رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إلى راحل لا يسمعني

كلماتنا التي نرددها، الحكم التي نحفظها دون الإدراك الحقيقي لما تحمل من معانٍ ومبادئ لا علاقة لها إلا بالآخرة، دون تجربة حية تمر فتعصرنا حتى نعي أخيرا أن هذا هو معناها الحقيقي في الحياة، أنها خُلقت لهذا الهدف، تمامًا كالرضا في حياتي، المفردة التي لم أستوعبها إلا على مدى مراحل ليست بالقصيرة، كل مرحلة كانت أقسى علي من الأخرى، لتنتهي هذه الرحلة أخيرا بما سماه الله في كتابه "مصيبة الموت".خالتي التي رحلت..رحلت بعد أربع سنوات من أخبث الأمراض الذي ما اختار من جسدها إلا الرأس، أربع سنوات وهو يفتك بذاكرتها، ذكرياتها، عافيتها، علاقاتها، ولكنه ما استطاع أن يفتك باطمئنانها، بالرضا بما قُدّر لها، بالذي كنا نراه شرا مستطيرا، وكانت تراه خيرا وفيرا.أربع سنوات، يُشق فيها رأسها أربع مرات، في كل مرة كانت تمتلئ بالرضا أكثر، كانت ترانا كيف ننذبح من ضعف عافيتها، وكانت ترانا وهي تبتسم، مطمئنة إلى الحد الذي لا يمكن لبؤسي عليها أن يستوعبه، كأنها كانت ترى شيئًا لا نراه، ولا يمكن لنا ونحن بتمام عافيتنا أن نراه.إنني عندما أتحدث عن رحيلها، فإنني أتحدث عن رحيلها عن طفولتي، أوراقي، مكتبتي وكتبي، رحيلها عن لغتي، وهي معلمتي الأولى، الكتف الذي كنت أستند عليه وقت كتابتي، عن مدرسة اللغة العربية التي تنبأت بأنني سأكتب، سأكتب حرفًا جميلا، وقصيدة جميلة، ومقالا جميلا، خالتي التي جعلتني أؤمن بأن العدم خُلق للأجساد، والوجود خُلق للكلمات، الآن، إنني أبصر أن جسدها رحل إلى العدم، وكلماتها ظلت في الوجود.إنها الطاهرة التي تجلّت بالرضا، لتُعطيني درسها الأخير، كنا نراها تصارع الألم وما سخطت قط، يُحلق رأسها وما تذمرت قط، تتصدّع من العلاج الكيماوي وما اشتكت قط، كانت تصبر في باطنها، وترضى في ظاهرها، إنها أبهى من ذي قبل، أجمل من جميع أيامها التي مضت، ترتفع لتترك رجس الحياة وسقمها وضنكها، لتكون في الضيافة البهية، ابتسامة من شفتيها وقت صعودها تلقننا أن الجنة للصابرين، أن الله لن يخلف وعده وهو الحق الذي قال (إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب).لقد ذابت جميع الصور من ذاكرتي، ورسخت صورة واحدة، لا أستطيع تخيّل غيرها، خالتي التي رحلت إلى الجنة، إنها متكئة على متكئٍ من نور، ببهجة اللذة التي لا تُكدّر، تضحك في مجلس وضاء، إنها تحكي لجدي الذي سبقها عن أخبارنا، تزورها جدتي فتسلّم عليها بحرارة الفقد القديم، إنها الآن بعافية لا تهلك، بقلب سليم لا يضعف، وخز الإبر في جسدها تحول إلى منابع مسك، تسيل حتى تصل قصرها، رأسها الذي أعطبه الخبيث سيبدله الله بشعر جميل طويل، يفوق حرير الحياة البخس، خالتي ستكون في الجنة، ستكون إن شاء الله في الجنة.

1372

| 10 نوفمبر 2014

طوارئ الصم 992

الإنسانية لها عين واحدة ترى بها الإنسان، نظرة واحدة لا تختلف، وإن اختلف هو في الشكل واللون والقدرة، في الميول والأطباع والتصرفات، إنه الإنسان الذي له حق الحياة الكريمة، وله الحق في العيش بمساواة مع إنسان آخر مثله، له ما له من الحقوق، وعليه ما عليه من الواجبات.ولأن الحياة لا تمشي على إيقاع واحد، فإنها تتشكل كما يتشكل الناس، هي ليست بصورة واحدة للجميع، و لكنها تختلف من شخص لآخر، و على ذلك، فإننا نجد الشخص السليم في البدن وفي العقل، وآخر سليما في البدن وعاهته عقله، وآخر سليم العقل وعاهته في جسده، وقد نجد آخر سليما في بدنه وعقله وعاهته همته وعزيمته، وهكذا تسير الأيام ، ولكل ذي حق حقه.ولأننا نعيش في دولة قطر، على أرض الخير والإنسان الذي لا يُحاسب بأن كيف خُلق، و لكن بعطائه، قدرته على البذل والتطوير، بغض النظر عن قدرات الفرد المتفاوتة، فإنها لم تغفل شريحة مهمة في المجتمع، أفراد لا يختلفون عنا في التفكير والعاطفة والعطاء والوطنية، ولكن يكمن اختلافهم في طريقة التعبير، إنهم يستخدمون لغة أخرى غير تلك التي نستخدمها، ضجيجهم الذي في داخلهم لا يختلف عنا البتة، وإن كان السكون يلفهم، إنهم نحن، نحن ولكن بصمت.فقد أنشأت وزارة الداخلية خدمات الطوارئ للصم والبكم 992 ، تتيح لهم ما أُتيح لغيرهم من الاتصال على 999 ، من إبلاغ عن حادثة، أو الاتصال بالشرطة، أو الحاجة للطوارئ تحت أي ظرف، إذ أنها وفرت هذه الخدمة عبر ثلاثة طرق يمكن أن يستخدمها الأصم في حالة رغبته في التواصل:1) عن طريق البريد الإلكتروني، فقد تم تخصيص بريد خاص للصم، يذكرون فيه الحالة، المكان، و جميع التفاصيل التي تخص الحادثة.2) عن طريق الرسائل النصية القصيرة.3) الاتصال المرئي، حيث يعتمد التواصل بلغة الإشارة عبر الصوت والصورة، فقد تم إعداد كادر مؤهل ، يستطيع التخاطب بلغة الإشارة بالتعاون مع المركز القطري الثقافي الاجتماعي للصم.إن دولة قطر بهذه الخطوة قامت بالتوازن المطلوب، في مجتمع لأفراده نفس الرغبة في العطاء، و المساهمة في بناء قطر المستقبل، إنها البلد التي تنمّي قدرات أبنائها دون تمييز، إننا نتكيف بذلك مع الجميع، كما أن هذه الخدمة وفرت فرص عمل للصم في مجالاتهم التي قد يبدعون بها أكثر من غيرهم، و يتميزون بها لخبرتهم و قدرتهم على التواصل بلغة الإشارة.و لعل هذه الخطوة الإنسانية العظيمة، تعتبر الأولى في الشرق الأوسط، إذ تدمج الفئات على اختلافها في المجتمع، و تكسر حاجز العزلة الذي قد يعيشه الشخص الأصم، إنها تُخرجهم بذلك من عالمهم إلى عالم آخر، و تشجعهم على اللحاق بركب الحضارة والتطور.

2175

| 19 أغسطس 2014

معركة التراب

كبرنا، ونحن نعلم أنه لا أرض حربٍ إلا في فلسطين، وأنها الأرض التي كانت خضراء معطاء، ببيوت جميلة ونوافذ تطل على الحياة، وأن الورد حينما نبت، إنما تعلق بحب على الأبواب والجدران والنهار، وأن الليل أبهى في عين فلسطين، وأن الشعراء خرجوا منها ببلاغة وفصاحة وعربية باسلة.و لكن الجرذان اليهود جاءوا من قمامة الحياة، فلوثوا الأرض الطاهرة، أحرقوا البيوت، وقتلوا النساء والأطفال والرجال، والعرب في قنوط، فتبدد الجمال إلا في تراب فلسطين، وأطفال فلسطين، الأطفال الذين عندما تصورهم عدسة الكاميرا فإنها تشيب من الأزمان التي تراها في أعينهم، صغار اختبروا الحروب في وقت مبكر، اعتادوا الحجارة والنبال، تركوا الرفاهية لأطفال العالم الذي تقع حدوده خارج مخيماتهم وملاجئهم، إنهم يدركون أن أغلى ما يمكن الحصول عليه هو أرضهم، وأنهم على أرض حرب حقيقية، بينما يلعب أطفال العالم لعبة الحرب بمسدس ماء، يتبلل به وجه الطفل وهو يضحك، أقصى سعادته عندما يُلقي لعبته بعدما شبع منها، غير مدرك أن طفلا في مثل سنه يتلطخ وجهه بدم أمه التي ماتت دفاعا عنه.إننا في مأساة أجيال حقيقية، جيل واحد لا يعلم عن الآخر شيئًا، أطفالنا اليوم لا يعلمون شيئًا عن قضية فلسطين، واغتصابها كأرض عربية مسلمة، وأن خطر اليهود وقذارتهم تتفشى في العالم كالسرطان الخبيث، أطفالنا اليوم في جهل تام وفهمٍ معدم فيما يخص القدس العربية، ما عاد همهم أبدًا الصلاة في مسجد الأقصى، بل السؤال، هل يعلمون شيئًا عن المسجد الأقصى، وفضل المسجد الأقصى؟أطفالنا اليوم يعيشون بهوية مطموسة، ولغة مبددة، إنهم يعيشون بغير هويتهم، ويتحدثون بغير لغتهم، وينتمون بصورة غير مباشرة لغير حضارتهم، فإن حدث وكبروا، كيف لا يكون كل ذلك أحد مظاهر تخاذلهم، وهم تخاذلوا عن لغتهم، ثم حضارتهم، ثم الأدهى من ذلك مدنهم.إن الطفل الفلسطيني عندما يتحدث من أرض المعاناة ورحم المأساة، إنما يعبر عن نفسه بالعربية الجميلة، طلاقة لسانه وقوة تعبيره مذهلة، إنه ما تخلى عن عروبته، فما تخلت هي عنه أيضًا، وإن تخلى عنه العرب المتخاذلون، إنه يتكلم ويعلم أن هناك عالما يخونه، ويساعد في اغتصاب أرضه، وأن هناك من يعاملهم بسياسة الفناء، إنه يعلم أكثر مما نعلم، ويرى أكثر مما نرى، إنه استقى المعرفة من كل مكان، حتى من فوهة البندقية.الفرق بين أطفالنا وأطفال فلسطين في الثقافة والعلم والخبرة في الحياة، فرق شاسع، إنه الطفل غير المرفه لكنه قوي بهويته التي ما استطاعت سلالة الكلاب أن تمحوها، ولعلي أحزن عندما أرى صغارنا المرفهين أكثر مما ينبغي، حتى اعوجت ألسنتهم بالكلام الأعجمي، وانعدمت ثقافتهم إلا فيما يخص ألعابهم، ورحلات الصيف والشتاء، والتفاخر بالهواتف والتطبيقات التي قد لا تزيدهم إلا جهلا.إننا نحمل في أعناقنا أمانة المعرفة لأولادنا، أن نعلمهم أن هناك معركة حقيقية، غير تلك التي يلعبونها في ألعاب الفيديو الالكترونية، وأن هناك أطفالاً في سنهم لكن عقولهم تتجاوز عقول أجيال مضت، إنها قضية إنسانية، والطفل مستقبل إنسان، انهم كلهم من وطن واحد، ودين واحد، يخوضون معركة واحدة لعدو واحد.

1764

| 12 أغسطس 2014

مستشفى الأمل

هدوء يهبط على الشارع المؤدي للأمل، كأن الطرق التي تركناها خلفنا، إنما تركناها من عالم لعالم آخر، و كأن هذا المنعطف هو أول الطرق المؤدية إلى السماء، إلى الجنة بالأحرى، لوهلة تشعر أن الناس اختلفت، و الزوار اختلفوا، هم لا يمتون للحياة العادية الطبيعية بأية صلة، إنهم بشر أعارهم السكون هدوءه و راحة باله، لمحة من حزن تسكنهم و تتمسح على وجوههم، و لكن الرجاء في الله أبقى وأعظم.دخلتُ دهاليز السكينة، ففي إحدى الغرف تقبع خالتي، كان البرد يسري في الممرات، و رائحة الحياة تحلق، تُريد أن تنبذ اليأس، و كانت الغرف من جانبي موصدة أبوابها، كنت على يقين أن خلف كل باب مريضا، و في قلب كل مريض حكاية، ذاكرة و حكايات و أهل و أصحاب، صور تمر ملتهبة سريعة على الذهن، و لكن الألم أقوى وأشد، و لكن رحمة الله وسعت كل شيء.فتحت الباب، لتلتقي عيني بعين خالتي، أمي الأخرى و معلمتي، و أول مكتبة فُتحت لعقلي لتحرضني أن أقرأ، إنها أول من تنبأ لي أنني سأكتب، سأتوغل في الشعر و في النثر، كانت تشجعني أمام كل نص ضعيف، تقول إنني وضعت رجلي على أول عتبات سلم الأدب، و يجب علي ألا أتوقف، لأنه المجد، و المجد للحروف.الآن، تتحد أبصارنا بذاكرة شبه معطوبة، أقترب منها فتضمني بحرارة ، وهي تريد أن تتذكر اسمي، تلح على ذاكرتها، تناضل في استجلابه منها، و لكن ما من جدوى، الخبيث هاجم رأسها العبقري، عبقريتها كانت في اللغة العربية، خالتي سيدة النحو والصرف و الإملاء و البيان، الآن تفقد نطقها، الارتباط الأزلي بين الصورة و مسماها مقطوع، و عندما تفشل في الإتيان بالاسم تبتسم حرجًا، إنني أتحطم ، تذبحني بابتسامتها، أبتسم في المقابل بأسى، أنظرها و تنظرني و مساحة تبسم شاسعة بين أبصارنا، مساحة تتاح لقلبي فأتذكر كل شيء، منذ طفولتي و حتى هذه اللحظة التي تمتثل فيها أمامي بصورة أخرى غير التي عهدتها، أنثني من وجعي، آه للحياة الضيقة." ذلك تقدير العزيز العليم"ثمة بقاع في الأرض يكون اللهو فيها أخف و المرح أقل، نخاف أن نفقد عزيزا يتألم، لعلنا نرى كيف أن المرض يصدّع أجسادهم و ما من حيلة أو وسيلة للتخفيف، كل يوم أخرج من غرفة خالتي في مستشفى الأمل أدرك أن كل أمل مقطوع بكل دهاليزه الطويلة و ممراته المتشعبة، إلا طريق يأخذنا إلى الله، الطريق المعبد غير الوعر، المحفوف بالدعاء و الابتهال و الخضوع، باليقين أن الله قدّر لنا من الخير ما تقصر عنه أبصارنا، و أنه أرحم من دمعنا و ظننا و آمالنا الكبيرة.

1136

| 07 يوليو 2014

انهزامية المثقف

كانت ممسكة بحقيبتها وبعض الأوراق عندما دخلَت الرواق الذي يفضي إلى قاعة الملتقى الأدبي، وكنت أقف على الباب أنتظر صديقتي، اقتربت مني لتقول بلسان غير عربي "where is the entrance please " أين المدخل من فضلك.؟أشرت لها على الباب، وأنا أتساءل لماذا خاطبتني بالانجليزية، وهي تراني أرتدي ما يدل على أنني لا أتكلم العربية، بل أتكلم اللهجة ذاتها التي تتحدثها هي.دقائق وابتدأت الفعاليات، والوقت مجدول بأسماء "المثقفين" الذين سيتكلمون عن المواضيع المعدّة التي تخص المبدع القطري، وما لبثنا إلا قليلا، حتى اعتلت المثقفة التي خاطبتني بغير لغتي المنبر، وبدأت تتحدث عن الهوية، والمشكلة التي يواجهها الشباب في الاعتزاز بهويتهم العربية.أذكر حينها أنني عانيت من عصف ذهني قابله ارتطام مدوٍ بين الموقفين، عشرات التساؤلات كانت تطوف ذهني، أليست اللغة هوية؟ أليست اللغة وعاء الثقافات؟ ما الفرق بين الهوية واللغة؟ بل عن أي هوية يتحدثون؟ كيف سيقوم جيل على التناقض؟ كلام على المنابر وفعل نقيض على أرض الواقع؟ لا! إنه بلا شك مسخ لغوي.إنها ظاهرة " الاستعجام" تلك التي تحدث عنها الدكتور فتحي جمعة في كتابه اللغة الباسلة، ويعني " إقحام الكلام الأعجمي بغير ضرورة، وهو مظهر من مظاهر الانهزام النفسي والشعور بالدونية الحضارية، إنها ظاهرة قبيحة كريهة".إننا نعاني من هذا السلوك من بداية الهرم الثقافي في المجتمع، ابتداءً بالمثقفين مرورا بالطلاب، وحتى آخر الهرم الأطفال، ففي مواقع الاتصال الاجتماعي، تجد أنهم يعبرون عن أنفسهم باللغة الانجليزية، ولكأنهم يعانون من مشكلة في التعبير باللغة العربية، ومشكلة أخرى في التواصل، وتلك أمر وأنكى لأنهم يعرّضون لغتهم للمهانة والازدراء، وإنني أستذكر قول طه حسين في ذلك السلوك "الذي لا يقدر على لغته العربية ليس ناقص الثقافة فحسب، ولكنه ناقص المروءة، أو ناقص الرجولة".يجب علينا الإدراك أننا لن نتفوق ثقافيا، ما دمنا نستخدم زاد غيرنا في رحلتنا إلى النهضة العلمية، لأننا وببساطة نفتقر إلى أدوات تشكيل ثقافتنا ورسم هويتنا، فالرؤية مضببة، والرسالة ضعيفة في تعبيرها، انهزامية كأصحابها. يقول المفكر اليهودي إليعازر بن يهودا "لا حياة لأمة دون لغة" فكان أن قام المشروع اليهودي، لتتحول اللغة العبرية من لغة دينية تستخدم للعبادة والصلوات، إلى لغة التعلم والخطاب اليومي، ولعلي لا أنكر فضل تعلم اللغات الأخرى، قوة أخرى، وإضافة عظيمة لوعاء المعرفة، ولكن دون ازدراء وتهميش اللغة التي هي الوجه الآخر للهوية، فمشروع النهضة يبدأ من هنا.

2203

| 26 مايو 2014

الكلمة العبقرية

تعرّف الكتابة بأنها " إعادة ترميز اللغة المنطوقة في شكل خطي على الورق، من خلال أشكال ترتبط ببعضها وفق نظام معروف اصطلح عليه أصحاب اللغة في وقت ما، بحيث يعد شكلا من هذه الأشكال مقابلا لصوت لغوي يدل عليه، وذلك بغرض نقل أفكار الكاتب وآرائه ومشاعره إلى الآخرين، بوصفهم الطرف الآخر لعملية الاتصال ".فالكاتب عندما يخوض تجربة الكتابة والتي تعد رابع فنون اللغة، فهو بذلك يترجم تصوراته الذهنية، وعالمه الذي في رأسه الذي قد ينطق بالعامية، أو لغة الإشارة، إلى صفحة محررة يقرؤها المتلقي، ويتداولها النقاد، وتعيش ما شاء الحرف أن يعيش. إنه بكل الضجيج الذي يعيشه، فهو يتمخض في مرحلة انتقالية، مرحلة ما قبل وجود النّص بترجمة الفكرة وشرحها وتبسيطها، لكي تنتقل بطريقة انسيابية من ذهنه إلى الصحف والمنشورات، بأسلوب لا يشعر المتلقي بغربة الفكرة التي انتقلت من رأس إلى آخر، أن ينشر فكرته في مدى الكلام بلغة بيضاء، لا تشوبها الغرابة ولا تسكنها الغربة، فكأن المتلقي حدّث نفسه، أو حاورها بنص آخر جاء من شخص آخر، إن طرفًا ثالثا عبّر عن فكرته وتحدث عن مخاوفه، ويشعر بشعوره وعلى ذلك، ترجمه إلى لغة الحرف والكلمة.ولأن اللغة ذكية في تكوينها، عميقة بمفرداتها ومرادفاتها، ثرية بصورها وتخيلاتها، فإنها دائمًا ما تنجو من أن تقع في الزلل، فلا يبدو النص غبيا مهما ضعف الكاتب، إنها ترتفع بفطنتها ودهائها تاركة الكاتب متورطا بفكرته التي ما أحسن صياغتها، أو ما وفق في اختيار الكلمة الصحيحة، ليقع في الحرج ويبدو جاهلا، قليل الفطنة، في ظرف نصٍ خُدع من قبل "كلمة".على الكاتب ألا يغفل أنه في مرحلة ما قبل وجود النص، فإنه يتحدث أي لهجة، فلك الكلمات الذي يدور في رأسه قد يكون حديث نفس، لغة شارع، مفردة شائنة ربما، يقظته يجب أن تتعاظم في البوابة ما بين ذهنه وورقة التحرير، ألا تنزلق كلمة ما وُجب لها الوجود في النص، إن الكلمة لن تبدو حمقاء أبدًا، حتى وإن تغافلته وعبرت، لأنها تعيش في قاموس اللغة، ولكنها بعبقريتها ستُظهر كاتبها أحمق. كما يجب عليه الإيمان بأن جلباب اللغة فضفاض واسع، يحوي لكل كلمة مرادفاتها وأضدادها، وأن البيان إعجاز، فالكاتب عندما يكتب، فإنه يزهو بجميل الكلام وحلو التعبير، وأنه سيختال من فكر متلقٍ إلى آخر، وأن مفردة شائنة وحيدة، قد تورده موردا شائنًا أيضًا لأجيال أخرى.

1462

| 12 مايو 2014

القوى المأجورة

يقول نيكولو ماكيافيللي في كتابه الأمير: " وإذا نظرنا بعين الاعتبار إلى العلة الأولى لسقوط الدولة الرومانية، فإننا نردها إلى مجرد استئجارهم القوات المأجورة".إن كل قوة في الحياة، إنما تأتي من عوامل تساعد على تكوينها وبلورتها، ومن ثم تمكينها حتى تؤدي عملها على الوجه الكامل والصحيح، أيضًا قد تُخلق من مؤثرات تؤهلها لأن تكون طاقة، تمتلك جميع المقومات للقدرة على التأثير، أو التغيير، أو حتى التنفيذ.ولعل القوة لا يُمكن أن تحصر في مجال واحد، ولا ينبغي لها ذلك، فهي في انتشارها واتساعتها وامتدادها، نجدها في كل زوايا الحياة.فالذكاء قوة، والإدارة قوة، والقلم قوة، والايديولوجية قوة، والرياضة قوة، والجيش قوة، والحب قوة، والكره قوة، والظلم والاستبداد قوة..الخ.و كأي شيء يمكن تعطيله، وتمكين آخر بديله، فالقوة أيضًا لها أن تعطل بعد أن تُشل تماما، لتُستبدل أخرى، قد تكون لها نفس المقومات، والإمكانيات التي تخوّل الأولى للقيام بعملها، ولكن لتخطيط ما، تعمل الثانية بقوانين أخرى، بتفكير مجزأ، غير مستقر، وبولاء معدوم، تتخبط دون دافع حقيقي في تحقيق الهدف المنشود، ولأن الوسيلة غير نبيلة، فالنتيجة غالبا ما تأتي مخيبة، غير مجدية البتة. يقول ماكيافللي في ذلك: "إن سلاح الغير إما يسقط عن كتفيك أو يثقل كاهلك أو يشل حركتك ".إن ما يسمى بالقوى الأجيرة، إنما هي كائنات متطفلة، مرتزقة تقتات على الرؤى المضببة، ما أتى بها غير ضياعها في دروب الحياة، لا يمكن أن تبني مجدًا مهما عظمت طاقتها، ولن تقوم على أكتافها نهضة، ولا أمنًا، ولا سلامًا.وذلك ينطبق أيضًا على الأبواق الأجيرة، من الكتّاب والصحفيين والمفكرين، ينعق أحدهم بما لا يسمع، يصيح فلا يفهم نداءه أحد، ولا يفقه مساءه ما صرّح به صباحه، إنها مهما تحدثت وكتبت وصرّحت، ومهما بيّنت قوتها، واستعرضت عضلاتها، فإنها تبقى الثقب الذي ينسل منه الضعف، لينتشر الهوان وتكون البداية للهزيمة، وتلاشي كل ما كان يسمى بـ " القوة "، يقول فضيلة الشيخ عبدالعزيز الطريفي " الكاتب الأجير لا يصنع فكرًا، ولا يحمي وطنًا، ولا يجلب ولاءً، ولا يُهيب خصمًا، يكتب إذا خاف وطمع، ويتنكر إذا أمِن وشبع".إنها مصيبة عظيمة، أن يُعطل فكر، ليقوم آخر بالقيام بمهام الأول، أن يتوقف إنسان عن العمل بالوجه الصحيح والمطلوب، لأن آخر مأجور، يفكر عنه، ويخطط عنه، وربما يدمر عنه.إن النصر الحقيقي لا يُبنى على باطل، وكل طاقة أجيرة إذا ما انفجرت فإنما تنفجر على باطل، تدرك مسبقًا أنها سينقطع دابرها، لأنها طاقة سلبية انهزامية، تتلاشى مثل السراب في طريق الحياة الشاق الطويل.

2142

| 29 أبريل 2014

دعوى باطلة

كتبت مرة: "الحق أنني لا أثق في رجل يتكلم عن النساء بمثالية مفرطة"، عندما اعترض أحد أصحاب النظرية النسوية، في حين إيماني بأن العكس صحيح أيضا، أنني لا أثق في امرأة تتكلم عن الرجال بمثالية مفرطة.إن المرأة نصف المجتمع، ويكمل الرجل النصف الآخر، لهما ما لهما وعليهما ما عليهما من الحقوق والواجبات، تضمنها لهما الشريعة الإسلامية، فالمرأة محمية تحت سلطان العقيدة، والرجل كذلك، دون الحاجة إلى دفاع النسوية الناقص، أو الثقافة الذكورية القاصرة، فكل ما جاء من فعل البشر إنما هو ناقص قاصر، والكمال ما قدّره خالق البشر، هو أعلم وأقدر، خالق النفس التي ما كلفها إلا وسعها.إنهن وإن غررّ بهن: شقائق الرجال، على الرغم من كل الشعارات الكاذبة التي تدعو إلى "سقوط الوثنية الذكورية" في حين التحريض على "قيام حركة نسوية"..!!، وإنهم ـ وأعني الرجال ـ إنْ خدعتهم أنفسهم في بناء ثقافة ذكورية تسعى للهيمنة والسيطرة، فهم في نهاية المطاف ما أتوا إلا من أرحام النساء.لعلي لا أرى كل تلك الهتافات والنداءات سوى عملية تشويه لأصل الإنسان، بغض النظر عن جنسه، ودعوة لتوغل الفكر في ظلمة مبهمة، مع انقطاع الأمل في بزوغ النور، أو حتى فكرة وضاءة.إننا بذلك نخلع طبيعتنا، ونتحرر من فطرتنا إلى ما لا يناسبنا كبشر، خُلقنا بفطرة قدّرت لنا، ولا نعيش بالشكل السوي إلا بها، ونرتدي عصبية منتنة غير منطقية، ونخوض حرباً حمقاء، لا نصر فيها، والكل مهزوم مع مرتبة الشرف.لعل أولئك الذين يبحثون عن معنى "الحرية" أكانت للمرأة أو للرجل، طافت على أذهانهم أن تحزب إنسان إلى انتماء معين وتلقيبه بأيديولجية ما، هو فقد للحرية المنشودة، وتقييد وتحديد الأفكار في مجرى واحد، فالأفق أوسع من أن يضيّق بأيديولجية واحدة، ومن ثم الإيمان بكل أفكارها، ورؤاها، والكفر بما سواها، حتى لو احتمل الطرف الآخر الصواب.!.إن من سبيل الاستحالة، أن تقوم حرباً غير باردة بين المرأة والرجل، وننتظر هزيمة أحدهم، سيمون دي بوفوار عُرفت بـ "نسويتها الوجودية"، ولكنها لقبت بـ "السارترية" نسبة إلى "بول سارتر" وهو رجل.في المقابل، نجد أن توفيق الحكيم الذي سمّي بـ "عدو المرأة" تزوج في نهاية المطاف، وبصورة سرية، حتى لا تنكسر أسطورته، ويخرج للناس بصورة متناقضة.إذن، كل مكمل للآخر، على الرغم من كل الحرب الهوجاء، والشحناء الحمقاء، وكل المفردات الخرقاء كـ "نسوية وذكورية"، إنها دعوات باطلة بنتائج مستحيلة دخلت في دائرة "الغول والعنقاء والخل الوفي".

1270

| 14 أبريل 2014

الفرانكفونية ثقافة أم استعمار؟

احتفلت قطر الأسبوع الفائت بـ "أسبوع الفرانكفونية"، الذي تضمّن إقامة العديد من الفعاليات والمحاضرات الفنية والثقافية، وعروض الأفلام والحفلات الموسيقية، كما تم عرض أفلام عبقري الكوميديا الحديثة "جاك تاتي" كأول مرة في الخليج، وكطالبة في اللغة الفرنسية كنت مهتمة بحضور ومعايشة الفعاليات. والفرانكفونية تعني: الأشخاص والدول الناطقة بالفرنسية، ولأن اللغة أوسع من أن تُحصر في فن الكلام، فإنها ثقافة ونمط تفكير، بل تتوسع دائرتها لأن تكون سياسة تُدار بها الأمم. إنّ تعلّم لغة أخرى بات ضرورة حتمية، للفرد والمجتمع على السواء، إنه بمثابة الجسر بين إنسان وآخر، والأفق الذي يُفتح على حضارات أخرى وثقافات مختلفة، أو لعله طريق المعرفة، ونور العلم، وفطنة وحنكة ومأمن من المكر أيضًا، ولكن على المتعلم عدم إغفال أنها وسيلة للمرونة في التفكير، والرغبة في التواصل، والعطاء من الجانبين، والأهم، عدم إهمال واحتقار اللغة الأم، أو طمس بعض المفردات في اللغة اليومية، واستبدالها بأخرى أعجمية، كنمط حياة جديدة، أو الشعور بالاستعلاء والرفعة. وقد سمى الدكتور فتحي جمعة ذلك السلوك، في كتابه اللغة الباسلة "بالاستعجام" ويعني "إقحام الكلام الأعجمي بغير ضرورة، وهو مظهر من مظاهر الانهزام النفسي والشعور بالدونية الحضارية، إنها ظاهرة قبيحة كريهة" بل إنه المسخ اللغوي بلا شك. ولعل ذلك الاختراق اللغوي أداة استعمار تحت غطاء ثقافي، بها تنحسر اللغة الأم، لتسكن في حاشية اللسان لغة أخرى، كما كان سيحدث للغة العبرية التي أوشكت على الموت، إذ لم تكن مستعملة في الخطاب اليومي، فكانت أن تحولت إلى لغة دينية تستخدم في الصلوات والتعبد فقط، إلى أن قامت إسرائيل، فأحيت اللغة من جديد لتصبح اللغة الرسمية، ولغة الخطاب والتعلم، إنهم آمنوا أن اللغة حضارة أمة، وقيام دولة، وفرض وجود على ساحة الوجود. يقول الأستاذ والشاعر محمد الرفرافي: "الفرانكفونية كأداة للاستعمار هي استلاب ثقافي وليست ثقافة، وهي تختلف عن الفرانكفوفيلية (محبة الفرنسية) كانفتاح إرادي على لغة فولتير". إن تعلم لغة أخرى في حد ذاته خطوة عبقرية وسياسة ذكية، بل إنها شرفة تطل بنا على العالم من حولنا، ولكن وجب علينا الاعتزاز بلغتنا العظيمة أولا، لغة القرآن والشعر والأدب، لغة الحضارات التي كانت وبادت في شبه الجزيرة، والأندلس، والعراق، والشام، إننا نعتز باللغات الأخرى حين إتقانها، إنها تدخل حياتنا وأيامنا وأحاديثنا، ولعلي أتساءل بإجابة كسيرة في جعبتي، أنه هل سيأتي اليوم الذي نرى فيه اللغة العربية على المسارح الغربية؟ هل ستُستخدم بقوة الحضور في الآداب العالمية، أم هل ستتدافع الألسنة الى تعلمها والتباهي بها، هل سيتملكهم شعور الاستعلاء حين إتقانها، أو هل سيعمد الشخص منهم الى إقحام مفرداتنا في لغتهم كما يحدث من حولنا؟ أم أنها ستنعى حظها كما يقول الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدته "اللغة العربية تنعى حظها": أيهجرني قومي عفا الله عنهم إلى لغة لم تتصل برُواةِ سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرى لُعاب الأفاعي في مسيل فرات

1658

| 26 مارس 2014

القراءة زاد الكتابة

كانت تريد أن تكتب، أن تؤلف إصدارًا، وأن تعيش زمنًا آخر غير المكتوب لها من عمرها، زمن في ذاكرة الأجيال والمكتبات، على الأرفف وفي قلوب القرّاء، وكانت فكرتها جميلة في رؤيتها، نبيلة في رسالتها، ولكن في ثمة خطوة أخفقت، فتعثرت في انطلاقتها، أخطأت عندما وُجهّت لها نصيحة القراءة، قالت "أنا لست في حاجة أن أقرأ".إن الكتابة على سموها، ورفعتها في الحياة والأدب، إلا أنها تفسد دون القراءة، وإن الله سبحانه وتعالى عندما أنزل قرآنه، ما قال لنبيه الكريم "اكتب"، ولكن قال على لسان جبريل عليه السلام "اقرأ".يقول العقاد: "ليس هناك كتاب أقرأه ولا أستفيد منه شيئًا جديدًا، فحتى الكتاب التافه أستفيد من قراءته أني تعلمت شيئا جديدا هو: ما هي التفاهة؟"، ويذكر أنيس منصور عن العقاد أيضًا قوله: "إنني أطلب الكتب أحيانًا وهي في المطبعة!".فكيف نستغني عن القراءة؟ وكيف تتضاءل حاجتنا لأن نقرأ؟ كيف يكون ذلك وكل ما تقدمت بنا المعرفة، زاد وجلنا من الجهل، وتعاظم خوفنا من الفراغ، في القلب والعقل والقول.كيف لمداركنا أن تتفتح، دون أن تُشرعها يد العلم، ويُنير دهاليزها ضوء الكتب، كيف لنا أن ندرك ما العالم من حولنا؟ كيف يسير؟ وكيف سار من قبلنا؟ كيف سنعي التاريخ ونحن نجهله؟ والتاريخ خُلق للعلم وللعظة واستشراف المستقبل.ثم كيف سيكتب الجيل الذي لا يقرأ، أو الذي ليس في حاجة أن يقرأ؟ كيف للخيالات والصور والثروة اللغوية أن تتكون دون كتب وأمّات كتب، أليست القراءة زاد الكتابة؟ ألم نؤمن منذ زمن أن المنقطع عن القراءة، بعلاقة طردية سينقطع عن الكتابة؟لعلي لا أثق في رؤية شخص يجد نفسه مترفعًا عن الكتب، متكبرًا على القراءة، ولا أثق أيضًا في إنتاجه الأدبي فيما لو أنتج، ولعلنا عندما نتحدث عن كل ذلك، إنما نتحدث عن اللغة الذكية، التي هي أذكى من إدراكنا، اللغة صاحبة الكلمات العبقرية، التي لو حدث وإن أخطأنا إملاءً أو نحوًا أو غيرها، فإننا نحن من نبدو أغبياء، وتترفع اللغة بكلماتها إلى سماء الدهشة والكمال.الكتاب شرفة على الحياة، لو انطفأ نورها فإننا سنُحرم حينها من الإطلالة على فردوس قد يكون مفقودًا، على ألف حياة تُضاف إلى حياتنا، إن القراءة تهذّبنا، وتقوّم بصائرنا، تُسكن على حواشي ألسنتنا القول الجميل، والكلام المنمق، والحديث العذب، إنها ترسم في أذهاننا صورًا جميلة نرى بها الناس والكون.إن الكتابة توأم القراءة، لا نستطيع فصل مهارة عن أخرى، وإذا أردت أن يقرؤك الناس في كتابك، فاقرأ الآخرين فيما يكتبون.

1293

| 18 مارس 2014

"بيّض الله وجه أم فهد"

تكمن قوة شجرة الخيزران في مرونتها، هكذا يقول المثل الصيني.تمر قطر بتطور غير مسبوق في جميع مجالات الحياة، ونهضة تفرد ذراعيها، تضم هذه البقعة الجغرافية الصغيرة في مساحتها، العظيمة بمجدها، إلى القمة، إلى صفحة التاريخ. ولعل هذا التطور يمر بما يسمى بالمنظومة التعليمية، ولعلنا نشهد جميعا المخاض الذي آتى التعليم في قطر، بكل إيجابياته وسلبياته، ما تغير منه وما ثبت، ما وافق رأي الشعب وما رُفض. وفي خضم كل ذلك، فإننا ندرك أن طاقم المعلمين يقع في وجه المدفع، فعلى قدر ما يعاني الطلبة من مستجدات، ويعاني المجلس الأعلى من صداع الأفكار غير المبلورة، والتغييرات المستمرة، فإننا نعي أيضًا أن قلما نجد وسط كل ذلك، الإدارة الثابتة، تلك التي توازن ما بين الطرفين، الواعية أن لا تفقد طلابها وتحافظ على مستواهم، في ذات الوقت الذي تطبق فيه تعليمات الطرف الآخر، وأعني المجلس الأعلى.ولأن "الشخص النموذج" لا تنجبه الأيام على كل وقت، وتشح به الحياة أن يكون متوفرا دائمًا، ولأننا نود أن نرى في كل مدرسة أنموذجا، وفي كل هيئة تعليمية "المعلم البطل"، ذلك الذي يخلق الحلول إن حدث طارئ، الظهر القوي، الذي يحمل هم العلم والتعلم دون كلل أو ملل، دون استكثار أو منّة. حينها يصبح الشكر شيمة، والعرفان سجية، وحينها أيضا يطرأ على خُلقي شكر السيدة "مريم النعيمي" مديرة مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية الأولى. إن كل هيئة يكون نجاحها بذكاء إدارتها، ومرونتها مع باقي الأفراد، في تعاونها وتكاتفها، إنها آلية النجاح، وسياسة الترابط في سبيل المعرفة، كأسمى سلوك، وأجلّ تعامل، يقول جيف وارنر: "لم نأتِ إلى هذا العالم من أجل أنفسنا، بل كل منا هنا من أجل الآخر". هي المديرة التي نزلت حيث مستوى الطلاب، تكشف نقاط قوتهم ومواضع ضعفهم، فقامت وبالشكل الحاسم في تكوين دوائر للتقوية إجبارية، حتى قامت باستلام دائرة تقوية، تدرسهم وفقًا لتخصصها - مادة الرياضيات - تعطي ما شاء العطاء، ما منعها موقعها في الإدارة أن تأخذ من وقتها، وتفرّغ نفسها، لتدرّس الطلاب المحتاجين بنفسها، بكل ما يحتاج التدريس إلى تحضير ومراجعة وأسلوب حديث، وكل ذلك في سبيل أن "الحياة علم وتعلم". كما تشهد المدرسة في عهدها الذهبي، أحد أجمل المشاريع، وأخصبها على الإطلاق، للعقل، والنفس، والأرض الطيبة، فمشروع "حديقتي من صنع يدي" فكرة خلاقة، تؤصل في نفس الطفل حب الأرض المعطاء، الأرض التي تعطي الثمر والحياة، هي حديقة متكاملة، بلونها الأخضر وألعابها، قسمها الشعبي واللوحات التحفيزية، تلك التي ستظل تدق ذهن الطالب حتى يكبر، تحفزه على النجاح المستمر، على طموحه أن يبني وطنًا. بالإضافة إلى مجهودات أخرى لا يمكن تجاهلها، كالحرص على الضبط والنظام، والسعي الدائم في أن تكون المدرسة متميزة، في جميع المناسبات والاحتفالات، كالعيدين واليوم الوطني، ومجلس الجدات الذي عادة ما يكون محفوفاً بالحب والمشاعر الجميلة، بكل التجهيزات الشعبية، والاستقبال المبهج. من لا يشكر الله لا يشكر الناس..فشكرا عظيما للمعلمة الفاضلة والأم المعطاء "مريم النعيمي"، شكرًا لأننا نرى العلم من أهل العلم، والتفاني من أجل الوطن، ومن أجل تخريج جيل صلب من الرجال، عالٍ بهمته، واثق بعلمه، جيل يتربى على العزة، لا يغير منهاج الصواب.

2138

| 24 فبراير 2014

البقاء للأكثر لصوصية ..!

يقول قانون الغاب "البقاء للأقوى"، وفي غبة البحر "تلتهم السمكة الكبيرة، السمكة الصغيرة"، وهكذا دواليك تستمر الحياة، تكتمل دورتها كل يوم، من أول البقاء وحتى الفناء، ومنذ قديم الوجود وحتى العدم.أما فيما يخص حياة البشر، فالظروف تختلف لاختلاف العقل البشري، بكل ابتكاراتهم لعيش حياة أفضل، بالحاجة التي دفعتهم للاختراع، والطموح الذي يسكن كل إنسان في أن يأتِ يوم أفضل، وغد أجمل.ولأنني أجد في الكتابة أكسجيناً، فإنني أراها حاجة ملحة، تماماً كما الهواء والماء، كالسكن؛ ذلك لأن الحرف يسكننا، ونحن نسكن الكلمة، إننا لو تجردنا منها فذلك يعني أننا نعيش التشرد، والحياة بلا مأوى.إن عالم الكتّاب والكتابة، لا يختلف كثيرًا عن الحياة بشكل عام، بطبقيتها، وصراعها، في قوة المنافسة، وحدة التحدي، فالمبدع في مقام الوجل حتى يثبت إبداعه، ويصدر كتابه، ويسكن إنتاجه المكتبات وقلوب القرّاء.ولعل الموقف الشائن في كل ذلك، أن يصعد كاتب على كتف كاتب آخر، أن يتلصص على أعماله الصغيرة، الصغيرة جدًا، تُسرق الفكرة وتوضع بجرأة وقحة في كتاب، في رواية، في عمل، اسم صاحبه لا يمت بصلة لمحتواه، إنه وبكل إفلاس أدبي ما استحى أن يلمع اسمه في زيف، والأدهى أن من قام بهذه السرقة الأدبية، اسم صاعد، وكاتب على سبيل الاحتراف، يمارس تلصصه على كاتب ناشئ، أفكاره طرية، وصوره الذهنية ناضجة إلى حد اكتمال العملية الإبداعية.إن السرقة الأدبية ليست بالضرورة أن يقوم كاتب بسرقة كتاب كامل، بل قد تكون السرقة، سرقة فكرة، عبارة، صورة بلاغية، تعبير، سطر، سطرين، ثلاثة!إنني أحزن جداً، وأنا أرى قانون الغاب يطبق في حياة العقل والبشر، في عالم الإبداع والابتكار، في جور أن ينسب عمل لغير صاحبه، أن تذهب صورة لغير ذهن متخيلها، وأن يسجل كتاب عبارات يجب أن تكون في كتاب آخر، كتاب صاحبها الحقيقي.لقد ابتكر أولئك قانوناً آخر، غير ذلك الذي يسري في الغاب وفي المحيطات، قانون يناسب خبث العقول، ودناءة النفوس، "إن البقاء للألص"

965

| 10 فبراير 2014

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

4407

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4107

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
كبار في قفص الاتهام.. كلمة قطر أربكت المعادلات

في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...

4083

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

1533

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

1284

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1254

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1173

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
قطر في الأمم المتحدة.. السيادة والإنسانية

يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...

1050

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1047

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

948

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
الأمير يكشف للعالم حقيقة الكيان الإسرائيلي

صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....

930

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
حضور فاعل للدبلوماسية القطرية

تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...

831

| 25 سبتمبر 2025

أخبار محلية