رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عقم الديمقراطية في غياب الإعلام الحر

تكلمنا في مقال سابق عن بؤس حرية الصحافة في الوطن العربي و انعكاسات هذه الحالة الرديئة على الديمقراطية والاختلاف في الرأي والرأي الآخر وفاعللية المجتمع المدني ونجاحه في مراقبة فساد المؤسسات والعباد. فساد الإعلام يعني فساد الأمة، جملة تحمل معاني كثيرة وتشير إلى شلل أو فساد قطاع استراتيجي في المجتمع وهو قطاع الإعلام. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا فساد النظام الإعلامي في الوطن العربي؟ وما هي أسباب عدم فاعلية ومصداقية الإعلام العربي؟ لماذا ثقافة التنظير للسلطة وثقافة التملق وثقافة التبرير و "كل شيء على أحسن ما يرام" بدلا من الاستقصاء والنقد والكشف عن الحقائق والمساهمة في إرساء ثقافة الرأي والرأي الآخر والسوق الحرة للأفكار. من جهة أخرى لماذا لا نعكس المقولة لتصبح إذا فسدت الأمة فسد الإعلام. فالعلاقة بين الإعلام والمجتمع علاقة جدلية وعلاقة تأثير وتأثر. فالإعلام القوي بحاجة إلى مجتمع مدني قوي وإلى الفصل بين السلطات وإلى قضاء مستقل وفضاء ديمقراطي شفاف وواضح المعالم. من جهة أخرى يجب على المنظومة الإعلامية في المجتمع أن تناضل من أجل كسب المزيد من الحرية والاستقلالية والحرفية والمهنية وبذلك تكتسب المصداقية واحترام الجميع. الإشكال المطروح هو أن الجميع يلوم وينتقد الإعلام العربي وكأن القطاعات الأخرى في المجتمع العربي بألف خير وعلى أحسن ما يرام. الحقيقة هي العكس تماما حيث أن معظم القطاعات في المجتمع العربي تعاني من مشاكل وتناقضات عدة. فالإعلام ما هو إلا نظام فرعي من النظام وبذلك فهو جزء لا يتجزأ من هذا النظام. فالدول العربية بحاجة إلى إصلاح النظام وإلى تحرير الفرد في المجتمع وإلى توفير مستلزمات وشروط السوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني والمؤسسات المستقلة الديمقراطية التي تؤمن بالحرية وبالشفافية وبالنقد والنقد الذاتي. أسباب عقم الإعلام العربي متعددة ومختلفة فمنها ما يتعلق بالمحيط الذي تعمل فيه، ومنها ما يتعلق بالحرفية والمهنية ومنها ما يتعلق بالمصداقية ومنها كذلك ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة والعلاقة مع الممول والإعلان ومنها ما يتعلق بالعوامل الخارجية كالتبعية والقيم الدخيلة.. فهناك من يطالب هذه الأيام بإلغاء وزارات الإعلام وأن نهاية الإعلام الحكومي أصبحت أمرا يفرض نفسه في عصر العولمة والمجتمع المعلوماتي والرقمي وعصر الإنترنيت. لكن هل إلغاء وزارات الإعلام سيحل مشاكل الإعلام العربي؟ ويجعل منه إعلاما فعالا وقويا، إعلاما مستقلا قادرا على النقد والاستقصاء وكشف العيوب وإشراك الجماهير في صناعة القرارات وتحديد مصيرها؟ الإعلام العربي مسؤول عن تشكيل الرأي العام وتنشيط السوق الحرة للأفكار وتزويد المجتمع المدني بالأخبار والمعلومات والتقارير والتحليلات وغير ذلك. لكن دعنا نتوقف عن هذه الأسئلة حتى نفهم جيدا لماذا يوجد الإعلام العربي في الحالة التي هو عليها اليوم؟ هل المؤسسة الإعلامية هي أداة سلطة أم أداة المجتمع بأسره وبمختلف الشرائح الاجتماعية التي تشكله؟ هل عملية التواصل بين السلطة والجماهير عملية عمودية أم أفقية؟ هل الممّول هو المحدد الرئيسي لمخرجات وسائل الإعلام؟ هل أدت أو ستؤدي العولمة إلى دمقرطة الإعلام في الوطن العربي؟ هل ستؤدي الثورة التكنولوجية والمعلوماتية إلى التأثير في علاقة السلطة بوسائل الإعلام وفي طرق العمل الإعلامي وآلياته ومنهجيته في الوطن العربي؟ هل تتوفر مستلزمات الصحافة الحرة في الوطن العربي؟ وهل هذه الصحافة قادرة على أن تصبح واحدة من السلطات الفاعلة في المجتمع؟ الملاحظ والمطّلع على مخرجات الإعلام العربي يدرك المشاكل والتناقضات الكبيرة والمتعددة التي يعاني منها هذا الإعلام، فالمؤسسة الإعلامية العربية ما زالت في الكثير من الدول العربية لم ترق إلى المؤسسة الإعلامية بالمعنى الكامل للكلمة سواء من حيث الإدارة أو التسيير أو التنظيم أو الهيكلة أو الوسائل أو الكادر البشري. ففي الكثير من الحالات نلاحظ المساومات والتجاوزات والمتاجرة بالمهنة على حساب مبادئ المهنة وشرفها وأخلاقها، وغالبا ما تُستعمل المؤسسة الإعلامية لأغراض ومصالح ضيقة جدا تكون في صالح فئة معينة أو حزب معين أو تيار معين على حساب الغالبية العظمى من أفراد المجتمع. في هذه الظروف تنعدم الاستراتيجية وتكون السياسة الإعلامية غير واضحة المعالم، هلامية تركز على التعبئة السياسية والتنظير للسلطة والمدح والتسبيح وكذلك الترفيه والتسطيح وإفراغ القضايا من محتواها الحقيقي. تعاني الصحافة العربية من جملة من المعوقات والمشاكل المهنية والتنظيمية والنقابية جعلتها تفشل في تحقيق الكثير من مهامها الاستراتيجية في المجتمع. وبما أن الصحافة العربية في أي مجتمع عربي لا تستطيع أن تكون فوق النظام والأطر التي يسير وفقها المجتمع ككل بحيثياته وعناصره ونظمه فإنها باعتبارها جزءا فرعيا من النظام الذي تعمل فيه وتتعاطى معه تتأثر بالمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد. فالسلطة في العالم العربي ما زالت تنظر للصحافة كأداة لتثبيت شرعيتها ووسيلة لتعبئة الجماهير وتجنيدها. وحتى دور الصحفي في المجتمع يُنظر له على أنه مكمل لدور السلطة وأجهزتها المختلفة فهو مطالب بالتغطية والمدح والتسبيح لكنه إذا استقصى وبحث وانتقد فيصبح من المغضوب عليهم. فمعظم قوانين النشر والمطبوعات في العالم العربي جاءت مجحفة ومقصرة في حق المؤسسة الإعلامية وفي حق الصحفي الأمر الذي أفرز ثقافة الرقابة والرقابة الذاتية ومن ثم قتل ثقافة صحافة الاستقصاء والبحث عن الحقيقة وقتل روح المسؤولية والالتزام والنزاهة والموضوعية عند الصحفي. التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية في مجال الإعلام هو تحريره وتحرير الطاقات والمهارات والإبداعات. التحدي يتمثل في الاستثمار الأمثل في القدرات والطاقات والإمكانيات المادية والبشرية لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية متطورة رشيدة وفعالة وقوية تستطيع أن تشكل الرأي العام والسوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني الذي يؤسس للديمقراطية وللالتزام والشفافية والحوار الصريح والبناء من أجل مصلحة الجميع. كل هذه الأمور تتطلب الدراسة والبحث وإقامة علاقة متينة وتفاعل وتبادل وحوار صريح بين السلطة والمؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال والجمهور من أجل إرساء قواعد الثقة والمصداقية والفاعلية في الأداء وبهذا تتوفر المستلزمات والشروط لوضع استراتيجية إعلامية وسياسات إعلامية تنهض بالعباد والبلاد إلى مصاف الدول المتقدمة والفاعلة في العالم.

656

| 19 مايو 2017

بؤس حرية الصحافة في يومها العالمي (2)

تكمن جدلية حرية الصحافة والديمقراطية في أن الأخيرة تقوم أساسا على الاتصال السياسي وحرية التعبير والفكر وبطبيعة الحال هذه الأمور لا تتحقق إلا بوجود إعلام يراقب وينتقد ويكشف ويحقق. فالأطراف الفاعلة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بحاجة إلى وسائط إعلامية ومنابر للمعارضة والاختلاف في الرأي، والتعبير عن وجهات النظر المختلفة...الخ. إن أي تراجع في حرية الصحافة يعني تراجعا في الديمقراطية وتاريخ حرية الصحافة في العالم يؤكد فكرة التأثير المتبادل بين الديمقراطية والصحافة. فالأنظمة السياسية الدكتاتورية أو السلطوية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحلم بصحافة حرة وقوية ونفس الشيء يمكننا قوله عن تلك الأنظمة التي لا تؤمن بالتعددية الحزبية وبحرية الرأي والتعبير. فصحافة هذه الأنظمة تكون دائما أحادية الاتجاه تخدم من يشرف عليها ويمولها ويسيطر عليها وتهمش وتتجاهل غالبية المجتمع ومن لا حول ولا قوة لهم. ما يدور في العالم هذه الأيام من أزمات وحروب ونزاعات وخلافات دولية، وما شهده العالم بأسره من تداعيات وانعكاسات 11 سبتمبر 2001 يؤشر إلى تطورات خطيرة قد تعصف بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة حتى في أعتق ديمقراطيات العالم. ما كان متعارفا عليه في الأوساط الإعلامية والسياسية بالسلطة الرابعة أي سلطة الإعلام التي تراقب السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية أصبح في خانة التاريخ وأدبيات الماضي حيث أن ما يحدث هذه الأيام في الأوساط الإعلامية العالمية أصبح بعيدا كل البعد عن أطروحة وسائل الإعلام كقوة مضادة أو سلطة تراقب تجار الحروب والأسلحة وصقور البيت الأبيض. فالإعلام الذي يغطي أحداث ومجازر ومذابح بؤر توتر عديدة في العالم أصبح يطبل للحرب أكثر مما يعبر عن بشاعتها وعدم شرعيتها وقانونيتها وإنسانيتها وعن خسائرها وتداعياتها وانعكاساتها السلبية الكبيرة. الإعلام كسلطة رابعة أصبح أسطورة وأصبح نظرية جوفاء لا أساس لها من الصحة في أرض الواقع. وسائل الإعلام أصبحت جزءا من القوى الفاعلة في المجتمع وأصبحت جزءا من البنية الفوقية التي تتحكم فيها قوى المال والأعمال والسياسة. فالإعلام الذي كان من المفروض أي يكشف العيوب والتجاوزات والمغالطات الكبيرة والتلاعبات الخطيرة بالرأي العام أصبح جزءًا من اللعبة يبرر ويفسر ويضلل ويعتم لصالح الوضع الراهن ولصالح القوى الفاعلة في المجتمع على حساب غالبية الشعب وعلى حساب الموضوعية والحرية والحقيقة. فالماكينة الإعلامية أصبحت هي المنظِّر والمبرر والمفسر لما هو عليه العالم اليوم، عالم تحتكره وتسيطر عليه حفنة من أباطرة المال والسياسة. فالإعلام في عالمنا اليوم يتميز، على حسب قول "إغناءي رأموني"، بالتلوث والتسمم بكل أنواع الأكاذيب والإشاعات والتضليل والتشويه والتلاعب. والمطلوب بكل بساطة هو تطهير هذا الإعلام من كل هذه الشوائب والملوثات. ومن هنا يتوجب على المنظومة العالمية التفكير في إنشاء مرصد عالمي للإعلام لمراقبة التجاوزات والألاعيب، كما يتوجب على المجتمع المدني في كل دولة أن يشكل مرصدا على المستوى الوطني لمراقبة التضليل والتعتيم والتلاعب بالحقيقة لصالح حفنة من أصحاب النفوذ المالي والسياسي. إن المجمعات الإعلامية العظمى أصبحت تفضل مصالحها بالدرجة الأولى على حساب مصالح الشعوب والدول والأمم والإنسانية جمعاء. التجارب في الميدان أكدت أن الصناعات الإعلامية الضخمة سرقت ونهبت حرية التعبير وحرية الصحافة من أصحابها الحقيقيين وهم الشعوب لصالح أصحاب المال والنفوذ السياسي وهذا الموقف يتناقض جملة وتفصيلا مع مبدأ الديمقراطية ومبدأ السوق الحرة للأفكار ومبدأ المسؤولية الإعلامية. التعديل الأول في الدستور الأمريكي على سبيل المثال يضع قيودا أمام الحكومة الأمريكية لعدم التدخل والتطفل على الصحافة وحتى رئيس الدولة نفسه لا يستطيع أن يقوم بضغوط على المؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال. الرئيس كلينتون رئيس أقوى دولة في العالم ( وقتئذ) بقي مكتوف الأيدي أمام التغطيات الصحفية والتحقيقات والتقارير المختلفة التي تفننت فيها مختلف وسائل الإعلام الأمريكية لكشف تصرفاته اللاأخلاقية والتي خرجت عن الآداب العامة. أين نحن من كل هذا وإلى متى تبقى صحافتنا في الوطن العربي تلمّع وتصنع الديكورات والأطر المزخرفة بالورود والزهور؟ السلطة في الوطن العربي ومع الأسف الشديد ما زالت تنظر إلى المنظومة الإعلامية والمؤسسة الإعلامية على أنها أداة لتثبيت شرعيتها وبسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي بعيدا عن طموحات الجماهير ومطالبهم. السلطة في الوطن العربي ما زالت بعد لم تستطع بناء المؤسسات اللازمة لضمان المشاركة السياسية الفاعلة ولضمان رأي عام قوي وفعال. ونتيجة لكل هذا فإنها فشلت كذلك في بناء نظام إعلامي إيجابي وفعال وليس سلبيا يستقبل ويؤمر، نظام إعلامي يؤمن بالاتصال الأفقي ويعمل على إشراك مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية وفي اتخاذ القرار، نظام إعلامي همه الوحيد هو كشف الأخطاء والعيوب وليس التلميع والتلوين. قد يسأل سائل ويقول هل فعلا وظفت الدول العربية جهازها الإعلامي أحسن توظيف وهل استفادت حقيقة من هذه الوسائل الاستراتيجية والهامة التي تنفق عليها سنويا مئات الملايين من الدولارات بل مليارات من الدولارات. وبكل بساطة نقول إن نظرة الدول العربية لإعلامها نظرة خاطئة وسلبية تقوم على البعد البراغماتي النفعي بدون مراعاة إمكانية استغلال الجهاز الإعلامي بطريقة أرشد وأحسن يستفيد منها المجتمع ككل، السلطة والشعب بشرائحه المختلفة. والنظرة الضيقة هذه للإعلام من قبل الأنظمة العربية ليست نتيجة الصدفة ولكنها نتيجة حتمية لانعدام مستلزمات وشروط الإعلام التنموي الذي يراقب وينتقد ويشارك في صناعة القرار ويشرك الجماهير الشعبية في العملية التنموية وفي البناء والتشييد. من أهم مستلزمات الإعلام القوي والفعال في أي مجتمع حرية التعبير وحرية الرأي وحرية الوصول إلى المعلومات، هذه المستلزمات يجب أن نعمل على توفيرها وعلى اكتسابها كسلطة وكقائمين بالاتصال وكمثقفين وباحثين ووسطاء ثقافيين...الخ، وبدون هذه المستلزمات فإنه لا يحق لنا الكلام عن المجتمع المعلوماتي والثورة الاتصالية والعولمة الثقافية وغيرها من التحديات العديدة والمختلفة التي نعيشها اليوم وبصورة فائقة. فالنظام الإعلامي العربي الراهن يحتاج إلى نظرة نقدية جادة مع نفسه كما يحتاج إلى مراجعة مع الذات وهذا للوقوف على السلبيات والتعلم من الأخطاء والهفوات السابقة للانطلاق بخطى قوية وإيجابية نحو مستقبل لا يكون فيه الإعلام وسيلة للسيطرة والتحكم والتلميع والتملق وإنما وسيلة للحرية والعلم والمعرفة والتفكير والإبداع والاختلاف في الرأي من أجل رفاهية الإنسان وكرامته.

381

| 12 مايو 2017

بؤس حرية الصحافة في يومها العالمي (1)

سألني الصحفي المخضرم عن وضع السلطة الرابعة في أيامنا هذه وما هو دورها في حياة العباد والبلاد والأمم، فأجبته أن السلطة الرابعة أصبحت من أدبيات التاريخ التي تدرس كنظرية مثالية بعيدة كل البعد عن الواقع ودهاليز سلطة المال ونفوذ السياسة. الصحافة اليوم التي يتفنن بعض المنظرين في وصفها بالسلطة الرابعة أصبحت بحاجة إلى سلطة خامسة لتراقبها وتقف عند تجاوزاتها واستغلالها من قبل المال والسياسة. الصحافة التي من المفروض أن تراقب السلطات الثلاث وتستقصي السلطة التنفيذية عن أعمالها وأنشطتها في المجتمع أصبحت بطريقة أو بأخرى تنّظر للسلطة وللفساد وللتضليل والتعتيم والتنميط. فالممارسة الصحفية في الغرب أو الشرق في الشمال أو الجنوب أصبحت تمارس مهامها وأنشطتها وفق طقوس محددة ووفق انتقائية منظمة وسياسة وإيديولوجية لا تخرج عن إطار النظام التي تنتمي إليه وتعمل في إطاره. يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل سنة باليوم العالمي لحرية الصحافة، وعادة ما يكون هذا اليوم فرصة لتقييم الذات والوقوف على أهم الإنجازات وأهم المشاكل والعراقيل والتصفيات الجسدية وغيرها التي يتعرض لها الصحفيون في مختلف دول العالم. مراجعة الذات هنا تستوقفنا عند وضع الصحافة والصحفيين في مختلف أنحاء العالم. دراسات وتقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم و "مراسلون بلا حدود" والاتحاد العالمي للصحف والمنظمة العالمية للصحفيين وغيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية تبعث على التشاؤم والحسرة والحزن العميقين للمشاكل والمتاعب والخطورة التي تكتنف مهنة الصحافة. ففي كل سنة عشرات الصحفيين يموتون قتلا ويغتالون، ومئات منهم يسجنون، ومئات يحاكمون ومئات يتعرضون لمضايقات ولإهانات هذا لا لشيء إلا لأنهم حاولوا القيام بواجبهم وبرسالتهم على أحسن وجه، حاولوا أن يكشفوا الحقيقة ويحاربوا الرشوة والمحسوبية والوساطة والعمولة وتبييض الأموال وتهريب المخدرات … إلى غير ذلك من الآفات والأمراض التي يدفع ضريبتها وفاتورتها الغالبية العظمى من لا حول لهم ولا قوة. المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد على حرية الرأي والتعبير لكن في معظم دول العالم "مافيا " المال والسياسة لا تؤمن بهذا المبدأ وبهذا الحق، وأصبح من يملك المال والنفوذ والسلطة له حق التعبير والرأي أما باقي شرائح المجتمع فتكتفي باستهلاك ما يقدم إليها من دون مساءلة ولا استفسار. إخبار الرأي العام وإيجاد سوق حرة للأفكار أصبحت من المهام الصعبة في معظم دول العالم. والقائم بالاتصال يجد نفسه في هذه المعادلة بين المطرقة والسندان، فهو أخلاقيا ومهنيا وعمليا مطالب بإعلام وإخبار الرأي العام ومن جهة أخرى يجد نفسه تحت ضغوط لا ترحم ولا تشفق لإرضاء أصحاب النفوذ والمال وأصحاب السلطة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا خاصة بالنسبة لنا في الوطن العربي وأمام كل هذه المهام والمسؤوليات هل يتمتع الصحفي في دولنا العربية بالحصانة الكافية؟ هل يتمتع بحماية قانونية وبتشريعات تحميه من جبروت السلطة والمال؟ هل ظروف عمل الصحفي في دولنا مهيأة ومواتية للقيام بالعمل الصحفي على أحسن وجه، ماذا بالنسبة للرضي عن العمل والعلاقة بمصادر الأخبار؟ ماذا عن الراتب؟ والحوافز والامتيازات؟ هل في نهاية الأمر نطلب من الصحفي الكثير ونقدم له القليل. مع الأسف الشديد وفي معظم الدول العربية ما زال ينظر للصحافة - والمقصود بالصحافة هنا المهنة بصفة عامة سواء بالنسبة للإذاعة أو التلفزيون أو الصحافة المطبوعة من جرائد ومجلات ودوريات - على أنها وسيلة في يد السلطة تتصرف فيها كما تشاء ووفق خطها السياسي والمسار التي تحدده لها. وهكذا بدلا من أن تكون الصحافة في الوطن العربي نعمة للشعوب وللرأي العام جاءت نقمة وعلة تزيّف الواقع وتنّظر للنظام وتتفنن في إضفاء الشرعية والتميز والنجاح في كل ما تقوم بها السلطة من أعمال وأنشطة وبرامج وتشريعات. فلماذا يا ترى لا نجعل في الوطن العربي من المؤسسة الإعلامية مؤسسة مسؤولة وحرة ولا نثق فيها، ولا نعطيها الإمكانات اللازمة حتى تلعب دورها الإستراتيجي والفعال في المجتمع، لماذا ننظر دائما للمؤسسة الإعلامية على أنها خطر وبإمكانها أن تسبب مشاكل عديدة ومتنوعة للسلطة؟. لماذا لا نثق في الصحفي ونتركه عند ضميره يقوم بمهمة الإعلام والإخبار والتحقيق والكشف عن النقائص والتجاوزات والتناقضات والأمراض الاجتماعية بمختلف أنواعها وأشكالها ومهما كان صاحبها ومصدرها بكل حرية ومسؤولية وشجاعة. ينعم الصحفي في أي مجتمع بمكانة مرموقة وإستراتيجية يحسد عليها بحيث يستطيع أن يصل إلى الرأي العام بكل سهولة وبسرعة فائقة كما يستطيع أن يصل إلى صاحب القرار ومصدر الخبر وأي إدارة أو مؤسسة في المجتمع من دون عناء، هذه الامتيازات بطبيعة الحال تقابلها مسؤولية كبيرة يجب أن يتحلى بها القائم بالاتصال ويضع في ذهنه أنه مسؤول على كشف الحقائق ومحاربة الفساد والرشوة. وفي الدول النامية تبرز أهمية المؤسسة الإعلامية ومسؤوليتها الاجتماعية أكثر من أي مجتمع أخر وهذا نظرا للدور الإستراتيجي والفعال التي تلعبه وسائل الاتصال الجماهيري في مجتمعات بحاجة إلى تعليم وتوعية صحية وبيئية وسياسية وغيرها من المهام الرئيسية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والخروج من التخلف والفقر والجهل وغير ذلك من المشاكل العديدة والمتنوعة في مثل هذه الدول. تعتبر حرية الصحافة والديمقراطية وجهان لعملة واحدة، فإننا لا نستطيع أن نتكلم عن نظام ديمقراطي من دون منظومة إعلامية قوية وفاعلة ومشاركة في الحياة السياسية وعملية اتخاذ القرار. وأهم العراقيل التي تقف حاجزا أمام حرية الصحافة في معظم الدول العربية والدول النامية القوانين الجائرة والصارمة التي تحد من إبداع الصحفي ومن عطائه، أضف إلى ذلك أن معظم قوانين المنشورات والمطبوعات وتشريعات الصحافة تفرض على القائم بالاتصال ممارسة النقد الذاتي أو الرقابة الذاتية وهكذا تصبح الآلة الإعلامية عالة على المجتمع، فبدلا من أن تكون عنصرا فعالا تسهم في محاربة الآفات الاجتماعية وتشارك في تقديم الحلول للمشاكل المختلفة تصبح في يد القلة الحاكمة التي قد تكون في الكثير من الأحيان خاطئة في قراراتها وطرق تسييرها للكثير من الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وحرية الصحافة ترتبط كذلك بالكثير من المعطيات والمستلزمات التي يجب أن تتوفر في المجتمع. ومن هذه المستلزمات فلسفة ونظرة السلطة والمجتمع لوسائل الإعلام، كذلك النضج السياسي والممارسة السياسية لدى الشعب، وكذلك وجود الجمعيات السياسية القوية وجماعات الضغط والجمعيات بمختلف أنواعها وأشكالها ومجتمع مدني قوي وفعال وديناميكي.

1054

| 05 مايو 2017

الأمن الإعلامي العربي.. الرهانات والتحديات

هل نجرؤ على الكلام عن أمن إعلامي عربي في ظروف التبعية شبه الكاملة وفي ظروف الانجراف الثقافي وفي ظروف أصبح فيها المواطن العربي يستهلك منتجا إعلاميا وثقافيا وترفيهيا معظمه مستورد من وراء البحار بقيم وأفكار لا تمت بأية صلة لواقعه ومحيطه وبيئته وتاريخه وهويته. فالإعلام العربي الرسمي هو إعلام كرّس عبر عقود من الزمن انسلاخه التام عن واقع الشعوب العربية وجسد ثقافة اللا تواصل بين الشعوب والحكام وهذا ما أدى بالمواطن العربي إلى التوجه نحو إعلام الآخر، الذي صُمم وأُنتج أصلا للآخر وليس للعربي. هل المجتمعات العربية محمية إعلاميا؟ وهل هناك وعي بأهمية الموضوع وخطورته من قبل المسؤولين والمشرفين على الإعلام؟ ماذا عن موقف المجتمع المدني والجمعيات المختلفة من هذه الإشكالية وانعكاساتها على الأمن العربي بصفة عامة؟ ماذا عن موقف المؤسسات الإعلامية العربية ؟ أم أن معظمها عبارة عن صناديق بريد تُوزع ما ينتجه الآخر حسب قيمه ومعاييره وأيديولوجيته وفكره. وبذلك فهي تروّج لقيم إعلامية لا علاقة لها بالمجتمعات العربية ولا صلة لها بالشارع العربي ولا بقضاياه المصيرية وهمومه اليومية. فكما نتكلم عن الأمن الغذائي والأمن العسكري والأمن الاقتصادي والأمن الإستراتيجي يتوجب علينا الكلام عن قضية الأمن الإعلامي نظرا لأهمية الصورة وحرب الكلمات والحروب النفسية والحملات الدعائية في عصر لا يرحم وفي زمن أصبحت فيه المعلومة رأس مال الأمم والشعوب وأصبح فيه الرأي العام هو المحرك الأساسي للسياسة والاقتصاد والدبلوماسية. فلا حرب بدون إعلام فعال ولا تنمية مستدامة بدون إعلام قوي ولا ديمقراطية بدون إعلام حر وديمقراطي وشفاف، ولايوجد مجتمع مدني فعال وقوي ونشط بدون إعلام يعكس قيم ومبادئ وعادات وتقاليد المجتمع. ولا يمكن تحقيق كل ما تقدم بدون أمن إعلامي. الأمن الإعلامي أكثر استراتيجية وأكثر أهمية من أي أمن آخر لأن أمن العقول وأمن الأفكار وأمن القيم هي المقومات الأساسية لمجتمع له هوية وله شخصية وله ثوابت تجمع الأمة بمختلف أطيافها ومكوناتها. وللأمن الإعلامي مقومات وأسس ومبادئ ومستلزمات وشروط وبدونها فالكلام عن الأمن الإعلامي يعتبر ضربا من الخيال. التبعية الإعلامية العربية بلغت درجة من الخطورة منذ زمن بعيد وزادت هذه الخطورة حدة مع العولمة والبث الفضائي المباشر وشبكة الإنترنيت وثورة الاتصال. فكلما زادت التكنولوجيا تطورا وانتشارا، في ظل عولمة لا ترحم الضعيف والفقير ولا ترحم من لا ينتج ويساهم في صناعة الفكر والمعرفة والصورة، زادت أنماط وأشكال التبعية والتقليد والذوبان في الآخر. والنتيجة الحتمية في النهاية هي انعدام الأمن الإعلامي الذي لا يمكن تحقيقه في غياب استراتيجية إعلامية واضحة وفي غياب إنتاج مخطط ومبرمج ومدروس وفي غياب ميزانيات معتبرة وفي غياب إنتاج رسالة إعلامية تنبع من رحم المجتمع ومشاكله وشجونه. فكلما زاد انتشار تكنولوجيا الاتصال عالميا ؛ زاد احتكار صناعة الإعلام والمعلومات والمنتجات الثقافية والترفيهية وهذا يعني عولمة الإعلام وعولمة الثقافة وزيادة التبعية وانخفاض درجة الأمن الإعلامي. وهكذا أصبح الإعلام الغربي هو الذي يحدد أجندة المشاهد والمستمع والقارئ العربي وهذا يعني أن إعلام الآخر هو الذي يشكل في حقيقة الأمر الرأي العام العربي إذا سلمنا بمبدأ أن الإعلام ليس بريئاً وأن أي إعلام في العالم له سياسته وخطه الافتتاحي وإطاره المرجعي وقيمه وأيديولوجيته. وانطلاقا من هذا الانسلاخ الخطير فإننا لا نستطيع الكلام عن أمن إعلامي ولا نستطيع الكلام عن إعلام وطني أو قومي أو محلي يتفاعل مع هموم وقضايا الشارع العربي. فالتبعية الإعلامية والتقليد وفقدان الهوية في النظام الإعلامي العربي تشكل خطرا على الأمن الإعلامي وتهدد بذلك كيان الأمة برمتها. من جهة أخرى نلاحظ أن الانفتاح الإعلامي الذي شهده العالم العربي في الربع الأخير من القرن الماضي لم يكن في خدمة الأمن الإعلامي العربي ولا المواطن العربي. فالانفتاح، خاصة في مجال الإعلام الفضائي، جاء عشوائيا وبدون تخطيط وجاء من أجل الربح السريع والاستهلاك السلبي مما زاد في تعميق هوة التبعية والتقليد والذوبان في الآخر. فالإعلام هو صناعة الفكر والقيم وهو التأريخ اليومي للدول والمجتمعات والشعوب، وهو كذلك ذاكرة المجتمع وإذا تُرك لرحمة التجار والسماسرة فإن عواقب ذلك ستكون وخيمة على الأمة. وهذا في حقيقة الأمر ما يشكل خطرا كبيرا على الأمن الإعلامي العربي. الأمن الإعلامي العربي بحاجة إلى إعلام حر ومسؤول لا ينحاز للسلطة ولا للمال وإنما لخدمة الحقيقة وقضايا الجماهير. سطوة السلطة العربية على الإعلام ضربت مصداقية الإعلام العربي في الصميم ودفعت بالشعوب العربية للتوجه إلى مصادر أخرى غير ما هو متوفر في الداخل، الأمر الذي عزز التبعية وكرس الانسلاخ وانفصام الشخصية. فالهروب من المحلي للارتماء في أحضان الأجنبي لإشباع الحاجات الإعلامية والثقافية عند المواطن العربي يضرب في الصميم الأمن الإعلامي. فالإشكال هنا مطروح على مستويين، المستوى الأول يتمثل في الفجوة القاتلة بين الإعلام المحلي والمواطن أما المستوى الثاني فهو اعتماد الجمهور العربي على الإعلام الأجنبي وهذا يعني أن هذا الأخير هو الذي يضع الأجندة للمواطن العربي وهو الذي يحدد له ما يقرأ وما يشاهد وما يسمع. فالتبعية الاقتصادية وانعدام الديمقراطية وغياب المجتمع المدني وتهميش المواطن العربي وعدم مشاركته في العمل السياسي كلها عوامل أدت بالإعلام العربي أن يكون مجرد انعكاس لهده التناقضات من جهة ومكرس للتبعية من جهة أخرى. وما نلاحظه في الكثير من الأحيان في القضايا الدولية الحساسة وفي القضايا التي تكون فيها الدول العربية طرفا مهما هو إعلام عربي تائه بدون هوية وبدون شخصية وبدون حتى موقف واضح. نلاحظ إعلاما يكرر ويجتر ما تتداوله وكالات الأنباء العالمية أو ما تتناوله كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية، ففضائح غوانتانامو وفضائح أبو غريب وتمثيلية «جسيكا لينش» والأكاذيب المتكررة للبنتاجون والبيت الأبيض لم يتناولها الإعلام العربي إلا بعد ما فتح ملفاتها الإعلام الغربي. أما قضايا الإهانة والحملات الدعائية المتكررة ضد المسلمين والعرب فهي لا تُواجَه بحملات إعلامية مخططة ومدروسة بطريقة علمية ومنهجية، لكن ما نلاحظه هو مجرد فرقعات هنا وهناك سريعا ما تزول وبدون أي أثر يذكر. كم هي كثيرة القضايا المهمة التي يمر عليها الإعلام العربي مرور الكرام بدون استغلالها وتوظيفها بطريقة منهجية وعلمية مدروسة. وفي غالب الأحيان لا يعرف كيف يوظفها ويستعملها لخدمة القضايا العربية. وكم هي كثيرة المواضيع التافهة التي تنال مساحات كبيرة وفترات زمنية طويلة في وسائل الإعلام العربية. وكم هي كثيرة البرامج والمسلسلات والأفلام الهابطة التي تسمم وتحنط العقل العربي والفكر العربي أكثر مما تضيف له قيمة تذكر. النخب السياسية في العالم العربي مطالبة بـ «دمقرطة» النظام الإعلامي العربي وبالاستثمار في الصناعات الإعلامية والثقافية من أجل نشر قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومن أجل حماية الفضاء الإعلامي العربي من التلوث واللاأمن الذي يعاني منه. فالأمن الإعلامي يتحقق من خلال إعلام ملتزم ومسؤول يؤمن بكرامة الإنسان وبحريته ويؤمن بالبحث عن الحقيقة ومحاربة الفساد والفقر والجهل في المجتمع ؛ إعلام يتفاعل مع الشارع ومع هموم ومشكلات الفئات العريضة من المجتمع. المواطن العربي بحاجة إلى إعلام هادف وملتزم ومسؤول ينبع من رحم قيم وتقاليد وعادات وهوية المجتمع، بإعلام بهذه المواصفات والخصائص يستطيع العرب الكلام عن الأمن الإعلامي وعن إعلام عربي الهوية وعربي القيم وعربي الرسالة وعربي الهدف.

2098

| 28 أبريل 2017

في إعادة النظر في العلاقة بين الإعلام والإرهاب

احتل الإرهاب على مدى الثلاثة عقود الماضية مساحات كبيرة ومعتبرة في الصحف والمجلات والقنوات الفضائية والسؤال هنا هو كيف تعاملت وسائل الإعلام مع ظاهرة الإرهاب؟ هل عكست الواقع بطريقة آلية دون الغوص في أعماق الظاهرة وأسبابها أم أنها اهتمت بالإثارة والتضخيم على حساب التحليل والتطرق للأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تهدد دول العالم قاطبة من دون استثناء، حيث أصبح الجميع أغنياء وفقراء شمالا أو جنوبا يعانون من هذا الخطر الجديد الذي أصبح يهدد أمن واستقرار الشعوب والدول. أفرزت ظاهرة الإرهاب في الأوساط الإعلامية والعلمية والفكرية والأكاديمية تناقضات خطيرة من أهمها الكيل بمكيالين وربط الإرهاب بالإسلام والعرب والمسلمين. وذهب البعض منهم ينّظر لصراع الحضارات والديانات، ورأى البعض الآخر أن الخطر قادم من الشرق الذي لا يؤمن بالحوار ولا يؤمن بمن يختلف معه في الدين والعقيدة والمبادئ. فأطروحات الإسلام الراديكالي أو المسلح و "الفاشية الإسلامية" و "صراع الحضارات" زادت من تلويث العقول والأفكار وزرعت ثقافة الخوف والحقد والكراهية في عقول الشعوب. هذا ما أدى بالبعض ليتهم الصحافة أو وسائل الإعلام بصفة عامة بالفشل الذريع في تغطية الإرهاب بطريقة حرة، مسؤولة ونزيهة بعيدة عن الابتزاز والاستغلال وبعيدة عن الإثارة ونزوة التجارة والربح وزيادة المبيعات وعدد المشاهدين وبذلك زيادة مساحة وأسعار الإعلانات. بالنسبة لمعظم وسائل الإعلام خاصة تلك التي تركز على الإثارة وعلى بيع الغرابة والعنف والجريمة فإن الإرهاب يُعتبر مادة دسمة مربحة تساعد المؤسسة على زيادة المبيعات وجني أرباح طائلة. فالإرهاب أصبح لغة القرن الحادي والعشرين وظاهرة انتشرت في جميع أنحاء العالم، وتركز وسائل الإعلام بدرجة كبيرة على ما يحدث في الدول النامية والدول الإسلامية مستغلة الإثارة والجريمة لتكريس أفكار محددة للمحافظة ولدعم الوضع الراهن الذي فرضته القوى الفاعلة في النظام الدولي. ومع ظهور الإسلاموفوبيا أصبحت وسائل الإعلام الغربية تتفنن في إيجاد علاقة وطيدة ما بين الإسلام والإرهاب وما بين كل من يخرج عن طاعة أمريكا والغرب والإرهاب. وانطلاقا من الصور النمطية والأفكار المسبقة والمشوهة تقوم وسائل الإعلام بتقديم أخبارا ملونة الهدف منها النيل من العرب والمسلمين وربط الإرهاب بالإسلام. كما تستغل بعض وسائل الإعلام الإرهاب لترسيخ صورا نمطية معينة وتعمل على تأكيد تفوق الحضارة الغربية وتخلف باقي الحضارات. ويبقى الصراع مستمرا ودائما بين الغرب الذي يريد بكل الوسائل والطرق إقصاء الآخر وفرض ثقافته وأفكاره وقيمه على العالم بأسره. ورغم التلاعب والتزييف والتشويه والتنميط والقولبة التي تمارسها الآلة الإعلامية على عقول البشر في جميع أنحاء المعمورة، ما زال العالم بخير وما زالت عامة الناس ترى أن المشكلات التي تعاني منها دول ليست بسبب الإسلام ولا بسبب صراع الحضارات وإنما جذور هذه المشكلات تعود لأسباب سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى وهذا ما أكده استطلاع للرأي العام أجري على 28 ألف شخص من 27 دولة حول العالم، حيث رأت غالبية المبحوثين أن الصراع بين الإسلام والغرب ليس حتمي وأن التوترات والمشكلات الحالية تعود بالدرجة الأولى إلى المصالح السياسية وعدم التسامح. وهذا يعني أن ما تنقله وسائل الإعلام لا يعكس بالضرورة الواقع والحقيقة. فكيف تتطرق الصحافة العالمية للإرهاب دون أن تفرق بين العمل العسكري المشروع للدفاع عن النفس ولتحرير الأرض من المستعمر، وما بين الإرهاب الذي يتمثل في العمل الإجرامي الوحشي. وكيف تستعرض وسائل الإعلام ظاهرة الإرهاب وتربطها بشعب معين وديانة معينة وتتغاضى عن إرهاب الدولة الذي تمارسه بعض الدول في العالم. ما يحدث في العراق هذه الأيام هو كذلك وسيلة أخرى لإفراز الإرهاب والتشجيع على انتشاره. كأي ظاهرة اجتماعية يعتبر الإرهاب نتيجة لعدة أسباب منها الفقر والجهل والظلم وانعدام العدالة الاجتماعية وغياب الحريات الفردية وحرية الفكر والرأي والصحافة والتهميش والعنصرية...الخ. فالحرمان والاستبداد من الأسباب التي تؤدي إلى استعمال العنف والجريمة للتعبير عن الاستياء أو لمحاولة تخويف السلطة والقوى الفاعلة في المجتمع للتنازل عن بعض امتيازاتها لصالح الفئات المحرومة. يقوم الإرهابيون عادة بالجرائم وأعمال القتل والتخريب وحجز الرهائن الأبرياء للضغط على الحكومات للاستجابة لمطالبهم وأهدافهم، وحتى يصلوا إلى الرأي العام فإنهم يعتمدون على وسائل الإعلام التي تباشر في التهافت على نقل الوقائع والأحداث الإرهابية والتفنن في تضخيمها. وفي نهاية الأمر نلاحظ أن العملية كلها دعاية وتدويل لرسالة الإرهابيين الذين كانوا يعملون جاهدين على إيصال مطالبهم ورسالتهم للمسؤولين والساسة وصناع القرار وقادة الرأي العام محليا ودوليا. ونلاحظ هنا أن الإرهابيين يقصدون من خلال أعمالهم استغلال وسيلة إستراتيجية تتمثل في وسائل الإعلام ويستعملونها كوسيلة للتواصل والتعبير عن مطالبهم وأهدافهم. والإشكالية التي تواجهها وسائل الإعلام تتمثل في ما العمل وما هو الموقف الذي يجب اتخاذه؟ هل يجب القيام بالتغطية وعرض المطالب ولأهداف أم مقاطعة التغطية تماما وتجاهل الأعمال الإرهابية، وإذا قامت الوسائل المحلية بالمقاطعة هل ستتبعها وسائل الإعلام الأجنبية؟ وإذا لم تقم وسائل الإعلام بالتغطية من يضمن عدم تسرب الأخبار وانتشار الإشاعة. أسئلة كثيرة ومتشعبة تمس جوانب تنظيمية وأمنية وأخلاقية يجب أن تطرح بجدية وتدرس بتأن لتجنب مشكلات قد تكون انعكاساتها وخيمة على المجتمع بكامله. ومن أهم الانتقادات التي وُجهت لوسائل الإعلام في تعاملها مع الإرهاب أنها أصبحت طرفا هاما في أزمات وعمليات الإرهاب وأصبحت طرفا يُستغل لخدمة مصالح وأهداف قد تتعارض تماما مع الرسالة النبيلة للإعلام في المجتمع. فبقوتها وإمكاناتها الاتصالية الهائلة تعطي وسائل الإعلام فرصة ذهبية للإرهابيين للوصول إلى ملايين البشر محليا ودوليا للتعبير عن ما يريدونه. فالقنوات الفضائية تصّعد الأزمات وتضخمها وتزيد من هلعها وخوفها وقوة آثارها وهذا من شأنه أن يخدم قضية الإرهابيين ويضع ضغوطا كبيرة وقوية على الحكومة للتنازل والتفاوض من مركز ضعف، حيث أنه بعد التدويل والإثارة والتضخيم يجد صاحب القرار نفسه ضعيفا أمام تأثيرات الرأي العام على الصعيد الداخلي والدولي. والوصول إلى الرأي العام الدولي يعتبر من أهم أهداف الإرهابيين حيث محاولة الوصول إلى المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية. وهذه المعادلة الاستغلالية تعتبر من الممارسات السلبية التي تقوم بها وسائل الإعلام خاصة عندما لا تقوم بمهمة الاستقصاء والبحث في جذور وأسباب ظاهرة الإرهاب. وبالمقابل نلاحظ أن هذه المؤسسات الإعلامية ترى أنها تقدم خدمة كبيرة للرأي العام وأنها تقوم بمسؤوليتها الاجتماعية على أحسن وجه. والحقيقة هي أنها في نهاية المطاف تخدم قضايا بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة ومصلحة المجتمع بأسره. القرار هنا أخلاقي ومن واجب وسائل الإعلام أن تتخلص من أي اعتبار تجاري ربحي أو أي اعتبار تنافسي لأن الموضوع أهم من ذلك بكثير حيث إنه يتعلق بأمن الدولة وسلامتها وسلامة سكانها، بل بدول وشعوب عدة.

3685

| 21 أبريل 2017

المسؤولية الاجتماعية للإعلام في مكافحة الإرهاب

لا يمكن أن نتحدث للأسف، على الأقل من حيث الشكل المنهجي والعلمي، عن وجود إستراتيجيات اجتماعية عربية لمحاربة ظاهرة الإرهاب باستثناء تجربة المملكة العربية السعودية؛ ذلك أن معظم الإستراتيجيات الموضوعة والموجودة لمحاربته تركز تركيزا أساسيا على الإستراتيجية الأمنية – القانونية التي تتجاهل في الكثير من الأحيان بقية الحلول والإستراتيجيات والتي يمكن أن تسهم مباشرة في محاصرة هذه الظاهرة والقضاء عليها، خصوصا وأنها تعتمد على جوانب كثيرة ومتغيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية لا يمكن تجاهلها في تشخيص الداء وتقديم الحلول المناسبة. ورغم أهمية الإستراتيجية الأمنية – القانونية في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه؛ إلا أنها على المدى البعيد ستثبت فشلها وقصورها؛ لأنها تقضي في أحسن الأحوال على مظاهر وتجليات الداء وتؤجل مفعول المشكلة وللأسف للأجيال القادمة. وتبرز الإستراتيجية الاجتماعية كإستراتيجية حتمية لقدرتها وفاعليتها على معالجة الداء من جذوره؛ لأنها تعتمد على آليات الإقناع والتأثير الاجتماعي. فالفرد هو ابن بيئته الاجتماعية يتأثر بها ويؤثر فيها ولا يمكن مهما كان الأمر أن ينسلخ أو يبتعد عنها. لهذا فإن الإستراتيجية الاجتماعية تعمل على فهم طبيعة الأبعاد الاجتماعية للظاهرة، وخصوصيات المجتمع، وطبيعة الجماعات الضاغطة فيه بهدف توظيف كل الطاقات والمجموعات الاجتماعية الحيوية والفاعلة لمحاربته، ومن ذلك مثلا: الأسرة، والمسجد، ووسائل الإعلام والاتصال، والنوادي، والجمعيات الأهلية. إن لهذه المجموعات الاجتماعية تأثيرا عجيبا وكبيرا على أفرادها، وكما يقول أوجست كونت August Kant "المجتمع يطاردنا حتى في النوم"، أي أن مؤسسات المجتمع والمجموعات الاجتماعية لها تأثير كبير على أفكار وسلوكيات واتجاهات بل وعلى كل قناعات وقيم الفرد. ويلتزم الإنسان حسب أوجست كونت بكل ما يفرضه عليه المجتمع من سلوك وأفكار ومعتقدات. إن المجتمع، حسب العديد من مؤسسي علم الاجتماع كابن خلدون وإيميل دوركايم Emile Durkheim، يمارس ضغطا ورقابة وتوجيها مباشرا من خلال القوانين والتشريعات والسلوكيات الرسمية والعامة، أو غير مباشر من خلال الأسرة والأصدقاء والمدرسة والنوادي. "الإنسان اجتماعي بطبعه" كما يقول ابن خلدون في كتابه "المقدمة" فهو بحاجة ماسة للعيش مع الآخرين، وأن يتقبل ظروف وشروط وأساسيات العيش المشترك الذي يستوجب الالتزام التام بقيم وفلسفة وقوانين وقواعد المجتمع الذي ينتمي إليه. وضمن هذا الإطار تسعى المجتمعات العربية والإسلامية إلى تكريس قيم الأخوة، والتضامن، والتفاعل الإيجابي، والتسامح، والتكافل الذي يضمن لأفراد المجتمع العيش الكريم. ورغم وجود بعض المبادرات العربية المرتبطة بتوظيف واستخدام المؤسسات الاجتماعية والأهلية في محاربة ظاهرة الإرهاب؛ إلا أنها في أغلب الأحيان لا تستخدم لأغراض تكريس الحل الاجتماعي الشامل الذي يأخذ بعين الاعتبار تركيبة وخصوصية المجتمع ودور المؤسسات الاجتماعية في تقديم العلاج الناجع الذي يتطلب ويستوجب فهما صحيحا للمشكلة والآثار المترتبة عنها مستقبلا، سواء على الفرد أو على المجتمع. وقد تبنت بعض البلدان العربية التي عانت أو ما زالت تعاني من ويلات هذا المرض الخطير، كالجزائر، ومصر، والمغرب، والمملكة العربية السعودية، والعراق، واليمن مبادرات اجتماعية ضمن خطط إستراتيجية هدفها توظيف كل الطاقات الاجتماعية الحية والنشطة في المجتمع: كالجمعيات الأهلية، والنوادي المختلفة، والمساجد، والجامعات، والنقابات، والشخصيات الاجتماعية والدينية والسياسية المعروفة من أجل توعية الجماهير العربية بخطورة هذه الآفة الاجتماعية وجعل الجماهير ترفض هذا السلوك وكل من يتبناه أفرادا أو جماعات. كما سعت مختلف هذه البلدان العربية لتبني عدة إستراتيجيات اجتماعية لتوعية الجماهير بضرورة المشاركة المباشرة في عملية محاربة الإرهاب، إما من خلال التبليغ عن الجماعات الإرهابية، أو من خلال رفض كل الأفكار والسلوكيات التي قد تؤدي إلى العدوان على الممتلكات الخاصة أو العامة. وفي الكثير من الأحيان قامت العديد من الجهات والمنظمات الاجتماعية والسياسية والدينية في بعض الدول العربية: كالجزائر والمغرب ومصر واليمن بتنظيم مظاهرات ومسيرات احتجاجية للدفاع عن وحدة المجتمع ومؤسساته حاملة شعارات منددة بخطورة الوضع ووحشية وهمجية الأعمال والأفكار الإرهابية والعدوانية. كما ركزت معظم هذه المظاهرات على أهمية تصدي أفراد الشعب جميعا لهذه الظاهرة، لأنها تمس بوحدة وسلامة ومستقبل المجتمع. وتستخدم وسائل الإعلام الجماهيرية في الوطن العربي بشكل كبير في هذه العملية، وذلك على مستويات عدة، أهمها: إبراز خطورة الظاهرة والدعوة لرفضها جملة وتفصيلا وتستخدم عدة مواد إعلامية لتحقيق ذلك: كالنشرات الإخبارية، والبرامج الحوارية، والندوات والمناقشات مع العلماء والشخصيات المعروفة اجتماعيا وهذا لما لهم من تأثير كبير على الجمهور وفي عملية صناعة الرأي العام. كما تستخدم وسائل الإعلام الجماهيرية في إبراز المشاركة الكبيرة والفعالة للجماهير الرافضة للسلوك الإرهابي وكل ما له صلة به، وهذا ببث صور التضامن الاجتماعي ومشاركة كل الفئات والمؤسسات والجمعيات والجماعات الاجتماعية في مشروع محاربة ظاهرة الإرهاب. وتقوم وسائل الإعلام الجماهيرية العربية بتغطية كل المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات والتجمعات الاجتماعية الرافضة للإرهاب مما يزيد من فضح عيوب الإرهابيين وتبرز مدى بعدهم عن القيم التي يؤمن بها المجتمع العربي ونبذ المجتمع العربي للأفكار الإرهابية والعدوانية. لا يمكن نفي وجود بعض التجارب والنماذج الإعلامية في محاربة ظاهرة الإرهاب في الوطن العربي؛ إلا أنها في أغلب الأحيان تفتقد للتخطيط والتنظيم والتنسيق، فهي تظهر وتنشط في مرحلة ما وتختفي في مراحل عدة؛ إذ لا يتم استخدام الحملات الإعلامية والتوعوية، إلا في الفترات التي تشهد أحداث وعمليات إرهابية وعدا ذلك فلا وجود ولا متابعة إعلامية للموضوع. تجربة وسائل الإعلامية الرسمية والتي تتمثل في القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية الرسمية التابعة للحكومات العربية تشير إلى التزام هذه المؤسسات التزاما حرفيا بالخطاب الرسمي والدفاع عن وجهة نظر الحكومات ومصلحة الوطن. ولقد قدمت مواد إعلامية كثيرة لا يمكن حصرها تبرز فيها مختلف جوانب الظاهرة وخطورتها على مستقبل الفرد والمجتمع. وبشكل عام، فإن معظم ما تقدمه هذه الوسائل من مضامين وبرامج وتغطيات إخبارية يكاد لا يخرج عن المألوف، أي أن المادة الإعلامية مقدمة بشكل كلاسيكي وروتيني بعيدة عن الإبداع والإثارة والتشويق، وهذا ما جعل نسبة كبيرة من الجمهور العربي تتجه نحو القنوات ووسائل الإعلام العربية الخاصة أو الأجنبية. إن وسائل الإعلام العربية الرسمية لم تستطع فهم التحديات التي تواجهها في عصر العولمة وبقيت تفكر وتسير بعقلية القرن الماضي حيث لا وجود للمنافسة. إن معظم هذه المؤسسات تفتقد للحرفية والمهنية والتميز مما يجعلها أداة ضعيفة وغير قادرة على تقديم المضامين الإعلامية المتميزة لمحاربة ظاهرة الإرهاب بحرفية. كما أن البعض منها لا يملك الخطط والبرامج الإعلامية لمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه. والملاحظ على هذه الوسائل أنها لا تقدم مضامين متميزة ومتنوعة لغرس قيم السلم والوئام المدني وتوعية الجمهور بأخطار الإرهاب، إذ يمكنها أن تنتج أفلاما ومسلسلات درامية وبرامج حوارية ورسائل إعلانية وتوعوية متميزة باستخدام أحدث التكنولوجيات. إن محاربة ظاهرة الإرهاب هي مسؤولية هذه المؤسسات التي تملك الإمكانات التقنية والبشرية والمادية. وفي حقيقة الأمر، فإنه لا يمكن إحداث تغيير في العقليات والسلوكيات والممارسات الاجتماعية ونبذ العنف وغرس قيم السلم من دون توظيف وسائل ورسائل إعلامية مقنعة ومؤثرة. كما أن محاربة هذه الظاهرة لا تكون آنية بتغطيات إخبارية فورية فقط، بل تحتاج إلى خطط وبرامج إعلامية مدروسة تأخذ بعين الاعتبار حاجات ورغبات وميول المتلقي، وتسعى لإحداث تغيير في العقليات والأفكار والسلوك على المدى الطويل. وهنا تظهر الحاجة لمعرفة الأبعاد النظرية والخلفية الفكرية التي تقوم عليها الإستراتيجية الإعلامية.

1542

| 19 أبريل 2017

بين التلميع والتسبيح والمسؤولية والالتزام

يعتبر الإعلام المنبر الرئيسي للديمقراطية، وللسوق الحرة للأفكار، وللرأي والرأي الآخر. فهو مؤسسة تسهر على تنوير الرأي العام، الذي يعتبر السلطة الحقيقية في المجتمع. والإعلام الفعال الذي يفرز الديمقراطية ويؤثر فيها ويتأثر بها هو ذلك الإعلام الذي يستند إلى مجتمع مدني فعال، وإلى قوى مضادة داخل المجتمع تعمل على إفراز ثقافة ديمقراطية وحراك سياسي يقوم على المراقبة وكشف الحقائق، والوقوف أمام الفساد، والتجاوزات واستغلال النفوذ والسلطة. فإذا تبنى الإعلام ثقافة التبرير والتمجيد والإشادة والمدح والتسبيح فهذا يعني أن الأمة قد دخلت في مرحلة النفاق الجماعي، والتضليل الاجتماعي حيث يصبح الخطاب الإعلامي من دون معنى ولا جدوى ولا طعم ولا ذوق، لأنه منفصل تماما عن الواقع، حيث التناقض الصارخ بين الحياة اليومية والخطاب الإعلامي. وهذا يعني شلل أو عقم قطاع إستراتيجي في المجتمع، وهو قطاع الإعلام. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا هذا الشلل وهذا العقم في معظم الدول العربية؟ وما هي أسباب عدم فعالية ومصداقية الإعلام العربي؟ لماذا ثقافة التنظير للسلطة وثقافة التملق وثقافة التبرير وكل شيء على أحسن ما يرام، بدلا من الاستقصاء والنقد والكشف عن الحقائق والمساهمة في إرساء ثقافة الرأي والرأي الآخر والسوق الحرة للأفكار. العلاقة بين الإعلام والمجتمع علاقة جدلية وعلاقة تأثير وتأثر. فالإعلام القوي بحاجة إلى مجتمع مدني قوي وإلى الفصل بين السلطات وإلى قضاء مستقل وحياة ديمقراطية شفافة وواضحة المعالم. من جهة أخرى يجب على المنظومة الإعلامية في المجتمع أن تناضل من أجل كسب المزيد من الحرية والاستقلالية والحرفية والمهنية وبذلك المصداقية واحترام الجميع. رغم مرور عدة سنوات على الربيع العربي، ورغم التغييرات التي شهدتها الساحة العربية في السنوات الأخيرة، إلا أن الملاحظ للشأن الإعلامي العربي يدرك أن العادات البالية ما زالت سائدة في الكثير من المؤسسات الإعلامية، وأن الخطاب الإعلامي ما زال وفيا لماضيه؛ الأمر الذي جعل مبدأ السلطة الرابعة أو الإعلام الفاعل في المجتمع غائبا تماما في معظم المجتمعات العربية. الإشكال المطروح هو أن الجميع يلوم وينتقد الإعلام وكأن القطاعات الأخرى في المجتمع العربي بألف خير وعلى أحسن ما يرام. الحقيقة هي العكس تماما حيث إن معظم القطاعات في المجتمع تعاني من مشكلات وتناقضات عدة. فالإعلام ما هو إلا نظام فرعي من النظام الكلي، وبذلك فهو جزء لا يتجزأ من هذا النظام. فالدول العربية بحاجة إلى إصلاح النظام وإلى تحرير الفرد في المجتمع وإلى توفير مستلزمات وشروط السوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني والمؤسسات المستقلة الديمقراطية التي تؤمن بالحرية وبالشفافية وبالنقد والنقد الذاتي. أسباب عقم الإعلام العربي متعددة ومختلفة فمنها ما يتعلق بالمحيط الذي يعمل فيه، ومنها ما يتعلق بالحرفية والمهنية ومنها ما يتعلق بالمصداقية ومنها كذلك ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة والعلاقة مع مصادر الأخبار والمعلن، ومنها ما يتعلق بالعوامل الخارجية كالتبعية للآخر والقيم الدخيلة...الخ. الإعلام العربي مسؤول عن تشكيل الرأي العام، وتنشيط السوق الحرة للأفكار، وتزويد المجتمع المدني بالأخبار والمعلومات والتقارير والتحليلات وغير ذلك. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو لماذا يوجد الإعلام العربي في الحالة التي هو عليها اليوم؟ هل المؤسسة الإعلامية هي أداة سلطة أم أداة المجتمع بأسره وبمختلف الشرائح الاجتماعية التي تشكله؟ هل عملية التواصل بين السلطة والجماهير عملية عمودية أم أفقية؟ هل الممّول هو المحدد الرئيسي لمخرجات وسائل الإعلام؟ هل أدت أو ستؤدي العولمة إلى دمقرطة الإعلام في الوطن العربي؟ هل ستؤدي الثورة التكنولوجية والمعلوماتية إلى التأثير في علاقة السلطة بوسائل الإعلام وفي طرق العمل الإعلامي وآلياته ومنهجيته في الوطن العربي؟ هل تتوفر مستلزمات الصحافة الحرة في الوطن العربي؟ وهل هذه الصحافة قادرة على أن تصبح واحدة من السلطات الفاعلة في المجتمع؟ هل بإمكاننا الكلام عن سلطة الإعلام أم الإعلام عندنا في الوطن العربي هو إعلام السلطة؟ الملاحظ والمطّلع على مخرجات الإعلام العربي يدرك المشاكل والتناقضات الكبيرة والمتعددة التي يعاني منها هذا الإعلام، فالمؤسسة الإعلامية العربية ما زالت في الكثير من الدول العربية لم ترق إلى المؤسسة الإعلامية بالمعنى الكامل للكلمة سواء من حيث الإدارة أو التسيير أو التنظيم أو الهيكلة أو الوسائل أو الكادر البشري أو المهنية أو الحرفية. ففي الكثير من الحالات نلاحظ المساومات والتجاوزات والمتاجرة بالمهنة على حساب مبادئ المهنة وشرفها وأخلاقها، وغالبا ما تُستعمل المؤسسة الإعلامية لأغراض ومصالح ضيقة جدا تكون في صالح فئة معينة أو حزب معين أو تيار معين على حساب الغالبية العظمى من أفراد المجتمع. في هذه الظروف تنعدم الإستراتيجية وتكون السياسة الإعلامية غير واضحة المعالم، هلامية تركز على التعبئة السياسية والتنظير للسلطة والمدح والتسبيح، وكذلك الترفيه والتسطيح وإفراغ القضايا من محتواها الحقيقي. تعاني الصحافة العربية من جملة من المعوقات والمشاكل المهنية والتنظيمية والنقابية جعلتها تفشل في تحقيق الكثير من مهامها الإستراتيجية في المجتمع. وبما أن الصحافة في أي مجتمع عربي لا تستطيع أن تكون فوق النظام والأطر التي يسير وفقها المجتمع ككل بحيثياته وعناصره ونظمه فإنها باعتبارها جزءا فرعيا من النظام الذي تعمل فيه وتتعاطى معه تتأثر بالمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد. فالسلطة في العالم العربي ما زالت تنظر للصحافة كأداة لتثبيت شرعيتها ووسيلة لتعبئة الجماهير وتجنيدها. وحتى دور الصحفي في المجتمع يُنظر له على أنه مكمل لدور السلطة وأجهزتها المختلفة فهو مطالب بالتغطية والمدح والتسبيح لكنه إذا استقصى وبحث وانتقد فيصبح من المغضوب عليهم. فمعظم قوانين النشر والمطبوعات في العالم العربي جاءت مجحفة ومقصرة في حق المؤسسة الإعلامية وفي حق الصحفي الأمر الذي أفرز عند هذا الأخير ثقافة الرقابة والرقابة الذاتية ومن ثمة قتل ثقافة صحافة الاستقصاء والبحث عن الحقيقة وقتل روح المسؤولية والالتزام والنزاهة والموضوعية عند الصحفي. التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية في مجال الإعلام هو تحريره وتحرير الطاقات والمهارات والإبداعات. التحدي يتمثل في الاستثمار الأمثل في القدرات والطاقات والإمكانات المادية والبشرية لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية متطورة رشيدة وفعالة وقوية تستطيع أن تشكل الرأي العام والسوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني الذي يؤسس للديمقراطية والشفافية والحوار الصريح والبناء من أجل مصلحة الجميع. كل هذه الأمور تتطلب الدراسة والبحث وإقامة علاقة متينة وتفاعل وتبادل وحوار صريح بين السلطة والمؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال ومصادر الأخبار والجمهور من أجل إرساء قواعد الثقة والمصداقية والفعالية في الأداء وبهذا تتوفر المستلزمات والشروط لوضع إستراتيجية إعلامية وسياسات إعلامية تنهض بالعباد والبلاد إلى مصاف الدول المتقدمة والفاعلة في العالم.

507

| 09 أبريل 2017

فشل إدارة الاختلاف والتطور...جامعة الدول العربية أنموذجا

منهم من سماها بقمة النوم ومنهم من قال عنها أنها قمة الصالونات والمجاملات ومنهم من أطلق على جامعة الدول العربية صفة "اللاعدل" نظرا لسيطرة حفنة من الدول على قراراتها وسياساتها واستراتيجياتها والهيمنة على لجانها ومكاتبها. بعد سبعة عقود ما زالت جامعة الدول العربية تراوح نفسها وتتخبط في جملة من التناقضات التي تقضي في المهد على العمل المشترك الناجح والفعال. ثقافة التناوب عند العرب وثقافة الديمقراطية في مؤسسة تجمعهم من أجل وضع استراتيجيات العلاقات السياسية والدولية والاقتصادية بين الدول العربية فيما بينها ومع باقي دول العالم ما زالت قائمة وما زالت في صميم فشل أي مبادرة ناجحة تصب في صالح جميع دول المنظمة. فتسيير المنظمة وإدارتها بعيد كل البعد عن الديمقراطية وعن العمل العربي المشترك الفعال. فالمنظمة تُدار وكأنها مؤسسة توزيع رواتب وامتيازات وكفى. فمبدأ أن يكون الأمين العام لجامعة الدول العربية من بلد المقر خطأ ويتناقض جملة وتفصيلا مع العمل الديمقراطي والتناوب على المنصب وإعطاء فرص لكفاءات موجودة في 21 دولة عربية. وهناك عشرات بل مئات المنظمات في العالم لم تفرض على أعضائها أن يكون الأمين العام أو المدير أو الرئيس من بلد مقر المنظمة. فالاتحاد الأوروبي وإيمانا منه بالديمقراطية والتناوب على إدارته جعل منصب الأمين العام بالتناوب. وهذا ما يقودنا للقول أن إدارة جامعة الدول العربية تحتاج إلى إعادة النظر. وما ينسحب على الأمين العام ينسحب على اللجان كذلك حيث نجد تمركزها في حفنة من الدول. فكيف نتكلم عن الديمقراطية وعن العمل العربي المشترك في ظل تناقضات كبيرة وصارخة في الجهاز نفسه. قمم ولقاءات واجتماعات تتوالى وتتكرر وبيانات ختامية تُصاغ وتُوزع على الصحافيين ووسائل الإعلام ورؤساء دول يغيبون عن القمة التي أصبحت بلا معنى وبلا أهمية تذكر. عمل عربي مشترك يعاني من الضعف والركاكة وعدم الفاعلية منذ عقود. قمة نواكشوط جاءت في أوج الرداءة والانحطاط والأزمات والحروب والانقسامات. الوضع في العراق وسوريا وليبيا واليمن وفلسطين يثير القلق ويطرح عدة تساؤلات عن الوضع الذي آلت إليه الأمة العربية. حالة التردي العربي الرسمي عكسته قمة نواكشوط المسماة قمة الأمل والتي تغيب عن حضورها أكثر من ثلثي رؤساء وملوك وزعماء الدول العربية، فيما اختصر جدولها من يومين إلى يوم واحد لتخرج في نهاية المطاف ببيان لا يرقى إلى تلبية مصالح الأمة العربية". الظروف الني جاءت فيها جامعة الدول العربية في سنة 1945 تختلف تماما عن ظروف اليوم، ما يحتم على العرب إعادة النظر في ميثاق الجامعة وفي أمور إدارتها وهيكلتها وتنظيمها. وأول خطوة في التغيير وإعادة الهيكلة هو وضع استراتيجية ورؤية واضحة مبنية على أسس ديمقراطية في المقام الأول، بمعنى عدم إعطاء الفرصة لأي كان أن يستحوذ على الجامعة ويجعل منها مملكته ومؤسسته الخاصة لإدارتها وفق مصالحه وأهوائه. فالجامعة بحاجة إلى ثقافة التناوب وثقافة الديمقراطية أي أن القرارات لا يجب أن تملى من قبل دول معينة داخل المنظمة وإنما يجب أن تكون مبنية على آليات تتسم بالشفافية والوضوح ومصلحة ال 22 دولة المكونة للمنظمة. بالنسبة للجان والهيئات الفرعية للمنظمة يجب كذلك توزيعها بالتساوي وعلى الجميع ونفس الشي بالنسبة للموظفين ورؤساء اللجان والهيئات الفرعية. فلماذا تحتم وتفرض مصر أحمد أبو الغيط على العرب؟ وزير خارجية النظام المصري السابق نظام حسني مبارك أثبت فشله وولاءه للكيان الصهيوني. هل يعني هذا أن هناك أجندة مبرمجة ومسطرة. هل سيستطيع أبو الغيط صاحب 77 سنة أن يوجه بوصلة جامعة الدول العربية في الاتجاه السليم والمنطقة تمر بأسوأ مرحلة في تاريخها؛ دول على وشك الانهيار وتحديات جمة وضخمة أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية ...الخ. أيعني هذا أن الدول العربية لا تتوفر على دبلوماسيين وساسة أكفاء ومؤهلين للقيام بالمهمة والمسؤولية على أحسن ما يرام. هل جامعة الدول العربية أصبحت بيت التقاعد ومكافأة نهاية الخدمة؟ مع الأسف الشديد ثقافة الاستمرار في الرداءة سائدة وإلا كيف نفسر تزكية الدول العربية قاطبة ما عدا تحفظ دولة قطر لشخص أبو الغيط. فمنذ سنة 1945 وجامعة الدول العربية قائمة على المجاملات وعلى المصالح الضيفة لبعض الفاعلين فيها؛ أما مصلحة شعوب الدول العربية فهي آخر ما يسأل عنه القائمون على الجامعة. استمرار جامعة الدول العربية في عدم قدرتها على إدارة الخلافات العربية هو تكريس الفشل وتكريس الرداءة وانتهاك لأحلام الشباب العربي من المحيط إلى الخليج، جامعة الدول العربية فشلت في التأقلم مع الربيع العربي والظروف التي تمر بها المنطقة. تواجه جامعة الدول العربية انتقادات حادة ودعوات مكثفة للتغيير والتجديد والإصلاح لمواكبة التطورات والتغييرات التي شهدها العالم خلال السبعة عقود الماضية. والسؤال الذي يطرحه الكثيرون هو ماذا قدمته هذه المنظمة من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية والتعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين الدول العربية من المحيط إلى الخليج؟ أين هي المشاريع المشتركة وأين هي العملة الموحدة وأين هي السوق العربية المشتركة؟ وأين هي عملية إلغاء التأشيرات وفتح الحدود بين الإخوة والأشقاء؟ أين هي السكك الحديدية والربط الكهربائي والطرق السريعة والخطوط الجوية والبحرية التي تربط الدول العربية بعضها ببعض. كيف نحقق التكامل السياسي والعمل العربي المشترك في غياب التكامل الاقتصادي والتجارة البينية بين أعضاء جامعة الدول العربية؟ مع العلم أن هناك عوامل عدة تساعد هذا التكامل والتعاون البيني والتي تتمثل في التاريخ واللغة والدين والحضارة المشتركة بين أعضاء الجامعة. تواجه جامعة الدول العربية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مشكلة إعادة الهيكلة والتنظيم والإصلاح والتغيير والتأقلم والتكيف مع الظروف الجديدة التي يعيشها العالم وضرورة تطبيق ديمقراطية صناعة القرار بداخلها وخروجها من الروتين والبيروقراطية إلى العمل الجاد والفعال على مختلف الأصعدة. فبعد ثورات الربيع العربي والحراك السياسي والاجتماعي الذي نجم عنها ونظرا للمشاكل التي تعاني منها عدة دول عربية فلا حل أمام منظمة العرب سوى الإصلاح والتغيير. فميثاق الجامعة واللوائح التي تحكمها وتديرها أُقرت في الأربعينات من القرن الماضي وهذا يعني أن هذه القوانين بحاجة أن تُغير وتُجدد وفق التطورات العديدة والمختلفة التي شهدتها الدول العربية في السنوات القليلة الماضية. قمم الجامعة أصبحت روتينية شكلية وبروتوكولية وحتى آليات العمل فيها غير مبنية على أسس علمية ديمقراطية وفعالة. فالجامعة، مع الأسف الشديد، تعكس وضع الأنظمة العربية نفسها. فقوانينها ومواثيقها ما زالت كما جاءت في الأربعينات من القرن الماضي بدون تطوير ولا تغيير. وحتى موضوع تدوير منصب الأمين العام للجامعة ورؤساء اللجان والمديرين وكبار المسؤولين فيها لم يُبت فيه بطريقة صريحة ومسؤولة وملتزمة. وإذا نظرنا إلى معظم المنظمات الإقليمية والجهوية والقارية والدولية في العالم نلاحظ ديمقراطية وإنصافا وعدالة وموضوعية وشفافية في توزيع المناصب والمسؤوليات. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على انعدام الرشد والرؤية وروح الديمقراطية في إدارة شؤون جامعة الدول العربية. فالاختلاف ظاهرة صحية في أي منظمة يتطلب قدرة كبيرة على إدارته وتحويله إلى مصدر قوة وإلهام ونجاح.

1914

| 05 أبريل 2017

العنف التلفزيوني والسلوك العدواني

تلعب وسائل الإعلام دورا محوريا في حياة الفرد اليومية حيث أنها تستحوذ على جزء كبير من وقته، فبين مشاهدة التلفزيون وقراءة الصحف اليومية والمجلات واستهلاك الإعلانات المختلفة والاستماع للراديو والإبحار في مئات الآلاف من المواقع على الإنترنيت يجد الفرد نفسه في نهاية اليوم أنه قضى أكثر من ست ساعات مستقبلا ومستهلكا ما تقدمة وسائل الإعلام المختلفة من مواد إخبارية وترفيهية. والإشكال المطروح هنا هو أن الفرد في المجتمع يعتمد على هذه الوسائل المختلفة لتشكيل وعيه وثقافته وحسه وإدراكه ومن ثم الصور العديدة التي تحدد سلوكه وتصرفاته في المجتمع. فوسائل الإعلام في عصر المعلومات والمجتمع الرقمي تلعب دورا استراتيجيا في تحديد الوعي الاجتماعي والذاكرة الجماعية كما أنها تشكل الواقع كما تراه وليس كما هو، والذي يحدد في نهاية المطاف، إلى جانب متغيرات أخرى السلوك الاجتماعي في أي مجتمع. ما يلاحظ على الرسائل الإعلامية المختلفة هو محتواها الذي أصبحت تحدده قوانين العرض والطلب وقوانين البيع والشراء. وفي هذا السياق أكدت نسبة كبيرة من الدراسات أن الإثارة والجريمة والعنف والجنس والأحداث والوقائع السلبية من حروب وانقلابات عسكرية وفيضانات وزلازل تشكل محتوى وسائل الإعلام المختلفة. كثر الحديث والنقاش في السنوات الأخيرة في الأوساط الأكاديمية والعلمية عن تأثير وسائل الإعلام على الجريمة وخاصة فيما يتعلق بالجانب النظري وهل هناك علاقة ارتباطية بين التعرض للجريمة في وسائل الإعلام والسلوك العدواني عند الفرد.. فالدراسات والأبحاث العلمية في معظمها أكدت أن هناك تأثيرا سلبيا وعدد منها أكد أن هناك علاقة ارتباطية إيجابية بين التعرض للعنف التلفزيوني والسلوك العدواني.. فسلوك الفرد معقد ومركب وتحدده عوامل عدة من بينها الصورة الذهنية التي يشكلها الفرد بناء على ما تعرض له واستهلكه في مختلف وسائل الإعلام الجماهيري. فالإشكالية هنا تتمثل في تغطية أخبار الجريمة من قبل وسائل الإعلام المختلفة وآثارها السلبية على أفراد المجتمع. فالجريمة كظاهرة اجتماعية تنتشر اليوم في مختلف المجتمعات، كما تنتشر في المراكز الحضرية الكبيرة وفي المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة والمناطق الشعبية. ما هو الهدف من تغطية الجريمة والعنف من قبل وسائل الإعلام؟ لماذا وكيف؟ ما هي أخلاقيات التغطية؟ وما هي آليات هذه التغطية؟ وإلى أي مدى يتأثر الجمهور بما يقدم له؟ وما هي علاقة استهلاك المادة الإعلامية التي تستعرض الجريمة والعنف بالسلوك غير السوّي عند الفرد في المجتمع؟ هل تغطية الجريمة تؤدي إلى الوقاية منها وتخفيض وقوعها في المجتمع أم أنها تؤدي إلى انتشارها وإقبال نسبة من أفراد المجتمع على تقمص شخصية المجرمين ومنفذي العنف وتقليدهم في الواقع. هل هناك استراتيجية من قبل وسائل الإعلام في التعامل مع الجرائم وأحداث العنف؟ أم أن الأمر يتوقف على البحث عن الإثارة والغرابة والخروج عن المعتاد لزيادة المبيعات والحصول على أكبر عدد من المشاهدين؟ هل تغطية الجريمة مجرد فعل إعلامي أم أنها وسيلة لتحقيق غاية؟ هل أنها تستعمل لعلاج المشكلة أم أنها تستغل لتحقيق مكاسب السبق الصحفي ومكاسب مادية ليس إلا. تؤثر وسائل الإعلام المختلفة سلبا على الجمهور بتغطية الجريمة وأحداث العنف والعدوان والانحراف. بالمقابل تستطيع وسائل الاتصال الجماهيري إذا اُستعملت بطريقة علمية، منظمة ومدروسة أن تسهم في الوقاية من الجريمة. فوسائل الإعلام بالتنسيق مع الجهات التي تعنى بقضايا الانحراف و الجريمة و العنف كالشرطة و أجهزة الأمن المختلفة و جهاز القضاء، والمدارس و جمعيات أولياء الأمور، و الجمعيات المختلفة التي تعنى بالطفل و الأسرة، و المؤسسات الدينية و المجتمع المدني ككل، إذا كان هناك تنسيق بين الجميع و إذا كانت هناك استراتيجية للتعامل مع أسباب و جذور و انعكاسات ظاهرة الجريمة و العنف و العدوان و الانحراف، حينذاك بإمكان المؤسسة الإعلامية أن تشارك في بناء شخصية الفرد في المجتمع للتعامل الإيجابي مع الرسائل المختلفة التي يتعرض لها في مختلف وسائل الإعلام. فالمشكلة معقدة وتتحمل مسؤوليتها جهات عديدة وليست المؤسسة الإعلامية فقط. من جهة أخرى وبدلا من البكاء على الأطلال والنقد ووضع اللوم على الآخرين يجب أن نطرح السؤال التالي على أنفسنا: ماذا أنتجنا نحن العرب لقرائنا ومشاهدينا وأطفالنا سواء في الصحف أو المجلات أو القنوات الفضائية أو الانترنيت؟ أين هو البديل؟ حتى لا نستهلك رسائل لم تصمم ولم تنتج لنا في الأساس ومنتجات إعلامية تحمل قيما وأفكارا وآراء الآخرين. وحتى ترقى وسائل الإعلام في مجتمعاتنا العربية إلى أن تلعب دورا مسؤولا وإيجابيا في التصدي للجريمة وللعنف وللعدوان يجب أن تكون في مستوى عال من المهنية والاحترافية ويجب أن تنتج وتصنع الرسالة التي تقدم للجمهور وفق الرؤية والأيديولوجية العربية الإسلامية. فالمؤسسة الإعلامية ليست صندوق بريد تشتري المادة المعلبة وتبثها للجمهور. وهنا تقع مسؤولية كبيرة جدا على المسؤولين في الوطن العربي للنظر للمؤسسة الإعلامية كمؤسسة تربوية تعليمية بالدرجة الأولى، وليس النظر إليها على أساس أنها آلة تحقق الملايين من الدولارات كأرباح على حساب القيم والعادات والتقاليد والمصلحة العامة. فما يبث هذه الأيام في الفضائيات العربية يبعث على الخجل حيث نلاحظ رسائل سطحية، تبسيطية، ضحلة، برامج تخدش الحياء وإعلانات بعيدة كل البعد عن الواقع العربي، برامج لا تعكس واقع الفرد العربي. هذه الرسائل تهدم أكثر مما تبني حيث أن هدفها الرئيسي هو الاستهلاك والبيع والجري وراء الكسب السريع وضمان أكبر عدد ممكن من القراء والمشاهدين للحصول على أكبر حصة من الإعلانات. فوسائل الإعلام تعتبر المنتج الحقيقي للثقافات والمعتقدات والتوجهات والمشّكل المحوري للرأي العام وهذا يعني أنه من واجبها تحمل المسؤولية وتأدية الرسالة على أحسن وجه ووفق القيم الأخلاقية والمعايير والمبادئ الإنسانية وعادات وتقاليد المجتمع. الصناعة الإعلامية اليوم نظرا لمعايير التسويق والتجارة والبيع والربح تستغل الإثارة والغرابة وأخبار الجنس والجريمة والانحراف والعنف لزيادة مبيعاتها وللاستجابة لمتطلبات السوق والمجتمع بغض النظر عن التأثيرات السلبية والضرر الذي تلحقه بالناشئة وبالجمهور بصفة عامة. فمظاهر العنف في وسائل الإعلام أصبحت تحتل حيزا كبيرا وأصبحت قيما خبرية تتسابق عليها المؤسسات الإعلامية.

6926

| 01 أبريل 2017

الثقافة المرورية.. مسؤولية الجميع

أسابيع مرور تتكرر كل سنة، وحملات إعلامية متعددة ومتنوعة بملايين الدولارات من أجل الحد من حوادث المرور. سنة بعد سنة الأرقام تتزايد ويبقى السبب الأول للوفيات في منطقة الخليج هو حوادث المرور. قوانين المرور في دول الخليج من أحسن القوانين في العالم والطرقات السريعة من أعلى طراز، أجهزة الرادار موجودة في معظم الشوارع والمناطق المهمة، رغم كل هذا ما زال الجميع يعاني من مجازر وجرائم الطرقات. أين يكمن الخلل؟ هل يجب أن نقوم بنقد كل هذه الأعمال والحملات والأنشطة واقتراح أحسن طريقة لنشر ثقافة المرور وثقافة احترام الآخر وثقافة احترام المركبة وثقافة احترام الطريق. المسؤولية هي مس}ولية الجميع ابتداء من الفرد نفسه، إلى العائلة، إلى المدرسة والمسجد والجامعة والنادي الرياضي والمجالس المختلفة والوزارات ذات الصلة والمجتمع المدني بصفة عامة. ما يحدث في الطرقات هو سلوك غير حضاري ومناف للدين والقيم والأعراف التي تتمتع بها دول الخليج. هل حان الوقت للتركيز على الأطفال في سن مبكرة، هل حان الوقت لجعل المشكلة مشكلة الجميع ومسؤولية الجميع. من أهم المشاكل التي تواجه المجتمع اليوم هي كثرة الحوادث المرورية والتي تضع الدول والمجتمعات أمام المشاكل التي قد تعصف ببعض مقوماتها، ولا ريب أن عدم المسؤولية والالتزام التي قد يتسم بها المتسبب في الحادث من حيث تهاونه ولامبالاته وعدم احترامه للأنظمة المرورية لتعبير واضح عن تلك الأنانية المفرطة التي قد تلازم بعض الناس. ولكي يتم حل هذه المعضلة أو التخفيف منها على الأقل، كان لا بدّ من وجود معايير ومبادئ يرجع إليها المجتمع لتنظيم السلوك المروري للحفاظ على حقوق الناس، وتفرض وجود ضوابط تستوعب التناقضات المتداخلة والمصالح المتعارضة والمتشابكة، لأن النظام في المجتمع ليس سلوكاً غريزياً ولا تلقائياً ولكنه ينجم عن الضبط الاجتماعي ويتوقّف عليه، وهو مسؤولية الجميع. حوادث المرور ليست اعتداء على النفس الإنسانية فحسب بل هي شكل من أشكال التمرد على حقوق الله عز وجل واختياره لتكريم ابن آدم، إن الإسلام دعا بكل قوة إلى حياة صحيحة واقعية إنسانية سمحة منفتحة بنظرة متوازنة شاملة للإنسان والحياة والكون بعيداً عن الفتنة التي تسببها هذه الأفعال الشنيعة، من حيث ضرورة احترام القوانين لما في ذلك من نفع عميم على الفرد والمجتمع،يجب أن تكون السلامة المرورية مسؤولية مجتمعية، يشترك فيها جميع أفراد المجتمع، كما أن للأسرة دورا كبيرا في توعية أبنائها وإرشادهم إلى الطريق الصحيح، حيث إن توعية الأسرة المستمرة من قبل الأب والأم، لها دور كبير في الحد من ارتكاب حوادث السيارات، على العكس من العائلات التي لا تبالي في الأمر شيئا، وتتجاهل تمام توعية أبنائها بالقيادة الصحيحة، واتباع قواعد المرور حفاظا على كافة الأرواح. المدرسة بإمكانها أن تلعب دورا محوريا في البرامج التوعوية الهادفة مثل السلامة المرورية والثقافة الأمنية، كما أن تدريس السلامة المرورية في المدارس يرفع الثقافة لدى المواطن منذ الصغر، مما ينتج عنه تقليل نسبة الحوادث والسلوكيات الخاطئة.

2693

| 21 مارس 2017

الإشاعة في حياة الشعوب والمجتمعات

تمثل الشائعة جزءا لا يتجزأ من الفضاء الإعلامي لكل مجتمع حيث أنها وجدت منذ وجود البشرية وما زالت تفرض وجودها اليوم في عصر الفيسبوك واليوتيوب. فالشائعة كظاهرة اجتماعية تعتبر مكونا هاما واستراتيجيا في التراث الثقافي لأي مجتمع من المجتمعات. فالإشاعة جزء من المجتمع إذ تعبر تعبيراً عميقاً عن ظروفه النفسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. ولذلك تعد متغيرا محوريا لدراسة وفهم المجتمع وتحديد ملامحه وخصائصه. وتتضح أهمية دراسة الشائعات من تأثيرها الكبير على المجتمعات فقد تؤدى إلى تفكك وتدهور المجتمع كما قد تؤدى إلى تماسكه وفقا لدورها في خفض أو رفع الروح المعنوية لذلك المجتمع.. فمن خلال الشائعات يمكن أن تتبدل أو تتغير مواقف الأفراد وعلاقاتهم وتفاعلاتهم. من جهة أخرى يمكن أن يعزف الناس عن شراء منتج أو زيارة مكان. فالشائعات يمكن أن تؤثر في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية، والنفسية، والثقافية للشعوب ويمكن أن تؤثر في العلاقات الدولية واستقرار المجتمعات. والشائعة كأحد أسلحة الحرب النفسية والدعائية وسيلة مهمة يعول عليها في القضاء على معنويات العدو وهزيمته والتغلب عليه. الإشاعة سلاح يتطور مع تطور المجتمعات وتطور التكنولوجيا. فقد تزايد الاهتمام بدراسة الشائعات في عصر المعلومات، حيث النمو الهائل والمستمر والمتراكم للمعلومات في مختلف مجالات النشاط الإنساني، وهذا التطور في الرصيد المعلوماتي أثر على طبيعة الشائعات وزاد من أهميتها. فالإشاعة رغم أنها لا تعتمد على الإقناع المباشر أو غير المباشر كما في الدعاية والحرب النفسية إلا أنها تفعل فعلها وتحقق آثارا كبيرة حيث تطمس معالم الحقائق وتفرق الآراء وتمزق الِّلحمة الاجتماعية وتشوه صور القادة والزعماء. يعكس الواقع الراهن للعالمين العربي والإسلامي واقع البلبلة الفكرية والتشويش الذهني والتشتت الفكري الذي نعيشه بفعل الحملات المستمرة والموجهة إلينا من قبل الآخر في إطار الحرب ضد الإرهاب والشرق الأوسط الكبير وصراع الحضارات والإسلاموفوبيا. الإشاعة قديمة قدم الإنسانية مرت بمراحل وتطورات عديدة ومتشعبة ومع مرور الزمن تعددت مفاهيمها وأساليب استخدامها واتخذت عدة أشكال عبر التاريخ وتداخلت مع الخطاب الإعلامي بمختلف وسائله ملازمة بذلك حركة الصراع والنزاع والاختلاف التي تحدث بين البشر وخاصة في الحروب والأزمات. ولقد كان للإشاعة دور مؤثر في مسار التغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية وصناعة القرار في العديد من المجتمعات وحتى في تشكيل الوعي ومنظومة القيم بداخلها عبر التلاعب بالعقول وصناعة الكذب خاصة وأنها تنمو وتتطور في بيئة تنعدم أو تضعف أو تتأخر فيها المعلومات الكافية عن موضوعات تهم الجمهور. تنتشر الإشاعة وتجد ضالتها في غياب المعلومة والشفافية والوضوح والصراحة التي تهم الفرد والمؤسسات ومكونات المجتمع بصفة عامة. الشائعة كالنار تسري بسرعة فائقة إذا توافرت لها عوامل الانتشار , فهي تمتاز بالإيجاز والسهولة في التذكر وسهولة النقل والرواية وتزدهر في المجتمعات الضعيفة أكثر مما تنتشر في المجتمع المتماسك المثقف تبعا لطبيعة الاستعداد النفسي , وقد تسري أحيانا بمساعدة الاستجابات الفردية وقد تكون عوامل مواجهة الشائعة سببا في انتشارها وهي بشكل عام تنتشر عن طريق وسائل الإعلام المختلفة وقد تنتشر عن طريق الهمس بين الأفراد أو عن طريق الفكاهة والتندر والثرثرة , فيحاول مروجها تأكيد صدقها وأنه حصل عليها من مصدر مسؤول وإن لديه علما بخلفيات الأمور وقد تنفع الشائعة متلقيها أهمية فيتجه بها بنفس الأسلوب لكي يؤكد حقيقة وجودها , ولعل أكثر أنواع الشائعات رواجا تلك التي تنتشر عن طريق الفكاهة لأنها ترسخ في ذهن السامع ولا ينساها .

1097

| 15 مارس 2017

من أجل توعية أمنية فعالة

تعتبر القضايا الأمنية من أهم التحديات التي تواجهها الدول العربية في القرن الحادي والعشرين لاعتبارات عدة من أهمها ظاهرة العولمة والإعلام الجديد والمجتمع الرقمي والتطورات والتحولات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يشهدها العالم. ناهيك عما أفرزته ثورات الربيع العربي من تداعيات وانعكاسات على مختلف الأصعدة. فالعولمة بمختلف مظاهرها وتجلياتها مست السياسة والإعلام والثقافة والاقتصاد والاجتماع والدين والهوية والعادات والتقاليد مما أدى إلى دمج وصهر دول العالم في بوتقة واحدة تشكل سوقا واحدة وأنماطا استهلاكية متشابهة وقيما معولمة وثقافة واحدة وهوية موحدة ما يعني انهيار وأفول الثقافات المحلية والهويات الوطنية واللغات وغيرها من مقومات الشعوب والأمم على مختلف أعراقها وثقافاتها ودياناتها وقيمها وعاداتها...الخ. فالبث الفضائي المباشر والإنترنيت جعل من العالم قرية واحدة تعكس سيطرة وهيمنة من يصنع التكنولوجيا ومن يتحكم في محتوياتها. فالشبكات الاجتماعية على سبيل المثال غيرت خريطة العلاقات الإنسانية داخل العائلة الواحدة فما بالك القرية والعشيرة والمجتمع المحلي والمدينة والبلد ككل. كل هذا يفرز بيئة جديدة للقضايا الأمنية تتعقد فيها الأمور وتختلط وتصعب مما يعقد الأمور ويزيد من التحديات أمام الجهات المعنية بالقضايا الأمنية خاصة والمجتمع ومكوناته المختلفة بصفة عامة. هذه التحولات محليا وإقليميا ودوليا تتطلب جهودا كبيرة وآليات منهجية منتظمة لمواجهة التحديات العديدة في مجال القضايا الأمنية. ما يعني ضرورة التركيز على التوعية وعلى الآليات العلمية والمتطورة لتحقيق هذه التوعية ولجعل الفرد في المجتمع مسؤولا وواعيا بواجباته إزاء القضايا الأمنية المختلفة سواء تعلق الأمر بالإرهاب أو الجريمة المصدرة أو المخدرات أو إدمان الإنترنيت أو الجرائم الإلكترونية أو شغب الملاعب أو حوادث المرور أو السرقة أو التزوير والقتل أو التلوث البيئي وغيرها من الجرائم المختلفة التي تنتشر في المجتمع يوما بعد يوم. تعتبر التوعية الإعلامية من أهم أولويات الأجهزة الأمنية في الدولة كما أنها لا تقل أهمية عن قطاعات أخرى في المجتمع نظرا لأن موضوع الأمن يهم كل أفراد ومؤسسات المجتمع ولتوفير الأمن يجب كذلك مشاركة الجميع. فالأمن يعتبر العنصر الحيوي في حياة الشعوب وبدونه لا استقرار ولا تنمية شامله ولا ازدهار. فالفرد في المجتمع بحاجة إلى أمن حتى يعيش حياة كريمة وحتى يؤدي واجباته في المجتمع على أحسن وجه. إن الجهل بالقضايا الأمنية والقوانين والتشريعات المتعلقة بها يؤدي إلى انتشار الجرائم وغياب مختلف مكونات المجتمع عن التعاون والمساعدة في توفير الأمن وحمايته بحيث أن الأمن هو قضية الجميع وليس أجهزة الأمن فقط ومن هنا تأتي أهمية البرامج التوعوية والتعليمية من أجل نشر ثقافة أمنية في المجتمع تساعد الفرد ومكونات المجتمع والأجهزة الأمنية والدولة في مواجهة القضايا الأمنية بمهنية وحرفية وتبصر وفي توفير الأمن للجميع. يعتبر الأمن من الحاجات الأساسية للإنسان ويأتي في المرتبة الثانية في هرم الضروريات بعد التنفس والطعام والماء والنوم. فالإنسان بدون أمن لا يستطيع أن ينتج ويبدع ويعيش عيشة طبيعية. فهاجس الأمن يُبقي الإنسان باستمرار في حالة من الخوف والارتباك وعدم الاطمئنان وعدم الثقة في نفسه وفي محيطه. وعندما نتكلم عن الأمن فهناك أنواع وأشكال كالأمن القومي والأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الفكري والأمن الإعلامي والأمن الثقافي والأمن السياسي والأمن الاقتصادي والأمن البيئي والأمن الوظيفي والأمن المالي ...الخ. ولتحقيق الأمن في مختلف هذه المجالات يجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة المعالم تتبناها مختلف مكونات المجتمع . فإذا أخذنا الأمن الإعلامي على سبيل المثال نجد معاناة الإعلام العربي من مشكلات عديدة كالتبعية والتقليد والصور النمطية والتضليل والتشويه...الخ. ونجد أن صورة العرب والمسلمين في وسائل الإعلام الفاعلة في النظام الإعلامي الدولي –الإمبراطوريات الإعلامية الكبيرة- صورة مشوهة ومقترنة بالعنف والإرهاب والتخلف والغطرسة...الخ. والأخطر من كل ما تقدم أن القيم الخبرية في وسائل الإعلام العربية أصبحت مستوردة ولا تعكس واقع المجتمع العربي. كما نلاحظ أن الكثير مما يبث في الفضائيات العربية هو مادة تهدد القيم والعادات والتقاليد والدين الحنيف والنسيج القيمي والأخلاقي في المجتمع. هذا مثال بسيط يتعلق بالأمن الإعلامي وقد يكون الأمر أكثر تعقيدا عندما نتكلم عن مجالات أخرى كالأمن الاقتصادي والأمن السياسي والأمن القومي. ومن هنا يجب التأكيد على أن القضايا الأمنية في المجتمع هي مسؤولية المجتمع برمته ابتداءً من الفرد إلى الأسرة إلى الحي إلى المدرسة فالثانوية فالجامعة فالنادي والمجتمع المدني بمكوناته المختلفة وكذلك المؤسسات وأجهزة الدولة والأجهزة الأمنية والمؤسسات الإعلامية. والأمن هو مفتاح النجاح ومفتاح التنمية المستدامة وكلما أختل أو اهتز كانت الانعكاسات وخيمة على مختلف المجالات. فانعدام الأمن الإعلامي على سبيل المثال هو التبعية والتقليد والانجراف وتفشي وانتشار قيم وعادات لا تمت بصلة لقيم وعادات المجتمع. على مر العصور والأزمنة شكلت القضايا الأمنية هاجسا كبيرا للفرد وللمؤسسة وللدولة وزادت تحديات ورهانات هذا الهاجس أهمية بعد انفجار الثورة المعلوماتية وظهور أنواع جديدة من الجرائم التي أصبحت تهدد أمن الدول سواء كانت فقيرة أو غنية متقدمة أو متخلفة. من بين أهم الوسائل لمواجهة القضايا الأمنية هو اللجوء إلى برامج التوعية بمختلف أنواعها وأشكالها وإشراك المجتمع المدني في البرامج المختلفة من أجل تحصين الفرد في المجتمع بالمعلومات والبيانات والوعي اللازم بهذه القضايا. من أهم الطرق والوسائل لتحقيق التوعية حول القضايا الأمنية حملات العلاقات العامة والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي. والعبرة هنا ليس في الوسيلة بقدر ما هي في التخطيط المنهجي والدقيق والعلمي للعملية برمتها. فالبحث العلمي والتخطيط الاستراتيجي هما أساس نجاح الوصول إلى الجمهور وتحقيق التوعية بالقضايا الأمنية. والمقصود هنا بالبحث العلمي والتخطيط هو عدم التسرع والتركيز على الإلمام بالقضية من مختلف جوانبها وكذلك دراسة الجمهور دراسة متأنية ومحاولة الوصول إليه برسالة يفهمها ويستوعبها وبوسيلة يتعامل معها باستمرار وبوفاء. فالرسالة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الإطار المرجعي للجمهور. من جهة أخرى يجب المتابعة والإدارة الجيدة لعملية التوعية والتركيز على التنفيذ المحكم والدقيق. كما لا يجب أن ننسى عملية التقييم للتأكد من نقاط القوة والنجاح ونقاط الضعف والفشل. ومن أهم عوامل النجاح كذلك إشراك المجتمع المدني ومختلف القوى الفاعلة في المجتمع في الحملات الإعلامية بهدف التوعية الأمنية. فالقضايا الأمنية تهم المجتمع بأسره أفرادا وعائلات ومؤسسات ومن ثم فإن انخراط الأسرة والمدرسة والمسجد والثانوية والجامعة ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف أنواعها أمر لا جدال فيه. على المؤسسات الإعلامية أن تقوم بمسؤوليتها الاجتماعية كما ينبغي ويجب أن تولي اهتماما كبيرا بالقضايا الأمنية وبالوعي الأمني وأن تتعامل معها بحرفية ومهنية وليس بمنطق السبق الصحفي والإثارة وغير ذلك من التفكير التجاري للممارسة الإعلامية. فالأمن أيا كان نوعه ليس للإثارة والتشويق بل هو أهم من ذلك بكثير. وهنا يتوجب على وسائل الإعلام وعلى الأجهزة الأمنية والمجتمع المدني التنسيق والتعاون للتعامل مع القضايا الأمنية بحرفية ومهنية ومسؤولية. كما يجب الإشارة هنا إلى ضرورة الاستثمار في الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي نظرا للإمكانيات الكبيرة والقدرات الهائلة التي تتميز بها لتحقيق التواصل والحوار والنقاش من أجل توعية أمنية فعالة تخدم المجتمع برمته.

4898

| 07 مارس 2017

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

4791

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3477

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2865

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

2670

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2595

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1428

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1407

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1038

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

954

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

831

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

807

| 17 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يحلّق من جديد

في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...

765

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية