رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. هلا السعيد

مساحة إعلانية

مقالات

903

د. هلا السعيد

التعلم بالقيم قبل الكتب: التجربة اليابانية نموذجًا

05 نوفمبر 2025 , 04:37ص

لفت انتباهي مؤخرًا فيديو عن طريقة التعليم في اليابان، جعلني أتوقف طويلًا لأتأمل وأكتب، لأذكّر نفسي أولًا، ثم أذكّر الآخرين، بالفرق العميق بين التربية والتعليم، وأيهما يجب أن يسبق الآخر.

قبل أن نُعلّم أبناءنا، علينا أن نُعلّمهم الحياة.

فما قيمة العلم إن لم يكن محاطًا بالأخلاق؟ وما نفع الشهادة إن غابت القيم التي تصونها؟

يُعد التعليم في اليابان من أكثر النماذج إلهامًا في العالم، ليس لأنه يخرّج المتفوقين أكاديميًا فقط، بل لأنه يبني الإنسان قبل العالِم، ويربّي الضمير قبل العقل.

1. التربية على القيم قبل المناهج

في السنوات الأولى من التعليم، لا توجد اختبارات ولا درجات، لأن فلسفتهم تقوم على أن التربية تسبق التعليم، وأن الإنسان الصالح هو الأساس في بناء المجتمع الراقي المتقدم.

لذلك يركزون على غرس القيم والسلوكيات أكثر من حفظ الدروس.

يتعلم الطفل الانضباط، احترام الوقت، النظام، الالتزام، والعمل الجماعي.

فهذه المبادئ تُعتبر في نظر اليابانيين أهم من العلامات والدرجات، فالعلم بلا أخلاق لا يصنع إنسانًا متوازنًا ولا مواطنًا مسؤولًا.

2. الانضباط والمسؤولية سلوك يومي

المدارس اليابانية لا تعتمد على مراقبين أو عمال نظافة كما في معظم دول العالم، بل يقوم الطلاب أنفسهم بتنظيف فصولهم وساحاتهم وحتى الحمامات يوميًا.

هذه الممارسة ليست مجرد نشاط، بل منهج تربوي مقصود، يعلم الأطفال احترام المكان، وتحمل المسؤولية، والتعاون، وفهم قيمة الجهد الجماعي.

فعندما ينظف الطالب مقعده، لن يعبث به لاحقًا، لأنه يشعر بالانتماء والملكية تجاه ما شارك في بنائه وصيانته.

3. التعلم بالحياة لا بالحفظ

في اليابان، لا يُنظر إلى المدرسة كمكان لتلقين المعلومات، بل كمجتمع صغير يتعلم فيه الطفل كيف يعيش في انسجام مع الآخرين.

الدروس ليست كلها داخل الفصول؛ بل تُنظَّم الأنشطة اليومية بحيث يتعلم الطلاب العمل الجماعي، وحل المشكلات، والاحترام المتبادل.

يُشجَّع الأطفال على التفكير الذاتي، والتجربة، والبحث عن الحلول بدلًا من التلقين والحفظ الأعمى.

4. فلسفة تربوية عميقة

ترتكز الفلسفة التعليمية اليابانية على مقولة قديمة تقول:

«ازرع الأخلاق تحصد شعبًا ناجحًا»

ومن هنا، فإن تقييم الطالب في المراحل الأولى لا يُبنى على الحفظ دون فهم، ولا على اختبارات تُنتج الخوف والقلق، بل على ملاحظات سلوكية تتعلق بالاحترام، الصدق، التعاون، والنظام.

فهم يؤمنون أن النجاح في الحياة لا يتحقق بالذكاء وحده، بل بالانضباط والإصرار والالتزام.

5. دروس مستفادة للعالم العربي

تجربة اليابان تُلهمنا بضرورة إعادة النظر في أنظمتنا التعليمية، التي تركز في الغالب على الامتحانات والدرجات أكثر من القيم والسلوك. فلو استطعنا أن نُدرّس أبناءنا المسؤولية والاحترام والنظام، كما نُدرسهم الرياضيات والعلوم، لصنعنا جيلًا متوازنًا قادرًا على بناء وطنه.

إنها دعوة من القلب:

فلنُعد للتعليم رسالته الإنسانية، ولنجعل من مدارسنا مكانًا يُعلّم كيف نعيش، لا فقط كيف ننجح في الامتحان.

مساحة إعلانية