رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إيقاف ابن الملاكم الأسطورة محمد علي في مطار بفلوريدا لمدة ساعتين لأنه مسلم وإضرام النار في المساجد وخطاب يخلو من الدبلوماسية واللباقة للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب يعلن فيه الحرب على العرب والمسلمين، ومرشحة حزب الجبهة الوطنية للانتخابات الرئاسية الفرنسية ماري لوبان تجعل من أولى أولوياتها، إن نجحت في الظفر بكرسي الرئاسة الفرنسية، التخلص من المسلمين الذين يصلون في الشوارع في المدن الفرنسية المختلفة على حد قولها. جو عدائي يميزه الحقد والكراهية والعدوان ضد الآخر بعيدا عن ما سمعناه في عدة مناسبات عن خطاب حوار الحضارات والتدافع والتكامل والتسامح. الاعتداءات على العرب والمسلمين تضاعفت منذ مجيء ترامب إلى الحكم وساءت أوضاع المسلمين والكثير من الأقليات في عدد من الدول الأوروبية. في السنوات الأخيرة الأمور لا تبشر بالخير لكل من يؤمن أن هناك آمالا للتخلص من العنصرية القائمة على الدين والعرق والجنسية. فالأمور حسب المتخصصين تزداد سوءا يوما بعد يوم في ظل خطاب إعلامي وسياسي همه الوحيد هو نشر ثقافة الكراهية والحقد والعنصرية في عالم معولم وفي مجتمعات تميزها التعددية الثقافية والدينية والعرقية.. إلخ. فمنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 انتشر وبصفة خطيرة الإرهاب الفكري الذي تمارسه الآلة الإعلامية الغربية على عقول الناس والبشر و الرأي العام، حيث أصبحت كلمة العرب والمسلمين مرادفة للإرهاب والجهل والتعصب وإقصاء الآخر وأصبحت وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها تنسج وتبني صورا نمطية وأنظمة فكرية ومعتقدات تجعل من العربي ومن المسلم عدوا للإنسانية وللبشرية وللأخلاق وللقيم السامية. والغريب في الأمر أن الآلة الإعلامية الغربية لم تطرح أسئلة جوهرية في تعاملها مع أحداث نيويورك وواشنطن، أسئلة هامة ومحورية لو طرحت ستساعد من دون شك على اكتمال الصورة الحقيقية لخلفيات الأحداث وتداعياتها. لماذا ضرب الإرهاب أمريكا دون سواها؟ لماذا لم تتحرك الآلة الأمريكية الغربية عندما كانت دول مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا تؤوي إرهابيين من مختلف الدول والجنسيات تحت ستار اللجوء السياسي وحقوق الإنسان وحرية التعبير وغير ذلك...؟ لماذا لم تتفاعل الآلة الإعلامية الغربية مع إرهاب الدولة الذي يمارسه الكيان الصهيوني يوميا على الشعب الفلسطيني؟ وهل تستطيع أمريكا اجتثاث الإرهاب والقضاء عليه بالعنف والقتل وفرض وجهة نظرها على باقي شعوب العالم كما يحلو لها. هل الحل الأمثل لمعالجة الإرهاب هو العنف والقوة؟ هل تطرقت الآلة الإعلامية الغربية للأسباب الحقيقية للإرهاب؟ هل تساءلت الآلة الإعلامية الغربية عن من هو الذي صنع بن لادن والأفغان العرب و"المجاهدين" والجماعات الإسلامية المسلحة و"الأمراء" وغيرهم؟ وهل هؤلاء يمثلون الإسلام والمسلمين؟ هل ناقشت وسائل الإعلام التناقضات الموجودة على مستوى العلاقات الدولية السياسية منها والاقتصادية؟ كيف تجرؤ هذه الآلة الإعلامية العالمية على تفريغ قضايا وأحداث ومشاكل من محتواها الحقيقي ومن جوهرها وتركز على الشكل والقشور فقط؟ إلى متى تبقى وسائل الإعلام العالمية تتلاعب بعقول الناس وبمصيرهم؟ إلى متى تبقى هذه الوسائل تفبرك الواقع وتبث الرعب والخوف في نفوس البشر في مختلف أنحاء المعمورة؟
327
| 27 فبراير 2017
28 سنة مرت على تاريخ تأسيس اتحاد المغرب العربي بمدينة مراكش المغربية، سنة 1989، اتحاد أرادت من خلاله شعوب ودول المنطقة الخمس تنمية وتطوير التعاون الإقليمي ومواجهة أوروبا الشريك الرئيسي لبلدان المغرب العربي، وكذلك التكتلات الجهوية والإقليمية والدولية. إلا أن هذه السنوات الطوال بعد التأسيس بقيت «سنوات عجاف»، ولم يكتب للحلم أن يتحقق نتيجة اعتبارات عدة، وبقي في أدراج البيروقراطية والخلافات والنزاعات الأيديولوجية وكذلك نقص الرؤية وإستراتيجية العمل المشترك. فجمدت مؤسسات الاتحاد، كما لم تعقد أي قمة على مستوى رؤساء الدول منذ قمة تونس عام 1994. في السابع عشر من فبراير 1989 أعلن زعماء دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا في مدينة مراكش المغربية قيام اتحاد المغرب العربي، ونصت معاهدة إنشاء الاتحاد المغاربي على توثيق أواصر الأخوة التي تربط الأعضاء وشعوبهم بعضهم ببعض، وتحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتهم والدفاع عن حقوقها، والمساهمة في الحفاظ على السلام القائم على العدل والإنصاف، كما نصت المعاهدة على انتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجيًا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها. وأشارت وثيقة المعاهدة إلى أن السياسة المشتركة تهدف إلى تحقيق الوفاق والوئام والتفاهم بين الدول الأعضاء وإقامة تعاون سياسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار وصيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء، وتحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم من وسائل لهذه الغاية، خصوصًا من خلال إنشاء مشاريع مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية تحقق التكامل بين الدول الخمس. بقيت الأهداف حبرًا على ورق رغم تزايد الحاجة إليه في عالم تحكمه التكتلات السياسية والجغرافية والاقتصادية. فمؤسسات الاتحاد التي تم تجميدها بقرار من المغرب احتجاجًا على السياسة الجزائرية المناوئة لمصالحه (الصحراء الغربية) لم تفعل حتى الآن. تبلغ مساحة دول اتحاد المغرب العربي مجتمعة حوالي 5.782.140 كلم² وتشكل ما نسبته 42% من مساحة الوطن العربي، وتشكل مساحة الجزائر وحدها ما نسبته 41% من مساحة الاتحاد، ويبلغ طول الشريط الساحلي حوالي 6505 كلم، أي 28% من سواحل الوطن العربي بأكمله. ويصل إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول اتحاد المغرب العربي إلى نحو 400 مليار دولار أمريكي بأسعار السوق الجارية، وهو ما يعادل 32% من إجمالي الناتج المحلي للوطن العربي تقريبًا، ويشكل الناتج المحلي للجزائر ما نسبته 43% تقريبًا من الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد، في حين لا يتعدى نصيب موريتانيا 1.3%. ويصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في دول الاتحاد إلى 4865 دولارًا في السنة، ويتفاوت هذا الرقم بين أعضاء الاتحاد، إذ يصل نصيب الفرد في ليبيا إلى 8900 دولار في السنة، في حين لا يتعدى نصيب الموريتاني 2000 دولار في السنة، لا تمثل المبادلات التجارية بين البلدان المغاربية إلا 2% من قيمة معاملاتها الخارجية وهذا تناقض صارخ لدول يجمعها اتحاد، وهو الرقم الأضعف في العالم إذا نظرنا إلى حجم المبادلات التجارية بين بلدان المنطقة الواحدة كبلدان الاتحاد الأوروبي أو بلدان جنوب شرق آسيا أو بلدان أمريكا اللاتينية. ويعود فشل تحقيق أهداف اتحاد المغربي العربي إلى عدة أسباب يتعلق بعضها بطبيعة الاقتصاد لكل بلد، وبعضها الآخر بالأيديولوجيا والثقافة وبعضها الآخر بالتاريخ والمؤسسات الموجودة.. فلا يوجد تماثل بين دول المغرب العربي اقتصاديًا، بل توجد اختلافات جوهرية؛ فالجزائر وليبيا مثلًا تشتركان في اعتماد اقتصادهما على تصدير المحروقات من نفط وغاز الذي تتجاوز نسبته من التصدير الإجمالي الــ 90%، أما المغرب وتونس وموريتانيا فيعتمدون أساسًا على قطاعات الفلاحة والصناعة وبخاصة الخدمات التي ترتكز على السياحة، وتعيش هذه البلدان، تونس والمغرب بالأساس، تنافسًا شديدًا فيما بينها، فهي تعتمد في مبادلاتها التجارية على السوق الأوروبية، حيث نجد تنافسًا كبيرًا بين المغرب وتونس في قطاع السياحة وتصدير الفوسفات والمنتج الفلاحي والأنسجة. ويعتبر مشكل الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب من الأسباب الرئيسية لفشل هذا الاتحاد، وكان لتخلي إسبانيا عن الإقليم بموجب اتفاقية مدريد عام 1957 وإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 بحق شعب الصحراء في تقرير المصير والاستقلال وظهور جبهة البوليساريو كقوة عسكرية تحصل على الدعم من الجزائر قد جعل من قضية الصحراء الغربية من أهم أسباب عدم الاستقرار في العلاقات المغاربية عامة والعلاقات المغربية - الجزائرية خاصة، وأن إحاطة الإقليم بأقطار لكل منها مشاكله مع الآخر قد عقّد المشكلة وجعل منها منطقة تنازع بين كل من المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو. كما يتميز اتحاد المغرب العربي بتعدد معوقاته المؤسساتية الناجمة عن الطبيعة المتخلفة للمعاهدة المؤسسة له مما جعله عرضة لأي خلاف سياسي بين الدول الأعضاء، خاصة فيما يتعلق بمبدأ الإجماع لتمرير أي قرار، فأحكام معاهدة مراكش تشترط موافقة وتوقيع كل الدول الأعضاء لتنفيذ أي اتفاقية تم التوقيع عليها، هذه الآلية عطلت وتعطل العمل المغاربي المشترك، فمن بين 37 اتفاقية وُقعت في إطار اتحاد المغرب العربي صادقت الجزائر على 29 وصادقت تونس على 27 وصادقت ليبيا على أقل من ذلك، في حين لم يصادق المغرب إلا على خمس اتفاقيات فقط، وعليه لم تدخل حيز التنفيذ إلا تلك الاتفاقيات الخمس، ولذا تقترح دول مثل الجزائر تعديل هذه الآلية بطريقة تسمح بتنفيذ الاتفاقيات بمجرد تصديق غالبية الدول عليها، وقد درس الوزراء في اجتماعهم في مارس 2001 في الجزائر اقتراح تعديل المعاهدة المؤسسة واستبدال مبدأ الأغلبية في اتخاذ القرارات بقاعدة الإجماع، ولكن هذه القضية أحيلت إلى لجنة فنية للبحث فيها في انتظار انعقاد قمة مغاربية. إن تحقيق اتحاد المغرب العربي هو أقصر الطرق لمواجهة هذه التحديات. إذن لماذا المماطلة؟ بعض “الخبراء” يؤكدون أن تحقيق الوحدة الاقتصادية للمغرب العربي يقوم على حل المشاكل السياسية العالقة بين الدول الأعضاء، خاصة قضية الصحراء الغربية التي تشكل المعوق الرئيسي لأي بناء مغاربي. إن التضامن في مواجهة التحديات الاقتصادية في كل بلد من شأنه أن يؤدي حتما إلى تسوية النزاعات السياسية. عادة المصالح الاقتصادية المشتركة تساعد في "حلحلة" الخلافات السياسية. ومن الأمثلة على التكامل الاقتصادي الإقليمي في العالم، وليس أقلها أهمية هو الاتحاد الأوروبي الذي شهد في بدايته صراعا حادا ومشاكل كبيرة بين ألمانيا وفرنسا، لكن في النهاية سادت الرشادة الاقتصادية والبراجماتية التي هزمت السياسة لصالح مصلحة الشعوب الأوروبية.. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: لماذا لا تستفيد دول الاتحاد المغاربي من تجارب الآخرين؟
3045
| 19 فبراير 2017
أثار الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ولا يزال يثير الكثير من الجدل والنقاش، كما شغلت أخباره وتصريحاته ومواقفه مساحات كبيرة على صفحات الجرائد ونشرات الأخبار، وهذا منذ بداية حملته الانتخابية إلى يومنا هذا. ومن أهم الانتقادات التي وجهت للرئيس الجديد مواقفه العدوانية من الصحفيين ووسائل الإعلام، وهذا خروج صريح على تقاليد وأعراف الرئاسة الأمريكية مع المنظومة الإعلامية التي تعتبر العمود الفقري وأساس الديمقراطية. فالأمريكيون يتغنون دائما بالإعلام كسلطة رابعة وككلب الحراسة والمؤسسة التي تراقب وتخبر وتنتقد وتكشف عيوب النظام. كما يفتخر الأمريكيون بالتعديل الأول في دستورهم حيث إنه يحمي الصحافة من تدخل الحكومة في مهامها وعملها ولهذا نلاحظ أن معظم الرؤساء الأمريكيين يحسبون ألف حساب عند تعاملهم مع وسائل الإعلام خاصة الصحفيين المعتمدين لدى البيت الأبيض. فمعظم الرؤساء السابقين كان ينادي الصحفيين بأسمائهم ويعاملهم بلطف ولباقة واستحسان. بالنسبة لدونالد ترامب ومنذ حملته الانتخابية اختلف الأمر تماما ولوحظ أن الرجل بغطرسته يعامل الصحفيين بعداء واستفزاز ويتهم المؤسسات الإعلامية بالكذب والنفاق وغير ذلك من الصفات والنعوت التي تخرج عن الكياسة والأخلاق. وأخطر من هذا أصبحت صور الرئيس الأمريكي في الصحافة الصفراء ومجلات الإثارة وشبكات التواصل الاجتماعي تنتشر بسرعة فائقة. وتقدم الرئيس في حالات ومواقع أقل ما يقال عنها أنها لا تليق برئيس دولة وأي دولة الولايات المتحدة الأمريكية؟ من جهة أخرى يلاحظ على الرئيس الأمريكي الجديد اختراقه وعدم احترامه للمبادئ الأساسية التي تقوم عليها أمريكا وهي البلد الذي اشتهر باحترام الأقليات وحقوق الإنسان وحرية الرأي والفكر والتدين واحترام الأجناس والأعراق. فقرار ترامب بمنع رعايا سبع دول عربية ومسلمة من دخول أراضي الولايات المتحدة الأمريكية بطريقة تعسفية وغير شرعية وغير قانونية أذهل الأمريكيين قيل شعوب العالم قاطبة. فالقرار غير دستوري وغير قانوني ولا أدلة دامغة للرئيس المثير للجدل لحرمان ملايين البشر من دخول أمريكا وقانون أمريكا يخوّل لهم ذلك. لكن القضاء الأمريكي جاء أقوى من الرئيس المتجبر ووقف له بالمرصاد. رفضت محكمة الاستئناف الأمريكية طلبًا تقدمت به إدارة الرئيس دونالد ترامب لإعادة تفعيل حظر السفر، وذلك بعد أيام من إصدار القضاء الفيدرالي حكمًا بوقف تنفيذ الحظر بشكل مؤقت. وكانت وزارة العدل الأمريكية طعنت على حكم أصدره القضاء الفيدرالي، في فترة سابقة، بوقف العمل مؤقتًا بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حظر دخول اللاجئين ومواطني 7 دول ذات غالبيـــة مسلمــــة للولايات المتحــــدة. وقالت وسائل إعلام أمريكية إن وزارة العدل قدمت طعنًا في الحكم الذي أصدره القاضي الفيدرالي في مدينة سياتل بولاية واشنطن جيمس روبرت. وبحسب وكالة «أسوشييتد برس» الأمريكية. فقد طلبت دائرة محكمة الاستئناف التاسعة في سان فرانسيسكو، من ولاية واشنطن وإدارة ترامب، تقديم مزيد من الحجج ومن شأن هذا الرفض أن يسبب معارك قانونية تستمر حتى الأسبوع المقبل على الأقل، بحسب الوكالة. وفي الوقت الذي تطعن فيه وزارة العدل على الحكم، بدأت وزارتا الأمن الداخلي والخارجية بتنفيذه، وعلقتا العمل بقرار ترامب. تتميز السياسات والقرارات التي يتخذها الرئيس الأمريكي الجديد، بعد حملة انتخابية سيطرت عليها الخطابات العنصرية المتغطرسة والمتعجرفة والتي تتسم بالتمييز والتفرقة والعنصرية بكونها بعيدة عن المهنية والحرفية حيث تنم عن جهل بأعراف وتقاليد ودستور البلاد. الرئيس الجديد دخل مباشرة بعد توليه الحكم في صراعات داخلية مع المجتمع المدني والمؤسسات الرسميـــــة للولايات المتحدة الأمريكيــــة فهو يحكم البلاد ولا فرق بينـــــه وبين أي دكتاتـــــور أو حاكم متسلط ومتجبر من الدول السلطوية وجمهوريات الموز. الرئيس الجديد يتخذ موقفا من المهاجرين والمهجّرين، وصولا إلى تحديد دولٍ بعينها يوقف دخول أي من أبنائها إلى الولايات المتحدة، مهما كان له سند قانوني في الوجود وفي الإقامة وفي الاستقرار داخلها،. قرار الحظر الذي جاء به ترامب يتناقض جملة وتفصيلا مع التقاليد الأمريكية التي تؤكد أصالة المجتمع الأمريكي، باعتباره مجتمع أقليات ومجتمع الفرص والأجناس والأقليات المختلفة في العالم، المجتمع الأمريكي يعتبر بوتقةٍ لصهر التنوع والاختلاف، في نظام فيدرالي. نظام يمثل نموذجا للاستيعاب، لا للإقصاء والاستبعاد. على خلاف كل هذه المعطيات. يأتي ترامب ليقدم نموذجا مختلفا تماما ضمن خطابه العنصري، الاستفزازي والمثير للجدل ليس على مستوى النظام الدولي وإنما داخل أمريكا نفسها. سلوك ترامب غير الواعي وغير المسؤول يشجع على صعود اليمين الديني في الغرب، ومرشحة اليمين للرئاسيات الفرنسية مارين لوبان لخير دليل على ذلك. تصرف ترامب يتسم بمزيد من العنصرية والمعاملة التمييزية، بل وصد كل الأبواب في وجه المهاجرين، من دون أي اعتبار لأحوالهم الإنسانية. ظل هذا الخطاب يشكل حالة تهدّد المنظومة العالمية بأسرها. ومن هنا، كانت تلك المفارقة في كتاباتٍ، يتحدث بعضها عن انتقاد للديمقراطية في أساسها، والنظام الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية الذي جلب لهم، في النهاية، شخصًا مثل ترام، لا يقيم وزنا للأصول والمبادئ التي يقوم عليها النظام، ولا حتى لاتفاقات دولية. ومن هنا، كان الوجه الآخر للديمقراطية قيام حالة احتجاجية واسعة في مظاهراتٍ منتشرة في بلاد الغرب، وفي ميادين الولايات المتحدة الأمريكية، لتؤكد جانبا آخر من الممارسة الديمقراطية، وتناوبت ممارسة التشكيك في الديمقراطية، ليس فقط في قيمها، ولكن في قيمتها وإجراءاتها، والنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها، حيث إنها تهدّد كيان الدول، بل يمكن أن تهدد أسس تلك المجتمعات أو تنقضها. ورغم أن الدول العربية والإسلامية هي المستهدفة ضمن خطاباتٍ عنصرية تتعلق بـ»الإرهاب الإسلامي»، وبقراراتٍ تخص منع مواطني سبع دول عربية وإسلامية من دخول الأراضي الأمريكية، إلا أن ردود الأفعال كانت منعدمةً، وكأن الأمر لا يخص تلك الدول، ولا يضر بمواطنيها، والحقوق التي تترتب على ذلك، في حركة الأشخاص من وإلى الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن بعض قيادات تلك الدول تحدّث، بشكل أو بآخر، عن تفهم قرارات ترام، احتجاجات شعبية واسعة في الغرب، وتظاهرات تدافع عن حقوق العرب والمسلمين، بينما في دول الاستبداد العربي تمارس هذه الدول أقصى درجات تواطؤ الصمت. حيث صرح البعض أنه «لا يحق للسوريين إفساد أمريكا بعد ما أفسدوا بلدهم».بعض الدول العربية تعبر في خطاباتها، عن تفهمها تلك السياسات وتتعاطف مع ترام وتدافع عن قراراته ومواقفه في حين نلاحظ المجتمع المدني الأمريكي يتظاهر في مختلف المدن ويستنكر القرارات غير المسؤولة والعنصرية لرئيسهم.
326
| 13 فبراير 2017
"لا تكن وقحا"، تخرج الجملة قصيرة، صارمة. "لا تكن وقحا" تُعاد الجملة مرة ثانية، هذه المرة تأتي النبرة أعلى بقليل، تخرج صارمة أكثر، تنزل العبارة من على منصة الرئيس المنتخب دونالد ترامب متوجهة إلى مراسل قناة "سي أن أن"، يسكت الأخير منصاعا مندهشا مذهولا وسط تهليل بعض الحاضرين في القاعة المأجورين من قبل حاشية الرئيس. هكذا يُمنع المراسل من طرح سؤاله وتعلق جملة واحدة قالها سيد المنبر: "وسائل إعلام مفبرِكة". من الواضح ان لترامب ميولاً ونزعات أوتوقراطية تسلطية ممزوجة بعنجهية وغطرسة لا يتقنها إلا دونالد ترامب، كما ان نرجسيته المفرطة تجعله بالغ الحساسية ليس فقط تجاه النقد، بل أيضاً تجاه الحقائق. وهجماته المتكررة على كبرى الصحف مثل "النيويورك تايمز" و"الواشنطن بوست" وشبكات التلفزيون الرئيسية - باستثناء "فوكس" التي يثني عليها - هي في الواقع هجمات على الدستور الأمريكي وتحديداً التعديل الأول للدستور والمتعلق بصون الحريات الفردية: حريات التعبير والمعتقد والتجمع وغيرها، وهي في جوهر الديموقراطية الليبرالية. حرب ترامب على الإعلاميين وأكاذيبه الواضحة، فرضت على الصحافيين المحترفين مناقشة سبل التعامل مع هذا الخطر الذي يهددهم جميعا. التيار المتنامي يدعو إلى مواجهة ترامب مهنياً والتضامن مع الصحافيين الذين يستثنيهم للتجريح والاهانات ورفض السماح لهم بطرح الاسئلة عليه، كما جرى مع مراسل شبكة "سي أن أن" في المؤتمر الصحافي الاول. وبينما كان المحررون يصفون أكاذيب ترامب بأنها "مبالغات" أو القول إنه لا يقول الحقيقة، لوحظ في الأيام الأخيرة تغييرا ملحوظا حين بدأت صحف كبيرة مثل "النيويورك تايمز" تصف تصريحات ترامب في عناوينها بأنها "كاذبة". حتى الاوتوقراطي ترامب سوف يجد في الصحافة الأميركية رقيباً لا يستهان به. لا ديمقراطية بدون صحافة ولا رأي عاما قويا وفعالا بدون صحافة حرة. من أهم المصطلحات التي ظهرت في أدبيات الصحافة والإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية في القرنين الماضيين " كلب الحراسة" watchdog press، والسلطة الرابعة والتعديل الأول. تعود فكرة وصف الصحافة بكلب حراسة إلى ما قبل أكثر من 200 سنة. ولا تزال فكرة الإعلام اليقظ الذي يقوم بمراقبة الحكومة وفضح تجاوزاتها تحظى بالمزيد من الاهتمام في أجزاء كثيرة من العالم. إن العولمة وسقوط الأنظمة الاستبدادية والاشتراكية عملت على تغذية الاهتمام المتجدد بوظيفة الكلب الحارس للإعلام. يؤكد المنظرون الليبراليون الكلاسيكيون منذ نهاية القرن السابع عشر أن انتشار الأخبار و المعلومات والشفافية يوفران الحماية الأفضل من تجاوزات السلطة.
789
| 06 فبراير 2017
أثار خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء حفل تنصيبه، الكثير من الانتقادات والقلق والانزعاج بسبب ربطه الإرهاب والتطرف بالدين الإسلامي حصرًا، وتعهده بالقضاء عليه واقتلاعه من على وجه الأرض. وبدا أن المقلق والمزعج في الخطاب والذي انتقدته مجموعات واسعة من الديمقراطيين والمسلمين في أمريكا على اختلاف توجهاتها، أنه عَمِد إلى إظهار الإرهاب متعلقًا بالدين الإسلامي دون غيره، وهو دين مليار و600 مليون نسمة يعيشون ويسكنون مختلف دول العالم، وربما قد يكون هو الديانة الأولى في العالم من حيث الانتشار والتوسع؛ وهو ما يعني توجيه رسائل متضاربة للأمة الإسلامية. الكلمات المثيرة للجدل ركزت عليها "الواشنطن بوست" بالقول مع ثلاث كلمات مثيرة بارزة في الخطاب، تعهد فيها ترامب بمحاربة الإسلام الراديكالي، وهي الكلمات التي رفض الرئيس باراك أوباما من قبله استخدامها. وبحسب الصحيفة، كان باراك أوباما قد حذّر الرئيس الأمريكي ترامب والجمهوريين من استخدام هذه العبارات التي ستساعد المتطرفين على خلق انطباع بأن أمريكا تخوض حربًا ضد الإسلام. علق الاختصاصيون على خطاب ترامب بالتركيز على كلمة "الإسلام الراديكالي" التي لم تستعمل من قبل الرؤساء الأمريكيين السابقين مما يعني أن الرئيس الأمريكي الجديد ومستشاريه بعيدون كل البعد عن الدبلوماسية العامة واللغة التي يستعملها الجميع عند الكلام عن محاربة الإرهاب. وإنه من الخطأ الكبير ربط الإسلام والإرهاب وعدم التمييز بين الإسلام كدين وأولئك الذين يستغلون الإسلام ويشوهونه لتحقيق مصالحهم الضيقة. من جهة أخرى تقول الدراسات المختلفة إن جرائم الكراهية التي سجلت في الأسبوع الأول بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية بلغت 3155، كلها ضد المسلمين والمهاجرين. وكشف مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) منتصف نوفمبر الماضي أن أعمال الكراهية تجاه المسلمين عام 2016 تجاوزت تلك المسجلة في 2015 الذي كان الأسوأ منذ 2001. وأوضح المجلس أن عدد المساجد التي تعرضت للاعتداء في الولايات المتحدة في 2016 تجاوز 788، وهو الرقم نفسه المسجل عام 2015 وفي 2015 سجلت الولايات المتحدة 250 جريمة كراهية ضد المسلمين، وهو أعلى مستوى منذ 2001 وتقول ليل هيندي الباحثة في مؤسسة القرن -وهي مؤسسة بحثية أمريكية غير حزبية- إن جرائم الكراهية ضد المسلمين ارتفعت في 2015 بنسبة 70%، كما شهدت طفرة أخرى مع خوض دونالد ترامب انتخابات الرئاسة الأمريكية مستندا إلى خطاب شعبوي يدعو لمنع المسلمين من دخول البلاد، فمباشرة بعد توليه الحكم صادق ترامب على قرار منع مواطني سبع دول مسلمة من دخول التراب الأمريكي أن هذه الصورة عن الإسلام هي صورة مضللة؛ لأن تلك الجماعات الإرهابية لا تمثل الإسلام ولا علاقة لها بالإسلام وإنما تمثّل نفسها وتعكس تصورها الخاطئ وفهمها الاستغلالي والانتهازي للإسلام ومبادئه السمحة. كما أن هذه التوجهات تلقى مزيدًا من العبء على مسلمي أمريكا للقيام بنشر الصورة الصحيحة للإسلام والرد على الأكاذيب والاتهامات التي تصف المسلمين بأنهم يعتنقون دينًا إرهابيًا؛ وذلك بنشر إنجازاتهم وإسهاماتهم في الوطن الأمريكي؛ لإثبات أن مسلمي أمريكا هم مواطنون حقيقيون ويبذلون أقصى جهودهم في خدمة الوطن واحترام القوانين والقيم التي تحكم المجتمع الأمريكي.
519
| 28 يناير 2017
يتساءل الشارع العربي من المحيط إلى الخليج عن مرحلة ما بعد الثورات الشعبية أو ما يسمى بالربيع الربيعي وهل ستشهد المنطقة تغييرات جذرية على مستوى الممارسة السياسية والديمقراطية والتنمية المستدامة في السنوات القادمة أم أن الأمور ستبقى على حالها في غياب مجتمع مدني فعال وفضاء عام يفرز سوقا حرة للأفكار تساهم في الحراك السياسي وفي مراقبة الفساد والدكتاتورية والتسلط. فالفضاء العام هو البيئة المثلى لتغيير الذهنيات والانتقال من مرحلة الفساد وسوء الإدارة والبيروقراطية إلى مرحلة جديدة تقوم على آليات الحكم الراشد والديمقراطية ومشاركة المجتمع المدني في صناعة القرار. مرحلة جديدة تحتاج إلى فرد بذهنية جديدة مسؤول، يلعب دوره على أحسن وجه في المجتمع يعي حقوقه وواجباته. ظهرت في بداية التسعينيات اتجاهات فكرية غربية تبشر بتغيرات إيجابية في الاتصال السياسي في العالم العربي كنتيجة لانتشار التكنولوجيات الحديثة للاتصال والإعلام والمعلومات التي أفرزت فضاء عاما أكثر ديمقراطية وأكثر مشاركة ومساهمة في مناقشة قضايا الشعب والمجتمع والشأن العام. تميزت هذه الأطروحات في مجملها بانحيازها للجهود التي تقوم بها الدول الغربية لإحداث التغيير والإصلاحات الديمقراطية في منطقة تحكمها منذ زمن بعيد أنظمة سلطوية. يستحيل الكلام عن فضاء عام عربي خارج إطار حدود التنمية المستدامة والمشاركة السياسية الديمقراطية والعادلة في المجتمعات العربية. يرى بعض المحللين أن "الإسلاموقراطية" كمبدأ وكمفهوم هو السبيل الأمثل لتحقيق الفضاء العام العربي الجديد والذي يقوم على القيم الأخلاقية الإسلامية والممارسات السياسية المعاصرة. المبدأ الجديد يحقق الاتصال البيني بين الدول العربية نفسها ويجسد الحوار بينها وبين الثقافات المختلفة في العالم. يلعب الإعلام العربي دورا محوريا في إثراء الفضاء العام من خلال تعزيز الهوية الثقافية والمشاركة السياسية في المجتمعات العربية، كما أنه لا يمكن البحث عن إطار واضح المعالم لإعلام عربي بهوية متماسكة دون التأسيس لنظرية اجتماعية وسياسية تقوم على النسيج القيمي العربي الإسلامي والتقاليد المعاصرة في المشاركة السياسية والاجتماعية في إطار مجتمع مدني فعال وديناميكي، لأن الإعلام لا يعمل في فراغ، بل يجسد دائما الرؤى الفكرية والثقافية السائدة في المجتمع في إطار منظومة واضحة ومتكاملة تقوم على منهج متناسق ومتكامل يجمع ما بين الأصالة ممثلة في قيم الإسلام العظيمة، والمعاصرة ممثلة في ممارسات العمل السياسي الحديث. فبعد مرور أكثر من مائتي عام على حملة نابليون بونابرت على مصر، ما زال العالم العربي يبحث عن رؤية توفيقية تجمع بشكل متناغم بين القيم والتقاليد العربية الإسلامية وبين الممارسات الغربية المعاصرة في شتى جوانب الحياة. البحث ما زال قائما حتى الساعة بل زاد حدة مع بداية التسعينيات من القرن الماضي في ظل أفول الشيوعية ونهاية الحرب الباردة وهيمنة العولمة على مختلف جوانب الحياة في العالم العربي. الفضاء العام حسب هابرماس ظاهرة إنسانية التداعيات رغم ارتباطها التاريخي بالمجتمعات الأوروبية في عصر النهضة. تجدر الإشارة هنا أن ثورة الاتصال والمعلومات قد شكلت بعدا جديدا في مفهوم الفضاء العام وأحدث ثورة كبيرة في عالم العلاقات الاتصالية المؤسساتية والإنسانية، كما أنها وسّعت من الفضاء العام وأسهمت بدرجة كبيرة في إثرائه وتنوعه مما عزز قيم المشاركة والتفاعل في المجتمع. وإذا كان الفضاء العام يكتسب قيمته وديمومته من مستوى النقاشات والمشاركات التي ينتجها المجتمع في قضايا الفئات والشرائح المختلفة من المجتمع، فإن التراث العربي الإسلامي يزخر بمقومات النقاش والمشاركات الفكرية التي تهدف إلى الحفاظ على هوية المجتمع وتماسكه الثقافي. إنه من الصعب الحديث عن منظومة عربية للفضاء العام بمعزل عن فضاء العولمة، كما أنه من الطبيعي أن تتم مقاربة القضايا الرئيسية المطروحة في إطار عالمي واسع بدلا من حصرها في سياقات جغرافية ضيقة.
1103
| 21 يناير 2017
قيل كلام كثير عن الحوار بين الحضارات وحوار الديانات واحترام الآخرين ومعتقداتهم ودياناتهم. وقيل الكثير كذلك عن أن العولمة ستؤدي إلى تقارب الشعوب ودمقرطة الأنظمة، والتفاهم والتسامح والتعاون. كما قيل كذلك أن تكنولوجيا الاتصال والإعلام ستجعل من العالم قرية صغيرة تتعرف من خلالها شعوب العالم على بعضها البعض، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة التفاهم والتحاور وإلى قلة النزاعات والحروب وبؤر التوتر في العالم. كما قيل كذلك كلام كثير عن دور الإعلام في تقارب الشعوب والثقافات والحضارات والديانات، وأن الإعلام يلعب دورا إستراتيجيا في نشر ثقافة التسامح والسلم واحترام الآخر ومحاربة العنصرية والاستغلال والاستعمار والإرهاب واحتقار الآخر والاستهزاء به. قبل سنوات أصدرت مجلة " شارلي إيبدو" الفرنسية عددا خاصا عنونته "شريعة إيبدو" تسخر فيه من الإسلام والمسلمين وأوكلت رئاسة تحرير العدد حسب مسؤوليها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وجاءت هذه المبادرة من قبل المجلة الفرنسية بعد فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس بنسبة كبيرة من مقاعد المجلس التأسيسي وبعد إعلان المجلس الانتقالي في ليبيا تطبيقه الشريعة الإسلامية في الدستور الليبي الجديد. ما حدث عن الصحيفة الفرنسية ومن قبلها الصحيفة الدانمركية وغيرها كثير فيما يتعلق بالتجاوزات ضد الإسلام والمسلمين والعرب يتنافى جملة وتفصيلا مع العمل الإعلامي الحرفي، المسؤول والملتزم. يتنافى مع رسالة الإعلام الشريفة والنبيلة، يتنافى وقدسية الرموز الدينية مهما كانت وأينما كانت. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو لصالح من؟ مثل هذه الاستفزازات والتصرفات غير المسؤولة، وما هي الأهداف من ورائها وماذا ستضيفه لخدمة الإنسانية ومبادئها وقيمها؟ وماذا ستضيفه لتأسيس وبناء قنوات التواصل والتفاهم بين الشعوب والأمم والحضارات والديانات؟ إلى أي مدى ستخدم هذه الافتراءات والتهكمات وهذا الاستخفاف وهذه الصور حوار الحضارات والثقافات والديانات والتقارب بين الشعوب؟ مثل هذه التصرفات بدلا من نشر ثقافة التفاهم والتسامح التقريب تعمق الفوارق والتضليل والتشويه وسوء التفاهم وانعدام الحوار وانتشار الصور النمطية التي تفرز ثقافة الحقد والكراهية والبغضاء والعنصرية والجهل. والمؤسف لحادثة "شارلي إيبدو" والرسوم الكاريكاتورية من قبلها وغيرها كثير من مظاهر الحقد والكراهية هو أن السلطات الدانمركية والفرنسية والمجتمع الرسمي والمدني في الدانمرك أو في فرنسا لم تحرك ساكنا أمام ما حدث، وكأن شيئا لم يحدث. وهذا يعني أن الأمر عادي بالنسبة لهم وأن الإساءة للآخرين ولمقدساتهم ودياناتهم لا تعني شيء. والدليل على ذلك أن استطلاعا للرأي العام كشف أن أغلبية الدانمركيين لا يحبذون الاعتذار للمسلمين لما حدث كمخرج وكحل للأزمة. ما نجم عن صحف فرنسا والدانمرك والنرويج ومن دول أخرى يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق وأخلاقيات الممارسة الإعلامية في معظم دول العالم، كما يتنافى مع مبدأ حرية الصحافة الذي يقوم على الالتزام باحترام الآخر واحترام معتقداته ودياناته. كما تخالف تلك التصرفات مقررات منظمة الأمم المتحدة في حوار الأديان والحضارات. بكل بساطة هذه التصرفات تنم عن جهل وحقد وكراهية وعن عدم المقدرة على التعايش مع الآخر، بل التفكير في تدميره والقضاء عليه والتخلص منه، كما أنها تعبر تبرير الفشل باستخدام الآخر كسبب له. الأخطر في القضية كلها هو نتائج استطلاعات الرأي العام التي جاءت لتؤكد ماذا يدور في أذهان الناس العاديين. النتائج أكدت عدم الاعتراف بالخطأ وعدم احترام معتقدات وديانات الآخرين وهذا أمر خطير لأنه يشير إلى ضعف درجة التسامح والتفاهم والحوار بين الشعوب. وهنا نلاحظ الدور العكسي والسلبي والخطير الذي تلعبه وسائل الإعلام في عصر العولمة والثورة المعلوماتية والمجتمع الرقمي، وعصر القرية العالمية. فبدلا من تشجيع الحوار والنقاش والتفاهم والتعرف على خصوصية الآخر وثقافته نلاحظ، أن الآلة الإعلامية في المجتمع المعاصر أصبحت تهدم أكثر مما تبني وأصبحت تساهم في إثارة الفتن والحروب والنزاعات أكثر من مساهمتها في نشر السلم والأمن والاستقرار والتقارب والمحبة والتلاحم والتفاهم بين الشعوب، بل أصبحت وسائل الإعلام آلات لنشر ثقافة الحقد والكراهية والخوف. الحرية التي تطالب بها معظم المؤسسات الإعلامية في العالم والتي يتغنى بها الكثير أصبحت فارغة من محتواها الحقيقي حيث أنها آلت إلى أشخاص لا يعرفون المعنى الحقيقي للحرية ولا يعرفون الالتزام باحترام الآخر وخصوصيته.
2447
| 14 يناير 2017
المجتمع الذي يتخلى عن لغته لاستعمال لغة الآخر هو مجتمع يضع هويته في دائرة الخطر والانهيار والاضمحلال وقد يتعرض إلى ازدواجية في الرؤى والإستراتيجيات والمصالح. فاللغة في حقيقة الأمر هي الهوية في المقام الأول، فالذي لا يتقن لغة أمه ويتكلم بلغة الآخر يعني أنه نسي تاريخه وماضيه وأصوله وعاداته وتقاليده. فالإعلام يجب أن ينشر اللغة العربية ويحافظ على سلامتها ورونقها وجمالها. فالعلاقة بين الإعلام والهوية الوطنية هي علاقة جدلية بحيث إن الهوية تنعكس وتقوى وتتغلغل في نفوس أفراد المجتمع من خلال وسائل الإعلام فهي تتأثر بالإعلام وتؤثر فيه. فالإعلام هو من دون منازع الآلية الأكثر تأثيرا وقوة في صناعة الهوية والتعبير عنها وعن معالمها وصيانتها ونشرها وبعثها والدفاع عنها. فمن لا هوية له لا حاضر ولا مستقبل له. فالعلاقة بين الإعلام والهوية تعتبر علاقة جدلية بحيث إن المنظومة الإعلامية هي قوة فاعلة ومؤثرة في التعبير عن الهوية وتحديد ملامحها وتفاعلاتها ومقوماتها وبالتالي فالإعلام يساهم في تشكيل الهوية الوطنية، التي هي بدورها تنعكس من خلال الصناعات الإعلامية والثقافية وتؤثر فيها وتصبغها بصبغتها. وحتى يقوم الإعلام بدوره الإستراتيجي في الحفاظ على الهوية الوطنية ونشر مقوماتها وأسسها ومبادئها في المواطن يتوجب عليه أن يقدم الرسالة الهادفة الملتزمة الحرة والمسؤولة محليا ودوليا. فالمادة الإعلامية ذات الجودة العالية وذات المصداقية هي التي يختارها الجمهور ويتفاعل معها، لكن إذا كانت المادة لا تستوفي شروط المنافسة والجودة والمصداقية فإنها لا تستطيع المقاومة وبذلك فإنها تفشل في الحفاظ على الهوية الوطنية بل ستفسح المجال لإضعافها وأفولها مع مرور الزمن. وهذا ما يؤدي في نهاية الأمر إلى انتشار ظاهرة الاغتراب حيث يعيش الفرد في فضاء غريب عنه بعيدا عن بيئته الطبيعية وهويته الأصلية الحقيقية، ويصبح بذلك تائها ومشردا بين عالمين، عالم مادي يعيش فيه في الحقيقة والواقع وعالم الآخر، الذي تقدمه وسائل الإعلام والصناعات الثقافية وهو بعيد كل البعد عن العالم الأول وهذا ما يؤدي في نهاية المطاف إلى انفصام وازدواج الشخصية وانجراف وانحلال وذوبان في عالم الآخر على حساب القيم والعادات والتقاليد والموروث الثقافي والاجتماعي. تعاني دول وشعوب كثيرة من أزمة هوية في عالم يسوده الصراع على الصورة والرأي العام، وفي عالم أصبح فيه الواقع الذي تقدمه الصناعات الإعلامية والثقافية واقعا مفبركا ومصطنعا بعيدا كل البعد عن الحقيقة وعما هو موجود في أرض الواقع. ففي زمن فرضت فيه العولمة منطقها على العالم وتعرضت وتتعرض فيه الثقافات الوطنية والمحلية وخصوصيات الأمم والشعوب إلى اختراقات ومضايقات وتشويه وتنميط من قبل الصناعات الثقافية والإعلامية العالمية، تُطرح إشكالية الهوية الوطنية بقوة وبحدة لأن الأمر يتعلق بموضوع إستراتيجي يهم كيان الأمة ووجودها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها. تحسب دول العالم من الجنوب ومن الشمال، على حد سواء، ألف حساب لهذه المعضلة التي أصبحت تهدد كيان الأمة بأسرها. الانفتاح على العالم إجراء حضاري ومبدأ لا بد منه والتفاعل مع الآخر ومع التكنولوجيا والعلوم وثورة المعلومات والمجتمع الرقمي أمر لا مفر منه. أما الانغلاق على الذات فإنه يؤدي إلى عزلة قاتلة قد تغلق أبواب التطور وتقف حاجزا منيعا أمام التقدم والازدهار والتنمية المستدامة. لكن من جهة أخرى يجب ألا تذوب الأمة في الآخر وتصبح من دون هوية وبدون كيان يمسك وحدتها وبنيانها وخصوصيتها وثقافتها الوطنية وهويتها.الكلام عن الهوية الوطنية يقودنا حتما إلى الكلام عن الإعلام والإعلام هو المنظومة التي تحفظ هذه الهوية والتي تؤرخ لها والتي تنقلها من جيل إلى جيل. فإذا كان الإعلام يتغذى ويشرب من مكونات الهوية الوطنية فإن مخرجاته تخدم من دون أدنى شك هذه الهوية وتعمل على صيانتها وتقويتها وتنميتها في إطار التنمية المستدامة والحركة التي يعيشها المجتمع ضمن التحولات والتطورات العالمية. أما إذا كانت المنظومة الإعلامية مهزومة وغير منتجة ومستقبلة ومستهلكة فقط فإنها بدلا من المساهمة في الحفاظ على الهوية الوطنية وزرع مكوناتها في المجتمع فإنها تتنصل من هذه المكونات وتفرز قيما وأفكارا ومعتقدات وسلوكيات تتنافى وتتناقض وتتنافر مع كل ما هو وطني وقومي ومحلي. وهذا ما يؤدي إلى ظاهرة الاغتراب والانسلاخ والذوبان في الآخر وتقمص واقع وشخصية غريبة لا تمت لواقع وشخصية الوطن والبلد والأمة بصلة. وعلى حد قول "فرانتز فانون" يلبس الفرد في ظل ظاهرة الاغتراب والانسلاخ أقنعة الآخر مما يجعله تائها في عالم ازدواجية الأنا والشخصية والهوية وفي النهاية يجد نفسه مثل اللقيط الذي لا صل ولا نسب له. فالرسالة الإعلامية هي التي تقدمنا للآخر وهي التي تتواصل وتتحاور مع الآخر وتقدمه لنا. وإذا كانت الرسالة الإعلامية عاجزة عن تقديم من نحن؟ وما هو رأينا وموقفنا مما يجري في العالم؟ وما هي خصوصيتنا والأشياء التي نتميز بها عن غيرنا ونختلف بها عن الآخرين، والاكتفاء فقط بتقديم الآخر بأفكاره ومنتجاته لنا؟ فهذا يعني أننا سلمنا نفسنا للآخر وانسحبنا من مجال الأفكار والقيم والمعتقدات والمبادئ. وهذا أمر خطير لأن الذوبان في الآخر أو نكران الذات يعني بكل بساطة أنه لا هوية لنا وهذا يعني أننا تنصلنا من تاريخنا وماضينا وقيمنا ومبادئنا وعاداتنا وتقاليدنا. فالإعلام هو أداة إستراتيجية لحماية الهوية الوطنية والتعبير عنها فهو مطالب بالتفاعل الإيجابي مع كل ما هو محلي وأصيل والتفاعل مع مشكلات وهموم الشارع بكل موضوعية وبكل التزام ومسؤولية وبكل حرية، كما أنه مسؤول عن حماية المواطن دينيا وثقافيا وتاريخيا واجتماعيا وهذا من خلال تزويده بالمادة الإعلامية والسياسية والثقافية الهادفة التي تساعده في تكوين نفسه سياسيا واجتماعيا ودينيا حتى يكون مواطنا صالحا مسؤولا يعرف ما له وما عليه ويعرف كيف يتفاعل بمسؤولية مع ما يصل إليه من منتجات إعلامية وثقافية من جميع أنحاء العالم. إنه من غير المنطقي والمعقول أن يعرف أولادنا نجوم الغناء والطرب في الغرب ويجهلوا تاريخ آبائهم وأجدادهم ويجهلوا مقومات الشخصية العربية الإسلامية وتاريخ الحضارة العربية الإسلامية. فالمتأمل في الفضائيات وشبكة الانترنت والمخرجات الثقافية وغيرها من الوسائط الإعلامية العالمية يلاحظ أنها تشكل خطرا على الهوية الوطنية والحل الوحيد هو تنشئة جيل مسؤول وواعٍ يعرف كيف يتفاعل مع هذه الوسائط ويعرف كيف يأخذ منها ما يفيده ويبتعد عن المواد المشبوهة والمواد التي تتنافى وتتناقض مع مبادئ وقيم المجتمع. الأمر الثاني والأكثر أهمية هو تقديم البديل والاستثمار في الصناعات الإعلامية والثقافية، فالجمهور بحاجة إلى بديل وإلى أخبار وبرامج ومواد ثقافية محلية تعكس شخصيته وهويته واهتماماته وانشغالاته، لكن إذا انعدمت المادة الجيدة والممتازة والجادة فإن هذا الجمهور يتوجه إلى الآخر وإلى المنتج الأكثر جودة بغض النظر عن بعده الثقافي والحضاري والسياسي والأيديولوجي والقيمي. فالحفاظ على الهوية يتطلب إستراتيجية واضحة المعالم لنقل التراث التاريخي والحضاري والقيمي للأمة في صيغ وقوالب تتماشى مع المجتمع الرقمي الذي نعيش فيه والتطورات العلمية والتكنولوجية التي يشهدها المجتمع.
5762
| 07 يناير 2017
ثمانية وثلاثون سنة مرت على وفاة أحد رجالات الدولة الجزائرية المعاصرة، الرئيس هواري بومدين الذي وهب حياته لخدمة بلده. عرف عنه العمل والمثابرة والجد والتواضع وحب الفقراء والمساكين والمهمشين، لم يجمع الأموال والعقارات والفلل والقصور. تميز بحبه للفلاحين والعمال، كان يرفض الجمع بين السياسة والمال وكان يقول للمقربين منه من يحب المال والأعمال فليترك منصبه في الحكومة. السؤال الذي يعود للأذهان بمناسبة ذكرى وفاته هو هل يعرف الجيل الحالي هواري بومدين؟ هل يعرف عن تأميم المحروقات وعن مؤتمر دول عدم الانحياز سنة 1973 وهل يعرف شباب اليوم عن المطالبة بالنظام الاقتصادي العالمي الجديد؟ كنت أتمنى اليوم بمناسبة الذكرى 38 لوفاته تبادل الشباب الجزائري لخطبه وصوره ومواقفه عبر اليوتيوب والفيسبوك وغيرها من محطات التواصل الاجتماعي. هل أخذ الرجل حقه من التأريخ؟ هل تداولت وسائل الإعلام الجزائرية المختلفة مواقفه وإنجازاته ودوره على الساحة العربية والإفريقية والعالم الثالث وعلى مستوى الحركات التحررية في جميع أنحاء العالم؟ الفساد اليوم أصبح لغة المال والأعمال والإدارة والسياسة في الجزائر. مليارات الدولارات تنهب وتهرب ولا من رقيب ولا من حسيب. أزمة خانقة تلم بالبلاد في فراغ أخلاقي لا مثيل له أزمة تبعث بتيار جارف من الحنان إلى رئيس ميزته النزاهة والأخلاق ونبذ الاستيلاء على المال العام واستغلال المنصب والنفوذ لجمع الثروة. هناك تعتيم على مرحلة بومدين الثورية، فالرجل يشهد له التاريخ بتأسيس المخابرات والمواصلات السلكية واللاسلكية وهو الذي كان يقود بنفسه الكتائب التي كانت تنقل الأسلحة من الحدود الغربية إلى داخل الولاية الخامسة حتى جبال الونشريس بالولاية الرابعة، والأهم من كل هذا هو إعادة تشكيل وحدات جيش التحرير بعد أن فكّكت وتشردت بداية من سنة 1958، فكوّن هيئة الأركان المعروفة، وأعاد هيكلة جيش التحرير الوطني في الداخل وعلى الحدود، وسلّح الجيش تسليحا عصريا، وأصبح يهدد فرنسا بالحرب الشاملة والمفتوحة، وكان يريدها على شاكلة الحرب الفيتنامية، وهذا واضح مع بداية 1961، مما جعل ديغول يتخوف من" ديان بيان فو" ثانية، ويقرر الاعتراف بتقرير المصير، والجلوس إلى طاولة المفاوضات. يعتبر بومدين الأب الروحي لجيش التحرير بعد كل النكبات التي حلت به بعد لقاء الصومام، وهذا لا يختلف فيه المجاهدون الذين عاصروا الأحداث الأليمة وقتها، خاصة جنود وإطارات الولاية الأولى والقاعدة الشرقية الذين تعرضوا لكل أنواع الإهانات قبل مجيء بومدين، وفيهم من هم على قيد الحياة. هناك كلام عن انقلاب بومدين على بن بلة والإطاحة به والاستيلاء على الحكم. القضية من الناحية الدستورية البحتة تعتبر انقلاب عسكري على الشرعية الشعبية، أما من الناحية الموضوعية فإن الشرعية السائدة وقتها عمليا هي الشرعية الثورية، فالشرعية التي ساعدت بن بلة هي التي أطاحت به، وفي جميع الحالات يكفي التصحيح الثوري فخرا أنه أخرج 2500 شخص به وطنية كانت في المعتقلات من دون محاكمة، وأدخل 05 أشخاص ممن عارضوا التصحيح الثوري ثم أطلق سراحهم بعد أيام. جميع الخيارات التي تبناها بومدين هي خيارات منصوص عليها حرفيا في برنامج مؤتمر طرابلس المصادق عليه من طرف المؤتمر بالإجماع على خيارات النظام الاشتراكي والإصلاح الزراعي، وقد عمل بومدين ما في وسعه لتجسيد ما جاء في وثيقة طرابلس بما يعرف بالثورات الثلاثة (الزراعية-الصناعية- الثقافية)، وقد كان المشروع ككل في بدايته مع قلة الموارد المالية وندرة الإطارات والكوادر الوطنية، ولكن رغم ذلك أسس لقاعدة صناعية صلبة ما زالت الجزائر تعيش عليها، وأسّس لثورة زراعية أخرجت الفلاح من نظام الرعي والخماسة، وأدخلته في تيار العصرنة، ولم تكتمل التجربة، حيث تم التراجع عنها سنة 1979 من طرف حكومة قاصدي مرباح بطريقة ارتجالية وغير مدروسة، وما زال القطاع الفلاحي يعيش في فوضى إلى اليوم، أما بالنسبة للثورة الثقافية في عهد بومدين فعرفت نقلة نوعية في جميع المجالات، خاصة في التعليم بجميع مراحله زيادة على البعثات الدراسية في الخارج، لكن مع الأسف بعد وفاته توقف كل شيء، حتى الذين تكونوا في الخارج عندما عادوا لم تتم الاستفادة منهم فهاجروا من جديد، وهم الآن في أكبر عواصم العالم، ولهم مكانتهم العلمية، وفي عهده برزت نخبة لا بأس بها من المثقفين الرواد في جميع أنواع الثقافة من جيل السبعينيات، من شعراء وكتاب وأدباء ومفكرين وباحثين ومبدعين، وما زال معظمهم في الساحة إلى اليوم .
2032
| 31 ديسمبر 2016
برعاية كريمة من سعادة الشيخ عبدالله بن سعود آل ثاني تم تنظيم مؤتمر وتوزيع جوائز المسؤولية الاجتماعية في نسخته الرابعة بالعاصمة القطرية الدوحة ما يدل على اهتمام دولة قطر بهذه الممارسة والنشاط المحوري والمهم من قبل المنظمات والمؤسسات التي لا تهتم بتحقيق الأرباح فحسب وإنما تصهر على المساهمة في التنشئة الاجتماعية والتنمية المستدامة وتطوير الفرد والمجتمع في مختلف مناحي الحياة، ثقافية، علمية، رياضية، صحية، بيئية...إلخ. فالمسؤولية الاجتماعية هي المسؤولية المجتمعية، المسؤولية تجاه الآخرين، المواطنة والانتماء، الحرية والمشاركة السياسية وكذلك التعددية والانفتاح. رافق المؤتمر وتوزيع الجوائز النسخة الرابعة من الكتاب الأبيض الذي يوثق بالبيانات والأرقام ممارسة المسؤولية الاجتماعية في دولة قطر ويقدم التقارير السنوية للشركات عن أدائها في مجال المسؤولية الاجتماعية خلال عام وكذلك أهم الممارسات على الصعيد الدولي. إن شمولية المسؤولية الاجتماعية تقتضي التركيز على أربعة جوانب رئيسية تتمثل في المجال الاقتصادي، والقانوني، والأخلاقي، والخيري، مما يعني ضرورة توظيف الأبعاد الأربعة للمسؤولية الاجتماعية بشكل هرمي متسلسل لتوضيح الترابط بينها. فلا يمكن أن نتوقع من منظمات الأعمال مبادرات خيرية ومسؤولة إذا لم تكن هذه المنظمات قد قطعت شوطًا في إطار تحملها لمسؤولياتها الاقتصادية والقانونية والأخلاقية تجاه المجتمعات التي تعمل فيها. فإذا كانت المنظمة لا تحترم حقوق العمال ولا تحترم المستهلك ومواصفات السلعة أو الخدمة وتدعي أنها تخصص موازنات كبيرة للمسؤولية الاجتماعية فهذا يتناقض مع الأسس والمبادئ التي تقوم عليها المسؤولية الاجتماعية. ففي عالم اليوم نقرأ الكثير عن استغلال الأطفال في فيتنام وسريلانكا والهند وغيرها من دول من قبل شركات عالمية تتغنى بحقوق العمال وحقوق الإنسان وعطائها الكبير في مجال المسؤولية الاجتماعية. يتحدد دور الجامعات في بناء القدرات ونشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية على أسس علمية توضح كيفية قيامها بهذا الدور المجتمعي والمؤسسي المهم، كما أن هذا الدور الذي يسند إلى مؤسسات التعليم العالي يكون في إطار أخلاقي وإطار مؤسسي، لأن الجامعات ترتبط مع المجتمع بمسؤولية اجتماعية ودور مُجتمعي يفرضه عليها دورها المحوري في تكوين الموارد البشرية المؤهلة علميا وأخلاقيا والملتزمة والمسؤولة على تطوير المجتمع والمساهمة في التنمية المستدامة بجميع مجالاتها ومناحيها. فالمسؤولية الاجتماعية هي حب الوطن والتفاني في العمل والإخلاص للآخرين واحترامهم. الواقع أن المسؤولية الاجتماعية في الوطن العربي سبقت الجامعات في الميدان حيث تجدها لا تكاد تذكر في المقررات والمناهج والدراسات والبحوث رغم أن شركات عديدة تتبناها وتمارسها في أرض الواقع. فالواقع الأكاديمي العربي بالنسبة للمسؤولية الاجتماعية يبين حجم المعاناة، ومثال على ذلك نلاحظ أن إسرائيل أنجزت من عام 2010 إلى عام 2016 (141) دراسة حول المسؤولية الاجتماعية، يُقابلها 17 دراسة فقط في الوطن العربي. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فهناك 552 جامعة تُدرس المسؤولية الاجتماعية من خلال 718 مقررا، بالمقابل نجد 6 جامعات فقط في الوطن العربي تدّرس المسؤولية الاجتماعية ولا يوجد مقرر واحد يختص بالمسؤولية الاجتماعية بشكل مباشر. بل مجرد مناهج لمواد مختلفة لها علاقة غير مباشرة بالمسؤولية الاجتماعية. تهدف مؤسسات التعليم العالي إلى غرس المفاهيم المجتمعية لدى الطلاب. إلى جانب تعزيز مفاهيم المعرفة والبحث العلمي. فالهدف الإستراتيجي لمؤسسات التعليم العالي هو إيجاد مواطنين صالحين لهم مشاركة فعالة في مؤسسات المجتمع، ولديهم رؤية صحيحة في الحكم على الأشياء، وتكوين الاتجاهات الموضوعية حول الجوانب المهمة في البيئة المحلية والعالم الخارجي. وقد تكون جدلية العلاقة بين الفرد والمؤسسة والمجتمع هي الأساس التي تنطلق منه فلسلفة المسؤولية الاجتماعية، فهل تقع المسؤولية على عاتق الفرد، أم المؤسسة، أم المجتمع؟. والإجابة هنا هي الأطراف الثلاثة مجتمعة. فحينما نلقي المسؤولية على الأفراد في تحمل الأعباء، أو حماية المصلحة العامة وصيانتها دون وجود علاقة بقدر كافٍ بين الفرد والمؤسسة والمجتمع، فإن دور الفرد يكون ناقصًا ولا يمكن أن يؤدي بطريقة منتجة وإيجابية. لهذا يوجد في جميع المجتمعات المتقدمة خطط إستراتيجية وطنية تنمي الإحساس بالانتماء والهوية، والتعريف بمفاهيم المواطنة والحقوق والواجبات، وتنمية المعارف والقدرات والقيم والاتجاهات والمشاركة في خدمة المجتمع، إلى جانب إعداد المواطن وفقًا للظروف المحلية والإقليمية. ونظرًا لهذه العلاقة الوثيقة بين الفرد والمجتمع، والعلاقة الجدلية بينهما فإنه لابد من وجود مؤسسات تعمل على تنظيم هذه العلاقة، من أهمها الجامعات التي تلعب دورًا مهمًا في تربية شباب صالحين في المجتمع من خلال تعزيز المفاهيم المختلفة عن هذه العلاقة المجتمعية، ومنها مفاهيم المسؤولية الاجتماعية التي تشمل متغيرات عديدة تدور حول المسؤولية الأخلاقية، والمسؤولية تجاه الذات، والمسؤولية تجاه الآخرين والمجتمع، والعالم الخارجي والمحافظة على البيئة، إلى جانب المسؤولية الاقتصادية والقانونية. على المستوى العالمي نستطيع القول إن الجامعات الأمريكية أسهمت في نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية من خلال الدراسات والأبحاث والبرامج والتخصصات والمقررات التي تطرحها في برامج إدارة الأعمال وعلم الاجتماع والإعلام والخدمة الاجتماعية مما أدى إلى رفع نسبة الوعي بالمسؤولية الاجتماعية إلى ما يقارب من نسبة 43%. وهناك أيضًا التجربة الدنماركية والتي تتمثل في إنشاء مدرسة كوبنهاجن للإدارة CBS والتي كانت منصة علمية لمبادرات بحوث المسؤولية الاجتماعية والتجربة البريطانية والتي تتمثل في المركز الدولي للمسؤولية الاجتماعية الذي قدم ما يزيد على 2000 دراسة تتعلق بالمسؤولية الاجتماعية، والتجربة الهولندية والتي تتمثل فيما يُسمى بالمكتب الأخضر الذي وظف ما يزيد على 20 ألف شخص خلال الفترة من 2010 إلى 2016 وتتجلى أهمية المسؤولية الاجتماعية في التجربة الماليزية ولعلها من أبرز الدول الإسلامية اهتمامًا بهذا المجال حيث تقرر استحداث منصب بالجامعات الماليزية وهو نائب رئيس الجامعة للمسؤولية الاجتماعية لإبراز مدى أهمية المسؤولية الاجتماعية في الحياة الأكاديمية ومختلف مجالات الحياة. وهناك أكثر من منظور لعملية تدعيم المسؤولية الاجتماعية، فهناك مثلا المنظور الأمريكي والذي يتمثل في تخصيص كل شركة أو مؤسسة جزءا من أرباحها لدراسة المسؤولية الاجتماعية، وهناك منظور آخر يقول بأن المسؤولية الاجتماعية مسؤولية تكاملية لا تتمثل فقط في المال ولكن تتمثل في تحديد الرؤية والأهداف والأسلوب والمجتمع، ومنظور أخر يقول بأن الارتقاء بالمسؤولية الاجتماعية يعتمد بشكل أساسي على الممارسة الميدانية والعملية للمسؤولية الاجتماعية من خلال استقصاء الواقع الاجتماعي والتفاعل من خلال الحياة اليومية، كما أنه يجب تخصيص ميزانية خاصة بالمسؤولية الاجتماعية لتدعيمها عمليًا وأكاديميًا.
7095
| 24 ديسمبر 2016
من خلال معايشته للاستعمار الفرنسي في الجزائر ومن خلال علاجه للمرضى في المستشفى الأمراض النفسية في البليدة استطاع فرانز فانون أن يشخص أضرار ومآسي الظلم والتسلط والتجبر التي تفرضها الدول المستعمرة على الشعوب المستعمرة. فانون رأى الظلم بعينه واستنتج بأن الدول التي تدعي الحضارة والديمقراطية وحقوق الإنسان هي نفسها التي تستعبد شعوب المستعمرات وتنكل بهم وتساهم في تجهيلهم وتفقيرهم وحرمانهم من مقومات الحياة الإنسانية الكريمة. ولا غرابة اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين نسمع إيمانويل فالس المرشح للرئاسيات الفرنسية يصرح بأن فرنسا صدّرت الحضارة باستعمارها للجزائر. ما يشير إلى أن السياسي الفرنسي لم يقرأ التاريخ أو يتجاهل التاريخ! فعن أي حضارة يتكلم فالز؟؟ وهذا ما نبه إليه فرانز فانون وهو ضرورة التخلص من الاستعمار بعد الاستقلال. فالاستقلال لا يعني بالضرورة أن الدولة المستعمَرة قد تخلصت من رواسب وبقايا الاستعمار. من خلال معذبو الأرض يشرح فانون آليات التعذيب والظلم والعنف التي يمارسها الاستعمار على الشعوب المستعمَرة. يقول فانون: إن أوروبا تتحدث عن الإنسان، وفي الوقت نفسه تدمره حيثما وجدته، في كل زوايا شوارعها، وفي كل بقاع المعمورة. فهذا هو الغرب يوقف تطور الشعوب الأخرى، ويستعبدها لأغراضه ومنافعه الخاصة، لقرون ما فتئ خلالها يخنق، باسم المغامرة الروحية، كامل البشرية تقريبا! انظروا إليه الآن وهو يتأرجح ما بين التفكك النووي وما بين التفكك الروحي! هكذا قال فرانز فانون العام 1961 في خاتمة كتابه "معذبو الأرض". إذن كان الوقت ملائمًا لاستقبال كتاب فانون. ويتمثل أحد عوامل نجاحه في اللغة التي اعتمدها لتبليغ أفكاره إلى المعذبين في الأرض. وذلك ما جعل عدد من المعلقين يعتبرونه دعوة إلى أممية جديدة على مستوى العالم الثالث. فقد توجه بخطابه إلى الشعوب المضطهدة، ولم يتوجّه به إلى الغرب، فهو يطلق في ختام خطابه صرخة هي: "يجب أن نهاجر أحلامنا، أن نتخلى عن معتقداتنا وصداقاتنا التي سبقت. لا يجوز أن نضيع وقتنا في دعوات عقيمة ومحاكاة تبعث على الغثيان. لنغادر أوروبا هذه التي تتحدث دومًا عن الإنسان في الوقت نفسه الذي تقتله فيه تقتيلًا، كلما اعترضها في أي مكان من أنحاء العالم. خلص فانون أن الحل الوحيد للتخلص من الاستعمار هو العنف، اللغة الوحيدة التي يفهمها الطاغية. لقد تعرض فرانز فانون، غداة استقلال الجزائر، للكثير من الهجوم من قبل الكثير من الكتاب الذين اتهموه بتمجيد العنف الثوري، لاسيَّما في كتابه الشهير "معذبو الأرض". وهنا للتذكير نقول إن الذي طرح المشكلة في زمانه ليست أعماله في حد ذاتها بل المقدمة التي وضعها جون بول ساتر لهذا الكتاب المثير للجدل.من أهم الجوانب الأساسية في نضال فانون ارتباطه بإفريقيا. فكما يقول الكاتبان الفرنسيان بير وكلود شوليه" لقد أحس فانون من أول وهلة، بصدى الثورة الجزائرية على كافة بلدان القارة الإفريقية، وعلى الخصوص تلك البلدان التي كانت ما تزال ترزح تحت نير الاحتلال. وقد وجه نداء لشباب إفريقيا بالالتحاق بكفاح الشعب الجزائري، وأعلن تضامن الجزائر المكافحة مع شعوب إفريقيا السمراء في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وقد وجدت نداءاته صدى واسعا في غانا وغينيا ومالي، ولدى القادة والمثقفين والطلبة الأفارقة. لقد سافر فانون كثيرا إلى بلدان إفريقية، ولاسيَّما غانا وغينيا، والكونغو البلجيكية سابقا، ومالي. وفي كل هذه البلدان استعرض الأهداف الكبرى للثورة الجزائرية، حيث كان سفير الجزائر في غانا، وكذلك رؤيته لتصفية الاستعمار. ولذلك فقد كان واحدا من أهم الناطقين باسم الشعب الجزائري أثناء محنته الطويلة. ولذلك أيضا كان واحدا من حاملي "الموهبة الإفريقية" في الجزائر. موهبة تجسدت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي على مستوى مجالات عديدة من أهمها التعاون الاقتصادي، والتبادلات الثقافية. فإن فرانز فانون يثير مزيدا من الاهتمام، حتى في الدول الاستعمارية السابقة. ففي رأي ميراي مانديس فرانس فإن فانون "سواء في إفريقيا، أو أوروبا، أو آسيا، أو الشرق الأوسط، أو أمريكا، يظهر اليوم وكأنه رجل اليوم، أكثر من أي وقت مضى. فهو يحمل الدلالة والمعنى في أذهان كل المناضلين من أجل الحرية وحقوق الإنسان في العالم، لأن التطور يظل دوما الهدف الأول للأجيال التي تصل إلى مستوى النضج السياسي". لقد ألقى، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أمام المرض العضال الذي أصابه، بآخر قواه في بيان تصفية الاستعمار هذا الذي كان وصية رجل ثائر أراد أن يحرر المستعمَر من مُستعمِره، وأن يحرره من الاستلاب الذي تولّد عن الرجل الأبيض". هكذا كان فرانز فانون يقول. لكن، ما هي الطريقة التي يقترحها لتحقيق ذلك؟ إنه اللجوء إلى العنف، للتخلص من العنف الذي كان مجسدا في الحاكم المستعمٍر. "على مستوى الأفراد يؤدي العنف إلى إبطال مفعول السم.
2307
| 17 ديسمبر 2016
في السادس من ديسمبر 1961غيّب الموت المفكر والمناضل المارتينيكي فرانز فانون الطبيب النفسي الذي عالج المرضى في مستشفى البليدة جنوب العاصمة الجزائر وانخرط في النضال ضد أبشع استعمار عرفته البشرية، الاستعمار الفرنسي الذي اغتصب الأراضي والبلاد والعباد ودمر الثقافة والدين واللغة وتسبب في الفقر والجهل والتنكيل بالملايين من الجزائريين. فانون عايش ويلات الاستعمار الفرنسي في الجزائر وقرر الانخراط في صفوف جبهة التحرير الوطني ومحاربة الظلم والاستبداد. ربّما لا يعرف الكثير من الجزائريين والعرب من هو "فرانز فانون" Frantz Fanon ومن هو هذا الطبيب وصاحب رائعة "معذبو الأرض" و"بشرة سوداء وأقنعة بيضاء" و"السنة الخامسة من الثورة الجزائرية"، غير أنّ تاريخ الرجل ونضاله الكبير ضدّ قوى الاستعمار مرتبط أساسا بالدول التي عانت من ويلات الاستعمار. استطاع فانون أن يصل بأفكاره التحرّريّة إلى جميع أنحاء العالم، ويؤثّر في العديد من المجتمعات والشعوب بأفكاره التحررية ونقده لوضع مأساوي كارثي سببه الدول الاستعمارية التي تدعي أنها تصدر الحضارة والديمقراطية لمستعمراتها وهي في الواقع تسبب لها الجهل والفقر والأمية. كما كانت كتاباته وأفكاره خارطة طريق لحركات التحرر وقوى محاربة الظلم والاستبداد والاستعمار في جميع أنحاء المعمورة. من خلال كتاباته حارب فانون الاستلاب والاغتراب والذوبان في الآخر، أي المستعمِر الذي عمل جاهدا على محاربة الثقافات الأصلية المحلية وفرض ثقافته وقيمه والتي هي في الأساس أنظمة وقيم لا تصلح إلا لموطنها الأصلي، إن كانت تصلح أساسا.في تصدير كتاب "معذبو الأرض" لفرانز فانون يهاجم جان بول سارتر بشكل صارخ ويسخر، من المجتمعات الاستعمارية الأوروبية التي ترتكب الجريمة وتعاير بها الضحية؛ فهذه المجتمعات قد وضعت الضحية في قفص الاتهام لتحولها إلى وحش عنيف، غير مدركة أن تلك نتيجة طبيعية لتوحش الاستعمار وانتهاكاته الجسدية والنفسية التي يمارسها على المستعمَر". من الجزائر ودول المغرب العربي إلى إيران وإندونيسيا، وصولا إلى دول أمريكا الجنوبيّة، كان اسمه من أشهر المفكرين خلال الخمسينيّات والستينيّات من القرن الماضي، جنبا إلى جنب مع "تشي جيفارا" و"باتريس لومومبا" و"جون بول سارتر" و"إيميه سيزار" و"أميلكار كابلار"…وغيرهم، حيث كانت هذه النخبة من أصحاب الفكر الثوري التحرري تمثّل آنذاك "صيحة الفكر التحرّريّ العالميّ"، التي توازي نضال "حركات التحرّر الثوريّة" في دول آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، بقيادة "جبهة التحرير الوطنيّ" في الجزائر، و"منظمة التحرير" في فلسطين، و"جومو كينياتا" زعيم ثورة الماوماو في كينيا، و"سامورا ميشال" في موزمبيق، و"روبرت موجابي" في زيمبابوي، و"فيدال كاسترو" في كوبا و"جمال عبدالناصر" في مصر، و"هو شي منه" و"الجنرال جياب" في فيتنام وجواهر لال نهرو في الهند وجوزيب بروز تيتو في يوغوسلافيا، و"نيلسون مانديلا" في جنوب إفريقيا وغيرهم. تاريخ فرانز فانون يمثّل سجّلا حافلا من المشاركات الفكريّة في التعبئة الثوريّة لطلائع المجتمعات المستضعفة الثائرة ضد الاستعمار، حيث استطاع هذا الرجل الزنجيّ، القادم من جزر المارتينيك أن يجد له مكانا وسط المناضلين ضدّ القمع والبطش والاستغلال، الذي كانت تمارسه قوى الاستعمار ضدّ الشعوب المستعمرة على مدى عقود طويلة، ورغم مشاركته القصيرة في الكفاح المسلّح ضمن صفوف جبهة التحرير الوطنيّ في الجزائر بين سنتي 1957 و1961، غير أنّ الرجل ترك بصمة واضحة في تاريخ الثورة الجزائريّة تحديدا، وتاريخ حركات التحرّر العالميّة عامّة، وهو لا يزال حاضرا بفكره حتّى الآن، وسط مفكّري الحركة التحرّرية العالميّة المعاصرة. في كتابه " بشرة سوداء أقنعة بيضاء" يرى فرانز فانون أن الاغتراب تجربة فردية أولًا، وتجربة جمعية ثانيًا حين تمتد إلى تحنيط ثقافات عاشت آلاف السنين في نفوس أبنائها. وحيوية الثقافة، وبالتالي قدرتها على مقاومة الإفناء، مرهونة أساسًا بشرط معرفة أبنائها لماهية ذواتهم وماهية هويتهم. ويصبح ذلك مستحيلًا حين يتمّ إحلال أساطير الدونية الثقافية (التي يصنعها ويروّج لها المستعمِر) محلّ الوعي الجمعي عند أبناء البلد الأصليين. وهنا «لا تكون العنصرية رفضًا لجسد ابن البلد ونفسه فحسب، بل تنقلب إلى حكم عليه بعقدة الذنب الأبدية».
3751
| 10 ديسمبر 2016
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5058
| 20 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
4452
| 24 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3699
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2799
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2373
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1518
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1071
| 20 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1023
| 23 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
978
| 21 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
972
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
846
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
825
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية