رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هل من ربيع لجامعة الدول العربية بعد ما شهدته المنطقة من حراك سياسي واجتماعي في السنوات الأخيرة؟ أم أن الجامعة مازالت تعاني بعد مرور أكثر من ستة عقود على تأسيسها صورة قاتمة سوداء تبعث على التشاؤم والحسرة لأسباب عدة من أهمها: إن المنظمة فشلت في تحقيق الكثير من الأهداف المرجوة منها ومن أحلام وطموحات الجماهير العريضة في ربوع الوطن العربي التي كانت ومازالت ترى في المنظمة العربية منبرا للحرية والديمقراطية والتعاون والتضامن العربيين وجهازا لإقرار الأمن والسلم والتفاهم بين الدول العربية من جهة وبين الدول العربية وباقي دول العالم. فبؤر التوتر والخلافات والنزاعات موجودة اليوم في عدد من الدول العربية، ومشاكل الحدود مطروحة وقائمة بين دول عربية عديدة. مشاريع التنمية فشلت في العديد من الدول العربية، كما أن هناك أكثر من 80 مليون نسمة في الوطن العربي لا يعرفون القراءة والكتابة وعشرات الملايين يعيشون تحت خط الفقر. أما في مجال التعاون بمختلف أوجهه فنلاحظ أن التبادلات التجارية بين الدول العربية لا تكاد تذكر بينما تصل إلى نسب كبيرة وعالية مع باقي دول العالم وخاصة أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. تواجه جامعة الدول العربية انتقادات حادة ودعوات مكثفة للتغيير والتجديد والإصلاح لمواكبة التطورات والتغييرات التي شهدها العالم خلال الستة عقود الماضية. والسؤال الذي يطرحه الكثيرون هو ماذا قدمته هذه المنظمة من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية والتعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين الدول العربية من المحيط إلى الخليج؟ أين هي المشاريع المشتركة وأين هي العملة الموحدة وأين هي السوق العربية المشتركة؟ وأين هي عملية إلغاء التأشيرات وفتح الحدود بين الإخوة والأشقاء؟ أين هي السكك الحديدة والطرق السريعة والخطوط الجوية والبحرية التي تربط الدول العربية بعضها ببعض. كيف نحقق التكامل السياسي والعمل العربي المشترك في غياب التكامل الاقتصادي والتجارة البينية بين أعضاء جامعة الدول العربية؟ مع العلم أن هناك عوامل عدة تساعد هذا التكامل والتعاون البيني والتي تتمثل في التاريخ واللغة والدين والحضارة المشتركة بين أعضاء الجامعة. تواجه جامعة الدول العربية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مشكلة إعادة الهيكلة والتنظيم والإصلاح والتغيير والتأقلم والتكيف مع الظروف الجديدة التي يعيشها العالم وضرورة تطبيق ديمقراطية صناعة القرار بداخلها وخروجها من الروتين والبيروقراطية إلى العمل الجاد والفعال على مختلف الأصعدة. فبعد ثورات الربيع العربي والحراك السياسي والاجتماعي الذي نجم عنها وبعد المشاكل التي تعاني منها عدة دول عربية فلا حل أمام منظمة العرب سوى الإصلاح والتغيير. فميثاق الجامعة واللوائح التي تحكمها وتديرها أُقرت في الأربعينيات من القرن الماضي وهذا يعني أن هذه القوانين بحاجة أن تُغير وتُجدد وفق التطورات العديدة والمختلفة التي شهدتها الدول العربية في السنوات القليلة الماضية. قمم الجامعة أصبحت روتينية شكلية وبروتوكولية وحتى آليات العمل فيها غير مبنية على أسس علمية ديمقراطية وفعالة. فالجامعة، مع الأسف الشديد، تعكس وضع الأنظمة العربية نفسها. فقوانينها ومواثيقها مازالت كما جاءت في الأربعينيات دون تطوير ولا تغيير ولا تكييف مع معطيات الألفية الجديدة. وحتى موضوع تدوير منصب الأمين العام للجامعة ورؤساء اللجان والمديرين وكبار المسؤولين فيها لم يُبت فيه بطريقة صريحة ومسؤولة وملتزمة. وإذا نظرنا إلى معظم المنظمات الإقليمية والجهوية والقارية والدولية في العالم نلاحظ ديمقراطية وإنصاف وعدالة وموضوعية وشفافية في توزيع المناصب والمسؤوليات. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على انعدام الرشادة والرؤية وروح الديمقراطية في إدارة شؤون جامعة الدول العربية. قمة الدوحة ستكون كسابقاتها، رقم آخر يضاف إلى القمم التي نظمتها المنظمة. من جهة أخرى يجب أن نقر أن منظمة مثل جامعة الدول العربية لا تستطيع أن تضع برنامجا للتعاون والتكامل العربي ولا برنامج للعمل العربي المشترك إذا كانت الدول العربية نفسها غير مقتنعة وغير جاهزة للتغيير والإصلاح من الداخل. فمعظم الدول العربية فشلت في العمل الديمقراطي وفشلت في مشاريعها التنموية والاقتصادية وفشلت في إدماج الجماهير الشعبية في عملية التنمية المستدامة والتعليم والبناء والتشييد والتطور والتقدم كما فشلت في إشراك الجماهير العريضة في المجتمع في الممارسة السياسية وصناعة القرار. هناك فجوة كبيرة جدا بين صانع القرار والرأي العام أو الشارع في معظم الدول العربية. هذه الأمور لا تستطيع جامعة الدول العربية أن تحلها بقرارات وتوصيات ومؤتمرات وقمم تعقدها من حين لآخر. وبدون ديمقراطية لا تستطيع أي منظمة في العالم أن تحقق العمل المشترك والتكامل على مستوى مختلف الأصعدة والمجالات. المنظمة في واقع الأمر تعكس الوضع المتردي في الوطن العربي وفشل الأنظمة العربية في تحقيق الديمقراطية والتنمية المستدامة داخل حدودها وكذلك فشل هذه الأنظمة في لعب أدوار هامة ومحددة على الصعيد الدولي من خلال المنظمات الدولية ومختلف التكتلات والأجهزة. السياسية والاقتصادية والثقافية. جامعة الدول العربية بحاجة إلى وقفة مع الذات، إلى مصارحة، إلى نقد من أجل التغيير ومن أجل الخروج من الروتين ومن البيروقراطية والشلل القاتل. فالجامعة لا يجب أن ترتبط ببلد معين، ومنصب الأمين العام يجب أن يحدد في ميثاق الجامعة بولاية واحدة مدتها أربع أو خمس سنوات غير قابلة للتجديد. كما يجب أن يكون هذا المنصب من حق أي دولة عربية وبطريقة التناوب، ودون ضغوط ولا قيود ولا مساومات ولا مزايدات، مثل ما هو معمول به في جميع أنحاء العالم في المنظمات الإقليمية والقارية والدولية. من جهة أخرى يجب تحديد آليات العمل داخل الجامعة وتوزيع لجانها وإداراتها المختلفة على جميع الدول الأعضاء بالتساوي. كما يجب كذلك التأكيد على تنفيذ التوصيات والقرارات وتنفيذها في أرض الواقع، على عكس ما هو معمول به الآن. كما يجب إلغاء مبدأ الأغلبية المطلقة في اعتماد القرارات والتوصيات وتغييره بمبدأ الثلثين أو أي طريقة أخرى عادلة وديمقراطية. فشل العمل العربي المشترك يعود بالأساس إلى غياب الرؤية وغياب الإستراتيجية وغياب النية والإرادة عند الدول العربية للتواصل والتعاون من أجل تحقيق مصالح الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.
2600
| 01 أبريل 2013
يخطئ من يظن أن الصراع بين الديانات والحضارات سيتوقف وأن حوار الديانات هو الذي سينتصر في نهاية المطاف. صحيح أن الديانات تتكامل لكن الإشكال المطروح هو على مستوى مجموعة صغيرة من المتلاعبين بالعقول الذين لا يمثلون إلا أنفسهم لكنهم يسيئون إساءة كبيرة للأديان والثقافات والحضارات. هدفهم الوحيد هو خلق الفتن والنزاعات والأزمات من أجل نشر ثقافة الحقد والكراهية والانتقام والتي تؤدي لا محالة للأزمات والحروب والصراعات والنزاعات بين الدول والشعوب والأمم. هذه النوعية من البشر والجماعات والتكتلات الحزبية والمالية لا تستطيع أن تعيش في السلم والأمن والأمان والأخطر من ذلك أنها لا تمثل سوى نسبة ضئيلة جدا من شعوبها. فالمتعصب والمتطرف لا يؤمن بالحوار والنقاش والتفاهم والاختلاف في الدين والعقيدة والرأي وإنما كل ما يؤمن به هو إقصاء الآخر لأنه يمثل خطرا عليه وعلى البشرية جمعاء. هذا الاعتقاد وهذا الموقف ناتج في الأساس عن الاقتناع بضرورة وجود عدو وصراع ونزاعات وحروب وأزمات للاستمرار في الحياة. الجماعات المتطرفة لا تستلطف ولا تحبذ العيش في السلم والأمن والأمان. هذه الجماعات لأنها غير طبيعية وغير سليمة ولأنها تعاني من مشكلات جمة فإنها لا تؤمن بالتكامل والتعايش مع الآخر الذي يختلف عنها في الرأي وفي المعتقد وفي شؤون الحياة العامة. الصراع بين التشويه والتضليل والتلاعب بمعتقد ودين الآخر والحقيقة والواقع ليس وليد البارحة، والمسلمون مع الأسف الشديد لم يتعلموا الدرس. فالإساءة إلى الإسلام والمسلمين والعرب تمت وتتم بطريقة منسقة ومنظمة من خلال ما يبث ويذاع وينشر في العالم عن طريق المنتجات الإعلامية والصناعات الثقافية حيث جسدتها وكرستها الأفلام والمسلسلات والأخبار والتقارير اليومية والدراسات والتحليلات والتعليقات وحتى الكتب المدرسية. فالأمر إذن يجب أن يُدرس بمنهجية وبرؤية وباستراتيجية، وأحسن سبيل لذلك هو الحوار والتفاهم وتنوير الآخر بما يجهل ولا يعلم. محاورة الآخر وإقناعه وتبصيره بحقيقة الأمر بحاجة إلى خطة منهجية منظمة ومستمرة لعمل طويل المدى بهدف التواصل والحوار مع الآخر من خلال الفكر والعلم والمنطق والتاريخ والأدلة والحجج والبراهين. فأحسن طريقة للرد على الصور النمطية والتشويه والتضليل والتلاعب هو إعطاء البديل وإعطاء الدليل القاطع وتوفير المعلومة حتى تتم عملية القضاء على الإشاعة وتصحيح المغالطات والتشويه والتحريف. وهنا يأتي دور الإعلام وهنا نتساءل: ما هو دور وسائل الإعلام في مثل هذه القضايا أهو التشويه والتضليل وخلق المشكلات والصور النمطية أم من المفروض أن تلعب وسائل الإعلام دورا حضاريا مبنيا على الالتزام والأخلاق من أجل خدمة القيم الإنسانية والأمن والاستقرار والتفاهم والمحبة في أرجاء المعمورة. فالصراع الموجود حاليا بين الغرب والشرق وبين الشمال والجنوب وبين الديانات وبين الثقافات ما هو في حقيقة الأمر سوى صراع مفتعل. الصراع هو صراع دلالات، صراع معاني، صراع نوايا أما الحضارات فيجب أن تتكامل وتتناغم وتتوافق من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء. الصراع الموجود سببه الالتباس والتشويه والتضليل وسببه هو عدم فهم الآخر أو انعدام النية لفهم الآخر. فإذا كان هناك حوار ونقاش وتواصل واتصال فهذا يؤدي لا محالة لفهم الآخر ومحاورته والاستفادة منه وإفادته. مع الأسف الشديد قنوات الاتصال والتواصل والتفاهم غير موجودة وغير قائمة أساسا بين الشعوب لسبب واحد وهو أن هذه القنوات إضافة إلى الصناعات الإعلامية والصناعات الثقافية تسيطر عليها آليات وميكانيزمات تنبذ الحوار والنقاش ومحاولة فهم الآخر ومحاولة فهم الدلالات والمعاني. يجد العالم العربي والإسلامي بمؤسساته الإعلامية والعلمية والفكرية والثقافية وبرجال دينه ودعاته، نفسه أمام تحديات جسام ورهانات كبيرة جدا، لأن عمليات الإساءة والتشويه والتضليل والتلاعب لا ولن تتوقف، لأنها أصبحت بكل بساطة جزءا لا يتجزأ من الصناعة الإعلامية والثقافية الغربية. وهذا ما يعني أن الصناعة الإعلامية والثقافية العربية والإسلامية يجب أن تتبنى استراتيجية دائمة ومستمرة ومنظمة في تقديم الصورة الحقيقية للإسلام وللحضارة الإسلامية العربية.. التحدي كبير ولا يجب أن تتوقف المساعي الحميدة من ملتقيات وندوات ومؤتمرات ليس في العالم العربي فقط وإنما في جميع أنحاء العالم. الموضوع بحاجة إلى عمل منهجي وعلمي واستراتيجي مبني على المنطق والحجج والبراهين وبلغة الآخر ولغة العصر. فالأمة الإسلامية، وأكثر من أي وقت مضى، مطالبة بألا تتوقف عن عملية تعريف الآخر بالمصطفى وبالأنبياء والرسل وبالدين الحنيف وبالقرآن الكريم ومعانيه وعبره وأحكامه. كما من واجب الأمة الإسلامية كذلك نشر الرسالة والدعوة وتاريخ الحضارة العربية الإسلامية وعالمية الدين الإسلامي ومحاسنه ونعمه على البشر والإنسانية جمعاء. في عصر العولمة والمجتمع الرقمي يتوجب على المسلمين أن يضاعفوا مجهوداتهم ومساعيهم من أجل تجنيد وتسخير وسائل صناعة الرأي العام – وسائل الإعلام- لتلعب دورا إيجابيا بنّاء وليس دورا سلبيا هداما والذي يتمثل في نشر الصور النمطية ورسائل الحقد والكراهية والضغينة والمكائد للآخر. وسائل الإعلام العالمية يجب أن تسخر ويجب أن تكون مسؤولة وملتزمة بخدمة الإنسانية جمعاء ومسؤولة عن نشر الأمن والأمان والطمأنينة والتفاهم بين شعوب وأمم ودول العالم. ما نلاحظه في أيامنا هذه هو أن وسائل الإعلام أصبحت وسائل ووسائط لتلويث المحيط الفكري والثقافي على المستوى المحلي والدولي. وبدلا من تلطيف الأجواء ونشر قنوات التفاهم والتواصل والتسامح والتعارف من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء، نلاحظ أن وسائل الإعلام تصب الزيت على النار ونجدها في خدمة حفنة من أباطرة المال والسياسة، حفنة لا يهمها سوى الفتن والحروب والصراعات من أجل الكسب الوفير والسريع وابتزاز الشعوب التي لا حول ولا قوة لها. التحديات كبيرة وتحتاج إلى مساءلة الضمير الإنساني في الشمال كما في الجنوب وفي الشرق كما في الغرب من أجل التكامل بدلا من التنافر والتناحر. فالتكامل هو سنة الشعوب المتحضرة المثقفة الواعية التي تعتمد التسامح منهاجا لها للاستفادة من ثقافات وديانات وحضارات الآخرين وإفادة الآخرين بثقافاتها وعلومها وإنجازاتها.
1471
| 23 مارس 2013
تغنى وما زال الكثير من المختصين والباحثين والمنظرين في شؤون الصحافة والإعلام بأن الصحافة هي السلطة الرابعة التي تراقب السلطات الثلاث في المجتمع: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية. ومنهم من رأى أن الصحافة هي بارومتر الديمقراطية وهي الأساس في إنصاف الفقراء والمساكين والمهمشين، وهي الوسيلة الاستراتيجية للكشف عن الحقيقة واستقصاء الواقع حتى سماها الأمريكيون بـ" كلب الحراسة"، لكن واقع القرن الحادي والعشرين وواقع الحرب على الإرهاب يقولان إن الصحافة تحوّلت من السلطة الرابعة إلى وسيلة لتزييف الواقع وتضليل الوعي وفبركة الأحداث والقضايا وفق ما تمليه عليها قوى المال والأعمال والسياسة.. فوسائل الإعلام اليوم، في عصر الفضائيات والانترنت والمجتمع الرقمي، أصبحت تكيّف الأحداث والوقائع وفق القوى التي تتحكم في النظام، سواء كان ذلك النظام محليا أو عالميا. لقد كشفت الحرب على العراق الأخطاء والهفوات والانحرافات الخطيرة التي وقعت فيها وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم حيث إنها انجرت وراء أطروحات تجار الأسلحة والحروب من دون أن تتجرأ وتحاول أن تكشف عن الأساطير والأكاذيب وغيرها من آليات التضليل والتزييف التي تستعملها كبريات وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية. تركت أحداث 11 سبتمبر تداعياتها وانعكاساتها وبصماتها على جميع مجالات الحياة ليس في الولايات المتحدة فقط وإنما في جميع أنحاء العالم. فبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على ضرب رمز القوة الأمريكية في نيويورك وواشنطن، وضرب أكبر قوة في العالم في عقر دارها، وبعد عشرات الآلاف من المقالات والتقارير والدراسات والبرامج الحوارية والسياسية في المؤسسات الإعلامية المختلفة وعبر جميع أنحاء العالم، نتساءل عن الثمن الغالي الذي دفعته الصحافة والمضايقات والتجاوزات التي تعرضت لها من جهة، ومن جهة أخرى الانحرافات التي ارتكبت في حق الكلمة الصادقة والأداء الإعلامي الموضوعي والنزيه والمسؤول، والهادف من أجل تزويد الرأي العام بالحقائق والمعلومات والمعطيات. يبدو أن الخاسر الأول من أحداث 11 سبتمبر هي الممارسة الإعلامية وحرية الصحافة خاصة في الدول التي اشتهرت بتقاليد حرية الفكر والرأي والتعبير، تلك الدول التي بنت الديمقراطية على أكتاف الصحافة الحرة، القوية والفعالة. لكن ما حدث في التعامل مع وقائع 11 سبتمبر إعلاميا كشف أن وسائل الإعلام خانت رسالتها ولم تفلح في إنصاف جمهورها وإنصاف الرأي العام سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي لمعرفة حقيقة الحدث وخلفياته وأبعاده، وأهدافه؟ هل استطاعت وسائل الإعلام أن تزيح الالتباس والغموض والتضليل والتشويه والصور النمطية وتقدم الواقع كما هو؟ أم أنها تسارعت وتفننت في فبركة هذا الواقع، واقع 11 سبتمبر وفق أهوائها وأهدافها ومصالحها ضاربة عرض الحائط أدبيات الموضوعية والالتزام والمسؤولية والنزاهة وتقديم الحقائق كما هي لا غير. الصحفي تيسير علوني سجن في إسبانيا من دون محاكمة نزيهة ومن دون أدلة تذكر، وغيره كثيرون في أرجاء العالم والمبرر هو محاربة الإرهاب والأمن القومي وإلى غير ذلك من أدبيات أباطرة الرقابة والتسلط والتفنن في التعتيم والتكميم. هكذا إذن لم تصبح هناك فروق بين الدول السلطوية والدول التي تدعي الديمقراطية وحرية الفكر والرأي والتعبير وحقوق الإنسان. فأمريكا صاحبة " التعديل الأول" والبلد الذي يقدس حرية الصحافة، ضربت عرض الحائط ما بنته خلال ما يقارب ثلاثة قرون وأصبحت توّجه الأوامر لرؤساء التحرير وتتدخل في افتتاحيات المؤسسات الإعلامية مثلها مثل أي دولة سلطوية أو دكتاتورية في العالم. وهذا ما فعلته "كونداليزا رايس" باسم الأمن القومي والدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية. أسالت حادثة 11 سبتمبر الكثير من الأحبار وأفرزت اهتماما إعلاميا لا مثيل له في مختلف أنحاء العالم، فتهافتت المؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها وأشكالها ومشاربها المالية والأيديولوجية والسياسية لتقديم الأخبار والتعاليق والبرامج التحليلية والدراسات حول الأزمة وأبعادها وخلفياتها وتداعياتها. والسؤال المثير للجدل والنقاش والدراسة من قبل الأكاديميين والسياسيين والمهتمين هو كيف تعامل الإعلام مع حادثة 11 سبتمبر؟ هل طرح كل الأسئلة التي خطرت وتخطر ببال الفضوليين من القراء والمستمعين والمشاهدين؟ هل اهتمت وسائل الإعلام بمعرفة لماذا ضربت أمريكا دون غيرها؟ ومن ضرب أمريكا؟ وما هي الخلفيات والأبعاد؟ هل تساءلت وسائل الإعلام عن كيف كان بن لادن بطلا في الثمانينات وحليفا استراتيجيا لأمريكا في محاربة الاتحاد السوفييتي والشيوعية وكيف أصبح فيما بعد العدو اللدود لأمريكا؟ كيف كان بطلا وأصبح إرهابيا؟ ومن الذي صنع بن لادن؟ ماذا حدث؟ ما هي علاقة ما حدث بما يجري في العالم من استغلال وظلم وبطش وعدم تكافؤ في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية؟ ماذا عن الإرهاب التي تمارسه العديد من الدول؟ وما هو الإرهاب في المقام الأول؟هل تساءلت وسائل الإعلام الأمريكية عن عشرات الآلاف من الشباب العرب المسلمين الذين جنّدتهم وكالة المخابرات الأمريكية للجهاد في أفغانستان ضد العدو الشيوعي؟ أصبح الإعلام في القرن الحادي والعشرين صناعة تفبرك الواقع أكثر مما تشرحه وتفّسره كما هو للرأي العام. الإعلام في عصر المجتمع الرقمي أصبح قوة تقرأ الواقع وتفسره وفق القوى المالية والسياسية التي تتحكم فيه. تعتبر عملية إخفاء الحقيقة الدرجة العليا من الجريمة ومن الإرهاب، فتزوير الواقع وتشويهه والتلاعب بعقول الجماهير لإرضاء حفنة صغيرة جدا من تجار الأسلحة والحروب يفوق في خطورته أكبر الأعمال الإجرامية والإرهابية. الضمير المهني الإعلامي مطالب باستعمال المهنية والحرفية والأخلاق والالتزام بهدف التفاهم والتواصل والحب والوئام بين الأجناس والأعراق والشعوب حتى يصبح الإعلام مصدرا لنشر القيم الإنسانية والتسامح والمحبة والتفاهم واحترام الديانات والثقافات، وليس لإشعال نار الفتنة والحروب والجرائم وثقافة الإقصاء والحقد والكراهية والعنصرية بين الشعوب والدول والأمم.
2335
| 16 مارس 2013
في منتصف القرن الماضي تجاوزت الصحافة الأمريكية حدودها مما أدى بالساهرين على تطبيق التعديل الأول الأمريكي لإنشاء لجنة "هوتشينس" التي نظرت في التجاوزات والممارسات التي خرجت عن العرف والتقاليد العامة لأخلاقيات الصحافة، وكنتيجة لتقريرها ودراستها جاءت بمفهوم جديد وهو المسؤولية الاجتماعية للصحافة وكان هذا سنة 1947، وبعد خمسين سنة بالضبط وجدت الصحافة البريطانية نفسها أمام أزمة أخلاقية حادة أدت إلى نقاش جاد وصريح بين محترفي المهنة وبين النقاد والمشرفين على الصحف والمجلات وكذلك المختصين في شؤون قانون الصحافة وأخلاقياتها. والأمر هذه المرة كان خطيرا حيث إنه مسّ الأميرة ديانا والعائلة المالكة. وآخر ضجة عرفها المجتمع البريطاني هو ظهور كتاب "الملكيون" للكاتبة كيتي كيلي حيث جاء ليكمل ما تركته صحافة الإثارة وليكشف للعام والخاص عورة العائلة المالكة بكاملها والأميرة ديانا على وجه الخصوص. تتميز الصحافة الغربية خاصة الصحافة الجادة بالتنقيب والاستقصاء والتحري وهذا ما يسمى في الغرب بصحافة التحريات أو صحافة الاستقصاء investigative journalism بهدف تلبية حاجات المجتمع المعرفية وكذلك لمراقبة رجال السياسة وأصحاب السلطة والنفوذ والجاه والمال من التجاوزات واستغلال مناصبهم ونفوذهم لتحقيق أهدافهم الخاصة. من حيث المبدأ تظهر الأهداف نبيلة وشريفة، حيث استطاعت الصحافة الغربية أن توظف هذه الأهداف النبيلة في أرض الواقع. والأمثلة كثيرة على ذلك مثل استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وانسحاب "غاري هارت" من الانتخابات الأمريكية وهذا بعد ما فضحته وسائل الإعلام أمام الرأي العام الأمريكي بعدما قضى عطلة نهاية الأسبوع مع عشيقته "دونا رايس"، والأمثلة كثيرة ومتشعبة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا يحدث إذا تلاعبنا بهذه المبادئ وهذه الحرية لتحقيق أهداف ليست هي بالضرورة أهداف الغالبية العظمى من المجتمع وليست هي الأهداف النبيلة للصحافة والإعلام. فالإشكال المطروح هنا هو أن الصحافة الصفراء وصحافة الإثارة استغلت مركزها في المجتمع ونفوذها لتحقيق أهدافها بالدرجة الأولى وهذه الأهداف تتمثل في المبيعات وبذلك الإعلانات وبذلك الربح. فتدخل صحافة الإثارة والتابلويد في خصوصية المشاهير ورجال السياسة والأعمال أثار ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية والسياسية البريطانية بصفة خاصة، والغربية بصفة عامة. وجاء رد الفعل عنيفا حيث إن الجهات المختصة في المملكة المتحدة اتخذت إجراءات صارمة لتنظيم وتقنين العملية الإعلامية من دون المساس بطبيعة الحال بحرية الصحافة وبحرية الرأي والنقد. ففي مؤتمر صحفي أعلن اللورد "جون وايكهام" رئيس اللجنة الصحفية البريطانية للشكاوي ورئيس لجنة مراقبة الصحافة عن الإجراءات الجديدة التي أخذتها اللجنة لتضع حدا لتجاوزات الصحافة وتكرار مأساة ديانا. وشملت هذه الإجراءات حماية الحياة الخاصة للعائلة المالكة وللمشاهير ورجال الأعمال والسياسة،والأطفال وضرورة القضاء على سوق صور البابراتزي التي تلتقط بطرق لا تمت بأية صلة لأخلاقيات الصحافة والممارسة الإعلامية الشريفة والنزيهة والملتزمة. وهكذا جاءت مأساة ديانا وبعد فوات الأوان بنتائج تحمي أولادها وتحمي غيرها من الاستغلال البشع لصور تباع بمئات الآلاف من الدولارات، بل في بعض الأحيان بالملايين. وهكذا جاءت لجنة مراقبة الصحافة مثلها مثل لجنة "الهوشتينس" في الولايات المتحدة سنة 1947 بقانون جديد للممارسة والسلوك الإعلامي. وكان رد فعل الناشرين وأصحاب الجرائد وكبار المحررين البريطانيين جد إيجابي حيث رحب الجميع باقتراح اللورد "وايكهام". لكن كيف سيكون التطبيق في أرض الواقع خاصة أن الصحافة الصفراء تقوم أساسا على أخبار المشاهير وخصوصيتهم وأخبار الإثارة والجريمة والعنف والجنس. يرى الخبراء والمختصون في شؤون قانون الإعلام وحرية الصحافة، أنه ليس بالأمر السهل تحديد أين ينتهي حق الفرد في الخصوصية وأين تبدأ حرية الصحافة.ففي بعض الأحيان يأخذ الأمر وقتا طويلا ودراسة ومناقشة مستفيضتين لتحديد هل يجب علينا كصحفيين أن نكتب خبرا حول أمر معين أم لا؟ وفي هذه الحالة قد يضّيع الصحفي فرصة تغطية خبر يكون ذا أهمية للمجتمع ولحق الفرد في المعرفة. والإشكال الرئيسي الذي يواجه المهنة هو أن هذا القانون الذي وضعه المسؤولون في بريطانيا تقل أهميته ووزنه إذا لم تعمل به دول أخرى عبر العالم. فصور البابراتزي لها سوق عالمي وتباع في أهم عواصم العالم فإذا منعت في لندن وبيعت في روما فأين هي الجدوى منه، وأين هي الفائدة كذلك إذا لم يشمل هذا القانون الإنترنت والإعلام الإلكتروني بجوانبه المتعددة والمتشعبة - البث الفضائي-التلفزيون الكابلي والمشفر...الخ. فبين حق الجمهور في المعرفة وحق الفرد كذلك في خصوصيته يوجد تناقض كبير من الناحية العملية. ومنهم من يرى أن أية قوانين أو إجراءات تنظيمية لممارسة المهنة الصحفية ستحد من حرية الصحافة وسيستغل أصحاب النفوذ والجاه والمال مثل هذه الإجراءات للتهرب من التحقيقات والاستقصاءات حتى لا تكشف الصحافة عن أعمالهم التي قد تناقض القانون والأخلاق والصالح العام. السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الإشكالية: إشكالية الالتزام والإثارة هو ما هي الخدمة التي تقدمها الصحافة عندما تغطي خصوصية الآخرين، وخاصة إذا كانت الأمور تتعلق بالروتين والحياة العادية للنجم السينمائي أو للسياسي أو لرجل الأعمال. فإذا كانت التغطية لا تكشف عن عملية رشوة أو تجسس أو استغلال نفوذ، أي بمعنى آخر التصرفات التي تضر بالصالح العام، وإنما هي تغطية تافهة تستغل من قبل صحافة الإثارة لزيادة المبيعات وزيادة القراء والمشتركين وبذلك زيادة حجم وسعر الإعلانات، ففي هذه الحالة نلاحظ أن الصحافة ابتعدت -بمختلف المقاييس- عن مهمتها النبيلة في المجتمع. ومن هذا المنطلق يجب على مواثيق الأخلاق ولجان الصحافة عبر العالم أن تقنن وتنظم تعامل الصحافة مع الحياة الخصوصية للناس وهذا من دون المساس بحرية الصحافة في الكشف عن الحقيقة والدفاع من خلال عملها على الصالح العام. فقياس الغرض وتحديده في هذه الحالة يحدد الغائية والهدف والقصد والنية من وراء تغطية خصوصية الناس، هل الأمر يتعلق بخدمة الصالح العام وخدمة الجمهور أم البحث عن الإثارة لزيادة المبيعات والأرباح. والسؤال الذي يطرح نفسه حول إشكالية أخلاقيات الصحافة الغربية هو إلى أي مدى ستتخلص صحافة الإثارة من ممارساتها وتصرفاتها غير الأخلاقية وتنضم إلى صفوف الصحافة الجادة والصحافة المسؤولة والملتزمة بالبحث عن الحقيقة لخدمة الرأي العام والجمهور. الأمر ليس بالسهل خاصة أنه يتعلق بتغيير نمط وشكل ونوع المادة الخبرية التي تقدم إلى مستهلك عوّدته نفس هذه الصحافة على أنماط وعادات استهلاكية إعلامية تمجد الإثارة والجنس والفضائح والتشهير. هل ستتغلب الأخلاق والقيم على المادة وعلى الربح؟ سؤال يرجح الجانب المادي من دون شك رغم إيجاد قوانين ومواثيق لأخلاقيات الممارسة الصحفية.والأهم في كل ما تقدم أن الصحافة الغربية مثل كل أنواع الممارسات الإعلامية في العالم تعكس المجتمع الذي تعيش فيه بمختلف أبعاده القيمية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدينية. مجتمع في آخر المطاف يتميز بالمادية والسلوك الاستهلاكي بامتياز ويمثل المجال الحيوي الذي تعيش وتتنفس من خلاله هذه الصحافة. فالأزمة إذن هي أزمة مجتمع بكامله يصارع ليل نهار للحفاظ على قيمه ومثله التي تتدهور يوما بعد يوم.و هنا يجب الرجوع إلى الجذور وإلى أصل الأزمة وتشخيص الداء لتوصيف الدواء. وما تحتاجه الصحافة الغربية من مواثيق أخلاقية وقوانين ممارسة قد تحتاجه معظم القطاعات المختلفة والعاملة في المجتمع الغربي.
1699
| 09 مارس 2013
ارتبط تطور البشرية وازدهارها ارتباطا وثيقا بوسائل وقنوات الاتصال التي استعملها الإنسان وتفاعل معها عبر العصور والأزمنة. فقد تأثر تاريخ الحضارة تأثرا كبيرا بالاتصال. ففي كل مرحلة كان يستعمل فيها الإنسان وسيلة اتصال جديدة كان يترتب عليها احتكار للمعرفة ومن ثم السلطة. وهكذا عرف الإنسان البردي ثم الورق ثم الطباعة ثم اخترع التلغراف ثم التليفون، ثم جاء عهد الإذاعة ثم التلفزيون وبعدها جاء عهد الثورة الاتصالية بمفهومها الحقيقي والكامل وذلك باستعمال الحاسوب الآلي، والأقمار الصناعية والفاكس واستعمل الإنسان أكثر من وسيلة لتخزين المعلومات ومعالجتها وإرسالها عبر الأقمار الصناعية في ثوان معدودة. فإذا كان آخر القرن الثامن عشر يسمى بـ"الثورة الصناعية الأولى" وآخر القرن التاسع عشر أطلق عليه اسم "الثورة الصناعية الثانية" فإن الربع الأخير من القرن العشرين أصبح يعرف بـ "الثورة الاتصالية". والثورة الاتصالية في الحقيقية لم تأت هكذا فجأة وإنما تعود جذورها وإرهاصاتها الأولى إلى مطلع القرن العشرين. والثورة الاتصالية بمفهومها الحديث ستؤثر لا محال في المعرفة وحجمها وقنوات توزيعها والسيطرة عليها. والصراع العالمي الذي ستشهده البشرية في القرن الحادي والعشرين سيكون صراعا حول من يملك المعلومة ويسيطر على صناعة الصورة وصناعة الرأي العام وصناعة المعرفة . ففي الواقع جاءت الثورة الاتصالية لتكرس تفوق الشمال على الجنوب ولتزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا. فالثورة الاتصالية أدت إلى ظهور ما يسمى بالصناعات الثقافية هذه الصناعات التي غمرت العالم بإنتاجها وأدت بذلك إلى توحيد الرؤية والفكر حسب المعطيات والمبادئ والقيم التي يفرضها صاحب السلطة والجاه والمال. والإشكالية المطروحة في الثورة الاتصالية هي أن الدول الصغيرة والفقيرة قد قدمت على شراء التكنولوجية والوسائل والقنوات لتواكب التطور، لكنها عجزت عن إنتاج المعرفة والمادة الإعلامية التي توزع عبر هذه الوسائط التكنولوجية، وهكذا فإنها وجدت نفسها مضطرة على اقتناء البرمجيات والمادة –الرسالة والمحتوى- التي تبث وتوزع عبر الوسائل والتكنولوجيات المختلفة. والتناقض المطروح هنا هو أن هذه البرمجيات وهذه المادة التي تقبل معظم الدول في العالم على اقتنائها من حفنة من الشركات العالمية لإنتاج البرامج تحمل في طياتها قيما ومبادئا قد تتنافى وتتعارض مع قيم معظم الدول في العالم، وهذه السيطرة على الإنتاج تؤدي كذلك إلى عولمة الإعلام وعولمة الثقافة وتؤدي إلى السيطرة على الرؤى والقيم والمبادئ. فالثورة الاتصالية أدت إلى ظهور فضاء إعلامي عالمي عابر للدول والقارات سواء عن طريق البث الفضائي المباشر أو الانترنت، وهذا ما أدى إلى عولمة الإعلام والثقافة التي تعتر نتيجة حتمية للثورة الاتصالية وللتطور المذهل في وسائل الاتصال والنقص الكبير في الإنتاج الإعلامي والثقافي على مستوى كل دولة. وبهذا تربعت الولايات المتحدة الأمريكية على إنتاج الثقافة الأحادية والموحدة التي تهيمن وتسيطر على معظم القنوات التلفزيونية العالمية. وأصبح صانع ومنتج الرسالة والصورة في المجال الإعلامي والثقافي يفكر في سوق عالمية وليس في سوق محلية لكن هذا لا ينفي أنه يفكر بقيم ومعتقدات وبأفكار وأيديولوجية لا تخرج عن الإطار المرجعي لثقافته وبيئته ومجتمعه. وهذه المعادلة تؤدي من دون شك إلى تبعية معظم دول العالم وشعوبها إلى الحفنة القليلة من الدول التي تنتج ما يبث عبر تلفزيونات العالم وباقي الوسائط الإعلامية المختلفة. والإشكالية الأخرى المطروحة هنا فيما يتعلق بالثورة الاتصالية والعولمة الثقافية هي إن الشركات متعددة الجنسيات التي تسيطر على الإنتاج السمعي البصري على المستوى العالمي هي مؤسسات تحكمها المادة والربح والأيديولوجية، وهكذا نلاحظ ظهور البارونات في هذا الميدان أمثال "تاد ترنر" و "روبرت موردوك،" و "روبر هيرسان" وتجمعات كبيرة جدا مثل "جانات فونداشن"، و "سكريبس هوارد "و" تايم وارنر"...إلخ. فهذه التكتلات تنعم برأسمال يقدر بمليارات الدولارات ومستعدة لاستثمار مئات الملايين من الدولارات على إنتاج المواد الثقافية والإعلامية بمختلف أنواعها وأشكالها (أفلام، مسلسلات، أفلام وثائقية، دراسات، تحاليل...إلخ). أما بالنسبة للدول النامية، والتابعة، والمغلوب على أمرها فإنها لا تستطيع أن تنتج المادة الثقافية التي هي بحاجة إليها، وهذا نظرا لقلة الإمكانات المادية ولنقص الإطار البشري المتخصص والمؤهل، كما أن شراء المادة الثقافية المعلبة يكون أقل تكلفة بنسبة كبيرة من لو أن هذه الدول أقبلت على الإنتاج بنفسها. وتنسحب هذه القاعدة على غالبية الدول في العالم الثالث ماعدا القليل منها مثل الهند ومصر. يقدر الإنفاق الإعلاني في الولايات المتحدة الأمريكية بمئات المليارات من الدولارات سنويا وهذا الرقم يعني الكثير حيث إنه يساهم بدرجة كبيرة وبطريقة كبيرة في تمويل الصناعة الثقافية الأمريكية وفي تمويل الكم الهائل من المؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها وأشكالها. هذا الحجم الإعلاني الكبير يوفر المستلزمات الضرورية للصناعات الثقافية الأمريكية لتفرض نفسها وتبسط نفوذها على العالم إذ نلاحظ أن سعر المنتجات الثقافية يكون رخيصا وفي متناول أي دولة في العالم مهما كانت مخصصاتها المالية للبرامج والمنتجات الإعلامية والثقافية. وبطبيعة الحال فإن الصناعات الثقافية الأمريكية ليست صناعات محايدة وإنما هي صناعات تعكس النمط الأمريكي في مختلف جوانب الحياة كما تعكس القيم والمعتقدات والأيديولوجية الأمريكية. وكنتيجة لكل هذا أصبحت مطاعم "الماكدونالد" موجودة في مختلف عواصم ومدن العالم - أكبر مطعم ماكدونالد في العالم يوجد في موسكو- وأصبح "رامبو" و " ميكي ماوس" وكرة السلة الأمريكية عناوين للنجاح والشهرة والعالمية والقوة. وهكذا نلاحظ أن الهوة بين الدول المالكة لتكنولوجية الاتصال وللصناعة الثقافية والدول المستهلكة سواء لتكنولوجية الاتصال أو لمحتواها تزيد عمقا يوما بعد يوم ولصالح الحفنة القليلة التي تهيمن وتسيطر وتفرض ما يحلو لها وما يخدم مصالحها وأهدافها. وهكذا فإن ظهور المجتمع المعلوماتي والرقمي في الربع الأخير من القرن العشرين يرفع تحديات كبيرة ومصيرية أمام الدول العربية حيث الحاجة إلى إعادة النظر في السياسة الاتصالية ووضع إستراتيجية إعلامية تقوم على التكوين والدراسات والبحوث والإنتاج وتخصيص موازنات معتبرة تليق بحجم التحدي والرهانات المستقبلية لصناعة الصورة والرأي العام.
3457
| 02 مارس 2013
ناقشت ندوة "المغرب العربي والتحولات اٌلإقليمية الراهنة" التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات أيام 16 و17 فبراير الماضي في العاصمة القطرية الدوحة الإصلاحات السياسية والدستورية في المغرب العربي، مشاريع التنمية والعلاقات الاقتصادية، تداعيات الربيع العربي على المنطقة، أزمة شمال مالي وتأثيراتها الإقليمية، الاتحاد المغاربي وإدارة الأزمات، الاتحاد المغاربي والسياق الإقليمي والدولي والمغرب العربي والمشرق العربي..سياقات متداخلة. الندوة جاءت في الوقت المناسب حيث إنه بعد مرور أكثر من عامين على الربيع العربي وبعد التغييرات التي حدثت في كل من تونس وليبيا لم تتغير الأمور قيد أنملة بالنسبة للاتحاد المغاربي، وأقل ما يقال عن هذا التجمع أنه فقد سبب وجودة وأنه أصبح جسما بلا روح. تفاءل كثيرون بالربيع العربي وبالتغييرات التي شهدتها كل من تونس وليبيا وزحف الإسلاميين على البرلمان في المغرب وحراك سياسي نحو التغيير والقطيعة مع الفساد في كل من الجزائر وموريتانيا. فالكل كان ينتظر ربيعا لاتحاد المغرب العربي ومستقبلا زاهرا لشعوب المنطقة. هل ستستفيد دول المنطقة من هذه الأحداث لترى اتحاد الشعوب الذي يحقق التكامل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. هل سيساعد النظام الجديد في تونس وفي ليبيا في إيجاد استراتيجية جديدة لبعث الاتحاد وإخراجه من حالة الاحتضار التي يعاني منها إلى حالة من النشاط والحيوية والتعاون والتكامل بين دوله. الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بعد تسلمه الحكم زار دول المنطقة وأعلن عازما ومتفائلا وحازما أنه سيغير مجريات الأحداث وسينفخ الروح في الاتحاد المغاربي ووعد بقمة مغاربية في سنة 2012، لكن شيئا لم يتجسد في الميدان من أقوال ووعود المرزوقي. فرغم الربيع العربي والتغيرات التي شهدتها المنطقة ما زال الاتحاد المغاربي يحتضر وأصبح يوما بعد يوم يفقد حتى أسباب ودواعي وجوده. أيعقل أن نتكلم عن اتحاد مغاربي والحدود مغلقة بين أكبر دولتين في الاتحاد والتي تضمان فيما بينهما ما يقارب 80 مليون نسمة. هل يعقل ألا تتجاوز التجارة البينية بين دول الاتحاد 4%؟ ماذا عن الربط الكهربائي؟ ماذا عن سكة حديدية تسافر عبرها شعوب المنطقة من الرباط إلى نواقشوط مرورا بالجزائر وليبيا وتونس؟ ماذا عن التعرفة الجمركية؟ ماذا عن التكامل في المجال الزراعي والصناعي؟ ماذا عن التعليم العالي والبحث العلمي؟ والقائمة قد تطول وشعوب المنطقة طال انتظارها في عصر التكتلات والكيانات الإقليمية. فالاتحاد عجز حتى عن تنظيم كأس الاتحاد المغاربي لكرة القدم للأمم أو للفرق الفائزة بالكأس أو البطولة. المنطق يقول إن التغييرات التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة تبشر بالخير وتؤشر لربيع على مستوى الممارسة السياسية والديمقراطية وصناعة القرار. وإذا شاركت الشعوب المغاربية في الفعل السياسي فإنها وبدون أدنى شك ستعمل على التكامل بين الدول الخمس بما يعود بالفائدة على المنطقة برمتها. فالمنطقة مؤهلة بثرواتها وخيراتها ومواردها المادية والبشرية للنجاح والتكامل الاقتصادي. بطبيعة الحال كل شيء سيتوقف على نجاح المرحلة الانتقالية في كل من تونس وليبيا ونية السياسيين وصناع القرار في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا في خدمة شعوبهم بدلا من الاستثمار في الخلافات والوضع الراهن من أجل الاستمرار في السلطة. فالاتحادات والتحالفات بين الدول نجحت بفضل الديمقراطية ونجحت بفضل الحكم الرشيد والاستغلال الأمثل للثروات المادية والبشرية في كل قطر على حدة ثم في الأقطار المتحالفة والمتحدة مجتمعة. فالاتحاد المغاربي بحاجة إلى دول مغاربية قوية في الحكم الراشد والديمقراطية والتواصل الفعال بين القمة والقاعدة. في الفترة ما قبل الربيع العربي كان هناك حكم تسلطي استبدادي في ليبيا وحكم فاسد في تونس. أما بالنسبة للجزائر والمغرب وموريتانيا فهناك حاجة ماسة إلى النظر إلى الأمور والمعطيات بمنطق جديد وهو منطق يقوم على احترام الحريات الفردية واحترام الشعب وإشراكه في العملية السياسية وفي صناعة مصيره ومستقبله. نجاح الاتحاد يتوقف على نجاح كل دولة على حدة فيما يتعلق بالمجتمع المدني، والفضاء العام والأحزاب السياسية والمعارضة والنظام الإعلامي الحر والمسؤول والملتزم والفصل بين السلطات والقضاء العادل...الخ. لقد حان الوقت بالنسبة لدول المنطقة أن تحارب الفساد وإهدار المال العام وعدم الاستغلال الرشيد للثروات المادية والبشرية. لقد حرك الربيع العربي المياه الراكدة ووجه إنذارا شديد اللهجة لتلك الأنظمة التي ما زالت بعيدة كل البعد عن شعوبها وعن الواقع وما زالت تعاني من فجوة كبيرة بين آليات الحكم التي تمارسها والواقع. لكن بعد مرور سنتين على الربيع العربي ما زال الاتحاد المغاربي يحتضر ومازالت أسباب أفوله تتفوق على أسباب نجاحه. فرغم تحديات العولمة وتربصات الاتحاد الأوروبي بالدول المغاربية والتنافس الأوروبي الأمريكي على المنطقة، نلاحظ أن دول المغرب العربي لم تدرك حتى الساعة، أو بالأحرى لم تنجح في وضع آليات عملية للتكامل الاقتصادي وللعمل المشترك من أجل إقامة كيان موحد يستطيع أن يواجه التكتلات المختلفة في العالم. أزمة القضية الصحراوية وتعقدها بالنسبة للمملكة في المغرب والنظام في الجزائر كانت وما زالت الحجرة التي انكسرت عليها كل محاولات العمل المشترك بين دول الاتحاد. وهذا ما يتطلب دراسة هذه المشكلة وحلها في أقرب الآجال بطريقة ترضي الجميع ومن أجل مصلحة الجميع. الفعل الديمقراطي في دول الاتحاد مغيّب، ونلاحظ أن طاقات هائلة سواء كانت مادية أو بشرية غير مُستغلة بطريقة جيدة. فالقرار لا يُتخذ بطريقة مدروسة وعلمية والسلطة تعيش بعيدة عن هموم ومطالب الشارع. النظام الإعلامي لا يقوم بدوره الحقيقي وما يفعله هو التملق والتسبيح والتمجيد. فالفجوة إذن كبيرة جدا بين السلطة والجماهير، هذا على مستوى كل دولة في الاتحاد، فكيف تنجح هذه الدول في تحقيق عمل مشترك وهي عاجزة على تجسيد قواعد الديمقراطية داخل حدودها. فدول الاتحاد اليوم عاجزة عن إنشاء شبكة سكك حديدية مشتركة ولا طريق سيار يربط دول المنطقة، ولا ربط كهربائي تستفيد منه كل دول الاتحاد. ومن هنا فإن اتحاد الشعوب مغيّب تماما، والعمل المشترك بين دول الاتحاد نجده غائبا على مختلف المستويات سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد أو التعليم أو الثقافة أو الرياضة...الخ. فبدون تكامل اقتصادي وبدون تبادل في مختلف المجالات بين شعوب المنطقة لا يُكتب النجاح للاتحاد المغاربي ويبقى بذلك جسدا بلا روح. دول الاتحاد المغاربي بحاجة إلى وقفة مع الذات لتحديد آليات التغيير والتأقلم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. التغيير لا بد منه ويجب أن يأتي من الداخل وبإيمان عميق من صانع القرار. فمستقبل الاتحاد المغاربي يكمن في تحرير المواطن المغاربي وإعطائه إمكانات الابتكار والإبداع والتميز حتى يساهم بطريقة إيجابية وفعالة في بناء مستقبله ومصيره. لقد حان الوقت أمام دول الاتحاد المغاربي لتعي أنها أمام اختيارين لا ثالث لهما، إما الإصلاح والشروع في الديمقراطية والتخلي عن الآليات البالية السلطوية التعسفية، أو المحافظة على الوضع الراهن وهذا يعني الموت البطيء للاتحاد المغاربي والعمل المشترك والخنوع والخضوع للقوى الخارجية التي تتربص بالمنطقة. فالسلطة الحقيقية تكمن في الشعب وليس في أجهزة البوليس والمخابرات وقوات الردع. الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوضاع دول الاتحاد بإجراء إصلاحات حقيقية على المستوى الداخلي لكل قطر وعلى مستوى العلاقات بين دول الاتحاد بما يحقق التنمية الشاملة والإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفكرية في إطار نظام مغاربي متكامل يقوم على الديمقراطية واحترام شعوبه بالدرجة الأولى واحترام الدول الأعضاء من دون مزايدة ولا مساومة.
719
| 23 فبراير 2013
لعبت الصحافة النسائية العربية عبر التاريخ دورا هاما في معالجة قضايا المرأة وتحريرها وكانت بدايتها الأولى في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بداية مشرفة حيث أسهمت في تحرير المرأة والعمل على إدماجها في المجتمع في مختلف المجالات والقطاعات. وكان دورها فعالا في تعليم المرأة وتحريرها من مختلف القيود والأفكار الرجعية المتخلفة. وبفضل المجهودات الجبارة لدعاة تحرير المرأة وإشراكها في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وبفضل المجلات والصحف المختلفة عبرت المرأة عن إرادتها وعن قدرتها في خوض مجالات الحياة المختلفة جنبا إلى جنب مع الرجل، وكان لها الشرف أن شاركت في الحروب والثورات التي أدت إلى الاستقلال ونيل الحرية والتخلص من الاستعمار الأوروبي. وكانت الصحافة النسائية العربية آنذاك صحافة تنبع من أعماق مشاكل المرأة العربية وهمومها وطموحاتها. واتسمت قيم ومبادئ ورسالة الصحافة النسائية آنذاك بالأصالة والجدية والاحترام التام لمبادئ الدين والتقاليد والعادات الأصيلة. وكانت الصحافة في ذلك الوقت صحافة قضية ومبادئ ورسالة نبيلة، لم يكن يشغلها الربح ولا الإعلانات ولا أخبار الموضة والأزياء والنجوم. صحافة زمان فتحت أبوابها للمرأة الشاعرة وللقاصة وللمهندسة وللطبيبة وللجامعية وللممرضة للتعبير عن أفكارها وآرائها ومشاكلها وهمومها. هذه الصحافة كانت قناة لحرية التعبير ولحرية الفكر والرأي واستطاعت بذلك أن تساهم في تكوين الرأي العام وفي إسماع صوتها للمجتمع. أما صحافة اليوم فالموضوع تغير جذريا ودخلت على الخط متغيرات محورية كالإعلان وصحافة النجوم والمشاهير والإثارة والغرابة. عند الكلام عن الصحافة النسائية أول تساؤل يلفت انتباهنا هو ما هي مكانة المرأة العربية في المجتمع وما هو دورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.. الخ؟ وإلى أي مدى استطاعت المرأة أن تفرض وجودها وتطرح مطالبها وتشارك في الحياة بمختلف دروبها وأبعادها؟ التساؤل الثاني يجرنا لمحاولة معرفة ما هو عدد الصحفيات اللواتي يمارسن المهنة في مختلف المؤسسات الإعلامية، ورغم أن الجنس اللطيف يفوق الذكور في تركيبة النوع في جل الدول العربية إلا أن عدد الصحفيات وحسب نتائج الدراسات الأخيرة للقائمين بالاتصال لا يتجاوز الـ 25 % من العدد الإجمالي للصحافيين الممارسين. وهذه النتيجة تقودنا إلى تساؤل أخر وهو ما هي المناصب القيادية التي تتمتع بها الصحفية العربية في المؤسسة الإعلامية؟ والإجابة تبعث على التشاؤم حيث إن نسبة قليلة جدا من الصحفيات وصلت إلى منصب رئيس قسم، أو رئيس تحرير أو مدير. وهذا يعني الكثير بالنسبة لفعالية العنصر النسوي ومشاركته في اتخاذ القرار. كيف ينظر المجتمع إلى المرأة؟ وكيف ينظر إلى المرأة العاملة وعلى وجه الخصوص المرأة الصحفية. والملاحظ أن الصحافية تعاني من مشاكل عديدة، فإنها تعاني من نفس المشاكل الذي يعاني منها الصحفي الرجل إضافة إلى مشاكل أخرى خاصة بها كامرأة تمارس عملها في مجتمع رجالي ما زال ينظر إلى المرأة كعنصر تابع غير قادر على الإنتاج والعطاء إلا في البيت. كل هذه المشاكل والعراقيل أدت بطبيعة الحال إلى خروج الصحافة النسائية عن مسارها الصحيح وخروجها عن الاهتمامات والمشاكل الحقيقية - التي لا تحصى ولا تعد - للمرأة في الوطن العربي وراحت تهتم بالقشور وبالشكليات. وهكذا دخلت قيم خبرية وإعلامية على الصحافة النسائية العربية لا علاقة لها بواقع المرأة ومشاكلها في الوطن العربي وتفننت المجلات النسائية في التسابق على عرض مواد التجميل والطبخ والأزياء والموضة ومختلف أنواع الكماليات وكذلك الأثاث وتقنيات الرشاقة وأخبار النجوم والأغاني والأفلام وقصص الحب التي تنتهي بالذبح والقتل والجرائم وكذلك مواضيع الحب والغرام. وهكذا أفرغت الصحافة النسائية المرأة من محتواها الحقيقي ومن قيمتها الإستراتيجية في المجتمع وأكدت أن المرأة يتحدد وجودها وينتهي في المطبخ وفي التجميل والموضة والرشاقة. وهذا في حقيقة الأمر ظلم للمرأة العربية التي فرضت نفسها في جميع المجالات من العلم إلى السياسة إلى الاقتصاد إلى المحاماة.. الخ. فالمجلات النسائية تقدم المرأة وكأنها لم تقتحم السياسة والتجارة والاقتصاد والجامعات ومراكز البحوث والرياضة والطب والتعليم ومجالات أخرى كثيرة ومتشعبة. وهكذا بليت الصحافة النسائية بداء القيم الغربية وأصبحت صورة طبق الأصل للمجلات النسائية الغربية التي تتعامل مع المرأة وكأنها سلعة وحاجة وشيء لا أكثر ولا أقل. تجدها في إعلانات السيارات والعطور وفي غلاف المجلات والصفحات الأولى من المطبوعات لضمان البيع. هذه القيم يغلب عليها طابع التبسيط والتسطيح والتهميش والسلوك الاستهلاكي والتركيز على الشكليات، وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى الابتعاد وعدم التطرق للمواضيع الحساسة والرئيسة التي تشغل المرأة وواقعها واهتماماتها وهمومها ومشاكلها. فبدلا من معالجة قضايا مثل العلاقة بين الزوج والزوجة أو العلاقة بين الأولياء والأولاد أو العلاقة بين المرأة والمجتمع، ومشاكل المرأة العاملة، أو على سبيل المثال مشاركة المرأة في الحياة السياسية ومساهمتها في الحركة الثقافية والرياضية والاجتماعية نجد الصحافة النسائية منهمكة في مواضيع لا تثري ولا تفقر الغالبية العظمى من النساء. إذا أردنا أن نقيّم ونحكم على الصحافة النسائية يجب علينا أن نسأل أولا ماذا نريد من هذه الصحافة؟ وما هي أهدافها، وكيف تنظر هذه الصحافة للمرأة؟ هل الهدف من هذه الصحافة هو الإعلانات وتحقيق الأرباح؟ أم الهدف هو تغيير واقع المرأة والعمل على تطويرها وازدهارها ورقيها ورفع مستواها التعليمي والثقافي والعمل على إدماجها في المجتمع؟. هل تهدف الصحافة النسائية إلى طرح المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المرأة في المجتمع بكل موضوعية وبكل صراحة وبكل حرية وديمقراطية؟ هل الصحافة النسائية هي منبر للمرأة تجد ذاتها فيها وتعبر عن أهدافها ومطامحها، أم هي صحافة تعمل على تهميش المرأة وتفريغها من محتواها الحقيقي؟ هل تعمل هذه الصحافة على تشجيع المواهب والعنصر النسائي في مختلف مجالات الحياة؟ هل الهدف من هذه الصحافة هو ترسيخ العادات والتقاليد والثوابت والمعتقدات وإرساء القيم العربية الإسلامية؟ هل الهدف من الصحافة النسائية هو بعث التراث والاهتمام بتاريخ المرأة وبتاريخ الحركة النسائية وإنجازاتها عبر العصور؟ وأخيرا هل الهدف من الصحافة النسائية هو تحسين أوضاع المرأة وتطويرها وبذلك تغيّير الواقع أم الهدف هو تكريس الوضع الراهن؟ ومن هنا تكون هذه الصحافة ناقلة وليست مغييرة. في عصر المجتمع الرقمي والإعلام الجديد والشبكات الاجتماعية يتحتم على المرأة وعلى الصحافة النسائية أن تخرج من روتين الأزياء والموضة وأخبار النجوم والفضائح وأن تلتزم منهجية وإستراتيجية تؤهلها لأن تكون أكثر جدية وأكثر فعالية حيث تستطيع المرأة من خلال الصحافة الملتزمة والمسؤولة أن تلعب دورها كما ينبغي وأن تكون لها كلمتها في الرأي العام وفي المشاركة السياسية وفي اتخاذ القرار. فالصحافة الفاعلة هي الصحافة التي تغيّر والتي تنتقد والتي تصحح والتي تؤثر في مجريات الأمور، والتي تمّكن الشرائح الاجتماعية المختلفة من تثبيت ذاتها والقيام بدورها في المجتمع على أحسن ما يرام.
5095
| 16 فبراير 2013
يقف أهل المهنة والمهتمون بشؤونها والدارسون والباحثون في علاقة السلطة بوسائل الإعلام وحرية الصحافة عند المشكلات والعراقيل والتصفيات الجسدية والاغتيالات وغيرها من المضايقات التي يتعرض لها الصحفيون في مختلف دول العالم لتحديد بؤس حرية الصحافة وانعدامها في معظم الدول العربية. مراجعة الذات وتقييم الوضع في الوطن العربي تستوقفنا عند أوضاع الصحفي وما آلت إليه الممارسة الإعلامية، وهل تغيّرت الأحوال والظروف، وهل تحسنت أوضاع حرية الصحافة بعد الوعود بالحرية والديمقراطية وتحسين قوانين وتشريعات المهنة والقائمين بالاتصال؟ أم بقيت على حالها؟ أم أنها ازدادت سوءا وتدهورا؟. دون أدنى شك، العالم العربي بحاجة إلى إعلام حر قوي وفعال وبحاجة إلى إعلاميين أكفاء ومؤهلين للقيام بدورهم الإستراتيجي في المجتمع على أحسن وجه. هذا يعني أن المؤسسة الإعلامية والصحفي بحاجة إلى مناخ ديمقراطي وإلى قوانين شفافة وواضحة تحمي المهنة والصحفيين من المتطفلين والانتهازيين الذين يستعملون المنابر الإعلامية لتشكيل الرأي وتكييف وفبركة الحقيقة حسب مصالحهم وأهدافهم. فلماذا لا تكون المؤسسة الإعلامية في الوطن العربي مؤسسة مسؤولة وحرة وفاعلة تساهم في البناء من خلال الكشف عن الحقائق وتوفير منابر للرأي والرأي الآخر؟. لماذا لا تُعطى المؤسسة الإعلامية الإمكانات اللازمة حتى تلعب دورها الإستراتيجي والفعال في المجتمع؟ لماذا يُنظر دائما للمؤسسة الإعلامية على أنها خطر ومصدر مشاكل عديدة ومتنوعة للسلطة؟ لماذا لا يحظى الصحفي بالثقة ولا يعطى الوسائل والظروف اللازمة حتى يؤدي رسالته على أحسن ما يرام ويقوم بمهمة الإعلام والإخبار والتحقيق والكشف عن المساوئ والسلبيات والأمراض الاجتماعية بمختلف أنواعها وأشكالها ومهما كان صاحبها ومصدرها بكل حرية ومسؤولية وشجاعة. والغريب في كل هذا أن في الكثير من الدول العربية نجد القادة وكبار السياسيين وأصحاب السلطة والنفوذ يتغنون بحرية الصحافة ويطالبون بالحاجة الماسة إليها ودورها الإستراتيجي في المجتمع وهم من الأوائل الذين يعملون على تكميم وتقييد المؤسسات الإعلامية والسيطرة عليها بمختلف الطرق والوسائل والأساليب والآليات. تعتبر حرية الصحافة والديمقراطية وجهين لعملة واحدة، فلا نظام ديمقراطيا من دون منظومة إعلامية قوية وفاعلة ومشاركة في الحياة السياسية وعملية اتخاذ القرار. وأهم العراقيل التي تقف حاجزا أمام حرية الصحافة في معظم الدول العربية والدول النامية القوانين الجائرة والصارمة التي تحد من إبداع الصحفي ومن عطائه، أضف إلى ذلك أن معظم قوانين النشر والمطبوعات وتشريعات الصحافة تفرض على القائم بالاتصال ممارسة الرقابة الذاتية أو الحذف الذاتي وهكذا تصبح الآلة الإعلامية عالة على المجتمع بدلا من أن تكون عنصرا فعالا تسهم في محاربة الآفات الاجتماعية وتشارك في تنوير الرأي العام وإشراكه في الحسم في القضايا المهمة والعديدة في المجتمع وهكذا تصبح المؤسسة الإعلامية حبيسة مكبلة في يد القلة الحاكمة التي تجعل منها المنظر لشرعيتها ولقراراتها وسياساتها سواء كانت صائبة أم مخطئة والمشرع لبقائها واستمرارها. حرية الصحافة ترتبط كذلك بالكثير من المعطيات والمستلزمات التي يجب أن تتوفر في المجتمع، ومن هذه المستلزمات فلسفة ونظرة السلطة والمجتمع لوسائل الإعلام، كذلك النضج السياسي والممارسة السياسية لدى الشعب، وكذلك وجود الجمعيات السياسية القوية وجماعات الضغط والمجتمع المدني والفصل بين السلطات وسيادة القانون. تكمن جدلية حرية الصحافة والديمقراطية أساسا في أن الأخيرة تقوم أساسا على الاتصال السياسي وحرية التعبير والفكر وصناعة الرأي العام التي تقوم على التدفق الحر للآراء والمعلومات والمعطيات، الأمر الذي لا يتحقق إلا بوجود إعلام يراقب وينتقد ويكشف ويحقق. فالأطراف الفاعلة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بحاجة إلى وسائط إعلامية ومنابر للمعارضة والاختلاف في الرأي، والتعبير عن وجهات النظر المختلفة.. إلخ. إن أي تراجع في حرية الصحافة يعني تراجعا في الديمقراطية وتاريخ حرية الصحافة في العالم يؤكد فكرة التأثير المتبادل بين الديمقراطية والصحافة. فالأنظمة السياسية الدكتاتورية أو السلطوية لا يمكنها أن تفرز صحافة قوية تعكس نبض الشارع وهموم ومشاكل الجماهير، بل تنتج صحافة تكون بعيدة كل البعد عن الشارع وعن واقع الجماهير العريضة في المجتمع. والشيء نفسه يمكن قوله عن تلك الأنظمة التي لا تؤمن بالتعددية الحزبية والتداول على السلطة وحرية الرأي والتعبير. فصحافة هذه الأنظمة تكون دائما أحادية الاتجاه تخدم من يشرف عليها ويمولها ويسيطر عليها وتتفنن في التملق والمدح والتسبيح. إلى متى تبقى قوانين النشر والمطبوعات وقوانين الإعلام في الوطن العربي جائرة ومستبدة؟ إلى متى تبقى هذه القوانين والتشريعات قوانين عقوبات وإجراءات تعسفية ضد الصحفي الذي لا حول ولا قوة له؟ فهذه القوانين كان من المفروض أن تنظر في الجهات التي تحتكر الكلمة والصوت والصورة للاستغلال والتزييف والتملق والتهميش وتعاقبها، هذه القوانين كان من المفروض أن تضع الخطوط الحمراء التي لا يجب أن تتجاوزها السلطة السياسية والمالية في التحكم والتلاعب بالمؤسسات الإعلامية كما تشاء ووفق مصالحها وأهدافها. مازالت السلطة في الدول العربية تنظر إلى المنظومة الإعلامية والمؤسسة الإعلامية على أنها أداة لتثبيت شرعيتها وبسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي بعيدا عن طموحات الجماهير ومطالبهم. السلطة في الوطن العربي فشلت في بناء المؤسسات اللازمة لضمان المشاركة السياسية الفاعلة ولضمان رأي عام قوي وفعّال. وكنتيجة حتمية لكل هذا فإنها فشلت كذلك في بناء نظام إعلامي إيجابي وفعال وليس سلبيا ومفعولا به، نظام إعلامي يؤمن بالاتصال الأفقي ويعمل على إشراك مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية وفي اتخاذ القرار، نظام إعلامي همّه الوحيد هو كشف الأخطاء والعيوب وتقديم الحقيقة للرأي العام وليس التلميع والتملق والتنظير للسلطة السياسية والمالية. وما دام أن ثقافة الرقابة والرقابة الذاتية ما زالت سائدة ومنتشرة في ربوع الوطن العربي فلا مجال للكلام عن حرية الصحافة وعن السلطة الرابعة. يحتاج النظام الإعلامي العربي الراهن إلى نظرة نقدية جادة مع نفسه كما يحتاج إلى مراجعة مع الذات وهذا للوقوف على السلبيات والتعلم من الأخطاء والهفوات السابقة للانطلاق بخطى قوية وإيجابية نحو مستقبل لا يكون فيه الإعلام وسيلة للسيطرة والتحكم والتلميع والتملق والتنظير وإنما وسيلة للحرية والعلم والمعرفة والتفكير والإبداع والاختلاف في الرأي ومنبرا لسوق حرة للأفكار. تحديات الألفية الثالثة كبيرة وجسيمة وتتطلب إعلاما قويا وصناعات إعلامية وثقافية قوية وفاعلة سواء على المستوى المحلي أو الدولي، فحرية الصحافة هي أساس كل الحريات وهي حجر الأساس لأي بناء ديمقراطي في المجتمع.
8060
| 10 فبراير 2013
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4791
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3477
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2865
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2670
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2595
| 21 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1428
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1038
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
954
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
831
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
807
| 17 أكتوبر 2025
في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...
765
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية