رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كم هي صور مبهجة تصدر من أرض قطر، ويوثقها الأرشيف التاريخي، بتوسط سمو الأمير الشباب من قطاع الطاقة والصناعة في لقطات، معلنين مزيدا من التفوق الاقتصادي الحيوي. بل يطلق الوطن برمته الأهازيج معبرا عن سعادته وفرحه وفخره بأن يروا هذه الصفوف من المبدعين من الأبناء لأعمالهم وخبراتهم يعلنون هذه المنجزات تلو الأخرى لرسم نهضة البلاد التي لم تكن بابتعاثهم الى مختلف الجامعات المحلية والعالمية تنتظر غير ذلك. فقد أثمرت الجهود بجدارة، يلزمنا رفع العقال لهم بكل فخر والحمد لله.
في محاضراتي عن النشاط النفطي في قطر والخليج، أستعرض الإيجابيات المباشرة لهذا النشاط الذي بدأ في مجلس التعاون بالبحرين في عام 1930، وانتهاء بعمان في عام 1968، فكان من بين الإيجابيات خلق فرص عمل بعشرات الآلاف بعد عقود من تدهور صناعة الغوص. فقد بينت سجلات الأرشيف البريطاني أن حوالي 43 ألفا من العمال قد التحقوا بمهن ووظائف النشاط الجديد في عام 1949، نصفهم من المواطنين.
وعندما قامت قطر في عهد الشيخ عبدالله بن جاسم بالإمضاء على اتفاقية التنقيب عن النفط في عام 1935 وبدء عملياته في 1938 في الساحل الغربي من شبه الجزيرة في دخان القريبة من المكامن المكتشفة في كل من البحرين والسعودية، حيث فتح الباب للقطريين للالتحاق بعمليات الشركة. وقد بلغ عددهم حسب المصدر حوالي 2700، مثل المواطنون ثلثيهم، وكان من بينهم من عاد إلى البلاد بعد هجرتهم المؤقتة الى دول الجوار بسبب الكساد الذي انتشر بدءا من العشرينيات من القرن العشرين. ومع ذلك، كل الدلائل كانت تشير إلى انخفاض أعدادهم خلال العقود التالية، وأرجع شخصيا الأمر فيما أعتقد بأن العمل في المجال كان صعبا، لم يعتادوه اجتماعيا، حيث كان معظمهم إلا القلة عمال يومية وبالدورية، وبالرغم من مزاياها الفرصة التي أتيحت لهم مقارنة بغيرها من فرص العمل، وكذلك بسبب سيطرة الأجانب على إدارة العمليات، فلم يرضوا لأبنائهم الانضمام. وأخيرا، وبما أن الدولة فتحت وبتشجيع منقطع النظير لالتحاق أبناء الوطن إلى التعليم، بإقرار الرواتب المجزية من معاشات وملابس وتغذية ومواصلات وغيرها، فضل هؤلاء لأبنائهم اتخاذ هذا السبيل أملا في مستقبل أحلى وأفضل.
ومن ناحيته، قام الأستاذ ناصر محمد العثمان في كتابه «السواعد السمر: قصة النفط في قطر» الذي كتبه من الميدان القريب من النشاط وتاريخ بداياته وعلاقات عائلته الكريمة. فأنجز كتابا بصفحاته الثلاثمائة الذي صدر عن دار الدانة في بداية الثمانينيات، وثق بين دفتيه توثيقا دقيقا لتاريخ النشاط النفطي ورجالاته الأولين، وأرفق به كثيرا من صوره الخاصة. وقد أبدع وهو الخبير في مثل هذه الإصدارات كونه عميد الصحافة القطرية ورئيسا عاما للجنة تدوين تاريخ قطر، ومن أوائل الخريجين الجامعيين في عام 1961.
ومن ناحيتي، فقد عايشت عددا من ذلك الجيل الممتد للسواعد السمر في 1975 عندما كان استقراري في دخان مع مجموعة من الزملاء في اول سنة تدريس بتخرجنا من دار المعلمين. وكانوا من مناطق قطر المختلفة، من أحياء الدوحة ومدن الوكرة والوكير والخور والذخيرة والشمال والريان، وقرى البر من مختلف عائلات قطر وقبائلها الكريمة.
ومنذ 1977 اختلف الوضع عندما تم تأميم النشاط النفطي في قطر، وقيام مؤسسة البترول القطرية (قطر للطاقة اليوم) بتولي كافة عمليات النشاط النفطي وعملياته بكل مراحله، وهذا القرار عزز مكانة العاملين القطريين، وبدؤوا يشغلون المناصب العليا وبدأت الصورة في التغير الشامل بانضمام المزيد من أوائل الخريجين أصحاب التخصصات المتصلة بهذا القطاع، وبدأ السواعد السمر القطريون يتولون المهام في عمليات النفط وصناعته في البر والبحر.
فالبعثات التعليمية في تخصصات النفط والصناعة وبالذات إلى امريكا وبريطانيا في نهايات الستينيات، انتجت أجيالا من السواعد السمر من الجيل الجديد الذين احتلوا مع الوقت بخبراتهم مناصب قيادية لمتابعة المسيرة في قطاع النفط والغاز وصناعة الكهرباء والماء والصناعات الثقيلة، من بينهم على سبيل المثال حسب متابعتي، مع حفظ الألقاب: علي الجيدة، راشد عويضة، عبدالله صلات، عجلان الكواري، محمد العالي، حمد المري، عبدالله العطية، حمد المهندي، جابر المري، خليفة السويدي، تركي السبيعي، عبد الرضا الحاجي، محمد السيد، وعبدالجبار العبدالنور، أحمد العمادي، محمد السادة، محمد السليطي ومئات آخرين لهم التقدير والاحترام، والذين أخطط بأن أنجز كتابا عنهم بعنوان «الأجيال الجديدة من السواعد السمر القطريين والدور الكبير».
إن الأجيال الجديدة من السواعد السمر القطريين اختلفوا عن ذلك الجيل الأول المؤسس الذي صمدوا في ظروف صعبة، ولكنهم رفعوا الراية بضرورة إعداد الأبناء بطريقة أخرى، فكانت أمنياتهم محققة برعاية قيادة سياسية واعية، وعدت بأن الانسان القطري بالإضافة الى اقتصاده هما ركنا التنمية الشاملة وتمكينهما واجب، وقد كان بفضل الله. فقد تجددت لقطات ابداعاتهم في شركة النفط القطرية وفي صناعاتها النفطية والغازية والكيماوية وشركات الكهرباء والماء والنقل، وبإضافة أخواتهم القطريات إليهم سيساهم جميعهم وبفخر في النجاحات الكبيرة التي تشهدها الدولة في تنميتها الشاملة والمستدامة.
وبتشريف سمو الأمير حفل افتتاح محطتي مسيعيد ورأس لفان الشمسيتين، أكد سعادة المهندس سعد بن شريدة الكعبي «إن قطر للطاقة تجاوزت مرحلة الاعتماد على خبرات الآخرين. فقد بدأنا بتنفيذ هذه المشاريع بخبراتنا الوطنية التي نعتز بها وبإنجازاتها». ومن المتوقع في مناسبات وطنية قادمة، سيثلج تواجد شبابنا على المنصة، بين أميرهم المفدى، صدر الجميع كما الأمس، في افتتاح انجاز مشاريع الغاز المسال الجديدة والاعلان ببدء التصدير إلى دول العالم عبر ناقلاتنا الوطنية، فهنيئا لقطر دولة وحكومة وشعبا على إنجازات الأبناء.
جمال الأذان المفقود
لماذا غاب جمال الصوت في رفع الأذان؟ أليس لاختيار المؤذن شروط وضوابط؟ كيف تراجعت هذه الشروط التي كانت... اقرأ المزيد
42
| 19 ديسمبر 2025
جسم الإنسان يقبل التدرج ويرفض المفاجأة
غالبا، حينما نود تغيير أو زيادة أو علاج عنصر في جسم الانسان، علينا البدء باعطائه جرعات خفيفة من... اقرأ المزيد
45
| 19 ديسمبر 2025
تدابير الله كلها خير
يقول الله تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله... اقرأ المزيد
45
| 19 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أستاذ الجغرافيا غير المتفرغ
جامعة قطر
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
816
| 16 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
657
| 12 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة المنال، ويظنون أن تحصيلها لا يكمن سوى في تحقيق طموحاتهم ومضامين خططهم، لكن السعادة ربما تأتيك على هيئة لا تنتظرها، قد تأتي فجأة وأنت في لحظة من الغفلة، فتكون قريبة منك أشد القرب، كما لو كانت تلتف حولك وتحيط بك من كل جانب. كثيرًا ما تختبئ السعادة في تلك التفاصيل التي لا تكترث بها، في تلك اللحظات التي تمر سريعة وكأنها حلم. ربما مر عليك تلك الليلة التي تلوت فيها القرآن، فتوقف قلبك عند آية بعينها، فانبعثت من أعماقك مشاعر جديدة، فسالت دموعك على وجنتيك، أو ربما كانت تلك الدمعة الثمينة قد سكبتها في إناء ركعة بجوف الليل، فسرت فيك طمأنينة وسكينة ورقة لم تعهدها، لا تعدل بها شيئًا من لذات الدنيا، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وربما مر عليك يوم، كنت تقلب منزلك رأسًا على عقب بحثًا عن شيء مفقود، وبينما أنت في حال من اليأس، تتذكر موضعه، أو يظهر لك في موضع لم تتوقعه كأنه يهدئ من روعك قائلًا: «هأنذا»، فتبتسم وتبتسم وتتسع ابتسامتك، ألم تكن هذه اللحظة الرائعة موعدًا لك مع السعادة؟ وذلك الفقير الذي يعاني من ضيق اليد، ربما قضى ليلته مهمومًا يفكر كيف يدبر قوتًا أو شيئًا من أمور المعاش لأهله، وبينما يخرج مجترًا همومه، يكتشف في جيب سترته القديمة ورقات نقدية قد نسيها منذ العام الماضي، فيتحول ذلك الفقر إلى لحظة من الفرح، ألم يكن هذا الرجل على موعد مع السعادة؟ حدثني أحدهم وكان حديث عهدٍ بالزواج أن صديقًا طرق بابه يطلب منه بعض المال، وهو لا يملك في جيبه غير مبلغ زهيد بالكاد يكفيه، لكنه يأبى أن يرد سائله، ويؤثره على نفسه رغم الخصاصة، ثم في نفس اليوم تزوره خالة له جاءت من سفر على غير موعد، لتبارك له وتهنئه، فأعطته مبلغًا من المال، فإذا به يراه نفس المبلغ الذي بذله إلى صديقه بالتمام والكمال لم ينقص منه قرش، فتجلى أمامه ذلك الوعد الإلهي بالعوض، ألم يكن ذلك الرجل على موعد مع السعادة؟ وذاك الذي كان على وشك أن يسقط في يد أعدائه وقد أشهروا أسلحتهم في وجهه، وبينما كان الخنجر يوشك أن يغرس في صدره، إذا به يستفيق فجأة من حلم مزعج، ويكتشف أنه كان مجرد كابوس، فيحمد الله على نجاته باليقظة من ذلك الهلع، ألم يكن وقت نجاته من ذلك الكابوس على موعد مع السعادة؟ وماذا عن تلك اللحظة التي أخذت فيها بيد عجوز هرم، تمشي بصعوبة وتبدو ملامحها تحمل سنوات من التجاعيد، لتسير بها إلى الجهة الأخرى من الطريق؟ ثم ترى تلك الدعوات التي تتدفق منها، والتي تظل تشعرك بالدفء والسعادة، وكأن دعاءها درعٌ لك، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وكم هي السعادة حقيقية عندما يتمكن من الإصلاح بين زوجين كانا على شفير الفراق، فيكون سببًا في حماية ذلك البيت من الخراب؟ أو عندما يغمره الضحك على فكاهة بريئة تكاد تطيح به على ظهره من شدة السعادة؟ ألا يجد السعادة في تلك اللحظة الصغيرة عندما يقابل طفلة مبتسمة في الشارع، تملأ قلبه بالفرح بلا سبب آخر سوى ابتسامتها الطفولية؟ أليست كل هذه المشاهد مواعيد للمرء مع السعادة؟ السعادة تكمن في كل زاوية، في لمحة صغيرة، في حديث عابر، في ابتسامة، في دعوة، في لحظة طمأنينة، في إنجاز بسيط. نحن الذين نغفل عنها لأننا نبحث عنها في مكان بعيد، ولو أننا فهمنا أن السعادة ليست في ما نمتلكه من أشياء، بل في قدرتنا على الرضا، لتغيرت حياتنا. ليتنا ندرك أن السعادة ليست حلمًا بعيدًا أو حلمًا محجوزًا لمن يسعى للوصول إلى شيء معين، بل هي لحظات متجددة متغيرة متناوبة في كل يوم. السعادة موجودة في القلوب الراضية، وفي الأرواح الطاهرة، وفي الأبصار التي تلتقط جمال الحياة حتى في أصغر تفاصيلها، وما علينا سوى أن نرصد واقعنا بعين القناعة والتفاؤل، نتخلى قليلًا عن النظارة السوداء، فندرك أن مواعيد السعادة لا تنتهي.
642
| 14 ديسمبر 2025