رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تصريحات ترامب عن تهجير الفلسطينيين ونظرية «تصنيع القبول»!

تُعتبر نظرية “تصنيع القبول» أو ما تسمى بالإنجليزية ‏Manufacturing Consent التي طورها الباحثان نعوم تشومسكي وإدوارد هيرمان، من أبرز الأطر الفكرية التي تشرح كيفية تأثير وسائل الإعلام الكبرى على تشكيل الوعي العام. وفقًا لهذه النظرية، لا تعمل وسائل الإعلام كجهات مستقلة تروج للحقيقة، بل هي أدوات في يد النخب السياسية والاقتصادية، التي تستخدم الإعلام لخدمة مصالحها الخاصة. ويتم ذلك عبر مجموعة من الآليات مثل التصفية (أي استبعاد بعض المعلومات أو الأخبار)، التركيز على قضايا معينة، إهمال قضايا أخرى، بالإضافة إلى تكرار الرسائل حتى تصبح مقبولة على نطاق واسع وتُعتبر “حقيقة” عامة، حتى وإن كانت هذه الحقائق مشوهة أو جزئية. من بين الأدوات الرئيسية التي تعتمد عليها هذه الإستراتيجية هو التكرار المستمر لفكرة أو سردية معينة بما يجعلها مألوفة في ذهن الجمهور أو المتلقي، ويقلل من قدرتهم على النقد أو الرفض. هذا المبدأ يتماشى مع “تأثير التعرض المتكرر” في علم النفس، حيث تشير الدراسات إلى أن الناس يميلون إلى تفضيل المعلومات التي يتعرضون لها بشكل متكرر، حتى وإن كانت هذه المعلومات غير مقنعة لهم في البداية. ببساطة، يصبح الجمهور أكثر تقبلًا للأفكار والأخبار عندما يتعرض لها مرارًا وتكرارًا. لكن تأثير التكرار لا يتوقف عند هذا الحد. إقصاء الأصوات البديلة يعتبر جزءًا آخر من الإستراتيجية، حيث يتم إبعاد أو تهميش وجهات النظر المعارضة أو غير المتوافقة مع السرد السائد. هذا يقود إلى توجيه النقاش ضمن نطاقات محددة، مما يحد من تنوع الأفكار ويضمن أن الجمهور يتلقى الرواية التي تروج لها النخب. لا تقتصر هذه الروايات على كونها منحازة، بل تُقدّم أحيانًا على أنها محايدة أو موضوعية، مما يعزز من مصداقيتها في أعين المتلقين رغم انحيازها الواضح. * إذن، إن التكرار ليس العنصر الوحيد في “تصنيع القبول”، بل هو يعمل جنبًا إلى جنب مع أدوات أخرى مثل الإطار الإعلامي (التوجهات الإعلامية التي تحدد كيفية تقديم الأخبار)، والتصفية (الاستبعاد الانتقائي للمعلومات)، والتحكم في الأولويات (تحديد ما هو مهم وما يجب أن يُنسى). كما يتم اختيار المصادر بعناية لتدعيم السرد المهيمن، مما يضمن أن الرؤية السياسية أو الاقتصادية التي تسعى النخب لترسيخها تصل إلى الجمهور بأكبر قدر من الفعالية. تأسيسًا على ما سبق؛ يمكن ربط نظرية “تصنيع القبول” بتكرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، فوفقًا لهذه النظرية، تعمل وسائل الإعلام والنخب السياسية المؤثرة على تشكيل الرأي العام من خلال تكرار رسائل وأفكار معينة حتى تصبح مقبولة في أذهان الجمهور، حتى وإن كانت هذه الرسائل مرفوضة أو مشوهة في البداية. * في حالة ترامب، تكراره المستمر لفكرة التهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، على الرغم من الرفض الصارخ لها من الدول العربية والمجتمع الدولي، يعكس استخدامه لأداة التكرار التي يتبناها مروجون للخطاب السياسي في إطار “تصنيع القبول”. عندما يكرر ترامب هذه الفكرة مرارًا، يتسلل هذا المضمون إلى الوعي العام، مما يقلل من حدة الرفض المبدئي لها. التكرار في الخطابات أو التصريحات العامة يعمل على تخفيف ردود الفعل العاطفية تجاه الفكرة، مما يجعلها أقل صدمة وأكثر قبولًا بمرور الوقت، حتى لو كانت مرفوضة في البداية من معظم الأطراف المعنية… * ختامًا، الحذر الحذر من هذه النظرية، فهي ليست مجرد آلية لتشكيل الرأي العام، بل هي إستراتيجية قد تؤدي إلى تغييب الحقائق وتشويه الوعي الجمعي. يجب أن نكون يقظين في مواجهة التكرار الإعلامي الموجه والتأطير الانتقائي للمعلومات، لأن ما يبدو كحقيقة مقبولة قد يكون مجرد بناء فني لخدمة مصالح معينة. لذا، علينا أن نتبنى التفكير النقدي، وأن نبحث عن مصادر متنوعة ومتوازنة كي لا نكون مجرد مستهلكين غير واعين لما يُصنع لنا من أفكار ومشاريع. فثمة من يحاول تشكيل الوعي العام وتوجيهه نحو قبول فكرة مرفوضة في جوهرها، فكل ما يريده ترامب الذي يفكر بمنطق «المقاول» هو تحويل «التهجير الفلسطيني» من فكرة مثيرة للجدل إلى جزء من النقاش العام الذي يصبح أقل استثنائيًا مع مرور الوقت. وبذلك، قد يصبح الجمهور أكثر تقبلًا لها، خاصة إذا تم إقصاء الأصوات المعارضة أو توجيه النقاش نحو أولويات أخرى، مثل الأمن الإقليمي أو الاستقرار، وهو ما يجعل الفكرة تبدو كحل ممكن أو منطقي. * نظرية “تصنيع القبول” توضح كيف يمكن أن يُحَوَّل السرد المتكرر إلى حقيقة مقبولة على الرغم من الرفض الأولي، وهو ما ينطبق بشكل مباشر على تكرار ترامب لفكرة تهجير الفلسطينيين. لذا، ينبغي توخي أعلى درجات الحذر من تأثير هذا التكرار على تشكيل القبول العام للأفكار والمواقف، خاصة عندما يتم تقديمها بشكل مدروس يهدف إلى تغيير التصورات العامة حول قضايا حساسة مثل القضية الفلسطينية.

660

| 07 فبراير 2025

"ديب سيك" الاختراق الصيني الذي يهدد هيمنة وادي السيليكون

حققت الصين اختراقاً كبيراً في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تطبيق "ديب سيك" (DeepSeek)، الذي أصبح الأعلى تصنيفاً على متجر أبل في الولايات المتحدة، في خطوة تعكس تسارع وتيرة التطور التكنولوجي الصيني وتنامي قدرتها على منافسة الشركات الأمريكية العملاقة. لم يكن هذا الإنجاز مجرد قفزة تقنية، بل مثل تحدياً مباشراً للهيمنة الأمريكية على قطاع الذكاء الاصطناعي، لا سيما أنه تحقق في ظل قيود أمريكية صارمة على تصدير الرقائق المتقدمة للصين. اللافت أن هذا الإنجاز تم تحقيقه بميزانية لم تتجاوز 6 ملايين دولار، وهو مبلغ متواضع مقارنةً بالاستثمارات الضخمة التي تضخها الشركات الأمريكية الكبرى، مثل "أوبن إيه آي" و"غوغل ديب مايند"، التي تنفق مليارات الدولارات على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة. هذا التفاوت في الموارد يكشف عن قدرة الشركات الصينية على التكيف مع التحديات التقنية واستغلال الموارد المتاحة بكفاءة، وهو ما يعكس استراتيجية الابتكار القائمة على تحقيق أقصى استفادة من الإمكانيات المتوفرة، بدلًا من الاعتماد المطلق على التقنيات المتقدمة والميزانيات الضخمة. نجاح "ديب سيك" لم يكن مجرد انتصار تقني، بل كان له تأثير اقتصادي ملموس، إذ أثار قلق المستثمرين الأمريكيين وأدى إلى خسائر ضخمة لشركات التكنولوجيا الكبرى. على سبيل المثال، تراجعت القيمة السوقية لشركة "إنفيديا" بمقدار 593 مليار دولار، وهو ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لدول مثل السويد أو بلجيكا، في مؤشر على أن المنافسة الصينية بدأت تؤثر بشكل جوهري في توازنات سوق التكنولوجيا العالمية. الاستجابة الأمريكية لهذا التطور لم تتأخر، حيث وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا النجاح الصيني بأنه "جرس إنذار" للشركات الأمريكية في وادي السيليكون، محذرًا من أن استمرار الهيمنة الصينية على تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يشكل تهديدًا للريادة الأمريكية بمجال الذكاء الاصطناعي. لا شك أن هذا التصريح يعكس إدراك صناع القرار في الولايات المتحدة أن القيود المفروضة على الصين لم تؤتِ ثمارها كما كان متوقعًا، بل ربما دفعت الشركات الصينية إلى تطوير حلول مبتكرة تتجاوز هذه القيود. يعكس هذا المشهد تحولًا استراتيجيًا في التنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، حيث لم تعد التفوق التقني أو ضخامة الميزانية المحددان الرئيسيان للنجاح، بل أصبح الذكاء في توظيف الموارد والقدرة على الابتكار عوامل أكثر تأثيرًا. وبالنظر إلى سرعة التقدم الصيني، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تستطيع الشركات الأمريكية مواكبة هذا التحدي دون إعادة النظر في استراتيجياتها التقليدية؟ أم أن نموذج الابتكار الصيني القائم على الفعالية والكفاءة سيعيد رسم ملامح المنافسة في قطاع الذكاء الاصطناعي عالميًا؟ في ظل هذا السياق، يبقى القول بإن نجاح "ديب سيك" قد يكون مجرد بداية لسلسلة من الابتكارات الصينية التي قد تغير موازين القوى في وادي السيليكون، مما يفرض على الولايات المتحدة إعادة تقييم استراتيجياتها في دعم البحث والتطوير، ووضع سياسات أكثر تكيفًا مع المشهد التكنولوجي المتغير. وإذا استمر هذا الزخم الصيني، فقد نشهد في المستقبل القريب تحولًا جذريًا في مركز الثقل التكنولوجي العالمي، وهو ما يضع مستقبل الهيمنة الأمريكية على هذا القطاع أمام اختبار حقيقي. تأسيسًا على ما سبق؛ لا يمكن اليوم اختزال الذكاء الاصطناعي في كونه مجرد أداة تقنية، فالتحدي الحقيقي يكمن في كيفية تسخير هذه الثورة التكنولوجية لتحقيق التقدم دون المساس بالأسس التي تقوم عليها المجتمعات. فالتساؤل لا يقتصر على المخاطر والفرص، بل يمتد إلى موقع الدول العربية ضمن هذه التحولات: هل ستكون هذه الدول قادرة على تجاوز دور المستهلك لتصبح طرفًا فاعلًا في تطوير الذكاء الاصطناعي؟ أم أن الفجوة الرقمية ستتسع، مما يعمّق التبعية التقنية ويحدّ من تأثيرها في صياغة مستقبل هذه التكنولوجيا؟ الإجابة عن هذه الأسئلة لن تحدد فقط شكل النظام التكنولوجي العالمي، بل ستعكس أيضًا مدى قدرة العرب على حجز موقع مؤثر في خريطة الابتكار الرقمي. ختامًا، في ظل القدرات التحويلية الهائلة للذكاء الاصطناعي، ستتمكن الدول التي تتقن الابتكار، وتعزز تكاملها الرقمي، وتستثمر بفاعلية في تقنيات ما بات يسمى بــ"الذكاء الاصطناعي الطليعي"، من تحقيق مكاسب استراتيجية بعيدة المدى، إذ لا تقتصر هذه المكاسب على العوائد الاقتصادية فحسب، بل تمتد إلى مجالات الأمن والدفاع والسياسة، حيث يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على إعادة رسم موازين القوى وإحداث تحولات جوهرية في المشهدين الإقليمي والدولي، مما يجعل الاستثمار فيه ضرورة استراتيجية لا مجرد خيار تكنولوجي. • متخصص في السياسة السيبرانية

456

| 02 فبراير 2025

السيادة السيبرانية.. تحديات الأمن الوطني في عالم بلا حدود

تمثّل السيادة الرقمية اليوم تحديًا معقدًا للدول في عصر الثورة الرقمية، حيث بات الفضاء السيبراني ميدانًا جديدًا للتنافس بين الفاعلين الدوليين وغير الدوليين. الحدود السيبرانية، رغم كونها غير مرئية، أصبحت عاملًا جوهريًا في رسم ملامح الأمن الوطني، ما أثار تساؤلات عميقة حول قدرة الدول على حماية بنيتها التحتية الرقمية وبيانات مواطنيها، ومدى توافق هذا السعي مع الطبيعة المفتوحة والمترابطة للفضاء السيبراني. * ففي عالم يتسم بسرعة التغيرات التكنولوجية، استطاع الفضاء السيبراني أن يعيد تعريف مفاهيم الجغرافيا والسيادة. هذا الفضاء غير الملموس يجعل الحدود الجغرافية تبدو هشة وعرضة للاختراق من جهات يصعب تحديدها أو تتبعها، سواء كانت مدعومة من دول أو منظمات غير حكومية. في ظل هذه التحديات، تسعى العديد من الدول إلى ترسيم حدود سيبرانية تتوازى مع حدودها الجغرافية، بغية حماية مصالحها السيادية وتأمين خصوصية مواطنيها. ومع ذلك، فإن هذه المحاولات تصطدم بطبيعة الفضاء السيبراني الذي يتجاوز الحدود التقليدية، ما يجعل السيادة فيه أكثر تعقيدًا. * لقد أصبحت الهجمات السيبرانية واحدة من أخطر التهديدات التي تواجه الدول. في هذا السياق، لا تقتصر التهديدات على سرقة المعلومات أو تعطيل الأنظمة، بل تمتد إلى التأثير على البنى التحتية الحيوية مثل شبكات الكهرباء، أنظمة الطيران، والمصارف، مما قد يؤدي إلى شلل كامل في الحياة اليومية. ومع بروز الشركات التكنولوجية العملاقة التي تمتلك سيطرة هائلة على تدفق البيانات والمعلومات، أصبحت الدول تجد نفسها أمام تحديات جديدة تتعلق بفقدان السيطرة على فضائها السيبراني لصالح هذه الشركات. * إن تجارب دول مثل الصين وإيران تقدم نماذج لسياسات تهدف إلى تعزيز السيادة السيبرانية. الصين، من خلال “الجدار الناري العظيم”، سعت إلى فرض سيطرة كاملة على الإنترنت داخل حدودها، ليس فقط لحماية بنيتها التحتية الرقمية، ولكن أيضًا للتحكم في تدفق المعلومات وحماية مصالحها الإستراتيجية. إيران، من جهتها، استثمرت موارد هائلة لإنشاء شبكة إنترنت وطنية بهدف تقليل الاعتماد على الشبكة العالمية وحماية بياناتها من التهديدات الخارجية. ومع ذلك، فإن هذه السياسات أثارت مخاوف بشأن انتهاك الحريات الفردية، حيث قد تُستخدم كأدوات للرقابة والسيطرة السياسية. * فغياب الحدود التقليدية في الفضاء السيبراني يجعل من الصعب على الدول تطبيق قوانينها الوطنية، ما يخلق بيئة ملائمة للجرائم السيبرانية. ومع ذلك، فإن سعي الدول إلى رسم حدود سيبرانية يُظهر تحولًا نحو تعزيز دور الدولة الوطنية في الفضاء الرقمي، حيث تُعد الحوكمة الرقمية وسيلة لضمان أمن البيانات وتدفق المعلومات بشكل آمن. في المقابل، يثير هذا النهج تساؤلات حول تأثيره على الحريات الفردية وحقوق الإنسان في ظل تصاعد المخاوف من استغلاله لأغراض سلطوية. * التطورات التكنولوجية، مثل شبكات الكابلات البحرية التي تدعم الإنترنت العالمي، باتت تعكس التفاوت الكبير بين الدول المتقدمة والنامية في القدرة على التحكم بالموارد السيبرانية. هذا التفاوت يُبرز أهمية التعاون الدولي لتطوير بنية تحتية رقمية أكثر شمولًا وعدالة. ومع ذلك، فإن الطبيعة العابرة للحدود للفضاء السيبراني تتطلب من الدول صياغة سياسات تتوازن بين حماية أمنها السيبراني والحفاظ على انفتاح الإنترنت كوسيلة للتواصل والتبادل المعرفي. لقد بات واضحًا أن السيادة الرقمية لم تعد مجرد مسألة تقنية أو أمنية، بل هي قضية سياسية وإستراتيجية تعكس التنافس على النفوذ في النظام العالمي الجديد. وبينما تسعى الدول إلى استعادة السيطرة على فضائها السيبراني، فإنها تواجه تحديات هائلة تتعلق بالتوفيق بين مصالحها الأمنية وضرورة الحفاظ على الحريات الفردية. في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية تحقيق هذا التوازن، وما إذا كانت السيادة السيبرانية ستكون عاملًا لتعزيز الأمن والاستقرار، أم أنها ستصبح أداة لتقييد الحريات وتعزيز السلطوية.

645

| 17 يناير 2025

التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في 2025.. أين يقف العالم العربي؟

شهد الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة تحولاً غير مسبوق مع صعود شركات التكنولوجيا الكبرى إلى قمة المشهد الاقتصادي، حيث أصبحت هذه الشركات محركاً رئيسياً للابتكار وقوة مهيمنة تعيد تشكيل الأسواق وخيارات المستهلكين. مع نهاية عام 2024، تجاوزت القيمة السوقية المجمعة لأكبر عشر شركات تكنولوجيا 20 تريليون دولار، وهو ما يعكس الهيمنة المتزايدة لهذه الشركات على الاقتصاد العالمي. هذه الهيمنة تتجلى في تأثيرها الكبير على حركة الأسواق المالية وصنع القرارات الاستثمارية العالمية، حيث أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية في صلب هذا التحول. * الذكاء الاصطناعي، الذي كان قبل عقود مجرد فكرة نظرية، أصبح اليوم القوة الدافعة وراء هذه الثورة التقنية. تعتمد الشركات الكبرى مثل “إنفيديا” و”أبل” و”مايكروسوفت” على الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة وتعزيز الابتكار في منتجاتها وخدماتها. شركة “إنفيديا”، على سبيل المثال، شهدت نمواً في إيراداتها بنسبة 126 % خلال عام واحد، مدفوعة بالطلب المتزايد على معالجاتها المستخدمة في أنظمة الذكاء الاصطناعي . * وفي الأفق، تبدو الحوسبة الكمومية كالثورة التقنية المقبلة (من المتوقع أن تصل قيمتها السوقية إلى 4375 مليون دولار بحلول عام 2028)، حيث تعتمد هذه الحوسبة على مبادئ الفيزياء الكمومية لمعالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة تفوق بكثير إمكانيات الحوسبة التقليدية. * البيانات الضخمة تعد العمود الفقري لهذه التحولات (من المتوقع أن تبلغ قيمة سوق البيانات الضخمة العالمية نحو 400 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030) إذ تعتمد عليها أنظمة الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية لتحليل السلوكيات واتخاذ القرارات بشكل أسرع وأكثر دقة. هذا الاعتماد المتزايد على البيانات أدى إلى تغييرات جذرية في طريقة عمل الشركات، لكنه أثار أيضاً مخاوف حول الخصوصية وأخلاقيات استخدام هذه البيانات، خاصة مع توسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي. وفي ظل هذه التغيرات، تظهر تحديات جديدة تتعلق بتركيز القوة الاقتصادية في أيدي عدد محدود من الشركات الكبرى، ما قد يؤدي إلى نشوء فقاعات اقتصادية أو تأثيرات سلبية على سوق العمل. * وعلى النقيض من هذا السباق العالمي المحموم، يبدو العالم العربي متأخراً في مواكبة هذه الثورة التقنية. رغم أن بعض الدول العربية خاصة الخليجية منها بدأت في تبني استراتيجيات طموحة لتطوير الذكاء الاصطناعي ودمجه في خططها الاقتصادية، إلا أن معظم الدول الأخرى لا تزال تعاني من ضعف في البنية التحتية التكنولوجية، وانخفاض الإنفاق على البحث العلمي، الذي لا يتجاوز في كثير من الأحيان 1 % من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن نقص الكفاءات المؤهلة وعدم وجود رؤية واضحة للاستثمار في التقنيات المستقبلية يزيدان من صعوبة اللحاق بالركب العالمي. * ومع ذلك، يمتلك العالم العربي إمكانيات كبيرة إذا تم استغلالها بالشكل الصحيح. كما يمكن للدول العربية أن تستفيد من بناء شراكات استراتيجية مع القوى التكنولوجية الكبرى لنقل المعرفة وتوطينها كما تفعل قطر والإمارات والسعودية إضافة إلى تشجيع الابتكار وإنشاء مراكز بحثية مشتركة بين الدول. البيانات التي نشرها موقع “ستاتيستا” تسلط الضوء على أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي. فقد شهد الإنفاق العالمي على هذه التقنية نمواً كبيراً خلال السنوات الخمس الماضية، مع توقعات بأن يتجاوز أربعة أضعاف مستواه الحالي بحلول عام 2030. في عام 2020، بلغ الإنفاق العالمي نحو 93 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 827 مليار دولار بحلول نهاية العقد. هذه الأرقام تعكس تسارع وتيرة التحول الرقمي العالمي، لكنها تطرح تساؤلات حول مدى جاهزية الدول العربية للاستفادة من هذا التحول. * إن الفجوة التكنولوجية بين العالم العربي والدول المتقدمة تتطلب جهوداً جماعية لتقليصها. الاستثمار في التعليم التقني، وتحفيز الابتكار، وتعزيز التعاون الإقليمي يمكن أن يضع الدول العربية على خريطة الاقتصاد الرقمي. ومع دخول عام 2025، يبقى السؤال: هل سيتمكن العرب من تجاوز تحدياتهم البنيوية واستثمار الفرص التي توفرها الثورة التقنية؟ الإجابة ستعتمد على الإرادة السياسية والالتزام بتحقيق تحول جذري في أولويات التنمية. * وفي الختام، فإن نجاح العالم العربي في اللحاق بالركب التكنولوجي يعتمد بشكل أساسي على قدرته على بناء بيئة ملائمة للنمو الرقمي. يتطلب ذلك استثماراً أكبر في التعليم التكنولوجي والبحث العلمي، فضلاً عن تعزيز التعاون الإقليمي والدولي. إن الفجوة الحالية ليست سوى تحدٍ يمكن تحويله إلى فرصة إذا توافرت الإرادة السياسية، وإذا كانت الدول العربية قادرة على اتخاذ خطوات جادة نحو التحول الرقمي المستدام.

801

| 03 يناير 2025

أسئلة مصيرية ترسم ملامح سوريا القادمة

بداية من المهم التأكيد في هذا المقال على أن من لا يستطيع الفرح بشكل مفرط بسبب مخاوفه من القادم ليس بالضرورة أن يكون مدافعًا عن بشار الأسد أو نظامه، كما أن من يعبّر عن فرحه الكبير بسقوط الطاغية ليس بالضرورة غافلًا عن التحديات والمخاطر التي تواجه المرحلة المقبلة. فهذه اللحظة التاريخية تحمل في طياتها فرصة نادرة للتغيير، لكنها في الوقت ذاته تُلقي بظلال من القلق والأسئلة التي تحتاج إلى إجابات واضحة لضمان عبور آمن نحو مستقبل سوريا واستقرارها. ورغم ذلك نقول، لا يوجد شخص حر في العالم لم يعبّر عن سعادته بسقوط هذا النظام الذي كشف أن سوريا لم تكن سوى سجن كبير، وأن الثورة كانت استعصاءً من أجل الحرية والخروج من قيود القمع والظلم. الثامن من ديسمبر ما هي إلا لحظة فارقة في تاريخ سوريا والمنطقة بأكملها. هذه اللحظة، على الرغم من أهميتها، تفتح الباب أمام شهية المراقبين لتساؤلات شائكة ومعقدة تلقي بظلالها على مستقبل البلاد سياسيًا، اقتصاديًا، عسكريًا، واجتماعيًا. والاحتفال والسرور بهذه النهاية لنظام الأسد، لا يمكن أن تكتمل دون الإجابة على هذه الأسئلة المصيرية. ما موقف النظام الجديد في سوريا من القضية الفلسطينية؟ كيف سيتم التعامل مع التنظيمات الفلسطينية المسلحة المنتشرة في سوريا؟ وهل ستُسمح لحركة حماس بالعودة الفاعلة إلى الساحة السورية؟ الأهم من ذلك، هل سيقف النظام الجديد ضد التطبيع مع إسرائيل، أم سيتخذ نهجًا مهادنًا يفضي إلى مقايضة الجولان؟ وكيف ستكون العلاقة مع اللاجئين الفلسطينيين؟ ما مصير الكيان الكردي في شمال سوريا؟ هل ستؤدي النزعات الاستقلالية إلى صراع دموي مع تركيا، أم ستتمكن سوريا الجديدة من إدارة هذا الملف بتوازن يحفظ حقوق الأكراد ويجنب البلاد الانقسامات؟ وما الموقف من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، خاصة في ظل التوتر مع القوى الإسلامية المدعومة تركيًا؟ وهل يمكن تحقيق توافق سياسي يحفظ وحدة الأراضي السورية ويعزز الاستقرار؟ كيف سيتم تحديد طبيعة النظام السياسي؟ هل سيكون إسلاميًا، علمانيًا، أم مزيجًا يقبل التنوع؟ المعارضة السورية مليئة بالتناقضات، من الجيش الحر إلى جبهة تحرير الشام و»قسد»، ما يثير المخاوف من أن تتحول الخلافات السياسية إلى صراعات عسكرية. فهل سيكون النظام الجديد قادرًا على تحقيق توافق يعكس تنوع المجتمع السوري دون الانزلاق نحو الفوضى؟ وما الدور المتوقع للمجتمع المدني في بناء مؤسسات الدولة؟ ما انعكاسات التغيير على علاقات سوريا الجديدة الإقليمية والدولية؟ هل ستبقى سوريا حليفة لحزب الله وإيران، أم ستفك ارتباطها بهما؟ وهل ستشهد البلاد استبدال النفوذ الروسي بتدخل غربي مباشر أو غير مباشر؟ وكيف يمكن لسوريا أن تعيد بناء علاقاتها مع الدول العربية لا سيما دول الجوار وأقصد (لبنان والأردن والعراق) بشكل يُسهم في دعم استقرارها؟ فمصير التحالفات العسكرية والاقتصادية سيشكل عاملًا حاسمًا في تحديد توجهات سوريا المستقبلية، إذ ستُظهر تلك التحالفات مدى قدرة سوريا على إعادة تشكيل موقعها الجيوسياسي ضمن خريطة القوى الإقليمية والدولية. سيكون على النظام الجديد اتخاذ قرارات استراتيجية حول طبيعة العلاقات مع القوى المؤثرة، سواء عبر الاستمرار في الشراكات القديمة أو الانفتاح على تحالفات جديدة تضمن تحقيق التوازن بين مصالح البلاد والسيادة الوطنية. اقتصادياً، ورغم أن إعادة بناء البنية التحتية تُعد تحديًا كبيرًا بحد ذاته، فإن المهمة الأعمق والأعقد تكمن في إعادة ترميم رأس المال البشري والاجتماعي لسوريا. هنا يُطرح السؤال: كيف يمكن لسوريا أن تتعافى اقتصاديًا؟ وهل ستأتي النهضة من خلال دعم عربي وغربي مشروط سياسيًا، أم سيتجه النظام الجديد نحو دول البريكس كما فعلت إيران؟ كيف سيتمكن من تحقيق التوازن بين الاعتماد على الدعم الخارجي والحفاظ على السيادة الوطنية؟ وما الخطط الاستراتيجية التي يجب اعتمادها لإعادة بناء البنية التحتية وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي؟ وما الدور الذي يمكن أن يضطلع به المغتربون السوريون في دعم هذه الجهود؟ ما الدور المنتظر للإعلام والتعليم؟ هل سيتبنى النظام الجديد سياسات إعلامية وتعليمية داعمة للتعددية والانفتاح؟ أم ستكون هناك نزعة أيديولوجية متشددة تُعيد إنتاج التجارب أو النماذج السلطوية؟ وكيف يمكن لقطاع التعليم أن يكون ركيزة لبناء الهوية الوطنية وتجاوز الانقسامات المجتمعية؟ وما الآليات التي ستعتمد لتعزيز ثقافة الحوار والمواطنة؟ ما مستقبل العدالة الانتقالية؟ كيف سيتم التعامل مع الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت خلال فترة الحرب؟ هل ستُعتمد آليات للمصالحة الوطنية، أم ستشهد البلاد موجة جديدة من الانتقام والتصفية؟ وما دور المؤسسات القانونية في ضمان العدالة وبناء الثقة بين مختلف مكونات المجتمع السوري؟ ما مدى استعداد المجتمع الدولي لدعم سوريا الجديدة؟ هل ستبقى القوى الكبرى متفرجة أم ستلعب دورًا فاعلًا في دعم الاستقرار؟ وكيف يمكن للنظام الجديد أن يوازن بين تحقيق مصالحه الوطنية والحفاظ على علاقات متوازنة مع هذه القوى؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد ملامح سوريا الجديدة. التحدي الأساسي يكمن في بناء نظام سياسي يوازن بين العدالة الاجتماعية، الديمقراطية، والسيادة الوطنية، مع القدرة على تجاوز الإرث الثقيل للنظام السابق والابتعاد عن التبعية أو الفوضى. إن اللحظة الراهنة تحمل فرصة لإعادة تشكيل مستقبل سوريا، لكنها في الوقت ذاته تُحمّل جميع المكونات السورية مسؤولية تاريخية . فهل هم فاعلون؟.

471

| 12 ديسمبر 2024

حين تُجمّل التكنولوجيا قُبح الحروب

تشهد الحروب في القرن الحادي والعشرين تحولات غير مسبوقة، مدفوعة بالتطور التكنولوجي، الذي أصبح ركيزة أساسية في ديناميكيات الصراع. لم تعد الحروب مواجهات تقليدية بين جيوش متنافسة، بل أصبحت ساحات متعددة الأبعاد تمتزج فيها القوة التدميرية مع التأثير الإعلامي، مما يطرح تساؤلات عميقة حول أخلاقيات هذه النزاعات وآثارها على البشرية. التقنيات الحديثة، مثل الصواريخ عالية الدقة والأسلحة السيبرانية، أحدثت ثورة في إدارة الحروب، حيث تمنح القوى العسكرية سيطرة غير مسبوقة على مسار العمليات، مع قدرة على تحقيق دمار هائل بدقة متناهية. ومع ذلك، تُظهر هذه التقنيات تناقضًا صارخًا، إذ تُستخدم أيضًا لطمس الحقائق. فعلى الرغم من حجم الخراب الذي تسببه، تسهم وسائل الإعلام في رسم صورة منقحة لهذه الحروب، تُظهرها كأحداث تخلو من المآسي. هذه الصورة المُزيفة تُغذي حالة من اللامبالاة لدى المجتمعات، خصوصًا في الأنظمة الديمقراطية التي تنشغل بقضاياها الداخلية، متجاهلة معاناة الآخرين. * البروفيسور جون كين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدني وكما أشار في محاضرته الافتتاحية للعام الأكاديمي 2024-2025 بمعهد الدوحة للدراسات العليا بعنوان “ميتا – حروب القرن الواحد والعشرين”، فإننا نعيش في عالم مختلف تمامًا عن الحروب التي شهدها القرن العشرون، وحتى عما يُسمى بـ”الحرب الباردة الثانية”. هذا الاختلاف يكشف أزمة أخلاقية عميقة في عصر الحروب الحديثة، حيث يُظهر التقدم التكنولوجي تأثيرًا مزدوجًا: من جهة، تُتيح هذه التقنيات أسلحة تُحدث دمارًا غير مسبوق بدقة عالية، ومن جهة أخرى، يُستخدم الإعلام لتصوير الحروب كأنها خالية من الدماء والفظائع الإنسانية، مما يضلل الرأي العام. تستغل الحكومات هذه التقنيات لتوجيه السرديات الإعلامية، فتُبرز قوتها العسكرية وتُخفي التكلفة الإنسانية لهذه الحروب، لتتحول إلى مشهد استعراضي يتلاعب بالعقول ويُدمر الوعي الجمعي. بذلك، تُجمّل الحرب في أذهان الشعوب المنشغلة بأولوياتها اليومية، بينما يظل الواقع الإنساني المدمر طي الكتمان. ومع ذلك، لا تظل الصورة قاتمة بالكامل، فقد برزت منصات إعلامية مستقلة وصحفيون رقميون يسعون لكشف الحقائق التي تُخفيها الحكومات. من خلال الصحافة الاستقصائية، يكشف هؤلاء الإعلاميون الفظائع الإنسانية، ويواجهون السرديات الرسمية، مما يساهم في إعادة تشكيل الوعي الجماعي تجاه النزاعات المسلحة. * السؤال الأهم هنا هو: هل يمكن للبشرية تجاوز الحرب كوسيلة لحل النزاعات؟ رغم أن الإجابة تبدو بعيدة في ظل الدمار المتواصل، خاصة في منطقتنا، وتحديدًا في غزة ولبنان، إلا أن البدائل السلمية قد تصبح ممكنة على المدى الطويل. إن الحروب الحديثة ليست مجرد اختبار للقوة أو التقدم التكنولوجي، بل هي اختبار لإنسانيتنا. في مواجهة هذه التحديات، تبقى الجهود الفردية والمؤسسية للكشف عن حقيقة النزاعات أملًا في التغيير. مناطق مثل غزة ولبنان تمثل اختبارًا حقيقيًا للعالم، حيث تتطلب الأزمات الإنسانية المتفاقمة تضافر الجهود لإيجاد حلول سلمية توقف آلة الحرب وتنقذ الأرواح. السؤال المطروح: هل العالم مستعد لتحمل هذه المسؤولية؟

222

| 08 ديسمبر 2024

الذكاء الاصطناعي وعلم الجينوم إذ يعيدان تشكيل المستقبل

يشهد العالم حقبة جديدة من الابتكار العلمي يقودها الذكاء الاصطناعي، حيث تتسارع الجهود لفهم وتعزيز البيولوجيا البشرية. إذ تمثل ثورة الذكاء الاصطناعي والهندسة الجينية اليوم منعطفاً غير مسبوق في التاريخ الإنساني، حيث تتداخل القدرات الرقمية مع علوم البيولوجيا لفك أسرار الحياة وإعادة تشكيلها. في هذا السياق، تبرز جهود شركة التكنولوجيا الحيوية “Shift Bioscience”، التي أعلنت مؤخراً عن جمع تمويل أولي بقيمة 16 مليون دولار لدعم أبحاثها الرائدة في مجال عكس الشيخوخة. تستخدم الشركة تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لمحاكاة الخلايا البشرية وتحديد الجينات القادرة على تجديدها، ما يفتح الباب أمام علاجات جديدة تستهدف إبطاء أو حتى عكس آثار الشيخوخة. لكن ما يبدو كقفزة علمية واعدة لا يمكن فصله عن تعقيدات أعمق تتعلق بفهمنا للوجود البشري وحدود التدخل العلمي فيه. علم الجينوم، الذي يُعد من أكثر العلوم تعقيداً، يعتمد على فك شيفرة الحمض النووي “DNA” بكل ما يحتويه من معلومات عن تاريخنا البيولوجي وحاضرنا ومستقبلنا. هذا العلم، الذي شُبّه بـ”أكسير الحياة”، يُمكن الإنسان من إصلاح الطفرات الجينية التي تؤثر على صحته، لكنه في الوقت ذاته يضعه أمام أسئلة أخلاقية شائكة حول حدود التعديل الجيني وتأثيره على طبيعة الإنسان ذاته. يتفوق الذكاء الاصطناعي اليوم في مواجهة التحديات المصاحبة لهذا التعقيد. فمن خلال أدوات مثل “CRISPR-Cas9”، بات بالإمكان إجراء تعديلات دقيقة على الجينات لتصحيح أخطاء وراثية مسؤولة عن العديد من الأمراض. تقنيات متقدمة مثل “DeepCRISPR” و”CRISPR-Net” تسهم في تحسين دقة هذه التعديلات وتسرّع وتيرة الاكتشافات العلمية. الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على تحديد الجينات المستهدفة فحسب، بل يمتد إلى تصميم الحمض النووي الريبي الموجه الذي يضمن تنفيذ التعديلات بدقة. هذه القدرات الاستثنائية تعيد تشكيل علاقتنا بأجسادنا، حيث يصبح من الممكن التنبؤ بالأمراض المستقبلية والعمل على تجنبها أو حتى تحسين الجينات قبل ولادة الأجيال القادمة. مع ذلك، فإن هذه الثورة العلمية لا تخلو من التحديات والمخاطر. في الوقت الذي يسعى فيه العلماء لتحقيق أحلام الخلود البيولوجي، تبرز قضية الخصوصية كأحد أكبر المخاوف. تحليل البيانات الجينية، الذي يُعرف أيضاً بالبصمة الوراثية، يمنح القدرة على كشف أسرار الإنسان البيولوجية، ما قد يُستخدم في تطوير أسلحة بيولوجية أو تهديد الخصوصية البشرية. في غياب أطر قانونية وأخلاقية صارمة، تصبح هذه التقنيات سلاحاً ذا حدين: إما أن تعزز رفاه الإنسان أو تُعرضه لخطر الاستغلال. إلى جانب المخاطر الأخلاقية، يواجه الإنسان تحديات جديدة تتعلق بالاعتماد المتزايد على التكنولوجيا. المثال البارز هنا هو تأثير الأجهزة الحديثة مثل أنظمة تحديد الموقع الجغرافي (GPS) على الدماغ البشري. أظهرت دراسات أن السائقين الذين يعتمدون على هذه الأجهزة يعانون من ضمور في المناطق الدماغية المسؤولة عن تحديد الاتجاهات، في حين يحافظ أولئك الذين يعتمدون على مهاراتهم الطبيعية على صحة هذه المناطق. هذا “الاستعمار التقني”، الذي يهدد بتقويض القدرات البشرية، يثير تساؤلات حول الثمن الذي ندفعه مقابل التقدم التكنولوجي. الثورة العلمية الجارية ليست مجرد إنجازات تقنية، بل امتحان لقيمنا الأخلاقية والإنسانية. التعديل الجيني وتقنيات عكس الشيخوخة قد يجعل الخلود البيولوجي حلماً قريباً، لكن السؤال الأكبر هو: كيف نوازن بين الطموح العلمي وحماية جوهر الإنسانية؟ بينما يسعى الذكاء الاصطناعي لفك أسرار «المكتبة البيولوجية» داخل أجسادنا، يبقى الإنسان أمام مسؤولية ضمان أن تكون هذه الابتكارات في خدمته، لا أن تسيطر عليه. هذا السؤال المركّب يكتسب أهمية خاصة في ظل تسارع التقدم العلمي الذي قد يغري البعض بتجاوز حدود الأخلاق لصالح الربح أو القوة. من الضروري وضع أطر تنظيمية تحكم استخدام البيانات الجينية وتحميها من الانتهاكات. لكن هذه الأطر وحدها ليست كافية؛ فالمجتمعات بحاجة إلى وعي جماعي بأهمية الموازنة بين التقدم التكنولوجي واحترام القيم الإنسانية. بينما يفتح الذكاء الاصطناعي والهندسة الجينية أبواباً غير مسبوقة نحو تحسين جودة الحياة وإطالتها، يظل التحدي الأكبر هو ضمان أن تكون هذه الابتكارات انعكاساً لطموحنا المشترك نحو مستقبل أكثر إنسانية وأماناً. التكنولوجيا، بكل إمكانياتها، ليست سوى أداة، والعبرة دائماً في كيفية استخدامها لتكون في خدمة الإنسان، لا العكس.

747

| 24 نوفمبر 2024

كيف يقوم "البنتاغون" و"وادي السيليكون" بتشكيل مستقبل الحروب؟

في وقت يتزايد فيه الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية كقوة محركة للحروب والصراعات المسلحة، يتناول كتاب "الوحدة إكس: كيف يقوم البنتاغون ووادي السيليكون بتشكيل مستقبل الحروب؟ "Unit X: How the Pentagon and Silicon Valley Are Transforming the Future of War لكاتبيه راج م. شاه وكريستوفر كيرتشوف، موضوعاً في غاية الحساسية حول دور الشراكات المتزايدة بين وزارة الدفاع الأمريكية والشركات التكنولوجية في "وادي السيليكون". يسلط الكتاب الضوء على كيف يعيد هذا التعاون رسم ملامح الحروب من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، والهجمات السيبرانية، مما يجعل الصراع في المستقبل مختلفًا جوهريًا عن الماضي. يطرح الكتاب الذي يقع في 336 صفحة من القطع المتوسط، رؤية جديدة حول كيفية تغير مشهد الحروب نتيجة التعاون بين وزارة الدفاع الأمريكية وقطاع التكنولوجيا في وادي السيليكون، ويُظهر الأثر المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة على مستقبل النزاعات العالمية. فمع تزايد التحديات التي تواجه الجيوش الحديثة في اعتماد التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، يستعرض الكتاب أبرز التطورات الجارية في مجال الحرب التكنولوجية وأثر هذه التقنيات على النزاعات المستقبلية. ويركز الكتاب بشكل خاص على التعاون المتزايد بين الجيش الأمريكي وقطاع التكنولوجيا، وتحديدًا من خلال وحدات مثل DIUx، التي تهدف إلى تجاوز العوائق البيروقراطية لتسريع تبني الابتكارات الحديثة. وعلى الرغم من المزايا الكبيرة لهذه الشراكات، لا تزال هناك تساؤلات أخلاقية جادة، خصوصًا في ظل تردد بعض الشركات التكنولوجية في المشاركة بمشاريع ذات طبيعة عسكرية. العلاقة بين البنتاغون ووادي السيليكون إن الجدار الفاصل بين البنتاغون ووادي السيليكون لم يكن دائماً مرتفعاً إلى هذا الحد، فكما هو معروف كان الوادي في وقت ما لا ينفصل عما تسمى بدولة الأمن القومي. وكان قسم الصواريخ والفضاء في شركة "لوكهيد مارتن" أكبر جهة توظيف في وادي السيليكون حتى ثمانينيات القرن العشرين. وخلال تلك الحقبة، كانت شركات التكنولوجيا مثل "فيرتشايلد سيميكونداكتور" تعتمد بشكل كبير على العقود العسكرية، حيث كانت تزود الحكومة بكميات هائلة من رقائق السيليكون لأنظمة التوجيه لصواريخ أبولو وصواريخ مينوتمان الباليستية العابرة للقارات. تغيرت هذه العلاقة التكافلية مع نهاية الحرب الباردة. فعلى مدى عقود من الزمان، كان الإبداع التكنولوجي والصناعي الأمريكي مدفوعا إلى حد كبير بالإنفاق الفيدرالي؛ وفي تسعينيات القرن العشرين، أصبح هذا الإبداع تجاريا ومعولماً على نحو متزايد. وبحلول عام 2019 كانت لكل من أمازون وآبل وجوجل ومايكروسوفت قيمة سوقية أكبر من قيمة صناعة الدفاع الأمريكية بأكملها. وكما يؤكد شاه وكيرشوف في هذا الكتاب، فقد ظل البنتاغون معتمداً على حفنة من شركات المقاولات الدفاعية العملاقة المعروفة باسم "الشركات الرئيسية" ــ شركات مثل رايثيون، ولوكهيد مارتن، ونورثروب جرومان ــ التي كانت تمتلك أنظمة التدقيق والمحاسبة وممارسة الضغوط المعقدة اللازمة للتنقل في عملية الاستحواذ المتشعبة فيه. يناقش الكتاب مسألة الابتكار التكنولوجي كعامل رئيسي في تعزيز تفوق الجيوش في ساحات القتال، موضحاً أن الدول التي تستثمر في تطوير أنظمة متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، والهجمات السيبرانية ستكون أكثر قدرة على التفوق في المعارك المستقبلية. السباق نحو هذه التقنيات لا يقتصر فقط على المجال العسكري، بل يمتد ليشمل القطاعات الاقتصادية، مما يعزز مكانة الدول المستثمرة في هذه المجالات الاستراتيجية. ويتناول أهمية السيطرة على الفضاء السيبراني كعامل حاسم في النزاعات العسكرية الحديثة، مع تزايد دور الهجمات السيبرانية التي تستهدف البنى التحتية الحيوية كشبكات الكهرباء والاتصالات. ويشير أيضاً إلى أن السباق المحموم بين القوى العظمى، مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، لتطوير تقنيات متقدمة يعكس صراعًا مستمرًا من أجل الهيمنة العالمية من خلال التفوق العسكري التكنولوجي. التعاون بين القطاعين المدني والعسكري يؤكد الكتاب على الدور الحيوي الذي يلعبه التعاون بين الجيش الأمريكي وقطاع التكنولوجيا في تسريع وتيرة الابتكار العسكري. وحدات مثل DIUx تمثل جزءًا مهمًا من هذا التعاون، حيث تسهم في تسهيل تبني التقنيات الحديثة، إلا أن بعض الشركات التكنولوجية تعبر عن ترددها في المشاركة في مشاريع ذات صبغة عسكرية لأسباب أخلاقية، مما قد يبطئ من هذا التعاون. في عام 2023، فازت الشركات المدعومة من البنتاغون برأس مال استثماري بأقل من 1 % من جميع عقود البنتاغون؛ وتستمر مجموعة صغيرة من المقاولين الرئيسيين في تلقي أموال أكثر بكثير من النظام البيئي الدفاعي المستوحى من وادي السيليكون. لقد أثبتت شركة جنرال إلكتريك، التي كانت ميزانيتها السنوية أقل من طائرة إف-35 واحدة طوال معظم فترة وجودها، أن التكنولوجيا التجارية قابلة للتطبيق في المهام العسكرية. كما أثبتت أن وزارة الدفاع يمكن أن تكون عميلاً واقعيًا للشركات الناشئة. وساعدت في سد الفجوة الثقافية بين وادي السيليكون والجيش. في السنوات الأربع الماضية، تم ضخ ما لا يقل عن 125 مليار دولار من رأس المال الاستثماري في الشركات الناشئة التي تبني تكنولوجيا الدفاع، ارتفاعًا من 43 مليار دولار في السنوات الأربع السابقة. ويعمل العشرات من مسؤولي الأمن القومي السابقين الآن في رأس المال الاستثماري المرتبط بالدفاع أو الأسهم الخاصة كمديرين تنفيذيين أو مستشارين. وبدأت مجموعة متنامية من شركات وادي السيليكون تتحدث بلغة الأمن القومي الأمريكي. بالمحصلة، يقدم الكتاب نظرة عميقة حول كيفية تحول ساحة المعركة المستقبلية بفعل التطورات التكنولوجية المتقدمة، دون أن يغفل التحديات الأخلاقية والسياسية المترتبة على هذه التحولات، خاصة ما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي والأسلحة ذاتية التحكم في اتخاذ قرارات مصيرية. ومع احتمال استهداف المدنيين من قبل هذه الأنظمة، يصبح التوازن بين تحقيق التفوق العسكري واحترام القيم الإنسانية أمراً حتمياً. • متخصص في السياسة السيبرانية

729

| 14 نوفمبر 2024

الحروب من أجل الموارد.. هل يقودنا الاحتباس الحراري إلى صراعات إيكولوجية؟

في العقد الأخير، أصبحت آثار الاحتباس الحراري ملموسة بشكل متزايد، فلم تعد هذه الظاهرة محصورة في المختبرات أو مراكز الأبحاث، بل باتت جزءاً من الحياة اليومية للبشرية. كل عام، تواجه الدول حول العالم سلسلة من الكوارث الطبيعية؛ من فيضانات مدمرة، وأعاصير غير مسبوقة، إلى حرائق غابات هائلة، وجفاف يعصف بمساحات واسعة، وهو ما يؤدي إلى شح المياه وتدهور الزراعة. هذه الكوارث المستمرة تهدد الأمن الغذائي وتزيد من معدلات الفقر والجوع، ما يؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية هائلة، ويشرد الآلاف من البشر من قارة آسيا وأفريقيا إلى أوروبا وأمريكا الشمالية. وتسبب ذوبان الجليد القطبي وارتفاع مستوى سطح البحر في تهديد مدن ساحلية بالغرق التام، ما ينذر بموجات هجرة جماعية غير مسبوقة. الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، ووفقاً لتقريرها الأخير فقد ارتفعت درجات حرارة الأرض بمعدل 1.1 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، وقد يصل هذا الارتفاع إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030 إذا استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة على وتيرتها الحالية. كما أن ذوبان الجليد القطبي يسهم في ارتفاع مستويات سطح البحر بمعدل 3.7 ملم سنويًا، ما يعرض المدن الساحلية ومناطق الدلتا للفيضانات وغمر الأراضي. وفي سياق التحذيرات المتزايدة من تداعيات الاحتباس الحراري، حذّر تقرير للأمم المتحدة من احتمال ارتفاع حرارة الأرض بمقدار 3.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول عام 2100، إذا ظلت السياسات المناخية على حالها دون تغيير. ويشير “تقرير فجوة الانبعاثات” الصادر سنوياً عن الأمم المتحدة إلى أن انبعاثات الغازات المُسببة للاحتباس الحراري ارتفعت بنسبة 1.3 % بين عامي 2022 و2023، لتسجل مستوى قياسياً جديداً بلغ 57.1 جيجا طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون، ما يؤكد على ضرورة تكثيف الجهود الدولية لخفض الانبعاثات وتجنب الوصول إلى مستويات الاحترار الكارثية. * رغم كل التحذيرات الدولية والدعوات إلى التحرك، فإن الاستجابة العالمية لمواجهة الاحتباس الحراري تظل غير كافية. وتخضع المسألة في كثير من الأحيان لمقاربات سياسية تهدف إلى حماية مصالح الدول الصناعية الكبرى. على سبيل المثال، شهد العالم انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ خلال حكم الرئيس دونالد ترامب، ما أضعف الجهود العالمية للتصدي لانبعاثات الكربون. هذا الانسحاب طرح تساؤلات حول إمكانيات تحقيق أهداف الاتفاقيات المناخية عبر تقنيات أكثر فعالية واستراتيجيات سياسية متجددة، وإمكانية تشكيل إدارة عالمية فعالة تقود الجهود المناخية. ويواجه المجتمع الدولي تحديات جمة في بناء الثقة حول التعاون المناخي، إذ تستمر الشكوك في فعالية التعاون الدولي لإيجاد حلول ذات قيمة للإشكاليات المناخية. يُعتبر تغير المناخ أحد أهم القضايا العالمية، إذ يتطلب جهوداً جماعية لا يمكن إنجازها من طرف واحد، لما له من تداعيات مباشرة تمس مستقبل البشرية. * الأرقام المخيفة بهذا الموضوع تشير إلى أن العالم لا يملك رفاهية الوقت للتقاعس أو تأخير الحلول، فالآثار المتسارعة للاحتباس الحراري تضعنا على حافة “حروب إيكولوجية” قد تكون غير مسبوقة. هذه الحروب قد لا تكون بين جيوش تقليدية، بل بين الإنسان وقوى الطبيعة المتطرفة التي ستأخذ بزمام الأمور إذا ما تواصلت التغيرات المناخية بلا حلول فعّالة. فالفيضانات قد تغمر مدناً بأكملها، والجفاف سيزيد من حدة الصراعات على الموارد النادرة كالماء والغذاء، والحرائق ستأتي على ما تبقى من المساحات الخضراء. هذه “الحروب الإيكولوجية” لا تثير القلق فقط بسبب دمارها البيئي، بل لأنها تهدد بتفكيك المجتمعات والدول، حيث من المحتمل أن تتسبب في موجات نزوح قسري كبيرة ونزاعات على الموارد الطبيعية. قد تضطر الشعوب إلى الهجرة بحثاً عن مناطق صالحة للعيش، وقد تقود ندرة المياه والغذاء إلى صراعات مسلحة، ليست طمعاً في الأراضي أو الثروات، بل في مجرد ضمان البقاء.

390

| 08 نوفمبر 2024

الخطوط القطرية «إذْ تربط العالم بلمسة من السماء»!

في تطور استثنائي، أطلقت الخطوط الجوية القطرية أول طائرة في العالم من طراز بوينغ 777 مجهزة بخدمة الإنترنت الفضائي Starlink، من شركة SpaceX، خلال رحلتها من الدوحة إلى لندن في 22 أكتوبر 2024. وهذا الإطلاق يمثل أكثر من توفير اتصال عالي السرعة للمسافرين؛ فهو خطوة استراتيجية تعزز موقع قطر الريادي عالمياً في تبني التكنولوجيا المتقدمة، وتجعل السفر تجربة متكاملة وغنية بالراحة والإنتاجية. إن إقدام دولة قطر على دعم التقدم التكنولوجي لا يتوقف عند قطاع معين؛ فقد أصبحت من بين أفضل عشر دول في العالم في اعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وفقًا لتقرير التنافسية العالمية. هذه الرؤية الطموحة تنعكس في جهود الدولة لتوفير بنية تحتية متقدمة تدعم القطاعات الحيوية من ذكاء اصطناعي، وروبوتات، وأمن سيبراني، وتقنيات الواقع الافتراضي وإنترنت الأشياء، وتهدف إلى تعزيز تجربة الأفراد والشركات على حد سواء. تحتل الخطوط الجوية القطرية صدارة المنافسين إقليمياً وعالمياً في قائمة أفضل شركات الطيران في العالم، ويعود هذا التميز إلى سخاء دولة قطر في الإنفاق والاستثمار في تقنية المعلومات والتكنولوجيا والاتصالات. فبفضل معدل نمو سنوي مركب يقارب 9.2٪، تواصل الدولة دعم الناقلة الوطنية لتبني أحدث الابتكارات، مما جعلها قوة إقليمية ودولية متفوقة في مجال التكنولوجيا، ومعززة موقعها الريادي في قطاع الطيران العالمي. وبفضل ذلك، أصبحت الخطوط الجوية القطرية أول ناقلة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا توفر خدمة الإنترنت الفضائي عالي السرعة عبر Starlink، الذي يعتمد على الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض. هذا يتيح للمسافرين اتصالاً مستقراً بزمن استجابة منخفض، ويمنحهم القدرة على البقاء على تواصل مع العالم، سواء عبر تصفح الإنترنت، أو بث الفيديو، أو حتى التفاعل مع ألعاب الفيديو، مما يجعل السفر تجربة غنية وعملية على ارتفاع 35,000 قدم. يمثل هذا التطور في الإنترنت الفضائي تحولاً نوعياً يعزز كفاءة المسافرين أثناء السفر، سواء للعمل أو الترفيه أو البقاء على اتصال. هذا المشهد يواكب الاتجاهات الرقمية الجديدة ويعكس الطموح القطري بأن تصبح تجربة الطيران جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية الحديثة، لتكون قطر في طليعة الدول التي تستثمر بالابتكار الرقمي لخدمة مواطنيها وضيوفها من مختلف أنحاء العالم. باختصار، تعكس الخطوط الجوية القطرية إرادة الدولة في التحليق نحو الصدارة؛ إرادة تضع الإنسان والتكنولوجيا في مركز التقدم، وتخلق تجربة سفر تعبّر بامتياز عن رؤية قطر نحو مستقبل متصل ومستدام. ولا يمكن قراءة تجربة الإنترنت الفضائي هذه بمعزل عن الفصول الجديدة التي كتبتها وما زالت تكتبها القطرية في ربط القارات من قلب السماء.

726

| 27 أكتوبر 2024

أبعد من الرمزية في مشهد «عصا السنوار»

مشهد يحيى السنوار الذي يقف فيه بعصاه في مواجهة المسيّرة الإسرائيلية المتطورة يمثل مشهداً مليئاً بالرمزية والتحدي، ويتجاوز مجرد لحظة شخصية ليلامس معاني أعمق في الصراع بين المقاومة وإسرائيل. إنّ الرمزية الأساسية في هذا المشهد تكمن في أن التحدي ليس دائماً متعلقاً بالقوة العسكرية وحدها، بل بالإرادة والتصميم على المواجهة، حتى في ظل فجوة تقنية كبيرة. ومع ذلك، فإن هذا المشهد يفتح أيضاً باباً للنقاش حول حدود الرمزية في الحروب الحديثة، وما إذا كانت تكفي لتحقيق النصر في عالم يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا والقدرات العسكرية الفائقة. العصا في وجه المسيّرة تعبر عن ثنائية الصمود أمام القوة الغاشمة، لكنها تذكرنا بضرورة التفكير العقلاني في طرق المقاومة ومدى تأثير الرمزية وحدها في مواجهة التكنولوجيا المتقدمة. ففي سياق الصراعات المعاصرة، تبرز الحاجة إلى التفكير العميق لكل فعل عسكري، خصوصاً عندما تتباين القدرات التكنولوجية بين الأطراف المتحاربة بشكل ملحوظ. مثل هذه الفوارق التكنولوجية ليست مجرد مسألة تقنية، بل هي عوامل تحدد مسار الحروب والصراعات ونتائجها بشكل حاسم. المشهد الأخير ليحيى السنوار، الذي رمى بعصاه في وجه الطائرة المسيّرة الإسرائيلية، وفي محاولة لإسقاطها، ليفتح باباً واسعاً للتأمل في مفاهيم المقاومة، التقنية التكنولوجية، الإرادة، الشموخ والبأس…وأيضاً لاتخاذ القرارات في ظل هذه الفجوة الكبيرة عسكرياً بين قدرات المقاومة وإسرائيل. على الرغم من الشجاعة التي يمكن أن نستشفها من هذا المشهد السريالي الذي لم يكن أحد يتوقعه إلا أن التحليل يفرض علينا التوقف أمام الدروس التي يتيحها لنا هذا النوع من التحدي، مهما كان محملاً بالصور الملحمية لأنه يسلط الضوء على الحاجة الماسة لتقييم واقعي لموازين القوى. فالتكنولوجيا العسكرية المتقدمة ليست مجرد أداة، بل هي عامل إستراتيجي يحدد نتائج الصراعات ومآلاتها بشكل كبير، كما أن التصدي بطرف أقل تجهيزاً تقنياً لطرف يملك ترسانة من التقنيات الحديثة يتطلب دراسة دقيقة للأثر الواقعي الذي ستخلفه هذه المواجهة في النهاية.. ففي الفوارق التكنولوجية الكبيرة بين حركات المقاومة والجيوش النظامية، يصبح اتخاذ القرارات العسكرية بعقلانية ضرورة حتمية وليس خياراً. هذا لا يعني التراجع أو الاستسلام أمام التفوق التقني للعدو، بل يعني الاستفادة من دروس التاريخ، واستثمار الموارد والقدرات المتاحة بأفضل طريقة ممكنة. فليس كل سلاح تقليدي هو عديم الجدوى، ولكن يجب أن يتم استخدامه في إطار استراتيجية متكاملة تأخذ في الاعتبار قدرات العدو وتعقيدات المسرح الدولي ونتائجه وانعكاساته على الآخرين. تتطلب القدرة على الاستفادة من التقنية المتاحة، سواء كانت بسيطة أو متقدمة، تفكيراً إبداعياً وحسابات دقيقة. في هذا السياق، يكون السؤال: ما الذي يمكن تحقيقه بهذه القدرات؟ وهل يمكن تعويض النقص التقني بوسائل أخرى، مثل التحالفات الدولية، أو تكتيكات الحرب غير التقليدية؟ إن الحروب ليست فقط مواجهة بين جيوش أو مجموعات مقاومة مسلحة، بل هي صراع يعكس توازنات دولية وتحالفات سياسية تؤثر بشكل مباشر في مجرياتها. إذ يلعب الدعم الدولي، سواء كان مادياً أو سياسياً أو تقنياً، دوراً حاسماً في تحديد مسار الحروب. وفي حالة المقاومة الفلسطينية وحزب الله، نرى كيف أن الفجوة التكنولوجية مع إسرائيل تتطلب دعماً دولياً يوازي هذا التفوق التقني، سواء كان في مجال الدفاع الجوي أو في توفير أدوات لتعزيز الصمود المجتمعي. إن الفجوة التقنية لا تعني بالضرورة الهزيمة، ولكنها تتطلب التكيف مع الواقع الجديد. الحرب ليست فقط ساحة للتفوق العسكري، بل هي أيضاً ميدان للإبداع الاستراتيجي، وهذا ما أثبتته العديد من الحروب غير التقليدية التي خاضتها جماعات أقل تجهيزاً. التكنولوجيا تمنح ميزة، ولكن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على استثمار القدرات المتاحة بشكل مبتكر وفعال. وبالعودة لعصا السنوار، ورغم أنها قد تبدو متواضعة أمام المسيّرات الإسرائيلية المتطورة، تحمل درساً مهماً: ليست كل مواجهة يجب أن تتم بنفس الأدوات، ولكن يجب أن تُحسب بدقة والتمسك بالعقلانية والحسابات الاستراتيجية يعني دراسة التأثيرات بعناية من كل الجهات، واتخاذ القرارات التي تراعي القدرات الذاتية والدولية على حد سواء. ومهما يكن من أمر فإن الرمزية في مشهد «عصا السنوار» - والتي في رأيي هي القصة الوحيدة التي تستحق السرد حالياً - ستبقى محفورة في ذاكرة الأجيال، لكنها أيضاً يجب أن تكون درساً مستفاداً بضرورة التحليل الواقعي للمعارك والحروب العسكرية بين دولة مدججة بأحدث الأسلحة والتكنولوجيات العسكرية وفاعل غير دولي «حركة مقاومة». فالفوارق التكنولوجية، مهما كانت عظيمة -بعيداً عن مفهوم النصر والهزيمة- لا تعني نهاية الصراع، ولكنها تتطلب عقلنة الأفعال وتحليل تأثيرات الحرب بشكل عميق ومدروس. وفي نهاية المطاف، المشهد يعطينا فرصة للتفكير في كيفية التعامل مع صراع غير متوازن. العصا التي وقفت في وجه المسيّرة (التي تعبر عن أحد ما توصلت إليه الصناعات العسكرية) قد لا تغير موازين القوى بشكل مباشر، لكنها تذكرنا بأن الرمزية والشجاعة لهما دور، بشرط أن يتم دعمهما بتخطيط عقلاني ومدروس ورؤية واقعية.. نعم واقعية للصراع.

3135

| 21 أكتوبر 2024

«بصمة الصوت» من أداة للتحقق إلى وسيلة للتعقب والاغتيال

في ظل التسارع التكنولوجي الذي يشهده العالم، تبرز تقنية بصمة الصوت كإحدى أهم التطورات في مجال التعرف على الهوية، وتقدم استخدامات متعددة في مجالات الأمن، المال، والعسكرة. تقوم هذه التقنية على استخراج السمات الصوتية الفريدة لكل فرد، مثل الترددات، النبرة، السرعة، والإيقاع، لتحويلها إلى “بصمات صوتية” رقمية تُستخدم كمرجع بيومتري للتحقق من الهوية، تمامًا كما هو الحال مع بصمات الأصابع أو الحمض النووي. تتميز هذه التقنية بأنها أقل تدخلاً من الأساليب التقليدية مثل التعرف على بصمات الأصابع أو الوجه، وتُعتبر أكثر ملاءمة، حيث يمكن أن تعمل عن بُعد باستخدام ميكروفونات عادية، مما يتيح سهولة الوصول والاستخدام عبر العديد من التطبيقات. تقوم تقنية البصمة الصوتية على أساس أن كل شخص يتحدث بشكل غير واعٍ عن هذه السمات الصوتية الدقيقة، والتي تختلف في قياساتها بين الأفراد. هذه الفروق تظل قائمة حتى بين التوائم المتطابقين، مما يجعل من الصعب تطابق بصمات الصوت حتى في حالات التشابه الجسدي الكبير. وعليه؛ فإن البصمة الصوتية هي إحدى أنواع البصمات البيولوجية للإنسان أو القياسات البيومترية «Biometrics»، وهي البصمات التي تقاس من خلال الأعضاء البيولوجية المختلفة في جسم الإنسان. لم تعد بصمة الصوت مقتصرة على المصارف والمطارات أو الهواتف الذكية، بل أصبحت أداة فعالة في العمليات العسكرية والاستخباراتية والتصفية الجسدية «عمليات الاغتيال»؛ إذ استخدمت هذه التقنية لتعقب واغتيال قادة حركات المقاومة في كل من غزة ولبنان، مما يدل على التحول الكبير في استخدام هذه التكنولوجيا. تعتمد هذه العمليات على تحليل الصوت وتخزينه في قواعد بيانات ضخمة، ليتم التعرف عليه في المستقبل من خلال مقارنة أي تسجيل جديد بتلك المخزنة. هذا يسمح بتنفيذ عمليات دقيقة وسريعة باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد مكان الأهداف وتنفيذ المهام المطلوبة. القدرات التكنولوجية العالية التي تمتلكها بعض الجيوش، مثل الجيش الإسرائيلي، تتيح لها بناء مكتبات صوتية ضخمة للأفراد المستهدفين. ومع كل مكالمة أو محادثة يتم تحليلها، يتم إضافة معلومات جديدة إلى هذه المكتبات، مما يزيد من دقة وفعالية عمليات التعقب. التقارير بهذا الخصوص تشير إلى استخدام هذه التكنولوجيا لتعقب قادة حركات المقاومة، سواء عبر مكالماتهم الهاتفية أو من خلال تتبع أصواتهم عبر أنظمة التنصت المتقدمة، وذلك لتحديد مواقعهم بدقة وتنفيذ عمليات تصفية باستخدام الطائرات المسيّرة أو القوات البرية. ورغم المزايا الأمنية الكبيرة التي توفرها تقنية بصمة الصوت، إلا أن هذه التكنولوجيا تثير تساؤلات أخلاقية حول استخداماتها. تعتمد العديد من الحكومات والجيوش على هذه التقنية في العمليات العسكرية والاستخباراتية، ولكن ما زالت هناك حاجة ماسة لوضع أطر قانونية واضحة تحكم استخدام هذه التكنولوجيا وتضمن حماية الخصوصية وحقوق الإنسان. استخدام بصمة الصوت في تعقب الأفراد يفتح الباب أمام انتهاكات محتملة للخصوصية، مما يجعل من الضروري تنظيم استخدامها وضمان عدم إساءة استغلالها. من الناحية التجارية، تُعد بصمة الصوت أكثر أمانًا مقارنةً بالطرق التقليدية للتحقق من الهوية مثل كلمات المرور، التي أصبحت عرضة لهجمات سيبرانية مثل هجمات “Brute Force” و”Phishing”. هذه الهجمات تهدف إلى اختراق كلمات المرور واستخدامها بشكل غير مشروع، بينما تظل بصمة الصوت بيانات بيومترية فريدة لكل شخص، يصعب تقليدها أو تزويرها. ولهذا السبب، تم اعتمادها على نطاق واسع في التطبيقات المالية والخدمات اللوجستية والطيران، حيث تُستخدم كوسيلة مضمونة لتوثيق هوية المستخدمين. يبقى السؤال الأخلاقي هنا مطروحًا حول كيفية تحقيق التوازن بين فوائد هذه التكنولوجيا وضمان عدم انتهاك حقوق الأفراد. توسع استخدام بصمة الصوت في العمليات العسكرية والاستخباراتية يثير مخاوف بشأن الخصوصية، حيث يمكن أن تؤدي هذه التقنية إلى مراقبة مكثفة وانتهاك للحريات الشخصية. ولذلك، يتعين على المجتمع الدولي العمل على وضع ضوابط وقوانين صارمة تحكم استخدام هذه التقنية، وتضمن أن تبقى في إطار الاستخدام المشروع.

2163

| 08 أكتوبر 2024

alsharq
حدود العنكبوت

حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...

3657

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر.. وبعض الحلول 2-2

اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...

2187

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
العالم في قطر

8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...

2082

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
حين يصبح النجاح ديكوراً لملتقيات فوضوية

من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...

1290

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
الكفالات البنكية... حماية ضرورية أم عبء؟

تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...

936

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
نظرة على عقد إعادة الشراء

أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...

936

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
خطاب سمو الأمير خريطة طريق للنهوض بالتنمية العالمية

مضامين ومواقف تشخص مكامن الخلل.. شكّل خطاب حضرة...

894

| 05 نوفمبر 2025

alsharq
نحو تفويض واضح للقوة الدولية في غزة

تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...

876

| 03 نوفمبر 2025

alsharq
مِن أدوات الصهيونية في هدم الأسرة

ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...

861

| 02 نوفمبر 2025

alsharq
عمدة نيويورك

ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة...

741

| 06 نوفمبر 2025

alsharq
الانتخابات العراقية ومعركة الشرعية القادمة

تتهيأ الساحة العراقية لانتخابات تشريعية جديدة يوم 11/11/2025،...

696

| 04 نوفمبر 2025

alsharq
التعلم بالقيم قبل الكتب: التجربة اليابانية نموذجًا

لفت انتباهي مؤخرًا فيديو عن طريقة التعليم في...

678

| 05 نوفمبر 2025

أخبار محلية