رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم يكن أسبوعاً عادياً مر على الدوحة، في ظل برنامج مكثف قاده حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، «حفظه الله ورعاه»، الذي استقبل في خمسة أيام فقط « 4 « رؤساء دول شقيقة، حضرت معهم أبرز القضايا والملفات العربية والإسلامية، على المستويين الرسمي والشعبي.
هذا الحضور البارز واللافت هو نتاج للمكانة التي باتت تتبوأها دولة قطر، بفضل قيادتها الواعية والحكيمة في تعاطيها مع مختلف الملفات الإقليمية والدولية، والثقة التي اكتسبتها بفضل عقلانية تعاملها مع مختلف القضايا، حتى باتت قبلة تقصدها الكثير من الدول لمعالجة أزمات تعيشها، على مستوى الخلافات الداخلية أو أزماتها مع دول في محيطها أو الإقليم والعالم.
يعرف العالم وقادته مدى صدقية القيادة القطرية، ومواقفها الواضحة دون مواربة، وهو ما رسخ مكانة قطر على مستوى الدول والشعوب، حتى أولئك الذين يختلفون معها في السياسات، لا يمكنهم إلا احترامها، ولا يمكنهم في الوقت نفسه تخطيها، أو عدم الاعتراف بحضورها المؤثر والفاعل على الساحتين الإقليمية والدولية، فهي باتت تمثل « قلعة « للوساطات، ومنبرا للحوار الجاد والمثمر.
تكمن أهمية الدور القطري الذي حاز ثقة العالم أن قطر تتصرف بحكمة وموضوعية وتقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، كونها خارج الصراعات والمنافسات، ولا تعمل وفقاً لأجندات خاصة، إنما تعمل من منطلق مبادئ وقيم أخلاقية تحرص قيادتنا الرشيدة على التمسك والالتزام بها، ومن منطلق الحرص على الأمن والسلم الدوليين، واستقرار وازدهار المجتمعات، وإبعاد الشعوب عن الصراعات قدر الإمكان.
في هذا السياق فإن المتابعين للمشهد السياسي في الدوحة، يجمعون على أن قطر تنفرد بكثير من المزايا التي تؤهلها للعب دور ناجح في الوساطة وحل النزاعات بالطرق السلمية، فهي تساهم ولا تنافس أحداً، وهي تبادر وتمد يد العون والمساعدة للأشقاء والأصدقاء للوصول إلى تفاهمات لحل النزاعات بالطرق الدبلوماسية، وتسهيل الأمور بصدق وإخلاص للوصول إلى حلول جذرية للأزمات بين الفرقاء، وليس مجرد « مسكنات « وقتية سرعان ما تنفجر وتتجدد الأزمات.
خلاصة هذا المشهد تُرجم في هذا الأسبوع بشكل واضح، حيث تحولت الدوحة إلى منارة للعمل السياسي والدبلوماسي بأبعاده الإقليمية والدولة.
فمن أقصى العالم الإسلامي وأكبر دوله سكاناً، حط الرئيس الإندونيسي ضيفاً على أخيه سمو الأمير المفدى، في زيارة رسمية، لتؤكد أن قطر في قلب العالم الإسلامي، وأنها ملتصقة بالوجدان مع شقيقاتها الدول الإسلامية وإن كانت بعيدة جغرافية.
مباحثات مهمة كانت لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع ضيفه وأخيه الرئيس الإندونيسي، وتؤكد قطر مجدداً وقوفها دعماً واسنادا للأشقاء، فكان أن أعلن عن تأسيس صندوق استثماري مشترك بين البلدين بقيمة 4 مليارات دولار مناصفة بين البلدين الشقيقين، دعماً للتنمية في إندونيسيا.
وإذا كانت إندونيسيا أكبر دولة إسلامية سكاناً كانت في قطر، فإن أكبر دولة عربية سكاناً وتاريخاً وهي مصر العزيزة علينا كانت حاضرة برئيسها عبدالفتاح السيسي الذي أجرى مباحثات مهمة مع أخيه سمو الأمير المفدى، ركزت على مسارين مهمين بالدرجة الأولى: تعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين الشقيقين، وترجم ذلك عبر ضخ استثمارات قطرية جديدة في مصر تبلغ 7.5 مليار دولار، دعماً لمصر وشعبها العزيز، ثم مسار القضية الفلسطينية، وتحديداً وقف العدوان على قطاع غزة، وهو الجهد الذي يقوم به البلدان عبر وساطة بدأت منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي الوحشي على أهلنا في قطاع غزة، واستطاع البلدان رغم كل العراقيل والعقبات التي وضعتها « إسرائيل « أن يحققا نجاحات في مراحل عبر هدن تم التوصل إليها، ثم اتفاقا لوقف إطلاق النار، انقلب عليه المجرم نتنياهو وحكومته المنفلتة والموغلة في الإجرام.
ثم كانت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي كانت الأولى للدوحة منذ تولي إدارة الحكم والرئاسة، وكان لقاؤه بسمو الأمير المفدى لقاء مميزا، وحظي باهتمام بالغ، لما لسوريا الثورة والحضارة وشعبها العظيم من مكانة في قطر، ويكفي الأمر للدلالة على ذلك أن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كان أول زعيم عالمي يحط في دمشق بعد سقوط نظام الأسد الذي أجرم بحق شعبه بصورة بشعة، وهو الأمر الذي رفضته قطر، وانحازت للشعب السوري وثورته العظيمة، وظلت على مبادئها دون التخلي عن دعم الشعب السوري خلال الثورة، وأكدت بعد انتصارها أنها ستواصل دعمها لسوريا وشعبها، حتى تتجاوز كل التحديات والعقبات، وأقرنت قطر ذلك بالخطوات على الأرض عبر دعم أخوي ووقوف صادق مع الشقيقة سوريا.
وقد تزامنت زيارة الرئيس السوري مع زيارة لرئيس الجمهورية اللبنانية الشقيقة العماد جوزاف عون الذي استقبله سمو الأمير المفدى، في اجتماع قمة تناولت الملفات اللبنانية المتشابكة مع الملفات الإقليمية، وجرى التأكيد على بسط سلطة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية وانسحاب إسرائيل من الجنوب وتنفيذ القرار الدولي 1701.
ووجه سمو الأمير المفدى حرصا على أمن واستقرار لبنان الشقيق باستمرار الهبة القطرية لدعم رواتب الجيش اللبناني بمبلغ 60 مليون دولار، إضافة إلى 162 آلية عسكرية لتمكينه من القيام بمهامه الوطنية للحفاظ على الاستقرار وضبط الحدود على كامل الأراضي اللبنانية.
ويظل لبنان رغم كل العواصف التي تعرض لها، له مكانة خاصة عند قطر وأهلها، فترددهم على لبنان يمتد لعقود مضت، ولا يمكن نسيان ما لهذا البلد من حضور بارز في مراحل متعددة قبل التعرض إلى هزات أثرت في مساراته المختلفة.
هذا الحراك النوعي الذي شهدته الدوحة طول الأيام الخمسة الماضية ـ عدا عن زيارات لمسؤولين دوليين، كمبعوث الرئيس الفرنسي للبنان، ومؤتمر « الإيكاو « الذي شاركت فيه 190 دولة ـ يؤكد مجددا مكانة قطر وثقة المجتمع الدولي بقيادتها، ودورها المؤثر إيجاباً في مسار الأحداث بالإقليم والعالم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
5370
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
5076
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4416
| 29 سبتمبر 2025