رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد القديدي

د. أحمد القديدي

مساحة إعلانية

مقالات

207

د. أحمد القديدي

في الهوية الوطنية القطرية ومسير الخير

19 ديسمبر 2025 , 04:00ص

شهدت أمس باعتزاز تجسيدا حيا للتلاحم التلقائي بين القيادة والشعب خلال العرض العسكري الذي أشرف عليه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، بمشاركة رمزية من جيوش دول صديقة تدل على مكانة قطر العالية بين الدول وتشير إلى رسالة دبلوماسيتها القيمية والمبدئية في وساطات الأمن والسلام التي تؤديها الدولة وكذلك تعزز محور مقالنا هذا الأسبوع حول الهوية الوطنية القطرية كما صادف أن استمعت هذا الأسبوع إلى برنامج إذاعي بثته الإذاعة القطرية حول ما سماه الزملاء الأساتذة المشاركون في الحوار الشيق (الهوية الوطنية القطرية) ولفتت سمعي عبارة من أحدهم حيث قال: «إن الوطن تقاس قيمته بهويته وثقافته قبل أن تقاس بثرائه الاقتصادي وثرواته الطاقية» وهنا باركت بيني وبين نفسي هذا التعريف الصحيح للمجتمع القطري الذي كتب الله لي أن أساير نهضته الفكرية والحضارية والاقتصادية منذ أن حللت بهذا البلد الأمين منذ أكثر من ثلث قرن. وعرفت الليلة أنني شخصيا ساهمت بقسطي المتواضع في تأسيس الهوية الوطنية القطرية دون أن أتميز عن زملائي القطريين والمقيمين في بناء ذلك الصرح العتيد. وكنت بفضل رصيدي الأدبي والتربوي والثقافي حاضرا في مجال التربية والتعليم بسبب ارتياد أولادي للمؤسسات التعليمية واطلعت على ذكاء برامجها التي تحرص على ربط الطالب بتاريخه وتراثه وبيئته بغاية تأصيله فيما يسمى الهوية الوطنية. كما كنت حاضرا في محاضرات نادي الجسرة الثرية والمحاضرات الشهرية الكبرى في جامعة قطر بل وألقيت واحدة منها سنة 1992 حول العلاقات التاريخية بين الإسلام والغرب وقدمني للحاضرين الزميل د. علي أحمد الكبيسي. أما تواجدي في عالم الثقافة فمن خلال معارض الكتاب ونشر كتبي في سلسلة تصدرها وزارة الأوقاف وكان أول كتاب لي بعنوان (الإسلام وصراع الحضارات). عرفتني هذه المجالات مجتمعة بالمحور الهام الذي خصصته إذاعة قطر. وكما توقعت فإن الحوار الإذاعي كان حريصا على أن هوية قطر هي عربية إسلامية وتعتمد على أركانها الثابتة وهي دين الأمة ولغة القرآن العربية والتراث التقليدي المشترك بين دول الخليج وهو مما دعم غرس الشباب القطري في بيئته بكل مقوماتها الحضارية. ويدرك قارئ التاريخ أن المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، طيب الله ثراه، قبل أن يفكر في إنشاء الدولة في القرن التاسع عشر خطط لتحقيق اتحاد المجتمعات الخليجية منذ ذلك التاريخ إلى أن تم تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربي سنة 1981 تحت ضغوط إرادة التوسع والاستكبار لدى بعض قادة دول الشرق الأوسط قبيل حرب الخليج واستيلاء صدام حسين على الكويت. ونعيد نشر بعض فقرات من التحليل المتميز لقضية الهوية والتباس أمر العروبة والإسلام لدى الرأي العام العربي عموما والذي ساهم به الكاتب والمفكر (حازم صاغية) في مؤتمر نظمه «مركز القاهرة لحقوق الانسان» حيث ناقش الكاتب والمفكر الحر إشكالية بعنوان: “بعض أسئلة المزاج الليبراليّ في الوضع العربيّ الراهن” وطرح فيها كعادته الكثير من الأسئلة أو الإشكاليات التي عوّقت فهم أفكار الليبرالية في العالم العربي على حقيقتها وهو نفس ما حصل من قبل مع أفكار القومية والماركسية أيضاً. وهنا سأستعرض لقرائي تجربتي الشخصية مع هذه القضايا في وطني تونس ولا أخفيكم أنني عندما بدأت أنشغل بمسائل الاستعمار الجديد وريث الاستعمار العسكري والإداري المباشر أدركت أن المستعمر حينما يغادر بلادنا (هنا أتكلم عن تونس كأنموذج) نتيجة مقاومة شعبية فهو يرتب بدهاء مرحلة ما بعد مغادرته بلادنا بضمان استمرار مصالحه بتمكين «نخبة» من أهل البلاد في الحكم تحت شعارات مضللة مثلما كان تمكين الزعيم الحبيب بورقيبة من رئاسة الجمهورية التونسية بعد الإطاحة بالنظام الملكي وإعلان الجمهورية يوم 25 يوليو 1957. وكما يقول المؤرخون اليوم فإن الاستعمار الفرنسي ساعد بورقيبة دون كل الزعماء على الاستفراد بحكم تونس وطبعا القضاء على منافسه الأقوى الزعيم صالح بن يوسف إلى أن اغتيل في غرفة من غرف فندق (روايال) بمدينة (فرنكفورت) يوم 12 أغسطس عام 1961 على أيدي ميليشيا مسلحة من ميليشيات حزب بورقيبة وهو ما اعترف به بورقيبة نفسه سنة 1973 في سلسلة محاضراته حول حياته أمام طلاب معهد الصحافة وعلوم الأخبار وكنت حينئذ طالبا فيه ومستمعا لما كشف عنه رئيس الجمهورية الملقب بـ «المجاهد الأكبر» من أسرار وخفايا تتعلق بحياته العائلية بل وحتى الحميمية وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الحكام العرب وغير العرب. وفسرت أنا هذه الاعترافات بهوس الزعيم بورقيبة بالبقاء في التاريخ كمؤسس الدولة الحديثة في تونس وهو يؤمن بأن جيلي من خريجي الصحافة والإعلام سيحتفظ في ذاكرته بكل تفاصيل حياة الزعيم وربما دونها في كتب ونشرها على القراء! ونعود إلى أطروحات (حازم صاغية) الذي يرى أن معظم البلدان العربية تفتقر إلى إجماعات تأسيسيّة (إجماعات تعني توافقات) في التفريق بين الوطن والدولة والشعب حيث الغالب الأعمّ هو الانتماء إلى ما قبل الدولة وإلى ما دونها وقد فاقم من تلك المشكلة “التوهُّم” بإمكان التعويض عن ذلك بـتعريف الوطنيّة بالعداوة للمستعمِر والإمبرياليّ والأجنبيّ فقط دون تعمق في فهم الوطنية مثلا كمحرك للعمل الجماعي وتحفيز الاستثمار وخلق الثروة الوطنية والعدالة في توزيعها مما يعطي محتوى اقتصاديا لمفهوم الوطن بل وإعلاء كلمته في العالم بفضل دبلوماسية جريئة تضع الوطن في فلك العالم بل يؤثر فيه. اليوم وقطر تحتفل باليوم الوطني وفي العرض الكبير بالكورنيش وفي كل معالم الدوحة نلمس فرحا غامرا صادقا من الأعماق يرتسم على ملامح الجميع من مواطنين ومقيمين وفي لباسهم العيدي وراياتهم العنابية المرفرفة ورغبتهم في رؤية صاحب السمو وهو يقترب منهم بابتسامته المعهودة وتواضعه المعروف ويصافح بعضهم وهم يهتفون بحياته وحياة صاحب السمو الأمير الوالد. ذلك هو التعريف الحقيقي بالهوية القطرية والنتيجة الطبيعية لجهود الدولة في ترسيخها.

مساحة إعلانية