رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تزامن الوضع السوري الجديد بسقوط الأسد وتولى هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع السلطة فعليا، مع تولى إدارة أمريكية جديدة بقيادة ترامب. ولما كان الدور الأمريكي شديد الأهمية في أية قضية في العالم، ولسوريا الجديدة أمسى أكثر أهمية من ذي قبل؛ بات مستقبل السياسة الأمريكية تجاه سوريا في ظل إدارة ترامب مسار تكهنات متعددة. إذ بالإضافة إلى سياسة ترامب الثابتة تجاه سوريا التي تميل نحو التهميش، يواجه ترامب مجموعة من التحديات والأولويات الهامة والخطيرة خاصة ملف الاقتصاد والهجرة والصين والحرب الأوكرانية. الدور الأمريكي النشط في سوريا الجديدة حاسم ولا غنى عنه لعدة أسباب رئيسية، نذكر ثلاثة منهم، منح الشرعية الدولية الكافية للقيادة الجديدة ذات الخلفية الإسلامية، وتسهيل تدفق المساعدات المالية والاقتصادية لإعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد السوري، والثالث، عرقلة الأطراف الخارجية ذات الأجندات والأطماع المتضاربة من سوريا من إفساد الوضع السياسي الجديد. ومكمن المشكلة هنا أن ترامب فقط لا يعنيه مطلقا استقرار الوضع السوري من عدمه أسوة بالسابق وبدول أخرى خاصة ليبيا ذات الظروف المتشابهة، بل أيضا لديه حساسية شديدة في التعاطي مع حكومة ذات مرجعة إسلامية، بل ينظر ترامب إلى هيئة تحرير الشام وزعيمها الشرع على أنهم «إرهابيين» رغم اعتراف إدارة بايدن بالهيئة ورئيسها وشرعية الوضع العام الجديد في سوريا بصورة عامة، وإلغاء المكافأة الأمريكية بصورة رسمية التي كانت مرصودة للقبض على الشرع.
وعلى بيان ذلك، ستشهد السياسة الأمريكية تجاه سوريا في المائة اليوم الأولى لولاية ترامب حالة من التهميش والتخبط في الوقت ذاته، خاصة وأن ترامب سيكون منهمكا في تحدى التعافي الاقتصادي وإنهاء الحرب الأوكرانية. لا تسير سياسة الدول على وتيرة واحدة- عدا الحفاظ على بعض الثواب الاستراتيجية المحدودة- حيث تتبدل بصورة جذرية توافقا أو تعارضا مع مصالح أو تهديدات جديدة. فضلا عن ذلك، تُجبر الدول على التعاطي مع الأمر الواقع حينما تستشعر أنه سيدوم لفترة. وهذا تحديدا ما سوف يجبر ترامب على إعادة مراجعة سياسته تجاه سوريا، أو منحها قدراً من الاهتمام، إذ سيصدم بوضع قائم في سوريا متجسداً في حكومة الشرع ذات الشرعية الداخلية والخارجية، حيث تتهافت عليها دول العالم لترتيب مصالحها في سوريا بما في ذلك جميع شركاء واشنطن.
وعلى الجانب الآخر، هناك الكثير من المصالح والتهديدات أيضا نابعة من سوريا الجديدة ذات أهمية كبيرة للمصالح الأمريكية، وتتوافق مع رؤى وهواجس ترامب أيضا، وأقرب حلفائه خاصة إسرائيل، في الوقت عينه. الأولوية لترامب ستكون الهواجس، وعلى رأسها عدم عودة تنظيم داعش لسوريا، وتصفية الوجود الإيراني، ومنع سوريا بان تكون ساحة جديدة لمهاجمة إسرائيل. وإزاء وضع قائم مشروع ممثلا في حكومة الشرع، قد حددت بوضع هذه الهواجس كأولويات لها خاصة رفض تحويل سوريا كساحة لمهاجمة إسرائيل وعودة النشاطات الإرهابية؛ فلا مفر أمام ترامب سوى التنسيق مع حكومة الشرع، بل والضغط لدعمها دوليا دبلوماسيا وماليا، ولنا في طالبان أفغانستان عبرة. وعلى إثر ذلك أيضا، ليس من المستبعد موافقة ترامب على بقاء القوات الأمريكية في شمال سوريا.
* تنشيط الدور الأمريكي في سوريا الجديدة من شأنه منع تغلغل النفوذ الصيني داخل سوريا، واستمرار الضغط على روسيا وتركيا تحديداً. وهذا في المجمل سيصب في صالح أولويات ترامب، تقويض القوى الصينية عالميا، إبعاد روسيا عن الصين وإنهاء الحرب الأوكرانية بالتصور الذى يريده وغالبا، تحجيم الدور التركي المنافس لإسرائيل والمهدد لأكراد سوريا. فضلا عن ذلك، تعد سوريا حاليا ساحة خصبة للشركات الأمريكية لجنى ملايين الدولارات من إعادة الإعمار، واستمرار الهيمنة الأمريكية على نفط سوريا المطوق بجنود الحماية الأمريكية في شمال سوريا، وهذا يتقاطع مباشرة مع رأس أولويات ترامب التعافي الاقتصادي الذى كان السبب الرئيسي لفوزه الكاسح في الانتخابات.
* خلاصة القول، ينذر الوضع العام لسوريا الجديدة إلى دور أمريكي نشط نسبيا في ولاية ترامب الجديدة، دور لا مفر منه بسبب الفرص والتحديات التي تفرضها على مصالح أمريكا الاستراتيجية التي تتوافق معظمها مع أهواء وانحيازات ترامب شخصيا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8814
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4824
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
4053
| 14 أكتوبر 2025