رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

1353

د. فاتن الدوسري

الحسم الصيني تجاه تايوان

22 أكتوبر 2024 , 06:24م

 أنهت الصين مؤخراً مناورتها الثانية حول تايوان التي تجريها هذا العام والتي تحمل اسم "السيف المشترك 2"، والتي أجرتها عقب الخطاب الذي ألقاه رئيس تايوان "ويليام لاي" في العاشر من أكتوبر بمناسبة اليوم الوطني. ويذكر أن مناورة "السيف المشترك 1" قد أجرتها الصين في يناير الماضي عقب انتخاب "ويليام لاى" رئيسيا للبلاد.

وجاءت المناورة الأولى في يناير ردا على انتخاب "ويليام لاي" شخصياً بحسبانه من أشد حكام تايوان تأييداً للانفصال، وتعده الصين من أكبر أعدائها. والمناورة الثانية ردا على ما تعهد به "ويليام لاي" من تعزيز الانفصال عن الصين في خطابه يوم 10 أكتوبر.

وتعد المناورة الأخيرة أو الثانية "السيف المشترك 2"، ليست مناورة عادية ضمن المناورات المكثفة التي قامت بها الصين في محيط تايوان خلال الأعوام الثلاثة الماضية. بل تعد استثنائية تحمل دلالات حاسمة قاطعة في حول النوايا الصينية تجاه تايوان.

وتكمن استثنائية المناورة في شقين أساسيين، أولهما هو نطاقها عالي الكثافة بصورة غير مسبوقة، حيث شملت المناورة استخدام عدد كبير من المقاتلات والسفن الحربية، كما شملت أيضا محاكاة حرب شاملة لمحيط لتايوان والجزر التابعة لها. والشق الثاني ولعله الأخطر، هو تصريح الصين أثناء وبعد الانتهاء من المناورة "بأنها لن تتخلى أبدا عن خيار القوة لضم الجزيرة".

 والخبراء في الشأن الصيني، وتحديدا القضية التايوانية يعلمون تماما أن تصريحات من هذا النوع متزامنة مع مناورات حرب حقيقية واسعة النطاق؛ تعكس حسما أو قرارا صينيا بضم الجزيرة للسيادة الصينية سواء سلماً أو قسراً.

 ويعكس ذلك بصورة أوضح أن قرار الضم "لا تراجع عنه"، إذ سيحدث يوما ما. وبالتالي، فحتى الخيار التقليدي "دولة واحدة ذات نظامين" الذي مضت فيه الصين لعقود؛ لم يعد مقبولا لدى الصين على المدى البعيد. إذ قد تتقبل الصين هذا الخيار شريطة وجود نظام في تايوان موال لبكين، أو موافق على هذا الخيار على المديين القصير والمتوسط، لكن على المدى الطويل فالصين قد حسمت الأمر.

ويحسب للصين اتباعها نهجا عقلانيا رشيدا في جميع خطواتها وسياستها الخارجية، كما تتحلى السياسة الخارجية للصين بالصبر الاستراتيجي النموذجي. ومغزى ذلك أن قرار الحسم تجاه تايوان لا ينبع من حماسة قومية متطرفة أو غير عقلانية قد تهوي بالبلاد للانتحار، إذ تعد تايوان قضية وطنية عليا لا جدال عليها في الصين.

بل نابع من تقدير رشيد لحسابات وموازين القوة الصينية، وقراءة رشيدة أيضا لحسابات ومواقف وحدود العائق الرئيسي لضم تايوان، وهو العائق الأمريكي. تايوان بالنسبة لواشنطن ليست مجرد التزام شبه أبدى بحمايتها، بل في مدركات الحسابات الاستراتيجية لواشنطن يعد التخلي عنها خاصة للصين إقراراً بانهيار الهيمنة الأمريكية التي ترتكز بصورة رئيسية على الحضور العسكري الراسخ خاصة البحري في جنوب وشرق آسيا والمحيط الهادئ. كما أن موقع تايوان الاستراتيجي حاسم في توطيد هذا الحضور.

بيد أن ثمة العديد من المظاهر الدالة أو المرجحة على ضعف الإرادة الأمريكية إذا تطلب الامر موقفا حاسما أو عسكريا تجاه تايوان. على رأس هذه المظاهر هو التراجع العام في القوة الأمريكية خاصة الاقتصادية، بالتوازي مع ذلك تنام لافت لجميع مؤشرات القوة الصينية. فالصين عسكريا واقتصاديا قد اقتربت من موازنة الولايات المتحدة، بل اقتصاديا ستحتل الصدارة عالميا بحلول عام 2035 وفقا لجميع المؤشرات العالمية.

وواقع الأمر، أن التراجع الأمريكي تظهر ملامحه بوضوح سنة تلو الأخرى. ففي ولاية بايدن قد تبدى بوضوح في العجز أما روسيا، والتدهور الاقتصادي الرهيب داخليا، والاعتماد على الحلفاء بصورة أساسية حتى في مواجهة الصين من خلال تشكيل تحالفات أمنية قوية مع خصوم الصين.

     ومن المؤشرات القوية جدا التي لا تنال اهتمام كاف من البحث، هو حالة الانقسام الشديد التي تعانى منها الولايات المتحدة، والتنامي الرهيب للمزاج الانعزالي والشعوبي الداخلي الذى يمثله ترامب أو الظاهرة الترامبية. تلك المؤشرات خاصة التوجه الانعزالي المتمدد حتى في غياب ترامب، ستلعب دوراً حاسما في إضعاف الإرادة الأمريكية تجاه تايوان.

فالرأي العام الأمريكي بسبب وطأة التردي الاقتصادي، وحروب واشنطن السابقة عديمة الجدوى خاصة الحرب في أفغانستان؛ قد أصبح أكثر تأييدا لضرورة الانكفاء أو الانعزال عن العالم. فبحسب الاستطلاعات الأمريكية، يعارض قطاع عريض من الأمريكيين مسالة استمرار لعب الولايات المتحدة دوراً قياديا في العالم يستنزف التريليونات من الخزينة الأمريكية. بل وأكثر من ذلك، ثمة تذمر واسع بين الأمريكيين بشان دعم ما يسمى الحلفاء وعلى رأسهم أوكرانيا وإسرائيل. إذ يرون أن لا مصلحة ولا تهديد حقيقي يستدعى هذا الدعم.

      وبالتالي، سيشكل الضغط الانعزالي العام في أمريكا عائقا رئيسيا في الأجل الطويل أمام استمرار الدعم القوى لتايوان، والأهم الانخراط في حرب مدمرة كل هدفها الحفاظ على الهيمنة الأمريكية.

ملخص القول، قد حسمت الصين أمرها بضم تايوان آجلا أم عاجلا، وعلى الأرجح في غضون عقد من الزمان. ويستند هذا الحسم على تفوق متنام في القوة، وتراجع في قوة واشنطن أخذ في التنامي. وهذا في حد ذاته سيجعل قرار واشنطن بشن حرب لأجل تايوان المسمار الأخير في نعش الهيمنة الأمريكية المتداعية.

مساحة إعلانية