رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أدوات القياس والتقييم وأهميتها في اتخاذ القرار

منذ وجوده وممارسة حياته بوجوهها المختلفة، وخاصة القريبة من يومياته، والإنسان بفطرته يحاول قياس نشاطه الاجتماعي والانتاجي والأمني ليقرر إما باستمرارها على نفس النمط أو تطويرها لتلبية رغباته التي يتوق تحقيقها في أصل الممارسة، أو أخيرا إحداث تغيير داخلي جذري بصورة كلية، وخاصة عند مروره بظروف جغرافية جديدة لم يعهدها من قبل، بأن يصل هذا الانسان إلى حوض معطاء جديد مثلا أو ملاقاة مجموعات بشرية لم يكونوا قد ارتبطوا معها من قبل بمزاياهم الاجتماعية او الإنتاجية او الأمنية، فقد ازدادوا معرفة حول الحياة، بهدف تحقيق مصلحة مجموعتهم لاستمرارها وتجديدها، وهذه سنة الحياة، التغير الدائم والتقدم دون التأخر. وتوالى القياس ليصبح اليوم من المهمات الرئيسة للدول، لمعرفة مدى تحقق الهدف لخطة اجتهدوا في رسمها، أو قطاع يحتاج إلى إعادة تأهيل وتنمية والتخطيط له لتغير الأولويات، أو قطاع لا نعلم عن أهميته النسبية مقارنة بقطاعات أخرى في الدولة، أو منطقة جغرافية بها أنشطة اقتصادية مختلفة يجب معرفة أهمية كل قطاع فيها بجغرافيتها الطبيعية والبشرية رغبة في تقديم دعم للمنطقة والاهتمام بها مقارنة بمناطق أخرى والاستفادة من مزايا مقوماتها النسبية والابتعاد عن التقليد وفقدان شخصيتها، من خلال القياس نتعرف على التوجهات الاقتصادية المقبلة. ولكن اعتماد القياس العلمي يدعو المجتمعات إلى توفير قاعدة البيانات المطلوبة كما ونوعا وتصنيفا دوليا للمقارنة ومعرفة مكانة الإقليم أو الدولة من نشاط صناعي أو زراعي أو استثماري أو خدمي وغيرها تحتم عليها الضرورة ان تعرفها وتدرسها عن كثب وواقعية. وبمرور الزمن، تطورت أدوات القياس، ولم تعد اجتماعية او اقتصادية او سياسية بل تعدى الأمر القياسات المادية الى قياسات نفسية ومعنوية أكثر تعقيدا في القياس لإنسان المكان وسلوكياته تجاه مشاريع بلده وموقفه منها بين السلبية والايجابية. والقياس العلمي يؤدي بكل تأكيد بالمجتمعات الى الوصول الى الواقع الفعلي للوجه من الحياة أو القطاع المراد معرفة المزيد عنه، وتعدل الخطط دون شخصنة الأمر، أو تتبنى بناء على نتائجها على عكس الاعتماد على تقديرات المسؤولين والبناء عليه. فكم ما ارتكبته مجتمعاتنا في التنمية الاقتصادية وغيرها من أخطاء لابتعادنا عن السلوك العلمي في اتخاذ القرارات الصائبة، على عكس المجتمعات المتقدمة. وعليه فان القياس وسيلة مهمة جدا لمعرفة الحقائق وبطريقة علمية منهجية مشتركة ومستندة على أطر سليمة متفق عليها من قبل المختصين الدوليين والمنظمات الدولية والموضوعية أساسها، لتعم الفائدة ولو بعد حين، فالخطط بعيدة المدى لا تبنى لتحقيق أهدافها إلا على نار هادئة. ومن المعلوم بأن عوامل ومعايير ومتغيرات القياس تختلف من قياس إلى آخر، ومن قياسات بسيطة أولية إلى قياسات أكثر تعقيدا، وبين تعدد المعايير وبين محدوديتها، وفيما بين القطاعات المتنوعة المدروسة. وكل المتابعين المتخصصين، يدركون بأن الأدوات الإحصائية لتحقيق الدقة في القياسات اليوم في تطور مستمر، ومن بينها اختيار عينات الدراسات القياسية والتي يلجأ إليها معظمها. فحتى تكون الدراسات صحيحة فلا بد ان تكون العينات عشوائية بكل تأكيد، ولكنها تطورت ولم تغفل عن ضرورة شمولها على كافة فئات ومكونات الحالة في كل دراسة، وأن تكون العينات ممثلة للموضوع المدروس بشكل منطقي، فكم من الأخطاء يرتكبها العديد من الدارسين عندما تكون أدواتهم القياس وخاصة بالعينة التي يهمل جانبها، وبالتالي تكون نتائجها غير ممثلة، وما يبنى عليها كارثة. وانتقلت أداة القياس كما ذكرنا سالفا لتشمل جميع القطاعات ومن بينها وبشكل متكرر في التقييمات السياسية لدول العالم، بأن توصلوا إلى تقييمات بتصنيف دول العالم إلى ناجحة بدرجات وفاشلة بدرجات، بأدوات قياس موضوعية. ولكن في المجال الاقتصادي الذي استخدم القياس الكمي بشكل خاص على نطاق واسع منذ بدايات القرن العشرين في كل مجالاته حيث التنافس كان على أشده بين الدول ذات الايدولوجية الرأسمالية من جانب والاشتراكية من جانب آخر. ومن بعد بين دول العالم وخاصة النامية جميعها منذ نِشأة الأمم المتحدة. وهناك نماذج من القياسات في المجال الإنتاجي ونوعيته ونطاقه الجغرافي، يستخدمها المحللون الجغرافيون الاقتصاديون في تقييم التجارب التي تقوم بها الدول وشركاتها والشركات العالمية والمحلية، من بينها على سبيل المثال، ما يطلق عليه معامل التوطن، وهو قياس دقيق بمعايير متعددة مبنية على إحصائيات دقيقة من مصدر واحد دولي مؤهل موثوق به. والهدف معرفة مكانة دولة ما من حيث مستوى صناعتها التي مارستها وتبنتها على سبيل المثال، ودرجته مقارنة بدول العالم. والمعايير هنا: نصيب الفرد من إنتاج الصلب، نصيب الفرد من استهلاك الطاقة، حصة القطاع الصناعي من الناتج المحلي، قيمة الاستثمارات وخاصة الدولية وأخيرا نسبة العمالة الصناعية. وبجمع نتائج هذه القياسات التي تنسب الى أفضل الدول أو الأقاليم المدروسة محليا في المعايير الأربعة لمعرفة مكانة الدولة الصناعية من متقدمة او صناعية او شبه صناعية أو غير صناعية. وختاما يؤمن المخططون ومن في حكمهم من قيادات العمل الحكيمة والتطوير، بأهمية استخدام أدوات القياس المناسبة الشاملة والمقيمة على نطاق واسع، والشاملة لوحدات التقييم والمعتمدة على بيانات موثوق منها، ليس في نهاية أي مشروع تخطيطي اجتماعي كان أو عمراني واقتصادي، بل في كل مرحلة من مراحل المشروع بتغذيات راجعة، لتفادي تراكم الأخطاء الجمعية حيث لا ينفع الندم.

510

| 11 مايو 2025

أجيال جديدة من السواعد السمر

كم هي صور مبهجة تصدر من أرض قطر، ويوثقها الأرشيف التاريخي، بتوسط سمو الأمير الشباب من قطاع الطاقة والصناعة في لقطات، معلنين مزيدا من التفوق الاقتصادي الحيوي. بل يطلق الوطن برمته الأهازيج معبرا عن سعادته وفرحه وفخره بأن يروا هذه الصفوف من المبدعين من الأبناء لأعمالهم وخبراتهم يعلنون هذه المنجزات تلو الأخرى لرسم نهضة البلاد التي لم تكن بابتعاثهم الى مختلف الجامعات المحلية والعالمية تنتظر غير ذلك. فقد أثمرت الجهود بجدارة، يلزمنا رفع العقال لهم بكل فخر والحمد لله. في محاضراتي عن النشاط النفطي في قطر والخليج، أستعرض الإيجابيات المباشرة لهذا النشاط الذي بدأ في مجلس التعاون بالبحرين في عام 1930، وانتهاء بعمان في عام 1968، فكان من بين الإيجابيات خلق فرص عمل بعشرات الآلاف بعد عقود من تدهور صناعة الغوص. فقد بينت سجلات الأرشيف البريطاني أن حوالي 43 ألفا من العمال قد التحقوا بمهن ووظائف النشاط الجديد في عام 1949، نصفهم من المواطنين. وعندما قامت قطر في عهد الشيخ عبدالله بن جاسم بالإمضاء على اتفاقية التنقيب عن النفط في عام 1935 وبدء عملياته في 1938 في الساحل الغربي من شبه الجزيرة في دخان القريبة من المكامن المكتشفة في كل من البحرين والسعودية، حيث فتح الباب للقطريين للالتحاق بعمليات الشركة. وقد بلغ عددهم حسب المصدر حوالي 2700، مثل المواطنون ثلثيهم، وكان من بينهم من عاد إلى البلاد بعد هجرتهم المؤقتة الى دول الجوار بسبب الكساد الذي انتشر بدءا من العشرينيات من القرن العشرين. ومع ذلك، كل الدلائل كانت تشير إلى انخفاض أعدادهم خلال العقود التالية، وأرجع شخصيا الأمر فيما أعتقد بأن العمل في المجال كان صعبا، لم يعتادوه اجتماعيا، حيث كان معظمهم إلا القلة عمال يومية وبالدورية، وبالرغم من مزاياها الفرصة التي أتيحت لهم مقارنة بغيرها من فرص العمل، وكذلك بسبب سيطرة الأجانب على إدارة العمليات، فلم يرضوا لأبنائهم الانضمام. وأخيرا، وبما أن الدولة فتحت وبتشجيع منقطع النظير لالتحاق أبناء الوطن إلى التعليم، بإقرار الرواتب المجزية من معاشات وملابس وتغذية ومواصلات وغيرها، فضل هؤلاء لأبنائهم اتخاذ هذا السبيل أملا في مستقبل أحلى وأفضل. ومن ناحيته، قام الأستاذ ناصر محمد العثمان في كتابه «السواعد السمر: قصة النفط في قطر» الذي كتبه من الميدان القريب من النشاط وتاريخ بداياته وعلاقات عائلته الكريمة. فأنجز كتابا بصفحاته الثلاثمائة الذي صدر عن دار الدانة في بداية الثمانينيات، وثق بين دفتيه توثيقا دقيقا لتاريخ النشاط النفطي ورجالاته الأولين، وأرفق به كثيرا من صوره الخاصة. وقد أبدع وهو الخبير في مثل هذه الإصدارات كونه عميد الصحافة القطرية ورئيسا عاما للجنة تدوين تاريخ قطر، ومن أوائل الخريجين الجامعيين في عام 1961. ومن ناحيتي، فقد عايشت عددا من ذلك الجيل الممتد للسواعد السمر في 1975 عندما كان استقراري في دخان مع مجموعة من الزملاء في اول سنة تدريس بتخرجنا من دار المعلمين. وكانوا من مناطق قطر المختلفة، من أحياء الدوحة ومدن الوكرة والوكير والخور والذخيرة والشمال والريان، وقرى البر من مختلف عائلات قطر وقبائلها الكريمة. ومنذ 1977 اختلف الوضع عندما تم تأميم النشاط النفطي في قطر، وقيام مؤسسة البترول القطرية (قطر للطاقة اليوم) بتولي كافة عمليات النشاط النفطي وعملياته بكل مراحله، وهذا القرار عزز مكانة العاملين القطريين، وبدؤوا يشغلون المناصب العليا وبدأت الصورة في التغير الشامل بانضمام المزيد من أوائل الخريجين أصحاب التخصصات المتصلة بهذا القطاع، وبدأ السواعد السمر القطريون يتولون المهام في عمليات النفط وصناعته في البر والبحر. فالبعثات التعليمية في تخصصات النفط والصناعة وبالذات إلى امريكا وبريطانيا في نهايات الستينيات، انتجت أجيالا من السواعد السمر من الجيل الجديد الذين احتلوا مع الوقت بخبراتهم مناصب قيادية لمتابعة المسيرة في قطاع النفط والغاز وصناعة الكهرباء والماء والصناعات الثقيلة، من بينهم على سبيل المثال حسب متابعتي، مع حفظ الألقاب: علي الجيدة، راشد عويضة، عبدالله صلات، عجلان الكواري، محمد العالي، حمد المري، عبدالله العطية، حمد المهندي، جابر المري، خليفة السويدي، تركي السبيعي، عبد الرضا الحاجي، محمد السيد، وعبدالجبار العبدالنور، أحمد العمادي، محمد السادة، محمد السليطي ومئات آخرين لهم التقدير والاحترام، والذين أخطط بأن أنجز كتابا عنهم بعنوان «الأجيال الجديدة من السواعد السمر القطريين والدور الكبير». إن الأجيال الجديدة من السواعد السمر القطريين اختلفوا عن ذلك الجيل الأول المؤسس الذي صمدوا في ظروف صعبة، ولكنهم رفعوا الراية بضرورة إعداد الأبناء بطريقة أخرى، فكانت أمنياتهم محققة برعاية قيادة سياسية واعية، وعدت بأن الانسان القطري بالإضافة الى اقتصاده هما ركنا التنمية الشاملة وتمكينهما واجب، وقد كان بفضل الله. فقد تجددت لقطات ابداعاتهم في شركة النفط القطرية وفي صناعاتها النفطية والغازية والكيماوية وشركات الكهرباء والماء والنقل، وبإضافة أخواتهم القطريات إليهم سيساهم جميعهم وبفخر في النجاحات الكبيرة التي تشهدها الدولة في تنميتها الشاملة والمستدامة. وبتشريف سمو الأمير حفل افتتاح محطتي مسيعيد ورأس لفان الشمسيتين، أكد سعادة المهندس سعد بن شريدة الكعبي «إن قطر للطاقة تجاوزت مرحلة الاعتماد على خبرات الآخرين. فقد بدأنا بتنفيذ هذه المشاريع بخبراتنا الوطنية التي نعتز بها وبإنجازاتها». ومن المتوقع في مناسبات وطنية قادمة، سيثلج تواجد شبابنا على المنصة، بين أميرهم المفدى، صدر الجميع كما الأمس، في افتتاح انجاز مشاريع الغاز المسال الجديدة والاعلان ببدء التصدير إلى دول العالم عبر ناقلاتنا الوطنية، فهنيئا لقطر دولة وحكومة وشعبا على إنجازات الأبناء.

666

| 04 مايو 2025

الصناعات التحويلية في قطر والخليج فرص بحاجة إلى رؤية

تعد الصناعة التحويلية من القطاعات الاقتصادية الرئيسية للدول التي ترغب أن تؤتي تنميتها ثمارها، وما التفوق الشامل الذي نراه في الدول الصناعية المتقدمة إلا بسببها. فمنذ الثورة الصناعية في نهايات القرن الثامن عشر، انطلقت المجموعة انطلاقات سريعة أدت إلى الفجوة التي لم تستطع الدول النامية اللحاق بها ولعدة عقود. فقد حققت مضاعفات في قيمة إجمالي ناتجها المحلي مقارنة بالدول الزراعية، حيث تزداد قيمة المنتجات الصناعية من محاصيل الأرض او موادها الخام. ولا تقف الأهمية عند القيمة الاقتصادية، بل تسعى الصناعة التحويلية لتحقيق أهداف متنوعة في كافة مجالات الحياة، وتترابط هذه الأهداف فيما بينها، فالواحد منها يؤدي إلى أهداف أخرى وفي مقدمتها تنمية نوعية إنسان المكان. وما انتهجت الدول منهجا صحيحا في دعم القطاع الصناعي، فإن أهداف التنمية الشاملة تتحقق سريعا وتنتقل الدول خلال عقود لتصبح متقدمة، على عكس كثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى ذات البطء في تحقيق التنمية الشاملة، وذروة سنامها التقدم العلمي والتقني والذي يؤدي بالمجتمعات لتحقيق التنمية المستدامة، عندما تتبنى عبرها دراسة دقيقة لمشكلات الإنتاج تؤدي إلى ترقية إداراتها وآلياتها والوصول إلى تكنولوجيات جديدة في عصر الثورة المعلوماتية المتسارعة التي نعيشها. وفي هذا السياق، تؤكد الشواهد أن الصين ومنذ أن بدأت الانفتاح على الغرب منذ أكثر من ثلاثة عقود عندما استقطبت الاستثمارات الصناعية الخارجية والتكنولوجيا الغربية وعملت على تقليدها ومن ثم اختراع الأمثل منها، تحولت صناعتها التقليدية إلى صناعات منافسة غزت أسواق العالم، وخاصة الأسواق الغربية، بمنتجاتها ذات الجودة العالية وبأسعار منافسة بسبب تدني تكلفة الإنتاج ومن بينها تكلفة العمالة الماهرة. وخليجيا، سعت دول الخليج منذ ستينيات القرن الماضي لدخول مضمار الصناعة التحويلية ووجدت فيها أملها في تنويع اقتصادها، ومواردها المالية. وحتى يصبح دربها مزهرا، وبدعم من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية أسست مجتمعة منظمة إقليمية وهي الخليج للاستشارات الصناعية في عام 1976 اتخذت الدوحة مقرا لها. أصبحت (جويك) بمرور الوقت بنكا للمعلومات الصناعية، واستطاعت عن طريق مؤتمراتها السنوية ودراساتها الصناعية العامة ودراسات المشاريع الصناعية المشتركة المخطط لها، وزيادة جدواها عن طريق سياسات التنسيق فيما بينها تجاه الأسواق العالمية لتمكينها من المنافسة، فكان إنجازها كبيرا لمن يتابع نشاطها، عن واقع صناعتها ودورها وتطوراتها محليا ودوليا. وتظهر البيانات العالمية المتوافرة لعام 2022 والتي تصدرها منظمة (اليونيدو) حقائق عن الإنجازات في كتلة دول الخليج بين جميع دول العالم بمقاييس موحدة. فقد بلغت قيمة الناتج للقطاع 270 مليار دولار، تمثل ثلثي الصناعة العربية، والسعودية هي الرائدة، والبحرين هي الأكبر في حصة القطاع من اجمالي الناتج المحلي، والامارات العربية هي الأضخم في التصدير، وقطر هي الأعلى في حصة الفرد من الناتج الصناعي. وللعلم أن المنتجات العسكرية التي ضمت إلى المنتجات المدنية الكاملة في مسيرتها قد عززت تلك القيمة الاجمالية. وعليه فقد تلألأت على ارض الخليج مدن صناعية أصبحت علامات ملموسة بارزة ومعالم ذات دور ريادي في علاقاتها الدولية، كالجبيل وينبع ومسيعيد ورأس لفان والرويس وجبل علي وصحار والدقم. وبصورة عامة، لم تأت تلك الإنجازات صدفة، بل بسبب تملك دول الخليج مقومات كبرى منافسة، متمثلة على سبيل المثال، في توافر رؤوس الأموال والطاقة الرخيصة والمواد الأولية والسياسات المحفزة وقوة البنية التحتية. ولكن في المقابل يمكن تحديد تحدياتها في التكنولوجيا المستخدمة وخاصة ذات المستوى العالي، والتي نتجت عنها محدودية منتجاتها التكنولوجية ذات القيمة العالية، وتفتقر كذلك إلى التنافسية مقارنة مع الدول الصناعية. وأخيرا تعاني دول الخليج في مسيرتها ضعف الكادر الوطني كماً ونوعاً والذي يعود بالدرجة الأولى الى النظام التعليمي والتدريبي، والنظرة المجتمعية، ولكنها بدأت في التحسن كثيرا وخاصة في المملكة العربية السعودية ذات الحجم السكاني الكبير نسبيا. وفي دولة قطر وهي صاحبة المبادرات الصناعية الكبرى الأولى في المنطقة، فقد تم في 2024 إصدار الاستراتيجية الصناعية الأحدث، والتي استندت إلى غايات الرؤية الوطنية العامة، وانطلقت من واقع القطاع الصناعي، رسمت فيها رؤى حول مستقبلها بحلول عام 2030. فيها بيان للأولويات في المرحلة القادمة من حيث نوعية الصناعات، والسعي إلى رفع قيمتها المضافة إلى حوالي 100 مليار ريال، بزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية، وزيادة الرقعة العمرانية، ولم تغفل الاستراتيجية أخيراً، هدف رفع نسبة العمالة الوطنية فيها. وخاتمة الكلام، نؤكد أن الصناعة التحويلية في إقليمنا حققت دون مبالغة منجزات، ويمكنها أن تتطور أكثر حيث تمتلك فرصا للتنافس بمقوماتها. فالصناعات بمختلف أنواعها، سواء المملوكة حكوميا أو المختلطة مع الشركات ذات الخبرة والتي تزيد في نقل الخبرات والتكنولوجيا، وتدريب القوى العاملة الوطنية يجب الاستمرار في تبنيها ودعمها. ولا ينبغي من جانب آخر، أن تترك مبادرات القطاع الخاص الصناعية بمنشآته الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، تواجه هول الصناعة وتحدياتها منفردين دون معين، فبالضرورة الاستمرار في تقديم حوافز التمكين والدعم، وعلى وجه الخصوص تلك الناجحة منها، والتي تتجه نحو التطوير والابتكار الدائم في أعمالها، ولا ينبغي أن يبخل عليها، فهي تمثل الجناح الوطني الثاني للتنمية الصناعية، ورفع راية قطر وإبداعات أهلها.

876

| 27 أبريل 2025

الدول الصغيرة وهم تداعيات إغلاق مضيق هرمز

أثناء الحروب في أي بقعة من العالم، تضطرب الأحوال برمتها في إقليمها الجغرافي مهما امتلكت دوله من مقومات إيجابية. وفي اقليمنا الخليجي يعتبر هم قفل مضيق هرمز أو وقف الحركة عبره والذي يعود من جديد هذه الأيام، وكما في أي توتر سياسي يرتبط بحوض الخليج العربي، هاجسا مرعبا، لأن هذا المضيق الطبيعي يعد البوابة الحيوية لدوله الثماني جميعها منذ الماضي، ولكنه الأوضح اليوم بسبب الدور الاقتصادي العالمي الكبير الذي يلعبه. وهذا الهم يكبر بصورة خاصة لدى الدول التي لا تمتلك منافذ بحرية غيره كبقية الدول. فعلى سبيل المثال، فإن المملكة العربية السعودية تمتلك منافذ على البحر الأحمر وخليج العقبة، ودولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك منفذا ثانيا على خليج عمان في إمارة الفجيرة وإمارة الشارقة، وإيران تمتلك منافذ بحرية على خليج عمان وبحر العرب خارج الخليج، وأنابيب النفط والغاز العابرة لحدودها. أما العراق والذي يمتلك أقل إطلالة على حوض الخليج بعد سلطنة عمان وهو المسطح الوحيد المباشر، فقد قام بإنشاء خطوط أنابيب منذ القدم لتصدير نفطه وخاصة من حقول الشمال عبر تركيا عند ميناء جيهان، وكذلك يتم نقل البضائع فيها عبر الشاحنات نحو جيرانها في شمالها حتى المنافذ البحرية على المتوسط. وتاريخيا، كما بينت في مقالتي السابقة، فإن التهديدات منذ أكثر من أربعة عقود لم تلق أذنا صاغية مباشرة، ولم يتم اغلاق المضيق بتاتا بصورة دائمة حتى لعدة أيام على الرغم من التوترات التي توالت على الإقليم، وكان لهذه التوترات بكل تأكيد تأثير على أسعار النفط وتكلفة نقله وتكلفة النقل التجاري إضافة الى تكلفة التأمين. وغالبا ما كانت تلك التكاليف المؤقتة لا تنخفض رغم الهدوء الذي يسود في أعقاب تلك المناوشات الكلامية بالدرجة الأولى تعمق الحالة، مما يعني ارتفاعا في تكلفة المعيشة في دوله وخاصة المعتمدة بشكل رئيس على المنفذ الضيق المهم الوحيد لجميع دوله بدرجات مختلفة. ومنذ أمد، اتخذت خمس من دول الخليج تدابير لتفادي الأضرار المتوقعة في حال اصبح التهديد قائما فعلا، ووضعت الخطط من الثمانينيات للتقليل من أثر التهديدات الإقليمية او الدولية التي تتكرر بين الحين والآخر وخاصة بعد ارتفاع أسعار النفط في بداياتها ومرورا بالثورة الإسلامية في ايران والحروب فيما بعد، وانتهاء كما في الآونة الحالية ومنذ الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودعوته ايران لعقد اتفاقية جديدة أكثر صرامة من اتفاقية النووي بينها وبين الخمس الكبار في عام 2015، والتي تتكرر اليوم في ولايته الجديد التي بدأت من عدة شهور ومن المتوقع ان تستمر لثلاث سنوات قادمة. والمساعي الدبلوماسية لسلطنة عمان الشقيقة والتي يكن لها الجميع إقليميا ودوليا كل تقدير، ويأمل الجميع أن تكلل بالنجاح. ومعظم المحللين والمتابعين خرجوا بانطباع بأن الجولة الأولى من المباحثات غير المباشرة آتت أكلها في أساسها، وهو الالتقاء لأول مرة في حد ذاته، بكسر كرة الجليد التي بدأت تكبر وخاصة منذ السابع من أكتوبر، وتهديدات الرئيس منذ حملاته الانتخابية، حيث يأمل الامريكيون المتفائلون ان تتطور لتصبح مباشرة قريبا. وعودة الى شأن الدول الثلاث بإطلالتها الوحيدة على المسطح، بأنها ستكون نظريا الأكثر تضررا من غيرها، فإن لم تقم بتدابير لتفادي الاضرار المباشرة وخاصة في تصدير نفطها ومنتجاتها ، فبكل تأكيد تتضرر عندما لا تتمكن بواخرها وناقلاتها من عبور مضيق هرمز أثناء أي حدث سياسي او عسكري معيق للحركة. وإني لأظن على الرغم من ذلك بأنها قادرة على الصمود أسابيع واشهرا في عدم تمكنها والتي قد يؤثر في إيراداتها المالية لفترة وجيزة، وتتفادى النتائج المترتبة على ترتيب الحركة لمنتجاتها عبر جيرانها. كما الحالة العراقية. وكثير من المتابعين والمحللين يلومون هذه الدول، بأنها لم تقم بالتدابير المناسبة في هذه الحالة كما الدول الخمس الأخرى في الإقليم وتناسوا البون الجغرافي الشاسع بين المجموعتين. ولكن بحسابات السياسة والاقتصاد طويلة المدى وحفظ الامن الداخلي صبر هذه الدول على الصمود كفيل بأن تأثيرات الاغلاق -إن حدث لا سمح الله- ستكون متشابهة لحد كبير بتأثيرات الدول الأخرى، ولكن من حسن حظ هذه الدول الثلاث من جانب آخر بأنها محدودة الحجم السكاني وخاصة من مواطنيها. ونشهد اليوم تهديدات بحدوث ذلك إن قامت حرب في المنطقة، وكحال الحروب في أي جزء من العالم وحتى الحروب الإقليمية والمؤثرة حتما على الأمن والسلام وتتكبد الحركة التجارية المسالمة خسائر فادحة على جميع الأطراف ومن بينها الدول المستقبلة، وما التوتر في البحر الأحمر القريب منا في الآونة الاخيرة إلا أوضح الأمثلة. وتتحدى الدول نفسها بمدى امكانيتها الصبر والصمود لأسابيع واشهرا، وسيكون الوضع مهما وصف بالسحابة ليس طبيعيا في حياة شعوبها مهما كانت تمتلك الدول من المقومات الجغرافية والاقتصادية وحتى العسكرية، ويكمن الانسجام الداخلي في قوة الصمود عامل قوة في جعله يمر بسلام. وأخيرا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنب منطقتنا ويلات الحروب وإن كانت سهلة في بدئها ونشوبها، ولكن إطفاءها ليس بيد من أشعلها.

855

| 17 أبريل 2025

حوض الخليج العربي وحتمية العلاقات الوطيدة بين دوله

في لغة الجغرافيين السياسيين، بأن المسطحات البحرية تعد من الظاهرات الطبيعية التي تحدد دون مشاكل حدودية تتركها بين الدول، وخاصة الشاسعة ولا ترتبط بعلاقات فهي فاصلة. وفي المقابل تلعب المسطحات المائية الصغيرة والضيقة، والتي تختلف عن الكبيرة في ترابط أطرافها، فالبحار هنا ظاهرة اتصال وليست انفصال. إن حوض الخليج العربي، يمثل هذه الظاهرة الملهمة لشعوبه، كما كان عبر التاريخ والذي تتأثر أحداثه بما تعطيه الجغرافيا والتي ينبغي أن تكون كذلك في الحاضر. فالحوض تبلغ مساحته أكثر من 300 ألف كيلومتر مربع، وبه عشرات الجزر الكبيرة، ومتوسط أعماق مياهه في الوسط يصل الى حوالي 50 مترا، وتزداد أعماقه كلما قربنا من عنق منفذ مضيق هرمز في الشرق بحوالي 100 متر، والذي لا يتسع أكثر من 55 كيلومترا بين إيران وعمان. ويمتد طوله لأكثر من ألف كيلومتر حتى ميناء الفاو في العراق، وعرضه في أقصى امتداد بحوالي 400 كيلومتر، بين الساحل الإيراني عند مدينة عسيلوه الصناعية وسواحل نهايات خور العديد بين قطر والسعودية. وأبحرت عبره في رحلات الغوص او التجارة كافة أنواع السفن التقليدية كالبوم حتى وصلت الصين، وما تزال الحركة نشطة فيه، وخاصة البواخر المحملة بالنفط وناقلات الغاز المسال وبواخر المنتجات، جعلته من بين أكثف بحار العالم في العلاقات التجارية الدولية. ومن المعروف أن الحوض العربي هذا يضم على سواحله حاليا ثماني دول مستقلة عربية ومسلمة، أكبرها مساحة وأهمية اقتصادية المملكة العربية السعودية، وإيران الثانية ولكنها الأكثر تنوعا اقتصاديا في الموارد، والتي تمتلك نصف سواحل الحوض، وتقريبا نصف مساحة مياهه وتشترك مع البقية في حدودها السياسية وفي مشاركة مكامنها النفطية. أما سكانيا فيبلغ إجماليهم حوالي 150 مليونا وتعد إيران الأكبر، ويمثل عربها من بينهم أكثر من عشرة بالمائة يستقرون معظمهم على سواحل الخليج. وقد تأثر كل هؤلاء بسبب جغرافية إقليمهم المشتركة في أحداثها التاريخية والعلاقات المكانية وتبادل تراثها وثقافتها في مختلف الجوانب، لغة وعمرانا وفنونا وملبسا ومناسبات اجتماعية وعادات وتقاليد. لقد لعب هذا البحر في القدم وما زال دورا كبيرا في ربط اقتصادات شرقه بغربه، وازدادت أهميته منذ اكتشاف النفط في دوله، وبالتالي يطلق عليه مركز النفط الأكبر في العالم. حدث كل ذلك في الماضي البعيد والقريب كما اليوم، فالجغرافيا تعمل بصورة حتمية في ذلك التقارب وخاصة بين المتجاورين، ويشهد الحوض منذ ظهوره تعددا ثقافيا يتبادله ساكنوه، إذا ما التقوا في بحره أولا وفي بره بمرور الزمن، وعندما بدأ المستكشفون الأوروبيون زياراتهم لمناطقها وجدوا ذلك التراث الذي يكاد متشابها، فبدأت الاستفسارات الفكرية تثار، وقبلهم قام الجغرافيون المسلمون بنفس المهمة عندما أزاحوا في موسوعاتهم عن ممالكها ومسالكها الغموض. ويقول الشيخ المثقف فيصل بن قاسم في هذا الصدد، في مقابلة معه عبر تلفزيون قطر في أحد مواسم الحي الثقافي كتارا « بأنه عندما استوطنا قطر ونحن في الأصل أهل نجد الداخلية في شبه الجزيرة العربية، لعب البحر في تغيير سلوكياتنا وتعرفنا على جيراننا، فأصبحنا مع الوقت منفتحين مقارنة بماضينا ومقارنة بأهلنا الذين ما زالوا مستقرين فيما كنا فيه». ويتحدث رجل الأعمال حسين الفردان في مقابلة تلفزيونية أيضا عن إحدى الرحلات البحرية مرافقا لوالده عندما كان صبيا «اشتدت الريح على سفينتنا، وانتهينا بدون تخطيط إلى قرية ساحلية في جزيرة قيس الكبيرة ذات الاستقرار البشري المتنوع، وكيف أنهم قاموا بالواجب بإكرامنا كإخوان وفي تهيئتنا للإبحار من جديد. ويضيف بأنه لم يهدأ لنا البال إلا بإكرامهم كما أكرمونا في تالي الأيام وفي عزها». وكذلك يتحدث السيد يعقوب بشارة وسعود السميط وسلمان العيسى من نواخذة الكويت في روزنامات رحلاتهم عبر سواحل الخليج بين شمال الحوض وجنوبه والتعارف والتآلف الذي كان يتم بين مستوطنات الساحلين، فلم يكن الحوض الذي قد يستغرب البعض بعلاقاته على الرغم من تلاطم أمواجه، ولكنها لم تمنع الناس من التلاقي، فلم يكن يمثل حاجزا بين سواحله بل أصبح ملتقى لتواصلهم بكل ما يملكون من ثقافة ويتبادلونها، وكل الجميع يتأثر ويؤثر في الآخر عربا وعجما. وتاريخيا، لم يحدث الانشقاق الكبير بين اهل ساحليه ومشيخاته إلا بالتدخل الأوروبي بدءا من القرن الخامس عشر عندما بدأ غزوهم لمنطقة الخليج من قبل الهولنديين والبرتغاليين أولا، وتممت بالسيطرة البريطانية الى أن نالت الدول استقلالها تباعا. وما يزال الغرب مستمرا في محاولاته في اضعاف العلاقة التاريخية بين الخليجيين بتهييج كل صغيرة لتحقيق مصالحه والتي يعلم اهل الخليج بطرفيه الرئيسين النوايا الخبيثة. وأخيرا، يجب التأكيد على أن معرفة اهل الخليج بخليجهم غزيرة ومتجذرة، فهم أدرى بتفاصيل مكوناته الحيوية، حيث ارتبطت حياتهم وخاصة القريبين من ساحليه وعشقوه وتغنوا به، والذين يمكن إطلاق لفظ الخليجي عليهم ويفخرون بذلك. ومن شدة حبهم لخليجهم وولعهم به، أطلق أحدهم وهو الدكتور محمد الرميحي منذ عقود صرخة بأن «الخليج ليس نفطا « بل تراث وحضارة، ولمن درس الخليج وبحث فيه بحيادية يؤيده في رأيه العلمي. وأؤكد هنا شخصيا وباعتراف الجميع بأن الخليج في حاضره « لم يعد نفطا كذلك»، بل نهضة تنموية شاملة، ومكانة إقليمية وعربية وعالمية. وبتكاتف جميع أطرافه بحتمهم الجغرافي، وتقديم المصلحة الكلية سيبارك الله سعيهم نحو تفوق أكبر ويسود الأمن والسلام ربوعه بحراً وبراً.

666

| 18 فبراير 2025

الإنسان ركيزة التنمية المستدامة وليس المال

تطلعنا البيانات المالية العالمية، وخاصة التي ينتجها وينشرها البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، فصليا او سنويا، الحجم المخيف للديون المسجلة على جميع دول العالم، وخاصة الفقيرة منها، وتراكماتها لتزيد نسبة كثير منها على ما يقترب أو يفوق اجمالي نواتجها المحلية، مما أدى خلال عقود من الزمن إلى صعوبة الإيفاء بالالتزام في دفع أقساطها وفوائدها، ناهيك عن تسديدها كاملة، إلا استثناء. ففي تقرير البنك الدولي لسنة 2024 بلغت قيمة هذه الديون أكثر من 300 تريليون دولار أي أكثر من اجمالي الناتج المحلي العالمي. وللعلم فإن جميع الدول العربية مدينة ومنها النفطية الغنية، وتقدر مبالغ الدين وخاصة الخارجي بأكثر من تريليوني دولار، تمثل أكثر من ثلثي اجمالي انتاجها المحلي. وتاريخيا، فإن عمليات التمويل بدأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واتسعت بنشأة الأمم المتحدة ومنظماتها، حيث سعت أكثرية دول العالم النامي، بعد استقلالها بتبني خطط لدخول مضمار التنمية الشاملة لتغيير الحالة البائسة التي تركت فيها من قبل مستعمريها، اجتماعيا واقتصاديا وعمرانيا وبنية تحتية، إما ببرامج تبناها سياسيوها للمقتدرة ماليا نوعا ما، أو في أكثرها بدعم من الأمم المتحدة عبر خطط خبرائها الدوليين. فمناهج هؤلاء، وفي مقدمتهم اقتصاديون، كانت منطلقة من مجتمعاتهم الغربية، فأتوا بقوالبهم لتطبيقها في أرض غير أرضهم في مقوماتها، وبشر غير بشرهم من حيث التكوين الاجتماعي والثقافي والقيمي، ومؤسسات ليست شبيهة بمؤسساتهم في شفافيتها وأدواتها، وفي دول اختلفت كذلك في أولويات أهدافها التنموية المرحلية. فكان المخططون الاقتصاديون منهم يؤمنون ويصرون بأن المال هو العنصر الأهم في إحداث تغييرات في الوضع التنموي في هذه الدول، وأن ما تعانيه من تخلف يتمثل أساسا في الضعف المالي لها. والمال عند هؤلاء هو الذي يستطيع أن يحول التخلف الى تنمية، بزعمهم ان المال سيكسر دائرة الفقر المفرغة الكلية في جميع مجالات الحياة. وكانوا من بين المطالبين بعد الحرب العالمية الثانية بتمويل الدول الفقيرة واقراضهم لتبدأ فيها بوادر التنمية، وفعلاً تم تبني الفكرة. ولكن بمرور الزمن وتقديم الأموال تلو الأموال، ومن مصادر متعددة، إلا ان التنمية لم تتحقق، بل يقول المنصفون من بينهم بأن معظم هذه الدول لم تحقق من التنمية إلا هوامشها ولم تصل الى شعوبها ولم يشعروا بلذتها، بل ازداد كثير منها فقرا وتخلفا وديونا متراكمة، كان من شأنها أن تقربهم إلى الاستعمار مرة أخرى بطريقة أو بأخرى، بفقدان جزء من سيادتها سواء من الدول المقرضة او من المؤسسات الدولية أو حتى الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات. لذا يقول التنمويون الاجتماعيون بأن المال أحد عوامل التغيير وليس الأوحد، ويرون بأن الانسان، وخاصة من هم في قمة المسؤولية في الدول إذا ما كانوا مؤهلين ومخلصين في أداء مهماتهم لصالح دولهم وشعوبهم، بتبنيهم لنظام مستقل يضع في اعتباره مصلحة الوطن بإدارة عاقلة ومسؤولة ومساءلة في نفس الوقت هو السبيل. والمال في النهاية في حكمه وسيلة وليس غاية بكل تأكيد، فبناء الانسان وتأهيله يعد في لغة المخططين الاجتماعيين أهم عناصر البناء وحسن استغلال المال في تكوينه وتأسيسه قبل أي عملية تنموية اقتصادية فيعد أهم مهمات الدول. فدائرة التخلف أو الفقر المفرغة لا يمكن كسرها إلا بوجود الإنسان المؤهل، فالإنسان هو هدف التنمية كما الأصل ولكنه أيضا وسيلتها. إن الذين تبنوا الخطط التنموية الأوائل، وهم من الدول المتقدمة أرادوا بخططهم المستوردة التخطيط للتنمية في أرض ليست كأرضهم ولا أنظمة سياسية او اجتماعية أو ثقافية كما عاشوها، وفي نفس الشأن بين بشر غير جاهزين، فضاعت الأموال وضاعت الفرص وضاعت الجهود الدولية والمحلية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على حساب الشعوب في هذه الدول الذين ما زال في أغلبهم يعانون ويتمنون مغادرة أرضهم لفقدهم الأمل. وخاتمة القول، إن كسر دائرة التخلف لا يمكنه ان يتحقق بالمال فقط كما يعتقد الاقتصاديون، بل بالإنسان المؤهل أولا، عن طريق بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية ذات الشفافية الكاملة بوضوح أبجدياتها بشأن التنمية الشاملة، والمدعومة بالقوانين والمراقبة من قبل جهات الاختصاص والتي يقتنع بها ويبنيها إنسان الأرض نفسها. فكم من دولة في العالم ومنها الصغيرة بموارد طبيعية محدودة ولكن اهتمت ببناء الانسان بمؤسساته استطاعت ردم فجوة التخلف كسنغافورة الصغيرة، وعلى العكس منها دول غزيرة الموارد وللأسف في عالمنا العربي، عجزت ان تستفيد من خيراتها، فهزمت وتراجعت عن الركب التنموي وحق انسانها بالعيش في أمن وسلام لا يتحقق إلا بالازدهار والتنمية الحقيقية الملموسة.

1548

| 02 فبراير 2025

غزة الأبية الصامدة: بشارات النصر

غزة الأبية ذات الجغرافيا الصغيرة في كل مظاهرها، من ارض لا تزيد مساحتها على 130 ميلا مربعا وبأرض سهلية خالية من الهضاب والجبال العاتيات، والمحاصرة منذ عقود من البر والبحر والسماء، وبتكدس بشري كثيف بعدد يفوق 2.5 مليونا، ثلثهم من لاجئي النكسة عام 1948 وهم يعيشون أحلك الظروف المعيشية. ولكنهم لم ييأسوا جيلا بعد جيل، حيث يحتفظ معظمهم بمفاتيح بيوتهم يوم ان اغتصبها المحتلون، وصادروها وأرهبوهم وهجروهم. ولكن تكمن قوتهم بأنهم مؤمنون ومتيقنون بنصر سيأتي من حيث لا يدركه الغزاة المستعمرون، صامدون على الرغم من المآسي، وهم أهل غزة من أجبر العدو المتغطرس مرارا على الانسحاب والاعتراف بقوتهم وهيبتهم في أعوام عديدة سابقة. وفي فجر السابع من أكتوبر 2023، وكما وعد الفلسطينيون الاحرار، بأن العدو لن يهنأ في أرضنا، لأن الأرض أرضنا والمقدسات مقدساتنا، وقد جبلنا من عهد قديم وحتى في أحلامنا، أن نحميها وننشر فيها السلام كعادة المسلمين في كل ديار العرب بعد سقوط الأندلس، في تعاملهم مع السلميين من كافة الطوائف بما فيهم اليهود، حتى أولئك العشرة في المائة من سكان الأرض في بداية القرن العشرين. ولكن الغدر ونكران الجميل له من النتائج المؤلمات على من بدأنا به، فلا ينفع البكاء حينها. وهذه نماذج من الصور من ارض الميدان الأبية، شاهدها العالم أو سمعها، كانت بشارات بالنصر، ولكن العدو بجبروته أطال أمد الحرب على الرغم من تحليلات مؤازريه من الخبراء العسكريين، ولكن الله أعمى بصيرتهم وأصم آذانهم وكأنما فيها وقر، فكانت خسائرهم أكبر. فالبشارة الأولى نطق بها ذلك الجندي الإسرائيلي يستصرخ قائده بأن يخرجه من المأزق «انا لا اريد ان اموت، هؤلاء وحوش لقد رأيت صديقي يقتل امام عيني لا اريد. لا نستطيع هزيمتهم وانا اريد مغادرة البلاد فورا، لا أستطيع رؤيتهم، هؤلاء وحوش، لا أستطيع رؤيتهم اخرجني. إنك لا ترى يا سيدي ما اراه، نقاتل اشباحا نحن لا نستطيع حتى نتقدم بالدبابات». وآخرون كثر من الذين هزموا من قبل أن يخوضوها، وزرع في قلوبهم الرعب فريقا تأسرون وتقتلون فريقا. والثانية ذلك الهروب الجماعي خارج الدولة بمئات الآلاف كما ذكرت وأكدت وسائل الاخبار المرئية، هاربين إلى دولهم التي جاؤوا منها وما زالوا يحملون جنسياتها، وعلامات الهلع واليأس بأن الأرض الموعودة لم تعد آمنة كما وعدوا بها، وذلك على الرغم من الحالة غير الآمنة والمتردية التي بدأ يعيشها مطار بن جوريون. وأجزم بأن أكثر المتفائلين لا يظنون بأنهم سيعودون حيث أنهوا انشطتهم الاقتصادية وأغلقوها دون عودة. وكذلك هروب الرأس الأكبر وشيطانهم، وقد كان قاب قوسين او أدنى من ان يرمى ويفنى، مهرولا إلى الغار، وكان قد تبجع بأنه سيقضي على حماس دون رجعة، ففشل أيما فشل وبدأت سهام المجرمين من أتباعه تترصده وتكيل إليه الاتهامات، وعما قريب سيقضون عليه وقد خاب. وبشارة ثالثة تكمن في تهشم وتحطم وتفلت محاولات بناء الميناء الأمريكي ورصيفه العائم بغرض التهجير القسري الذي وصفوه بأنه عمل انساني، ولم تقو الدولة العظمى بعدتها وعتادها لبناء هذا الجسر البحري لتحقيق فكرة مشروع القرن بتهجير أهل غزة، فقد تدخلت الأمواج وهي من جند الله فحطمت أحلامهم قبل أن تبدأ وأبكتهم وكسرتهم وأزاحت ما بنوه بسوء نية مكراً منهم، ولكن من علوهم مكر الرب بهم وهو خير الماكرين، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. ففشل مشروع القرن، فقد تغدى المقاومون المطلعون على أجندات العدو ومن والاهم من خلال تتبع مشاريعهم بإخلاء أرض غزة من أهلها كما حدث في اربعينيات القرن العشرين، ومن أحسن الظن بالله رأى العجب العجاب. أما البشارة الأخرى التي تم رصدها فهي قتال التواقين الأشداء إلى النزال دون رهبة من بين أنقاض المنازل والمستشفيات المدمرة والمدارس على ساكنيها ومرضاها وأطبائها، ومن نقطة الصفر وإخراجهم لجنود العدو من دباباتهم، والتمكن منهم ومن معداتهم المتروكة كغنائم وذخائر. فنفس الشريف هكذا، لا تهاب وقد باع الجميع أنفسهم في معركة مقدسة، فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى. ** وختاما، وثقة بالله، أظنها الحرب قبل الأخيرة قبل أن يندثر الكيان قريبا، وكما توقعها شيخ الشهداء أحمد ياسين، وخاصة إن ظهر من بين الأعداء المعارضين لاتفاقية الهدنة من يلبس رداء الحرب ولم يع الدرس، ملمحا التهديد والوعيد، بأن المعركة لم تؤت ثمارها، وإننا سنعود، ظانين بأن المجاهدين قد ضعفوا واستكانوا بل سيكونون لهم بالمرصاد. ومبرراتي كجغرافي في تحليل عوامل ضعف وقوة الأمم، هي أن الجيل الحالي من المقاومين الفلسطينيين التواقين لقيادة الصفوف يختلفون عن الاولين، فلم ينخدعوا بالدغدغة الإمبريالية والوعود الكاذبة وحب الدنيا، وثانيه أن الوضع الجيوسياسي العالمي قد تغير منذ الحرب العالمية الثانية وظهرت قوى بدأت تستشعر خطورة الوضع غير الطبيعي في المنطقة المؤثرة في السلم العالمي، وثالثها الوعي الشعبي العالمي بسبب الإعلام الجديد وسرعة نشر الخبر عبر وسائل محايدة، وآخرها وهو الأهم بنتائج طوفان الأقصى التي زعزعت الكيان من الداخل سياسيا واجتماعيا وماليا واقتصاديا وفكرا ومنهجا وادراكا، فالانكسار الحاد الكلي لمكونات الدولة يحتاج زمنا لكي يلتئم. وفي المقابل امتداد الجيل المؤمن بقضيته والظلم الذي وقع عليه والمؤمن بخالقه الذي وعدهم بالنصر ولو بعد حين مع الأخذ بالأسباب، فلم ييأسوا ويتركوا أرضهم وهم مؤمنون بإله الكون الواحد بكل صفاته كما تبين لنا، من الميدان محاربون والجمع الغزاوي المبارك، ولا نزكي على الله أحدا. وهم على عكس أعدائهم الذين آمنوا بالله ولكنهم ألبسوه بظلم في صفاته، فأنى لهم التمكين مهما علت تلاواتهم. فطوفان الأقصى سيصبح فصلاً في كتب تاريخنا وجغرافيتنا يدرس مهما حاولوا محو الجميل من حياتنا، فأبناؤنا في شوق لمثل هذه المفرحات المبهجات.

933

| 23 يناير 2025

من تجربة قطر الناجحة: لا جدوى اقتصادية من نقل غازها عبر سوريا

إبان الإطاحة بالنظام السوري في الثامن من ديسمبر 2024، وانتصار الثورة الشعبية السورية بعد نضال دام أكثر من 10 سنوات، قدم فيها الثوار والشعب السوري الغالي والنفيس لتحرير بلادهم ونيل حريتهم التي يستحقونها، والسير قدما نحو تأسيس دولة حديثة، العدل أساسها. تطرقت بعض وسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الإعلامية وتناقلت بأن دولة قطر لها مصالح في تأييد الثورة السورية منذ انطلاقتها بغرض مد خط أنابيب الغاز عبر أراضيها لتزويد دول أوروبا، وأضافوا أن المعارضة المستقبلية في بلادهم لن تقبل بمثل هذا الامر مهما تكن قطر قد قدمتها للسوريين. وكجغرافي اقتصادي أذكر بأن مشروعات نقل الغاز أو النفط عبر الأنابيب عابرة الحدود السياسية لم تحقق أهدافها الكبرى وتعطلت في وظيفتها في معظمها، على الرغم من المبالغ الكثيفة التي صرفت والآمال التي بنيت عليها. ومثالنا خط التابلاين الذي أنشئ في الأربعينيات من القرن الماضي لنقل النفط السعودي الى ميناء صيدا بطول 1700 كلم، ولم يدم طويلا لأسباب سياسية. وكذلك الحال بالنسبة لخط كركوك - حيفا لتغذية أوروبا من النفط العراقي، وما خط نورث ستريم بأنبوبيه لنقل الغاز الروسي عبر أعماق بحر البلطيق لتغذية أوروبا ببعيد عنا، حيث لم يدم في ضخه لأكثر من 10 سنوات وأيضا لأسباب سياسية. * وفي هذا الاطار، فلنلق ابتداء نظرة على صناعة الغاز وتطوراتها في دولة قطر لكي نصل معا إلى قناعة فكرة المقالة. فقد اكتشف حقلها الضخم المسمى الشمال في 1973 وعلى مساحة تزيد على 6000 كيلومتر مربع في مياهها الإقليمية، وتأكدت احتياطياتها بمرور الوقت لتبلغ أكثر من 900 تريليون قدم مكعب، كدولة ثالثة، حيث بدأت وبعد دراسات متعمقة، عمليات الاستغلال الأمثل على الرغم من الضعف المالي للدولة، بإصرار من سمو الشيخ حمد بن خليفة باني النهضة الحديثة. وكانت الخطة الاستراتيجية تمر عبر مراحل من الإنتاج، بدءا من تغطية الحاجة المحلية المتزايدة منه، ومن ثم تزويد دول حوض الخليج العربي والقريبة الأخرى بالغاز عبر الأنابيب كمرحلة ثانية. وكانت الانطلاقة الفعلية بالشروع في تأسيس مدينة راس لفان بمينائها المؤهل للمرحلة الاولى والتي جعلت الشركات العالمية تثق بالإدارة القطرية فبدأت التعاون معها بعد تردد، فأنشأت شركات كبرى بغرض تسييله بكميات كبيرة بغرض التصدير لأوروبا وآسيا عبر الناقلات. وكانت المرحلة الأخيرة تبني مشروعات صناعية ضخمة اعتمادا عليه في كل من مدينة مسيعيد ومدينة راس لفان الصناعيتين. * وقد تطور بمرور الوقت الإنتاج من أقل من 10 ملايين طن في البداية، إلى حوالي 77 مليون طن بحلول 2012 عندما حلت الأولى بين مصدري الغاز الطبيعي المسال بإزاحة اندونيسيا، ومثلت صادراتها منذ ذلك الوقت حوالي ثلث اجمالي الصادرات العالمية، وكانت الدول الآسيوية هي أكبر المستوردين والتي بدأت باليابان وكوريا، وتوسعت لتشمل أكثر من 15 دولة فيها على رأسها الصين والهند بكميات سنوية هائلة ولآجال تعاقدية طويلة. ذلك قبل أن تبدأ الدولة تصدير كميات كبيرة الى المملكة المتحدة بدءا من 2009 تقريبا ودول أوروبية أخرى، مرفقة بخدمات تجارية منافسة، ليصل عدد الدول إلى حوالي 30 دولة بما فيها الولايات المتحدة الامريكية، وكل ذلك عبر بوابتها الآمنة مضيق هرمز الدولي، والذي لم يغلق ابداً على الرغم من التهديدات في الأزمات، لأن مصلحة الجميع تقتضي التصرف بحكمة ومن بينها إيران. وأعدت في تحقيق تطلعاتها عشرات الناقلات العملاقة نتجت بصورة خاصة عن فكر مؤسسيها، لنقل غازها عبر البحار تسير كخطوط أنابيب دون عوائق لحدود سياسية شرقا وغربا، وهي اليوم بصدد بناء عشرات أخرى عبر تعاقدات بين قطر للطاقة وشركة ناقلات القطرية مع شركات بناء ناقلات الغاز الطبيعي المسال، والتي بدأت في تسلمها تباعا للمراحل الجديدة لمزيد من الإنتاج بنسبة تزيد على 80% بدءا من 2026. وقد أشادت الدول والشركات ذات العلاقة بنجاح قطر الباهر في هذه المهمة الصعبة وعن جدارة لأنها خططت وأدارت المشروع على أسس اقتصادية بعيدة عن الأجواء السياسية، نالت ثقة الجميع، وما تزال عروض الشراء تتكالب عليها مرة أخرى في مشروعها الجديد. * فلنرجع إلى الموضوع، فالمسافة بين قطر والساحل السوري بريا عبر جمهورية العراق ولمسافة لا تقل عن 1500 كلم، والتي يعلم الجميع بظروفها السياسية، ومرورا بالأرض السورية حتى ساحلها على البحر المتوسط لمسافة لا تقل عن 800 كلم. أما بحريا فإن المسطح البحري للخليج العربي عليه مصالح لكل من إيران والبحرين والسعودية والكويت والعراق والمسافة تقدر هنا بحوالي 600 كلم. فإن نجحت بعد اتفاقيات بعد جهود كعادة العرب ومررت، قد تعاق جميعها بامتناع واحدة، فكثرة الأطراف منذرة بالفشل. * قطر في غنى عن كل هذه المشكلات وإيحاءاتها من الغمز واللمز، وقد أعدت نفسها منذ استغلالها لموردها، الابتعاد عنها وخاصة في اقتصادها ونجحت أيما نجاح من خلال تجاربها السابقة، ومن الحكمة ألا تدخل نفسها جحر ضب جرب من قبل غيرها. حيث بدأت مشروعها الغازي على أسس علمية ذات جدوى اقتصادية ومراعية للبيئية، وارتاحت لطريقتها وأراحت بعد تحديات داخلية وخارجية، فليس من المنطق اليوم أن تذهب الى خط انتاج معقد. فليطمئن معارضو الفكرة من الإخوة السوريين، وإن كانت من نسج خيالهم، وليستمتع المناصرون برغبة قطر في تأييد كل خير ينتشر في العالم، وخاصة في العالم الخليجي والعربي والإسلامي، فلتهنئي وتتباركي، وليحفظك الله.

1692

| 15 يناير 2025

النمو السكاني العالمي والنظريات المالتوسية

تعلن الأمم المتحدة في بداية شهر يوليو من كل عام، كما هي العادة، عن طريق صندوقها للسكان، البيانات التقديرية لسكان العالم، بقاراته وأقاليمه ودوله من حيث الأحجام الكلية وخصائصهم الديموغرافية والجغرافية. وقد أظهرت بيانات عام 2024 المنشورة على نطاق عالمي، جوانب من تلك الخصائص التي يستمتع المتابعون لها ويتوقون لنشرها سنة بعد أخرى، ولا أبالغ عندما أقول بأنني أحدهم لارتباطها بتخصصي العلمي وكذلك اهتماماتي البحثية. ويسرني أن أقدمها في هذه المقالة اختصاراً لها مضيفاً إليها جوانب يمكن قراءتها من بين أرقامها. ولكن بادئ ذي بدء، لا بد من التذكير بأن كل الأرض كانت ملكاً لأبينا آدم وأمنا حواء في بداية أن جعل الله سبحانه وتعالى الأرض مسكناً لبني آدم، حيث يقدر الديموغرافيون عمر الإنسان بخمسين ألف سنة كمتوسط التقديرات، وأن عدد البشر الذين ولدوا منذ ذلك التقدير بين 105 و110 مليارات نسمة حتى الآن، أكثر من 90% منهم تحت الثرى، والبقية حية تنتظر يومها الموعود، وهم اليوم حوالي 8.2 مليار نسمة. ومما يجب توضيحه في هذا الصدد، أن الأرقام التي تذكر في جميع الإحصائيات هي تقديرية وحتى الأرقام التي توضح عبر حركة عقارب الساعات السكانية الوطنية، والانتباه الثاني بأن كثيراً من سكان الأرض قد يسجلون في أكثر من مكان جغرافي او دولة لعدة أسباب، ولكن أهمها قبول كثير من الدول بازدواجية الجنسية، حيث تسمح 61 دولة بها مما يعني تكرار الوجود لهؤلاء، وحلاً لهذه المشكلة فإن العالم متجه ومنذ زمن بمنح كل إنسان رقما مع بداية ولادته حسب الموقع دون أن يتغير ولو تجنس بجنسية أخرى. ولكن من جانب آخر، يجب العلم بأن كثيراً من البشر لا يسجلون لأسباب كثيرة ومن أهمها المجموعة التي تعرف بالبدون، والذين يكادون يتواجدون في جميع دول العالم بصورة أو بأخرى لأسباب طبيعية أو اجتماعية أو سياسية أو قانونية وغيرها. والسكان كمصطلح، فإنه يذهب الى كل السكان دون تفريق بناء على جنسياتهم، إلا إذا حدد بذلك التعريف في جزئية خاصة من البيانات، فسكان دولة قطر لا يعني مواطنيها فقط، بل يعني جميع السكان المستقرين بصفة قانونية على أرضها، وكذلك سكان الولايات المتحدة الأمريكية، فليس كلهم أمريكيون بالضرورة. ولكن قبل تسجيل بعض الحقائق عن الوضع السكاني العالمي لعام 2024، من الجيد بيان الأفكار العلمية بخصوص النمو السكاني بين الإيجابية والسلبية، وموقف الأمم المتحدة منذ نشأتها. فلا نبالغ ابتداء إن قلنا بأن الجغرافيين هم من أوائل الذين درسوا الظاهرة السكانية، فنظروا لها بدقه قبل أن يتولى أمرها الديموغرافيون الجدد، ويتقدمون بنظرياتهم السكانية دون الربط بالضرورة بالجغرافيا. وقد كثر الاهتمام بالظاهرة السكانية مع إنشاء هيئة الأمم المتحدة في عام 1945، والتي بدأت تصدر سنويا إحصائية شاملة عن الوضع السكاني العالمي تحت اسم Population statistical year book. وكان من توجهات القائمين عليها وهم يخططون للعولمة البدء في إعداد الكوادر البشرية للقيام بمهمة جمع البيانات بشكل منظم وحسب التعريفات الدقيقة للمصطلحات والتصنيفات التي تطورت كثيراً. والجدير بالذكر ابتداء، أن اجمالي عدد السكان كان قد قدر في عام 1800 بحوالي المليار نسمة الأول، وفي عام 1900 حوالي 1.7 مليار، وقفز في عام 2000 إلى حوالي 6.5 مليار. وعليه سميت العقود الخمسة الأخيرة من القرن العشرين بمرحلة الانفجار السكاني، حيث شهد العالم كما ذهب اليه مسبقاً المفكر الإنجليزي الاقتصادي توماس مالتوس في بداية القرن التاسع عشر، انخفاضا في معدلات الوفيات بسبب التطورات العلمية والتكنولوجية التي توقع تأثيرها على النمو السكاني المرتفع، عندما ذكر بأن العالم سيدخل متاهة قلة الغذاء بسبب الزيادة البشرية بمتوالية هندسية، على الرغم من ايمانه بأثر التكنولوجيا التي بدأت تنضج وتتطور على زيادة الإنتاج الغذائي، ولكنها ستكون بمتوالية حسابية. ولكن المفكر لم يضع في اعتباره دور الحروب العالمية ولا الحروب الأهلية ولا الفساد السياسي ولا نهب المستعمرين خيرات الدول الفقيرة، والتي أراها شخصياً عوامل أخرى واضحة أفقرت شعوب العالم النامي، وأوسعت الفجوة بين المجموعتين من حيث النجاح والتفوق والغنى كنتيجة. وإيمانا بأفكار هذا القس ومن جاءوا من بعده، تبنت منظمات الأمم المتحدة منذ الخمسينيات ضرورة توجه الدول نحو السياسات السكانية لخفض النمو السكاني، والتي يرى المتابعون أنها حققت أهدافها الكمية جزئياً، فلولاها لكان عدد سكان مصر اليوم أكثر من 150 مليونا والهند أكثر من ملياري نسمة على سبيل المثال. ولكن هذا المفكر لم يتطرق إلى ظاهرة زيادة السكان من كبار السن والتي بدأت تقلق المنظرين المالتوسيين المعاصرين والذين نسمع عنهم هذه الايام، بأن كبار السن غير المنتجين وغير الفاعلين والذين يكلفون ميزانيات الدول وكذلك هيئات التقاعد الشيء الكثير، ففكروا في طريقة التخلص منهم وخاصة الفقراء، وبلغة قاسية غير إنسانية في كثير من الأحيان، والتي يرجح كثيرون أنهم متهمون بصناعة الفيروس الأخير لتحقيق الفكرة المالتوسية كما يعتقدون، والتي قد يكون مالتوس منها براء. ولكن السعي الخبيث لهؤلاء، كما يعتقد الكثيرون سوف يستمر، في كبح النمو السكاني حتى المعتدل منه، وخاصة في الدول النامية، حيث قناعتهم بأن الحياة للأصلح والأقوى كما في أفكار مروجي النظام العالمي الجديد. ولنا وقفة أخرى قادمة بإذن الله في محطات حول أرقام 2024 لبيان جوانب من التغيرات العامة، والتغيرات الخاصة بأقاليمنا الجغرافية ومستقبلها السكاني.

510

| 07 يناير 2025

هموم النفط في دول حوض الخليج

تعد دول حوض الخليج وعددها ثمان، ومنذ بدايات القرن العشرين من بين أهم الأقاليم النفطية في العالم، والتي ازدادت أهميتها بعد الحرب العالمية الثانية. حيث تنبأ المستشارون الجيولوجيون للرئيس الأمريكي روزفلت بأن الإقليم سوف يسحب البساط من تحت أرجل دول البحر الكاريبي، وأوصوا بأن على الولايات المتحدة الأمريكية التوجه نحو المنطقة بخلق علاقات معها. ولمرة أخرى أصبحت المنطقة مهمة للغاية عندما أصبح الغاز الطبيعي، وخاصة الحر يمثل منذ أكثر من ثلاثة عقود أهمية إضافية للإقليم بصناعاته وتسييله. لكن ومنذ بداية الإنتاج في عام 1908، ودوله حكومة وشعبا تحمل هموما بشأنه، لم تقف عند واحد منها، بل تعددت ويمكن تحديدها زمنيا بخمسة منها على الأقل وهي: هم النضوب، هم الأسعار، الهم الأمني، هم البدائل، وأخيرا الهم البيئي. فالهم الأول كان هم النضوب، وقد ظهر بعد فترة وجيزة، وتعالت أصوات المحللين في العقود الأولى من الإنتاج حيث بدأت في استغلال مردوده المالي في عمليات التنمية الجميلة، بأن نفطكم غير متجدد وسينفد قريبا يا دول الخليج قلا تفرحوا كثيرا، فالمؤشرات وبناء على تقنيات الفترة تظهر بأنه قد تم اكتشاف كل ما تخزنه الأرض منه، فعليكم بخفض انتاجه وإطالة عمره الزمني. فكان فعلاً هماً حمله أهل الخليج. ولكن بفضل الله تطورت التقنيات واتسعت دائرة الكشف وتدخلت شركات جديدة غير السبع الكبرى، برا وبحرا لتبشر بكميات واحتياطيات لم تكن متوقعة سابقا، كما في السعودية والعراق نفطيا، وفي إيران وقطر غازيا، فزال هذا الهم المؤرق مؤقتا. في حين أن تذبذب أسعار البرميل الواحد منه يعد الهم الثاني، فمن عدة دولارات إلى أكثر من 100 دولار في أحيان أخرى، وكان ذلك مدعاة وبصورة خاصة عند الانخفاض بسياسة شد الحزام وتأخر المشروعات التنموية، وتأثر الرواتب والعلاوات والتوظيف، وكذلك في تقلص الاحتياطيات المالية للدول وتكرر العجوزات في موازناتها السنوية، والتوجه بالتالي نحو البنوك والمصارف للاقتراض مما أدى الى تكلفة اعلى في قيمة المشروعات. ولكن في نفس الوقت تعلمت الدول من تحدياتها دون أفرادها للأسف، فأدى بالدول أن تستغل فترات الرخاء السعري في تكوين الفوائض التي أدت إلى صناديق سيادية ضخمة للاحتياطي المستقبلي، بداية بدولة الكويت بخلقها صندوق الأجيال، وتلتها بشكل مبهر البقية. وأما الهم الثالث فهو الأمني، فدول الإقليم حاولت الاهتمام بتعيين حدودها، والمطالبة بحل المشكلات الحدودية المزمنة وضرورة الانتهاء منها. حيث التوقعات بوجود مكامن نفطية بجوارها، فما من دولة من الدول الثماني إلا ولها حدود مشتركة برية كانت او بحرية. وبما ان الإقليم يقع على مسطح مائي وفي طبقاته الأرضية العميقة بحر آخر معروف جيولوجيا بغناه النفطي، فكان أن سعت لذلك تفاديا لمشاكل مستقبلية. وكانت الأسبق إلى ذلك دولة قطر، فكانت صفر مشاكل حدودية، فمنذ عام 1963 مع الشقيقة السعودية ومرورا بعام 1969 مع إيران وابوظبي، وانتهاء بالبحرين في عام 2001. وتتالت بعد ذلك حل معظم المشكلات الحدودية في الإقليم مما أكسب الإقليم أمنا كعادته عبر الزمن، لولا التدخلات الخارجية والتهديدات بغلق المضيق. لكن، وكما يعلم الجميع ما تزال الخلافات في هذا الشأن بين ثلاث دول حول حقل الدرة، وفي مناطق أخرى. وتتوتر الحالة أمنيا بتصاعد التوترات السياسية وخاصة بين إيران ودول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة، فلا يمكن لأحد ان ينكر دور النفط في أحداثها، فهذا الهم ما زال مسيطرا ومشغلا البال. أما الهم الرابع فهو بدائل النفط، فارتفاع أسعاره منذ 1973، بدأت الدول الكبرى عبر جامعاتها ومراكزها البحثية في اعتماد ميزانيات بالمليارات للبحث في بدائل النفط من مصادر الطاقة المتجددة وهي المحرك الأساس في احداث تغيرات حضارية في جميع أوجه الحياة واستمرارها. فالدول المتقدمة من اليابان في الشرق ودول غرب أوروبا والولايات المتحدة سعت إلى اكتشاف مصادر الطاقات البديلة. فالنفط بهذا الهم لدى منتجيه سيكون مصدرا من مصادر الطاقة، وليس المصدر الأهم بقيمة يتمنونها، فقد يكون متوافرا ولكن الكساد يكون قد أفسده، فالجهود في خلق وتعزيز مصادر الطاقة الشمسية والرياح والطاقة البيولوجية والهيدروجينية أصبحت ملموسة، وتبحث عن تقنيات متقدمة أخرى لخفض أسعارها، ستمكنها من التنافس. فلنتوقف أخيرا عند خامس الهموم وهو حديث العالم اليوم، متعلق بضريبة الكربون او الهم البيئي، بمشروع تبناه الاتحاد الأوروبي بدفع ضريبة قيمتها خمسة دولارات عن كل برميل نفط او مكافئ يصدر. وقد أسرع المسؤول الأكبر في قطر للطاقة بالرد عليه بشكل صريح وقوي الرافض للفكرة، ومعلنا أنه قد تكون نتيجته وقف التصدير لدوله، وتم تأييده من دول أخرى وشركات عالمية كبرى. فتخيلوا المبالغ التي ستدفعها دول الخليج المصدرة للنفط لأكثر من عشرين مليون برميل يوميا. ومما يجب التنبيه له أن الفكرة قديمة، فمنذ التسعينيات تتدارس الدول الأوروبية باقتراح دولة الدنمارك كذلك بفرض ضريبة كربون على الدول المنتجة بثلاثة دولارات وإنشاء صندوق دولي لتنظيف العالم من ملوثاته، إلا أن المشروع أسقط بوقفة من دول الكتلة النامية والمتحولة اقتصاديا بأن اتهمت الدول الصناعية الغنية بتلويث البيئة قبل دولهم، وعليها العبء الأكبر بتنظيفها. ولكن الجديد في مشروع ضريبة الكربون الجديد، أنهم أضافوا بعد حقوق الإنسان والعمال التي يتشدقون بها. ومن الجدير بالذكر أن جميع دول حوض الخليج العربي قد صادقت على اتفاقية باريس بشأن البيئة، مؤكدة أنها ستدعم وتؤازر بما يمليه عليه الواجب جميع التوجهات العالمية لتقليل التلوث البيئي الناتج بدرجة رئيسية عن الصناعات الحديثة الكثيفة والمنتجات المدنية او العسكرية والتي من بينها النووية واشعاعاتها المستخدمة في الحروب.

681

| 01 يناير 2025

القطاع الخاص في قطر وعمل المواطنين (2)

من المؤكد أن اكتشاف النفط في قطر قد أحدث تأثيرا كبيرا في تحولات القوة وأهمية الأدوار في المجتمع، بظهور سلطة القطاع الحكومي العام ليهيمن بدءا من منتصف القرن العشرين بديلا للقطاع الخاص، انطلاقا من تمتع الدولة بالثروة المالية التي نجمت عنه. ولكن مع ذلك أولت الحكومة اهتماما بتطوير أنشطة القطاع الخاص لمواكبة التوجهات الجديدة المأمولة للدولة في النهضة، وخاصة في الجوانب الاقتصادية وكانت فرصة له، والمتمثلة في النهضة التعليمية والاسكانية والعمرانية. فبدأ هذا القطاع الخاص يمارس دوره في التنمية بتمويل حكومي سخي عبر طرح مشروعات التنمية الشاملة. ومع تطور الدولة ماليا في السبعينيات قدمت له من الدعم ما لا يتصور. وللعلم بأن الدولة في الستينيات قد أسست مجموعة من الشركات دعت أفرادا من المجتمع في تملكها، أصبحت وكلاء لمنتجات عالمية كثيرة حمتهم قوانين الوكيل المعتمد فمثلوا المستوردين الكبار لمناقصات الدولة ومشروعاتها، واحتياجات المواطنين المعيشية المتزايدة، مما عززت مكانتها. ولا غبار في ذلك الدعم لأن نجاحهم من نجاح البلد، ولكن كان على القطاع الخاص في المقابل دور في العمل الاجتماعي دون مقابل على المشاركة في متطلبات التنمية الوطنية وان يحرص على الاهتمام بقضايا المجتمع، فنجاحهم الكبير كان أجمل بكثير أن يرى في أدوارهم المجتمعية كذلك، ومن بينها بشكل مؤكد الحرص على تبني أبناء البلد، وتطويرهم بخلق فرص العمل لهم. والمؤشرات تؤكد بأن شركات القطاع الخاص في قطر قد تطورت كما ونوعا خلال العقود الماضية، وتعددت كذلك صور الدعم لها سواء الحكومية المباشرة وغير الحكومية وخاصة من قبل البنوك وأصبحت أكثر نضجا في ادارتها وتقنياتها، وخروجها من القالب المحلي إلى العالمية، حيث نلمس بين الفترة والأخرى بروز اسمائها بين كبريات الشركات العالمية او الإقليمية العربية وشمال أفريقيا، ونسمع عن رجال أعمال قطريين وصفوا بأنهم عالميون، وهذا الإنجاز فخر للدولة القطرية دون شك. فبيئة العمل الآمنة التي خلقتها الدولة كانت مشجعة استغلها المبادرون، فقد ارتفع على سبيل المثال عدد منشآت القطاع الخاص في عام 2020 بنسبة 130% خلال عشر سنوات الى حوالي 71 الفا، من بينها 2100 منشأة يعمل بها أكثر من 100، بلغ مجموعهم حوالي 880 ألف عامل، ولا يتعدى للأسف نسبة العاملين القطريين 2% وغالبا هم ملاكها وأقرباؤهم، وستكون كما أتوقع المستهدفة، بناء على القانون رقم 12 لسنة 2024 بشأن توطين الوظائف في القطاع الخاص. ومن الجدير بالذكر، فإن نتائج التعداد العام لسنة 2020 أظهرت ارتفاعا إيجابيا في نسبة العاملين القطريين في شركات القطاع المختلط الى حوالي 34% بعد ان كانت 9% في عام 2010، واظهرت النتائج كذلك بان 50 % من وظائف الوزارات والإدارات الحكومية يشغلها غير القطريين، وفي الامس القريب أعلنت وزارة الاتصالات عن 26 ألف فرصة وظيفية توفرها الاجندة الرقمية بحلول 2030. أي أن فرص العمل في القطاع الحكومي ما زالت متاحة بوفرة. وهذا ما يدعو الشباب الباحثين عن العمل التردد في التوجه نحو القطاع الخاص، إلا بحوافز. ومما يجب الإشادة به في هذا المقام، بأنه ومنذ عقود والحكومة تعمل عبر خططها وقراراتها على زيادة قوة العمل المواطنة في القطاع غير الحكومي، وبالدرجة الأولى شركات القطاع المختلط التي فاق عدد الملبية والمبادرة لها الأربعين، وآتت أكلها ولكن بشكل بطيء، حيث لم يتعد أفضل رقم لها 50 %، وغالبيتها هي الشركات الكبرى المختلطة والتي بحكم ملكية الحكومة بجزء من أسهمها، كانت تتنافس على توظيف القطريين للمصالح المتبادلة. وقد تحسنت التغطية كثيرا بدخول الفتاة القطرية سوق العمل بسبب اتساع دائرة تخصصاتها العلمية وخاصة الهندسية والاقتصادية الإدارية والمالية، واتساع القبول المجتمعي لعمل المرأة. فعلى سبيل المثال تحققت زيادة ملفتة للنظر في عدد القطريين بين 2021 و2022 من 394 الى 1850 عاملا، كثير منهم من الإناث. وختاما أرى بأن ثلاثة أطراف معنية في هذا التوجه الجميل وهي: الحكومة والقطاع الخاص وبينهما الباحثون عن العمل من القطريين، فلكل متطلبات لا بد أن تراعى، ولا أدعي بأنها غائبة عن المخططين. فالحكومة هي المخططة للنشاط الاقتصادي والتنموي ومن حقها الطبيعي لتحقيق أهدافها بعيدة المدى اعلان رغبتها في هذا المجال والتخطيط له لتحقيق المصلحة العامة على المدى البعيد وقد تكون معذورة ولا تلام في بذل المال السخي فيما لا يمكن تحققه دونه. وأما القطاع الخاص فمن حقه أن يبحث عن مصلحته كما في العادة، في تحقيق أرباح مالية قبل سواها، فتبحث شركاته عن عمالة تقدم لها قيمة مضافة، لهم من السمات الوظيفية والمهارات الإدارية المنضبطة، ولهم شغف بالإبداع واثبات الذات والتحدي، ما يؤدي إلى أن يثق بهم أصحاب العمل. والباحثون عن العمل من القطريين وأبناء القطريات حسب القانون الجديد هم الطرف الثالث حسب القانون، فهم أيضا يتطلعون، ولهم الحق، بأن لا تقل حوافزهم عن نظرائهم العاملين في القطاع الحكومي من رواتب وعلاوات وترقيات واجازات ودورات، بالإضافة إلى منح القروض الميسرة وعلى رأسها قرض الإسكان والأرض، وأخيرا إلى قانون معتمد للموارد البشرية يحفظ حقوق نهاية الخدمة والتقاعد بالمزايا الوطنية. وأختم هنا بالسؤال الأخير، آمل أن الجهة المعنية قامت بدراسة علمية لحالة العمالة المواطنة من ذكور وإناث في شركات مصانع مسيعيد وراس لفان وقطاع البنوك والاستثمار وحتى الخطوط القطرية، لمعرفة التحديات التي جابهتهم فيها، ومدى رضاهم خلال فترة عملهم حتى من الذين تسربوا منها، أو تقاعدوا مبكرا.

1671

| 25 ديسمبر 2024

قطر... أيتها الجوهرة تلألئي

دون مبالغة، لا يمكن أن أصفها إلا بالجوهرة، إنها قطر العزيزة على قلوبنا وقلوب من يسكنها ومن يتابعها عن قرب، إنها دولة عربية إسلامية وتفتخر. ومن هذا المنطلق هي ثابتة في مواقفها في دعم كل ما هو عربي دون انتظار كلمات الثناء والشكر، وقد دأبت قيادتها الرشيدة على التوجه بهذا المنحى، وكذلك سار على الدرب مواطنوها، همهم إخوانهم من العرب والمسلمين، ولم يغفلوا عن جميع البشرية إنسانيتنا جمعاء. فهذه غزة الصامدة رغم حصارها في الماضي ويد الإعمار القطرية وصلتها، ومع غزوها الإجرامي الشنيع في الحاضر، فهي المبادرة لرفع بعض الضيم عنها كواجب يؤمنون به، وتقديم المبادرة تلو المبادرة لوقف إطلاق النار وحل مسألة الأسرى والمحتجزين على الرغم من لومها من الصديق قبل الغريب واتهامها، ولكنها لا تبالي. وداعمة للشعوب الكريمة سلميا وبحكمة في محنهم التي طالت وهم يبحثون عن حرية واستقلال لجعل دولهم دول عز وكرامة. بل امتدت مساعداتها إلى أرض اليابان وإلى الفلبين وإيران وباكستان وغيرها، بسرعة فائقة في محنهم الطبيعية، وكذلك في تركيا الشقيقة في زلزالهم المريع وفي الضربة الاقتصادية التي حطت عليها. فجوهرتنا أنارت سماءهم باليسير مما يمكن أن يقدم، قطر هذه الصغيرة في الجغرافيا ولكنها الكبيرة في المواقف والعطاء والتقدير للبعيد قبل القريب. ودولة قطر وهي تحتفل بيومها الوطني علينا أن نذكر بأن منجزاتها تلزمنا أن نصفها بالجوهرة، ففي قياس التنمية البشرية تحتل مراتب متقدمة منذ سنين، حيث كانت الأولى عربياً، وفي المركز 28 في مؤشر الشفافية بين دول الشرق الأوسط، وبالمركز الأول عربيا في تحقيق الأمن الغذائي والأمن السياسي من بين 180 دولة على المستوى الدولي. ومحليا فإن رؤيتها المرسومة حتى 2030 لا تزال تبحر بخطى ثابتة لترتقي بالإنسان القطري في جميع جوانب حياته علميا وعمليا، وفي استدامة أرضه وبيئته واقتصاده، لتحقق المزيد لأنها رسمت على أسس منطقية سليمة منطلقة من أرض الواقع برمله وبحره وجوه ومحيطه الجغرافي. ويشهد لها القاصي والداني ويلمسها المواطن الذي جبل على حب وطنه منذ نعومة أظفاره وبفخر، فالقاف عنده قوة الوحدة، والطاء عنده طيبة لا تحدها حدود، والراء عنده رؤية لا توقفها رهبة بإذن الله. وكم كان الإخوة العرب قبل المواطنين فخورين بفوز قطر الجوهرة باستضافة كأس العالم 2022 حيث سميت بأولمبياد العرب، وكم كان تحديها الملفت للنظر في عدم تفويتها في دعم القيم الأخلاقية الفطرية وبأنها ستبهر العالم بإنسانيتها، حيث ازداد انبهار العالم بها في شرقه وغربه، وحتى من غير المناصرين عندما عادوا إلى وعيهم. وكذلك تشهد منصات التتويج العالمية في شتى المجالات، تفوق الشباب القطريين ورفع الراية القطرية الجميلة مع أنغام السلام الوطني بدءا من منابر الأمم المتحدة والمنابر العلمية والرياضية والعدلية. ويتلألأ منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، بنقاء وصدق توجهات هذه الدولة الفاعلة في أنشطتها عبر كلمات الحق التي يطلقها سمو الأمير، وممثلوه من وزراء ودبلوماسيين في نيويورك وباريس ولاهاي وجنيف وروما. وما أنوارها التي تنشرها عبر جمعية قطر الخيرية والهلال الأحمر القطري في الديار وفي أقاصي الأرض بنشر الخير للملايين غائبة عن المشهد الدولي، وبصماتها أضاءت العقول بتعليم أطفال العالم النامي الفقراء، وأطفال الحروب والكوارث والنكبات لبناء غد أفضل لهم ولأهليهم. وفي جغرافيتها المحلية، تلألأت قطر في أرضها خلال فترة وجيزة بتطورها العمراني في شرقها وغربها، بمدنها متعددة الوظائف من الدوحة ومرورا بالوكرة والخور والريان والوسيل والمدينة التعليمية ومسيعيد وراس لفان ودخان، من تحضر ملموس في مرافقها وخدماتها المنافسة والتي تمتد على مساحات كبيرة، ومن بينها حدائقها التي تعد بالمئات وميادينها وساحاتها التي تبهج النفس، مصحوبة بتحقق الأمن بها، فكم هو سعيد إنسانها عندما يمشي على كورنيشها الهادئ أو ممشى حيها الثقافي، أو عندما يدخل مطارها الدولي أو محطات المترو بها، أو يسير بسيارته في شوارعها النظيفة وملاعبها الجميلة ذات الهوية القطرية، فهنيئا لمن يعيش على أرضها محتضنة إياه كاللؤلؤة. وبالأمس القريب، وفي الخامس من نوفمبر حيث تجلت الوحدة الوطنية عندما هب المواطنون لتلبية نداء الواجب بتغليب المصلحة الوطنية ووحدتها ونشر العدل والمساواة بين مواطنيها، لعلامة أخرى على حق الوطن التلألؤ الذي سينير بلا شك دروبها جيلا بعد جيل بإذن الله. فسوف تزداد جوهرتنا بفضل الله تألقاً وتلألؤاً، فمن واجبنا جميعاً كمواطنين أن نحميها ونحافظ عليها، ونفديها بكل ما نملك من قوة ليست جسدية فحسب، بل عقلية وفكرية، وبالمثابرة والجد والاجتهاد، فما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً، ومن لم يعشق صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر. وحسناً فعلت الدولة عندما تفاعلت مع المناسبة الوطنية، ودعت الجميع للمشاركة في فعاليات درب الساعي، بمن فيهم فلذات أكبادنا الأطفال والشباب، وهم عدة البلاد وأمل مستقبلها. فكل المشاهد والمظاهر أظهرت تواجد الأبناء تحت رعاية تربوية من قبل أصحاب الخبرة من الكبار رجالاً ونساءً واعية بالدور والمهمة الوطنية، فلهم منا الشكر الجزيل. فقد كان أطفال قطر جميعهم مواطنين ومن يحيون على ترابها من غير المواطنين وبكل فئاتهم ينتشرون في الساحات العامة بين مشارك ومتفاعل ومشاهد ومتابع ومستفسر وبفرحة تعلو محياهم بلمس تراثهم وحضارتهم. وأجزم بأن الجميع حظوا بالتفاعل في هذه الاحتفالات الوطنية بصورة أو بأخرى، فلنتضرع إلى المولى بالشكر. وكآباء نعاهدك وطننا العزيز، أن نبذل وأبناؤنا كل غال وثمين من أجلك لتبقى الجوهرة التي تحرسها عيوننا ليلاً ونهاراً، ونعمل على أن نزيدك لمعاناً وبريقا على الدوام. ونزداد قيمة وعلوا كلما تمسكت بلادنا بقيمها والتباهي بها وعدم التفريط بها، وتربية الصغار عليها والتزين بها واحترامها لتزيدنا نورا وعزا وكرامة وتلألؤا، فلنفتخر بأننا قطريون مسلمون.

552

| 15 ديسمبر 2024

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

2328

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

807

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

702

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
النهايات السوداء!

تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى...

633

| 12 ديسمبر 2025

alsharq
موعد مع السعادة

السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...

600

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
قطر في كأس العرب.. تتفرد من جديد

يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...

597

| 15 ديسمبر 2025

alsharq
التمويل الحلال الآمن لبناء الثروة

في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص...

561

| 14 ديسمبر 2025

alsharq
تحديات تشغل المجتمع القطري.. إلى متى؟

نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...

555

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
معنى أن تكون مواطنا..

• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...

531

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
الوطن.. حكاية شعور لا يذبل

يوم الوطن ذكرى تجدد كل عام .. معها...

516

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
مسيرة تعكس قيم المؤسس ونهضة الدولة

مع دخول شهر ديسمبر، تبدأ الدوحة وكل مدن...

504

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
قطر لن تدفع فاتورة إعمار ما دمرته إسرائيل

-إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح -...

414

| 14 ديسمبر 2025

أخبار محلية