رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا يمكن أن نتحدث للأسف، على الأقل من حيث الشكل المنهجي والعلمي، عن وجود إستراتيجيات اجتماعية عربية لمحاربة ظاهرة الإرهاب باستثناء تجربة المملكة العربية السعودية؛ ذلك أن معظم الإستراتيجيات الموضوعة والموجودة لمحاربته تركز تركيزا أساسيا على الإستراتيجية الأمنية – القانونية التي تتجاهل في الكثير من الأحيان بقية الحلول والإستراتيجيات والتي يمكن أن تسهم مباشرة في محاصرة هذه الظاهرة والقضاء عليها، خصوصا وأنها تعتمد على جوانب كثيرة ومتغيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية لا يمكن تجاهلها في تشخيص الداء وتقديم الحلول المناسبة. ورغم أهمية الإستراتيجية الأمنية – القانونية في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه؛ إلا أنها على المدى البعيد ستثبت فشلها وقصورها؛ لأنها تقضي في أحسن الأحوال على مظاهر وتجليات الداء وتؤجل مفعول المشكلة وللأسف للأجيال القادمة. وتبرز الإستراتيجية الاجتماعية كإستراتيجية حتمية لقدرتها وفاعليتها على معالجة الداء من جذوره؛ لأنها تعتمد على آليات الإقناع والتأثير الاجتماعي. فالفرد هو ابن بيئته الاجتماعية يتأثر بها ويؤثر فيها ولا يمكن مهما كان الأمر أن ينسلخ أو يبتعد عنها. لهذا فإن الإستراتيجية الاجتماعية تعمل على فهم طبيعة الأبعاد الاجتماعية للظاهرة، وخصوصيات المجتمع، وطبيعة الجماعات الضاغطة فيه بهدف توظيف كل الطاقات والمجموعات الاجتماعية الحيوية والفاعلة لمحاربته، ومن ذلك مثلا: الأسرة، والمسجد، ووسائل الإعلام والاتصال، والنوادي، والجمعيات الأهلية. إن لهذه المجموعات الاجتماعية تأثيرا عجيبا وكبيرا على أفرادها، وكما يقول أوجست كونت August Kant "المجتمع يطاردنا حتى في النوم"، أي أن مؤسسات المجتمع والمجموعات الاجتماعية لها تأثير كبير على أفكار وسلوكيات واتجاهات بل وعلى كل قناعات وقيم الفرد. ويلتزم الإنسان حسب أوجست كونت بكل ما يفرضه عليه المجتمع من سلوك وأفكار ومعتقدات. إن المجتمع، حسب العديد من مؤسسي علم الاجتماع كابن خلدون وإيميل دوركايم Emile Durkheim، يمارس ضغطا ورقابة وتوجيها مباشرا من خلال القوانين والتشريعات والسلوكيات الرسمية والعامة، أو غير مباشر من خلال الأسرة والأصدقاء والمدرسة والنوادي.
"الإنسان اجتماعي بطبعه" كما يقول ابن خلدون في كتابه "المقدمة" فهو بحاجة ماسة للعيش مع الآخرين، وأن يتقبل ظروف وشروط وأساسيات العيش المشترك الذي يستوجب الالتزام التام بقيم وفلسفة وقوانين وقواعد المجتمع الذي ينتمي إليه. وضمن هذا الإطار تسعى المجتمعات العربية والإسلامية إلى تكريس قيم الأخوة، والتضامن، والتفاعل الإيجابي، والتسامح، والتكافل الذي يضمن لأفراد المجتمع العيش الكريم. ورغم وجود بعض المبادرات العربية المرتبطة بتوظيف واستخدام المؤسسات الاجتماعية والأهلية في محاربة ظاهرة الإرهاب؛ إلا أنها في أغلب الأحيان لا تستخدم لأغراض تكريس الحل الاجتماعي الشامل الذي يأخذ بعين الاعتبار تركيبة وخصوصية المجتمع ودور المؤسسات الاجتماعية في تقديم العلاج الناجع الذي يتطلب ويستوجب فهما صحيحا للمشكلة والآثار المترتبة عنها مستقبلا، سواء على الفرد أو على المجتمع. وقد تبنت بعض البلدان العربية التي عانت أو ما زالت تعاني من ويلات هذا المرض الخطير، كالجزائر، ومصر، والمغرب، والمملكة العربية السعودية، والعراق، واليمن مبادرات اجتماعية ضمن خطط إستراتيجية هدفها توظيف كل الطاقات الاجتماعية الحية والنشطة في المجتمع: كالجمعيات الأهلية، والنوادي المختلفة، والمساجد، والجامعات، والنقابات، والشخصيات الاجتماعية والدينية والسياسية المعروفة من أجل توعية الجماهير العربية بخطورة هذه الآفة الاجتماعية وجعل الجماهير ترفض هذا السلوك وكل من يتبناه أفرادا أو جماعات.
كما سعت مختلف هذه البلدان العربية لتبني عدة إستراتيجيات اجتماعية لتوعية الجماهير بضرورة المشاركة المباشرة في عملية محاربة الإرهاب، إما من خلال التبليغ عن الجماعات الإرهابية، أو من خلال رفض كل الأفكار والسلوكيات التي قد تؤدي إلى العدوان على الممتلكات الخاصة أو العامة. وفي الكثير من الأحيان قامت العديد من الجهات والمنظمات الاجتماعية والسياسية والدينية في بعض الدول العربية: كالجزائر والمغرب ومصر واليمن بتنظيم مظاهرات ومسيرات احتجاجية للدفاع عن وحدة المجتمع ومؤسساته حاملة شعارات منددة بخطورة الوضع ووحشية وهمجية الأعمال والأفكار الإرهابية والعدوانية. كما ركزت معظم هذه المظاهرات على أهمية تصدي أفراد الشعب جميعا لهذه الظاهرة، لأنها تمس بوحدة وسلامة ومستقبل المجتمع. وتستخدم وسائل الإعلام الجماهيرية في الوطن العربي بشكل كبير في هذه العملية، وذلك على مستويات عدة، أهمها: إبراز خطورة الظاهرة والدعوة لرفضها جملة وتفصيلا وتستخدم عدة مواد إعلامية لتحقيق ذلك: كالنشرات الإخبارية، والبرامج الحوارية، والندوات والمناقشات مع العلماء والشخصيات المعروفة اجتماعيا وهذا لما لهم من تأثير كبير على الجمهور وفي عملية صناعة الرأي العام. كما تستخدم وسائل الإعلام الجماهيرية في إبراز المشاركة الكبيرة والفعالة للجماهير الرافضة للسلوك الإرهابي وكل ما له صلة به، وهذا ببث صور التضامن الاجتماعي ومشاركة كل الفئات والمؤسسات والجمعيات والجماعات الاجتماعية في مشروع محاربة ظاهرة الإرهاب. وتقوم وسائل الإعلام الجماهيرية العربية بتغطية كل المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات والتجمعات الاجتماعية الرافضة للإرهاب مما يزيد من فضح عيوب الإرهابيين وتبرز مدى بعدهم عن القيم التي يؤمن بها المجتمع العربي ونبذ المجتمع العربي للأفكار الإرهابية والعدوانية. لا يمكن نفي وجود بعض التجارب والنماذج الإعلامية في محاربة ظاهرة الإرهاب في الوطن العربي؛ إلا أنها في أغلب الأحيان تفتقد للتخطيط والتنظيم والتنسيق، فهي تظهر وتنشط في مرحلة ما وتختفي في مراحل عدة؛ إذ لا يتم استخدام الحملات الإعلامية والتوعوية، إلا في الفترات التي تشهد أحداث وعمليات إرهابية وعدا ذلك فلا وجود ولا متابعة إعلامية للموضوع.
تجربة وسائل الإعلامية الرسمية والتي تتمثل في القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية الرسمية التابعة للحكومات العربية تشير إلى التزام هذه المؤسسات التزاما حرفيا بالخطاب الرسمي والدفاع عن وجهة نظر الحكومات ومصلحة الوطن. ولقد قدمت مواد إعلامية كثيرة لا يمكن حصرها تبرز فيها مختلف جوانب الظاهرة وخطورتها على مستقبل الفرد والمجتمع. وبشكل عام، فإن معظم ما تقدمه هذه الوسائل من مضامين وبرامج وتغطيات إخبارية يكاد لا يخرج عن المألوف، أي أن المادة الإعلامية مقدمة بشكل كلاسيكي وروتيني بعيدة عن الإبداع والإثارة والتشويق، وهذا ما جعل نسبة كبيرة من الجمهور العربي تتجه نحو القنوات ووسائل الإعلام العربية الخاصة أو الأجنبية. إن وسائل الإعلام العربية الرسمية لم تستطع فهم التحديات التي تواجهها في عصر العولمة وبقيت تفكر وتسير بعقلية القرن الماضي حيث لا وجود للمنافسة. إن معظم هذه المؤسسات تفتقد للحرفية والمهنية والتميز مما يجعلها أداة ضعيفة وغير قادرة على تقديم المضامين الإعلامية المتميزة لمحاربة ظاهرة الإرهاب بحرفية. كما أن البعض منها لا يملك الخطط والبرامج الإعلامية لمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه. والملاحظ على هذه الوسائل أنها لا تقدم مضامين متميزة ومتنوعة لغرس قيم السلم والوئام المدني وتوعية الجمهور بأخطار الإرهاب، إذ يمكنها أن تنتج أفلاما ومسلسلات درامية وبرامج حوارية ورسائل إعلانية وتوعوية متميزة باستخدام أحدث التكنولوجيات.
إن محاربة ظاهرة الإرهاب هي مسؤولية هذه المؤسسات التي تملك الإمكانات التقنية والبشرية والمادية. وفي حقيقة الأمر، فإنه لا يمكن إحداث تغيير في العقليات والسلوكيات والممارسات الاجتماعية ونبذ العنف وغرس قيم السلم من دون توظيف وسائل ورسائل إعلامية مقنعة ومؤثرة. كما أن محاربة هذه الظاهرة لا تكون آنية بتغطيات إخبارية فورية فقط، بل تحتاج إلى خطط وبرامج إعلامية مدروسة تأخذ بعين الاعتبار حاجات ورغبات وميول المتلقي، وتسعى لإحداث تغيير في العقليات والأفكار والسلوك على المدى الطويل. وهنا تظهر الحاجة لمعرفة الأبعاد النظرية والخلفية الفكرية التي تقوم عليها الإستراتيجية الإعلامية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6540
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6423
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3138
| 23 أكتوبر 2025