيما دول الخليج الغنية، تحقيق تفوق عسكري مطرد، وردع أعدائها بفاعلية عبر التركيز على التكنولوجيا المتقدمة وتوظيفها. وعليه أيضا، سيساهم ذلك في تخلص الدول الصغيرة من عبء الاستراتيجيات الأمنية التقليدية التي تنتقص من سيادتها وقرارها الخارجي.

867

| 12 يناير 2025

إيران وولاية ترامب الثانية

إيران قطعاً ستكون إحدى أولويات التركيز القليلة لترامب في المنطقة خلال الأشهر الأولى من ولايته الجديدة. التفاعلات الأمريكية الإيرانية في ولاية ترامب الثانية تدور في سياق مختلف تماما عن ولاية ترامب الأولى، إذ يواجه ترامب إيران أضعف كثيراً عن السابق، فاقدة لمعظم أذرعها القوية في المنطقة. وعلى الجانب الموازي، يتفاعل ترامب مع إيران في ظل هياج إسرائيلي غير مسبوق بعد كارثة طوفان الأقصى، يبلغ طموحه الأقصى في تدمير البرنامج النووي الإيراني وإسقاط النظام الإيراني. وعلى إثر ذلك، يمكن القول إن جميع الاحتمالات واردة بشأن سياسة ترامب تجاه إيران، بدءًا من الاستمرار في سياسة الضغط القصوى-كما صرح أعضاء من إدارته- مروراً بإمكانية التفاوض-كما صرح ترامب شخصيا- وصولاً بتوجيه ضربة عسكرية للمفاعلات النووية. عندما يفكر ترامب في سياسة محددة في موضوع غاية في التعقيد كإيران، على الفور أول ما سيتبادر إلى ذهنه هو كيف يمكن تحقيق أقصى مكاسبنا بأقل خسائر ممكنة، وكيف يمكن تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة-لو أمكن- وذلك من منطلق مبدأ التعاملات التجارية الحاكم لنهج ترامب. وعلى ذلك، فمسألة الانخراط في حرب مع إيران من الخيارات غير المفضلة إطلاقا لترامب وهو ما يتماهى مع سياسته العامة «إنهاء الحروب الأبدية» خاصة في المنطقة. والحقيقة أن تصريحات ترامب وبعض من أعضاء إدارته المفاجئة صراحة بشأن إمكانية التفاوض مع إيران، تعكس جلياً ما سبق. ففيما يبدو أن ترامب يرى أن وضع إيران الضعيف والمهزوز حاليا في المنطقة خاصة بعد فقدانها سوريا؛ قد يجبرها على إبرام صفقة تتخلى فيها عن كل شيء بما في ذلك برنامجها النووي، مقابل فقط بقاء النظام الحاكم. وبالتالي، حقق ترامب أقصى ما يمكن من مكاسب مقابل لا شيء. بل حافظ أيضا على حصة المكاسب الاقتصادية التي تجنيها الولايات المتحدة من دول المنطقة عبر صفقات بيع السلاح المليارية بذريعة «البعبع الإيراني». يتبع ترامب نهج سياسة الضغط الأقصى المتدرجة كنهج معتاد عليه ويعتقد بفعاليته. وبالتالي، فمن المتوقع أن ترامب سيدعو إيران في الأسابيع من ولايته الجديدة للتفاوض المباشر على صفقة لإنهاء البرنامج النووي، ووسط هذه الدعوة تهديدات مباشرة وغير مباشرة من إدارته بعودة سياسة الضغط الأقصى، واحتمالية ضرب البرنامج النووي. ستواجه إيران بلا أدنى شك خلال ولاية ترامب الثانية وضعا شديد الصعوبة ربما لم تمر به من قبل. فإجبار إيران على التخلي عن برنامجها النووي هو بمثابة انتحار لها. فامتلاك السلاح النووي هو حلم إيران الأبدي الذى دفعت فيه أثماناً باهظة على مدار ثلاثة عقود من أموال وعقوبات ووكلاء واغتيالات. ناهيك عن ذلك، تقارير تؤكد أن إيران على أعتاب إنتاج قنبلة نووية خلال شهر إذا أرادت وفقا للتقارير الدولية التي أكدت قدرتها على تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 70%. وربما يكمن التحدي الرئيسي لإيران في أن صفقة مع ترامب حول البرنامج النووي ستخلو من أية نافذة ممكنة للمناورة، حيث سيتعين عليها تسليم أو تدمير ما لديها من يورانيوم وبلوتونيوم وأجهزة الطرد المركزية، ووضع جميع منشآتها النووية تحت أعين الرقابة الدولية الدائمة. في ظننا أن إيران لن تقبل بصفقة التخلي النهائي عن البرنامج النووي، وترامب في المقابل لن يتحمل الانتظار طويلا السياسة الإيرانية التي تتبدل كل ساعة. وعليه، سيمضى فورا في مواصلة سياسة الضغط الأقصى أملا في إجبارها على صفقة التنازل. والواقع أن سياسة الضغط الأقصى المرتقبة ستكون أكثر عنفاً عن سابقتها، إذ من المتوقع أن يقطع ترامب جميع منافذ تصدير النفط لإيران لاسيما الدول المتحدية كالصين وروسيا، التي ربما ستستجيب إثر ضغوط أخرى ستمارس عليها كالحرب التجارية وإنهاء الحرب الأوكرانية. فضلا عن ذلك، أغلقت الكثير من المنافذ الإيرانية التي كانت تلتف منها على العقوبات كلبنان وسوريا وربما العراق. خلاصة القول، من الجلي في ظل وضع إيران، والضغوط الإسرائيلية، أن ترامب لن يقبل إلا بصفقة باتة تتخلى فيها إيران عن برنامجها النووي، ووكلائها، وجميع طموحاتها في المنطقة. ومع عدم استبعاد خيار استخدام الحل العسكري بسبب ضغوط إسرائيل الملحة، أو مواصلة إيران بشكل سريع إنتاج القنبلة النووية؛ إلا أن ترامب لا يحبذه مطلقا وهو ما يتماشى مع التوجه العام للولايات المتحدة بعدم الانخراط في أية حرب في المنطقة. إذ يراهن على مواصلة سياسة الضغط الأقصى لإضعاف إيران إلى أقصى مدى ممكن مما سيجبرها على صفقة في نهاية المطاف.

720

| 02 يناير 2025

ترامب وتدمير إرث بايدن في الإندو- باسيفيك

كانت سياسة حشد أو بناء التحالفات السمة الأبرز على الإطلاق لسياسة بايدن الخارجية. ومنطق بايدن أو الديمقراطيين عموما في بناء التحالفات يتلخص في أمرين: إن الحفاظ على الهيمنة الأمريكية يقتضى بناء هذه التحالفات الداعمة لكى لا تتحمل الولايات المتحدة وحدها عبء القيادة. والثاني، أن الولايات المتحدة لا تستطيع مواجهة الصين وحدها، فالحلفاء والشركاء ضروريون لمواجهة خصم قوى عنيد كالصين. وتركزت معظم تحالفات بايدن في منطقة الإندو-باسيفيك أو المحيطين الهندي-الهادئ؛ فحسبان أن تلك المنطقة تعد الركيزة الأساسية في سياق الحرب الباردة بين الصين وواشنطن على الهيمنة الدولية. وعلى أساس ذلك، قامت إدارة بايدن بإعادة تصنيف وضعها في المنطقة كجزء أساسي منها «أمريكا دولة إندو- باسيفك». كما قامت بعملية إحياء موسعة للتحالف الأمني الرباعي «كواد»، وتأسيس تحالف «أوكوس» الأمني. والتحالفان كانا نواة لتأسيس ما يسمى «الناتو» الآسيوي. فضلا عن ذلك، انخرطت في شراكات موسعة مع الهند والفلبين وفيتنام وتجمع الآسيان. وقدمت للأخير مساعدات مالية تقدر بأكثر بمائة مليون دولار. ومن هذا المنطلق، نجح بايدن في تكوين إرث صلب من التحالفات والشراكات مدعوم بانغماس أمريكي سياسي واقتصادي ومالي في المنطقة غير مسبوق. مطويا بذلك صفحة سوداء من الجفاء الأمريكي تجاه المنطقة في ولاية ترامب الأولى. لا يختلف ترامب عن بايدن في مسألة حتمية تقويض الصين فهي من المسائل المحدودة للغاية التي يتوافق عليها الحزبان الديمقراطي والجمهوري. بل إن بايدن قد واصل بعنف ما ابتدعه ترامب من سياسات لمواجهة الصين وتحديداً الحرب التجارية والتكنولوجية. لكن مكمن الاختلاف الرئيسي بين الجمهوريين والديمقراطيين يكمن في سياسات مواجهة الصين، فالجمهوريون لا يفضلون سياسة بناء التحالفات. وزد على ذلك أن ترامب لديه نهجه الخاص أيضا في مواجهة الصين يستند بالأساس على الحرب التجارية. فمن غير المتوقع أن شخصا مثل ترامب لاسيما بعد انتصاره الكاسح أن يعدل عن نهجه المعتاد عدا بعض التغيرات التكتيكية أو الحيوية. ومع ذلك أيضا، قد بادر ببعض الأمور التي تعكس بؤرة أولويته الرئيسية في سياق نهجه التقليدي وهى الاقتصاد وسلاح الحرب التجارية. حيث صرح علانية بفرض تعريفات جمركية عالية ليس على الصين فحسب، بل على بعض الشركاء مثل كندا والمكسيك. كما هدد دول البريكس المتطلعة للتخلي عن الدولار. يضاف إلى ذلك، أولوية ترامب لمواجهة اخطر تحد يواجه الولايات المتحدة وهو التدني الاقتصادي الحاد خاصة التضخم ومن الإجراءات اللازمة كما أعلن لمواجهة هذا التحدي إعادة توطين الصناعات الأمريكية. ويليها تحدي الهجرة أو خطة ترحيل المهاجرين. ناهيك عن ذلك، كرد ترامب أكثر من مرة مقولته المشهودة المتعلقة بضرورة دفع الحلفاء مقابل الحماية خاصة الأوروبيين. وعلى هدى ذلك، يرسم ترامب معالم سياسة إهمال شديد للإندو-باسيفيك خاصة لإرث التحالفات القوى الذى أسسه سلفه. فابايدن قد رسخ هذه التحالفات على أساس القيم المشتركة أو الديمقراطية تحديدا، والالتزام بالدعم الكامل خاصة المادي لتلك التحالفات ودولها. فإدارة بايدن قد دعمت أوكرانيا بما يقرب من 60 مليار دولار في إطار الحفاظ على الالتزام الأمريكي بدعم الحلفاء. وهذا الأمر أو الدعم تحديدا لا يمكن تصوره في ظل قيادة ترامب، بل على عكس ذلك سيعمل ترامب جاهداً على استنزاف الحلفاء. ستكون محصلتها ضعف هذه التحالفات وربما تفكيكها، وذلك أسوة بكواد الذى تحول في عهد ترامب إلى مجرد منتدى لوزراء الخارجية لتبادل النقاشات التقليدية دون تفعيل سياسات على أرض الواقع. والمخاطر الناجمة عن تدمير إرث تحالفات بايدن سيكون لها تبعات شديدة السوء على مستويات عدة. يكمن أهم خطر في صعوبة ترميم تلك التحالفات والشراكات مرة أخرى حتى في ظل إدارة ديمقراطية في المستقبل. فحبل الثقة بين واشنطن وحلفائها الذى أعاد أوصاله بايدن بصعوبة شديدة، سيتمزق نهائيا، مع علم الحلفاء أن المزاج العام الأمريكي الانعزالي الذى يجسده ترامب في نمو مرعب داخل الولايات المتحدة. بينما تكمن الخطورة الثانية، في منح الصين الفرصة الذهبية لجذب دول التحالف إلى شبكة تحالفاتها وترتيباتها خاصة في الباسيفيك، لاسيما دول تتبع ما يسمى «التحوط الاستراتيجي» في علاقاتها بين بكين وواشنطن كالفلبين وماليزيا وسنغافورة وفيتنام. دول أخرى كأستراليا وكوريا الجنوبية ستضطر إلى الانخراط في شراكات اقتصادية مع الصين. ملخص القول، تعد سياسة بناء التحالفات العمود الفقري أو السياسة الواقعية لاحتواء الصين، وباقي السياسات الأخرى تعد مكملة لها. وبالتالي، فالإجهاز على التحالفات الأمريكية سيعمل على عكس ما يعتقد الكثيرون على تقوية الصين خاصة توسيع رقعة نفوذها السياسي والاقتصادي.

711

| 26 ديسمبر 2024

تحديات المشهد السوري بعد الأسد

تواجه الدول التي تشهد مراحل انتقالية ناجمة عن تغير جذري في نظم الحكم الكثير من التحديات الصعبة التي قد تدوم في بعض التجارب حتى التخلص منها عقودا، ولنا في ليبيا عبرة التي بالكاد تسير على خطى استقرار هش بعد مخاض طويل من العنف وتدخلات دولية جماعية للاستقرار والمصالحة وإعادة البناء. والحالة السورية قطعاً لن تكون استثناء عن مثيلتها من تجارب الانتقال السياسي، بل يمكن القول دون أدنى تهويل إن الحالة السورية تتوازى في حجم التحديات المعقدة مع أصعب تجارب الانتقال السياسي خاصة في أفريقيا، وربما تفوق. وذلك من حيث اقتصاد مدمر بالكلية، وبنية تحتية عبارة عن ركام، غياب تام لمؤسسات خاصة الصلبة، إرث من الصراعات والعداءات الطائفية، أكثر من 20 مليون نازح خارجي، والأخطر من كل ذلك جهات خارجية عديدة متغلغلة في سوريا طامعة في اقتطاع مساحات أوسع من النفوذ. هيئة تحرير الشام بقيادة «أحمد الشرع» أو الجولانى هي من تتحكم في زمام الأمور في سوريا حاليا وسط توافق دولي على شرعيتها. وسرعان ما شكلت الهيئة حكومة انتقالية وسط تعهدات بأولوية إعادة الإعمار وحماية الأقليات وعودة اللاجئين السوريين ونزع سلاح الفصائل. ونظن أن الهيئة بقيادة الجولانى-الذى تحول فكرياً بنسبة 360 درجة- لديها نوايا طيبة في تنفيذ الوعود التي قطعتها على نفسها وتأسيس نظام ديمقراطي تعددي يمثل جميع الأطياف السورية. لكن تلك النوايا الحسنة تواجه بكم من التحديات الأساسية، لعل من أهمها هل ستعمل الهيئة على تأسيس حكومة إسلامية متشددة يعكس التوجه العام لجميع الفصائل المسلحة المنضمة لتحالف الجولانى، أم معتدلة تلامس واقع المشهد السياسي والاجتماعي لسوريا. والتحدي الثاني الأخطر، هل ستتمكن الهيئة بالفعل من نزع سلاح الفصائل وضمهم في جيش وطني. والحقيقة من واقع تجارب هيمنة الفصائل المتشددة على الحكم من الصعب مواجهة هذه التحديات، بل في الأغلب الأعم سرعان ما تتناحر هذه الفصائل في صراعات دموية لا تنتهى. والحالة السورية على وجه الخصوص التي تتشكل من قوميات عديدة بعضها يتمتع بقوة مسلحة ودعم خارجي كالأكراد، تحتاج إرساء سريع مدعوم بقوة خارجياً لقوانين ومؤسسات رادعة لنشر السلاح والتمرد خارج مؤسسات الدولة. تحتاج سوريا وفقا للتقديرات الدولية قرابة الـ 400 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولية، والسرعة في ضخ هذه الأموال الباهظة ضروري لإرساء حالة الاستقرار وعودة اللاجئين، وبث روح الأمل في سوريا جديدة ما بعد الأسد. بيد أن توفير حتى ربع هذه المبلغ يكاد يكون شبه مستحيل، بل إن حتى بعض المانحين الخارجيين سيكون دعمهم لسوريا مشروطا بأطماع وصفقات سرية متضاربة. في أغلب تجارب الانتقال السياسي، كان للعامل الخارجي دور رئيسي في سرعة هذا الانتقال وضمان استقراره، والعكس صحيح فالعامل الخارجي كان مفسداً في كثير من التجارب الأخرى. فالدور الأمريكي «البناء» كان عاملاً رئيسيا في تجارب الانتقال السياسي والديمقراطي في شرق أوروبا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وعلى نحو مماثل الدور الفرنسي في بعض تجارب الانتقال الديمقراطي في أفريقيا. ومن المفترض في الحالة السورية شديدة التعقيد، أن العامل الخارجي سيلعب دوراً رئيسياً في التغلب على تلك التعقيدات والتحديات بما في ذلك التحديات المالية. بيد أن جميع معطيات وملابسات الوضع الخارجي لسوريا منذ اندلاع الثورة في 2011 حتى الإطاحة ببشار الأسد؛ لا تشير لدور خارجي «بناء» مرتقب في سوريا. بل تشير بجلاء إلى أدوار خارجية مفسدة. تعد الولايات المتحدة-وتلك حقيقة لا يمكن دحضها- المحرك الرئيسي للأحداث على الأقل في المنطقة. فالقوى الغربية برمتها تتحرك خلف واشنطن. ودور قوى لواشنطن في سوريا يعنى حشد الدعم الدولي لسوريا الجديدة ماليا ودبلوماسيا، وردع تدخلات الأدوار الخارجية المفسدة. والحقيقة أنه قد تبدى منذ اندلاع الثورة السورية وذلك على خلفية الانغماس التام في آسيا، أن واشنطن لا تعنيها سوريا تماما عدا محاربة داعش ومساعدة إسرائيل في القضاء على النفوذ الإيراني. وسوريا الجديدة في ضوء ولاية ترامب ستتداعى تماما من جدول الأولويات الأمريكية. بل ستتحول إلى داعم للقوى الخارجية المفسدة وعلى رأسها إسرائيل التي لم تتوانى عن تنفيذ مخططها الجديد في سوريا بالتوغل التام في الجولان كمقدمة لتأسيس منطقة عازلة حتى أطراف دمشق. وفى ضوء المخاوف الكبيرة المفهومة لبعض أقليات سوريا من حكم سنى متشدد؛ سيكون المجال متاحا لمعظم القوى الخارجية الدولية والإقليمية لتقطيع أواصر سوريا إلى دويلات نفوذ.

1224

| 20 ديسمبر 2024

حسابات روسيا تجاه سوريا

التطور الدراماتيكي المفاجئ في سوريا والذي انتهى بسقوط حكم عائلة الأسد الذي دام قرابة الستة عقود؛ يثير العشرات من الأسئلة الملغزة، من قبيل، هل ما حدث في سوريا كان مخططا له أم مفاجئا؟ من المستفيد الحقيقي من ذلك؟ هل تقف جهات خارجية وراء دعم الفصائل المسلحة؟ هل لإسرائيل يد في تحريك تلك الأحداث؟ وهل سوريا ذاهبة إلى سيناريو التقسيم؟....إلخ. لكن من بين جميع تلك الأسئلة، يعد سؤال لماذا تخلت روسيا بصورة سهلة ومفاجئة عن بشار الأسد؟ هو السؤال الأهم والأخطر-في تقديرنا- لأن هذا التخلي يشير أو يعكس الكثير من الحقائق حول تطورات الأحداث في سوريا ومستقبلها. كانت روسيا في المقام الأول، وبدعم من إيران وحزب الله في المقام الثاني السبب الرئيسي لاستمرار نظام بشار الأسد طيلة عقد ونصف العقد منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. والأهمية الحيوية للدعم الروسي لبشار كانت لا تكمن في قوتها النارية ضد قوات المعارضة ثم ضد داعش؛ بل في وزنها الدولي خاصة في مجلس الأمن لعرقلة أية مخططات غربية لإسقاط بشار أو مشروعات قوانين لتضيق الخناق عليه أو معاقبته. ولأنه لا يوجد عشاء مجاني في السياسة الدولية، فروسيا بدعمها لبشار قد ضمنت قاعدة بحرية عسكرية لها على سواحل المتوسط في «طرطوس»، وأخرى جوية في «حميميم». وبذلك، قد تمكنت روسيا من تمديد نفوذها إلى البحر المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا في إطار سعيها لترسيخ مكانتها كقوى كبرى وتجميع أوراق الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا. وعلى هذا الأساس، لم يكن أحد يتصور أن تتخلى موسكو بسهولة عن بشار الحليف المضمون، وتخاطر بهذا التخلي بتلك المصالح الاستراتيجية التي جنتها على مدار عقد ونصف العقد. فور التقدم السهل والسريع للفصائل المسلحة في حلب دون رادع واضح من جانب موسكو؛ تباينت كبرى الصحف العالمية بخصوص موقف روسيا، وقد استقرت تقريبا على رأيين رئيسيين: مفاد الأول وجود صفقة بين روسيا والقوى الغربية (سوريا مقابل أوكرانيا). والثاني هو الإشارة إلى الخسائر أو الانتكاسة الكبرى لروسيا من فقدان حليفها الأسد، وهو ما يعكس تقهقر لقوة ونفوذ روسيا الدولي والإقليمي، وكسر هيبتها وسمعتها أيضا كقوى عظمى. وحقيقة الأمر، أن تخلى روسيا السريع المفاجئ عن بشار يعكس في طياته إعادة تفكير روسي ممتزج بين الرأيين أو التحليلين؛ سيما وأن التطورات في سوريا وإعادة الحسابات الاستراتيجية لموسكو ليست بمعزل عن التطور الدراماتيكي الأهم وهو وصول ترامب للبيت الأبيض. وفقا لتسريبات متعددة يعد الآن لصفقة بشان أوكرانيا تتمحور حول تعهدات لموسكو بعدم انضمام أوكرانيا للناتو، واعتراف بسيادة تامة لموسكو على القرم وأربعة أقاليم أوكرانية. ووفقا لتسريبات أخرى نحسبها موثوقة، قد جرت تفاهمات مع موسكو بشأن السماح لها ببقاء قواعدها في سوريا. وإذا صدقت هذه التسريبات فهي مؤشر خطير على سيناريو تقسيم قادم لسوريا. في جميع الأحوال، أو بعيداً عن صفقة بشأن تمديد الحضور الروسي في سوريا؛ تعد أوكرانيا حاليا الأهم لروسيا إذا تم الوضع في الحسبان عدة معطيات رئيسية: الفرصة التاريخية لموسكو الممنوحة من ترامب عبر تلك الصفقة، والإنهاك العسكري والاقتصادي الرهيب الذي تئن منه روسيا جراء الحرب الأوكرانية، والضعف الشديد لقوات «فاجنر» بعد مقتل زعيمها والتي تعد ذراع روسية حاسمة لتعزيز حضورها ونفوذها في العالم. الحرب الأوكرانية بلا أدنى شك أنهكت روسيا بصورة كبيرة، ويحسب للغرب بقيادة واشنطن نجاحه في إنهاك روسيا عبر الدعم المتواصل لأوكرانيا. وفى ضوء ذلك، يجب على موسكو حسم الأولويات القصوى للحفاظ على ما تبقى لها من نفوذ وهيبة. وبالتالي، فخسارة سوريا، أو تحديدا خسارة بعض المكتسبات الاستراتيجية من الدعم المطلق لبشار الأسد، أمر لا بد منه لإنهاء الحرب الأوكرانية والخروج بمكاسب استراتيجية والحفاظ على توازن القوى لروسيا أمام أوروبا. وفوق كل ذلك، حفاظ نظام بوتين على قوته وشرعيته التي كانت في طريقها للتداعي الحتمي بسبب طول الحرب الأوكرانية. خلاصة القول، سوريا مقابل أوكرانيا هو التفسير الواقعي العقلاني المقبول لفهم الأسباب الرئيسية للتخلي السريع والمفاجئ عن بشار الأسد أحد أهم حلفاء روسيا الرئيسيين. وهذا في حد ذاته يعكس أن أوكرانيا هي الأولوية الرئيسية لموسكو، كما يعكس تراجعا في القوة والنفوذ الروسي جراء الحرب الأوكرانية. والمشهد برمته يعكس بجلاء إعادة ترتيب لسوريا منطقه الرئيسي التخلص من جميع أدوات إيران وعلى رأسها الأسد والمستفيد الأول والأهم إسرائيل بلا أدنى شك.

774

| 13 ديسمبر 2024

الخطايا الكبرى للحزب الديمقراطي

فوز ترامب بالاستحقاق الرئاسي كان متوقعاً، لكن المفاجأة كانت في النتيجة فقط، حيث فاز باكتساح شعبي وفي المجمع الانتخابي. واكتسح أيضا السبع ولايات المتأرجحة. وفي مقابل ذلك، فالهزيمة القاسية لهاريس كانت هي المفاجأة وليس هزيمتها عامة. يقف خلف الانتصار الساحق لترامب جملة من الأمور من أهمها الأخطاء الفادحة للحزب الديمقراطي، وهو محط تركيز هذه المقالة. وفي صدد تشريح أخطاء الحزب الديمقراطي القاتلة؛ يمكن التمييز بين مستويين، الأول- الأصغر أو المرحلي. والثاني-الأكبر أو العام وهو الأهم. * على الرغم من أن تلك الأخطاء الصغرى للحزب الديمقراطي لن تبرر «مطلقا» الفوز الساحق لترامب. لكنها ساهمت جزئياً في هذا الفوز الساحق، كما تعكس أيضا طريقة إدارة وتفكير الحزب في إطار الأخطاء الكبرى التي سيتم الحديث عنها. كان الخطأ المرحلي الرئيسي الذي وقع فيه الحزب هو عدم ممارسة ضغوط كافية على بايدن للانسحاب من السباق الرئاسي. بل نعتقد أن إجماع الحزب على ترشحه لفترة ثانية كان خطأ فادحا، وذلك بسبب تقدمه في السن، وظروفه المرضية، وفشله الذريع على الصعيد الاقتصادي والخارجي. والشاهد في الأمر، أن خوض بايدن السباق الرئاسي قد صب في خانة ترامب. بل والأهم من ذلك، أن انسحابه المتأخر من السباق، قد حرم هاريس من فترة كافية للإعداد الجيد لحملتها الانتخابية، والتي تعد أقصر حملة انتخابية في تاريخ الولايات المتحدة. وهذا يدفعنا إلى الخطأ الثاني، وهو إجماع الحزب على خوض هاريس للسباق. إذ بالإضافة إلى حملها لإرث بايدن الفاشل، تفتقد هاريس إلى مقومات الزعامة، والكاريزما، والخبرة. وكل ما سبق، يرتد إلى الخطأ القاتل الثالث وهو استهانة الحزب بترامب، والثقة المبالغ فيها في انتصار هاريس استنادا إلى استطلاعات رأي- غالبا غير دقيقة - وحملة التبرعات التي ناهزت مئات الملايين في غضون أسابيع قليلة، ودعم مشاهير هوليود لهاريس. الهزيمة القاسية للحزب الديمقراطي الذي فقد أيضا الأغلبية في الكونجرس، تتأتى في المقام الأول من مجموعة من الأخطاء العامة القاتلة التي ينتهجها الحزب منذ إدارة أوباما. ويأتي في صدارة هذه الأخطاء بل هي أهمها على الإطلاق، تحول تركيز الحزب من الاقتصاد إلى الهوية. فيما يبدو أن نجاح أوباما- ذي البشرة السمراء - في 2009؛ قد رسخ قناعة لدى الحزب الديمقراطي أن الرهان على الهوية هو الكسبان خلال العقود القادمة في ظل تناقص أعداد البيض الأمريكيين، وطفرات في المقابل في أعداد الملونين من كافة المشارب. وعلى إثر ذلك، بدأ منذ ولاية أوباما تشكيل الحزب ضمنيا ما يعرف بتحالف الأقليات والمهاجرين كحاضنة تصويتية للديمقراطيين، وفي سياق ذلك أيضا يعد الحزب داعما أساسيا لسياسة الهجرة، بحسبانه أن زيادة أعداد المهاجرين ستمثل السلاح القاتل للقضاء على الحزب الجمهوري. ولعل هنا الخطأ القاتل الذي لا يغتفر للحزب هو تغافله أو تنحيته لأهم عامل حاسم في الفوز بالرئاسة الأمريكية وهو «الاقتصاد» وما يتبعه من وعود أو أداء. وهذا بدوره قد نفر بيض الولايات المتحدة من الحزب، الذي كان ما يقرب من نصفهم موالين للحزب. كما نفر أيضا الطبقات العاملة وفقراء الولايات المتحدة من البيض من الحزب، الذي كان يمثل الصوت الرئيسي لهم والحاضنة الأساسية لهم عبر ثوابت العدالة الاجتماعية والاشتراكية المتزنة للحزب. ويمكن القول، إن الفوز الساحق لترامب، قد عكس أو رسخ بجلاء أهمية الاقتصاد كعامل حاسم في الفوز، وليس الهوية. وخير دليل على ذلك، منح ما يقرب من نصف الأقليات والمهاجرين صوتهم لترامب رغم أجندته المعادية لهم، أملا في تحسن الوضع الاقتصادي المتردي، والثقة العالية في أداء ترامب الاقتصادي استنادا إلى ما حققه من نتائج اقتصادية مذهلة في ولايته الأولى. * ثاني هذه الأخطاء الجوهرية للحزب، يكمن في فقدان الحزب لهوية محددة له خلال العقدين الماضيين. فالحزب قد أصبح يعكس أجندة أو سياسات تمزج ما بين اشتراكية المتطرفة للغاية، وليبرالية المتطرفة للغاية أيضا. الهام في صدد ذلك، أن هذا المزيج لا يتماهى مع الأغلبية الساحقة من الأمريكيين، وتقاليد الولايات المتحدة الرئيسية التي تتلخص في ليبرالية علمانية محافظة متزنة. وتنطوي مظاهر هذه الاشتراكية المتطرفة في دعم الحزب لرفع الضرائب لمستويات كبيرة خاصة على الأغنياء. بينما على صعيد الليبرالية المتطرفة فتكمن في قضية الإجهاض القضية الخطيرة، حيث يدافع ويدعم الحزب «الحق المطلق في الإجهاض» دون ضوابط. والخطير في ذلك أن قضية الإجهاض تحديدا لم تنفر الأغلبية الأمريكية المحافظة من الحزب. بل قد نفرت الملايين من المهاجرين من الحزب بما في ذلك مسلمو الولايات المتحدة. * وثالث هذه الأخطاء تتمحور حول انفصال الحزب عن واقع المزاج الأمريكي العام. فمنذ كارثة حرب العراق 2003، تنامى مزاج عام أمريكي ينادي بالمزيد من الانعزال في السياسة الخارجية، والكف عن لعب واشنطن الدور المهيمن في العالم، ودعم حلفاء وحروب وقواعد عسكرية أنهكت الاقتصاد الأمريكي بتريليونات الدولارات. وهذا المزاج الانعزالي المتنامي باطراد أصبح يجد ضالته في ترامب الانعزالي الصريح. بينما لا يزال الحزب الديمقراطي يدافع ويدعم ما يسمى عودة الدور الأمريكي في العالم وسياسة دعم الحلفاء.

1092

| 19 نوفمبر 2024

الدلالات البعيدة للاصطفاف الكوري مع روسيا

بحسب مصادر موثقة أرسلت كوريا الشمالية قرابة العشرة آلاف جندي إلى روسيا، بعض منهم شارك بالفعل مع القوات الروسية في معاركها في أوكرانيا، والبقية الباقية تتلقى تدريبات للانضمام لاحقاً. كما أكدت مصادر أخرى موثوقة عن خطط لإيفاد كوريا أعدادا أخرى من المقاتلين قريباً. الدعم العسكري الكوري المباشر لروسيا لا يمثل أو يعكس نتاجا طبيعيا لتطور العلاقات الأخير بين روسيا وكوريا، والذي أثمر اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة في يونيو الماضي، بل فعلياً يعكس دلالات جوهرية بعيدة المدى يجب النظر فيها بعمق. بلا أية مواربة، يعكس هذا الدعم نواة لتحالف عسكري صلب بين القوة المناوئة للغرب وتحديدا روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران. فهذا الدعم الكوري لن يتم إلا بضوء أخضر صيني، فكما أن إسرائيل ولاية أمريكية بامتياز، فكوريا الشمالية أيضا تعد ملكية حصرية للصين مع بعض الاختلافات. وعلى إثر ذلك أيضا، أصابت التحليلات القائلة بأن الحرب الأوكرانية هي مجرد ساحة استنزاف بين الغرب والشرق أو تحديدا بين الصين والولايات المتحدة، أصابت كبد الحقيقة. فالولايات المتحدة تسعى من وراء الدعم القوى لأوكرانيا لاستنزاف أهم حليف للصين وهو روسيا، وفى المقابل ترى الصين أن الدعم الغربي (الأمريكي-الأوروبي) لأوكرانيا هو بمثابة استنزاف عسكري واقتصادي رهيب للغرب. وبالتالي، فالدعم الكوري هو مساندة إنقاذ قوية لروسيا التي تقهقرت بصورة كبيرة بعد التوغل الأوكراني لكورسك بفضل الدعم الغربي العسكري القوى. وبصورة أكثر وضوحاً، لاستمرار المعارك في أوكرانيا لاسيما في ضوء الإشارات الغربية القوية بالسماح بأوكرانيا بضرب أعماق روسيا بأسلحة متطورة. إذ في صدد ذلك، يمثل التعاون المتطور بين روسيا وكوريا جبهة ردع نووية قوية للكتلة الغربية برمتها. علاوة على ذلك، تمتلك كوريا منظومة صواريخ بالستية متطورة قادرة على اختراق أعماق الولايات المتحدة. ومن ثم، فهذا التعاون قد ينظر إليه على انه رسالة تحذيرية قوية للغرب ضد أية خطط أو نوايا وشيكة لضرب أعماق روسيا. وفى سياق نفس المضامين والتداعيات، يعد هذا التحالف العسكري، الذي قد ترجم عن عمد بتورط مباشر كورى في المعارك الأوكرانية، رسالة تحذيرية قوية للدول الإقليمية خاصة كوريا الجنوبية واليابان الطامحة في امتلاك سلاح نووي، أو للتخلي عن فكرة تدعيم التعاون العسكري مع واشنطن كنواة لتشكيل ناتو آسيوي يضم كل خصوم الصين الآسيويين. وينبغي هنا الإشارة الى أن هذا الدعم يأتي في سياق التصعيد العنيف بين إيران وإسرائيل، والذى ينذر بضرب إسرائيل لمنشآت إيرانية حيوية بما في ذلك المنشآت النووية، وإذا حدث ذلك فستضرر الصين ضرراً بالغاً باعتبارها أكبر مستورد للنفط الخليجي عامة حتى الإيراني. وحتى المناورات الصينية الأخيرة حول تايوان تندرج في سياق الرسائل التحذيرية لواشنطن من مغبة السماح لإسرائيل بضرب المنشآت النفطية الإيرانية. وعلى هدى ما سبق أيضا، فمن البديهي أن الحرب الأوكرانية سيطول أمدها، ومع فوز ترامب فمن المرجح استمرار الحرب لكن مع تقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا. خلاصة القول، نرى في تقديرنا الخاص، أن التورط العسكري الكوري المباشر في الحرب الأوكرانية، يمثل الإعلان الأولي الفعلي أو العلني للتحالف الشرقي العسكري الأعظم ضد التحالف الغربي بقيادة واشنطن. وهذا الصراع بين التحالفين قد يقود إلى حرب عالمية ثالثة-وإن كان ذلك غير مرجح بصورة كبيرة- لكنه من المؤكد يؤسس لنظام جيوسياسى-اقتصادي عالمي جديد بقيادة الصين، بديل عن النظام الغربي المهيمن عليه غربياً.

747

| 11 نوفمبر 2024

الحسم الصيني تجاه تايوان

أنهت الصين مؤخراً مناورتها الثانية حول تايوان التي تجريها هذا العام والتي تحمل اسم "السيف المشترك 2"، والتي أجرتها عقب الخطاب الذي ألقاه رئيس تايوان "ويليام لاي" في العاشر من أكتوبر بمناسبة اليوم الوطني. ويذكر أن مناورة "السيف المشترك 1" قد أجرتها الصين في يناير الماضي عقب انتخاب "ويليام لاى" رئيسيا للبلاد. وجاءت المناورة الأولى في يناير ردا على انتخاب "ويليام لاي" شخصياً بحسبانه من أشد حكام تايوان تأييداً للانفصال، وتعده الصين من أكبر أعدائها. والمناورة الثانية ردا على ما تعهد به "ويليام لاي" من تعزيز الانفصال عن الصين في خطابه يوم 10 أكتوبر. وتعد المناورة الأخيرة أو الثانية "السيف المشترك 2"، ليست مناورة عادية ضمن المناورات المكثفة التي قامت بها الصين في محيط تايوان خلال الأعوام الثلاثة الماضية. بل تعد استثنائية تحمل دلالات حاسمة قاطعة في حول النوايا الصينية تجاه تايوان. وتكمن استثنائية المناورة في شقين أساسيين، أولهما هو نطاقها عالي الكثافة بصورة غير مسبوقة، حيث شملت المناورة استخدام عدد كبير من المقاتلات والسفن الحربية، كما شملت أيضا محاكاة حرب شاملة لمحيط لتايوان والجزر التابعة لها. والشق الثاني ولعله الأخطر، هو تصريح الصين أثناء وبعد الانتهاء من المناورة "بأنها لن تتخلى أبدا عن خيار القوة لضم الجزيرة". والخبراء في الشأن الصيني، وتحديدا القضية التايوانية يعلمون تماما أن تصريحات من هذا النوع متزامنة مع مناورات حرب حقيقية واسعة النطاق؛ تعكس حسما أو قرارا صينيا بضم الجزيرة للسيادة الصينية سواء سلماً أو قسراً. ويعكس ذلك بصورة أوضح أن قرار الضم "لا تراجع عنه"، إذ سيحدث يوما ما. وبالتالي، فحتى الخيار التقليدي "دولة واحدة ذات نظامين" الذي مضت فيه الصين لعقود؛ لم يعد مقبولا لدى الصين على المدى البعيد. إذ قد تتقبل الصين هذا الخيار شريطة وجود نظام في تايوان موال لبكين، أو موافق على هذا الخيار على المديين القصير والمتوسط، لكن على المدى الطويل فالصين قد حسمت الأمر. ويحسب للصين اتباعها نهجا عقلانيا رشيدا في جميع خطواتها وسياستها الخارجية، كما تتحلى السياسة الخارجية للصين بالصبر الاستراتيجي النموذجي. ومغزى ذلك أن قرار الحسم تجاه تايوان لا ينبع من حماسة قومية متطرفة أو غير عقلانية قد تهوي بالبلاد للانتحار، إذ تعد تايوان قضية وطنية عليا لا جدال عليها في الصين. بل نابع من تقدير رشيد لحسابات وموازين القوة الصينية، وقراءة رشيدة أيضا لحسابات ومواقف وحدود العائق الرئيسي لضم تايوان، وهو العائق الأمريكي. تايوان بالنسبة لواشنطن ليست مجرد التزام شبه أبدى بحمايتها، بل في مدركات الحسابات الاستراتيجية لواشنطن يعد التخلي عنها خاصة للصين إقراراً بانهيار الهيمنة الأمريكية التي ترتكز بصورة رئيسية على الحضور العسكري الراسخ خاصة البحري في جنوب وشرق آسيا والمحيط الهادئ. كما أن موقع تايوان الاستراتيجي حاسم في توطيد هذا الحضور. بيد أن ثمة العديد من المظاهر الدالة أو المرجحة على ضعف الإرادة الأمريكية إذا تطلب الامر موقفا حاسما أو عسكريا تجاه تايوان. على رأس هذه المظاهر هو التراجع العام في القوة الأمريكية خاصة الاقتصادية، بالتوازي مع ذلك تنام لافت لجميع مؤشرات القوة الصينية. فالصين عسكريا واقتصاديا قد اقتربت من موازنة الولايات المتحدة، بل اقتصاديا ستحتل الصدارة عالميا بحلول عام 2035 وفقا لجميع المؤشرات العالمية. وواقع الأمر، أن التراجع الأمريكي تظهر ملامحه بوضوح سنة تلو الأخرى. ففي ولاية بايدن قد تبدى بوضوح في العجز أما روسيا، والتدهور الاقتصادي الرهيب داخليا، والاعتماد على الحلفاء بصورة أساسية حتى في مواجهة الصين من خلال تشكيل تحالفات أمنية قوية مع خصوم الصين. ومن المؤشرات القوية جدا التي لا تنال اهتمام كاف من البحث، هو حالة الانقسام الشديد التي تعانى منها الولايات المتحدة، والتنامي الرهيب للمزاج الانعزالي والشعوبي الداخلي الذى يمثله ترامب أو الظاهرة الترامبية. تلك المؤشرات خاصة التوجه الانعزالي المتمدد حتى في غياب ترامب، ستلعب دوراً حاسما في إضعاف الإرادة الأمريكية تجاه تايوان. فالرأي العام الأمريكي بسبب وطأة التردي الاقتصادي، وحروب واشنطن السابقة عديمة الجدوى خاصة الحرب في أفغانستان؛ قد أصبح أكثر تأييدا لضرورة الانكفاء أو الانعزال عن العالم. فبحسب الاستطلاعات الأمريكية، يعارض قطاع عريض من الأمريكيين مسالة استمرار لعب الولايات المتحدة دوراً قياديا في العالم يستنزف التريليونات من الخزينة الأمريكية. بل وأكثر من ذلك، ثمة تذمر واسع بين الأمريكيين بشان دعم ما يسمى الحلفاء وعلى رأسهم أوكرانيا وإسرائيل. إذ يرون أن لا مصلحة ولا تهديد حقيقي يستدعى هذا الدعم. وبالتالي، سيشكل الضغط الانعزالي العام في أمريكا عائقا رئيسيا في الأجل الطويل أمام استمرار الدعم القوى لتايوان، والأهم الانخراط في حرب مدمرة كل هدفها الحفاظ على الهيمنة الأمريكية. ملخص القول، قد حسمت الصين أمرها بضم تايوان آجلا أم عاجلا، وعلى الأرجح في غضون عقد من الزمان. ويستند هذا الحسم على تفوق متنام في القوة، وتراجع في قوة واشنطن أخذ في التنامي. وهذا في حد ذاته سيجعل قرار واشنطن بشن حرب لأجل تايوان المسمار الأخير في نعش الهيمنة الأمريكية المتداعية.

1350

| 22 أكتوبر 2024

هل انتهى حزب الله؟

تعرض حزب الله اللبناني لسلسلة من الضربات القاسية في فترة وجيزة وبشكل غير متوقع، بلغت ذروتها باغتيال حسن نصر الله الأمين العام للحزب والرمز التاريخي له. وبعد هذه السلسلة القاسية للحزب التي أدت إلى اغتيال الأغلبية العظمى من قيادته، وانكشافه أمنياً بصورة فاضحة، وتدمير الكثير من قواعده في الجنوب، وأخيراً مقتل زعيمه التاريخي. أمسى أهم سؤال مطروح الآن وهو: هل انتهى حزب الله في لبنان بعد سجل حافل طويل من حلقات المقاومة قد بدأ منذ الثمانينيات؟ هناك سببان رئيسيان قد جعلا استقراء مستقبل الحزب ضرورة ملحة، وبناء عليهما أيضا قد خلص كثيرون إلى انتهاء حزب الله عمليا أو فعلياً من لبنان. أولهما بالقطع اغتيال أهم شخصية في تاريخ الحزب حسن نصر الله. فالأخير له مكانة رمزية كبيرة للغاية ليس فقط بين صفوف الحزب بل وسط جميع حركات المقاومة، ليس بسبب كاريزميته وحسب بل في طريقة إدارة الحزب والنجاحات الكبيرة التي حققها على صعيد مقاومة إسرائيل، وقدرته البارعة على إدارة التوازنات وتقوية الحزب تنظيميا وعسكريا. ومن ثم، من الصعب للغاية توافر بديل مثل حسن نصر الله. والسبب الثاني هو الانهيار السريع للغاية للحزب، وهو ما يشير- ضمن جملة أمور أخرى - أن قدرات الحزب التي عمل على تقويتها على مدار أربعة عقود لم تكن سوى فقاعة سرعان ما انفجرت أمام أول اختبار حقيقي. و»حقيقي» هنا تشير إلى عزم جدي من قبل إسرائيل وبمباركة حلفائها على إنهاء حزب الله بصورة نهائية. ثمة مسلمة رئيسية تم اختبارها مراراً مفادها صعوبة استقراء مستقبل حركات المقاومة مهما تعرضت من انتكاسات كبرى. إذ على سبيل المثال لا الحصر، عادت حركة طالبان للحكم وبصورة أقوى في أفغانستان بعد تموضعها كحركة مقاومة للاحتلال الأمريكي لفترة ناهزت العشرين عاماً. حزب الله نفسه تعرض طوال تاريخه لانتكاسات كبرى كان من أبرزها اغتيال أمينه العام الثاني «عباس الموسوي» عام 1992 بغارة جوية إسرائيلية. وفي حرب لبنان الثانية عام 2006 قد مني الحزب بخسائر كبيرة رغم انتصاره في الحرب. ومع ذلك، عاد الحزب أقوى مما كان. فحركات المقاومة تختلف جذريا عن الدول وذلك من حيث العقيدة الاستشهادية التي يحملها مقاتلو هذه الحركات، وعقيدة حركة المقاومة ذاتها التي تجعل عملية تجديد صفوف الحزب خاصة من جانب الشباب عملية لا تنضب، خاصة إذا كانت لمقاومة احتلال. هذا فضلا عن التكتيكات والأساليب القتالية غير التقليدية التي تستخدمها هذه الحركات والتي تجعل هزيمتها من جانب جيوش نظامية أمراً صعبا للغاية. وحزب الله على وجه الخصوص يتمتع ببعض الخصوصيات الرئيسية أهمها اثنان وهما هيمنته وشعبية الكبيرة في جنوب لبنان، فجنوب لبنان يعد شبه دولة يسيطر عليها حزب الله تماما. والثاني قوى المساندة الخارجية الرئيسية له وهي إيران. وإزاء جميع المعطيات السابقة يمكن القول إنه من حيث المبدأ من غير الملائم أو المنطقي الجزم بانتهاء حزب الله في لبنان، ومن ناحية أخرى من الصعب التكهن أيضا بمستقبل حزب الله في لبنان. فالحزب حركة مقاومة بالأساس لديه أكثر من مائة ألف مقاتل، ولا يزال بحوزته أسلحة دقيقة مدمرة، والأهم من ذلك أن قرار إنهاء دور الحزب يخضع بصورة كبيرة لإرادة ورغبة إيران. وبالتالي، فمن حيث المبدأ نقدر أن حزب الله باقٍ في جنوب لبنان، وربما الاختلاف أو ما يصعب الجزم به هو مستوى قوته ونوعية دوره في المرحلة المقبلة. ويتضح ذلك من أمرين رئيسيين وهما استمرار عمليات المقاومة ضد إسرائيل فور اغتيال نصر الله، والثاني قيام إيران بضرب إسرائيل بسلسلة من الصواريخ الباليستية ردا على اغتيال حسن نصر الله ومساندة الحزب. وفي التقدير الأخير، حزب الله لم ينتهِ فعليا، ولن ينتهي من الوجود. سيبقى لكنه يعاني من حالة ضعف وتخبط شديدة ستدوم لفترة طويلة نسبيا. وسينعكس هذا الضعف بالقطع على مستوى المقاومة تجاه إسرائيل ومستوى نفوذه الطاغي على الداخل اللبناني. وفي القول الأخير من الصعب تصور تخلي إيراني مطلق عن حزب الله المساهم الرئيسي في تمديد النفوذ الإيراني في منطقة الشام برمتها.

2649

| 07 أكتوبر 2024

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

3504

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
كبار في قفص الاتهام.. كلمة قطر أربكت المعادلات

في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...

2928

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

2871

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
غياب المعرفة المالية عن الطلاب جريمة اقتصادية بحق الأجيال

في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...

2406

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1191

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
قطر في الأمم المتحدة.. السيادة والإنسانية

يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...

1044

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

942

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

930

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
الأمير يكشف للعالم حقيقة الكيان الإسرائيلي

صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....

894

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

885

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
حضور فاعل للدبلوماسية القطرية

تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...

825

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
1960.. أمّ الانقلابات في تركيا وإرث الوصاية العسكرية

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...

768

| 22 سبتمبر 2025

أخبار محلية