رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أوروبا آخر من يتحدّث عن حقوق العمال والبيئة

آخر من يتحدث عن حقوق العمالة والبيئة وكل ما يتعلق بحقوق الإنسان هو الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد انكشاف «عورته « ـ كما هو حال أمريكا ـ وسقوط «ورقة التوت» التي كانت تغطيه، بعد السكوت المخزي، بل والدعم الكامل للكيان الصهيوني، في أكبر وأشنع مجازر يشهدها العصر الحديث، على يد هذا الكيان في غزة. يتحدث الاتحاد الأوروربي عن قانون جديد يعتزم فرضه على شركات كبرى يتعلق بالعمالة والضريبة البيئية، وغالبا هذه القوانين تستهدف بالدرجة الأولى شركات أخرى غير غربية. وزير الدولة لشؤون الطاقة والرئيس التنفيذي لقطر للطاقة سعادة المهندس سعد بن شريدة الكعبي كان واضحا وصريحا جدا في حوار مع صحيفة فايننشال تايمز عندما سئل عن موقف قطر للطاقة إذا ما طبق الاتحاد الأوروبي قانون فرض ضريبة 5% على الشركات العالمية، «سنوقف شحن الغاز للاتحاد الأوروبي إذا فرضت دوله الأعضاء هذا القانون.. إذا كنا سنخسر 5% من الإيرادات التي نحققها بسبب البيع لأوروبا فلن نبيع لأوروبا.. «. * الوقائع المرة اليوم حول انتهاكات حقوق الإنسان تأتي من الغرب والاتحاد الأوروبي، الذي يصم أذنيه، ويغمض عينيه، عن تقارير تتحدث عن حجم تلك الانتهاكات، والشركات الغربية الكبرى التي تستخدم قسريا عمالة في مواقع عملها دون حقوق فعلية لهذه العمالة، فقط لأن هذه العمالة غير أوروبية، أو بمعنى أصح «ليسوا من أصحاب العيون الزرقاء «، ويتم استخدامهم في بيئات عمل غير مناسبة، ولا تتوفر فيها إجراءات الأمن والسلامة أو السكن الصحي المناسب، وحدثت حالات وفيات لعمالة في مواقع العمل بسبب عدم توفر إجراءات الأمن والسلامة، عدا عن استغلالهم بالعمل لساعات تزيد عما هو متفق عليه، دون مقابل أو أجر يتساوى مع ساعات العمل الإضافية، ثم يأتون إلى دولنا في العالم العربي أو في أفريقيا وربما في أمريكا اللاتينية، ليحاضروا عن القيم الغربية وحقوق الإنسان والحريات، ويضيفون إليها حقوق الطفل والمرأة، حسب مواصفات ومقاييس غربية، بينما كل هذه الحقوق ينتهكها الكيان الصهيوني ـ حليف الغرب ـ في أبشع صورها مع الإنسان الفلسطيني واللبناني، لكن لا يتم ذكر ذلك. * وفي دول الاتحاد الأوروبي نفسها استغلال بشع للعمالة غير الأوروبية، خاصة تلك التي أتت من بلدان آسيوية وأفريقية، وكثير منها يفقد حياته في مواقع العمل، لكن لا نرى تلك التقارير «الرنانة» عن تلك الشركات الغربية، وإذا ما تحدّثت بعض المنظمات الحقوقية عن تلك الانتهاكات فإنها تشير إلى أنها تصرفات فردية، ونابعة من الشركات وليس من أسس تلك الدول الغربية، بينما إذا ما حدثت حادثة أو وفاة عامل في شركة في دولة عربية أو أفريقية، فإن مئات التقارير سوف تصدر عن تلك الحادثة، ولن يعزوا ذلك إلى خطأ أو أنها حالة فردية لا ترتبط بإهمال، وسيشمل الانتقاد الدولة بكاملها، وستتهم بأنها المسؤولة عن هذه الحادثة. * وحسب القانون الذي يعتزم الاتحاد الأوروبي تطبيقه، والذي يستهدف تحصيل 5% من الشركات العالمية، فإن جزءا منه يتعلق بالبيئة، والسؤال من يدمّر البيئة ويقتل الإنسان، ويبيد الحجر والبشر غير دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا والكيان الإسرائيلي.. ؟!. من يدمّر البيئة ويلقي فيها كل المخلفات الممنوعة ونفايات الأسلحة المحرمة دوليا، وتكون قارات العالم الثالث مرتعا لذلك غير الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية؟ من ينهب خيرات وثروات أفريقيا وينقلها إلى بلدانه غير دول الاتحاد الأوروبي، ويحرم شعوب تلك الدول من الانتفاع بثروات بلدانها؟ في الوقت الذي تسارع دول عربية وآسيوية وأفريقية الخُطى في إصلاحات حقيقية في أنظمة العمل والبيئة وحقوق الإنسان..، يحدث العكس من ذلك في دول الاتحاد الأوروبي، من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والحريات والعمالة.. هذه حقيقة وإن حاولت دول الاتحاد الأوروبي القفز عليها. * في قطر مثلا، هناك صندوق خاص بدعم وتأمين العمال، يهدف لضمان حقوقهم وتوفير بيئة عمل صحية وآمنة لهم، وتعزيز منظومة العمل بالدولة، فهل في الاتحاد الأوروبي ما يوازي مثل هذا المشروع أو هذه المبادرة النوعية؟ قوانين وتشريعات الحفاظ على حقوق العمال وإلزام الشركات التي يعملون بها بعدم التخلف عن صرف رواتبهم بصورة فاعلة شهريا دول تأخير عبر آلية ربط نظام صرف الرواتب بوزارة العمل، وإذا ما تخلفت أي جهة عن ذلك فإن حظرا سيطولها مباشرة.. فهل هناك ما يحفظ للعمال حقوقهم بمثل هذه الصورة الواضحة..؟ قانون وقف العمل في ساعات ذروة الحرارة بالصيف هل يقابله قوانين في أوروبا تحفظ حقوق العمال إذا ما انخفضت درجات الحرارة إلى مستويات يصعب فيها العمل بالأماكن المفتوحة.. ؟. منظمة العمل الدولية افتتحت مكتبا لها بالدوحة وهو دليل على مدى التزام قطر، وما توفره قوانينها وتشريعاتها من حماية لحقوق العمال. * وفي مجال مواقف قطر الداعمة لدول بالعالم لمواجهة الآثار السلبية لقضايا المناخ، أعلن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى خلال مشاركته في قمة الأمم المتحدة للمناخ في 2019 عن المساهمة بمبلغ 100 مليون دولار لدعم الدول الجزرية والمخاطر الطبيعية والتحديات البيئية، وبناء القدرة على مواجهة آثارها المدمرة. هذه الأدوار الفاعلة لدولة قطر على الصعيد العالمي لا يتم الحديث عنها، وتقفز بعض الأطراف الغربية أو ما تسمى بمؤسسات في تلك المجتمعات، سواء بجهل أو بقصد، لتوجيه انتقادات غير منطقية، ولا تتسق مع الواقع، وبعيدة تماما عن حجم الجهود الجبارة التي تقوم بها الدولة، سواء على صعيد البيئة أو حقوق الإنسان، بل إن إحدى ركائز رؤية قطر 2030 هي التنمية البيئية، التي تحرص على الانسجام بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة. ** آن الأوان أن نقول كفى للغرب وقوانينه التي تستهدف نهب خيرات وثروات دول وشعوب العالم «الآخر»، تحت مسميات وتبريرات يفصلونها حسب متطلباتهم واحتياجاتهم، وبما يتفقون عليه من مصالح خاصة في دولهم، على حساب دولنا وشعوبنا. النمو الاقتصادي القادم والفرص الاستثمارية لن تكون محصورة في أوروبا فحسب، بل في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، فلماذا نرهن اقتصادياتنا وتوجهاتنا الاستثمارية في الغرب، ونضع كل ذلك في أوروبا «الشيخوخة»، التي كانت ولازالت وتعمل في المستقبل لنهب ثروات الشعوب؟!

1404

| 25 ديسمبر 2024

اليوم الوطني.. مسيرة عز وأمجاد

يمثّل اليوم الوطني محطة مهمة في مسيرة وطننا، محطة شكلت علامة فارقة من الإنجازات المتكاملة على مختلف الأصعدة، بفضل رؤية وحكمة وإخلاص قيادة هذا الوطن العزيز ورجالاته، الذين قدموا الكثير في مسيرة متعاظمة على مر السنوات، حتى وصلنا اليوم إلى ما نحن فيه من المكتسبات، التي هي محل تقدير وإشادة العالم أجمع، وليس أبناء هذا الوطن أو المقيمين على أرضه الطيبة. ربما الحديث عن الإنجازات التي حققها هذا الوطن بفضل من الله أولا ثم بالقيادة الحكيمة والمخلصة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، الذي تسلم الراية من حضرة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حفظه الله ورعاه، يستغرق الكثير من الوقت، والكثير من الكتابة والرصد والتوثيق، فما تحقق خلال مسيرة هذا الوطن منذ المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني طيب الله ثراه إنجازات حفلت بها سنوات طوال، قدم فيها رجالات قطر في علاقة نموذجية بين الحاكم وأهل قطر جميعا، الكثير من التضحيات، وخاضوا الكثير من التحديات، من أجل بناء مجتمع يسوده الوئام والتآلف والتعاضد، كأسرة واحدة، وتأسيس دولة يسودها العدل والمساواة والقانون، لينطلق الجميع معا لبناء هذا الوطن بروح الأسرة الواحدة، طوال هذه العقود من السنوات، الحافلة بالإنجازات والمكاسب على كل صعيد. لكن المؤكد أن الإنجاز الأكبر هو صناعة الإنسان الذي قامت عليه كل هذه الإنجازات، والتوظيف الصحيح لقدرات وإمكانات هذا الإنسان، الذي ظل على الدوام يتصدر أولى الأولويات لدى القيادة الرشيدة في هذا الوطن العزيز. الاهتمام بالمواطن هو الشغل الشاغل على الدوام لقيادتنا الحكيمة، التي ما فتئت تعمل من أجل توفير سبل الحياة الكريمة بكل أوجهها للمواطنين، حياة مصحوبة بالكرامة والعزة. * هذه الإنجازات التي ننعم بها اليوم، لم تأت صدفة، أو دون عناء، بل إنها بعد الله عز وجل تعود لحكمة القيادة وإخلاصها في العمل من أجل هذا الوطن ورفعة مواطنيه، وتسخير كل الإمكانات المادية والفكرية والعلمية من أجل ذلك، ومن أجل نهضة وتقدم هذا المجتمع وهذه الدولة بمؤسساتها المختلفة. الحديث عن قطر وما تتبوأه اليوم من مكانة، وما تلعبه من أدوار فاعلة، على الصعيد العربي والدولي، حديث يتجاوز الأطر الجغرافية المحدودة، ليشهد بذلك على هذه المكانة وهذا الحضور، وعلى هذه الإنجازات الكبرى في مختلف المجالات، دول وشعوب العالم أجمع، إن أتيت ذلك على الصعيد السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو التعليمي أو الصحي أو الاجتماعي أو الاستثماري... ففي أهم مؤشرين، واللذين عادة يقاس بهما تقدم المجتمعات، وهما التعليم والصحة، تتصدر قطر مراتب متقدمة عربيا ودوليا، ففي جودة التعليم تأتي قطر بالمركز الأول على الصعيد العربي والشرق الأوسط، وفي مؤشر الرعاية الصحية (جودة الحياة) تحتل قطر المركز 17 عالميا من بين 83 دولة حسب مؤشر «نومبيو». * هذه الإنجازات التي حققتها دولة قطر، اصطحبت معها الأخلاق والمبادئ والقيم والهوية الوطنية، التي تمثل ركيزة أساسية في كل المكتسبات التي تحققت، فهناك تكامل بين الإنجازات والحفاظ في نفس الوقت على قيمنا وأخلاقياتنا وديننا ومبادئنا، وهو أمر نعتز به، ونمضي به قدما جنبا إلى جنب مع انفتاحنا وتقدمنا وتطور مجتمعنا ونهضة وطننا. صحيح أننا في اليوم الوطني نحتفل بإنجازات كبرى في مختلف المجالات، ونهضة عمرانية، وبنى تحتية ومرافق ومنشآت على أعلى المواصفات، لكننا قبل ذلك نحتفل أن هذا المجتمع وهذه الدولة تأسست على ركائز وأركان قوية ثابتة راسخة كالجبال، من العلاقات الأسرية المتداخلة، والتواصل العميق بين أبناء المجتمع الواحد، والعلاقة النموذجية بين بيت الحكم والشعب، والبناء المؤسسي القائم على العدل والمساواة بين أبناء المجتمع، وهو ما خلق هذه الوحدة الوطنية الصلبة، واللحمة الاجتماعية القوية فيما بين أهل قطر جميعا. * إننا اليوم نحصد ثمار هذا الزرع الطيب الذي غرسه المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني طيب الله ثراه، وسار على نهجه أبناؤه وأحفاده إلى يومنا هذا بقيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه. احتفالنا باليوم الوطني تجديد للولاء والانتماء.. تجديد لروح الأسرة الواحدة.. تجديد لروح العمل الجاد لرفعة هذا الوطن وتقدمه... احتفالنا باليوم الوطني عهد ووفاء، لقيادة هذا الوطن ورجالات قطر الأوفياء، الذين بذلوا الغالي والرخيص، وخاضوا التحديات، وقدموا التضحيات من أجل هذا الوطن العزيز، والحفاظ عليه، والعمل على رقيه ونهضته وتقدمه وازدهاره... احتفالنا باليوم الوطني لنؤكد ويؤكد الأبناء والأحفاد أنهم على النهج سائرون، لا يغيرون ولا يتغيرون، يكملون مسيرة هذا الوطن المعطاء بكل ولاء وإخلاص وانتماء، يستلهمون من الماضي، لبناء حاضر مزدهر، ويستشرفون المستقبل بطموحات تعانق السماء... كل شعوب العالم يعيشون في وطن، لكننا نحن الوطن يعيش فينا.. كل عام وهذا الوطن.. قيادة وشعباً.. في عز ومجد وسؤدد..

525

| 18 ديسمبر 2024

منتدى الدوحة.. العالم في قطر

شكَّلت النسخة الثانية والعشرون من منتدى الدوحة الذي افتتح جلساته أمس حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله، منعطفاً مهماً في مسيرة هذا المنتدى الممتدة لنحو ربع قرن من الحوارات والنقاشات الثرية في قضايا إقليمية وعالمية متعددة المجالات. النسخة الثانية والعشرون ـ التي حملت شعار حتمية الابتكار ـ أتت بزخم عالٍ في مختلف الجوانب، إن كان ذلك على مستوى الحضور والذي يزيد على 4500 مشارك، أو نوعية المشاركين والذين من بينهم عدد من رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء خارجية ومسؤولين كبار وصناع قرار ـ أو تعدد الدول التي يمثلها المشاركون والتي يصل عددها إلى 150 دولة أتى منها هذا العدد الضخم من المشاركين، أو عدد الجلسات التي بلغت 80 جلسة ركزت على قضايا عالمية مُلحة والأكثر خطورة في العالم، وبحثت سبلا مبتكرة للتحديات، بدءا من التوترات الجغرافية السياسية، والأمن العالمي، وصولا إلى الأزمات الإنسانية والتطورات التكنولوجية. أزمات العالم تناقش اليوم بالدوحة، التي تمثل منصة تجمع جميع الأطراف الراغبة بالبحث عن حلول إيجابية لقضاياها المختلفة بكل موضوعية وشفافية. منصة باتت اليوم هي الأكثر مصداقية، والأكثر ثقة العالم بها، بعد تجارب أثبتت الدوحة بقيادتها الواعية والرشيدة أنها قادرة على إنجاز ملفات بالغة الدقة والخطورة بكل إتقان، بعيدا عن «الأنا» أو المصالح الذاتية، أو الأجندات الخاصة، وهو ما أكسبها احترام العالم أجمع وتقديره البالغ للدور الفاعل الذي تقوم به قطر، والاستماع إلى رأي القيادة القطرية حيال الملفات المطروحة بإنصات بالغ، وتقدير عالٍ، لأنها تعلم علم اليقين أن هذا الرأي لهو مجرد عن الأهواء والمصالح الشخصية، هدفه أولاً وأخيراً الأمن والاستقرار ومصالح الشعوب والبلدان التي تحتكم إلى قطر، وتطلب أطرافها المختلفة تدخلا منها لإيجاد حلول لأزماتها ومشاكلها. اليوم قادة العالم وسياسيوه وصناع قراره ومفكروه وأكاديميوه في قطر يتحاورون ويتناقشون ويطرحون أفكاراً لكيفية تجاوز أزمات تعصف بمناطق ودول وشعوب عديدة، ودوامة من العنف والدماء لا آخر لها، وجرائم تجاوزتها كل الحقب عبر التاريخ، وربما ما نشاهده لأكثر من عام في غزة نموذج لهذه الجرائم المُرتَكَبَة، والتي لم يسبق لها مثيل. هذا الحضور الكبير من أطياف ومكونات شتى من دول العالم الذين يشاركون بالمنتدى، يبرهن على ما تتمتع به الدوحة وقيادتها عالميا من مكانة عالية، ومصداقية رفيعة، وثقة كبيرة، وحضور فاعل، وأن هذا الحضور يعرف جيدا أن تواجده بمنتدى الدوحة سيخرج بأفق جديد، وتناول بنَّاء، ومعالجات حكيمة، وأطروحات واعية، لقضايا العالم المصيرية، وأزماته المتعددة، ومآسيه المثقلة، التي باتت تشغل العالم، وقد تقوده إلى دوامة أكثر من العنف، وتوسيع رقعة الصراعات في مناطق مختلفة، والدخول إلى أنفاق مظلمة، ستدفع الإنسانية جمعاء أثماناً باهظة جراء السكوت على ما نشاهده اليوم من انفلات لزمام الأزمات، وتشابكها وتداخلها في أماكن عدة. منتدى الدوحة بات يشكل علامة فارقة كمنصة يلتقي خلالها العالم للتحاور ومناقشة قضاياه، وابتكار الحلول، والبحث عن طرق جديدة لمواكبة كل ما يُستَجد في عالم متسارع في كل المجالات، بما فيها أساليب حل المنازعات، وما استمراريتها طوال هذه السنوات، إلا دليل على نجاحها وتميزها، وأنها باتت تشكل مرجعية مهمة على الصعيد العالمي. وما يميز كذلك منتدى الدوحة أنه يجمع كل الفرقاء، المتفقين أو المختلفين، فجميعهم يجدون بالدوحة صدراً رحباً، يلتقون ويتحاورون، ويؤسسون في كثير من الأحيان للقاءات قادمة، تكون نواتها ومنطلقها من الدوحة، التي تدير كل اللقاءات وتستوعب كل الملفات، بعقل واعٍ، وسياسة حكيمة، وتوجُّه راشد. لذلك حققت قطر نجاحات كثيرة وكبيرة في ملفات صعبة، ظنها الكثيرون أنه لا يمكن إيجاد حلول لها، فجاءت وساطة قطر لتفكك تلك الأزمات، وتوجِد حلولاً ممكنة، تُترجم على أرض الواقع، وتحقق أرضية مشتركة للقاء الفرقاء، وإتمام اتفاقات بارعة، أخمدت صراعات قائمة، وأغلقت ملفات كانت مفتوحة لسنوات. إحدى ركائز النجاحات التي حققتها قطر عبر وساطاتها في ملفات عديدة يرتكز حسب ما قاله معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية إلى «الرؤية في التعامل مع الأزمات بنظرة شمولية، تتمحور حول الإنسان، وتستوعب الصراع من جوانبه المختلفة، الإنسانية والاقتصادية والسياسية والميدانية، وتبحث في الحلول الجزئية التي تقود إلى معالجة شاملة، وتقسم جذور الصراع ومسبباته إلى ملفات يمكن التعامل معها». هذه الرؤية القطرية التي تتمحور حول الإنسان، وتجعله في صدارة أولوياتها، وتدافع عن قضاياه في أي بقعة كان، وتبحث عن حلول لمشاكله وأزماته، تقدم للعالم نموذجاً في كيفية التعامل مع الأزمات إذا ما أراد حلولاً جذرية وعادلة لها. السياسة القطرية سياسة أخلاقية وإنسانية، وهي من الدول القلائل ـ إن لم نقل من النادر ـ التي تصطحب الأخلاق في تحركاتها، تحترم الإنسان، وتقدس حياته، وتعمل جاهدة على حمايته، وتوفير حياة كريمة له، حتى في النزاعات تؤكد دائما على ضرورة حماية المدنيين من أي استهداف. اليوم أهم الملفات والأزمات في العالم وفي مقدمتها غزة وسوريا تنَاقَش بالدوحة، وتبحث الأطراف المعنية حلولاً لها، وتعود الدوحة مجدداً لتكون حاضنة لمباحثات السلام والاستقرار في مناطق النزاعات، ثقة من العالم بقدرات قطر، ودورها المهم والفاعل، ورصانة سياستها ودبلوماسيتها، وحكمة إدارتها، ونواياها الصادقة. منتدى الدوحة صاحب نسخته هذا العام أحداث وتطورات على صعد مختلفة في العالم، سياسية وعسكرية وأمنية، لكن اللفتة الأهم في هذه النسخة أيضاً قيام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، بتكريم نخبة من الإعلاميين الذين دفعوا أثماناً باهظة وهم يؤدون مهام عملهم في نقل الحقيقة، وتعرضوا للاستهداف المباشر خلال قيامهم بعملهم بنقل الجرائم التي تقوم بها «إسرائيل» في غزة ولبنان، وفضح ممارساتها الإجرامية. هذه اللفتة الكريمة التي تمت بحضور رؤساء وقادة ومسؤولين وصناع قرار من 150 دولة هي رسالة واضحة للعالم عن إيمان قطر وقيادتها بدور الإعلام الحر ومكانة الإعلاميين في نقل الحقيقة، وأهمية دعم ومساندة الإعلام الحر والإعلاميين للقيام بمهام عملهم بكل حرية بعيداً عن الاستهداف.

618

| 08 ديسمبر 2024

5 نوفمبر 2024.. تاريخ مشهود في مسيرة الوطن

سيظل الخامس من نوفمبر 2024 تاريخاً محفوراً بالذاكرة القطرية، جسّد اللحمة الوطنية والتلاحم وإعلاء مصلحة الوطن العليا في أبهى صورها، وشكّل يوما آخر من أيام الولاء والتكاتف والأسرة الواحدة في قطر. صحيح أن هذا اليوم، وهو الاستفتاء على مشروع التعديلات الدستورية، قد ينظر إليه البعض أنه مجرّد تصويت على مواد دستورية، لكنه في رسالته الأشمل كان عنواناً بارزاً لوحدة وطنية، تعزز من النسيج الاجتماعي المتماسك والقوي بين أهل قطر جميعاً، والمتجذر عبر عقود من الزمن، والمتوارث عبر الأجيال. صورة التلاحم ظهرت جلية بين كافة أفراد المجتمع، فالمشاركة الشعبية الواسعة النطاق منذ اللحظات الأولى لفتح أبواب التصويت قالت بصوت واحد: تجمعنا قطر.. ونلتف خلف القيادة الرشيدة. إنه يوم استثنائي في مسيرة هذا الوطن العزيز، أكد فيه رجالاته وأبناؤه أنهم على قلب رجل واحد، ويشكلون جسداً واحداً. كان سمو الأمير المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظه الله ورعاه، منذ الصباح الباكر في مقدمة المتجهين إلى مقار الاقتراع ليدلي بصوته كواحد من أفراد هذا الشعب، وكمواطن بار ومخلص لوطنه، أصر على أن يتوجه سيراً على الأقدام للوصول إلى مقر الاستفتاء بكل تواضع وبساطة دون تكلف أو رسميات، وفضّل أن يدلي بصوته حضورياً، ليؤكد مجدداً في رسالة واضحة هذه العلاقة الوطيدة والمتأصلة التي تربط القيادة بالشعب في قطر، بعيدا عن الرسميات، وهو ما عهدناه دائما من سمو الأمير في علاقته مع أبناء شعبه. وهكذا شاهدنا سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي تواجد حضورياً بمقر لجنة التصويت للإدلاء بصوته في الاستفتاء ليضرب مثلاً رائعاً، وليعزز روح الأسرة الواحدة التي تجمعنا في قطر، كبيرنا وصغيرنا. والأمر كذلك مع سمو نائب الأمير الشيخ عبدالله بن حمد آل ثاني، وسمو الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لسمو الأمير، وسمو الشيخة موزا وحرم سمو الأمير الشيخة جواهر، وشخصيات كثيرة من رجالات قطر فضّلت الحضور المباشر. شاهدنا بالأمس صورة مميزة أخرى من المجتمع القطري الذي عرف على الدوام عبر التاريخ أنه المجتمع المتآلف والمتحاب والمتجانس والمتماسك، ضرب مثالا رائعا في الحضور والمشاركة الشعبية الواسعة منذ الصباح الباكر حتى اللحظات الأخيرة من موعد إغلاق صناديق التصويت على مشروع التعديلات الدستورية. كلنا في قطر أهل.. قالها سمو الأمير المفدى، فترجمها المواطنون عبر هذه المشاركة الشعبية الفاعلة والإيجابية، والتي قالت بملء الأفواه: لبيه سمو الأمير.. ونعم للتعديلات الدستورية. مشاهد كثيرة خلال الاستفتاء حملت رسائل مميزة عن الوطن وأهله، إن كان ذلك على حجم المشاركة الشعبية، أو صعيد التلاحم الشعبي، أو العلاقة الأصيلة بين القيادة والشعب، والثقة المتبادلة بين سمو الأمير المفدى وأبناء شعبه، أو على مستوى الوعي والإدراك لأهمية هذه التعديلات على مسيرة الوطن، أو مشاركة قطاع واسع من الشباب، أو تلك التي رأينا فيها الكثير من المواطنين الذين اصطحبوا أبناءهم الأطفال معهم خلال التصويت، لترسيخ المعاني الوطنية، ولتظل المواقف الوطنية راسخة في أذهان وعقول الأبناء، ولتتناقل الأجيال هذه المواقف العالية القدر والمرتبطة بالوطن جيلاً بعد جيل. ملحمة وطنية سجلها أهل قطر في المشاركة والحضور، على الرغم من وجود خيارات أخرى في التصويت، منها عبر تطبيق «مطراش»، إلا أنهم فضلوا الحضور المباشر في مقار التصويت الورقي والإلكتروني. ولابد هنا من التنويه بالجهود الكبيرة، والتجهيزات العالية، والتسهيلات النوعية، التي قامت بها اللجنة العليا للاستفتاء برئاسة سعادة الشيخ خليفة بن حمد بن خليفة آل ثاني رئيس اللجنة وزير الداخلية، وللدور الكبير الذي قامت به وزارة الداخلية عبر خدمات وسلاسة إجراءات وتسهيلات وفرتها للمواطنين، والذين حضروا للتصويت في المقار المخصصة الـ «28» مقرا، والتي فاقت كل التصورات، حتى وصلت لتوفير سيارات صغيرة لنقل كبار السن ومن يرغب من المواطنين، من مواقف السيارات إلى أبواب اللجان ومقار التصويت، مع ترحيب وتسهيل في الإجراءات، فلا تكاد تستغرق عملية التصويت أكثر من دقيقة في غالبية المقار، وهو أمر يحسب للإخوة بوزارة الداخلية بقيادة سعادة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني. ولا ننسى متابعة معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية وحرصه على تفقد مقار التصويت، والوقوف على جاهزيتها، وهو دليل على حرص الحكومة على توفير كل السبل لإنجاح هذه المشاركة الشعبية، وتقديمها بأفضل صورة، فأي حدث أو مناسبة تقام في قطر ينتظر دائما أن تكون مميزة، فما بالكم إذا كانت هذه المناسبة هي الاستفتاء على تعديلات دستورية، تمثل تاريخاً مهماً في مسيرة هذا الوطن؟. 5 نوفمبر 2024، سيظل يمثل محطة تاريخية مهمة في مسيرة وطننا، تتعزز به وحدتنا الوطنية، ويزداد نسيجنا الاجتماعي تلاحماً، ومجتمعنا تماسكاً وقوة ومنعة، ونبني على مكتسباتنا وإنجازاتنا وإرثنا التاريخي مستقبلاً أكثر إشراقاً لوطننا.

939

| 06 نوفمبر 2024

من أجل هذا.. نقول نعم للتعديلات الدستورية

المرسوم الذي أصدره حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، «حفظه الله ورعاه»، بدعوة كافة المواطنين ممن أتموا سن الثامنة عشرة للمشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، يوم الثلاثاء المقبل الثالث من شهر جمادى الأولى 1446 هجرية، الموافق الخامس من نوفمبر 2024، تتجلى فيه من جديد روح العلاقة التي تربط بين بيت الحكم والشعب في قطر. تجسد هذه الدعوة عمق علاقة التواصل والتشاور القائمة منذ الأزل بين الأسرة القطرية الواحدة، الحاكم والشعب، وهي علاقة على امتداد التاريخ كانت ولا تزال علاقة نموذجية، تحكمها أعراف وتقاليد مترسخة، قال عنها سمو الأمير المفدى في خطابه أمام مجلس الشورى في 15 الشهر الحالي « إن علاقة الشعب بالحكم في قطر هي علاقة أهلية مباشرة، وثمة أعراف وآليات معروفة للتواصل المباشر بين الشعب والحكم «. إن الدعوة الكريمة التي وجهها سمو الأمير حفظه الله ورعاه للمشاركة الشعبية في الاستفتاء تفرض علينا جميعا أن نكون على قدر المسؤولية التي أولاها إيانا سمو الأمير، فحرص سموه على مشاركة أبناء شعبه في هذا الحدث دليل على مدى الثقة التي يوليها لنا، مما يفرض على الجميع المشاركة الفاعلة والإيجابية في الاستفتاء، وأن نعزز من خلال هذا الاستفتاء وحدتنا الوطنية التي تمثّل مصدر قوتنا بعد الله عز وجل. هذه الوحدة الوطنية التي استطعنا من خلالها أن نتجاوز كل التحديات التي واجهت مجتمعنا، وشكلنا جبهة داخلية قوية، ولحمتنا الوطنية مثلت نموذجا نفتخر به على الدوام، ونسيجنا الاجتماعي الذي لم يتزعزع، بل زاد قوة مع كل تحدٍ مر علينا. إن هذه التعديلات الدستورية تهدف لتعزيز هذه الوحدة الوطنية، التي لاشك أن الجميع حريص عليها، وحريص على ترسيخها في مجتمعنا بصورة أكبر، خاصة أمام أجيالنا، الذين يعيشون عصر العولمة والانفتاح، مما يفرض علينا أن نعلي هذا الهدف، ومسؤولية ذلك ليس فقط مسؤولية رسمية حكومية، إنما نحن جميعا مسؤولون على تعزيز هذه الوحدة الوطنية، وما هذه التعديلات الدستورية إلا تصب في هذا المسعى العظيم، وهذا الهدف الكبير، الذي قال عنه سمو الأمير المفدى» حفظه الله ورعاه « غايتان تجمعهما التعديلات الدستورية والتشريعية المرتبطة بها: الحرص على وحدة الشعب من جهة، والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات من جهة أخرى «.. « المساواة أمام القانون وفي القانون أساس الدولة الحديثة، وأيضا واجب شرعي وأخلاقي ودستوري، إنه العدل الذي أمرنا الله به، ولا نقبل بغيره، « إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل «. مما لا شك فيه ان هذه التعديلات ـ كما أكد سمو الأمير في خطابه أمام مجلس الشورى ـ تحقق المصلحة العليا للدولة، وتعزز من قيم العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع القطري، وهي رؤية ثاقبة تدفع نحو المشاركة الايجابية في تحقيق المزيد من الانجازات والمكتسبات، والسعي نحو تنمية شاملة لمواصلة مسيرة النهضة التي يعيشها مجتمعنا بفضل القيادة الحكيمة لسمو الأمير المفدى. نعم للتعديلات الدستورية لأنها تحقق مصلحة الدولة والمجتمع، وتعزز من الوحدة الوطنية، وترسخ من اللحمة المجتمعية، وتزيد من ترابط النسيج الاجتماعي في مجتمعنا المتكاتف والمتعاون والمتعاضد والمتداخل. تعديلات دستورية نحمي بها مجتمعنا، في ظل عواصف لا تكاد تتوقف بالمنطقة، وأزمات لا تكاد تنطفئ، وهو ما يستوجب علينا أن نعي كل هذه التحديات، ويفرض علينا رص الصفوف لتعزيز هذه الوحدة الوطنية، التي كانت على الدوام الصخرة التي تكسرت عليها كل التحديات، بعد الله عز وجل، وهو ما يجعلنا حين نراجع التجارب التي مررنا بها، أن نضع على الدوام وحدتنا وتماسكنا فوق أي اعتبار. كان يمكن لسمو الأمير المفدى أن يصادق على مشروع التعديلات التي رفعها مجلس الشورى، وهو من حقه، إلا أنه أبى إلا أن يطرحها على الشعب في استفتاء عام، ليترك الأمر بيد الشعب ليقرر ماذا يريد، وليؤكد على دور المواطن في صناعة القرار.. إنها قمة المصارحة والشفافية، وقمة التشاور والتواصل بين الحاكم والشعب. هكذا تتجلى العلاقة الوطيدة والراسخة بين الشعب والحكم في قطر، وهي صورة واحدة من صور شتى فيها من التجانس والتناغم والتوادد الشيء الكثير. نحن مدعوون جميعا ـ مواطنين ومواطنات ـ للمشاركة الفاعلة في الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، وهو واجب علينا جميعا في القيام به تجاه الوطن وأجيالنا القادمة، وأمانة مسؤولون عنها، وطاعة لولي الأمر الذي دعانا للمشاركة في هذا الاستفتاء. علينا اليوم مسؤولية تاريخية تجاه وطننا وتجاه قيادتنا، وعلينا أن نكون على قدر هذه المسؤولية، وأن نؤكد على ثقة سمو الأمير حفظه الله الذي حرص على اشراك المواطنين في صناعة القرار عبر الاستفتاء، مما يتطلب منا جميعا أن نكون إيجابيين وفاعلين يوم الخامس من نوفمبر 2024، الذي سيكون يوما معززا لوحدتنا الوطنية، نفتخر به، ونفتخر بقيادتنا الرشيدة، الحريصة على تأدية الأمانة، والحكم بالعدل. موعدنا 5 نوفمبر لنكمل البناء في مسيرة هذا الوطن المعطاء.

2061

| 30 أكتوبر 2024

خطاب تاريخي مهم لسمو الأمير أمام مجلس الشورى

كلنا في قطر أهل.. خطاب تاريخي مهم لسمو الأمير أمام مجلس الشورى في مسيرة الأمم والمجتمعات محطات تاريخية ومفصلية، تظل محفورة في الذاكرة، وتتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، وتحفظها وتتذكرها بفخر واعتزاز. وفي مسيرة هذا الوطن، هناك العديد من هذه المحطات العظيمة التي شكلت مراحل مهمة، سمت فيها مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، وكانت الوحدة الوطنية مصدر القوة الحقيقية بعد الله عز وجل. نقول هذا ونحن قد أنصتنا باهتمام بالغ إلى الخطاب السامي لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، أمام دور الانعقاد العادي لمجلس الشورى، وما حمل من مضامين ورسائل عظيمة وغاية في الأهمية، تؤكد من جديد ما هو مؤكد في العلاقة التي تربط الشعب بالحكم في دولة قطر، والتي كانت على مر التاريخ ولا تزال نموذجا في التواصل والتشاور والثقة المتبادلة. إن الشعوب الحية هي التي تراجع مسيرتها باستمرار، وتعمل على تصحيح مساراتها ـ إن تطلب الأمر ـ بكل شفافية وجرأة، وبطريقة مدروسة، وبالتالي تتفاعل مع معطيات كل مرحلة بما يتفق ومصلحة مجتمعها وأبنائه، ونهضة وتطور كيانها بصورة صحية. التغيير المدروس.. هو ما استهل به حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، عند الحديث عن الدستور الدائم، وأن هذا التعديل، كما أشار سموه، يأتي «انطلاقا من مسؤوليتي وواجبي تجاه وطني وشعبي لما فيه الخير في الحاضر والمستقبل، فقد ارتأيت أن تلك التعديلات تحقق المصلحة العليا للدولة، وتعزز من قيم العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع القطري». هذا الشعور بالقيام بتأدية الأمانة على أكمل وجهها، يجعلنا نفتخر بقيادة سمو الأمير المفدى، وحكمته ورؤيته الثاقبة لحاضر ومستقبل هذا الوطن وأجياله. * هذه التعديلات الدستورية والتشريعية تجمعهما غايتان، كما قال سموه، في خطابه التاريخي المهم «الحرص على وحدة الشعب من جهة، والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات من جهة أخرى».. «المساواة أمام القانون وفي القانون أساس الدولة الحديثة، وأيضا واجب شرعي وأخلاقي ودستوري، إنه العدل الذي أمرنا الله به، ولا نقبل بغيره، قال تعالى «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل». على الدوام ظلت الشورى نهجاً متبعاً عند القيادة مع أبناء شعبها، ولم يغب هذا النهج التشاوري، وأهل قطر أسرة واحدة، بتواصلهم وتعاونهم ووحدتهم وتعاضدهم..، وبكلمات بسيطة عبر سمو الأمير المفدى عن هذه الصورة بالقول «كلنا في قطر أهل». * بالفعل في قطر.. كل قطر أهل، ونسيجنا الاجتماعي واحد، ومتداخل ومتجانس، وروح الألفة والمحبة والمودة تجمعنا، ولا يمكن أن يفصل بيننا شيء، هذا رهاننا دائما، وعبر التاريخ كانت «وحدتنا الوطنية مصدر قوتنا بعد التوفيق من الله سبحانه وتعالى، في مواجهة كل التحديات التي مررنا بها، ومن ثمّ فإن علينا دائما حين نراجع تجاربنا أن نضع وحدتنا وتماسكنا فوق أي اعتبار»، هذه هي رؤية أهل قطر عبّر عنها سمو الأمير المفدى في خطابه الشامل والجامع أمام مجلس الشورى، فكان لسان صدق معبر عن أهل قطر جميعهم، الذين يؤمنون إيمانا تاما كاملا بهذه الرؤية التي تحدث عنها سموه. * عبر التاريخ تجاوزت قطر وأهلها كل التحديات من خلال وحدتهم واللُحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي القوي، والجبهة الداخلية المتماسكة، فكانت سدا منيعا أمام كل العواصف والتحديات التي مرت بها، وهو ما ميّز قطر وأهلها. المؤسسة الشوروية في قطر راسخة، والإيمان بها متجذر، وعلاقة الشعب بالحكم علاقة أهلية مباشرة، دون حواجز أو عوائق، والتواصل والتشاور يأخذ أشكالا متعددة، وأدواتها مختلفة، تصب في نهاية المطاف بخدمة الوطن وإعلاء شأنه، وخدمة المواطن وتوفير الحياة الكريمة له، وهي من الأولويات التي يركز عليها سمو الأمير المفدى، بأن يجعل المواطن يتصدر هذه الأولوية، ويوصي كل الجهات بتذليل الصعاب، وتوفير الخدمات بجودة عالية، ويؤكد سموه دائما أن التنمية هدفها الإنسان. صورة المجتمع الواحد تجلت في قطر في مواقف كثيرة، وبصور عديدة، وهو أمر نفخر به، ونعتز بترجمته على أرض الواقع، من خلال هذا الترابط الذي يجمعنا، ومن خلال هذه الروح التي تسود بين أهل قطر. * كان بإمكان سمو الأمير المفدى أن يصادق على هذه التعديلات القانونية بما فيها التشريعات الدستورية، بعد أن انتهى من إعدادها مجلس الوزراء، لكن سمو الأمير، وثقة بشعبه الوفي أبى إلا أن يحيل هذه التعديلات الدستورية للاستفتاء الشعبي، ليقول الشعب كلمته فيها، وليبدي رأيه.. إنها قمة المصارحة والشفافية، وقمة التشاور بين الشعب والحكم. هكذا تتجلى هذه العلاقة الوطيدة والراسخة بين الشعب والحكم في قطر، وهي صورة واحدة من صور متعددة فيها هذا التجانس والتناغم. لذلك اليوم جميع أهل قطر، مواطنين ومواطنات، مدعوون للمشاركة الفاعلة في الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، وهو واجب علينا جميعا في القيام به تجاه الوطن، وأمانة مسؤولون عنها، وطاعة لولي الأمر الذي دعا للمشاركة في الاستفتاء. * يجب علينا كأفراد القيام بواجباتنا في هذه المرحلة المهمة من تاريخ هذا الوطن الغالي، وإكمال مسيرة المكتسبات التي تحققت طوال عقود مضت من العمل المضني للآباء والأجداد والأسلاف، الذين قال عنهم سمو الأمير المفدى «في مثل هذه الأيام أتذكر بفخر أسلافنا الذين تمسكوا بهذه الأرض، وكافحوا من أجل البقاء عليها، ولم يبخلوا بالتضحيات». علينا اليوم أن نكون على قدر المسؤولية التاريخية، وأن نكمل الأدوار العظيمة لآبائنا وأجدادنا، نحافظ على إرثهم وعطاءاتهم، ونبني عليها بجهد وجد واجتهاد وعمل وإنتاج..، حتى تكون لنا بصمة إيجابية في مسيرة هذا الوطن، ويأتي من بعدنا أبناؤنا وأحفادنا يفتخرون بما أنجزناه لهذا الوطن المعطاء. * إخلاصنا وولاؤنا لقيادتنا ولوطننا يجب أن يترجم إلى أعمال وإنجازات ومكتسبات يفتخر بها الوطن، وتكون نبراساً لمن يأتي بعدنا لإكمال هذه المسيرة، فليس هناك أعذار أمامنا أبدا، فقطر تستحق منا الأفضل دائماً. * كلمات الشكر والعرفان لا توفي سمو الأمير المفدى حقه ودوره التاريخي العظيم في هذه المرحلة المهمة التي تعيشها قطر ويعيشها هذا الوطن العزيز، من مكانة عالمية باتت تتبوأها ويشار إليها بالبنان، وبنهضة وتقدم وازدهار على الصعيد الداخلي باتت حديث القاصي والداني. * نؤمن جميعا بما قاله سمو الأمير بأنه لا بديل عن الجمع بين الإرادة الصلبة والحكمة، وبأن قيمنا وأخلاقنا وتواضعنا وحبنا لوطننا هي مصادر قوتنا ومبرر ثقتنا بالمستقبل.

1572

| 16 أكتوبر 2024

الأمير يكشف للعالم همجية العدوان على غزة

صاحب السمو يلقي خطاباً استثنائياً عن فلسطين في الأمم المتحدة.. الأمير يكشف للعالم همجية العدوان على غزة خطاب العدالة والانتصار للحق.. خطاب فلسطين بامتياز.. خطاب يمثّل الوجدان القطري ولسان حال الشعوب العربية والإسلامية وشرفاء الأمة وأحرار العالم.. خطاب يكشف للعالم حقيقة ماتتعرض له فلسطين منذ أكثر من 7 عقود .هذا أقل ما يمكن أن يوصف به خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحضور رؤساء دول وحكومات أكثر من 200 دولة.في كل مرة يخطب فيها سمو الأمير المفدى تتابع الشعوب العربية والإسلامية باهتمام كبير ما يعلنه من مواقف، كونه يمثل لسان حالها تجاه مجمل القضايا المطروحة على الساحتين العربية والإسلامية وأبرزها مواقف قطر الجريئة والصادقة والحاسمة بشأن القضية الفلسطينية، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إبادة.وفي كل مرة يلقي سموه خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يستأثر الخطاب باهتمام دول العالم، لما ينطوي عليه من رؤى حكيمة تؤكد التزام دولة قطر بواجباتها الدولية، ودورها الحضاري والإنساني لحل النزاعات عبر جهود الوساطة والحوار والتلاقي كسبيل وحيد لحل النزاعات الإقليمية والدولية. وفي كل مرة تتصدر القضية الفلسطينية خطابات سمو الأمير المفدى في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي جميع المحافل الإقليمية والدولية، باعتبارها القضية المركزية لأمتنا، ونعتبرها قضيتنا نحن في قطر قيادة وشعباً، ولا يمكن أن تسقط من ذاكرتنا أو أجندتنا، كما أشار سمو الأمير بالقول «في كل عام أقف على هذا المنبر وأبدأ كلمتي بالحديث عن قضية فلسطين، وغياب العدالة ومخاطر الاعتقاد أنه يمكن تجاهلها، وأوهام السلام من دون حلها حلاً عادلاً، فعلت ذلك كل عام في الوقت الذي باتت قضية فلسطين تغيب عن خطابات ممثلي قوى رئيسية في عالمنا»، فكانت البداية لخطاب سموه وصفه لما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من عدوان سافر، هو الأشد همجية وبشاعة، والأكثر انتهاكًا للقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية، مؤكدا أنها جريمة إبادة بأحدث الأسلحة لشعب محاصر في معسكر اعتقال لا مهرب فيه من وابل القنابل الذي تلقيه الطائرات. عدا عن الرسائل والمفردات والفقرات التي وردت في خطاب سمو الأمير المفدى، حفظه الله ورعاه، والتي كانت تدافع عن فلسطين، الأرض والشعب، كانت نبرات صوته، وملامح وجهه، وحركات جسده، تشير بكل وضوح إلى إيمانه الكامل بعدالة القضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق بدولة مستقلة، وحياة كريمة، على أرضه المسلوبة والمغتصبة، فهم سكان الأرض الأصليون، كما أوضح سمو الأمير عندما قال «قضية فلسطين عصية على التهميش، لأنها قضية سكان أصليين على أرضهم يتعرضون لاحتلال استيطاني إحلالي». ثوابت السياسة القطرية ومواقفها حيال الدفاع عن القضية الفلسطينية، تجددت في خطاب سمو الأمير المفدى بالأمس، وأكدت صوابية المواقف القطرية، تجاه هذه القضية العادلة، التي تواجه اليوم أبشع أنواع الجرائم التي لم يعرف لها مثيلا عبر التاريخ، وترتكب بأسلحة فتاكة، أتت على البشر والحجر والشجر، ولم تبق ولم تذر، والعالم أجمع ليس فقط يتفرج على هذه الجرائم وحرب الإبادة التي ترتكب في غزة، إنما هناك من يبرر لهذا العدوان الغاشم الذي يقوم به الكيان الإسرائيلي، وهناك من يرفع صوتاً مدعياً حق الدفاع عن النفس بالنسبة لإسرائيل، وهؤلاء هم شركاء في الجرائم التي ترتكبها «إسرائيل» بحق المدنيين الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ، وبحق البنى التحتية والمرافق التعليمية والصحية ومراكز الإيواء، فلم يعد ممكنا الحديث عن حق «إسرائيل» بالدفاع عن نفسها في هذا السياق من دون التورط في تبرير الجريمة، ولم يعد بوسع أي مسؤول الادعاء أنه لا يعلم، فالحقائق معروفة، والتقارير، عن قصف المدارس والمستشفيات، واستخدام الغذاء والدواء سلاحاً، تصدر عن منظمات دولية، ونوايا القادة الإسرائيليين منشورة، وتقال على رؤوس الأشهاد، لذلك فإن عدم التدخل لوقف العدوان هو فضيحة كبرى، هذا ما قاله سمو الأمير المفدى بكل وضوح، وبصوت عال، وأمام المجتمع الدولي، الذي يتواجد رؤساؤه ومسؤولوه وصناع قراره في هذا المحفل الدولي، ولن تألو قطر جهدا في تقديم مختلف أشكال الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني الشقيق. في كل كلمة قالها سمو الأمير كان يعبر عن نبض الشعب الفلسطيني ووجدان الشعوب العربية والإسلامية، وفي كل موقف أعلنه في الخطاب كان يعبر عن صوت الأمتين العربية والإسلامية. لقد كان الخطاب على درجة عالية من الوضوح والصدق والحكمة، كان صوتا مدويا بكلمة الحق تجاه شعب أعزل تغاضى العالم عن جريمة إبادته، فهذه الحرب الوحشية أطلقت رصاصة الرحمة على الشرعية الدولية، وألحقت أضرارًا فادحة بمصداقية المفاهيم التي قام على أساسها المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. صمت المجتمع الدولي والدول الكبرى اليوم عن الجرائم الوحشية التي تقوم بها «إسرائيل» بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة تجاوز مرحلة التواطؤ إلى المشاركة في الجريمة، فلا يمكن بعد عام من مشاهد القتل المروعة التي يقدم عليها الكيان الإسرائيلي باستخدام كل أنواع الأسلحة، بما فيها المحرمة دوليا، دون أن يكون هناك لجم حقيقي من قبل المجتمع الدولي، بدوله ومنظماته، ووقف لهذا العدوان، لا يمكن وصفه إلا بهذا الأمر بشكل واضح لا لبس فيه. هذا السكوت والصمت الذي يوفر الغطاء الكامل للكيان الإسرائيلي، مع إمداده بكافة أنواع الأسلحة، يراد منه منح هذا الكيان الغاصب مزيدا من الوقت سعيا لتركيع الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، ومن ثم تفصيل المنطقة كلها على قياس «إسرائيل» كما قال سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه. وأياً كانت قوة الكيان الإسرائيلي اليوم، ومعه داعموه، فإن هذه القوة الغاشمة لا يمكن أن تلغي الحق، الذي سيظل هناك من يؤمن به ويحمله، ويدافع عنه، إلى أن ينتصر. سمو الأمير المفدى، الذي كان جل خطابه دفاعا عن الشعب الفلسطيني، وبعد أن قدم كل الحجج، وأزال اللثام عن الكثير من المغالطات في تعاطي بعض الدول والمسؤولين مع القضية الفلسطينية، تطرق إلى جميع الملفات العربية من اليمن والسودان إلى سوريا وليبيا، وفقا لسياسة قطر الخارجية التي تقوم على ثوابت دعم الحق والعدل ونصرة الشعوب المظلومة. على الدوام كانت قطر ـ قيادة وشعباً ـ تقف مساندة لكل مظلوم، وظلت قطر، كعبة المضيوم، تدافع بكل ما تستطيع عن المظلومين، وتنتصر لهم، في أحلك الظروف، ولا تتردد في إعلان مواقفها بكل وضوح، وستظل على هذا النهج تسير. حفظ الله قطر وقيادتها وشعبها، ونصر بها قضايا أمتها، وجعلها لسان حق على الدوام، وحفظها من مكر الماكرين، وتآمر المتآمرين، ورد عنها كيد الكائدين.

2013

| 25 سبتمبر 2024

التعليم.. «إرباكات» مع بداية العام الدراسي

بداية نهنئ الأخوة بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، قيادات وعاملين ومنتسبين، بتدشين الإستراتيجية التعليمية 2024 /‏2030، التي نعوّل في أن تكون مصدرا نوعيا لمواصلة تطوير مسيرة التعليم بكل قطاعاته ومساراته، واحداث نقلة نوعية في قطاع يتصدّر اهتمامات قيادة الوطن وحكومته الرشيدة، وهو ما أثمر عن تحقيق قفزات على صعيد التعليم النوعي، جعل من دولة قطر تحتل المركز الأول في مخرجات جودة التعليم عربياً والرابعة عالميا، وهو ما يجعل المجتمع يتمسك بهذه المكتسبات. ونرى أن شعلة التعليم قد تم ايقادها من سنوات، بفضل الاهتمام الكبير الذي أولته القيادة الحكيمة لدولتنا، وبفضل ذلك تحققت انجازات كبرى على هذا الصعيد، وباتت قطر ينظر إلى تجربتها في مجال التعليم بكثير من الاعجاب والاكبار، ورأينا وفودا زارت الدوحة للاطلاع على هذه التجربة، التي حققت نجاحات، وبالطبع نتطلع إلى اكمال هذا الطريق بنجاحات قادمة. نعم ، قضية التعليم ليست فقط مسؤولية وزارة التربية، ولا ينبغي القاء كل تبعات ذلك على الأخوة بالوزارة وأجهزتها المختلفة، انما نحن جميعا شركاء في تحمّل مسؤولية تدعيم قواعد التعليم، وترسيخ ركائزه، فحلقات دائرة التعليم متعددة، وينبغي أن تكون متصلة ببعضها البعض، بحيث لا تعمل الجهات المعنية بعيدا عن التعليم كجزر منفصلة. وطالما أن المجتمع شريك أساسي في العملية التعليمية، فيحق لأفراده ابداء ملاحظات والتساؤل عن سير ومستقبل التعليم، وربما سمع الكثير منا أصواتا ارتفعت تبدي ملاحظات وصلت لشكاوى مع بداية العام الدراسي، ولازالت هذه الشكاوى قائمة، من ذلك ازدحام المدارس وعدم وجود شواغر، مما استدعى نقل طلاب لمناطق بعيدة عن أماكن سكنهم. لماذا ارتفعت الشكوى من هذه القضية هذا العام تحديدا بدرجة عالية ؟ باعتقادي هناك سببان: الأول ما يتعلق بتحديد موعد اختبارات الدور الثاني بالتزامن مع فتح باب التسجيل والنقل، فطلبة الدور الثاني يشغلون مقاعد في صفوفهم باعتبار أنهم غير ناجحين، ولازالوا مسجلين بالنظام بصفوفهم، وفي نفس الوقت هناك أولياء أمور يدخلون على نظام التسجيل والنقل ولا يجدون أماكن شاغرة، فلماذا لم يتم فصل موعد اختبارات الدور الثاني عن فترة التسجيل والنقل، بحيث تكون بينهم فترة زمنية يتم تحديث اعداد الطلبة الناجحين، وبالتالي خلو مقاعدهم بعد انتقالهم للمستوى الأعلى، مما سيجعل النظام يتعامل مع الطلبات الجديدة، بدلا من الاشكالية التي حدثت. الأمر الثاني ما يتعلق بنظام التسارع الذي فتح على « مصراعيه « لجميع الطلبة قطريين ومقيمين، بعد أن تم تخفيض نسب القبول الى 85% بعد ان كانت 90%، وهو ما أربك باعتقادي الصفوف الدراسية، فلو افترضنا مثلا ان هناك 7000 آلاف طالب وطالبة في الصف الأول الإعدادي تقدموا لنظام التسارع ونجح منهم 5000 طالب وطالبة وانتقلوا للصف الثالث الإعدادي مباشرة، فهل اعداد الصفوف بمرحلة الثالث الإعدادي كانت مستعدة ولديها القدرة لاستيعاب هذا العدد، مع اعداد الطلبة المنتقلين بالنظام الطبيعي إلى الصف الثالث الإعدادي ؟ من المهم جدا الوقوف على الطاقة الاستيعابية لكل مرحلة ولكل مستوى دراسي، اذا ما أردنا الاقدام على خطوات أو قرارات مثل نظام التسارع، وأن يكون هناك تنسيق وتكامل بين جميع الاطراف والأجهزة بالوزارة. ليس فقط على صعيد الطاقة الاستيعابية في الفصول الدراسية، والتي تم رفعها لتتجاوز 30 طالبا بعد ان كانت 25 طالبا، انما ايضا يترتب على ذلك أعداد المدرسين والاداريين ووسائل النقل... مشروع أو نظام التسارع قد لا نختلف عليه، إنما من المهم أن تتم دراسة كل الجوانب التي تعقب هذه الخطوة، بحيث نبعد العملية التعليمية عن اي ارباك ونحن في بداية العام الدراسي. كذلك من المهم أن تكون لدى صناع القرار بالوزارة سيناريوهات متعددة اذا ما حدثت إشكاليات أو عوائق، بحيث تكون الخطط البديلة جاهزة، وعدم الاعتماد على نظرية « كل الأمور تمام «، فلو أن هناك 10% مثلا مخاطر أو تحديات قد تعترض أي نظام أو مشروع جديد، فلابد ان نكون جاهزين للتعامل، وقادرين للتعاطي مع المشكلة، ولدينا الحلول المسبقة، مع مرونة في اتخاذ القرارات، ومنح مزيد من الصلاحيات ـ دون الاخلال بالتنظيم الاداري ـ للمديرين والمسؤولين، لكون نشوء « أزمات « طارئة تحتاج الى قرارات سريعة، لايجاد معالجات عاجلة. قبل بداية العام الدراسي ظهرت مشكلة الدارسين في المدارس الخاصة بالنظام البريطاني ( آي جي )، وكانت محل قلق الكثير من أولياء الأمور، الذين ابدوا استياءهم مما حدث لنتائج أبنائهم الطلبة، وهم بالمناسبة ارقام لا يستهان بها من الطلبة الدارسين في هذه المدارس. ابداء الملاحظات لا يعني التقليل من الجهود الكبيرة التي يقوم بها الأخوة والأخوات في وزارة التربية والتعليم، ولكننا جميعا في مركب واحد، ومن المهم ان تصل هذه الملاحظات الى صانع القرار بالوزارة، ونحن على ثقة بأن كل ما يصدر من ملاحظات أو شكاوى تؤخذ على محمل الجد، ليس فقط في وزارة التربية، انما في كل وزارة أو مؤسسة بالدولة، وهو أمر يحسب للجهات المختلفة، التي تتعاطى مع ما يكتب بروح من التعاون وتقبل الانتقاد البناء والموضوعي. نتطلع إلى أن تلامس الإستراتيجية الجديدة لوزارة التربية والتعليم قضايا المجتمع، وتواكب متطلبات الدولة واحتياجات المجتمع بما يعزز من المكانة التي وصلنا اليها، ويدفع نحو تحقيق المزيد من المكتسبات على صعيد قطاعات التعليم ومساراته المختلفة.

8274

| 09 سبتمبر 2024

هل من خيارات لمدارس الفلل؟

لا خلاف على أهمية وجود بيئة تعليمية متكاملة ذات مستوى متطور، تواكب متطلبات الدولة والمجتمع على صعيد التعليم النوعي، والمحافظة في نفس الوقت على المستوى المتقدم الذي حققته دولة قطر على المؤشرات التنافسية الدولية. وفي الوقت نفسه هناك تقدير للجهود التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم، والقائمون عليها والمنتسبون إليها، وثقة بحرصهم على تجويد التعليم، وتوفير أفضل التقنيات والمبادرات على صعيد التعليم، وتسخير كل الإمكانات في سبيل ذلك. لكن.. هل الأخوة بوزارة التربية والتعليم درسوا جيدا التعميم الصادر بشأن الموقف من المدارس القائمة على مبانٍ سكنية أو ما تعرف بمدارس «الفلل»، وإيقاف التسجيل فيها اعتبارا من العام الدراسي 2025/‏2026 على أن يلغى الترخيص في 2029/‏2030 أي خلال 4 سنوات إن لم تتوفر مدرسة بمواصفات حددتها الوزارة، وهي مكلفة، وغير متاحة بصورة كافية، ومن غير المتوقع تنفيذها خلال هذه المدة القصيرة من قبل جميع المدارس المستهدفة. باعتقادي أن المضي في تنفيذ هذا القرار سوف تكون له جوانب سلبية، وانعكاسات «مؤلمة» على قطاع لا بأس به، وأفراد استثمروا الكثير في قطاع التعليم، وربما «ظلاله» تسقط على مستثمرين آخرين كانوا يتطلعون للدخول إلى هذا القطاع. هذه الفلل أو المباني السكنية التي اليوم تحوّلت الى مدارس جاءت بموافقة من وزارة التربية، وقام ملاك هذه المدارس بعمل تحسينات وتهيئة «الفلل» في جوانب مختلفة لتكون ملائمة ـ نوعا ما ـ لتلك المتطلبات، وصرفوا في سبيل ذلك أموالا طائلة. أيضا هناك العديد من ملاك تراخيص مدارس «الفلل» لديهم تعاقدات مع أصحاب الفلل لمدد تتجاوز السنوات الأربع التي حددتها الوزارة، مما سيفرض عليهم دفع مبالغ مالية كبيرة، وستتراكم عليهم خسائر، فلماذا ندفع بهذه الشريحة لمنزلق خطير، وسوف يطول الضرر أيضا أسر هؤلاء ملاك المدارس، وقد نجد البعض منهم في قوائم «الغارمين». الأمر الآخر هل هناك مبانٍ حاليا تتوفر بالسوق بها المواصفات التي حددتها الوزارة بما يلبي العدد الذي حسب معلوماتي يصل إلى 40 مدرسة؟ وهل يمكن للوزارة أن توفر جزءا من هذه المباني من ضمن مدارس تابعة للوزارة غير مستخدمة بأسعار رمزية؟. للأسف الشديد هناك جهات تمتلك مباني تتوفر بها مواصفات وزارة التربية قامت برفع الإيجار الشهري بعد قرار الوزارة، مستغلة قلة ما هو معروض من مبانٍ يمكن استخدامها كمدارس وفق مواصفات التعليم. كما أن خطوة شراء الأرض بالمساحة المطلوبة وبناء المقر والمرافق الخاصة بالمدرسة يمثّل عبئا ماليا كبيرا، والجميع يعرف أسعار الأراضي والعقارات عموما، وفي مثل مساحات المدارس فإن الأسعار لن تقل عن عشرات الملايين، على أن يتم الانتهاء منها كاملا خلال 4 سنوات، بدءا من الشراء والمخططات والموافقات والمقاول والبناء... وانتهاء بالتأثيث. أعتقد أن الخيارات أمام اصحاب تراخيص مدارس «الفلل» محدودة جدا، وربما عدد منهم سوف يخرج من العمل بقطاع التعليم. لذلك لا يمنع الأخوة بوزارة التربية ـ ونحن نعرف مدى حرصهم الشديد على التعليم بكل مساراته ومؤسساته والعاملين فيه ـ من إعادة دراسة القرار أو التعميم الصادر بشأن المدارس القائمة على المباني السكنية، والنظر فيه من كل الجوانب، سواء الخاصة بمقرات المدارس أو العاملين فيها أو أصحاب التراخيص وملاك هذه المدارس. وإعادة الدراسة لا تعني التقليل من أهمية التوجه نحو إيجاد مقرات تعليمية بمواصفات متكاملة، لكن الدراسة قد ترجئ تنفيذ القرار، أو تمدد الفترة الزمنية الممنوحة لأصحاب التراخيص، الذين قد تلحق بالكثير منهم أضرار كبيرة ومتعددة.

4071

| 21 يوليو 2024

المنتدى الاقتصادي.. خريطة طريق لرسم سياسات مستقبلية

تأتي النسخة الرابعة من منتدى قطر الاقتصادي ـ التي انطلقت أمس برعاية وحضور صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه ـ لترسخ مكانة المنتدى كمنصة عالمية، تشارك فيها قطاعات واسعة من رؤساء الدول والحكومات وصناع القرار والاقتصاديين ورجال الأعمال والمستثمرين ورواد الأعمال، تطرح خلاله عبر جلسات ثرية قضايا التكنولوجيا والابتكار والاستدامة والطاقة والأسواق الناشئة وفرص الاستثمار..، وقبل هذا وبعده التحديات والأزمات التي تواجه الاقتصاد العالمي، وكيفية التصدي لها عبر طرح حزمة من المبادرات والأفكار التي من شأنها تجاوزها أو على الأقل تخفيف حدتها. لقد أصبحت المؤتمرات والمنتديات والمبادرات التي تستضيفها قطر أو تقودها، واحدة من أبرز الفعاليات التي تحرص دول العالم وسياسيوها وصناع قرارها في مختلف القطاعات من الحضور والتواجد فيها، وربما هذا المنتدى يأتي شاهدا على ذلك، فقد تجاوز الحضور 1000 من قادة رؤساء الدول والحكومات والشركات، واستقطب متحدثين ما بين مسؤولين وصناع قرار وتنفيذيين من مختلف دول العالم، وهو ما يؤكد المكانة التي بات يحظى بها المنتدى، وتأثيره على الصعيد الإقليمي. لذلك كان من الطبيعي أن يلفت منتدى قطر الاقتصادي أنظار العالم، وأن يستقطب قادته وصناع قراره، ففي الدوحة تجتمع قضايا العالم اقتصاديا وسياسيا، وفي الدوحة تتولد الأفكار، وتنبثق المقترحات، وتنطلق المبادرات، لإيجاد حلول لقضايا العالم. نجحت قطر في دور الوساطة السياسية والدبلوماسية لكثير من الأزمات الحادة، وفككت الكثير من الملفات المعقدة، وجنبا إلى جنب نجحت بدورها الاقتصادي، الإقليمي، والعالمي، وهو ما لخصه معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، بالقول في الكلمة الافتتاحية للمنتدى « قطر أصبحت منارة للفرص الاقتصادية للكثيرين، حيث يسعى إليها المستثمرون من أنحاء العالم، وتوفر الأساس الاقتصادي للنجاح الذي يمكن أن ينهض بالمنطقة «. المنطقة ـ في عموم عالمنا العربي ـ التي طالما عملت وما زالت تعمل قطر من أجل تقدمها ونهضة شعوبها، لم تغب عن القيادة القطرية في هذا المنتدى الاقتصادي العالمي، فقد حضرت عبر إطلاق مبادرة نوعية هي الأولى على الصعيد العربي. فقد أعلن معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية، عن إطلاق مشروع الذكاء الاصطناعي العربي « فنار «، الذي سيعتمد بشكل أساسي على جمع بيانات إعادة الجودة باللغة العربية، وسيسهم في إثراء النماذج اللغوية الكبيرة والحفاظ على الهوية العربية. نسخة هذا العام من المنتدى ـ التي حملت شعار» عالم متغيّر.. اجتياز المجهول» ـ أتت بعد « قمة الويب « التي عقدت بالدوحة في فبراير الماضي، وكانت لأول مرة تعقد بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتكون قطر هي الحاضنة لها في أولى نسخها بالمنطقة، ليؤكد ذلك الترابط ومنهجية العمل، والرؤية المستقبلية التي تعمل بها قطر نحو مواكبة المشهد التكنولوجي المتسارع في النمو والازدهار بشكل مذهل، وهو ما يجعلها تولي أهمية كبرى لهذا القطاع، الذي عمدت للحضور الفاعل فيه عبر تأسيس وإطلاق عدد من المؤسسات والمعاهد ومراكز الأبحاث والدراسات، وكان آخرها معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة، وهو مركز وطني بحثي وتطبيقي، هذا عدا المراكز المتقدمة التي تتصدرها دولة قطر في عدد من المؤشرات الدولية، وفي مقدمتها جودة التعليم، الذي يمثل ركيزة أساسية لأي نهضة علمية تكنولوجية وتقنية اقتصادية في أي دولة. موازين القوى في العالم اليوم في شقها الاقتصادي تحديدا آخذة في التغير بشكل كبير، فما كان قبل 20 عاما حقيقة ثابتة، بات اليوم الأمر مختلفا، وهنا أقصد موازين القوى الاقتصادية التي كانت سائدة قبل 20 عاما، سواء بقيادة الولايات الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي، اليوم الوضع مختلف، كفة آسيا الاقتصادية آخذة في الترجيح، وخاصة الصين التي باتت تعمل أمريكا لها ألف حساب، وتضع سياسات حمائية خوفاً من تغولها بصورة أكبر وأوسع. وليس الصين فحسب، فهناك الهند وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، إلى جانب بروز آسيا الوسطى التي أخذت بالتشكل على الخريطة الاقتصادية العالمية. وبالطبع هناك أفريقيا التي تسعى الكثير من دولها ـ بعد امساك قيادات شابة لزمام الأمور فيها ـ للخروج من تحت مظلة الغرب، والسعي لاستقلالية القرار، والعمل على مكافحة الفساد في مفاصل أنظمتها. لذلك فإن منتدى قطر الاقتصادي يشكل خريطة طريق لرسم سياسات مستقبلية، واستشراف أفق عالم جديد في الاقتصاد والاستثمار والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة والمال والأسواق الناشئة والبحث عن فرص واعدة في قطاعات مختلفة، وترسيخ منصة الدوحة لتكون مكانة يجتمع فيها العالم، لبحث حلول لقضاياه المرتبطة بعضها ببعض، فلا يمكن فك السياسة عن الاقتصاد، في عالم متداخل ويلقي بظلال بعضه على بعض، كما رأينا في الحرب الروسية الأوكرانية، واليوم ما نراه من عدوان بربري صهيوني في غزة، وقبل ذلك جائحة كورونا، عدا أزمات أخرى أثرت كثيرا في الاقتصاد العالمي بصورة كبيرة. قطر من خلال هذا المنتدى تبرز مجدداً ما لديها من إمكانيات وبنى تحتية عالية الجودة، وكوادر بشرية على قدر عال من الكفاءة في إدارة وتنظيم أحداث كبرى على هذا المستوى. منتدى قطر الاقتصادي في نسخته الرابعة، وبهذا الحشد من الحضور، يترجم دور ومكانة وحضور قطر الفاعل إقليمياً ودولياً.

2271

| 15 مايو 2024

هل البنية التحتية جاهزة للتعامل مع التغيّرات المناخية؟

خلال السنوات الثلاث الأخيرة شهدنا تغيرات مناخية كبيرة بالخليج والجزيرة العربية، تمثلت في أحد جوانبها بسقوط الثلوج وكميات الأمطار التي هطلت على دول مجلس التعاون الخليجي، والتي شكلّت ظواهر غير مألوفة، وتسببت في فيضانات غير معتادة في عدد من دول المجلس، وسجلت أرقاما قياسية غير معهودة، وربما ما شهدنا مؤخرا في الشقيقتين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة – حفظهما الله من كل مكروه وباقي دولنا الخليجية والعربية – خير شاهد على ما تشهده المنطقة من تغيرات مناخية غير مسبوقة. هذه التغيرات تقودنا للتساؤل عن مدى جاهزية البنية التحتية في دول مجلس التعاون الخليجي للتعامل مع مثل هذه الظروف المستجدة، وما إذا كانت هناك خطط للتعاطي مع مثل هذه الاوضاع، سواء أمطار أو لا قدر الله كوارث طبيعية أخرى. دول مجلس التعاون الخليجي اليوم بحاجة الى اعادة النظر في شروط ومواصفات البنية التحتية، والمباني السكنية والادارية والتجارية والابراج، وكل ما يتعلق بهذا الأمر، فكل المؤشرات تتحدث أننا مقبلون على ظروف مناخية جديدة بالمنطقة، تستوجب تعديل وتطوير عدد من الاجراءات، بما فيها ما يعرف بـ «كود البناء»، الذي عادة يعد مرجعية في ضبط كل ما يتعلق بالبناء والتشييد. لسنوات ربما كنا لا نعير هذه القضية أهمية، وكنا نعتقد أن الأمر لا يعدو عن «تخوفات» غير منطقية، ولكننا اليوم صحونا على مشاهد غير مألوفة، سواء في كميات الأمطار التي هطلت على بعض دولنا الخليجية، أو التوقيت كذلك، وهي مؤشرات تدعونا لليقظة، وإعادة النظر في كل الإجراءات والخطوات المتبعة على صعيد البناء، في كل مساراته، وفي الوقت نفسه مدى جاهزية كل الجهات المعنية للتعامل مع أسوأ الظروف المناخية أو الكوارث الطبيعية، وكذلك مدى التنسيق والتعاون فيما بين الأجهزة الخليجية المعنية إذا ما استدعت الظروف الاستعانة بدولة خليجية أخرى. معايير البناء المتبعة في دول الخليج عموما من المؤكد أنها بحاجة إلى إعادة نظر، والتفكير في استحداث معايير جديدة تتوافق مع المعطيات المستجدة، وفي نفس الوقت العمل على تحديث ما هو قائم حاليا. الظروف المناخية والطبيعة الجغرافية متشابهة تقريبا بين دول مجلس التعاون الخليجي، مما يدعو لمزيد من التعاون والتنسيق والتكامل على هذا الصعيد، والبحث عن كل ما يمكن أن يعزز هذه العلاقة، والعمل معا نحو وضع أسس جديدة للبناء خلال المرحلة المقبلة. هناك موازنات ومخصصات مالية ضخمة تخصص لهذا القطاع جعلت من البنية التحتية في دول الخليج هي الأفضل عربيا، وتضاهي الدول الأوروبية المتقدمة، ان لم تتفوق على البعض منها، وهو أمر نفخر به، ولكن في نفس الوقت يضع المزيد من المسؤوليات على عاتق الدول الخليجية والقطاعات التي تتولى الإشراف وتنفيذ الخطط الخاصة بذلك. نريد الاستثمار الأفضل للموازنات التي تخصص لقطاع البناء بصورة تعمل على تلافي الأخطاء الماضية، وتلبي متطلبات تصريف كميات أكبر من الامطار، وتتحمل ذلك قدر الإمكان. قد يقول البعض – وهو ما سمعناه سابقا – إن تجهيز بنية تحتية لكميات هائلة من الامطار مكلف جدا، وهو لا يأتي الا نادرا، وربما يمر العام والعامان دون أن نشهد تلك الارقام القياسية من هطول الامطار، وهذه نظرية لم يعد لها مبرر في ظل التغيرات المناخية المتسارعة بالمنطقة، والتي قد ندفع أثمانا باهظة اذا لم نجهز لها البنية التحتية والمرافق الخاصة التي يمكن أن تتعامل معها بصورة سلسة. وهناك أمر مهم، وهو عملية الصيانة لمرافق التصريف الخاصة بالمياه، للأسف في كثير من الأحيان عند هطول الامطار نكتشف أن منافذ تصريف الامطار لا تعمل، نظرا لامتلائها بالأتربة والشوائب، بسبب غياب الصيانة الدورية، وهذا يتكرر في دولنا الخليجية جميعها بالمناسبة. لذلك من المهم الالتفات الى الصيانة الدورية، وإعطاؤها الأولوية، ويكون جزء من المخصصات المالية في الموازنات مخصصا للصيانة، فمن السهل إيجاد أفضل المرافق والبنى التحتية، لكن إذا غابت عنها الصيانة فإن مصيرها سيكون التعطل، والتحوّل الى عائق كبير، والتسبب بكوارث متعددة. استثمار كميات الأمطار وفي الجانب الآخر كيف يمكن ايضا استثمار كميات الأمطار التي تهطل على دول الخليج في زيادة المخزون الإستراتيجي المائي، فنحن دول بها عجز مائي كبير، وتعتمد بنسب عالية على تحلية المياه، وفي ذلك مخاطر كبيرة، وتعد قضية المياه واحدة من القضايا الحيوية الملحة في دول الخليج، فكيف يمكن استثمار هذه الأمطار بصورة صحيحة في زيادة المخزون الإستراتيجي للمياه في دولنا الخليجية؟. الاعتماد على تحلية المياه، عدا عن كونها مكلفة وباهظة الثمن، فإن بها من التحديات والمخاطر الشيء الكثير، خاصة في ظل التهديدات والصراعات التي تتسع دائرتها بصورة متزايدة بالمنطقة، مما يدعونا للعمل على تغذية المياه الجوفية من خلال كميات الأمطار التي تهطل سنويا، وإيجاد مخزون مائي إستراتيجي يحمي دول المنطقة والأجيال القادمة من مخاطر العجز المائي لا قدر الله.

1890

| 28 أبريل 2024

قطر وسيط نزيه وليست أداة ضغط

لماذا هذه الهجمة العدوانية على قطر والإساءة إليها على خلفية الجهود التي تقودها للتوسط بين حماس و »إسرائيل»؟ سؤال يتردد في كثير من الأروقة والحوارات التي تدور عبر القنوات والمنصات الإعلامية المختلفة، وفي النقاشات العامة، على خلفية هجوم نتنياهو وعدد من المشرعين في الكونجرس الأمريكي على دولة قطر ووساطتها بين حماس وإسرائيل . في البدء، هذا الدور الكبير والمهم الذي تقوم به قطر في تبني الوساطة ليس وليد اليوم، أو تجربة محدودة، بل هي تزيد على ربع قرن من العمل الجاد، والمساعي الخيّرة، والوساطات الناجحة في ملفات الكثير منها شائك ومعقد، إقليميا ودوليا، وبالتالي تمتلك قطر تجربة ثرية وغير تقليدية على صعيد الوساطات، وربما النموذج القطري في الوساطات هو الأكثر نجاحا ونجاعة، لأسباب كثيرة ربما ليس المجال لذكرها في هذا المقال. حتى على صعيد الملف الفلسطيني - الفلسطيني، وبين حماس والكيان الإسرائيلي، فقد سبق أن قامت قطر بجهود أثمرت نجاحات وتهدئات في أحداث وحروب مختلفة طوال الأعوام الماضية وكانت المصداقية هي العنصر الأبرز في تحقيق قطر لنجاحات واختراقات أفضت الى توافق بين المقاومة وإسرائيل. تعنت نتنياهو * ما الذي جرى في الوساطة الحالية؟ وما سبب الهجوم على قطر من قبل بعض المشرعين في الكونجرس الأمريكي ومن قبل نتنياهو وعدد من وزرائه ومسؤوليه في الكيان الإسرائيلي؟ قطر تولت ملف الوساطة منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كوسيط، واستطاعت رغم تعنت نتنياهو وسياساته في تحقيق هُدن تمخض عنها الإفراج عن رهائن إسرائيليين عند حماس وسجناء فلسطينيين عند الكيان الإسرائيلي، بعد توقف العدوان لأيام، والسماح بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية والطبية إلى قطاع غزة. حلول جذرية للأزمات نزاهة الوساطة القطرية ومصداقيتها أزعجت نتنياهو وبعض المشرعين في الكونجرس الأمريكي، الذين يريدون انحيازا تاما لسياسة إسرائيل، والتحول من وسيط نزيه وموثوق فيه، إلى أداة ضغط على طرف، وهذا لن يحدث، ولم يُعهد عن قطر هذا الأمر في كل الوساطات والأدوار التي قامت بها، وحققت نجاحات، أفضت لإيجاد حلول جذرية للعديد من الأزمات والملفات التي تولتها. الإساءة إلى قطر غير مقبولة * كما أشار معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وهو ما دعاه للإعلان عن أن هناك تقييما للوساطة التي تقوم بها قطر، في ظل هذا الهجوم غير المبرر، الذي وصل إلى حد الإساءة إلى قطر والطعن بجهودها، وازدواجية بعض الأطراف في تصريحاتهم في الغرف «المغلقة» والأخرى «العلنية». نتنياهو المأزوم نتنياهو المأزوم بعد 7 أشهر من جرائمه في غزة وحرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيشه، دون تحقيق أي هدف من أهدافه، يسعى لإفشال الجهود القطرية، طالما لم تتناغم مع تطلعاته ورغباته المحمومة في تركيع غزة، والاستفراد بالمقاومة، التي لم يستطع إيقاف قوتها، أو الوصول إلى قادتها، أو إخراج الرهائن الإسرائيليين بالقوة وهو ما وعد به الجبهة الداخلية الإسرائيلية، التي هي اليوم تطالبه بما وعد به، أو التوصل إلى اتفاق مع حماس. * يعتقد نتنياهو وداعموه في الكونجرس الأمريكي أن ما لم يستطيعوا تحقيقه في الميدان العسكري في غزة، يمكن تحقيقه عبر قطر كأداة للضغط على حماس وفصائل المقاومة، وهذا لن يحدث. وسيط نزيه * قطر عُرفت كوسيط نزيه وموثوق فيه، سواء من الدول التي تعاملت معها، أو المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يرون في قطر أنها تتمتع بمصداقية عالية، ولديها إدارة عالية القدرة لتفكيك الأزمات، وحنكة سياسية في إدارة الحوار، وتوفير المناخ المناسب لعقد الاتفاقيات، وما النجاح الذي حققته قطر في تحقيق اتفاق تاريخي بين أمريكا وحركة طالبان في أفغانستان، إلا خير دليل على ذلك، عدا عشرات الملفات والأزمات التي حققت فيها قطر نجاحات تُحسب لها بفضل تمسكها بمبادئ الوساطة بين الأطراف المتنازعة وإلمامها بتفاصيل موضوع النزاع والحكمة في إدارة الأزمة محل الوساطة والوقوف على مسافة واحدة من أطراف النزاع. قطر لا تفرض نفسها * وهنا لابد من الإشارة إلى أن قطر لا تفرض نفسها على الأطراف المتنازعة المعنية، بل لا يمكن أن تتولى الوساطة إلا إذا طلبت منها تلك الأطراف ذلك، وهو ما حدث في كل وساطاتها ، بما فيها الوساطة الحالية التي تقوم بها بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي، والذي تم التوافق على قيام قطر بذلك، ويريد نتنياهو وداعموه في الداخل الإسرائيلي وبعض المشرعين في الكونجرس الأمريكي إفشالها، تهربا من استحقاقات السلام، الذي لا يخدمه أبدا، سواء لدى جمهوره أو الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث تنتظره محاسبات ومحاكمات عدة في قضايا مختلفة، لن يفلت منها، وبالتالي هو - نتنياهو - ليس من مصلحته إتمام صفقات سلام دائم واستقرار، لذلك بعد أن فشل في تحقيق أي من أهدافه في غزة، يريد اليوم توسيع دائرة الصراع، وإشعال حروب إقليمية، بهدف جر دول كبرى إليها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. * يريد نتنياهو المأزوم إخراج الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، لكنه لا يريد أن يدفع ثمنا لذلك، بل يريد من الوسيط أن يلعب دور «الأداة» الضاغطة على حماس وهذا لن يحدث، وإن تطلب الأمر قيام قطر بإعادة النظر في دورها كوسيط، وتقييم ذلك بصورة جدية، ما إذا كانت تستمر أو لا، فقطر لن تقبل بخسارة سمعتها ومصداقيتها المعهودة عنها في أدوار وساطاتها. الهجوم على قطر من قبل «لوبي» نتنياهو مرده إفشال أي مسعى يمكن أن يحقق سلاما حقيقيا، وإبقاء المنطقة بحالة عدم استقرار، وإكمال مخطط القتل والتهجير والتدمير في قطاع غزة، وهي أهداف تتوافق مع رغبات نتنياهو، الذي من المؤكد أن يمثل السلام الحقيقي تناقضا مع تطلعاته العدوانية.. نتنياهو والسلام لا يلتقيان. قطر ستخرج منتصرة ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها قطر لهجوم غير مبرر ، وتحامل غير منطقي ، ومحاولة إلصاق تهم غير حقيقية لها ، والإساءة لها دون وجه حق ، وفي كل مرة تخرج منتصرة ، وتخيب أمنيات الذين يقودون التآمر ضدها، وتنكسر موجات التحامل على صخرة الصمود، والتعامل الواضح والصريح الذي تتبناه قطر، وتكسب المزيد من المصداقية وثقة المجتمع الدولي، دون أن تخضع لضغوط ، أو تقبل إملاءات من أي طرف كان. 22 أبريل 2024

3480

| 22 أبريل 2024

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4602

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3402

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

1467

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1119

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

768

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

750

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

639

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

633

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

624

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية