رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

متاعب العلاقات العامة في الوطن العربي

تعتبر العلاقات العامة كعلم وفن وممارسة كما نعرفها اليوم منتج من منتجات القرن العشرين، تطورت ونمت وانتشرت بتطور الوسط الاقتصادي والإداري والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي تعمل فيه. كانت بدايتها الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية على يد صحفيين مخضرمين اقتنعوا بأن الكثير من المشاكل التي تحدث ما بين المنظمات وجماهيرها تعود أسبابها إلى انعدام أو ضعف الاتصال بشتى أنواعه وأشكاله بين مختلف الأطراف. والالتباس الذي اقترن بالعلاقات العامة كان يتمثل دائما في مفهومها والنظرة إليها وكذلك تطورها عبر الدول والمجتمعات. فإذا كانت العلاقات العامة قد تطورت وانتشرت في المجتمع الأمريكي اعتبارا من الثلث الثاني من القرن العشرين فنجدها في معظم باقي دول العالم ما زالت في مراحلها الأولى وما زالت النظرة إليها كوظيفة وكعلم وكفن يشوبها الكثير من سوء الفهم والالتباس وفي الكثير من الأحيان التبسيط والتهميش. الكلام عن صناعة العلاقات العامة في الشرق الأوسط يقودنا لمراجعة أربعة عقود من الممارسة في الميدان ومن التعليم والتدريس الأكاديمي في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي. العلاقات العامة كمهنة فرضت نفسها في جميع مجالات الحياة. فنجدها في السياسة والاقتصاد والسياحة والطب والرياضة والتعليم...الخ. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل تمارس هذه المهنة بمهنية وحرفية وبجودة من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منها أم أن هناك نقائص وتجاوزات واختراقات لأسس ومبادئ هذه المهنة. فالاحترافية والمهنية والتميز لها شروط ومقومات ومستلزمات رئيسة لا بد من وجودها وتوفرها كالتأهيل الأكاديمي والعلمي، والاعتراف بالمهنة وباستقلاليتها، ومواثيق أخلاقية، والمسؤولية الاجتماعية والنزاهة والالتزام. كما يتطلب التميز في العلاقات العامة الاعتراف بها من قبل الإدارة العليا، الاتصال المتكافئ في اتجاهين، درجة عالية من الرضا الوظيفي، قدرة عالية من الإدارة والتسيير والأخلاق والالتزام. أصبحت العلاقات العامة تلعب دورا استراتيجيا في حياة المنظمة بمختلف أشكالها وأنواعها سواء كانت حكومية أو خاصة، ربحية أو خدمية وسواء كانت تنشط في المجال الرياضي أو الثقافي أو الصناعي أو التجاري. وتكمن هذه الأهمية بالدرجة الأولى في مكانة الفرد عند المنظمة وفي المجتمع. فالفرد أصبح من حقه ومن واجبه أن يعرف ما يجري من حوله وما يجري داخل المنظمات والمؤسسات التي يتعامل معها. إضافة إلى ذلك أصبح الرأي العام يلعب دورا محوريا في المجتمع وهذا يعني ضرورة توفير المعلومة والاعتماد على هذه المعلومة في صناعة القرار. ومن أهم المشاكل التي تعاني منها العلاقات العامة في الوطن العربي ما يلي: * انعدام التخطيط الاستراتيجي: فالتخطيط الاستراتيجي له شروطه ومبادئه وأسسه فهو يحتاج إلى كادر مؤهل وإلى إمكانات مادية معتبرة وإلى ثقافة تؤمن بالحاجة إلى المعلومات والإحصاءات والبيانات لصناعة القرار. كذلك التخطيط في العلاقات العامة بحاجة إلى منظمة تؤمن بالتخطيط وتؤمن بالشفافية وباحترام الفرد واحترام رأيه وفكره وحريته. وإذا غابت هذه المستلزمات والمعطيات فلا نستطيع أن نتكلم عن تخطيط استراتيجي لجهاز العلاقات العامة. * انعدام البحوث والدراسات: البحوث والدراسات تحتاج إلى الإيمان الراسخ بالمعلومة وبالإحصائية كما تؤمن بالصناعة السليمة والعلمية والرشيدة للقرار داخل المنظمة. والعلاقات العامة من دون دراسات وبحوث لا معنى لها بلغة الاستراتيجية والتخطيط ودعم صناعة القرار. فالعلاقات العامة تبدأ بوظيفة البحث وتنتهي بالبحث. * انعدام استراتيجية للتعامل مع الأزمات والطوارئ: التعامل مع الأزمات والطوارئ بحاجة إلى دراسات وأبحاث وتخطيط استراتيجي وإذا غابت هذه الأمور غابت استراتيجية التعامل مع الأزمات. * انعدام ميزانية كافية ومعتبرة للقيام بالمهام المنوطة بالعلاقات العامة: في ظل ضعف الميزانية وضعف الكادر البشري لا يستطيع جهاز العلاقات العامة أن يؤدي مهامه على أحسن وجه ويكتفي في غالب الأحيان بالوظائف الفنية والروتينية والتنفيذية البسيطة على حساب الوظائف الجوهرية والاستراتيجية. * انعدام استراتيجية اتصال متوازن ومتكافئ في اتجاهين وسيطرة التوجه الأبوي السلطوي الأحادي الاتجاه في عمليات الإعلام والاتصال بين المنظمة وجماهيرها: هذه نتيجة حتمية للفهم الخاطئ العلاقات العامة التي تُستعمل في هذه الحالة كبوق للمؤسسة على حساب مهامها الاستراتيجية. من جهة أخرى إذا كان المناخ الديمقراطي غير متوفر وحرية الفكر والرأي غائبة داخل المنظمة فهذا يؤدي إلى اتصال في اتجاه واحد وإلى علاقة سلطوية أبوية بين المنظمة وجماهيرها. * البعد عن دائرة صناعة القرار: إن بعد جهاز العلاقات العامة عن دائرة صناعة القرار يؤدي إلى تهميشها وتجريدها من مهامها الاستراتيجية داخل المنظمة والتي تتمثل أساسا في البحث وفي التخطيط الاستراتيجي، والعلاقات العامة من دون بحث علمي لا تستطيع أن تكون فعالة وصاحبة نفوذ داخل المنظمة. من جهة أخرى يعتبر قرب جهاز العلاقات العامة من دائرة صناعة القرار تواصل صحي وإيجابي بين الإدارة العليا والعلاقات العامة ومعرفة ماذا تستطيع هذه الإدارة أو الجهاز أن يقدمه إلى المنظمة ككل سواء على المستوى الداخلي (الاتصال التنظيمي-المؤسساتي- الداخلي) وعلى المستوى الخارجي فيما يتعلق بتسويق المنظمة للجمهور وتسويق الجمهور للمنظمة. فمكانة العلاقات العامة في المجتمع مرتبطة بمكانة ودور الرأي العام في الحياة العامة. من جهة أخرى يجب الاقتناع أن العلاقات العامة هي ثقافة وهي ممارسة للديمقراطية قبل أن تكون مهنة إدارية اتصالية.فالعلاقات العامة تبدأ بالرأي العام وتنتهي بالرأي العام وإذا كان المجتمع لا يحترم الرأي العام فالعلاقات العامة في هذه الحالة لا تستطيع أن تقوم بإنجاز الكثير من مهامها الاستراتيجية داخل المنظمة. فالعلاقات العامة تعني الممارسة الديمقراطية للاتصال بمختلف أنواعه وأشكاله داخل المنظمة وخارجها وهذا يعني حرية الفكر والرأي والتعبير وكذلك احترام الرأي الآخر والأخذ به إذا كان رشيدا وصائبا. * أهمية العلاقات العامة مرتبطة بقيمة الفرد ومكانته في المجتمع: من جهة أخرى تقوم العلاقات العامة أساسا على الفرد وهذا يعني أننا لا نستطيع أن نبني علاقات صحية وقوية وناجحة بين المنظمة وجماهيرها إذا لم نحترم الفرد. فالفرد هنا هو رأسمال المنظمة واحترامه يعني ممارسة درجة عالية من الديمقراطية ومن الحرية المسؤولة عند تعامل المنظمة معه. والعلاقات العامة ما هي إلا تجسيد لاحترام الفرد واحترام حريته ورأيه ووجهة نظره. تواجه العلاقات العامة في الوطن العربي تحديات كبيرة جدا نظرا للتطور الكبير الذي تشهده المنطقة في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي. فالربيع العربي يعتبر ثورة في مجال التواصل الاجتماعي والعلاقات بين المكونات المختلفة للمجتمع التي استفادت من التطور الهائل في مجال تكنولوجية الاتصال. هذه المعطيات كلها تتطلب وجود إدارات علاقات عامة قوية وفعالة سواء في القطاع العام أو الخاص لأن المنظمة الحديثة بحاجة إلى مستوى عال من الاتصال والتعامل مع جماهيرها المختلفة. فالعولمة الاقتصادية تتطلب درجة عالية من الاتصال والمعلومات والتعامل مع الجماهير. إن تصاعد وتنامي أهمية الرأي العام في المجتمع وكذلك انتشار الديمقراطية ونضج المجتمع المدني وانتشار تكنولوجية الاتصال والمعلومات كلها عوامل تفرض حاجة المنظمة المتنامية للعلاقات العامة وكذلك الحاجة إلى الاهتمام بالجمهور وبالرأي العام وهذا ما يؤدي إلى نمو وتطور العلاقات العامة وانتشارها والحاجة الماسة إليها في مختلف أنواع المنظمات (حكومية، خاصة، تجارية، سياسية، خدمية...الخ. من جهة أخرى نلاحظ توجه المنظمة الحديثة إلى الإدارة بالأهداف التي تؤمن بالدراسة والتخطيط الاستراتيجي وبالبيانات والمعطيات العلمية لصناعة القرار حيث ضرورة التوجه نحو الإبداع والابتكار والاحترافية والتميز في التعامل مع المشاكل التنظيمية والإدارية وقضايا الجماهير المختلفة؛ فالقرن الذي نعيش فيه يفرض عولمة العلاقات العامة التي تقوم أساسا على الاحترافية والقيادة والتميز والأخلاق.

12477

| 14 ديسمبر 2013

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وازدواجية المعايير

يقوم منطق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أساسا على العدالة في المعاملة والمقاييس والمعايير وعدم التمييز والتفرقة بين الشعوب والأعراق والأجناس سواء كانوا من سكان الشمال أو الجنوب أو كانوا ينتمون لدول فقيرة أو غنية. بالمقابل نلاحظ أن الستة عقود الماضية تشير إلى انتهاكات وتجاوزات بالجملة تفننت فيها الدول نفسها التي شاركت في تحرير الإعلان، تلك الدول التي نصبت نفسها مسؤولة عن البشرية جمعاء لكن وفق وجهة نظرها ورؤيتها. يحتفل العالم في العاشر من ديسمبر من كل سنة بذكرى ميثاق حقوق الإنسان الذي وضع في سنة 1948م، والعبرة ليست في الذكرى بقدر ما هي في ممارسة حقوق الإنسان في أرض الواقع. والملاحظ أن منذ البداية الأولى أي سنة 1948 كانت الانطلاقة خاطئة وكانت هناك ازدواجية في المقاييس والمعايير حيث إن في تلك الحقبة التاريخية كانت دول وأمم وشعوب ترزح تحت نير الاستعمار ولم يتطرق لها الميثاق لا من قريب ولا من بعيد ولم يولها أي اعتبار. ما هو الوضع في أيامنا هذه أيام النظام الدولي الجديد والعولمة والقرية العالمية والتجارة الإلكترونية؟ وما هو الوضع ونحن في نظام القطبية الأحادية وهل تمت عولمة ميثاق حقوق الإنسان؟ أم أن هناك فاعلين في النظام الدولي يستعملون المصطلح والمفهوم وفق معطياتهم ومصالحهم وهل بإمكاننا الكلام عن عالمية حقوق الإنسان أم عولمة حقوق الإنسان؟ ما يمكن قوله هو أن حقوق الإنسان مثلها مثل حرية الصحافة وحرية التعبير والحريات الفردية والحريات مدنية ومفاهيم ومصطلحات عديدة أخرى أصبحت سلطة تمارس وتوظف في لغة السياسة والدبلوماسية وأصبحت تُستعمل كوسيلة ضغط على عدد كبير من الدول التي تخرج عن سكة صانعي النظام الدولي. وتجدر الإشارة هنا أن ميثاق حقوق الإنسان منذ ظهوره اتسم بثغرات ومصطلحات مبهمة وتناقضات عديدة تختلف مع قيم الكثير من المجتمعات ومعتقداتها الدينية وتقاليدها وعاداتها…إلخ. وإذا رجعنا إلى فلسفة حقوق الإنسان ورجعنا إلى الثورة الفرنسية تحديدا نجد أن المحور الأساسي يتعلق بترسيخ الشعور في نفسية المواطن بالتحرر من الاستبداد والعبودية والتبعية وطغيان طبقة أو فئة معينة على باقي الطبقات والشرائح الاجتماعية في المجتمع، وهذه الأمور مع الأسف الشديد قائمة وموجودة داخل الدول وعلى مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل بإمكاننا أن نضمن حقوق الإنسان لمواطني دولة مستعمرة (بفتح الميم) وهل بإمكاننا ضمان حقوق الإنسان في دولة تابعة ومسيطر عليها خارجيا من قبل دولة أو دول أو نظام دولي؟ إشكالية حقوق الإنسان معقدة وأصبحت في عصر العولمة وسيلة ضغط في يد الدول القوية (حق التدخل) للتحكم في مسار العلاقات الدولية وفق مصالحها وأهدافها، ومن أهم التناقضات التي يعيشها العالم في هذا المجال ما يلي: نلاحظ أن دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية المدافع الأول عن حقوق الإنسان تضرب عرض الحائط بهذا المبدأ في بلدها وداخل حدودها وهذا إذا تعلق الأمر بالأقليات مثل السود والهنود الحمر- السكان الأصليين لأمريكا- والأقليات الأخرى ومنهم العرب ونلاحظ كم من مواطن عربي، بعد أحداث 11 سبتمبر أُتهم وسُجن وطُرد من أمريكا من دون محاكمة. وما ينسحب على أمريكا ينسحب على معظم الدول الأوروبية والدول المتقدمة. فرنسا مثلا في تعاملها مع المسلمين ومع مواطني شمال إفريقيا تبتعد كليا عن شيء اسمه حقوق الإنسان وقصة الفتاتين المغربيتين والمنديل وقصة محاكمة "جارودي" واغتيال "مهدي بن بركة" وقصة الحجاب كلها قضايا وأحداث تبقى وصمة عار على دولة تدعي " الحرية-الأخوة-المساواة". نلاحظ كذلك أن الدول الفاعلة في النظام العالمي تساند وتدّعم أنظمة مستبدة ودكتاتورية في العالم الثالث وهذا يتناقض جذريا مع مبدأ حقوق الإنسان لأن هذه الدول وبحكم نظامها السياسي السلطوي لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تحترم حقوق الإنسان إذا انعدمت فيها الحريات الفردية وحرية الفكر والرأي والتعبير والفصل بين السلطات، والغريب في الأمر أن الدول الغربية تساند هذه الدول النامية لفترة زمنية معينة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية والاقتصادية وبعد فترة معينة تنقلب عليها مثل ما حدث بين الولايات المتحدة وبنما والولايات المتحدة واغتيال "أليندي" وتدخل دول غربية في إطاحة دول في العالم الثالث انتخبت بطريقة ديمقراطية، فمبدأ حقوق الإنسان بالنسبة للدول الغربية ينتهي عندما تبدأ مصالحها. نلاحظ كذلك أن الولايات المتحدة التي نصّبت نفسها رقيبا على حقوق الإنسان في العالم تكيل بمكيالين إذا تعلق الأمر بإسرائيل وبأطفال فلسطين وبالغارات على جنوب لبنان واحتلال الجولان، والغريب في الأمر أن أمريكا نفسها تصنف دولا عديدة كدول إرهابية ودول لا تحترم حقوق الإنسان. أما بالنسبة لإسرائيل فتوصف بالدولة الديمقراطية والدولة التي ترعى وتحترم حقوق الإنسان والحريات المختلفة. أين حقوق الإنسان في فرض المقاطعة على ليبيا والعراق وأين حقوق الإنسان في ضرب مصنع الأدوية بالسودان؟ تناقضات صارخة لأن هذه العقوبات تتناقض جملة وتفصيلا مع حقوق الإنسان ومع أطفال وأبرياء هذه الدول وبأي حق تفرض الولايات المتحدة نفسها شرطيا على العالم وبأي حق تصنف الدول وتضعها في خانة الإرهاب وعدم احترام حقوق الإنسان. أين هي حقوق الإنسان عندما تحكم البنتاجون في حرب الخليج الثانية في الأخبار والمعلومات وأصبحت قناة سي.إن.إن هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة في العالم المسموح لها بتزويد البشرية جمعاء بما تراه خبرا أم لا؟ أين هو حق الاتصال وحق المعرفة وحق الإعلام؟ أصبح مبدأ حقوق الإنسان وسيلة في يد الدول العظمى والفاعلة في النظام الدولي للضغط وإدارة شؤون العالم وفق ما تمليه عليها مصالحها وأهدافها الإستراتيجية ونلاحظ هنا أن حتى بعض المنظمات غير الحكومية التي تعنى بشؤون حقوق الإنسيان قد تم تسيّيسها وانحازت لدول ولمصالح ولأيديولوجيات معينة على حساب خدمة مبدأ إنساني عالمي لا يعرف في الأساس الحدود بين الديانات والشعوب والثقافات. كيف يكون مستقبل حقوق الإنسان في ظل العولمة؟ عولمة لا تؤمن بخصوصية الشعوب ولا بالشعوب المستضعفة، عولمة همها الوحيد هو سلطة المال والسياسة والقوة. فالشركات المتعددة الجنسية التي تسيطر على المال والأعمال والتجارة الدولية تستغل أطفال العالم في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ضاربة عرض الحائط أبسط حقوق الإنسان. هذه الشركات المتعددة الجنسية التي تبتز أطفال العالم وفقراء العالم في ضوء النهار من جهة وتطالب من جهة أخرى بحقوق الإنسان. أليس من حق أطفال العراق العيش؟ وكيف لنا أن نتكلم عن حقوق الإنسان في العالم وهناك شعوب محرومة من حقها حتى في العيش؟ يبدو ببساطة أن العالم بحاجة لوقفة مع الذات ومع أخلاق الأنا والآخر. هذا هو التحدي الكبير الذي ستواجهه البشرية مستقبلا. التحدي يتمثل أساسا في القيم الإنسانية والأخلاقية. أما إذا سيطرت ثقافة الاستعباد والاستغلال واحتقار الديانات والحضارات والشعوب فالميثاق العالمي لحقوق الإنسان يبقى حبرا على ورق ومجرد شعارات جوفاء تستعملها القوى العظمى لفرض هيمنتها وبسط نفوذها على شعوب العالم.

3380

| 07 ديسمبر 2013

متى تهب رياح التغيير على الجزائر؟

في رده على إعلان حزب جبهة التحرير الوطني ترشيحها الرئيس بوتفليقة للرئاسيات القادمة دون أن يعلن هذا الأخير عن ترشحه أو الكشف عن برنامجه السياسي قال لخضر بن خلاف العضو القيادي في جبهة العدالة والتنمية إن "إعلان سعداني ترشيح بوتفليقة ليس سوى استكمال تنفيذ خارطة الطريق للرئاسيات التي بدأت من التغييرات التي أقرها بوتفليقة في الجيش والتحالفات السياسية الجديدة، والنزول الميداني من قبل الوزير الأول عبدالمالك سلال لإلهاء الناس بالتنكيت والفتاوى.. من يوم إلى يوم يتأكد أن اللعبة مغلقة والعهدة الرابع على الأبواب، السلطة تنتظر فقط من يشارك في العرس الانتخابي، بعد تعديل دستوري لوضع نظام رئاسي بالوكالة". خطورة هذا الكلام تتمثل في أن النظام لا يريد التغيير ويحضر لانتخابات ستكون شكلية والهدف النهائي هو المحافظة على الوضع الراهن وهو وضع مع الأسف الشديد أثبت فشله وعدم فعاليته.ما قامت به اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني هو قطع الطريق أمام الإصلاح والتغيير فبقاء الرئيس الحالي الذي يعاني من مشاكل صحية منذ سنوات سيعطي الفرصة للانتهازيين للمحافظة على اللعبة السياسية كما هي من دون انفتاح ولا تغيير ولا إصلاحات من شأنها تغيير الذهنيات وآليات العمل السياسي في الجزائر. مع اقتراب الاستحقاقات الرئاسية في شهر أبريل القادم تعيش الساحة السياسية الجزائرية حراكا سياسيا كبيرا. ففي آخر التطورات أعلن حزب جبهة التحرير الوطني عن ترشيحه رسميا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة رابعة. والتآمر المثير للجدل هذه الأيام في الشارع الجزائري هو الرئيس بوتفليقة الذي يرى الكثيرون أنه غير مؤهل صحيا لقيادة البلاد والدليل على ذلك هو عدم حضوره العديد من المناسبات الرسمية التي كان من المفروض أن يشرف عليها شخصيا. فإذا كان أول وأقوى حزب سياسي جزائري يعيش صراعات داخلية عنيفة وانقسامات عديدة من أجل التسابق والانفراد بترشيح الرئيس الحالي فهذا يعني أن الجزائر غير مستعدة للتغيير وأن القوى السياسية الفاعلة التي تتسابق فيما بينها لترشيح بوتفليقة تريد الحفاظ على الوضع الراهن لضمان مصالحها على حساب مصلحة البلاد والعباد. للتذكير لقد مرت الجزائر بامتحان عسير خلال العشرية السوداء (1990-2000) ودفعت ثمنا باهضا تمثل في قتل أكثر من 200.000 شخص وخسائر مادية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، الأمر الذي جعل الجميع يظن أن الجزائر ستدخل مرحلة جديدة يسودها الحكم الراشد والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة. رغم العشرية السوداء لم يستفد الشعب الجزائري من الخسائر والدروس القاسية بل على العكس تراجعت الديمقراطية وتراجعت المكاسب التي حققتها الجزائر من خلال تعديل الدستور والتعددية السياسية والإعلامية سنة 1989. فبينما كان لا يحق للرئيس أن يحكم البلاد أكثر من عهدتين، تغيرت الأمور في عهد الرئيس بوتفليقة بإلغاء المادة التي تنص على ذلك وترك الباب مفتوح لعهد عديدة من دون تحديد. من خلال الثلاث عهد التي حكم من خلالها الرئيس بوتفليقة البلاد (1999- الحاضر) شهدت الجزائر أسوأ فساد إداري ومالي عرفته في تاريخها. فمن قضية الخليفة والتي تقدر الأموال التي تم تبديرها بما يزيد على السبع مليارات دولار، تلتها قضية فساد أكثر بكثير وتقدر بضعف كارثة الخليفة وهي قضية سونطراك (1) وسونطراك (2) إضافة إلى تبدير أموال الشعب بالمليارات في مشروع الطريق السريع شرق غرب، وغيرها كثير من المشاريع التي كانت تنهب أموالها ولا تنجز، أو تنجز بتأخر كبير جدا وبأموال وموازنات ضعف ما كان مقرر لها. في كل هذا شفع للجزائر سعر البترول المرتفع والمداخل التي كانت تقدر بالمليارات من الدولارات سنويا. الغريب في الأمر أنه لم يسبق للجزائر أن تستفيد بمداخل البترول منذ استقلالها كالفترة التي حكم فيها بوتفليقة الجزائر. ورغم كل هذا فالبطالة متفشية، وغلاء المعيشة في تزايد وكذلك الأمراض الاجتماعية ومعاناة المواطن من أزمة السكن...إلخ. بالنسبة للملاحظين والمنطق فإن الظروف الصحية للرئيس بوتفليقة وأوضاع البلاد المزدرية في مختلف المجالات كلها عوامل تؤشر إلى حاجة التغيير خاصة بعد ما شهدته دول الربيع العربي بعد تردي الأوضاع فيها وانتشار الفساد والظلم والاستبداد وغير ذلك. فكان من الأجدر بحزب جبهة التحرير الوطني التفكير في استراتيجية جديدة لضخ دماء جديدة في صفوفه وقيادته لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها الجزائر سواء داخليا أو إقليميا أو دوليا.فمشاكل الدول المجاورة –تونس-ليبيا-مالي-المغرب سواء ما يتعلق بالإرهاب أو تهريب الأسلحة أو المخدرات يتطلب دبلوماسية جزائرية قوية غابت مع الأسف الشديد في عهد الوزير مدلسي الذي كان يتفرج من دون تحريك ساكن عما كان يحدث. بالنسبة للوضع الداخلي فالجزائر بحاجة إلى استراتيجية اقتصادية رشيدة للخروج من الركوض الاقتصادي ومن الفساد ومن ضعف وانعدام الرشادة الاقتصادية فرغم توفر مخزون من العملة الصعبة يقارب المائتي مليارات دولار إلا أن المشاريع الاقتصادية في الجزائر قليلة أو أنها حبر على ورق كمشروع "بلارة" الذي ما زال لم ير النور رغم أنه بُرمج منذ أكثر من عقدين من الزمن. أما بالنسبة للاستثمار الأجنبي في الجزائر فكل المؤشرات تدل على أن الجزائر تأتي في مؤخرة دول العالم التي تتوفر فيها شروط استقطاب الاستثمار الأجنبي. مما تقدم نتساءل عن أين هي الأحزاب السياسية في الجزائر وأين هي المعارضة وأين هم المخلصين الذين يريدون الخير لبلادهم ولشعبهم. فالاستحقاقات الرئاسية القادمة تمثل منعطفا تاريخيا للجزائر، إما التغيير والانطلاق نحو مواجهة التحديات والرهانات الكثيرة وإما الاستمرار في الرداءة والفساد. فالجزائر على غرار ما يحدث في المنطقة وفي العالم بحاجة إلى حكم راشد وإلى رئيس دولة ينعم بصحة جيدة ونظرة ثاقبة وحنكة وحكمة لأنها دولة تتوفر على كل مستلزمات وشروط النجاح والتطور. ففي المرحلة الحالية يتوجب على الأحزاب السياسية والمخلصين للبلاد أن يفكروا ليس في تزكية النظام القائم وإنما في ترشيح شخصيات سياسية لها من الخبرة والنزاهة والالتزام ما من شأنه أن يرحب برياح التغيير في بلد لا ينقصه إلا الحكم الراشد والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. فالمعارضة والأحزاب السياسية التي يتعدى عددها الستين نجدها بعيدة على واقع الشعب الجزائري الذي يستحق في واقع الأمر التغيير. فالكل ينتقد والكل يشتكي لكن دار لقمان على حالها وحتى الذين نهبوا أموال الشعب وتسببوا في تبدير أموال الدولة وتأخير المشاريع المختلفة لم يُقدموا للعدالة ولم يُحاكموا ويعيشون حياة عادية وكأنهم لم يفعلوا شيئا. وهذا يعني أن الفضاء السياسي الجزائري يعاني من مشاكل المصداقية والنزاهة وهبة الدولة وأنه بحاجة إلى "أخلقة" الحياة السياسية.

684

| 29 نوفمبر 2013

حرية الصحافة بين التشريعات والممارسة

تتطلب ممارسة حرية الصحافة الفصل بين السلطات وتحتاج إلى مجتمع مدني فعال وقوي وهذا يعني قوى فاعلة في المجتمع تنتقد وتراقب وتمارس حقها في المعرفة والتعبير عن الرأي والرأي الآخر والاختلاف...الخ. المجتمع المدني هو القوة الحقيقية في المجتمع التي توفر الجو المناسب والمناخ الملائم للمؤسسات الإعلامية حتى تقوم بمهامها ودورها ووظائفها في المجتمع على أحسن ما يرام. وهذا يعني أن هناك كتابا ومحللين ونقاد وسياسيين وجمعيات واتحادات ونقابات من مختلف التيارات والأطياف كل بطريقته وحسب اختصاصه يساهم في الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من شأنه بناء فضاء حر وديمقراطي، الكل يساهم فيه والكل يستخدم المؤسسات الإعلامية كقنوات لتبادل الأفكار والآراء ووجهات النظر. حتى تُجسد حرية الصحافة في أرض الواقع هي بحاجة إلى تشريعات وقوانين ومواثيق، لكن هذا لا يكفي فالأمر يتطلب ممارسة هذه الحرية من قبل الجميع. وعلى رأس القائمة السلطة نفسها، فالسلطة لا يجب أن تقنن لحرية الصحافة وتوفر المناخ التشريعي والقانوني لهذه الحرية، لكن نجدها هي الأولى التي تخترق مبدأ الحرية حيث إنها لا تتقبل النقد ولا توفر المعلومات كل المعلومات بل تقدم ما يحلو لها وتحجب ما يزعجها أو ينتقدها أو يكون ضدها. وأكثر من هذا نجدها تفرض سيطرتها على المؤسسات الإعلامية بطرق مختلفة لتتحكم في مخرجاتها وفي الخطاب الإعلامي، وفي هذه الحالة تبقى القوانين والتشريعات والمواثيق حبرا على ورق. القانون على الورق شيء وتطبيقه في الواقع شيء آخر، والشيء نفسه بالنسبة لميثاق الشرف وأخلاقيات المهنة والعمل الصحفي. فالأخلاق هي قناعة شخصية وسلوك وممارسة يومية نزيهة ونظيفة يؤمن بها الصحفي ويعمل بها ويدافع عن مبادئها. وإذا غابت القناعة والإيمان بالأخلاق فمواثيق الأخلاق لا تستطيع أن تغّير أشياء كثيرة في الميدان. فالقوانين والمواثيق لا قيمة لها إذا لم تطبق وإذا لم تجسد في أرض الواقع. فالإعلام القوي والملتزم والفعال يحتاج إلى الإطار التشريعي والقانوني والأخلاقي من جهة، ومن جهة أخرى يحتاج كذلك إلى بيئة ملائمة ومجتمع مدني قوي وفعال لممارسة حرية الصحافة وحرية الفكر والتعبير. فالإعلام هو مرآة المجتمع يعكس ما يحدث فيه وهذا يعني أن المجتمع بأسره من الفرد إلى الأسرة إلى قمة هرم السلطة مطالب بالإيمان الراسخ والاقتناع بحرية الصحافة، وبالرأي والرأي الآخر وبالنقد. مجتمع يؤمن بتداول المعلومة وتوفير المعلومة من دون حجبها والمساومة بها. حرية الصحافة سلوك وفعل وتصرف قبل أي شيء آخر، وهي ممارسة في الميدان وتجسيد للقوانين والمواثيق. فالتغطية الدقيقة للأحداث والوقائع والقضايا تحتاج إلى توفر المعلومات وتداولها بكل حرية وبدون تكتم أو تعتيم وبشفافية عالية وللجميع وهذا ما يسمح للصحفيين بالقيام بعملهم بدقة متناهية ويساعدهم على تجنب الأخطاء والهفوات واللجوء إلى التضخيم والتخمين والإشاعات. فمصادر الأخبار يجب أن تؤمن بحرية الصحافة وبحرية تداول المعلومات حتى يستطيع الصحفي القيام بعمله على أحسن وجه وتجسيد حرية الصحافة في أرض الواقع. وهنا يجب أن نطرح إشكالية محورية عندما نتكلم عن حرية الصحافة وهي علاقة الصحفي بمصادر الأخبار وهل هناك قوانين تجبر مصادر الأخبار – وزارات، دوائر حكومية، مؤسسات عامة وخاصة- على توفير المعلومة وتقديمها للرأي العام وعدم حجبها أو إخفائها أو التلاعب بها لأن هذا التصرف يعتبر جريمة ومخالفة في حق القانون. هل يعاقب القانون الجهة التي تخفي المعلومة أو تتلاعب بها؟ ففي الكثير من الأحيان توصد الأبواب في وجه الصحفي، وفي أحيان أخرى يهان ويشتم ويطرد من موقع الحادثة؛ وإذا كتب الصحفي بالإيجاب والمدح والتسبيح فيُشكر ويُكرم أما إذا انتقد وكشف العيوب والتجاوزات فيصبح العدو اللدود ويصبح المفتري ويصبح صاحب الإثارة والمشكلات والتجاوزات. ففي ظل هذه الذهنية وهذه العقلية وهذا المناخ غير الصحي وغير السوي فإن القوانين والمواثيق لا تشفع لصحافة حرة، قوية تلعب دورا فعالا وملتزما ومسؤولا في المجتمع. حرية الصحافة في المجتمع ليست مسؤولية الصحفي وحده ولا المؤسسة الإعلامية وحدها، وإنما هي مسؤولية الجميع خاصة السلطة ومصادر الأخبار والمجتمع المدني. فإذا كانت السلطة تريد صحافة حرة لكن من دون نقد وبدون مراقبة وبدون كشف العيوب والسلبيات وبدون استقصاء التجاوزات والغوص في القضايا الحساسة في المجتمع؛ فهذا يعني أن الحرية هنا مفصلة وفق مصالح فئة على حساب المجتمع. وإذا كانت الجهات المختلفة في المجتمع ترحب بصحافة التمجيد والتهليل وذكر الإيجابيات وتعتبر كل ما ينتقدها أو يكشف عيوبها هراء وافتراء وخروج عن القانون ففي هذه الحالة يبقى الكلام عن حرية الصحافة وعن قانون النشر والمطبوعات ومواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة مجرد شعارات جوفاء. من جهة أخرى نلاحظ أن الفضاء العام بحاجة إلى كل القوى المختلفة والفاعلة في المجتمع للمشاركة فيه وإثرائه، وهذا يعني إتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن آرائه وأفكاره ومعتقداته. فمنع كتاب معينين أو جهات محددة من الكتابة أو المساهمة في المؤسسات الإعلامية أو الفضاء العام يتناقض جملة وتفصيلا مع مبدأ حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير والفكر. فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، والاختلاف في الرأي هو في الحقيقة ثروة تساهم في عملية الوصول إلى الحقيقة عن طريق الحوار والنقاش وتوفير السوق الحرة للأفكار ومن ثم الرأي السليم. فالجميع يجب أن يؤمن في آخر المطاف ويتبنى حرية الصحافة قولا وفعلا، أي ليس على مستوى القوانين والمواثيق فحسب، وإنما في الممارسة كذلك، ابتداء من الفرد إلى الأسرة إلى المؤسسة والسلطة. فإشكالية حرية الصحافة مطروحة في جميع دول العالم، والكل يتغنى أنه يمجدها ويؤمن بها لكن الممارسة تأتي في حالات كثيرة على عكس الأقوال والقوانين والمواثيق؛ حيث تغتصب حرية الصحافة من قبل السلطة ومن قبل المتلاعبين بالعقول ومن قبل أباطرة المال والسياسة الذين يعملون من أجل السيطرة على وسائل الإعلام للتحكم في عقول الجماهير، وفي الوقت نفسه يتغنون بقانون الإعلام وبمواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة وبحرية الصحافة.

3934

| 22 نوفمبر 2013

الذراع الأيديولوجية للعولمة

أفرزت العولمة الليبرالية تداعيات وانعكاسات كبيرة على المؤسسات الإعلامية في جميع أنحاء العالم وأفرغتها من دور الرقابة والسلطة الرابعة والدفاع عن مصالح المحرومين والضعفاء والمساكين في المجتمع من خلال إبراز الحقيقة والبحث عنها بدون هوادة. فالسلطة الحقيقية في المجتمع أصبحت في أيدي حفنة من المجموعات الاقتصادية العالمية التي تمثلها شركات كونية يزيد حجمها الاقتصادي أحيانا عن ميزانيات بعض الدول والحكومات. فالتطور الجيواقتصادي الذي شهده العالم خلال العقود الأخيرة أدى إلى تغييرات وتطورات حاسمة في الصناعات الإعلامية والثقافية على المستوى العالمي. وبذلك أصبحت وسائل الإعلام الذائعة الانتشار كالصحف والمجلات ومحطات الإذاعة والشبكات التلفزيونية والإنترنت تتمركز أكثر فأكثر في يد شركات عملاقة مثل "فياكوم" و"نيوزكورب" و"مايكروسوفت" و"برتلسمان" و"يونايتد غلوبال كوم" و"ديزني" و"تلفونيكا" و"آي. أو. أل تايم وارنر" وجنيرال إليكتريك" وغيرها. هذه الشركات العملاقة أصبحت تملك، وبفضل التوسع الهائل والسريع في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والمعرفة إمكانات وقدرات هائلة. فالثورة الرقمية قضت على الحدود الكلاسيكية لأشكال الاتصال التقليدية – الكتابة- الصوت-الصورة وفتحت المجال أمام الإنترنت والوسائط المتعددة والثورة الرقمية التي جسدت مفهوم القرية العالمية في أرض الواقع. وبهذا أصبحت الاحتكارات الإعلامية العملاقة والمجموعات الإعلامية تهتم بمختلف أشكال المكتوب والمرئي والمسموع، ومستعملة لبث ونشر ذلك، قنوات متعددة ومتنوعة من صحف ومجلات وإذاعات وقنوات تلفزيونية وكوابل وبث فضائي وشبكات البث الرقمي عبر الألياف البصرية والإنترنت. كما تتميز هذه المجموعات ببعدها الكوني العالمي حيث إنها تتخطى الحدود والدول والجنسيات والثقافات، فهي كونية وعالمية الطابع. وبذلك أصبحت هذه الشركات العملاقة ومن خلال آليات الهيمنة والتمركز تسيطر على مختلف القطاعات الإعلامية في العديد من الدول والقارات لتصبح بذلك الرافد الفكري والأيديولوجي للعولمة الليبرالية. فلا عولمة بدون عولمة وسائل الإعلام الجماهيرية وعولمة الصناعات الإعلامية والثقافية. ويرى إغناسيو راموني، رئيس تحرير " لو موند ديبلوماتيك" في هذا الشأن أن العولمة هي أيضا وسائل الإعلام الجماهيرية ووسائل الاتصال والأخبار. وفي سياق اهتمامها بتضخيم حجمها واضطرارها لمغازلة السلطات الأخرى فإن هذه الشركات الكبيرة لا تضع نصب أعينها هدفا مدنيا يجعل منها "السلطة الرابعة" المعنية بتصحيح التجاوزات على القانون واختلال العمل بالنظام الديمقراطي سعيا إلى تحسين النظام السياسي وتلميعه. فلا رغبة لهذه الشركات في التحول إلى "سلطة رابعة" أو التصرف كسلطة مضادة. فالحالة الفنزويلية نموذجية على هذا الصعيد للوضعية الدولية الجديدة التي تشهد مجموعات إعلامية غاضبة تتنافس علنا للقيام بوظيفة كلاب الحراسة الجديدة لدى النظام الاقتصادي القائم وممارسة دورها كسلطة معادية للشعوب والمواطنين. وهي لا تخوض فقط في سلطتها الإعلامية بل تمثل الذراع الأيديولوجية للعولمة ووظيفتها احتواء المطالب الشعبية وصولا إلى محاولة الاستيلاء على السلطة السياسية (كما توصل إلى ذلك ديمقراطيا في إيطاليا السيد سيلفيو برلوسكوني، صاحب أكبر مجموعة إعلامية ما وراء جبال الألب)... هكذا تضاف السلطات الإعلامية إلى السلطات الأوليغارشية التقليدية والرجعية الكلاسيكية. وتقوم معا، وباسم حرية التعبير، بمهاجمة البرامج التي تدافع عن حقوق الأكثرية من السكان. تلك هي الواجهة الإعلامية للعولمة وهي تكشف بأكثر الصور وضوحا وبداهة وكاريكاتورية عن أيديولوجية العولمة الليبرالية. أدت التطورات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والانتشار الواسع لوسائل الإعلام في القرن التاسع عشر والقرن العشرين - من انتشار الصحافة ذات التوزيع الكبير إلى اختراع السينما والراديو والتلفزيون إلى انتشار الكتاب، وأخيرا انتشار الوسائط المتعددة والإنترنت- إلى "جمهرة" وجماهرية الثقافة حيث جعلتها في متناول الغالبية العظمى من أفراد المجتمع. فإذا كانت الثقافة قبل هذه الاختراعات تقتصر على نخبة من النبلاء والبرجوازيين فإنها اليوم انتقلت من النخبوية إلى الجماهيرية. الأمر الذي أدى ببعضهم للكلام عن ديمقراطية الثقافة وجماهيريتها. لكن هل هذا الانتشار وهذه "الدمقرطة" التي يدعيها البعض بريئة ولا تحكمها آليات وميكانيزمات وقيم ومعايير تخدم القوى السياسية والاجتماعية التي تدير وتقود المجتمع؟ هناك من يرى أن انتشار الثقافة على نطاق واسع أدى إلى مساءلة ظاهرة الصناعات الثقافية التي أدت إلى تعليب الثقافة وتنميطها ومن ثم إلى توحيد الخطاب الإعلامي والثقافي ومن ثم القضاء على الخصوصيات الثقافية. ما هي تداعيات تصنيع الثقافة وتعليبها وتنميطها وتفريغها من محتواها على الثقافة نفسها؟ ثم على المتلقي؟ أسئلة جديرة بالدراسة نظرا لأهميتها ووقعها، ليس المستوى القطري فقط وإنما على المستوى الإقليمي والدولي كذلك. ألا تساهم وسائل الإعلام في نشر ظاهرة الأحادية أو التوحيد الثقافي؟ ألا تساهم في عولمة الثقافة لصالح دولة معينة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية. نلاحظ من جهة أخرى أن الكثيرين تفاءلوا خيرا وظنوا أن ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال ستردم الهوة بين الشمال والجنوب وبين الأغنياء والفقراء وستؤدي إلى الديمقراطية وانتشار حرية التعبير وحرية الصحافة وبذلك مشاركة الجماهير في السوق الحرة للأفكار وفي الممارسة السياسية وفي صناعة القرار. لكن الواقع أثبت عكس ذلك تماما حيث إن ظاهرة الاغتراب والتهميش وانتشار ثقافة الاستلاب والاستهلاك أصبحت من مميزات الألفية الثالثة سواء في الشمال أو الجنوب. وفي هذا السياق يرى "جون ألترمان" هذه الإشكالية في الشرق الأوسط على النحو التالي:"بعقدهم آمالا كبيرة على التطور التكنولوجي العالي؛ الإنترنت، والتفاعلية والربط الشبكي، يتوقع المتحمسون وأنصار التواصل الرقمي عالما تتوسع فيه سلطة الجماهير، الأمر الذي يؤدي إلى كبح جماح الجبابرة، ورفع رايات الديمقراطية في أرجاء المعمورة. هذه الرؤية لم يتم تحقيقها في الشرق الأوسط ومن غير المحتمل أن تتحقق في الوقت القريب. وفي حقيقة الأمر فإن التطورات التكنولوجية، على المدى القصير، من شأنها عادة زيادة الفوارق في النفوذ والسلطة بين الأغنياء والفقراء. فالفوائد التي تجنى من الابتكارات العصرية تزيد من نفوذ أصحاب المال وذوي الدخل العالي وأصحاب الفرص والشهادات والتدريب الجيد؛ بينما يحرم الفقر والعزلة الغالبية العظمى من سكان الشرق الأوسط من الاستفادة بشكل مباشر من ابتكارات التكنولوجية العالية. هناك ثلاثة شروط رئيسية لتوقعات التطور المستقبلية في الشرق الأوسط وهي الحرية والتمويل والاحترافية. ويبقى التلفزيون في الوطن العربي حبيس الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من جهة، وتابع لشبكة عالمية من الصناعات الإعلامية والثقافية التي لا ترحم ولا تشفق على من لا ينتج وينافس. فبوجود أكثر من 1400 فضائية عربية ناهيك عن انتشار الإنترنت والهاتف النقال ووسائل الإعلام الجديدة زادت الهوة عمقا بين المدينة والريف في الدول العربية، كما اتسعت المساحة بين الحاكم والمحكوم. كما زادت تبعية الإعلام العربي في ظل العولمة إلى كبريات الصناعات الإعلامية والثقافية في العالم، وأصبحت معظم الوسائط الإعلامية في الوطن العربي عبارة عن صناديق بريد تستقبل وتوزع ما يرد من وراء البحار. وعلى حد قول إغناسيو راموني فإن الفضاء الإعلامي في الألفية الثالثة أصبح فضاءً ملوثا يتعرض باستمرار وبدون انقطاع لعدوى التسمم بالأكاذيب والتلوث بالشائعات والتشويه والتحريف والتلاعب. فالأمر إذن، يتطلب تنقية البيئة الإعلامية وتعقيم الإعلام من احتكار حق التعبير ومصادرة حرية الفكر والرأي والصحافة من قبل حفنة من المجموعات الإعلامية العملاقة.

2570

| 15 نوفمبر 2013

وسائل الإعلام وصناعة الوعي الاجتماعي

يرى نقاد الصناعة الإعلامية أن وسائل الإعلام لا تزودنا فقط بالمعلومات والقضايا والأحداث التي تجري من حولنا محليا وإقليميا وعالميا بل تزودنا كذلك بمنظور معين وبإطار محدد لتلقي هذه الأحداث وهذه القضايا وتفسيرها وتحليلها وفهمها. والسياق مهم جدا لأنه يعتبر المرحلة الأخيرة في فهم الحدث وتفسيره، وهذا يعني أن وسائل الإعلام تضع الأحداث والقضايا داخل سياقات وأطر خاصة ومحددة وفق آليات وميكانيزمات وأعراف متفق عليها ضمنيا في قاعات التحرير وفي وكالات الأنباء العالمية وإمبراطوريات الإعلام والاتصال. أما باقي ناقلات الأخبار عبر العالم سواء في جنوبه أو شرقه أو غربه فما هي إلا صناديق بريد توزع في معظم الأحيان ما تنقله وتوزعه كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية. لا تحدد لنا وسائل الإعلام ما نشاهده ونقرؤه فقط، بل تحدد لنا كذلك كيف نقرأ الأحداث وكيف نفهمها وفي أي إطار نضعها لنفسرها ونحللها. فالأطر التي تضعها وتحددها وسائل الإعلام هي عبارة عن أنماط ثابتة مستمرة من العمليات المعرفية والسياقات التفسيرية للمعلومات التي تعمل على الانتقاء والتأكيد والاستبعاد والتي يقوم من خلالها صناع الخطاب الإعلامي بالتنظيم النمطي والمنهجي لمخرجات وسائل الإعلام. أصبحت تأثيرات وسائل الإعلام جلية في جميع مناحي الحياة؛ فمنهم من يرى أن الانتخابات تصنعها وسائل الإعلام خاصة التلفزيون، ومنهم من يؤكد أن الحرب دون تليفزيون لا تعتبر حرباً، والاقتصاد والتسويق دون إعلانات وبدون ترويج عبر وسائل الإعلام لا يعتبر اقتصادا والأحداث الرياضية العالمية والألعاب الأولمبية إذا لم تنقلها وسائل الإعلام ولم ترعاها كبريات الشركات المتعددة الجنسيات في العالم مثل "كوكا كولا" و"بيبسي كولا" و"فوجي فلم" و"سوني" و"بانسونيك" و"أديداس" و"نايكي" وغيرها كثيرون، لا يدري عنها أحد. العمليات الإرهابية كذلك والجرائم والفيضانات والانقلابات العسكرية والكوارث الطبيعية كلها أحداث تتهافت وسائل الإعلام على تغطيتها ومتابعتها أولا بأول. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف تتم هذه التغطيات وكيف تتم عملية الانتقاء والإقصاء وما هي الآليات التي تحكم صناعة الأخبار ومخرجات وسائل الإعلام؟، فالعملية ليست بريئة ولا بسيطة كما يتصورها الكثيرون، بل إنها في واقع الأمر عملية منظمة ومتسقة وفق معايير محددة وأيديولوجية واضحة المعالم لا تهدف بالضرورة إلى تقديم الواقع كما هو بل إنها في معظم الأحيان تفبركه وتصنعه وفق أطر معينة ومحددة لتحقيق أغراض وأهداف واضحة المعالم تخدم النظام القائم والقوى الفاعلة في المجتمع. أصبحت وسائل الاتصال الجماهيري التي تستحوذ على نسبة كبيرة من وقت الفرد في المجتمع الأدوات الحقيقية التي تصنع الوعي الاجتماعي وتبني الواقع، هذه الوسائط أصبحت تفبرك الواقع وفق آليات معينة وأطر محددة لتحقيق أهداف مدروسة مسبقا. فهناك ميكانيزمات و"اتفاقيات" توظفها وسائل الاتصال الجماهيري في عملية التنميط والقولبة للمحافظة على النظام والوضع الراهن وصناعة وعي اجتماعي يتناغم مع أيديولوجية وأهداف القوى السياسية والاقتصادية الفاعلة في المجتمع. بالنسبة لرجال السياسة تعتبر وسائل الإعلام الوسيط الأساسي والاستراتيجي للوصول إلى الجماهير العريضة للتأثير فيها وتكوين وتشكيل الرأي العام الذي يتبنى آراءهم وأفكارهم ووجهات نظرهم وبذلك برامجهم.. فالسياسي الناجح هو ذلك الذي يحسن التعامل مع وسائل الإعلام والذي يعرف كيف يمرر خطابه السياسي عبر وسائل الإعلام بلباقة وبمهنية عالية. فالعلاقة بين وسائل الإعلام والحياة السياسية تشكل عنصرا هاما من عناصر فهم الرهانات المرتبطة بتطور الديمقراطيات العصرية.. تؤثر وسائل الإعلام في الحكام والمحكومين، فوسائل الإعلام تغير القوانين التقليدية للعبة الديمقراطية، فسمعة السياسي تحددها بدرجة كبيرة الصورة التي يكونها ويصنعها لنفسه من خلال وسائل الإعلام.. هذه الصورة يجب أن تكون متناغمة ومتناسقة مع الصورة المقدمة والصورة التي تدركها الحشود والجماهير. فإدارة الصورة تعتبر ظاهرة رئيسية ومحورية في جعل الحياة السياسية ظاهرة إعلامية، أي تتناولها وتناقشها وسائل الإعلام باهتمام بالغ وبتركيز كبير. من جهة أخرى نلاحظ أن التغطية الإعلامية لنشاط السياسيين وعملهم اليومي تترك آثارا كبيرة على الجماهير والمتتبعين للفعل السياسي الذين يتابعون نشاط السياسيين ومدى تطابق أقوالهم مع أفعالهم، فحسب والتر ليبمان Walter Lippman فإن الأخبار لا تعكس الحقيقة بل تفبرك الواقع حيث يرى أن الأخبار والحقيقة ليسا الشيء نفسه، ولا بد من التمييز بينهما. فوظيفة الأخبار هي الإشارة إلى حادثة، ووظيفة الحقيقة هي إظهار الحقائق المخبوءة وربط الواحدة منها بالأخرى، ورسم صورة للحقيقة يستطيع الناس أن يتصرفوا بناء عليها. لا يحصل الجمهور على صورة كاملة في غالب الأحيان عن المشهد السياسي، بل يتلقى بدلا عن ذلك سلسلة منتقاة للغاية من الومضات أو اللمحات وتكون النتيجة في النهاية تشويه الواقع. وحسب والتر ليبمان هناك تضارب بين الديمقراطية والممارسة الإعلامية اليومية حيث إن وسائل الإعلام لا تقدر على تأدية وظيفة التنوير العام. لا تستطيع وسائط الإعلام تقديم الحقيقة بموضوعية لأن الحقيقة شخصية وتستوجب الكثير من الدقة والتمحيص والتفسير والتأكد، الأمر الذي لا تسمح به صناعة الأخبار التي تتطلب السرعة الكبيرة والمواعيد الدقيقة التي لا ترحم. إن دراسة علاقة وسائل الإعلام بالسياسة تقودنا إلى مساءلة علاقة تطور وسائل الاتصال بتشكيل الرأي العام، وإلى أي مدى تساهم وسائل الإعلام في إيجاد فضاء عام لمناقشة الأفكار والآراء والأطروحات من قبل الجميع؟ أم أن هناك قوى محدودة جدا تسيطر على الفضاء العام وتحتكره لنفسها لتمرير أفكارها ووجهات نظرها. ما هي العلاقة بين وسائل الإعلام واستطلاعات الرأي العام والرأي العام؟ بالنسبة لبيار بورديو Pierre Bourdieu : الرأي العام لا يوجد وأن الرأي العام الذي يدعيه أصحاب مراكز سبر الآراء والصحفيون ما هو إلا إشكاليات متعلقة بمصالح سياسية تقوم أساسا على عدد معين من المسلمات المغلوطة والخاطئة. أولا باستطاعة أي شخص أن يكوّن رأيا حول موضوع؛ ثانيا كل الآراء تكتسي نفس القيمة؛ وأن هناك تفاهم حول الأسئلة التي تستحق الطرح. فنتائج سبر الآراء التي تبثها وتنشرها وسائل الإعلام، ما هي في حقيقة الأمر، سوى فبركة مصطنعة لمنتج تم استخراجه من حسابات إحصائية لجمع آراء أشخاص لفرض وهم أسمه الرأي العام. تثير أطروحة بورديو تساؤلا كبيرا جدا وخطيرا في الوقت نفسه، يتعلق بالمصداقية العلمية لاستطلاعات الرأي العام وبثباتها وبمفهوم الرأي العام كمصطلح وكظاهرة اجتماعية وسياسية، أصبحت وسائل الإعلام، على حد قول بورديو وشامبان، محكمة الرأي حيث أصبح الواقع يتحدد ويتلخص فيما تنقله وسائل الإعلام وتناقشه وتحلله وفق ما يراه الصحافيون ومحترفو صناعة الرأي العام صالحا ومؤهلا لأن ينقل إلى عيون ومسامع القراء والمشاهدين والمستمعين. وحسب نظرية تحديد الأولويات Agenda Setting فإن وسائل الإعلام من جرائد ومجلات ومحطات إذاعية وتليفزيونية تحدد للجمهور ماذا يقرأ ويسمع ويشاهد ليس هذا فقط وإنما تحدد له كذلك كيف ينظر ويحلل وفي أي إطار يدرك ويفهم الأحداث والوقائع التي تُقدم له.

9300

| 08 نوفمبر 2013

ما تعجز عن تحقيقه العلاقات العامة والأقلام المأجورة

أثارت عملية تعاقد الحكومة المصرية مع شركة علاقات عامة أمريكية لتحسين صورتها لدى الرأي العام وصانع القرار الأمريكي ردود أفعال كثيرة وجدالا كبيرا. هل القرار سليم؟ وهل ستستطيع وكالة العلاقات العامة تحسين صورة قد لا يشفع لها إلا الممارسة السياسية السليمة والديمقراطية والمبنية على الرأي والرأي الآخر؟. هل القرار صائب خاصة أن الشركة لديها علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني وبعض المسؤولين فيها إسرائيليون بالإضافة إلى وجود تضارب في المصالح وتناقض صارخ مع أخلاقيات العلاقات العامة. من جهة أخرى هناك كلام كثير يُتداول هذه الأيام عن عملية تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على مكالمات رئيس 35 دولة في العالم مما سيهز صورة أمريكا محليا ودوليا، والسؤال هنا هو هل بإمكان العلاقات العامة أن تحسن صورة دولة تقوم بالتجسس على دول أخرى وتضرب عرض الحائط أخلاقيات ومبادئ العلاقات الدولية. يظن الكثيرون أن العلاقات العامة بإمكانها أن تفعل كل شيء وأن تغير المواقف والآراء والصور. وأن الأمر يتعلق بمجرد استعمال استراتيجيات اتصالية وحملات إعلامية. هذا الاعتقاد في حقيقة الأمر ناجم عن فهم خاطئ للعلاقات العامة، حيث إن هذه المهنة، مع الأسف الشديد، هي من أكثر المهن في العالم معاناة من سوء الفهم وسوء الاستعمال. فالعلاقات العامة التي تقوم على المهنية والتميز والالتزام والأخلاق تعتمد في فلسفتها على الأفعال وليس الأقوال، كما أنها تعتمد على الصدق وعلى احترام الجمهور والرأي العام كما أنها تتجنب الوعود الكاذبة و الصور الفضفاضة والكلمات الرنانة التي قد تكون أكبر بكثير من حجم المنظمة أو المؤسسة التي تحاول تقديمها وتسويقها للجمهور. كما أنه يوجد اعتقاد سائد في العديد من دول العالم أن العلاقات العامة هي "دعاية" وأنشطة اتصالية تؤمن بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة.وهذا الاعتقاد خاطئ ولا أساس له من الصحة لأن الوظيفتين الرئيستين للعلاقات العامة هما بناء الصورة وإدارة السمعة. فمنطقيا العلاقات العامة لا تستطيع بناء الصورة بالاعتماد على الدعاية وبتضخيم الأحداث والمعلومات وغير ذلك لأن الرأي العام لا يقتنع إلا بالحقائق والوقائع والإحصاءات والأدلة والحجج والبراهين. مارست الإدارة الأمريكية ما تسميه ب"الدبلوماسية العامة" لتجميل صورة الولايات المتحدة في العالم بعدما اكتشفت بعد 11 سبتمبر أن صورتها سلبية جدا و معظم شعوب العالم لها فكرة سيئة عن ممارسات الولايات المتحدة في العالم. الأمر الذي أدى بالإدارة الأمريكية إلى تأجير أقلام في دول عديدة من العالم لإبراز دور أمريكا في محاربة الإرهاب والتخلص من الدكتاتوريين أمثال الرئيس صدام حسين وغيره. أما داخل الولايات المتحدة الأمريكية فلقد استعملت مختلف أساليب القمع و كبت الحريات العامة بحجة الحرب على الإرهاب و شملت هذه الطرق والسبل حتى من يتظاهر للدفاع ومناصرة قضايا كالبيئة و حقوق الإنسان و الحريات الفردية و حرية الصحافة و التعبير. فمنذ وصول إدارة بوش إلى السلطة و هي تستعمل طرق ووسائل مختلفة و عديدة للوصول إلى الرأي العام من أهمها إخفاء الحقائق والتركيز على ما يدعم سياستها و قراراتها. و من أهم الوسائل التي استعملتها إدارة بوش حملات علاقات عامة سرية لكسب ولاء وسائل الإعلام الأمريكية و الأجنبية للترويج لسياساتها. فإدارة بوش كانت تبدل قصارى جهودها لإقناع الشعب العراقي والرأي العام الأمريكي والعالمي أن الأوضاع في العراق أحسن بكثير عما كانت عليه في عهد صدام. والواقع بطبيعة الحال غير ذلك تماما. فكل وسائل الإعلام المأجورة و الموالية للبيت الأبيض أصبحت تتغاضى عن الواقع اليومي المر الذي يعيشه الشعب العراقي حيث تدنى مستوى الخدمات بمختلف أنواعها ناهيك عن انعدام الأمن وغلاء المعيشة والجرائم. ..الخ. و بدلا من كل هذا ركزت وسائل الإعلام على الأخبار الإيجابية و التي تزخرف وتلون صورة أمريكا محليا و عالميا خاصة في الوطن العربي وهذا بإنشائها راديو "سوا" وتلفزيون "الحرة". كما لجأت إدارة بوش إلى إنشاء ما يسمى بإدارة "العمليات الإعلامية" لإنتاج مقالات و تقارير صحفية تكتب باسم كتاب عراقيين لتضليل الرأي العام. هذه الإدارة والتي تنشط تحت مظلة البنتاجون خصص لها مئات الملايين من الدولارات من أجل نشر الدعاية السياسية والخطاب الإعلامي الإيجابي و المحابي لأمريكا من أجل إخفاء السلبيات و التركيز على الإيجابيات. كما اعتمدت إدارة بوش على المعارضة العراقية التي كانت تزودها بأخبار مغلوطة و زائفة واشتهر الجلبي بالحصول على أموال طائلة لتقديم أكاذيب للأمريكيين من أهمها وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق و لقاء الرئيس صدام حسين بأسامة بن لادن ووجود علاقات وطيدة بين العراق والقاعدة. هذه الأخبار تداولتها وسائل الإعلام الأمريكية بدون مساءلة ولا تحقيق و لا تمحيص في مصداقيتها. ففي حربها على الإرهاب و غزوها لأفغانستان و العراق جندت إدارة بوش إمكانيات كبيرة لتجميل صورتها في العالم كما جندت عددا كبيرا من الصحفيين و استخدمت وسائل الإعلام كوسائط دعائية للحكومة.وبذلك جندت وكالة المخابرات المركزية عددا لا يستهان به من الصحافيين في عملية التضليل و التبرير و التلاعب الإعلامي من أجل كسب الرأي العام و من جهة أخرى و مقابل التقرب و كسب ود الصحافيين، استعملت إدارة بوش إجراءات أخرى للتخلص و إبعاد الصحافيين الجادين المعروفين بالتزامهم بقضايا الجماهير، و كانت هذه الطريقة تستخدم في المؤتمرات الصحفية للرئيس بوش حتى لا يتم إحراجه بأسئلة جدية و مبنية على معطيات و حقائق من الميدان. ففشل أمريكا في حربها على الإرهاب عملت المؤسسات الإعلامية الكبيرة على تبريره و تقديمه للرأي العام سواء في أمريكا أو في العالم على أنه نجاح. اشتهرت أمريكا بانتقادها الموجه للدول السلطوية و للاتحاد السوفيتي سابقا بسبب سيطرتها على وسائل الإعلام و التحكم فيها كما تشاء، و أكثر من ذلك تسخيرها لتقديم الواقع كما تريده السلطة و ليس كما هو. المتتبع لحرب أمريكا على الإرهاب يلاحظ أن إدارة بوش أصبحت تتعامل مع وسائل الإعلام كالدول الشمولية و أصبحت تتعامل مع السلطة الرابعة و حرية الصحافة و حرية التعبير و كأنها الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية. ففي ظل إدارة بوش أصبح الصحفيون الأمريكيون عملاء لحكومتهم، بدلا من مراقبتها و الوقوف عند تجاوزاتها و استقصاء الحقيقة و مساءلة كل التصريحات والتقارير، أصبحوا يهللون و يصدقون كل التقارير و كل ما يصرح به السياسيون و الجنرالات. فوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية استطاعت و من أجل كسب الحرب الإعلامية الموازية للحرب على الإرهاب تجنيد العديد من الصحفيين واستكتابهم لتزييف الحقائق وتضليل الرأي العام وتقديم ما يخدم سياسات إدارة بوش و توجهاتها حتى و إن كانت على خطأ. قالت صحيفة نيويورك تايمز في هذه الفصيلة من الصحافيين ما يلي: "تكفي ضغطة واحدة على الزر لتعزف تلك الأبواق ولتصبح أداة لأوركسترا الدعاية بأية لغة و في أي بلد من بلاد العالم طالما أن مزاج السي أي إيه يتقبل الاستماع إليها. ويدعم تلك الأبواق أوركسترا كبيرة من الصحافيين". فإدارة بوش لم تقتصر على "شراء" الصحافيين الأمريكيين بل تخطت ذلك إلى أنحاء العالم حيث أشترت الأصوات والعملاء من الصحافيين والمؤسسات الإعلامية لإسماع صوتها و إسكات أي صوت من شأنه أن ينتقد الولايات المتحدة الأمريكية. فهل نجحت أمريكا في تحسين صورتها في العالم، طبعا لا لأن تحسين الصورة لا يتحقق عن طريق شراء الأقلام والذمم والتضليل والتشويه وتأجير وكالات العلاقات العامة.

1556

| 02 نوفمبر 2013

سياسة الخداع وتسويق الحروب

صدر قبل سنوات كتاب "ماذا حدث داخل البيت الأبيض" لمؤلفه المتحدث السابق باسم البيت الأبيض الأمريكي سكوت ماكليلان والذي يُعتبر شهادة من داخل كواليس السياسة الأمريكية، تكشف تفاصيل صناعة القرار السياسي وتفاصيل التضليل والتعتيم والتلاعب بالمعطيات والمعلومات للسيطرة على الرأي العام المحلي والدولي. سياسة الخداع كما يسميها ماكليلان سيطرت وهيمنت على القرار السياسي الأمريكي في مرحلة، تعتبر من أهم وأخطر المراحل في السياسة الخارجية الأمريكية على الإطلاق. إذ إن هذه الحقبة شهدت تحولات جذرية في العلاقات الدولية حيث انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة مصير العالم وتطويع منظمة الأمم المتحدة لقبول قرارات لم تكن سليمة على الإطلاق وقرارات كانت تداعياتها وانعكاساتها خطيرة جدا على عدد من الدول ومن شعوب منطقة الشرق الأوسط. الكتاب يشير إلى تضارب في القول والفعل لصحفي وناطق رسمي للبيت الأبيض كان من واجبه تقديم الحقيقة والاستقالة من الوهلة الأولى والانحياز لمصلحة الشعب الأمريكي وللحقيقة بدلا من الاشتراك في جريمة الكذب والخداع والتلاعب بالعقول. لكن يبدو في واقع الأمر أن سكوت ماكليلان انحاز للمؤسسة التي تعطيه راتبا نهاية كل شهر وهذا ما يعني أن كتابه وحتى ولو يعتبر شهادة من الداخل وجرأة في تقديم الحقيقة إلا أنه كتاب جاء متأخرا ليعكس أن مصلحة السلطة هي فوق كل اعتبار في عالم لا يؤمن بالرأي العام بل يؤمن بالتلاعب بالعقول لاستعمالها في تشريع قراراته وتصرفاته. فالجميع تواطأ واتفق على التضليل والتزييف والكذب لتسويق الحرب والتأثير على الرأي العام الأمريكي للمصادقة على الحرب، بل الإيمان بضرورة خوضها للدفاع عن مصالح أمريكا وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط. سكوت ماكليلان، أو محامي الشيطان، مؤلف كتاب "ماذا حدث في البيت الأبيض"، صال وجال في البيت الأبيض ودافع بشراسة عن سياسات بوش وإدارته لشؤون أمريكا والعالم ومن أهمها قرار الحرب على العراق وبعد كل الضرر الذي أحدثه هذا القرار للشعب الأمريكي ولدول وشعوب العالم، يأتينا بهذا الكتاب وبهذه الحقائق. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو لماذا لم يقدم ماكليلان استقالته من منصبه عندما لاحظ سياسة الخداع والتضليل والتعتيم والتلاعب بالمعلومات من أجل تسويق حرب لا حاجة للشعب الأمريكي بها. ولماذا وافق ماكليلان كل هذه الفترة على القيام بالدفاع عن الشيطان وعن سياسات يرفضها جملة وتفصيلا ولا يؤمن بها. فالتاريخ يكشف دائما عن الحقائق وعن هؤلاء الذين يضعون مصلحة حفنة من بارونات السياسة والمال فوق مصلحة الأمة والبشرية. فالغاية تبرر الوسيلة وكل الطرق والوسائل مشروعة للوصول إلى الهدف حتى ولو كان ذلك على حساب القيم والأخلاق. تتحدد إشكالية الكتاب في أن قرار الحرب في الدستور والأعراف الأمريكية لا يتم إلا إذا تطلبت الظروف ذلك، وإلا إذا كانت الحرب ضرورية ومبررة ولها أسبابها وحججها. الظروف الموضوعية التي كانت سائدة أثناء مرحلة ما قبل الحرب لم تكن مؤهلة وكافية لشن الحرب على العراق. لكن صقور البيت الأبيض وعلى رأسهم ديك تشيني استطاعوا من خلال استخدام "ثقافة الخداع" أن يضللوا الرأي العام الأمريكي والعالمي والاقتناع بقبول قرار الحرب والموافقة عليه. فالبيت الأبيض لجأ إلى كل الطرق والوسائل من دعاية وأكاذيب وأساطير ومن تضخيم خطر القاعدة وأسلحة الدمار الشامل وغيرها لتبرير الحرب وجعلها حتمية لإنقاذ أمريكا والعالم من خطر داهم من شأنه أن يعصف بالعالم بأسره ويفتك بالبشرية جمعاء. فتسويق الحرب على العراق تم من خلال أكاذيب وحملات ترويجية تسويقية دعائية تقوم على معلومات خاطئة وردت من المخابرات المركزية الأمريكية التي كانت تحصل على معظم معلوماتها من المعارضة العراقية في الخارج التي كانت بدورها تحلل الواقع وتقدم المعلومات بناء على العواطف والأمنيات وليس على ما هو موجود في أرض الواقع. ويرى ماكليلان أن موضوع الحرب على العراق كان المفروض أن يتم من خلال المناقشات المفتوحة ومشاركة الفضاء العام خاصة وسائل الإعلام والنخبة المثقفة للوصول إلى الحقيقة ومن ثمة مساندة قرار الحرب أو معارضته. مع الأسف الشديد قرار الحرب تم في جو من التواطؤ الكبير بين وسائل الإعلام والبيت الأبيض، حيث استطاعت إدارة بوش تمرير خطابها وأكاذيبها أمام أعين ومسامع الإعلام الأمريكي، الذي كان من المفروض أن يكون كلب الحراسة ومراقب السلطة والجهة التي تستقصي الحقائق وتتأكد من صحة القرارات التي تتخذها السلطة في المجتمع. فالإعلام الأمريكي الذي يدعي البحث عن الحقيقة والكشف عنها وتوفير منبرا حرا للرأي العام ليناقش القضايا المصيرية في المجتمع وإبداء رأيه فيها والمساهمة في صناعة القرار، أصبح بدلا من كل هذا طرفا في معادلة الخداع والتزييف والتضليل وإخفاء الحقائق. وبهذا التلاعب الصارخ الذي يتنافى ويتناقض جملة وتفصيلا مع أسس ومبادئ الديمقراطية، استطاعت إدارة بوش الإعلان عن حرب غير مشروعة وغير مبررة والزج بعشرات بل مئات الآلاف من الشباب الأمريكي في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. يتساءل ماكليلان عمن هو المسؤول فيما حدث في البيت الأبيض وهنا يشير الكاتب بأصابع الاتهام إلى جهات عديدة من أهمها بطبيعة الحال إدارة بوش والحزبين الديمقراطي والجمهوري وجماعات الضغط والقائمين على الإعلام حيث إن الجميع لم يقم بدوره كما ينبغي بل انخدع وأصبح طرفا في نشر ثقافة الخداع والتسليم بكل ما يُنشر ويُبث من دون أدنى مساءلة أو استقصاء أو تشكيك. وهذا ما ساعد على نشر الكثير من الأكاذيب والتلاعب بالكثير من المعطيات للوصول إلى هدف واحد هو تسويق الحرب للجميع خاصة الرأي العام الأمريكي والدولي. هذه الظاهرة جعلت الكثير من المختصين يتساءلون عن دور الفضاء العام والنخب المثقفة ووسائل الإعلام الأمريكية في مواجهة سلطة المال والسياسة في المجتمع. فالواقع يؤكد أن الجميع-أحزاب سياسية، معارضة، جماعات ضغط، مؤسسات إعلامية، الفضاء العام، الرأي العام - الكل استسلم لـ "الإستبليشمنات" Establishment وللوضع الراهن Status Quo، والنتيجة في نهاية المطاف هي انهزام الحقيقة والحكم الراشد والقرار السليم أمام التضليل والتعتيم والتلاعب والخداع. الخاسر الكبير كان بطبيعة الحال الشعب الأمريكي ودافعي الضرائب والأمن وألمان والاستقرار في العالم.

1962

| 25 أكتوبر 2013

بين وهم الرأي العام ونهاية الفضاء العام

إن دراسة علاقة وسائل الإعلام بالسياسة تقودنا إلى مساءلة علاقة تطور وسائل الاتصال بتشكيل الرأي العام. وإلى أي مدى تساهم وسائل الإعلام في إيجاد فضاء عام لمناقشة الأفكار والآراء والأطروحات من قبل الجميع؟ أم أن هناك قوى محدودة جدا تسيطر على الفضاء العام وتحتكره لنفسها لتمرير أفكارها ووجهات نظرها. ما هي العلاقة بين وسائل الإعلام واستطلاع الرأي العام والرأي العام؟ بالنسبة لبيار بورديو Pierre Bourdieu الرأي العام لا يوجد وأن الرأي العام الذي يدعيه أصحاب مراكز سبر الآراء والصحفيون ما هو إلا إشكاليات متعلقة بمصالح سياسية تقوم أساسا على عدد معين من المسلمات المغلوطة و الخاطئة. أولا باستطاعة أي شخص أن يكوّن رأيا حول موضوع؛ ثانيا كل الآراء تكتسي نفس القيمة؛ وأن هناك تفاهم حول الأسئلة التي تستحق الطرح. فنتائج سبر الآراء التي تبثها وتنشرها وسائل الإعلام، ما هي في حقيقة الأمر، سوى فبركة اصطناعية لمنتج تم استخراجه من حسابات إحصائية لجمع آراء أشخاص لفرض وهم أسمه الرأي العام. تثير أطروحة بورديو تساؤلا كبيرا جدا وخطيرا في نفس الوقت، يتعلق بالمصداقية العلمية لاستطلاعات الرأي العام وبثباتها وبمفهوم الرأي العام كمصطلح وكظاهرة اجتماعية وسياسية. أصبحت وسائل الإعلام، على حد قول بورديو وشامبان، محكمة الرأي حيث أصبح الواقع يتحدد ويتلخص فيما تنقله وسائل الإعلام وتناقشه وتحلله وفق ما يراه الصحفيون ومحترفو صناعة الرأي العام صالحا ومؤهلا لأن ينقل إلى عيون ومسامع القراء والمشاهدين والمستمعين. وحسب نظرية تحديد الأولويات Agenda Setting فإن وسائل الإعلام من جرائد ومجلات ومحطات إذاعية وتلفزيونية تحدد للجمهور ماذا يقرأ ويسمع ويشاهد ليس هذا فقط وإنما تحدد له كذلك كيف ينظر ويحلل وفي أي إطار يدرك ويفهم الأحداث والوقائع التي تُقدم له. توجد علاقة متبادلة بين الرأي العام و الفضاء العام. فالرأي العام كمصطلح ظهر في القرن الثامن عشر. من جهة أخرى أدت التغييرات السياسية المترتبة على نهاية الملكية المطلقة إلى ظهور مصطلح الفضاء العام. نشأ الفضاء العام إذن في القرن الثامن عشر في الصالونات والمقاهي والنوادي والدوريات التي كانت تمثل حلقة الوصل بين القراء والمؤلفين والمستمعين أي بعبارة أخرى النخبة المثقفة القادرة على الحوار والنقاش. وبهذا المنطق كان الشعب مقصى من الفضاء العام نظرا لعدم قدرته على مناقشة المسائل الأدبية والفنية والسياسية والاقتصادية وغيرها. هذا الفضاء بدأ ينهار شيئا فشيئا في القرن العشرين حيث انتقل الأمر من جمهور يناقش الثقافة إلى جمهور يستهلكها. إن تطور ثقافة الاستهلاك والتسويق والإعلان وبعد ذلك العلاقات العامة أدى إلى تدهور وتفكك وانهيار الفضاء العام المعاصر. أدى المجتمع الجماهيري والصبغة المركنتيلية التجارية والتسويقية لوسائل الإعلام وكذلك النموذج العصري للعلاقات العامة إلى تغيير الفضاء العام. ما هو دور وسائل الإعلام؟ هل هو دعم الفضاء العام حيث يتبادل أفراد المجتمع أفكارا وأحكاما وحججا رشيدة وعقلانية ومنطقية من أجل الصالح العام، أم أن دور وسائط الإعلام، كما يرى "هابرماس" هو تذويب القيم الديمقراطية والقضاء عليها؟ يمثل الفضاء العام حركة إدماج وتمجيد الحريات الفردية والتعبير عن الآراء وتمكين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والدينيين والثقافيين من الحوار والنقاش والاختلاف أمام الجميع وأمام الملأ. فالصحافة والإذاعة والتلفزيون والانترنيت ما هي إلا منابر ووسائل لتبادل الأفكار والآراء بين أفراد المجتمع وهي بذلك القنوات الاستراتيجية للفضاء العام. حسب برنار مياج Bernard Miege مرت المجتمعات الديمقراطية منذ القرن الثامن عشر بأربعة نماذج للاتصال. تمثل النموذج الأول في صحافة الرأي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، أما النموذج الثاني فمثلته الصحافة التجارية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. انفصلت هذه الصحافة عن الآداب وفرض الإعلان نفسه كقوة فاعلة في الصناعة الإعلامية، وأصبحت الصحافة حلقة وصل بين الطبقة السياسية والجماهير مشكّلة بذلك الرأي العام. أما النموذج الثالث فظهر في منتصف القرن العشرين متمثلا في الوسائل السمعية البصرية. أعتمد هذا النموذج التسلية والتشويق وطرق التسويق والترفيه و"الشو بيز" على حساب الجدال والنقاش والحوار المقنع. أما النموذج الأخير فظهر في السبعينات من القرن الماضي مع الانتشار الواسع للعلاقات العامة التي أصبحت جزءا استراتيجيا من المؤسسات والإدارات والجمعيات حيث تقوم على فنون ومهارات إقناع وإغراء المستهلكين. هذه النماذج ساهمت بطرق مختلفة في اتساع رقعة الجماهير في الفضاء العام وابتعادهم من مراكز اتخاذ القرار. أصبحت وسائل الإعلام تتحكم في نشر التباين وعدم العدالة في الوصول إلى النقاش العام: حيث نجد أقلية من صناع القرار وصناع الرأي والقائمين بالاتصال يسيطرون على فضاءات الاتصال والتعبير عن آرائهم وطروحاتهم وأغلبية ساحقة تجد صعوبات كبيرة في إسماع صوتها وإيصاله إلى وسائل الإعلام ومن ثم إلى الفضاء العام. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو إلى أي مدى ساهمت وتساهم تكنولوجية وسائل الإعلام والاتصال في اتساع و إثراء الفضاء العام و ما هي تأثيراتها سواء كانت إيجابية أم سلبية على إدماج الجميع في هذا الفضاء؟ أدت تكنولوجية وسائل الإعلام و الاتصال بصفة عامة إلى تأثيرات أربعة تمثلت فيما يلي: "تقنية" العلاقات تقوم على استخدام الآلات والأجهزة حيث أصبحت العلاقات تقوم عن طريق الهاتف النقال أو الانترنيت بصفة سريعة وعملية جدا؛ "تسليع" جعل الاتصال سلعة وتجارة تقوم على مبدأ العرض والطلب و الإغراء ومختلف تقنيات التسويق والإعلان والبيع والشراء؛ "تجزئة" الجمهور حيث أصبحت هناك وسائل اتصالية جد متخصصة تهدف إلى تلبية الاحتياجات الخاصة بكل فئة محددة من فئات الجمهور العريض؛ وأخيرا "عولمة" الإعلام والتي أدت إلى توحيد الخطاب والقيم والمعايير على حساب خصوصيات الدول والثقافات والحضارات. يبقى أن نقول أنه بفضل وسائل الاتصال التفاعلية والتي تتمثل في التلفون النقال والانترنيت نستطيع أن نستبشر خيرا بغد أفضل للاتصال الديمقراطي رغم التحفظات الكبيرة والمتعلقة بالفجوة الكبيرة بين الشمال والجنوب وبين الذين يملكون والذين لا يملكون على المستوى العالمي وعلى مستوى كل دولة. من جهة أخرى يرى النقاد أن استخدامات الانترنيت تميل نحو الاستهلاك وثقافة التهميش والتسطيح والانسلاخ والانجراف والذوبان في ثقافة الآخر أكثر منها نحو الأمور الجادة والمشاركة السياسية والمساهمة في صناعة القرار.

6664

| 18 أكتوبر 2013

في إشكالية الموضوعية وفبركة الأخبار

تعتبر إشكالية الموضوعية من المواضيع الشائكة في أدبيات علوم الإعلام والاتصال، حيث إنها كانت ولا تزال على الدوام موضوع جدال ونقاش واختلاف كبير بين العلماء والباحثين والمهتمين بالشأن الإعلامي. والكلام عن الموضوعية هو تمويه وتبرير لممارسة، مهما كانت نية صاحبها للتجرد من الذاتية ومن الانحياز لطرف على طرف آخر. إلا أنها في واقع الأمر ممارسة لا يستطيع صاحبها أن يتجرد من الذاتية عندما يفضل عنصرا في القصة الخبرية على عنصر آخر أو حتى عندما يرتب العناصر المختلفة في الخبر. بحيث يتم هذا الترتيب وفق أولويات يحدد هو أو تحددها معايير مهنية قد لا تكون موضوعية. هذا ناهيك عن السياق والخلفية والإطار الخاص والعام الذي تقدم من خلاله الأخبار والأحداث اليومية. والقائم بالاتصال، مهما كانت حرفيته ومهنيته والدرجة العالية من الأخلاق والنزاهة التي يتحلى بها إلا أنه يبقى إنسانا له أيديولوجية معينة وإطار مرجعي محدد وخلفية وجذور وميول وأفضليات وأولويات وتأويلات وأفكار مسبقة وصور نمطية. فهناك أحداث كبيرة عبر التاريخ كشفت عن الانحياز الأعمى لصحفيين كبار على الصعيد الدولي، ليس لصالح الحق والحرية والاستقلال وإنما لصالح التمويه والتشويه والانحياز للقوى الغاشمة الظالمة. فالموضوعية المطلقة في الصناعة الإعلامية ضرب من الخيال وأمر بعيد المنال. فالمفهوم يبقى نسبيا ومتفاوتا من بلد لآخر ومن ثقافة لأخرى. فمنهم من يرى أنه لا يقصد بها الموضوعية الكاملة وإنما على الأقل هي عملية وموقف وطريقة تفكير. فالموضوعية هي غاية يطمح أن يحققها أي صحفي في العالم، لكن إدراكها في الواقع ليس سهلا على الإطلاق. فحسب هربرت ألتشول ميثاق الموضوعية في النظام الرأسمالي ما هو إلا وسيلة للمحافظة على النظام العام والترويج للأيديولوجية الأرثوذكسية الرأسمالية. إن مجرد تقديم وجهتي نظر الطرفين في القصة الخبرية لا يعني بالضرورة الموضوعية. حيث إنه إذا تم تقديم الطرفين من دون سياق ومن دون إطار وإذا كان طرف على عكس الطرف الآخر غير قادر على تقديم وجهة نظره بطريقة مقنعة وقوية ومنطقية فهذا يخل بالموضوعية والمبادئ التي تقوم عليها. بالنسبة لـ"غاي توكمان" الموضوعية هي طقس إستراتيجي "strategic ritual" من طقوس الممارسة الإعلامية يستعملها الصحفي للدفاع عن نفسه من الاتهامات التي قد تُوجه له في تحريف وتشويه الواقع. توكمان ترى أن المؤسسة الإعلامية هي مؤسسة اجتماعية ومثلها مثل المؤسسات الأخرى في المجتمع لها هيكلها البيروقراطي ونظامها القيمي. الممارسة الإعلامية مثلها مثل الممارسات الأخرى في المجتمع تقوم على مجموعة اتفاقيات conventions تحدد ما يجب أن يُنشر وما يجب أن يُرمى في سلة المهملات ويُلغى ويتم إقصاؤه من ساحة العلنية. وبهذا يصبح مفهوم الخبر مفهوما ذاتيا، حيث قد يكون حدث ما خبرا لجريدة أو لجهة معينة وقد لا يعني شيئا لجهات أخرى. فالخبر هو ما يشمه ويحدده الصحفي، فلا يوجد هناك تعريف محدد شامل ومانع للخبر يصلح لكل الدول والثقافات والحضارات وحتى لقوى مختلفة ومتنوعة داخل الإطار السياسي والاقتصادي الواحد. وعلى حد قول الصحفي الأمريكي الشهير "ديفيد برنكلي": "الأخبار هي التي أقول عنها إنها أخبار". فميثاق الموضوعية ما هو إلا خدعة كبيرة للرأي العام ولجماهير القراء ومستهلكي وسائل الإعلام لإقناعهم بأن هذه الأخيرة تقوم على الحرفية والمهنية وعدم الانحياز والالتزام بالحقيقة وتقديم وجهات نظر الطرفين أو الأطراف الضالعة في الخبر. فيرى ألتشول مثلا، أن في قضية واترغيت ورغم الضجيج الإعلامي الكبير والانتقادات الكبيرة التي وُجهت للرئيس نيكسون، رغم كل ذلك فشلت المؤسسة الإعلامية الأمريكية في الكشف عن عيوب وسلبيات مؤسسة الرئاسة الأمريكية وفي الأخير انتُقد الرئيس ولم تُنتقد الرئاسة وفي النهاية أُجبر نيكسون على الاستقالة، وراح ضحية النظام أو ما يسمى عند الأمريكيين بالإستبليشمنات Establishment. من جهة أخرى، نلاحظ أن ميثاق الموضوعية يكون صالحا في حدود الدولة فقط، لكن عندما ينتقل الموضوع إلى نزاع بين دولة الصحفي أو المؤسسة الإعلامية ودولة أخرى، فتصبح الموضوعية أسطورة وخرافة. وهنا تصبح المؤسسة الإعلامية والصحفي غير ملزمين بتقديم وجهتي نظر الدولتين محل النزاع. فالصحفي ينحاز بطريقة أوتوماتيكية لبلده وإذا قدم أطروحة البلد الخصم يصبح خائنا وغير وطني وغير ملتزم بخدمة وطنه. وهذا ما أكدته الأحداث التاريخية كتعامل الإعلام الفرنسي مع حرب التحرير الجزائرية، أو تغطية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، أو الصراع بين أمريكا وكوبا، أو حرب الخليج الثانية والثالثة...إلخ. يفرض منطق التعددية الديمقراطية على وسائل الإعلام إعطاء نفس الفرص ونفس المساحة لمختلف القوى السياسية والاقتصادية في المجتمع. لكن وسائل الإعلام، ومع الأسف الشديد، تعمل وفق ضغوط وقيود خفية تقصي كل ما من شأنه أن يحاول التغيير في المجتمع أو يهدد النظام الاجتماعي والنظام السياسي والاقتصادي. وكنتيجة لهذه الآليات الخفية والميكانيزمات المحددة سلفا، فإن وسائل الإعلام تقوم بالدور الإستراتيجي في عملية التحكم الاجتماعي، حيث إنها تعمل كعميل للنظام القائم. وبهذا المفهوم، فإن ميثاق الموضوعية نفسه ما هو إلا ميكانيزم للتحكم الاجتماعي. بالنسبة لرجال السياسة تعتبر وسائل الإعلام الوسيط الأساسي والإستراتيجي للوصول إلى الجماهير العريضة للتأثير فيها وتكوين وتشكيل الرأي العام الذي يتبنى آراءهم وأفكارهم ووجهات نظرهم وبذلك برامجهم. فالسياسي الناجح هو ذلك الذي يحسن التعامل مع وسائل الإعلام والذي يعرف كيف يمرر خطابه السياسي عبر وسائل الإعلام بلباقة وبمهنية عالية. فالعلاقة بين وسائل الإعلام والحياة السياسية تشكل عنصرا هاما من عناصر فهم الرهانات المرتبطة بتطور الديمقراطيات العصرية. تؤثر وسائل الإعلام في الحكام والمحكومين، فوسائل الإعلام تغير القوانين التقليدية للعبة الديمقراطية، فسمعة السياسي تحددها بدرجة كبيرة الصورة التي يكونها ويصنعها لنفسه من خلال وسائل الإعلام. هذه الصورة يجب أن تكون متناغمة ومتناسقة مع الصورة المقدمة والصورة التي تدركها الحشود والجماهير. فإدارة الصورة تعتبر ظاهرة رئيسية ومحورية في جعل الحياة السياسية ظاهرة إعلامية، أي تتناولها وتناقشها وسائل الإعلام باهتمام بالغ وبتركيز كبير. من جهة أخرى نلاحظ أن التغطية الإعلامية لنشاط السياسيين وعملهم اليومي تترك آثارا كبيرة على الجماهير والمتتبعين للفعل السياسي الذين يقومون بمتابعة نشاط السياسيين ومدى تطابق أقوالهم مع أفعالهم. وحسب ليبمان فإن الأخبار لا تعكس الحقيقة، بل تفبرك الواقع: الأخبار والحقيقة ليسا الشيء نفسه، ولا بد من التمييز بينهما. فوظيفة الأخبار هي الإشارة إلى حادثة، ووظيفة الحقيقة هي إظهار الحقائق المخفية وربط الواحدة منها بالأخرى، ورسم صورة للحقيقة يستطيع الناس أن يتصرفوا بناء عليها. لا يتلقى الجمهور صورة كاملة في غالب الأحيان عن المشهد السياسي، بل يحصل بدلا من ذلك على سلسلة مختارة للغاية من الومضات أو اللمحات وتكون النتيجة في النهاية تشويه الواقع. وحسب والتر ليبمان هناك تضارب بين الديمقراطية والممارسة الإعلامية اليومية، حيث إن وسائل الإعلام لا تقدر على تأدية وظيفة التنوير العام. لا تستطيع وسائط الإعلام تقديم الحقيقة بموضوعية، لأن الحقيقة شخصية وتستوجب الكثير من الدقة والتمحيص والتفسير والتأكد والتدقيق، الأمر الذي لا تسمح به صناعة الأخبار التي تتطلب السرعة الكبيرة والمواعيد الدقيقة التي لا ترحم. فحسب والتر ليبمان، الجمهور لا يحصل على صورة كاملة ووافية وشاملة للمشهد السياسي ؛ بل يتلقى بدلا من ذلك مجموعة أو سلسلة من الومضات أو اللمحات التي تفبرك هذا المشهد السياسي أكثر مما تعكسه. وبذلك يفبرك الواقع ويُقدم للرأي العام بالتناغم والتناسق مع مصالح القوى السياسية والاقتصادية في المجتمع. نستنتج مما تقدم أن وسائل الإعلام تعيق الديمقراطية أكثر مما تخدمها، لأن الديمقراطية تقوم على السوق الحرة للأفكار وعلى الرأي والرأي الآخر، الأمر الذي فشلت وتفشل وسائل الإعلام في تحقيقه في أرض الواقع.

5525

| 12 أكتوبر 2013

لماذا تزعج إستطلاعات الرأي العام الأنظمة العربية؟

ما هي أهمية وقيمة استطلاعات الرأي العام في العالم العربي؟ وما هي مكانتها في أجندة وبرنامج عمل صانع القرار؟ هل من علاقة بين الرأي العام والأنظمة العربية؟ وهل هذه الأخيرة يهمها الرأي العام ورأي الشارع واتجاهاته؟ ما هي علاقة صناعة القرار بالرأي العام؟ ولماذا نجد ندرة في استطلاعات الرأي العام في العالم العربي؟ وما هو واقع مراكز استطلاعات الرأي العام في العالم العربي، إن وُجدت أصلا؟ هناك من يرى أن الرأي العام في العالم العربي غير موجود ومهمش ومغيب ولا يؤخذ به ولا دور له ولا فاعلية. هل يحق لنا الكلام عن الديمقراطية من دون الكلام عن الرأي العام؟ وهل من ديمقراطية من دون رأي عام؟ فالنظام السياسي الذي يستمد سلطته وشرعيته وقوته من الشعب يجب أن يعود إلى هذا الشعب في اتخاذ القرارات وصناعة السياسات المختلفة التي توضع أساسا من أجل هذا الشعب ولهذا الشعب. لماذا يا ترى قلة مراكز استطلاعات الرأي العام في بعض الدول العربية وانعدامها تماما في دول أخرى؟ لماذا ضعف أداء المراكز الموجودة ولماذا عدم الاهتمام بالرأي العام في العالم العربي؟ الإشكالية الرئيسية في التعامل مع الرأي العام واستطلاعات الرأي العام في العالم العربي تكمن أساسا في أن بعض صناع القرار في العالم العربي ما زال لا يؤمن بسلطة الرأي العام وأهميته، وما زال لا يؤمن بأهمية رأي الشعب ووجهة نظره وموقفه من قضايا الأمة والمجتمع ومسائل مصيرية تهمه. فهؤلاء لا تهمهم مراكز استطلاع الرأي العام ولا تهمهم نتائج هذه الاستطلاعات، فهم يعرفون كل شيء عن الشعب، وهم يفكرون للشعب وفي مكان الشعب وباسم الشعب، وهم يعرفون مصالح الشعب أحسن من الشعب نفسه. وهم الذين يعرفون كل شيء ولا يحتاجون إلى دراسات وأبحاث واستطلاعات الرأي العام لمعرفة ماذا يجري في الشارع وماذا يحدث في الواقع. والبعض منهم يرى أن الشعب غير مؤهل لإبداء رأيه في أمور لا يفقه فيها شيئا وأمور ليست من اختصاصه. الجمهور حسب هؤلاء هو مجرد رقم في معادلة السياسة وصناعة القرار، فهذه الأمور ليست من اختصاصه ولا دخل له فيها. يمكن تفسير هذا الوضع غير الصحي لاستطلاعات الرأي العام ودراسته وللعلاقة غير السليمة بين السلطة والرأي العام في العالم العربي إلى عدة اعتبارات من أهمها: أن السلطة في العالم العربي تخاف من الرأي العام، ونظرا لاتخاذ معظم القرارات بعيدا عن الشفافية والديمقراطية فإن الأنظمة العربية لا تريد معرفة رأي الشعب وموقف الشعب وكيف يفكر الشعب في معظم هذه القضايا. من جهة أخرى تخاف السلطة من الرأي العام، أي من الشعب، ولذلك فإنها لا تريد أفكارا ورؤى وإحصاءات وحقائق في وسائل الإعلام قد تخالفها وتعارضها ولا تتفق مع أطروحاتها وسياساتها ووجهات نظرها. يُنظر إلى نتائج استطلاعات الرأي العام على أنها غير موضوعية ومسيسة وتُوجهها الجهة التي تمول الدراسة وفق مصالحها وأهوائها، فهي إذن حسب السلطة غير علمية وغير موضوعية وغير حيادية. في بعض الحالات نلاحظ تدخل جهات وأطراف خارجية لتمويل الدراسات والاستطلاعات للحصول على نتائج تفصلها حسب أهدافها ونواياها وما تريد تحقيقه والوصول إليه، وتمويل هذه الأطراف لمراكز استطلاعات الرأي العام يُفقد هذه المراكز مصداقيتها وموضوعيتها. من جهة أخرى نلاحظ أن غياب ثقافة البحث العلمي وثقافة المعلومة والإحصاءات والدراسات والبحوث والإحصاءات، وسيادة ثقافة الشك والخوف من الاستبيانات والاستطلاعات تؤثر سلبا على الاعتماد على استطلاعات الرأي العام والقيام بها والاعتماد على نتائجها في صناعة القرار ووضع السياسات المختلفة في البلاد. وهنا نلاحظ ارتباط ثقافة استطلاعات الرأي العام بالديمقراطية وبحرية التعبير وحرية الصحافة والمشاركة السياسية وثقافة القوى المضادة وثقافة المجتمع المدني والفصل بين السلطات ومراقبتها، خاصة السلطة التنفيذية، إضافة إلى حرية الفرد بصفة عامة. بيئة الحرية والديمقراطية هي البيئة الطبيعية لثقافة الرأي العام والعمل به، حيث إنها تعتبر من مستلزمات الرأي العام ومن شروط قوته ونفوذه في المجتمع. هذه البيئة، مع الأسف الشديد، غائبة ومغيّبة في معظم الأنظمة العربية، ولذلك نلاحظ غياب قوة من المفروض أن تكون إستراتيجية وفاعلة في المجتمع، وهي الرأي العام، في معظم القضايا المصيرية للمجتمع. تغييب الرأي العام في العالم العربي هو تحصيل حاصل وهو نتيجة منطقية وحتمية لتغييب الفرد العربي ولتغييب الحريات الفردية ولتغييب الآخر. فمراكز استطلاعات الرأي العام لو التزمت المهنية والحرفية والعلمية والموضوعية والشفافية وابتعدت عن التسييس والحسابات الضيّقة تكون إضافة كبيرة للأنظمة العربية لإدارة شؤونها وشعوبها ولحل مشكلاتها وللتواصل مع شعوبها. استطلاعات الرأي العام هي بارومتر الديمقراطية في المجتمع وهي قياس حالة الشعب وتفكيره ورؤاه ووجهات نظره، وتقييمه لأحوال المجتمع والأمة وللقرارات والسياسات التي تُتخذ من أجله. كما تعتبر استطلاعات الرأي العام حوارا صريحا ومباشرا بين السلطة والشعب، وهذا الحوار هو سلوك حضاري يصب في مصلحة الطرفين وفي مصلحة المجتمع ككل. تعتبر نتائج استطلاعات الرأي العام قاعدة معلوماتية مهمة جدا للسلطة حتى تستعملها كبوصلة في اتخاذ قراراتها ووضع سياساتها في مختلف مجالات الحياة، كالسياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة والتعليم...إلخ. استطلاعات الرأي العام هي نوع من التفاعل بين السلطة والقوى الفاعلة في المجتمع وهي عبارة عن حلقة وصل بين الشعب والمجتمع. من جهة أخرى تمثل استطلاعات الرأي العام تقييما مباشرا لرضا أو عدم رضا الجمهور عن أداء السلطة لمهامها وإدارتها لشؤون العباد والبلاد. يعتبر الرأي العام ركنا من أركان الديمقراطية، وتهميشه وتغييبه في المجتمع يعتبر تهميشا وتغييبا للديمقراطية، فكيف تدعي السلطة أنها ديمقراطية وتؤمن بمبدأ أن الشعب يحكم نفسه بنفسه وفي ذات الوقت لا تبالي حتى بالتعرف على رأي الشعب في قضايا الأمة. التناقض الصارخ الذي تعيشه الأنظمة العربية يكمن في أنها تدعي وتتغنى بالديمقراطية وفي الوقت نفسه تقوم بإقصاء وتهميش وتغييب مؤسسة إستراتيجية في المجتمع، وهي مؤسسة الرأي العام والتي تمثل في واقع الأمر الدعامة والسند الرئيسيين لأي سلطة تستمد شرعيتها من الشعب وتؤمن بسلطة الشعب وقدرته على إدارة أموره بنفسه.

2518

| 05 أكتوبر 2013

أزمة الموضوعية والحياد في تغطية الأزمات

في وقت تنتشر وتتكاثر فيه الأزمات بمختلف أنواعها وأشكالها وفي مختلف مناطق العالم، وفي ظروف صعبة يسودها التعتيم والتضليل والتشويه والأفكار المسبقة والصور النمطية وصراع الثقافات والحضارات والعنصرية والجهل وثقافة إقصاء الآخر والصراع المحتدم على الصورة والرأي العام، يتساءل الفرد في المجتمع عن مصداقية ما يشاهده ويسمعه ويقرأه. أين هو الحياد والموضوعية والأخلاق في تغطية وسائل الإعلام لما يجري في مصر وفي سوريا وفي أنحاء عديدة من العالم. أين هو الصدق وأين هو التهويل؟ أين هي الحقيقة وأين هي الدعاية؟ ما هو دور الإعلام في مثل هذه الحالات؟ هل تتحول وسائل الإعلام في زمن الحروب والأزمات إلى آلات لإثارة الفتنة والتهويل والتضخيم والتسيّيس والتلاعب بدلا من تنوير وتثقيف وتوعية الرأي العام بهدف الحوار والنقاش والتفاهم وإطفاء نار الضغينة والحقد والكراهية. هل صحيح أن منطق الحرب يقوم على أن "الحرب بدون تلفزيون ليست حرب" وهل أن جوبلز على حق عندما قال "أكذب ثلاث مرات ففي المرة الثالثة ستصدق كذبتك". نلاحظ هذه الأيام ظاهرة انتشار التضليل والتعتيم والصور النمطية والتشويه، وانتشار ظاهرة ثقافة الحقد والكراهية والخوف من الآخر والعمل على إقصائه. فالعالم اليوم يعيش صراع الصورة وصراعا شرسا على كسب الرأي العام، وهذه الصراعات مع الأسف الشديد تحدث في أحيان كثيرة بتواطؤ غير أخلاقي وغير شريف لوسائل الإعلام مع سلطة المال والسياسة. فالإعلام العربي اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يتعامل بمهنية وحرفية وبأخلاق عالية مع الأزمات المختلفة سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، ومطالب بأن يتحلى بالقيم الإسلامية السمحاء، وبنقل ثقافة الحوار والتسامح إلى الآخر والتفاعل الإيجابي معه. فالإعلام العربي اليوم مطالب بتقديم صورة الإسلام والحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية إلى الآخر في مختلف القضايا المصيرية التي تهم البشرية ودفع جسور التواصل مع شعوب العالم والحوار مع الآخر وحوار الثقافات، فشعوب العالم اليوم في أشد الحاجة إلى الأديان السماوية التي تنادي بالوحدانية واحترام إنسانية البشر جميعا مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم والتاريخ خير شاهد على ما يحدث من مآس إنسانية حين تتغلب الطلقة على الكلمة ويفرض منطق القوة الغاشمة سطوته على حديث العقل. يعيش عالم اليوم صراعات ونزاعات عنيفة وحروبا وأزمات عديدة ومختلفة كالإرهاب والأزمة المالية العالمية؛ أزمات تتسم كلها برهانات وانعكاسات وخيمة جدا تمس الفرد والمجتمع والدولة. فالأزمات طالت كل المجالات الحياتية وأدت إلى إعادة تشكيل العلاقات بين الأمم والدول والشعوب وفق عوامل ومعطيات يعجز الأفراد والمؤسسات وحتى الأنظمة على التحكم فيها. كيف تتعامل وسائل الإعلام مع الأزمات المختلفة وهل أداؤها في هذه الظروف يختلف عن أدائها في الأوقات العادية؟ هل تكتفي وسائل الإعلام بتغطية الأزمة؟ أم تسعى إلى تقديم حلول لها أم أنها تسّيسها وتستغلها لتحقيق أهداف ومصالح معينة؟ هل تواجه المؤسسات الإعلامية ضغوطا معينة عندما تتعامل مع الأزمات؟ هل هناك قرارات أخلاقية يلجأ القائمون على المؤسسات الإعلامية إلى اتخاذها نظرا للرهانات والانعكاسات العديدة التي تتميز بها كل أزمة؟ فمعادلة الإرهاب والإعلام، على سبيل المثال لا الحصر، تطرح مشكلة الوطنية وحق الفرد في المعرفة وابتزاز واستغلال الإرهابيين لوسائل الإعلام للحصول على منبر يحقق لهم العلانية والحضور الإعلامي والوصول إلى الرأي العام محليا ودوليا. أين هي مصلحة الفرد والمجتمع في ظل هذه العلاقة المعقدة وهل هناك تعارض بين الابتزاز والاستغلال وحق الفرد في المعرفة؟ وهل هناك تعارض بين الحرفية والمهنية من جهة، والبحث عن السبق الصحفي والإثارة والتهويل والتضخيم من جهة أخرى؟ رهانات وتحديات عديدة تواجهها وسائل الإعلام في مثل هذه الظروف وما العمل؟ التغطية والتلاعب والبحث عن الإثارة والسبق الصحفي أم المقاطعة؟ من خلال تغطية الحروب نلاحظ أزمة النظرية الإعلامية في تفسير سلوك الصحفيين والمؤسسات الإعلامية. فعلى عكس الظروف العادية والطبيعية ، تواجه التغطية في زمن الحروب والأزمات رهانات وتحديات عديدة وتصبح الممارسة الإعلامية جزءا لا يتجزأ من الحرب نفسها. ظروف الحرب إذن تفرز اختراق مبادئ الحرية والموضوعية، بحيث أن الممارسة الإعلامية خلال الحرب تختلف عنها في الظروف العادية. وفي الأخير نلاحظ انحياز المؤسسة الإعلامية في تغطيتها للحرب إلى موقف الدولة التي تنتمي إليها من الحرب. يمكن القول إن المنظرين لممارسة الإعلام في المجتمعات المختلفة و كذلك الدارسين لعلاقة الإعلام بالسلطة والمؤسسات السياسية والاقتصادية فشلوا فشلا كبيرا في وضع معايير ومقومات لشرح سلوك المؤسسات الإعلامية والصحفيين أثناء تغطية الحروب والأزمات. فالنظريات الأربع: نظرية السلطة، نظرية الحرية، النظرية السوفيتية، نظرية المسؤولية الاجتماعية لم تتطرق إلى إشكالية علاقة الحكومة بوسائل الإعلام في زمن الحرب والأزمات، كما لم تتطرق إلى علاقة الصحفي بالسلطة في هذه الظروف. وما يمكن قوله في هذا السياق هو أن الممارسة الإعلامية في زمن الحروب والأزمات لا تختلف من نظام إعلامي إلى آخر و لا من نظام سياسي إلى آخر وتصبح متشابهة حيث يتحول الإعلام إلى مزيج من الإعلام والعلاقات العامة والحرب النفسية والدعاية والتلاعب والتضليل والتشويه سواء تعلق الأمر بالدول الديمقراطية أو الدول الديكتاتورية أو الدول المتقدمة أو الدول النامية أو غيرها من الأنظمة السياسية المتواجدة في هذا الكون. من جهة أخرى نلاحظ أن الممارسة الإعلامية في زمن السلم والظروف العادية تختلف عن زمن الحروب والأزمات خاصة إذا تعلق الأمر بالدول الديمقراطية والتي لها تقاليد في حرية الصحافة. الملاحظ في هذه الأيام وفي ظل الأزمات والصراعات الكبيرة بين مختلف القوى سواء داخل الدولة الواحدة أو بين الدول هو أن الخطاب الإعلامي أصبح بعيدا كل البعد عن الرسالة الشريفة للإعلام وعن الحياد والموضوعية والكلمة الحرة والصادقة. فأصبحت هناك خطابات عديدة متضاربة ومتناقضة وكأنها تتعلق بأزمات مختلفة وليست نفس الأزمة. فاختراق الأخلاق والمهنية والقيم التي تقوم عليها الصحافة الشريفة أصبح من سمات إعلام عصرنا الحاضر، الإعلام الذي فشل في المساهمة في حل الأزمات والحروب والأعمال الإرهابية بل ساهم ويساهم في التشويه والتضليل والدعاية وبث الحقد والكراهية وثقافة الإقصاء بين الشعوب والأمم. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو ما هي أهداف الإعلام وما هي رسالته في عالم يحتاج إلى السلم والأمان والتقارب بين الشعوب والحضارات والديانات وليس الحروب والأزمات.

2218

| 28 سبتمبر 2013

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5058

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

4452

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3699

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2799

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2373

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1518

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1071

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1023

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

978

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

972

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

846

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

825

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية