رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. خالد وليد محمود

• متخصص بالسياسة السيبرانية

مساحة إعلانية

مقالات

753

د. خالد وليد محمود

الذكاء الاصطناعي وعلم الجينوم إذ يعيدان تشكيل المستقبل

24 نوفمبر 2024 , 02:00ص

يشهد العالم حقبة جديدة من الابتكار العلمي يقودها الذكاء الاصطناعي، حيث تتسارع الجهود لفهم وتعزيز البيولوجيا البشرية.

إذ تمثل ثورة الذكاء الاصطناعي والهندسة الجينية اليوم منعطفاً غير مسبوق في التاريخ الإنساني، حيث تتداخل القدرات الرقمية مع علوم البيولوجيا لفك أسرار الحياة وإعادة تشكيلها. في هذا السياق، تبرز جهود شركة التكنولوجيا الحيوية “Shift Bioscience”، التي أعلنت مؤخراً عن جمع تمويل أولي بقيمة 16 مليون دولار لدعم أبحاثها الرائدة في مجال عكس الشيخوخة. تستخدم الشركة تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لمحاكاة الخلايا البشرية وتحديد الجينات القادرة على تجديدها، ما يفتح الباب أمام علاجات جديدة تستهدف إبطاء أو حتى عكس آثار الشيخوخة.

لكن ما يبدو كقفزة علمية واعدة لا يمكن فصله عن تعقيدات أعمق تتعلق بفهمنا للوجود البشري وحدود التدخل العلمي فيه. علم الجينوم، الذي يُعد من أكثر العلوم تعقيداً، يعتمد على فك شيفرة الحمض النووي “DNA” بكل ما يحتويه من معلومات عن تاريخنا البيولوجي وحاضرنا ومستقبلنا. هذا العلم، الذي شُبّه بـ”أكسير الحياة”، يُمكن الإنسان من إصلاح الطفرات الجينية التي تؤثر على صحته، لكنه في الوقت ذاته يضعه أمام أسئلة أخلاقية شائكة حول حدود التعديل الجيني وتأثيره على طبيعة الإنسان ذاته.

يتفوق الذكاء الاصطناعي اليوم في مواجهة التحديات المصاحبة لهذا التعقيد. فمن خلال أدوات مثل “CRISPR-Cas9”، بات بالإمكان إجراء تعديلات دقيقة على الجينات لتصحيح أخطاء وراثية مسؤولة عن العديد من الأمراض. تقنيات متقدمة مثل “DeepCRISPR” و”CRISPR-Net” تسهم في تحسين دقة هذه التعديلات وتسرّع وتيرة الاكتشافات العلمية. الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على تحديد الجينات المستهدفة فحسب، بل يمتد إلى تصميم الحمض النووي الريبي الموجه الذي يضمن تنفيذ التعديلات بدقة. هذه القدرات الاستثنائية تعيد تشكيل علاقتنا بأجسادنا، حيث يصبح من الممكن التنبؤ بالأمراض المستقبلية والعمل على تجنبها أو حتى تحسين الجينات قبل ولادة الأجيال القادمة.

مع ذلك، فإن هذه الثورة العلمية لا تخلو من التحديات والمخاطر. في الوقت الذي يسعى فيه العلماء لتحقيق أحلام الخلود البيولوجي، تبرز قضية الخصوصية كأحد أكبر المخاوف. تحليل البيانات الجينية، الذي يُعرف أيضاً بالبصمة الوراثية، يمنح القدرة على كشف أسرار الإنسان البيولوجية، ما قد يُستخدم في تطوير أسلحة بيولوجية أو تهديد الخصوصية البشرية. في غياب أطر قانونية وأخلاقية صارمة، تصبح هذه التقنيات سلاحاً ذا حدين: إما أن تعزز رفاه الإنسان أو تُعرضه لخطر الاستغلال.

إلى جانب المخاطر الأخلاقية، يواجه الإنسان تحديات جديدة تتعلق بالاعتماد المتزايد على التكنولوجيا. المثال البارز هنا هو تأثير الأجهزة الحديثة مثل أنظمة تحديد الموقع الجغرافي (GPS) على الدماغ البشري. أظهرت دراسات أن السائقين الذين يعتمدون على هذه الأجهزة يعانون من ضمور في المناطق الدماغية المسؤولة عن تحديد الاتجاهات، في حين يحافظ أولئك الذين يعتمدون على مهاراتهم الطبيعية على صحة هذه المناطق. هذا “الاستعمار التقني”، الذي يهدد بتقويض القدرات البشرية، يثير تساؤلات حول الثمن الذي ندفعه مقابل التقدم التكنولوجي.

الثورة العلمية الجارية ليست مجرد إنجازات تقنية، بل امتحان لقيمنا الأخلاقية والإنسانية. التعديل الجيني وتقنيات عكس الشيخوخة قد يجعل الخلود البيولوجي حلماً قريباً، لكن السؤال الأكبر هو: كيف نوازن بين الطموح العلمي وحماية جوهر الإنسانية؟ بينما يسعى الذكاء الاصطناعي لفك أسرار «المكتبة البيولوجية» داخل أجسادنا، يبقى الإنسان أمام مسؤولية ضمان أن تكون هذه الابتكارات في خدمته، لا أن تسيطر عليه.

هذا السؤال المركّب يكتسب أهمية خاصة في ظل تسارع التقدم العلمي الذي قد يغري البعض بتجاوز حدود الأخلاق لصالح الربح أو القوة. من الضروري وضع أطر تنظيمية تحكم استخدام البيانات الجينية وتحميها من الانتهاكات. لكن هذه الأطر وحدها ليست كافية؛ فالمجتمعات بحاجة إلى وعي جماعي بأهمية الموازنة بين التقدم التكنولوجي واحترام القيم الإنسانية.

بينما يفتح الذكاء الاصطناعي والهندسة الجينية أبواباً غير مسبوقة نحو تحسين جودة الحياة وإطالتها، يظل التحدي الأكبر هو ضمان أن تكون هذه الابتكارات انعكاساً لطموحنا المشترك نحو مستقبل أكثر إنسانية وأماناً. التكنولوجيا، بكل إمكانياتها، ليست سوى أداة، والعبرة دائماً في كيفية استخدامها لتكون في خدمة الإنسان، لا العكس.

اقرأ المزيد

alsharq شعار عميق لليوم الوطني

«فيكم استثمرت قطر وبكم تعلو ومنكم تنتظر» عبارة قالها سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في... اقرأ المزيد

90

| 10 نوفمبر 2025

alsharq وجه الإرهاب القبيح

قاتل الله الإرهاب وأهله أينما حل ونزل، فـإرهاب الناس والأبرياء الآمنين من أطفال ونساء وشيوخ هو فعل من... اقرأ المزيد

108

| 10 نوفمبر 2025

alsharq الحجرة المظلمة وعجائب الدنيا السبع

لم تعد الكاميرا مجرد أداةٍ لنقل الأحداث، بل أصبحت صانعةً للواقع الذي نراه والذي قد لا نراه. لا... اقرأ المزيد

351

| 10 نوفمبر 2025

مساحة إعلانية