رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

1032

د. فاتن الدوسري

ترامب وسوريا الجديدة

19 يناير 2025 , 02:00ص

تزامن الوضع السوري الجديد بسقوط الأسد وتولى هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع السلطة فعليا، مع تولى إدارة أمريكية جديدة بقيادة ترامب. ولما كان الدور الأمريكي شديد الأهمية في أية قضية في العالم، ولسوريا الجديدة أمسى أكثر أهمية من ذي قبل؛ بات مستقبل السياسة الأمريكية تجاه سوريا في ظل إدارة ترامب مسار تكهنات متعددة.   إذ بالإضافة إلى سياسة ترامب الثابتة تجاه سوريا التي تميل نحو التهميش، يواجه ترامب مجموعة من التحديات والأولويات الهامة والخطيرة خاصة ملف الاقتصاد والهجرة والصين والحرب الأوكرانية. الدور الأمريكي النشط في سوريا الجديدة حاسم ولا غنى عنه لعدة أسباب رئيسية، نذكر ثلاثة منهم، منح الشرعية الدولية الكافية للقيادة الجديدة ذات الخلفية الإسلامية، وتسهيل تدفق المساعدات المالية والاقتصادية لإعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد السوري، والثالث، عرقلة الأطراف الخارجية ذات الأجندات والأطماع المتضاربة من سوريا من إفساد الوضع السياسي الجديد.  ومكمن المشكلة هنا أن ترامب فقط لا يعنيه مطلقا استقرار الوضع السوري من عدمه أسوة بالسابق وبدول أخرى خاصة ليبيا ذات الظروف المتشابهة، بل أيضا لديه حساسية شديدة في التعاطي مع حكومة ذات مرجعة إسلامية، بل ينظر ترامب إلى هيئة تحرير الشام وزعيمها الشرع على أنهم «إرهابيين» رغم اعتراف إدارة بايدن بالهيئة ورئيسها وشرعية الوضع العام الجديد في سوريا بصورة عامة، وإلغاء المكافأة الأمريكية بصورة رسمية التي كانت مرصودة للقبض على الشرع.

وعلى بيان ذلك، ستشهد السياسة الأمريكية تجاه سوريا في المائة اليوم الأولى لولاية ترامب حالة من التهميش والتخبط في الوقت ذاته، خاصة وأن ترامب سيكون منهمكا في تحدى التعافي الاقتصادي وإنهاء الحرب الأوكرانية.  لا تسير سياسة الدول على وتيرة واحدة- عدا الحفاظ على بعض الثواب الاستراتيجية المحدودة- حيث تتبدل بصورة جذرية توافقا أو تعارضا مع مصالح أو تهديدات جديدة. فضلا عن ذلك، تُجبر الدول على التعاطي مع الأمر الواقع حينما تستشعر أنه سيدوم لفترة. وهذا تحديدا ما سوف يجبر ترامب على إعادة مراجعة سياسته تجاه سوريا، أو منحها قدراً من الاهتمام، إذ سيصدم بوضع قائم في سوريا متجسداً في حكومة الشرع ذات الشرعية الداخلية والخارجية، حيث تتهافت عليها دول العالم لترتيب مصالحها في سوريا بما في ذلك جميع شركاء واشنطن.

وعلى الجانب الآخر، هناك الكثير من المصالح والتهديدات أيضا نابعة من سوريا الجديدة ذات أهمية كبيرة للمصالح الأمريكية، وتتوافق مع رؤى وهواجس ترامب أيضا، وأقرب حلفائه خاصة إسرائيل، في الوقت عينه. الأولوية لترامب ستكون الهواجس، وعلى رأسها عدم عودة تنظيم داعش لسوريا، وتصفية الوجود الإيراني، ومنع سوريا بان تكون ساحة جديدة لمهاجمة إسرائيل. وإزاء وضع قائم مشروع ممثلا في حكومة الشرع، قد حددت بوضع هذه الهواجس كأولويات لها خاصة رفض تحويل سوريا كساحة لمهاجمة إسرائيل وعودة النشاطات الإرهابية؛ فلا مفر أمام ترامب سوى التنسيق مع حكومة الشرع، بل والضغط لدعمها دوليا دبلوماسيا وماليا، ولنا في طالبان أفغانستان عبرة. وعلى إثر ذلك أيضا، ليس من المستبعد موافقة ترامب على بقاء القوات الأمريكية في شمال سوريا.

 * تنشيط الدور الأمريكي في سوريا الجديدة من شأنه منع تغلغل النفوذ الصيني داخل سوريا، واستمرار الضغط على روسيا وتركيا تحديداً. وهذا في المجمل سيصب في صالح أولويات ترامب، تقويض القوى الصينية عالميا، إبعاد روسيا عن الصين وإنهاء الحرب الأوكرانية بالتصور الذى يريده وغالبا، تحجيم الدور التركي المنافس لإسرائيل والمهدد لأكراد سوريا. فضلا عن ذلك، تعد سوريا حاليا ساحة خصبة للشركات الأمريكية لجنى ملايين الدولارات من إعادة الإعمار، واستمرار الهيمنة الأمريكية على نفط سوريا المطوق بجنود الحماية الأمريكية في شمال سوريا، وهذا يتقاطع مباشرة مع رأس أولويات ترامب التعافي الاقتصادي الذى كان السبب الرئيسي لفوزه الكاسح في الانتخابات.

* خلاصة القول، ينذر الوضع العام لسوريا الجديدة إلى دور أمريكي نشط نسبيا في ولاية ترامب الجديدة، دور لا مفر منه بسبب الفرص والتحديات التي تفرضها على مصالح أمريكا الاستراتيجية التي تتوافق معظمها مع أهواء وانحيازات ترامب شخصيا.

مساحة إعلانية