رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الإنصاف ضمان استقرار المجتمع

لغة: مصدر مأخوذ من مادّة «ن ص ف» الدَّالَّة على 1- شطر الشّيء، وفي الحديث: « مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ »[1] 2- وفى الخدمة والمعاملة،. ومن ذلك الإنصاف في المعاملة، وكأنّه الرّضا بالنّصف"[2] وتناصف القوم: أي أنصف بعضهم بعضا من نفسه"[3] إذا تعاطوا الحقّ بينهم[4]. وأنصفت الرّجل إنصافا: عاملته بالعدل والقسط[5]وفي القاموس: انتصف منه: استوفى حقّه منه كاملا حتّى صار كلّ على النّصف سواء"[6] ومنتصف اللّيل والنّهار وسطه، فالانتصاف توسط وفي الإصطلاح: استيفاء الحقوق لأربابها واستخراجها بالأيدي العادلة والسياسات الفاضلة[7] بأن تعطي غيرك من الحقّ مثل الّذي تحبّ أن تأخذه منه لو كنت مكانه ويكون ذلك بالأقوال والأفعال، في الرّضا والغضب، مع من تحبّ ومع من تكره. حتّى لو كان هذا الغير مخالفا لك في الرّأي، أو في الدّين، أو في المذهب، أو غير ذلك ممّا يقتضي التّحامل، أو يكون مظنّة للجور. ومنه: أَدَاءُ حُقُوقِ النَّاسِ كَامِلَةً مُوَفَّرَةً وَأَنْ لَا تُطَالِبَهُمْ بِمَا لَيْسَ لَك، وَلَا تُحَمِّلَهُمْ فَوْقَ وُسْعِهِمْ، وَتُعَامِلَهُمْ بِمَا تُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوك بِهِ، وَتُعْفِيَهُمْ مِمَّا تُحِبُّ أَنْ يُعْفُوك مِنْهُ، وَتَحْكُمَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ بِمَا تَحْكُمُ بِهِ لِنَفْسِك وَعَلَيْهَا"[8]. والإنصاف والعدل توءمان نتيجتهما علوّ الهمّة وبراءة الذّمّة باكتساب الفضائل وتجنّب الرّذائل"[9] وكل ما يقال فى العدل يقال في الإنصاف. وكَيْفَ يُطْلُبُ الْإِنْصَافُ مِمَّنْ وَصْفُهُ الظُّلْمُ وَالْجَهْلُ لآية الأحزاب[10]، ولا ينصف الخلق من لم ينصف الخالق، وكذا من لم ينصف الرسول عليه الصلاة والسلام، وفِي الأَثَرٍ «ابْنَ آدَمَ مَا أَنْصَفْتَنِي، خَلَقْتُكَ وَتَعْبُدُ غَيْرِي، وَأَرْزُقُكَ وَتَشْكُرُ سِوَايَ»[11] "خَيْرِي إِلَيْكَ نَازِلٌ وَشَرُّكَ إِلَيَّ صَاعِدٌ، ...» ومن إنصاف الدستور الإلهي "وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً"[12] دعوة إلى الحذر من اتهام البرآء. ودعوته إلى الإنصاف مع الكل والتحذير من الحيف "كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما.. ...."[13] " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا"[14] "كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا.."[15] "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا "[16] ومع غير المسلمين "لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ..* إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"[17] - وفى الصحيح:«لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»[18] )وفي مسلم: « (أو قال لجاره)[19] ..» وفيه "ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ[20]، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ")[21] وفيه (قال أبو الزّناد بن سراج وغيره: «إنّ العبد إذا اتّصف بالإنصاف لم يترك لمولاه حقّا إلّا أدّاه، ولم يترك شيئا ممّا نهاه عنه إلّا اجتنبه، وهذا يجمع أركان الإيمان»[22] وفيه "إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا»[23] والدستور الإلهي المثل الأعلى للإنصاف ، فاليهود أشدّ النّاس عداوة للّذين آمنوا[24] إلّا أنّ هذه العداوة لم تمنعه من إنصافهم يمدحهم – أو بعضهم - إن أحسنوا وأطاعوا، ويذمّهم إن عاندوا وشاقُّوا؛ فلا يضعهم جميعا فى كفة واحدة، "وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"[25] "وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ"[26] "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا"[27] "لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ..."[28] وفى الصحيح: «.. مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ....»[29] «.. وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ سَبْعِينَ عَامًا»[30] ومن نماذج السيرة والتاريخ: لمَّا بُعِث ،عبدالله بن رواحة إلى يهود خيبر ليخرص لهم الثّمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال: «يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَخَذْنَاهَا فَاخْرُجُوا عَنَّا»[31] (فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنَ الرَّشْوَةِ ، فَإِنَّهَا سُحْتٌ) أَيْ حَرَامٌ (وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا) لِحُرْمَتِهَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ[32]. قال ابن عبدالبرّ: فيه «إِنَّ الْمُؤْمِنَ وَإِنْ أَبْغَضَ فِي اللَّهِ لَا يَحْمِلُهُ الْبُغْضُ عَلَى ظُلْمِ مَنْ أَبْغَضَه». فمن كَانَ حبه فِي الله وبغضه فِي الله لم يحملهُ البغض على أَن يجور وَلَا الْحبّ على أَن يَأْثَم وَمن أحب وَأبْغض لهوى نَفسه جَار على الْمُبْغض وأثم فِي جنب المحبوب، ومَنْ يَحْمِلُهُ الْبُغْضُ وَالْعَدَاوَةُ عَلَى الِاعْتِدَاءِ عَلَى مَنْ يُبْغِضُهُ يَكُونُ مُنْتَصِرًا لِنَفْسِهِ لَا لِلْحَقِّ، وَحِينَئِذٍ لَا يُرَاعِي الْمُمَاثَلَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَ حُدُودِ الْعَدْلِ[33] لقد امتثل عبدالله بن رواحة- رضي الله عنه- المنهج الرّبّانيّ ..الّذي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه ..في هذا الحقّ يتساوى عند الله المؤمنون وغيرهم. ولما قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ، عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ» فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ، قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوك"[34] والتأبي على ظلم الملوك قمة عزيزة فى الإنصاف. والإنصاف دليل كمال الإيمان وصحّة الإسلام. والتّجرّد من الأنانيّة، بالإنصاف تسود المحبّة بين النّاس ويشعر كلّ امرئ بالطّمأنينة على نفسه وماله وعرضه ودينه في حاضره ومستقبله وتعود الحقوق إلى أصحابها عدالة، وتنتزع صفات الحقد والكراهيّة، وهو عامل أساسيّ في استقرار المجتمعات.

1210

| 19 مارس 2015

خطيئة وخطورة تعميم موقف دعوي

يحلو للبعض أن يقول "أمر الله تعالى بلين الجانب، حتى مع فرعون كما أمر موسى وهارون، ، حين بعثهما إلى فرعون فقال: [ فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ] هذا فرعون الذي قال " أنا ربكم الأعلى " ومع ذلك أمر الله موسى وهارون عليهما السلام أن يقولا له قولاً لينا فليس المدعو أكفر أو أفسق من فرعون ولا الداعية اتقى من موسى عليه السلام". أقول : هذا مما يُؤسف له فى الرسائل مما يصلح أن نطلق عليه ابتسار واجتزاء المواقف الدعوية بانتزاع لقطة من المشهد الدعوي وإطلاقه وتعميمه بغض النظر عما قبله وما بعده وعن ملابساته وظروفه وَمِمَّا لا يجهله تربوي قد شمَّ رائحة الفقه التربوي والدعوي ، مراعاة الفروق الفردية ، وأن ما يصلح مع فرد لا يصلح بالضرورة مع فرد آخر. بل ما يصلح فى وقت مع فرد لا يصلح بالضرورة مع نفس الفرد فى وفت آخر حتما، لذا كان اجتزاء "فقولا له قولا لينا" عما قبلها وما بعدها فى سياق المقطع القرآني ذاته ، وتعميمه وإغفال المواقف الدعوية الأخرى نوع من تسطيح الدعوة وتهميشها ، وقد قال الثوري التابعي الجليل : الرفق هو أن تضع الأمور مواضعها، الشدة في موضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه، من الأمور أمور لا يصلح فيها الرفق ولا يصلح فيها إلا الشدة، كالجرح يعالج فإذا احتاجوا إلى الحديد لم يكن منه بد[1]. وفى منثور الحِكْمة : "سس خيار الناس بالمحبة وامزج للعامة الرهبة بالرغبة وسس سفلة الناس بالإخافة"[2]وسأل المأمون رسول الروم لما قدم عليه عن سيرة ملكهم وحكمه فقال: يردع الظالم ويحنو على المظلوم فالرعية اثنان راض ومغتبط.[3] وقال أنوشروان :الناس ثلاث طبقات نسوسهم ثلاث سياسات طبقة هم خاصة الأبرار نسوسهم بالعطف واللين والاحسان وطبقة هم خاصة الأشرار نسوسهم بالغلظة والعنف وطبقة هم العامة نسوسهم بالشدة واللين كيلا تخرجهم الشدة ولا يبطرهم اللين وقال الشاعر إذا كنتم للناس أهل سياسة ... فسوسوا كرام الناس بالرفق والبذل وسوسوا لئام الناس بالذل يصلحوا ... على الذل إن الذل أوفق للنذل[4] وعلى هذا فمما لا يختلف عليه اثنان أنه ليس من الحكمة إعمال الشدة في موضع اللين، أو اللين في موضع الشدة. فهذا ما لا يقبله ولا يقره الفضلاء من الناس فضلا عن العلماء فما بالك بالأنبياء الذي اصطفاهم الله لرسالته وصنعهم على عينه وهذا الذي أنكرناه ، من تعميم موقف دعوي في كل الأحوال والأوقات ، مما لا يتناسب مع نصوص الوحيين ودونك البيان: قال العبد الصالح " أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا*وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا"[5] والخليل كم مرة تلطف مع أبيه " يَاأَبَتِ..."[6]" فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ"[7] ولا يتناسب أيضا مع سيرة النبيين الكريمين .. فمع الكليم : فى نفس المقطع القرآني " قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ * قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ * فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ"[8] تلاحظ بعدما بث موسي وهارون ربهما عز وجل مخاوفهمامن بطشه وطغيانه ، وطمأنهما المولي - جل مذكورا وعز مرادا- بمعيته فربط على قلبيهما بهذه المعية ، فلم يبق أمامهما إلا الصدع بأمر الله وإعلانه ببعثتهما وتقرير مطلبهما بتحرير بني إسرائيل والكف عن تعذيبهم ، وتأمل ١- الصدع بالحق وتجريده مما يزعم ويفترى به على بني إسرائيل فى دعواه الربوبية فهو مربوب وليس ربا كما يدعي " أنا ربكم الأعلي"تأمل "رسولا ربك" (الرسالة+الربوبية) ٢- نزع يده وكفها عن استعباد بنى إسرئيل وهذا موئل دعواه الربوبية والألوهية " ما علمت لكم من إله غيري" ٣- الجهر بكلمة الحق فى وجهه ومجابهته بأنه جائر بائر بتعذيبه لبنى إسرائيل ولا بد من وضع حد لهذا الجور" أرسل معنا بني إسرائيل ...ولا تعذبهم " ٤- مُعَالنته بما معهم من آيات الله وللمرة الثانية تحقيره وتسفيهه بتجريده من دعواه الربوبية ومجابهته بالحقيقة الأزلية الأبدية أنه مربوب كسائر الخلق تأمل" جئناك بآية من ربك" ٥- الخامسة:إنهاء اللقاء بسلام مفارقة لا سلام تحية فلم ترد كاف الخطاب فى السلام ولم يرد ما يشعر بالخصوصية أوبالمخاطبة بالسلام كما المعتاد فى مثل ذلك إنما جاء " والسلام على من اتبع الهدى" وهذا مثل الآية " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" فكأنه لعدم اتباعه الهدى لا يستحق ولم يَرْق إلى أهلية مخاطبتهما له بالسلام تحية عندالمفارقة . وما أشده من توبيخ ٦- التالي لكتاب الله بالتأمل والتدبرالمشروع يقر بهذه الحقيقة التي قررناها هنا وهي عدم صلاحية تعميم موقف دعوي فى كل الأحوال والمواقف ، فذلك يخالف الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيراكثيرا وإنما الحكمة مراعاة مقتضى الحال ولكل مقام مقال ولكل حادثة حديث وعلى هذا، تجد مواضع أخرى تشرع فيها أساليب مناسبة قولية وعملية ودونك: ١- "وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ"[9] ٢- "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا"[10] وغير ذلك الكثير ..من قصص الكليم فى الوحي المعصوم وأما عن حياة النبي الخاتم ، فمع" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"[11] ومع هذا : تجد أن هذا الأسلوب ليس عاما وليس فى كل الأحوال وليس مع كل الناس وإلا لما أقام الحدود وطبق القصاص وواجه المنافقين وجاهدهم بأمر الله تعالى " جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم "[12] وقديما قيل" فَقَسَا ليزدجروا ومن بك حازما فليقسوا أحيانا على من يرحم" هذا والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم

1689

| 13 مارس 2015

السفاهة والسفهاء

السفاهة لغة: مصدر سَفِهَ إذا صار سفيها كلاهما مأخوذ من مادّة (س ف هـ) الّتي تدلّ على الخفّة والسّخافة والطيش[1] والسَّفَاهَةُ: التسرع إِلَى القَوْل الْقَبِيح أَو فعله[2]. وهي: خفة الرأي في مقابلة ما يراد منه من المتانة والقوة قاله الحرالي[3]والسَفَاهَة: إسراف، تبذير، تبديد ، خداع، غش، مكر، مداجاة ،جراءة ،وقاحة، قلة الحشمة والحياء، دعارة، فساد السيرة )[4] سَفِيه: مبذر، مسرف ،وقح، متهتك، قليل الحياء، داعر، فاسق ،خبيث، نذل، لئيم سفيه اللسان معناه: لا يتحرز ولا يزن كلامه. سَفِيه: كلب، تقال للشخص شتماً له واحتقاراً ، وأصل السّفه الخفّة في البدن والعقل والرأي والحركة والطّيش ،الاضطراب و الجهل وسفُه «بكسر الفاء وضّمّها» إذا جهل فهو سفيه، أي جاهل ،ومنه قولُ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُسَفِّه أَحْلامنا ، مَعْنَاهُ أَتُجَهِّلُ أَحْلامَنا؟[5] و(السُّفَهَاء} : الْجُهَّال بلغَة كنَانَة[6] وجمع السّفيه سفهاء وسفاه،[7] وفى الاصطلاح : السّفه فى قول الجرجانيّ: عبارة عن خفّة تعرض للإنسان من الفرح والغضب فيحمله ذلك على العمل بخلاف العقل وموجب الشّرع[8] أمور يضحك السفهاء منها ... ويبكي من عواقبها اللبيب ومن علامات السفاهة فى قول الجاحظ: سرعة الغضب، والطّيش مِنْ يسير الأمور، والمبادرة في البطش، والإيقاع بالمؤذي، والسّرف في العقوبة، وإظهار الجزع من أدنى ضرر، والسّبّ الفاحش[9] والسّفيه كما وصفه الكفويّ:(أسير الطّغيان، دائم العصيان، حقير النّفس، خفيف اللّبّ، رديء الفهم، ظاهر الجهل، سريع الذّنب، ضعيف الرّأي، عديم العقل، مستخفّ القدر، مخدوع الشّيطان، ملازم الكفران، لا يبالي بما كان ، ولا بما هو كائن أو سوف يكون). [10] والسّفه أقبح من العبث، كما أنّ الظّلم أقبح من الجهل،[11] وفى مواضع 9 من كتاب الله ورد فيها الحديث عن السفاهة والسفهاء وتكون السفاهة في: الأمور الدّنيويّة، وفى الأخرويّة على النحو الآتي :خمس آيات السفاهة فيها بمعنى الكفر فَلَا كَافِرَ إِلَّا وَهُوَ سَفِيهٌ "وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ"[12]"سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ"[13] (قال السّدّيّ المراد بالسّفهاء في "سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ[14]": الكفّار، وأهل النّفاق، واليهود. أمّا الكفّار فقالوا لمّا حوّلت القبلة: رجع محمّد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا، فإنّه علم أنّا على الحقّ، وأمّا المنافقون فقالوا: إن كان أوّلا على الحقّ فالّذي انتقل إليه باطل، وكذلك العكس. وأمّا اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء ولو كان نبيّا لما خالف، فلمّا كثرت أقاويل هؤلاء السّفهاء، أنزلت هذه الآيات[15] وَلَقَدْ ذَهَبَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَوْمٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ[16]والكل كان عن أمر الله ،وفى تضرع موسي " أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا"[17] وجُرمٍ جرّه سُفَهاءُ قومٍ ... وحلّ بغير جارِمِه العذابُ وقول عاد لهود عليه السلام " إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ * قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ"[18] * وقول مؤمنى الجن"وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً"[19] والسادسة بمعنى النفاق "وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ"[20] * قال الرّاغب: فهذا من السّفه في الدّين[21]. ولقد قَلَبَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ لَقَبَ السفهاء الذي رموا به المؤمنين - وَقَوْلُهُ الْحَقُّ- لِوُجُوهٍ فيها تمييز وتعريف لكل سفيه بأنه: 1- مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الدَّلِيلِ ثُمَّ نَسَبَ الْمُتَمَسِّكَ بِهِ إِلَى السَّفَاهَةِ فَهُوَ السَّفِيهُ 2- مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ فَهُوَ السَّفِيهُ 3- مَنْ عَادَى مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَدْ عَادَى اللَّهَ، وَذَلِكَ هُوَ السَّفِيهُ[22]. 4- مَنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا لَهُ وَعَلَيْهِ يُوصَفُ بِالْخِفَّةِ وَالسَّفَهِ 5- من يَعْدِلُ عَنْ طَرِيقِ مَنَافِعِهِ إِلَى مَا يَضُرُّهُ، يُوصَفُ بِالْخِفَّةِ وَالسَّفَهِ 6- الْخَطَأَ فِي بَابِ الدِّينِ أَعْظَمُ مَضَرَّةً مِنْ الْخَطَأَ فِي بَابِ الدُّنْيَا 7- الْعَادِلُ عَنِ الرَّأْيِ الْوَاضِحِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ يُعَدُّ سَفِيهًا، فَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ فِي أَمْرِ دِينِهِ فهو أشد سفها. [23] والسابعة والثامنة السفاهة فيهما بمعنى سوء التدبير "فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ"[24]قَالَ ابْن عرفةَ: السفيه هنا الْجَاهِل بِالْأَحْكَامِ فلَا يُحْسِنُ الْإِمْلَاء، وَلَا يدْرِي كَيفَ هُوَ؟ وَلَو كَانَ جَاهِلا فِي أحوالِه كلِّها مَا جَازَ لَهُ أنْ يُدَايَن[25] "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً"[26] والسفيه هنا: هو كل من كان فيه ضَعْف عَقْلٍ، فلَا يُحْسِنُ سياسة مَالهِ، ولم يُؤْنَسْ منه الرُشْدُ[27] وكذا كل من يجهل قدر المال ولا يمتنع عن تبذيرهِ، ولا يرغب في تثميره. كان سفيها ،وقال الشعبي والشافعي: هو المبذر لماله المفسد لدينه[28]. والتاسعة السفاهة فيها بمعنى الجهل وسوء الظن بالله تعالى "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ "[29] فى الصحيح : "سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَة، يُصَدَّقُ فِيَها الْكَاذِبُ، وُيكَذَبُ فِيَها الصَّادِقُ، وَيُؤتَمَنُ فِيَها الْخَائِن، وُيخَوَّنُ فِيَها الأمِينُ، وَينْطِقُ فِيَها الرُّوَيْبِضةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّويبِضَةُ؛ قَالَ: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أمْرِ الْعَامَّة[30].)[31]وفى رواية " المَرْؤُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ " [32] وما أكثرهم الآن فى قنوات ومواقع أغنتني شهرتها وشهرتهم عن النص عليهم. وفيه "بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتًّا: إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ، وَاسْتَخْفَافًا بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشْوٌ[33] يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ، يُقَدِّمُونَهُ يُغَنِّيهِمْ , وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُمْ فِقْهًا. [34] وفيه أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: "أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ قَالَ: "أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِى لاَ يَقْتَدُونَ بِهَدْيِى وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّى وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلاَ يَرِدُوا عَلَىَّ حَوْضِى، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُوا عَلَىَّ حَوْضِى،[35] )[36] وقال ابن عبّاس"إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ إلى قوله: قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ"[37] * [38] والسفاهة سوء خلق تورث غضب الجبّار وعظيم النّيران. والإفلاس، والحاجة إلى النّاس، والخراب والدمار والعار والبوار والخزي والعزلة والبغضاء والشحناء ، والضعة وسوء الخاتمة والعياذ بالله والمطلوب هجر هؤلاء السفهاء والحجر عليهم فخلائقهم تُعدي وكان فى الفقه الإسلامي الحجر على السفهاء، وأَوْصَى عُمَيْرَ بْنَ حَبِيبٍ- وَكَانَ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَنِيْه ، فَقَالَ: «يَا بَنِيَّ، إِيَّاكُمْ وَمُخَالَطَةَ السُّفَهَاءِ، فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُمْ دَاءٌ ، »[39]

6268

| 06 مارس 2015

العجلة من الشيطان: نماذج

العَجَل والعَجَلة فى اللغة: مادّة تدلّ على الإسراع، والاستعجال والإعجال والتّعجّل واحد بمعنى طلب السرعة "وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا"[1] أي طبعه العجلة يعجل بسؤال الشّرّ كما يعجل بسؤال الخير، يُؤْثر العاجل وإن قلّ، على الآجل وإن جلَّ، فبِنْيتُه العَجَلة وخِلقتُه العَجَلة، والعربُ تَقول للَّذي يُكثِر الشَّيْء: خُلِقْتَ مِنْهُ، والعاجل نقيض الآجل والعاجلة نقيض الآجلة: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا"[2] وفى الشرع: "فعل الشّيء ـ أو طلبه وتحرّيه ـ قبل وقته اللّائق به" أفاده المناويّ والرّاغب[3]، وهو من مقتضى الشّهوة، فلذلك صارت مذمومة في عامّة القرآن حتّى قيل: "العجلة من الشّيطان"[4]، فمن هداه الله تعالى بنور توفيقه ألهمه الصبر في مواطن طلباته، والتثبت في حركاته وسكناته، فلطالما أدرك الصابر مرامه أو كاد، وفات المستعجل غرضه أو كاد"ولها دوافع كثيرة منها: طبيعة الإنسان والعصر، والجهل بسنن الله فى الكون، والحماسة عموما والشباب خاصة، وشيوع المنكرات وغلبة الشهوات، وعدم وجود رؤية واضحة لخطة الطريق، وعدم الخبرة وعدم صحبة أصحابها، وفى نفس الوقت صحبة المتعجلين * خلق الله تعالى السماوات والأرض فى ستة أيام ولو شاء أن يخلقهما في أدنى اللّمحات، لما مسّه فيما يأتيه إعياء ولا لغوب، ولا أعجزه كلال ولا فتور. وقد عدّ الإمام ابن حجر: من الكبائر الْعَجَلَةُ، وَتَرْكُ التَّثْبِيتِ فِي الْأُمُورِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا}[5] وَالْحَدِيثِ: "الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالتَّأَنِّي مِنْ اللَّهِ"، لِأَنَّهُ عِنْدَهَا يَرُوجُ شَرُّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، بِخِلَافِ مَنْ تَمَهَّلَ وَتَرَوَّى عِنْدَ الْإِقْدَامِ عَلَى عَمَلٍ يُرِيدُهُ فَإِنَّهُ تَحْصُلُ لَهُ بَصِيرَةٌ بِهِ، وَمَتَى لَمْ تَحْصُلْ تِلْكَ الْبَصِيرَةُ فَلَا يَنْبَغِي الِاسْتِعْجَالُ"[6] ومن نماذج العجلة من الشيطان فى الوحيين: استعجال العصاة لعذاب الله، كما فى سورة الأنعام: (57+58) " مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ.. قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ" وفى العنكبوت الآيات (35+55) "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ.. وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ..* يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"[7] وعجَّبنا المولى من ذلك فقال: "أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ"[8] ومنها استعجال الساعة: ".. لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ *يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا.."[9] الاستعجال فى الدعاء: "وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا "[10] ومن رحمة الله تعالى أنه لا يَعْجَل بعجلة أحدنا: "وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ.."[11] مَعْنَاهُ لَو عجَّل الله للنَّاس الشرَّ إِذا دَعَوا بِهِ على أنفسهم عِنْد الْغَضَب وعَلى أَهْليهمْ وَأَوْلَادهمْ، واستعجلوا بِهِ كَمَا يستعجلون فى الدعاء بِالْخَيرِ والرحمة، لقُضِي إِلَيْهِم أجلُهم، أَي مَاتُوا"، وفي الصحيحين: "يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي"[12]، وإجابة الدعوة أعم من إعطاء المسألة، فقد يجيب الله الدعوة أو يدفع بها شراً أو ضُرًّا كان سيقع على الإنسان لو لم يدع، وقد يدخرها لصاحبها إلى يوم القيامة. فلا ينبغي الاستعجال والتبرم وترك الدعاء. أو اليأس وظن السوء مع يقين الإيمان بـــ: "ادعوني أستجب لكم.."[13]، ومنها استعجال العقوبة على الذنوب فى الصحيح: عَادَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟"، قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا"،.."سُبْحَانَ اللهِ لَا تُطِيقُهُ ـ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ — أَفَلَا قُلْتَ: اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"؟ فَدَعَا اللهَ لَهُ، فَشَفَاهُ"[14] ومنها استعجال الموت أنَفَة من الأقدار!! فى الصحيح: قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ المُشْرِكِينَ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ المُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ، فَقَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا" فَتَبِعَهُ رَجُلٌ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ، فِيمَا يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا»[15]، ومن سنة الله فى التشريع عدم التعجل، فلقد وَرَدَتِ الْأَحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ فِي الشريعة الغراء شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَمْ تَنْزِلْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ لِئَلَّا تَنْفِرَ عَنْهَا النُّفُوسُ دَفْعَةً وَاحِدَةً. إذ الخروج عن المألوفات من أشق الأشياء على النفوس، ولذا لا بد من التدرج بهم شيئا فشيئاً، حتى البلوغ إلى مرحلة القناعة والطمأنينة التى يريدهم عليها، حتى تتمكنا فى قلوبهم، ومن أقوى ما يحتجُّ به لذلك ما في الصحيح: عن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ "إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّل مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ.. "بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ"[16] وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ"[17]ومَا يُحْكَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ أَنَّ ابْنَهُ عَبْدَالْمَلِكِ قَالَ لَهُ يوماً ـ منكراً عليه عدم إسراعه في إزالة كلِّ بقايا الانحراف والمظالم والمفاسد والتعفية على آثارها، ورد الأمور إلى نصابها على سنن الراشدين، وَمَا يُحْكَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ أَنَّ ابْنَهُ عَبْدَالْمَلِكِ قَالَ لَهُ: "مَا لَكَ لَا تُنَفِّذُ الْأُمُورَ؟ فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي لَوْ أَنَّ الْقُدُورَ غَلَتْ بِي وَبِكَ فِي الْحَقِّ". قَالَ لَهُ عُمَرُ: "لَا تَعْجَلْ يَا بُنَيَّ، فَإِنَّ اللَّهَ ذَمَّ الْخَمْرَ فِي الْقُرْآنِ مَرَّتَيْنِ، وَحَرَّمَهَا فِي الثَّالِثَةِ، وَإِنَّى أَخَافُ أَنْ أَحْمِلَ الْحَقَّ عَلَى النَّاسِ جُمْلَةً، فَيَدْفَعُوهُ جملة، ويكون من ذا فتنة"[18]. وهنا تلحظ حكمة الشيوخ تلجم حماس الشباب، و: "مَنِ استعجلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أوانِهِ؛ ابْتُليَ بِحِرْمَانِه"، ومِن صُورِها استعجال النصر قبل استكمال واستجماع أدواته وأسبابه؛ فى الصحيح قُلْنَا: يا رَسُولِ اللَّهِ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"[19]، ولنتأمل متى أزال الرسول صلوات الله وسلامه عليه الأصنام من جوف الكعبة بعد عشرين عاماً من البعثة!!!

3256

| 26 فبراير 2015

بَذاءةُ اللِّسَانِ: ضَعْفُ إيمان وَقِلّ

البذاءة: مأخوذة من مادّة (ب ذ أ) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على «خروج الشّيء عن طريقة الإحماد» يقال: بذأت المكان أبذؤه، إذا أتيته فلم تحمده وبذأه: احتقره وذمّه، المباذأة وهي المفاحشة والقبح في المنطق،وفى الاصطلاح: عند الغزاليّ التعبير عن الأمر القبيح باللفظ الصريحوعندالمناويّ: هي الفحش والقبح في المنطققال ابن حبّان: القحّة (ترك الحياء) أصل الجهل وبذر الشّرّوربّ قبيحة ما حال بيني... وبين ركوبها إلّا الحياءفكان هو الدّواء لها ولكن... إذا ذهب الحياء فلا دواءوفى مصدر وباعث البذاءة فى اللسان يقول الغزاليّ — رحمه الله تعالى —: إنّ السّبّ والفحش وبذاءة اللّسان مذمومة ومنهيّ عنها ومصدرها الخبث واللّؤم، والباعث عليها إمّا قصد الإيذاء وإمّا الاعتياد الحاصل من مخالطة الفسّاق وأهل الخبث واللّؤم لأنّ من عادتهم السّبّ.وأهل الفساد لهم عبارات صريحة فاحشة يستعملونها. وأمّا أهل الصّلاح فإنّهم يتحاشون عنها بل يكنون عنها ويدلّون عليها بالرّموز فيذكرون ما يقاربها ويتعلّق بها، ألم تر أنّ الله — عزّ وجلّ — كنى عن الجماع بألفاظ لا تخدش الحياء ولا تنشر الفاحشة فى المجتمع بل تربيه على العفاف فى اللفظ والسمع، ولذلك استعمل ألفاظ مثل المسّ واللّمس والدّخول والصّحبة. "لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ"[2] " إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا"[3] "أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ"[4]"وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ"[5] " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ"[6]وجاء فى السنة أبلغ تنفير من الحديث عن هذه العلاقة الحميمية وإفشاء سرها " فى الصحيح "عَسَى رَجُلٌ يُحَدِّثُ بِمَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ أَوْ عَسَى امْرَأَةٌ تُحَدِّثُ بِمَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَلاَ تَفْعَلُوا فَإِنَّ مَثَلَ ذلك مَثَلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي ظَهْرِ الطَّرِيقِ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ"[7]هذا وفى القرآن العظيم أبلغ تنفير وأبشع تصوير للبذاءة والفحش فى القول واللفظ ومن ذلك "لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً[8] ويوم الإفك قال تعالى" إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ[9] "وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ[10] وهؤلاء الذين تكون منهم البذاءة عند العين الحمراء، يرعوون وإلا أطلقوا لألسنتهم العناء"أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً[11] "ولا يكون بذيئا من كان وليا حميما "إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ[12]وفى السنة المطهرة:البذاءة كمية من الشر كافية لهلاك صاحبها"لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلاَّ بِالدِّينِ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ فَاحِشاً بَذِيّاً بَخِيلاً جَباناً»[13] " والبذاءة تنافي الإيمان فتخرج صاحبها إلى دائرة النفاق "الحَياءُ والعِي شُعْبَتانِ مِنَ الإِيمانِ والبَذَاءُ والبَيانُ[14] شُعْبَتانِ مِنَ النِّفاقِ)[15] ومن كان كذلك فلا يتم له إيمانه ولا يكمل له إسلامه، «ليس المؤمن بالطّعّان ولا اللّعّان ولا الفاحش ولا البذيء»[16] ويكون عرضة لغضب الله "وإنّ الله ليبغض الفاحش البذيء»[17] وعليه يُبوئ لنفسه مقعدا فى النار" والبَذاءُ مِنَ الجَفاءِ والجَفاءُ فِي النَّارِ »[18]، ويكون بمنأى عن محبة الله تعالى" فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ"[19] وصورة البذيء قبيحة وأخلاقه مستقذرة منفرة «ما كان الفحش في شيء قطّ إلّا شانه، ولا كان الحياء في شيء قطّ إلّا زانه»[20] ). وتستحيل أو تكون الحياة معها على مضض وعلى صفيح ساخن فى الصحيح فى حديث " لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي امْرَأَةً، وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا، يَعْنِى الْبَذَاءَ، قَالَ: فَطَلِّقْهَا إِذًا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لَهَا صُحْبَةً، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ، قَالَ: فَمُرْهَا، يَقُولُ عِظْهَا، فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلُ، وَلاَ تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ"[21] ولذا كان النهي عن البذاءة "لاَ تَهَجَّرُوا[22]، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَحَسَّسُوا"[23] والدعوة إلى هجرها «الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ومن أقوال بعض السلف فى التنفير من البذاءة:1 — «إنّ أبغض النّاس إلى الله كلّ طعّان لعّان»[24]) ابن عمر — رضي الله عنهما2 — «ألأم شيء في المؤمن الفحش»[25] عبد الله بن مسعود — رضي الله عنه —3 — «ألا أخبركم بأدوأ الدّاء: اللّسان البذيء، والخلق الدّنيء»[26]) الأحنف بن قيس — رحمه الله تعالى4 — « يقال يؤتى بالفاحش المتفحّش يوم القيامة في صورة كلب أو في جوف كلب»[27] إبراهيم بن ميسرة — رحمه الله تعالى —5 — رأى أبو الدّرداء — رضي الله عنه — امرأة سليطة اللّسان، فقال: لو كانت هذه خرساء، كان خيرا لها)[28]6 — «خمس من علامات الشّقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلّة الحياء، والرّغبة في الدّنيا، وطول الأمل»[29] * الفضيل بن عياض — رحمه الله تعالى —والبذاءة: دليل ضعف الإيمان وقلّة الدّين وخبث الطّويّة وقلّة الحياء.ومن كان كذلك فأي خير فيه، والبذاءة تؤدّي إلى إشاعة الفحش والفاحشة في المجتمع وتسبّب قلّة الأصحاب، وبعد الأهل والأحباب، فيعيش صاحبها منبوذا شقيا تعيسا تنباه الأعين وتنفر منه الطباع. هذا وبالله ونسأله كما حسَّن خَلْقنا أن يُحسِّن أخلاقنا.

4472

| 19 فبراير 2015

حقيقة ديننا الغائبة عن الكثير

كثير من الناس — ولا سيما الشباب — ليس على دراية ولا رواية للعلم الشريف وقد يجادل بعضهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير والقصور عندهم في فهم الدين وحقيقته وكونه نظام حياة واضح جدا في حوارهم مع بعضهم وكأن الدين فقط والفقه فقط فقه الحيض والنفاس والوضوء والاغتسال بينما الدّين لفظ مُشْتَرك بَين مَعَاني كَثِيرَة مُخْتَلفَة. فمن معاني الدّين: الْعِبَادَة، الْجَزَاء، الطَّاعَة، الْحساب، السُّلْطَان، الْملَّة، الْوَرع، الْقَهْر، الْحَال، الْعُبُودِيَّة، الْإِسْلَام وَبِمَعْنى مَا يتدين بِهِ الرجل قال ابن فارس: الدَّالُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ وَاحِدٌ إِلَيْهِ يَرْجِعُ فُرُوعُهُ كُلُّهَا. وَهُوَ جِنْسٌ مِنَ الِانْقِيَادِ، وَالذُّلِّ. فَالدِّينُ: الطَّاعَةُ، يُقَالُ دَانَ لَهُ يَدِينُ دِيناً، إِذَا أَصْحَبَ وَانْقَادَ وَطَاعَ. وَقَوْمٌ دِينٌ، أَيْ مُطِيعُونَ مُنْقَادُونَ. وَالْمَدِينَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُقَامُ فِيهَا طَاعَةُ ذَوِي الْأَمْرِ"، والقرآن الكريم وهو القاسم المشترك بين الجميع فضلا عن الأمة ينبذ هذا العوار بدليل آخر آية نزلت حيث قال فيها تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم..." فكل مافي القرآن دين والأخذ به كله في حركة الحياة اليومية — على كافة المستويات تديُّن كامل وإلا فَإِذا ترك شَيْئا من هذا الْكَمَال فَهُوَ نَاقص، ففِي هذه الْآيَة تَصْرِيح بإكمال الدّين، — والدين هنا شعب الإيمان التي تربو على السبعين — وَلَا يُمكن أن يحمل الدين هنا على التَّوْحِيد، لِأَنَّهُ كَانَ كَامِلا قبل نزُول هَذِه الْآيَة، وتصوّر إكمال الدين يَقْتَضِي تصوّرّ نقصانه. وفي الأثر: "ليس يقوم بدين الله جل وعز إلا من حاطه من جميع جوانبه". وفي رواية "وَإِنَّ دِينَ اللَّهِ لَنْ يَنْصُرَهُ إِلا مَنْ أَحَاطَهُ اللَّهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ". وفي تطبيق الحدود "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله". وفي النظام والتنظيم "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك"، والعلم الموصول بالله دين في الصحيح إن هذا العلم دين ". وجهاد الكفار والمنافقين والملحدين دين بدليل "جاهد الكفار والمنافقين..." وفي صحيح الترغيب "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد" والتجارة دين "يقول عمر: "لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين"، الاتفاقات الدولية من الدين "يوم الحديبية قال عمر: فيم نعطي الدنية في ديننا". والفنون بضوابط من الدين "حتى تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة"، والأخلاق الحسنة دين " إن لكل دين خلقا وإن خلق الإسلام الحياء". انتشار التوحيد دين في الصحيح: لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ» وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، يَقُولُ: "قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ".رعاية حرمات الأشهر الحرم وسائر الحرمات المكانية والزمانية دين "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ" تحكيم شريعة الله وتعبيد الناس لله تعالى دين"إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" مراعاة الفطرة ومسايرتها وعدم مصادمتها أو مصادرتها دين "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"، اللجوء إلى الله تعالى والاعتصام به عند الشدائد وإخلاص الدعاء له دين "وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ".الاعتصام بحبل الله والتمسك بالأصول والثوابت وعدم التفرق عنها دين "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ". "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ.." تصفية الإيمان من شوائب النفاق ونفايات الرياء دين جاء في توبة المنافقين ".. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلهِ.." التعلُّم ومعرفة أحكام الدين ولا سيما معالم الحلال والحرام في كافة مناشط الحياة من صلب وصميم الدين "فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" الطاعة الدائمة لله تعالى امتثالا للأمر واجتنابا للنهي هي حقيقة الدين "وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً".وفي تفسير الطبري رحمه الله — وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} يَقُولُ: وَلَا يُطِيعُونَ اللهَ طَاعَةَ الْحَقِّ... طَاعَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَكُلُّ مُطِيعٍ مَلِكاً أَوْ ذَا سُلْطَانٍ، فَهُوَ دَائِنٌ لَهُ" الجزاء على الأعمال والمكافأة عليها دنيا وأخرى من متين الدين قال الجوهري: "وَ (الدِّينُ) أيضا الْجَزَاءُ وَالْمُكَافَأَةُ يُقَالُ: (دَانَهُ) يَدِينُهُ (دِيناً) أَيْ جَازَاهُ. يُقَالُ: كَمَا (تَدِينُ تُدَانُ) أَيْ كَمَا تُجَازِي تُجَازَى بِفِعْلِكَ وَبِحَسَبِ مَا عَمِلْتَ.: «إِنَّا لَمَدِينُونَ» أَيْ لَمَجْزِيُّونَ مُحَاسَبُونَ وَمِنْهُ (الدَّيَّانُ) فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى". المنهاج هو: مجموعة أفكار أو مبادئ مرتبطة ومنظَّمة، فمنهج الحياة ونموذج أو خطة السير إلى الله تعالى — بحق أو بباطل دين "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" والدعاة إلى الدين الحق مكلفون بدعوة غيرهم إلى ترك الباطل الذي هم عليه واتباع الحق، بلا مساومة ولا مداهنة؛ فإن دعا أهل الباطل أهل الحق إلى اتباع باطلهم — كما وضحته سورة العنكبوت "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" عندها تكون المفاصلة والمفارقة التي نصت عليها سورة الكافرون "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" أي لكم منهاجكم ولي منهاجي.

2066

| 12 فبراير 2015

الانتصار لسيد المرسلين وكفايته المستهزئ

:"إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ"[1]قلنا: في هذه الآية وعدٌ من الله ـ سبحانه وتعالى ـ لرسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، ألا يضره المستهزئون، وأن يكفِيَه إياهم بما شاء من أنواع العقوبة. ولا أوفى منه عز وجل فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أوبما جاء به ـ قديما أو حديثا ـ إلا أهلكه الله وقتَلَه شر قِتلة. ذكرنا بالأمس أمثلة وهذه نماذج كما فى الصحيح1 — قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: "بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ.. يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: "يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟"، قُلْتُ: "نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي". قَالَ: "أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا". فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: "أَلَا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ". فَابْتَدَرَاهُ، فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: "أَيُّكُمَا قَتَلَهُ"، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: "أَنَا قَتَلْتُ"، فَقَالَ: "هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟"، قَالَا: "لَا"، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: "كِلَاكُمَا قَتَلَهُ"[2]2 — كَانَ كَعْب بْنِ الْأَشْرَفِ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٌ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ"، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: "يَا رَسُولَ اللهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ"، قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: "فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا"، قَالَ: "قُلْ"، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً.. وقَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ". فَقَالَ: "نَعَمِ، ارْهَنُونِي". قَالُوا: "أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟"، قَالَ: "ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ"، قَالُوا: "كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ"، قَالَ: "فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ"، قَالُوا: "كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ، هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ (يَعْنِي السِّلَاحَ)". فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ (وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ) فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: "أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟". فَقَالَ: "إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ". قَالَتْ: "أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ"، قَالَ: "إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ، إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ". قَالَ: "وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ: "إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ". وَقَالَ مَرَّةً: "ثُمَّ أُشِمُّكُمْ"، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، فَقَالَ: "مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا" ـ أَيْ أَطْيَبَ ـ قَالَ: "عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ"، فَقَالَ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ؟"، قَالَ: "نَعَمْ"، فَشَمَّهُ، ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَتَأْذَنُ لِي"، قَالَ: "نَعَمْ"، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ، قَالَ: "دُونَكُمْ"، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فَأَخْبَرُوهُ"[3].3 —كَانَ أَبُو رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم — وَيُعِينُ عَلَيْهِ، فبَعَثَ إليه رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ بإمارة عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ.. فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ.. قَالَ عَبْداللهِ لِأَصْحَابِهِ: "اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ". فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْ الْبَابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ: "يَا عَبْدَاللهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ، فَادْخُلْ؛ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ". فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ.. فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنْ الْبَيْتِ. فَقُلْتُ: "يَا أَبَا رَافِعٍ"، قَالَ: "مَنْ هَذَا؟"، فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ ِالصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ.. فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا وَصَاحَ.. ثُمَّ قُلْتُ: "مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ"، فَقَالَ: «لِأُمِّكَ الْوَيْلُ؛ إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ". فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ، وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظُبَّةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ؛ فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ.. ووَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَانْكَسَرَتْ سَاقِي، فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ، ثُمَّ جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ، فَقُلْتُ: "لَا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ؟!". فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ، فَقَالَ: "أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ"، فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ: "النَّجَاءَ فَقَدْ قَتَلَ اللهُ أَبَا رَافِعٍ"، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: "ابْسُطْ رِجْلَكَ"، فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ"[4]. مِنَ فَوَائِدِ هَذه الأحاديث الصحيحة: جَوَازُ اغْتِيَالِ الْمُشْرِكِ الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَأَصَرَّ، وَقَتْلُ مَنْ أَعَانَ[5] عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بِيَدِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ ـ رأيٍ[6] بــ ـ لِسَانِهِ.4 — عتبَة بن أبي لَهب كَانَت تَحْتَهُ ابْنة رَسُول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى الشَّام، فَقَالَ لَآتِيَن مُحَمَّدًا فَلَأُوذِيَنَّهُ.. فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد "هُوَ" كَافِر بِالنَّجْمِ إِذا هوى وَبِالَّذِي دنا فَتَدَلَّى ثمَّ تفل فِي وَجه رَسُول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وردَّ عَلَيْهِ ابْنَته وَطَلقهَا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كَلْباً من كلابك).. ثمَّ خَرجُوا إِلَى الشَّام.. فَقَالَ أَبُو لَهب لأَصْحَابه أَعِينُونَا.. فَإِنِّي أَخَاف عَلَى ابْني دَعْوَة مُحَمَّد، فَجمعُوا جمَالهمْ وَأَنَاخُوهَا حَولهمْ وَأَحْدَقُوا بِعتبَة، فجَاء الْأسد يشْتَم وُجُوههم حَتَّى ضرب عتبَة فَقتله[7].5 ـ أُمُّ قِرْفَةَ الفَزَارية، كانت تُؤلِّب عَلَى النَّبِيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ جَهَّزَتْ ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ وَلَدِهَا وَوَلَدِ وَلَدِهَا، فَقَالَتِ"اقْدُمُوا الْمَدِينَةَ، فَاقْتُلُوا مُحَمَّداً"، فَقَالَ: صلى الله عليه وآله وسلم: "اللَّهُمَّ أَثْكِلْهَا وَلَدَهَا"، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَتَلَ بَنِي فَزَارَةَ، وَقَتْلَ وَلَدَ أُمِّ قِرْفَةَ، وقَتَلَهَا قَتْلاً عَنِيفًا؛ رَبَطَ بِرِجْلَيْهَا حَبْلَيْنِ ثُمَّ رَبَطَهُمَا إِلَى بَعِيرَيْنِ حَتَّى شَقَّاهَا. وَبَعَثَ بِدِرْعِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فَنَصَبَهُ بَيْنَ رُمْحَيْنِ"[8].6: في القيروانِ كان الشاعر إبراهيم الفزاري يستهزىء باللهِ وأنبيائهِ ونبينا محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فأفتى الفقهاءُ بقتلِه، فأمر القاضي يحيى بن عمرَ بتنفيذ قَتْلِه وصَلْبه، فطُعن بالسكينِ وصُلب مُنَكَّسًا، ثم أُنزل وأُحرق بالنارِ، وحكى بعضُ المؤرخين أنه لما رُفعت خشبته، وزالت عنها الأيدي، استدارت وحولته عن القبلةِ، فكان آيةً للجميعِ، وكبَّر الناسُ، وجاءَ كلبٌ فولغ في دمهِ.

1059

| 06 فبراير 2015

الانتصار لسيد المرسلين وكفايته المستهزئين

يا نَاطِحَ الجَبَلَ العالي لِيَكْلِمَه أَشفِقْ على الرّأسِ لا تُشْفِقْ على الجَبَلِ رسول الله — صلى الله عليه وآله وسلم — قمةٌ سامقة وجبلٌ شامخ والذين يحاولون النيل منه — صلى الله عليه وآله وسلم — مَثَلُهُم:كناطحٍ صخرةً يومًا لِيُوهِنَها فلم يَضِرْها وأوْهَى قرنَه الوعِلُو«لا يضر السحابَ نبحُ الكلاب، ولن يَضِيرَ السماءَ نقيقُ الضفادع».وكل المسلمين فداءٌ لرسول الله — صلى الله عليه وآله وسلم —.إمامَ المرسلينَ فِداكَ رُوحي... وأرواحُ الأئمةِ والدعاةْرسُولَ العالمينَ فِداكَ عِرضِي... وأعراضُ الأحبةِ والتقاةبالصور المسيئة من المجلة سيئة الصيت " شارل ابيدو" اهتزّ العالم الإسلاميُّ أجمع لتلك الصور المشينة التي تهدف إلى الإساءة إلى خير الخلق، رسول الله محمد — صلى الله عليه وآله وسلم —، وكم آلمت — هذه الأحداث — كل مسلم غيورٍ على دينه بل كل حر شريف، وسر هذه الحملات فى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ" وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا" والبشارة فى الصحيح: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ» فكيف بمن عادى محمدًا — صلى الله عليه وآله وسلم — الْمُرَادُ بِوَلِيِّ اللهِ الْعَالِمُ بِاللهِ الْمُوَاظِبُ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُخْلِصُ فِي عِبَادَتِهِ. وفى الذؤابة من ذلك صفوة الخلق — محمد صلوات الله وسلامه عليه — والمَعْنَى فَقَدْ تَعَرَّضَ لِإِهْلَاكِي إِيَّاهُ، فَأَطْلَقَ الْحَرْبَ وَأَرَادَ لَازِمَهُ أَيْ أَعْمَلُ بِهِ مَا يَعْمَلُهُ الْعَدُوُّ الْمُحَارَبُ، وفِي هَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ لِأَنَّ مَنْ حَارَبَهُ اللهُ أَهْلَكَهُ. هذا والذين يؤذون رسول الله — صلى الله عليه وآله وسلم — ملعونون في الدنيا والآخرة، (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا" وهذا الإيذاء يشمل كل أذِيَّة، قولية أو فعلية، مِن سَبٍّ وشَتْمٍ، أو تَنَقّصٍ له، أو لدينه، أو ما يعود إليه بالأذى. و{لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} أي: أبعدهم وطردهم، ومِن لَعْنِهِم في الدنيا أنه يُحتِّم قتل من شتم الرسول — صلى الله عليه وآله وسلم — وآذاه. {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} جزاءً له على أذاه، أن يؤذَى بالعذاب الأليم، فأذِيَّةُ الرسول — صلى الله عليه وآله وسلم —، ليست كأذِيَّةِ غيره،قال تعالى:"إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ" في هذه الآية وعد من الله — سبحانه وتعالى — لرسوله — صلى الله عليه وآله وسلم — أن يكفِيَه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة. وقد وفا — سبحانه وتعالى — فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسوله صلوات الله وسلامه عليه — — وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتَلَه شر قتلة. نماذج من عقاب الله — سبحانه وتعالى — للمستهزئين برسوله — صلى الله عليه وآله وسلم —:ومن هذه النماذج كما فى الصحيح أبو جهل "قال: «هل يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْن أَظهُرِكُم»، فَقِيلَ: «نَعَمْ»، فَقَالَ: «وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيتُهُ يَفعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ»، قَالَ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ — صلى الله عليه وآله وسلم — وَهُوَ يُصَلِّي — زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ — فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: «مَا لَكَ؟» فَقَالَ: «إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ، وَهَوْلًا، وَأَجْنِحَةً»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ — صلى الله عليه وآله وسلم —: «لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا ».—: عن ابْن عَبَّاسٍ — رضي الله عنهما — أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ — صلى الله عليه وآله وسلم — وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ — صلى الله عليه وآله وسلم — وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ — صلى الله عليه وآله وسلم — فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَنْشُدُ اللهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ»، فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ — صلى الله عليه وآله وسلم — فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا صَاحِبُهَا كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا» فَقَالَ النَّبِيُّ — صلى الله عليه وآله وسلم —: «أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ». وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا لَمْ يَكُفَّ لِسَانَهُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ — صلى الله عليه وآله وسلم — فَلَا ذِمَّةَ لَهُ فَيَحِلُّ قَتْلُهُ. وفِيهِ أَنَّ سَابَّ رَسُولِ اللهِ — صلى الله عليه وآله وسلم — يُقْتَلُ.—: بَعَثَ — صلى الله عليه وآله وسلم — بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ — فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ» فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ الله — صلى الله عليه وآله وسلم — أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ" أَيْ يَتَفَرَّقُوا وَيَتَقَطَّعُوا. فكان هلاك كسرى بأنْ سلط الله عليه ابنه شيرويه فقتله.—: ذكر الحافظ بن حجر في كتابه (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) أن بعض أمراء المغول تنَصَّر فحضر عنده جماعة من كبار النصارى والمغول فجعل واحد منهم ينتقص النبي — صلى الله عليه وآله وسلم — وهناك كلب صيد مربوط فلما أكثر من ذلك وثب عليه الكلب فخمشه فخلصوه منه. وقال بعض من حضر: «هذا بكلامك في محمد — صلى الله عليه وآله وسلم — ». فقال: «كلا، بل هذا الكلب عزيز النفس، رآني أشير بيدي فظن أني أريد أن أضربه»، ثم عاد إلى ما كان فيه فأطال، فوثب الكلب مرة أخرى فقبض على زرْدِمَتِه — بلعومه وحنجرته — فقلعها فمات من حينه، فأسلم بسبب ذلك نحو أربعين ألفًا من المغول

1401

| 29 يناير 2015

الطَّالِبُ الْمُتَدَيِّن

قوة في نفسه لذاته، قوة لوطنه، قوة لأمته، «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ"[1]، المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الخير بكافة جوانبه ونواحيه، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على عمل الصالحات ومحافظة عليها الفريضة منها والنافلة، وأسرع نفورا واشمئزازا مما سوى ذلك - محرمات ومكروهات-، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، هذا كله فضلا عن جِدِّه واجتهاده وحيوته ونشاطه في طلب العلم، لا يألو جهدا في هذا : يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ"[2] " وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ"[3]وهو بهذا يُعدِّه تدينه للرجولة الكاملة، وبهذه الرجولة يُرشحه تدينه الصادق الجاد الوثيق الصلة بالكتاب العزيز والسنة المطهرة، للحياة العاملة، حيث يُمكنه تدينه هذا من امتلاك ناصية عظائم الأمور ومفاتيح الخير من مثل الرأي الصائب، فيما يعرض له من أمور، والهدف الصحيح من الحياة، والفعل الخيِّر لوجه الله، والقول الطيب السديد، والحياة القويمة الرشيدة الهادفة، والجهد المنتج، والإدراك السليم لحقيقة مجريات الأحداث من حوله، والتأمل العميق فى آيات الله المنثورة والمسطورة، ومتى تكاثر هذا النوع من الطلاب والطالبات كان ذلك من اقوى العوامل لبناء مجد الأوطان وإعزاز شأنها، ولكن ما هي معالم طريق الطالب المتدين ؟؟ هو الذي يأخذ نفسه بأحكام الدين في العبادات، فيطهر نفسه ويرضي ربه ويكتسب حبه : فالله "يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ "[4] يأخذ نفسه بأحكام الدين في حسن المعاملة فيحبه أفراد المجتمع من حوله : «الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ»[5]، يأخذ نفسه بأحكام الدين في رفع مستوى تحصيله وإدراكه العلمي وتحسين قدراته العقلية، فيرفعه الله "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ"[6]ويرفع مستوى نفسه الأخلاقي بالاستقامة فيكون النجاح قرين خطوه ،حيثُما تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لَكَ اللهٌ نجاحاً في غابر الأزمان، "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ*نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ*نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ"[7]يدخل مدرسته أو يجلس على مكتب الدراسة – في المدرسة أو في البيت – بنية معقودة على مواصلة الدرس والنهم في طلب العلم، دونما كسل ولا توان، لا يشغله عن طلب العلم لهو أو لعب، ولا يصرفه عن ذلك عبث أو استهتار، كيف وقد دفع الله تعالى كوكبة من الملائكة لخدمته، رضا بما يصنع وسهل له طريقا إلى الجنة، مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا، سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ"[8] يعرف الطالب المتدين للمعلم حقه عليه، فلا يلقاه بما يكره، ولا يلفت بصره عنه، ولا يغلق سمعه دونه، فيكتسب محبته، ويقطف ثمرة عمره، وعصارة عقله، وخلاصة تجاربه وقطوف ذهنه، ويجني حرصه على بذل معونته في تعليمه وإفهامه، "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا! وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ"[9] إن المعلّم والطبيبَ كلاهما ... لا ينصَحانِ إذا لم يُكرما يحسن عشرته لزملائه فيعذب لهم لسانه، ويصفو لهم قلبه، فيثنون عليه، ويطوون له الجوانح، على الحب والود، ولا يكون ممقوتا معادى أحسنْ إلى الناسِ تستعبدْ قلوبَهمُ ... فطالما استعْبدَ الإنسانَ إحسانُ ويتحرون إفادته، بما فاته من دروس العلم، وهو كذلك معهم : "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى"[10]وكان عمر رضي الله عنه وجار له من الأنصار يتناوبان النزول من عوالي المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ العلم.، يبر والديه، يخفض لهما الجناح ذلة وانكسارا وعرفانا بالجميل، وذكرانا للمعروف، وإقرارا بفضل الله بهما، وسعيا حثيثا نحو تحقيق أملهما فيه وإجابة رجائهما منه، وليس لهما من أمل ولا رجاء إلا أن يكون رجلا ناجحا يسران به ويطمئنان على مستقبله فيكون لأسرته مجدا جديدا، وحلقة طارفة في سلسلة مجد الأسرة بله الأمة، يؤمن بأن الله محاسبه على كل صغيرة وكبيرة، وتسجل له ذلك ملائكته،" أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ"[11] "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ "[12] ويوم القيامة يجدونه كتابا " لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"[13]، لهذا لا تسوغ له نفسه، أن يخون إذا اؤتمن، وأن يكذب إذا حدَّث، وأن يغش إذا وثق به، وأن يخدع إذا طلبت منه النصيحة، يعتقد أن مستقبله بيد الله – وحده – فلا يدفعه إخفاق إلى اليأس والقنوط، ولا يدعوه نجاح إلى البطر والخيلاء، ولا يغالب أحدا على شيء ليس من حقه، ولا يتعجل شيئا مرغوبا فيه بوسيلة غير مشروعة في دينه، بل يجري في أموره على سنن النزاهة والعدالة راضي النفس بما يكتبه له القدر المحتوم، وبذلك تجتمع له كرائم الخلال وخصال الرجال ، ويكون في الآخرة من الصالحين، ولِمَ لا يبلغ هذا الشأن ولم يترك الدين فضيلة من الفضائل إلا حث عليها وإليها دعا، ولم يدَع صفة من حميد الصفات التي تبلغ بالمرء غاية من غايات الكمال الخلقي إلا رغَّب فيها وحبَّب، فأحكام الدين الإسلامي بيان مفصل بمكارم الأخلاق التي أجمع المفكرون والحكماء قديما وحديثا على أن سعادة الناس متوقفة على التعلق بأهدابها والتمسك بعروتها يجدون الطريق أمامهم ممهدا فإن ائتمروا بما أُمروا، وارعووا عما عنه زُجروا كانوا سعداء الدارين، "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ".

745

| 22 يناير 2015

حِكْمة التَثَبُّت قَبْلَ اِتِّخَاذِ القرار

قرارات المسؤولين في أي موقع إداري لها آثارها على سمعة الموظفين ومستحقاتهم المالية ومراكزهم الاجتماعية، ومستقبلهم الوظيفي؛ ولذا أمر الله تعالى عباده بالتدبر وتحري العدل، والتحقق والتثبت من المعلومات التي ترفع إليهم عن موظفيهم وأفراد دائرتهم حرصا على إصابة الحق والعدل، وفي نصوص الوحيين الكثير مما يُؤصل لهذا الخلق الإسلامي الرفيع، ومن ذلك سليمان عليه السلام في موضعين أولهما: عندما افتقد الهدهد في دوامه، لم يعجل باتخاذ قرار حتى يقف على سبب غيابه، فلعله يكون معذورا، "وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ* لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ"[1].. والثاني: عندما رفع إليه الهدهد تقريره عن مملكة سبأ، وقد تضمن، انحرافها وقومها عن الصراط المستقيم، وشاهد ذلك عبادتهم للشمس من دون الله، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ *إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ* وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ "[2] لم يعجل باتخاذ قرار حتى يتحقق من ثبوت ما ورد في النبأ "قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ"[3] وشرع فى اتخاذ ما يتأكد به من أخبار ومحتويات النبأ، وبهذا التثبت يأمر الوحي القرآني في موضع آخر تلافيا للندم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[4]،"فَتَبَيَّنُوا" وقرئت: (فتثبتوا) وكلتا القراءتين صحيحتان.. قرأ ابن مسعود (فتثبتوا) وغيره من علماء التابعين، وقرأ الجمهور (فتبينوا)؛ والتبين والتثبت بينهما اشتراك نسبي في المعنى.وفي نفس المعنى يأتي التوجيه الرباني لصفوة الخلق صلوات الله وسلامه عليه، عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ"[5]،وفي شق الوحي الثاني السنة المطهرة " "لَو أُعْطِي النَّاسُ بِدَعْوَاهمْ لادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهِمْ، وَلكِن الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ"[6]. في هذه النصوص الدلالة على وجوب التثبت من الأمور قبل البت فيها، وبين يدي اتخاذ قرار مصيري، ذلك أن الإسلام، دين القسط والرحمة، بل إن الإسلام ليسد الطريق على الوصوليين والنفعيين، والذين يأكلون زملاء لحوم العمل، ويقعون فى أعراضهم: ففي الحديث "لاَ يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا، فَإِنِّي أًحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِليْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ"[7]" والإسلام يحب للمسلم فضلا عن الموظف: أن يكون كريمَ الطباع حميدَ السجايا مهذبَ الأخلاق سليمَ الصدر مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر إذا تكلم غنم وإذا سكت سلم، ولتعلم أن لكل جوادٍ كبوة ولكل عالم هفوة وسبحان من له الكمال، فلا يكن خطأ الموظف سببا لانتقاص حقه أو فرصة للنيلِ منه، ومن تمام رحمة الله وحكمته، أنه لا يأخذ الجناة بغير إقامة الحجة والإقرار بها- ولهذا أرسل الرسل - عليهم السلام، وأنزل الكتب، في الدنيا بدليل "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"[8] "أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ"[9]"أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ*ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ "[10]، وفي الآخرة بدليل" يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ"[11] "وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ*قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ"[12] "كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ"[13]والحكمة من ذلك إقامة الحجة عليهم، وإسقاط أعذارهم، وتبديد حججهم،"رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا"[14] "وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى"[15] "وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"[16] وأنكر المولى تبارك وتعالى التسرع دون التثبت ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾][17].والحكمة من مشروعية التثبت قبل اتخاذ القرار: أن يكون المرء من أمره على بصيرة، ويشاهد في مرأى مرآة فكره صورة الخيرة، ويأمن من تردد الحيرة، وقد قيل: أصاب متأن أو كاد، وأخطأ مستعجل أو كاد، ولا زالت ثمرة العجلة الندامة، وما كان التثبت في شيء إلا زانه، وفي ذلك أيضا: اكتساب الثقة في تصرفات المسؤولين وإجراءات ولوائح تنظيم وتسيير العمل، والتمكين للألفة في القلوب في مجتمع ودائرة العمل، ونأيا عن أي مفاسد وأضرار قد تترتب على اتخاذ قرار بناء على معلومات غير موثقة ولا دقيقة، وحرصا على سير العمل وكثرة ووفرة الإنتاج وإشاعة لروح الود والعدالة، حيث يأمن الموظفون من الحيف، ويزول عنهم الخوف من أن يُؤخذوا بجريرة غيرهم، ومن أن يُؤخذوا بمجرد الظن، أو الشكاوى الكيدية في محيط العمل، ونتيجة لذلك يتعمق ولاؤهم لبيئة العمل، ويتضاعف جهدهم وإخلاصهم مما ينعكس على الإنتاج وفرة وجودة، ويُقبل الصالحون على العمل ويستقيم غيرهم، بل تستقيم الأحوال عموما وينقطع الفساد الإداري.

2703

| 15 يناير 2015

هل فرعون موسى مات مؤمنا؟

يحلو للبعض أن يأخذ بظاهر النصوص، ولاسيَّما من ليس من أهل العلم، فيقرر ما يشاء، ويقول على الله وفي كتاب الله بغير علم ـ وهو محرم - يقول بعضهم لقد آمن فرعون موسي ومات مؤمنا بدليل قوله تعال "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[1].. وأقول وبالله التوفيق، مما يؤيد ما أجمع عليه علماء المسلمين الأعلام من أن الله تعالى سلك فرعون موسى في عداد المجرمين بسبب جحودهم وإجرامهم، وما أنزله بهم من العقوبات كان نكالا لهم وعبرة لغيرهم، وهذه شهادة قاطعة، ممن لا أصدق منه قيلا، ولا أصدق منه حديثا - جل مذكورا وعز مرادا، وهو الذي يعلم السر وأخفى،"وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا"[2]، فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ"[3]، "قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ "[4]، قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا"[5]، قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا.".[6] وإليك ما جاء في هذه الشهادة قال تعالى "وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ*وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"[7]. في هذه الآيات: دلالة صريحة على أن فرعون استمر على كفره مدى عمره حتى آخره، فما انفك عن الكفر وقد قرنه الله تعالى بعاد وثمود وقارون وأخبر بما أنزله بهم من العذاب فكيف يزعم أحد بإيمان فرعون والله تعالى يصرح بأنه أغرقه عقابا له على كفره وبغيه وظلمه، في آيات العنكبوت الآنفة وثانيا في الحاقة "وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً"[8]، فقد رتب الله أخذهم على عصيانهم ليدلنا على أن عصيانهم كان العلة في عقوبتهم واستئصال شأفتهم، وذلك لإصرارهم على الكفر ومن سنن الله ألا يهلك الأمم بعقاب ماحق ساحق إلا إذا أصروا على الكفر وأجمعوا على تكذيب الرسل، والقرآن صريح في ذلك، وعودة إلى الآيات التي استدل بها من قال بإيمان فرعون ففيها البرهان على كفره أيضا ومن سنن الله تعالى أن من عاش على شيء مات عليه، لقد عاش فرعون موسى يدعي الألوهية، "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ[9]. وادعى أنه الرب الأعلى "فَحَشَرَ فَنَادَى* فَقال إنا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى"[10].. وتكون مشيئة الرب الأعلى الحق أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر، ويجعله عبرة للأولين والآخرين ثالثا في النازعات "فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى"[11]. مع اعتقاده السابق بألوهية نفسه، لا يُصدق في زعم الإيمان وهو يصارع الموت والموت يصارعه، ويكافح الموج والموج يلطمه، وقد أيس من النجاة وتراءى له شبح الموت المزعج، وعرف أنه أشرف على الطريق التي تنتهي به إلى عذاب الحريق فماعتم أن قال ".. آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[12].. رابعا هنا في آيات يونس: أرأيت لم يصرح بالإيمان عن معرفة وإذعان ويقين وعلم صادر عن دليل ساطع وبرهان قاطع، وإنما قال ما قال تقليدا لما كان يسمعه من بني إسرائيل فلا يعرف الإله الذي آمن به بنو إسرائيل حق المعرفة، وإلا لقال آمنت أنه لا إله إلا الله، وهي أخصر من عبارته وأنسب بحال غرقه، فلم يصدر قوله عن اقتناع بما يقول بل صدر تحت تأثير اليأس من الحياة في وقت لا تنفع فيه التوبة، ووقت "لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا"[13]، فهو إيمان اضطراري لا اختياري، ولو شاء الله تعالى ذلك الإيمان من الخلق كافة لفعل: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ "[14] "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا"[15]" وماذا عساه يُجدي التلفظ بكلمات الإيمان والتوحيد والقلب موحل بالشرك غارق بنتن الرجس، خاصة ممن أعلمنا الله جل في علاه بأنه من ألد أعدائه "فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ[16]، لقد كان ذلك منه خداعا، فقد ادعى الاستسلام تحت تأثير الموت الداهم ولذا قال تعالى له توبيخا وتقريعا "آلْآنَ" [17] تُؤمن حين يئست من الحياة وأيقنت بالممات، "وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ" طواعية واختيارا فكذبت رسولي، وعذبت عبادي وأسرفت في الأرض بغيا وعدوا وادعيت لنفسك ما هو من خصائص الألوهية الحقة، "وكنت من المفسدين "أي المغالين في الضلال والإضلال للغير "وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى"[18] "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ "[19] أي نخرجك مما وقع فيه قومك من أعماق البحر ونجعلك طافيا عليه ببدنك عاريا عن الروح ""لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً"[20] أي علامة وحجة لمن بقي بعدك من بني إسرائيل على صدق موسي فيما أخبرهم به من هلاك عدوهم "عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ"[21] وعلامة وحجة للأمم على مر التاريخ والعصور أن الإنسان وإن بلغ الغاية القصوى من عظم الشأن وقوة السلطان وعلو الكبرياء، فهو مملوك مقهور بعيد عن مظان الألوهية والربوبية، "وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ "[22].. كثير من الناس لا يتفكرون ولا يعتبرون في آيات الله ومن مجموع هذه النصوص ودراستها أجمع العلماء سلفا وخلفا على القول بكفر فرعون موسى وموته كافرا، وكل من خالف هذا الإجماع فقوله باطل، لا يُلتفت إليه؛ لأنه مصادم للنص القاطع وشاذ عن الإجماع الذي هو من أقوى الحجج القطعية.. هذا، وبالله التوفيق، ونعوذ بالله من الخزي والخذلان.

11902

| 08 يناير 2015

فراسة السيدة الأولى في هذه الأمة

نشأت السيدة الأولى في هذه الأمة في حياة صفوة الخلق وحبيب الحق[1]– نشأت في أحضان الفضيلة، تنمو في ظل اليسر والثراء تتغذى بلبان المعرفة من شيوخ قومها، وترشف معين الحكمة من عقلاء أهلها وترتع في ساحات السعادة والهناءة، ولما اكتمل شبابها تزوجت برجل من قومها، فلما فجعها الموت فيه أبت التزوج من غيره وانكفأت على الاتجار في مالها، وقد خبأ لها القدر الحكيم في غياهب الغيب حظا سعيدا الأمين محمدا[2] ليتجر لها في مالها فتسفر تجارته لها عن رجولة كاملة معالمها: أخلاق نبيلة عالية وأمانة نادرة وحلاوة في اللسان وصدق في القول وإخلاص في العمل وتفان في المهنة دعتها هذه المعالم إلى الرغبة في الاقتران به، وهي التي امتنعت من قبل عن سادات قريش الذين رغبوا في الزواج منها فبعثت إليه تتحسس دخيلة نفسه وتتلمس سريرته وأسفرت إليه قريبة لها تتعرف ميوله في الحياة الزوجية، وعرضت عليه تلك السفيرة الزواج بخديجة فتفتح قلبه لهذا العرض وقدر الله تعالى زواجها منه[3]-– فرأي في جانبها السعادة والهناءة فقد غمرته بحنانها، وأحاطته بعطفها، وشعرت في حياتها معه بنعيم لم تذقه من قبل وأحس معها براحة الضمير واطمئنان البال على يديها يُخفف الله تعالى من حدة ما ينزل به من مكروه ويُفرج ما يقع به من هم ويُبدد بحديثها ونجواها معه ما يُلم به من مخاوف يُذهب عنه الروع لما ينزل به من أحداث ولعل القارئ على ذكر لما قالته له يوم أن عاد إليها يرجف فؤاده أول ما نزل الوحي عليه قائلا لقد خشيت على نفسي فتقول: "كَلاَّ أَبْشِرْ فَوَاللهِ لاَ يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدَاً، واللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ ………"وتذهب إلى ابن عمها ورقة بن نوفل إلى آخر ما ورد في الصحيحين لكن جدير بك أن تتأمل هذا الجواب والرد منها وما اشتمل عليه من حكمة وصواب تجد عقلا رشيدا وقولا سديدا وفكرا صائبا ونظرا بعيدا، وتلك لعمرى منها الفراسة !! لله درها من سيدة تنطق بسديد القول وتتفجر الحكمة من فمها ولم تجلس إلى معلم ولم تتخرج في جامعة ولكنها الفطرة السليمة،والفطنة القويمة وهي هبة من الهبات"… وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ"[4] أقسمت على الله تعالى وهي بارة في قسمها أن الله تعالى لا يجازي على الإحسان إلا إحسانا، من أين جاءها هذا الفهم ،ومن أي مصدر استقت هذا الحكم. وهي بعد لم تعرف الإسلام؟، ولم تقتبس من نور الإيمان . إنها الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها وإن تعجب فعجب لاستنتاجها الذي وافق القرآن الكريم جملة وتفصيلا فهي تقرر أن مكارم الأخلاق تدفع المكاره وأن صنائع المعروف تقي مصارع السوء والقرآن الكريم يصدق قولها ويؤيد فهمها ذلك حيث يقول تعالى :" فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى *وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى"[5]. وتلك سنة الله تعالى في خلقه يقرها البرهان في الحياة العملية والحركة اليومية:" مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"[6]وكيف يصدق عقل أن أصحاب الرذائل يستوون وأصحاب الفضائل ؟ "ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ"[7]"أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ"[8]"" أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ*مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ"[9]وكيف يفكر إنسان في أن ينال خيرا وما عرف إلا الشر قولا وعملا :" أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ"[10]لقد وصفت رسول الله[11] بأصول المكارم من صلة للرحم ومعاونة للضعيف ومساعدة للفقير وإكرام للضيف والمواساة في المصائب وعند نزول الشدائد كل هذا إحسان وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان لقد كان قسمها بأن الله تعالى لا يخزيه وبشرته بعدم الخزي استقراء لماضيه واستشرافا لصفحة الغيب وقد كان ذلك منها[12] فراسة دالة على قلب طاهر ونفس زكية وروح عالية صافية تخترق الحجب فتتصل بالملأ الأعلى تستمد منه الحكمة ، لقد أذابت بهذه الكلمات المخاوف وبددت الشكوك ونفضت غبار الوساوس والهواجس التي كان يمكن أن تعتمل في النفس ولكن لله في خلقه شئون لقد سلطت من أشعة قلبها على زوجها ما بدد فزعه وهدَّأ من روعه فوقعت ألفاظها بردا وسلاما على قلبه[13]- لعله من أجل ذلك قدر الله تعالى لها أن عاشت في بيت النبوة وحيدة لم تزاحمها ضرة ولم تشاركها في زوجها[14] امرأة أخرى، أغنته عن غيرها من النساء طول حياته الزوجية التي بلغت ثمانية وثلاثين عاما انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين عاما، وهي نحو الثلثين من المجموع، ومع طول المدة فقد صان قلبها فيها من الغيرة ومن نكد الضرائر الذي ربما حصل له هو منه ما يشوش عليه بذلك، وهي فضيلة لم يشاركها فيها غيرها.ويوم أم ماتت[15] لم يملأ فراغها تعدد أزواجه[16] من بعدها ولم يسد مسدها من أتين بعدها، ولم يملك مكانها أحد من أزواجه الطاهرات[17] بل كان[18] يحن إلى عهدها ويذكرها كلما حزبه أمر أو نزل به كرب ، " وكان إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها واستغفار لها".[19] وكثيرا ما أكرم معارفها من أجلها ولأجل عين تكرم ألف عين مما جعل الغيرة تبدو على لسان عائشة[20] وهي أحب نسائه إليه.

1086

| 01 يناير 2015

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

5241

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

2358

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

1944

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

963

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

891

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

885

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

756

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
بين دفء الاجتماع ووحشة الوحدة

الإنسان لم يُخلق ليعيش وحيداً. فمنذ فجر التاريخ،...

678

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

651

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

627

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الشريك الرئيسي في إعداد الأجيال القادمة

كل عام، في الخامس من أكتوبر يحتفى العالم...

627

| 05 أكتوبر 2025

أخبار محلية