رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

162

د. أحمد المحمدي

العقل التبريري - قراءة أخلاقية بمنظور إسلامي

21 ديسمبر 2025 , 03:00ص

العقل التبريري آفة من آفات القلوب قبل أن يكون خللا في التفكير؛ لأنه يعطل فريضة المحاسبة، ويصادم مقصد الهداية، ويحول الخطأ من زلة تعالج إلى سلوك يشرعن. وهو في ميزان الإسلام لون من ألوان خداع النفس، التي حذر الوحي من اتباعها والانقياد لأهوائها.

فالمنهج الإسلامي يقوم على وضوح الحق، وتحمل المسؤولية، وربط القول بالفعل، لا على الالتفاف حول الخطأ وتزيينه. يقول الله تعالى:

﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ﴾

فهذه الآية تكشف جوهر العقل التبريري؛ إذ قد يملك الإنسان من الحجج ما يبرر به فعله، لكنه في قرارة نفسه يعلم موضع الحق من الباطل.

ويظهر خطر هذا العقل حين يقدم تبرير الخطأ على الاعتراف به، فينقلب ميزان القيم، ويغيب معنى التوبة. وقد قرر القرآن قاعدة محكمة في هذا الباب بقوله تعالى:

﴿فلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ﴾

فالتزكية الزائفة للنفس، وتبرئة السلوك دون محاسبة، لون من ألوان الغرور الذي يمنع الإصلاح.

وفي السنة النبوية يتجلى المنهج النقي في مواجهة الخطأ دون مواربة، قال رسول الله ﷺ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ».

فالخطأ في ذاته ليس موضع الإدانة المطلقة، وإنما الخطر في الإصرار عليه وتسويغه، وقطع الطريق أمام التوبة والمراجعة.

وقد كان السلف الصالح أشد الناس خوفا من تبرير النفس. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا».

وكانوا يرون أن محاسبة النفس شرط النجاة، وأن التساهل مع الخطأ بداية الهلاك.

وقال بعض السلف: «الْمُؤْمِنُ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ، يُحَاسِبُهَا لِلَّهِ، وَإِنَّمَا خَفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا».

وفي هذا المعنى إشارة واضحة إلى أن العقل التبريري يثقل الحساب ولا يخففه.

إن العقل التبريري في المنظور الإسلامي ليس مجرد ضعف فكري، بل خلل إيماني، لأنه يعطل مقام التوبة، ويصادم معنى الصدق، ويغلق باب الإصلاح. ولهذا كان الصدق مع النفس أصل كل صلاح، وكان الاعتراف بالخطأ رفعة لا مذلة، وقوة لا ضعفا.

فالطريق المستقيم لا يقبل التبرير الدائم، وإنما يقوم على وضوح الموقف، وشجاعة الاعتراف، والعزم على التصحيح. ومن لم يواجه خطأه في الدنيا بصدق، واجهه في الآخرة بحساب لا تبرير فيه، ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

مساحة إعلانية