رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

1053

د. فاتن الدوسري

الهوية والعداء.. إيران ـــ إسرائيل كنموذج

16 سبتمبر 2024 , 02:00ص

يمثل العداء أو الصراع الطويل الممتد من الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 حتى الوقت الحاضر بين إيران وإسرائيل، النموذج المثالي الذي يتم الاستشهاد به عند دراسة دور الهوية كمحدد رئيسي للصراع في النظام الدولي.

 فهذا الصراع على وجه الخصوص، وكثير من الصراعات المتقاربة حتى الصراع بين الصين والولايات المتحدة، والأخيرة والاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة؛ قد دحض تماما تصورات المدرسة الواقعية الراسخة في النظام الدولي والتي أطرت أي صراع دولي في مقاربات القوة والنفوذ والأمن والحدود السيادية والهيمنة. مع عدم إنكارنا ببواعث هذه المقاربات في الكثير من الصراعات والعداوات بين الدول.

 يجادل أنصار المدرسة البنائية التي أحدثت ثورة هائلة في حقل العلاقات الدولية، وغيرهم من أنصار التفسيرات غير المادية للصراعات، بأن الهوية تشكل المحدد الرئيسي لسلوك الدول. بعبارة أخرى، إن أي سلوك أو سياسة خارجية للدولة هو انعكاس لهويتها التي تشكلت عبر مزيج من التقاطعات التاريخية والقومية والإيديولوجية.

 وفي طور هذه الهوية يتم تكريس «نحن»، و»الآخرون» وهم الأعداء المختلفون معنا في العقيدة أو الثقافة أو يحملون قومية معادية لنا، أو لدينا ميراث عدائي تاريخي معهم، والقضية هنا ليست كيف أصبح الآخرون أعداء لنا، حيث الأسباب لا حصر لها.

 المهم أنهم أعداء أو مختلفون عنا، ويتم تكريس ذلك كهوية وطنية للدولة تنعكس في الخطابات الرسمية والتنشئة السياسية والاجتماعية ومناهج التعليم وبرامج النخب والمعارضة ووسائل الإعلام.

 وعند النظر لجوانب مختلفة للعداء المستحكم بين إيران وإسرائيل يتبدى لنا كيف أنه النموذج المثالي لعامل الهوية. إذ من جانب ليس هناك حدود مشتركة بين الدولتين، ومن جانب ثانٍ ليس هناك ميراث عدائي تاريخي بين الدولتين قبل الثورة الإيرانية، حيث كان نظام الشاه يتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل.

 ومن جانب ثالث هناك قوى إقليمية منافسة كبرى لكلا الدولتين، بمعنى آخر يحاط بإيران عدة قوى منافسة متعددة كتركيا وروسيا وباكستان، وعلى الجانب الإسرائيلي يحاط بها عدة قوى إقليمية منافسة كمصر والعراق وسوريا. ومع ذلك، يرى كل طرف الآخر كتهديد وجودي مقارنة برويتهم للقوى الأخرى كقوى منافسة فقط رغم اختلاف الهوية أيضا.

 وبالتالي، يكمن السر في الهوية العدائية التي تطورت وتكرست على مدار أربعة عقود. إذ منذ اندلاع الثورة الإيرانية وإسرائيل ومعها حليفها الرئيسي الولايات المتحدة هي الشيطان الأعظم بحسب مفردات الخطاب الإيراني، التي يجب استئصالها من المنطقة. وعلى الجانب الآخر، تبلورت هوية إسرائيلية ترى في إيران العدو الوجودي الرئيسي لإسرائيل.

 ويعد الصراع بين الدولتين حول البرنامج النووي والذي قد ينجرف إلى حرب إقليمية، كاشفا بوضوح لعمق تأثير الهوية العدائية. إذ لماذا يشكل البرنامج النووي لإيران على وجه التحديد خطرا وجوديا على إسرائيل، على الرغم من امتلاك باكستان القوى السنية الكبرى لقنبلة نووية. بعبارة أخرى، لماذا لا تسعى إسرائيل لتدمير البرنامج النووي لباكستان، ولماذا سمحت به بالأساس وبرضا أمريكي.

 الإجابة ببساطة لأن باكستان وبكل صراحة لم تتبلور لديها هوية عدائية تجاه إسرائيل بحيث تصبح تهديدا وجوديا لها، بل هوية باكستان العدائية منصبه تماما نحو الهند، والعكس صحيح حيث يرى مسلمو الهند باكستان العدو الرئيسي لبلدهم. والأمثلة لا حصر لها، فإيران الشيعية ترى في أذربيجان الشيعية عدوا لها وقد تجلى ذلك في مساندة أرمينيا المسيحية الأرثوذكسية في الحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان.

 والسبب الرئيسي في عرقلة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي هو الهوية الأوروبية المشتركة التي ترى في تركيا آخر غريب مهدد لتلك الهوية؛ على الرغم من إيفاء تركيا بمعظم مطالب الانضمام. وينطبق ذلك على كل الدول الأوروبية المسلمة كالبوسنة وألبانيا.

مساحة إعلانية