رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أفول السلطة الرابعة والحاجة إلى السلطة الخامسة (1)

ما يدور في العالم هذه الأيام من أزمات وحروب ونزاعات وخلافات دولية، وما شهده العالم بأسره من تداعيات وانعكاسات 11 سبتمبر 2001 يؤشر إلى تطورات خطيرة قد تعصف بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة حتى في أعتق ديمقراطيات العالم. ما كان متعارفا عليه في الأوساط الإعلامية والسياسية بالسلطة الرابعة أي سلطة الإعلام التي تراقب السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية أصبح في خانة التاريخ وأدبيات الماضي، حيث إن ما يحدث هذه الأيام في الأوساط الإعلامية العالمية أصبح بعيدا كل البعد عن أطروحة وسائل الإعلام كقوة مضادة أو سلطة تراقب تجار الحروب والأسلحة وصقور البيت الأبيض. فالإعلام الذي يغطي أحداث ومجازر ومذابح بؤر توتر عديدة في العالم أصبح يطبل للحرب أكثر مما يعبر عن بشاعتها وعدم شرعيتها وقانونيتها وإنسانيتها وعن خسائرها وتداعياتها وانعكاساتها السلبية الكبيرة. الإعلام كسلطة رابعة أصبح أسطورة وأصبح نظرية جوفاء لا أساس لها من الصحة في أرض الواقع. وسائل الإعلام أصبحت جزءا من القوى الفاعلة في المجتمع وأصبحت جزءا من البنية الفوقية التي تتحكم فيها قوى المال والأعمال والسياسة. فالإعلام الذي كان من المفروض أي يكشف العيوب والتجاوزات والمغالطات الكبيرة والتلاعبات الخطيرة بالرأي العام أصبح جزءا من اللعبة يبرر ويفسر ويضلل ويعتم لصالح الوضع الراهن ولصالح القوى الفاعلة في المجتمع على حساب غالبية الشعب وعلى حساب الموضوعية والحرية والحقيقة.بالأمس كذب جورج بوش الابن على الشعب الأمريكي وعلى العالم بأسره وبرر حربه على العراق بأسلحة الدمار الشامل وعلاقة صدام ببن لادن، وصدّق الشعب الأمريكي والعالم بأسره الأكذوبة وغزت أمريكا العراق بحجة الحرب على الإرهاب. وتكررت الأكاذيب وجاءت أمريكا على الأخضر واليابس بحجة الزرقاوي والإرهابيين في الفلوجة. الاتحاد الأوروبي الداعي والمدافع عن حقوق الإنسان وحرية الشعوب انحاز إلى السكوت والتواطؤ الضمني على حساب قول الحق. في دارفور تحرك العالم في الاتجاه الذي حددته أمريكا والآلة الإعلامية العالمية ورفعت القضية إلى مجلس الأمن، أما ما يحدث في غزة فلا يهم لا الاتحاد الأوروبي ولا الأمم المتحدة ولا الإعلام الذي من المفروض أن يحترم رسالته ويحترم نفسه ويحترم الموضوعية والحرية وقول الحقيقة مهما كان الثمن. الممارسات الإعلامية هذه الأيام في عصر تكنولوجيا المعلومات والعصر الرقمي والعولمة تؤكد أفول السلطة الرابعة وانهيار أطروحة الإعلام كقوة مضادة وقوة فاعلة في المجتمع تراقب وتستقصي وتكشف عن الحقائق. فحتى في الدول الديمقراطية التي جاءت الحكومات فيها عن طريق الانتخابات الديمقراطية وحيث نلاحظ الفصل بين السلطات خاصة السلطة القضائية والسلطة التنفيذية نلاحظ اختراقا لمبادئ عديدة من أهمها الحق في الحصول على المعلومة واختراق الحريات الفردية والخصوصية وإلى غير ذلك. فقانون المواطنة Patriot Act في أمريكا يعتبر انتهاكا وتدخلا سافرا في خصوصية وحقوق المواطن الأمريكي وخاصة المواطن من أصول عربية أو إسلامية.فمنذ بروز العولمة أصبح مبدأ السلطة الرابعة فارغا من محتواه ولا يعني الكثير في عالم الاحتكارات الإعلامية والصناعات الثقافية العالمية التي تنمّط وتقولب الرسائل الإعلامية وفق منظور معين ومنطق محدد مسبقا. مؤسسات إعلامية ضخمة فرضت نفسها على الصناعات الإعلامية وأصبحت تحتكر الصوت والصورة والنص، شركات رأسمالها يقدر بعشرات المليارات من الدولارات مثل "نيوز كورب"، "فياكوم"، "أ.أو.أل تايم ورنر"، "جنرال إلكتريك"، "مايكروسوفت"،"برتلسمان"، "مايكروسوفت"، "يونايتد جلوبال كوم"، "ديزني"، "فرانس تليكوم"، "تليفونيكا". لقد قضت الثورة الرقمية على الحدود التي كانت تفرق بين طرق الاتصال التقليدية: الصوت، النص، الصورة. كما جعلت من الإنترنت وسيلة اتصالية عالمية لا تؤمن لا بالحدود ولا بالأيديولوجيات ولا بالحواجز اللغوية. الإنترنت أصبحت الوسيلة الاتصالية العالمية التي يستعملها ويتفاعل معها مئات الملايين من البشر. فالعولمة هي عولمة وسائل الإعلام والاتصال وهي عولمة الشركات الضخمة التي تعد ميزانيتها بمئات المليارات من الدولارات، هذه الشركات أصبح شغلها الشاغل الربح والكسب والتوسع والشهرة والعالمية على حساب "السلطة الرابعة" التي أصبحت موضة متآكلة تجاوزتها الأحداث في عصر العولمة. هذه الشركات الضخمة لا تهمها التجاوزات التي تحدث في حق حرية الصحافة وحرية الكلمة وقول الحقيقة. فهي بكل تأكيد لا تستطيع أن تكون لا سلطة رابعة ولا سلطة مضادة تقف أمام أنانية أباطرة أصحاب المال والنفوذ السياسي في المجتمع، حيث إن الشركات الإعلامية الضخمة أصبحت جزءا لا يتجزأ من النظام أو " الإيستبليشمنت" Establishment على حد قول الأمريكيين، فالمؤسسات الإعلامية مع الأسف الشديد انحازت لسلطة المال والسياسة على حساب السلطة الرابعة والسلطة المضادة. فهي طرف في اللعبة حيث أصبحنا نلاحظ تداخل المؤسسات الإعلامية في المؤسسات الصناعية والعسكرية والكل أصبح يتكامل ويتواطأ ويتعاون من أجل المال بغض النظر عن الوسائل والطرق المستعملة وبغض النظر عن الثمن أو المبادئ التي توضع عادة في أدراج الرياح.بأفول السلطة الرابعة يتحتم على المجتمع محليا ودوليا أن يفكر في إقامة السلطة الخامسة للتصدي لأشكال وأنواع الدعاية والتلاعب بعقول الناس. السلطة الخامسة تتمثل في المجتمع المدني الذي يجب أن ينظم نفسه لمواجهة سلطة وسائل الإعلام التي انحازت للسلطات الثلاث في المجتمع وخاصة سلطة المال والسياسة. ما حدث في فنزويلا بين وسائل الإعلام والرئيس "هوغو شافيز" وما حدث بين وسائل الإعلام في الشيلي والإطاحة بـ"سلفادور أليندي" وما يحدث هذه الأيام في أوكرانيا وفي سوريا، كلها أدلة مخزية تؤكد إفلاس الأنظمة الإعلامية المختلفة ووقوفها إلى جانب أصحاب المال والسياسة وتجار الحروب والأسلحة على حساب الجماهير البريئة والرأي العام الذي لا حول ولا قوة له، تتلاعب به رياح الدعاية والتعتيم والتضليل كما تشاء. فوسائل الإعلام في القرن الحادي والعشرين، قرن العولمة وعصر الرقميات ما هي إلا الذراع اليمنى للهيمنة والسيطرة والتحكم في مخرجات الفكر والرأي والأيديولوجية.

1388

| 15 مارس 2014

معادلة الشباب والإنترنت

انتشر الإنترنت في العالم العربي بسرعة فائقة تعدت وتيرة انتشار تكنولوجيات الاتصال المختلفة التي سبقته سواء تمثل ذلك في التليفزيون أو الراديو أو الصحف أو الهاتف. وتؤكد الدراسات أن الفئة الأكثر إقبالا على استعمال الإنترنت هي فئة الشباب، وهذه الفئة إذا تكلمنا عن القيم والمبادئ والسلوكيات هي الفئة الأكثر تأثرا بما يبث ويذاع وينشر عبر وسائل الاتصال المختلفة وعلى رأسها الإنترنت. فإقبال الشباب على الإنترنت أصبح ممارسة يومية وجزءا لا يتجزأ من حياته اليومية.تشير الدراسات إلى أن الشباب ببلوغهم سن الثمانية عشرة يكونون قد قضوا وقتا أكثر أمام التليفزيون من الوقت الذي قضوه في قاعات الدراسة. مع انتشار الإنترنت والانتشار السريع جدا في استعماله والتفاعل معه تتغير المعادلة تماما ويصبح الإنترنت هو الوسيلة الأولى قبل التليفزيون والمدرسة. فالشباب اليوم يتعامل مع الإنترنت في البيت وإن لم يتوفر له ذلك فيكون في المدرسة أو الجامعة، أو الأماكن والساحات العامة وإن تعذر ذلك فيكون في مقهى الإنترنت. من جهة أخرى نلاحظ أن الإنترنت يتميز عن باقي وسائل الاتصال التي عرفتها البشرية بالتفاعلية وبالتنوع وبغزارة المعلومات وبالاتصال والتحاور والتسامر مع مئات الآلاف مباشرة وبتكاليف بسيطة جدا وفي الكثير من الأحيان بالمجان. يعتبر الإنترنت من تكنولوجيات الاتصال الأكثر انتشارا والأكثر إثارة للجدل وللعديد من النقاشات والحوارات حول تأثيراتها وانعكاساتها وتداعياتها المختلفة سواء بالإيجاب أو بالسلب. ويرجع الاهتمام الكبير بشبكة الإنترنت إلى عدة عوامل من أهمها: التفاعلية والمعلومات والبيانات والتحليلات والدراسات والنصائح والإرشادات حول العديد من المواضيع والمجالات. كما تتميز الشبكة بفرص التواصل بين مستعمليها وتوفر لهم خدمات عديدة تساعدهم في إشباع العديد من احتياجاتهم كالحصول على المعلومات والأخبار وكذلك إشباع رغبة التسلية والهروب من الواقع والتفاعل الاجتماعي والاسترخاء والتسلية. فالشبكة إذن تتميز بغزارة المعلومات والتنوع والتفاعلية. ففي ما يخص المعلومات والأخبار نجد أن معظم جرائد ومجلات ومطبوعات وإذاعات وتليفزيونات العالم يتوفر على مواقع على الشبكة. من جهة أخرى توفر الشبكة خدمات مثل البريد الإلكتروني، والتجارة الإلكترونية والحكومة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني ومجموعات الدردشة ومجموعات الأخبار والفيسبوك وتويتر وغيرها كثير. فالإنترنت تعتبر تكنولوجيا ووسيلة الاتصال في الألفية الثالثة حيث نجدها في جميع المجالات والميادين كالسياسة والاقتصاد والتجارة والإعلان والمجال الأكاديمي ومجال البحث العلمي ومجال الخدمات ومجال السياحة والاتصال والدبلوماسية والإعلام والتسلية والفن والموسيقى والقائمة قد تطول وتتوسع إلى كل ما يخطر ببال الإنسان. ما هي إشكالية استعمال الإنترنت من قبل الشباب؟، وما هي استخدامات هذه التكنولوجيا الجديدة؟، وما هي الفوائد أو المساوئ والسلبيات التي يجنيها مستخدمو الإنترنت من إبحارهم وقضائهم ساعات وساعات أمام شاشة الكمبيوتر يتصفحون مئات المواقع وعشرات الآلاف من الصفحات؟، كما أنهم يتسامرون ويتحاورون لساعات وساعات في غالب الأحيان على حساب الدراسة والعائلة والمجتمع والالتزامات العديدة.السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو كيف يستعمل الشباب الإنترنت؟ وهل يحسن استعمال الشبكة في التحصيل العلمي والأكاديمي والمعرفي؟، هل أداء الشباب في المدرسة زاد وتطور؟، هل زاد التحصيل المدرسي عند الشباب؟، وهل تدعمت قيم ومبادئ وأخلاق وسلوك الشباب وفق الدين الإسلامي والقيم الأخلاقية النبيلة؟، هل لعبت الأسرة دورها في توجيه أبنائها لاستعمال هذه التكنولوجيا الجديدة في الاتجاه السليم؟، هل لعبت المدرسة والجامعة دوريهما في تسخير الشبكة لخدمة المنهج الدراسي والجامعي؟.ما نلاحظه مع الأسف الشديد يدق ناقوس الخطر، فلا العائلة لعبت دورها ولا المدرسة ولا المجتمع والكل يتفرج على واقع يزداد خطورة يوما بعد يوم وعلى انفلات وانجراف لا مثيل لهما سواء من الناحية القيمية أو الناحية الأخلاقية والسلوكية. صحيح أن الشبكة فيها الكثير من الفوائد والإيجابيات كما أنها تحتوي على مواقع عربية وإسلامية تدعم قيم ومبادئ الشباب لكن هذه المواقع ما هي إلا قطرات في محيط يحتوي على مئات الآلاف من المواقع والمعلومات والأطروحات والأفكار والأيديولوجيات.فالمواقع العربية الإسلامية واللغة العربية لا يتعديان واحدا بالمائة مما هو موجود على الشبكة العالمية. ما يفتقد إليه الشباب مع الأسف الشديد هو التحصين والتأطير والتوجيه والإرشاد، وفي ظل انعدام هذه الإجراءات العملية التنظيمية والتوجيهية لاستعمال الإنترنت تكون النتيجة وخيمة على الشباب.تؤكد الدراسات أن فئة الشباب هي الفئة الأكثر استخداما للإنترنت وهذه الفئة بالذات هي الفئة التي تتميز في المجتمع بالمغامرة والإثارة والفضول وهي الفئة التي تحاول التمرد على المجتمع وتبني الجديد ومحاولة التأقلم معه، بل في بعض الأحيان الانسلاخ مما هو موجود والبحث عما يأتي من الغير ومن وراء البحار. من جهة أخرى تعزز الإنترنت الثقافة الفرعية عند الشباب على حساب الثقافة العامة السائدة. ما نلاحظه في معادلة الشباب والإنترنت هو ظاهرة سوء استخدام الشبكة من قبل الشباب أو إدمان هؤلاء للانترنيت وهذا ما يؤدي في غالب الأحيان إلى تداعيات وانعكاسات سلبية على أداء الشباب في المدرسة وفي العائلة وفي المجتمع. وهنا نلاحظ التأثر بالإعلانات المضرة بسلوك الشباب إضافة إلى ظاهرة إقامة علاقات افتراضية غير شرعية مع الجنس الآخر والدخول والإبحار في المواقع الإباحية وغيرها من التصرفات والسلوكيات السلبية التي تخل بشخصية الشباب وبأخلاقهم وقيمهم ومبادئهم.فكثرة استخدام الإنترنت تؤدي إلى الإحساس بالعزلة وبالانسلاخ الثقافي والحضاري والاجتماعي بحيث أن الشباب يعيش في عالم آخر عبر الإنترنت يكون بعيدا كل البعد عن العالم الواقعي الذي يعيش فيه وهذا ما يؤدي إلى نوع من الانفصام وضعف قيم وأدبيات الاتصال الاجتماعي والانسلاخ عن الواقع وعن النسيج الاجتماعي الذي يعيش فيه الشباب. فالذوبان في الآخر من خلال الإنترنت يؤدي إلى تخصيص وقت كبير جدا لعالم الإنترنت على حساب التواصل العائلي والتواصل مع الأصدقاء ومع الفضاء الطبيعي للشاب. وكنتيجة لكل ما تقدم نجد الشباب يتهرب من مسؤولياته الاجتماعية والتزاماته مع عائلته وزملائه ومدرسته. الاستخدام السيئ للانترنيت في غياب تدخل الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني وفي غياب التشريعات والقوانين والتحصين والتوجيه السليم يؤدي إلى نتائج عكسية حيث يصبح الإنترنت وسيلة للهروب من الواقع الاجتماعي، ووسيلة للهروب من المناخ الطبيعي للشباب والبحث عن مناخ افتراضي لا وجود له أصلا وهذا ما نلاحظه في كثرة الدردشة ومجموعات الأخبار والاستعمالات المكثفة للبريد الإلكتروني. فالاستخدام السلبي للانترنيت وإدمانه يعيقان تطور الفرد وإقباله على التغيير من الداخل كما يؤديان إلى تقليص المحلي لحساب العالمي كما يفرز النزعة الاستهلاكية ويعززها عند الشباب ويشجع كذلك على التقليد بدلا من الابتكار.

7233

| 07 مارس 2014

التجارب النووية الفرنسية في الجزائر..الجرائم المسكوت عنها

هل ستكفي التعويضات التي ستدفعها فرنسا لضحايا تجاربها النووية في منطقة رقان بجنوب الصحراء الجزائرية؟ وهل ستشمل كل الضحايا الحاليين والمرتقبين مستقبلا؟ ولماذا هذا التأخر الذي فاق أربعة عقود من الزمن؟ وأين وسائل الإعلام من هذه الفضائح؟ وأين هي منظمات وجمعيات حقوق الإنسان وهيئات حماية البيئة؟ أين الطرف الجزائري للمطالبة بحقوق الضحايا بملفات وإحصائيات ودراسات قانونية؟ أين خريطة التجارب وتفاصيلها؟ وأين الهيئة الدولية للطاقة للوقوف على ما حدث؟.. أسئلة كثيرة وتناقضات عديدة عشية الكلام عن مشروع قانون فرنسي لتعويض ضحايا رقان، مشروع جاء في الساس لتعويض أفراد الجيش الفرنسي المتضررين من التجارب. في 13 فبراير من سنة 1960 نفذت فرنسا تفجيرا نوويا "اليربوع الأزرق" في منطقة رقان في أقصى جنوب غرب الصحراء الجزائرية. بلغت قوته 60 كيلو طنًا أي ما يعادل ثلاثة أضعاف قوة القنبلة التي ألقت بها الولايات المتحدة الأمريكية على هيروشيما في عام 1945. هذه القنبلة تلتها قنبلة "اليربوع الأبيض"، ثم "اليربوع الأحمر" حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي. وفي الأخير اختتمت فرنسا جرائمها بالقنبلة الرابعة والأخيرة التي سميت بـ"اليربوع الأخضر" . تتلخص حصيلة الجرائم النووية الفرنسية في الجزائر في 57 تجربة نووية نفذتها فرنسا في ثلاث مناطق بجنوب الصحراء الجزائرية، منها أربع تجارب سطحية و13 تجربة في أنفاق باطنية و35 تجربة على مستوى الأبار و5 تجارب أخرى اُستعملت فيها مواد فتاكة محظورة دوليا؛ مسؤولية فرنسا في هذه الجريمة كاملة لا غبار عليها، ولا تحتاج إلى قرار إدانة.إن تجارب فرنسا النووية أدت إلى تلوث المنطقة برمتها في محيط 150 كيلومترا من موقع الانفجار. نفذت فرنسا بين سنة 1960 و1966 أكثر من 20 تفجيرا نوويا على الأراضي الجزائرية، وما يزيد على 40 تجربة نووية، وهذا حسب تصريح العسكريين والخبراء الفرنسيين أنفسهم، هذه الجرائم تسببت في تلويث الغلاف الجوي والموارد الطبيعية وتفشي الأمراض كالسرطان والتشوهات الخلقية وغير ذلك، والجريمة الأكبر أن السلطات الفرنسية لا تريد الاعتراف بجرائمها كعادتها، ورفضت وترفض تسليم كل المعلومات إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وحتى الساعة ما زالت ملفات التفجيرات النووية الفرنسية سرية وغير متوفرة للاطلاع عليها، حتى للمنظمات الدولية التي تشرف على المراقبة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من الناحية القانونية تعتبر التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ما زالت تداعيات وآثار الاستعمار الفرنسي في مستعمراتها السابقة حاضرة حتى الساعة، وما زالت مشكلات الحدود وأزمة الهوية والخلل الاقتصادي والتبعية الثقافية تحاصر العديد من الدول التي عانت من مآسي الاستعمار والظلم والعبودبة، فرنسا تخلت عن مستعمراتها وتركتها في دوامة من التبعية ومن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. كما فشلت فرنسا في وضع استراتيجية جديدة للتعامل مع مستعمراتها وخطة عمل تتماشى مع المعطيات الجديدة في العالم، هذا الوضع فتح المجال أمام قوى فاعلة في النظام الدولي كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا للاستفادة من الفراغ الفرنسي في القارة السمراء، الغريب والعجيب في الأمر أن فرنسا، وبعد مرور ما يزيد على أربع عقود من جرائمها في مستعمراتها السابقة ما زالت مصممة على عدم الاعتراف بما فعلته وعلى عدم الاعتذار، ومن جهة أخرى تصر على المحافظة على نفوذها في مستعمراتها والاستفادة من الامتيازات والتسهيلات والمجاملات في التعامل. للتذكير فقط، قصة فرنسا مع الجرائم النووية لم تخص الجزائر فقط وإنما بولينيزيا الفرنسية عاشت الويلات والتجارب نفسها. المنظومة الدولية اليوم بحاجة إلى دراسة مشاكل التجارب النووية بهدف الوصول إلى آليات عملية من شأنها أن تضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات لمعالجة التداعيات والانعكاسات الخطيرة التي عانت وتعاني منها المناطق التي شهدت وعاشت تلك الجرائم النووية،فالعالم بحاجة لمعرفة هذه الجرائم ومن واجب القانون الدولي معاقبة المجرمين وإرغامهم على دفع التعويضات والقيام باللازم من أجل التخلص من الترسبات والملفات الناجمة عن تلك التجارب وكذلك الأوبئة والأمراض والتلوث البيئي. التناقض الصارخ الذي نلاحظه في عصر التناقضات والتضليل والتزييف والكيل بمكيالين، هو أن فرنسا تسعى إلى دعم وتطوير علاقات التعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري والثقافي والعلمي مع دول القارة السمراء، وتمارس ضغوطا كبيرة على إيران بشأن ملفها النووي، وترفض في الوقت نفسه الاعتراف بجرائمها في مستعمراتها السابقة. المسؤولون الفرنسيون يصرحون أن التجارب النووية في الصحراء الجزائرية "نظيفة" ولم تعرّض السكان والبيئة للإشعاعات ولأي نوع من الأمراض والانعكاسات السلبية. هذا الموقف من قبل بلد "الحرية والمساواة والأخوة" يذكرنا بقانون فرنسي يّمجد الاستعمار ويثني على الإيجابيات التي قدمها للمستعمرات، ألم ينظّر جول فيري ويقول، إن الله خلق نوعين من البشر، نوع يوجد في الشمال خُلق ليسيطر ويقود النوع الثاني من البشر الذي يوجد في الجنوب، وحسب نظرية المنظر الفرنسي للاستعمار، الأوروبيون خُلقوا ليستعمروا الشعوب الأخرى حتى يعلموها الحضارة والتمدن والتطور.تمثل التجارب النووية في العالم مشكلة مهمة جدا، لكن لكونه يهم المغلوب على أمرهم ويحرج القوى الفاعلة في النظام الدولي ويضعها أمام مسؤولياتها وأمام الجرائم التي ارتكبتها، فإنه لم يحظ بالاهتمام اللازم سواء من قبل وسائل الإعلام العالمية أو المنظمات الدولية. فمن حق الجزائر ومن واجب الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تفرض على فرنسا تقديم خريطة التفجيرات بالتفصيل ومساعدة الجزائر تقنيا ولوجستيا وماديا لمعالجة الأضرار ومواجهة الموقف وتذليل مخاطر الإشعاعات على فرنسا كذلك دفع تعويضات للجزائر وللمتضررين من الجرائم النووية التي ارتكبتها. المنطقة التي شهدت التجارب النووية بحاجة إلى دراسة للوقوف على الأضرار وتحديد السبل والوسائل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مشكلة التجارب النووية في العالم، وخاصة تلك التي أُجريت من قبل القوى الاستعمارية الغاشمة تحتاج إلى شبكة دولية تضم هيئات ومنظمات وجمعيات تهتم بالآثار السلبية والانعكاسات المختلفة على الإنسان والبيئة والمحيط. على المجتمع الدولي كذلك الاهتمام بالموضوع والعمل على إدارة هذه المناطق التي تعاني من التلوث الإشعاعي النووي بكل مخاطره على الإنسان والحيوان والمكان لآلاف السنين. أين الضمير الإنساني ومنظمات حقوق الإنسان وحماية البيئة؟.

1854

| 28 فبراير 2014

الأمن الإعلامي العربي.. التحدي الكبير

هل المجتمعات العربية محمية إعلاميا؟، وهل هناك وعي بأهمية الموضوع وخطورته من قبل المسؤولين والمشرفين على الإعلام؟ ماذا عن موقف المجتمع المدني والجمعيات المختلفة من هذه الإشكالية وانعكاساتها على الأمن العربي بصفة عامة؟ ماذا عن موقف المؤسسات الإعلامية العربية أم أن معظمها عبارة عن صناديق بريد تُوزع ما ينتجه الآخر حسب قيمه ومعاييره وأيديولوجيته وفكره.. وبذلك فهي تروّج لقيم إعلامية لا علاقة لها بالمجتمعات العربية ولا صلة لها بالشارع العربي ولا بقضاياه المصيرية وهمومه اليومية. فكما نتكلم عن الأمن الغذائي والأمن العسكري والأمن الاقتصادي والأمن الإستراتيجي يتوجب علينا الكلام عن قضية الأمن الإعلامي نظرا لأهمية الصورة وحرب الكلمات والحروب النفسية والحملات الدعائية في عصر لا يرحم وفي زمن أصبحت فيه المعلومة رأسمال الأمم والشعوب وأصبح فيه الرأي العام هو المحرك الأساسي للسياسة والاقتصاد والدبلوماسية.فلا حرب دون إعلام فعال ولا تنمية مستدامة دون إعلام قوي ولا ديمقراطية دون إعلام حر وديمقراطي وشفاف، ولا مجتمع مدني فعال وقوي ونشط دون إعلام يعكس قيم ومبادئ وعادات وتقاليد المجتمع.. ولا يمكن تحقيق كل ما تقدم دون أمن إعلامي. الأمن الإعلامي أكثر إستراتيجية وأكثر أهمية من أي أمن آخر لأن أمن العقول وأمن الأفكار وأمن القيم هي المقومات الأساسية لمجتمع له هوية وله شخصية وله ثوابت تجمع الأمة بمختلف أطيافها ومكوناتها. وللأمن الإعلامي مقومات وأسس ومبادئ ومستلزمات وشروط وبدونها فالكلام عن الأمن الإعلامي يعتبر ضربا من الخيال، التبعية الإعلامية العربية بلغت درجة من الخطورة منذ زمن بعيد وزادت هذه الخطورة حدة مع العولمة والبث الفضائي المباشر وشبكة الإنترنت وثورة الاتصال. فكلما زادت التكنولوجيا تطورا وانتشارا، في ظل عولمة لا ترحم الضعيف والفقير ولا ترحم من لا ينتج ويساهم في صناعة الفكر والمعرفة والصورة، كلما زادت أنماط وأشكال التبعية والتقليد والذوبان في الآخر. والنتيجة الحتمية في النهاية هي انعدام الأمن الإعلامي الذي لا يمكن تحقيقه في غياب إستراتيجية إعلامية واضحة وفي غياب إنتاج مخطط ومبرمج ومدروس وفي غياب ميزانيات معتبرة وفي غياب إنتاج رسالة إعلامية تنبع من رحم المجتمع ومشاكله وشجونه. فكلما زاد انتشار تكنولوجيا الاتصال عالميا كلما زاد احتكار صناعة الإعلام والمعلومات والمنتجات الثقافية والترفيهية وهذا يعني عولمة الإعلام وعولمة الثقافة وزيادة التبعية وانخفاض درجة الأمن الإعلامي.كيف لنا أن نتكلم عن أمن إعلامي عربي في ظروف التبعية شبه الكاملة وفي ظروف الانجراف الثقافي وفي ظروف أصبح فيها المواطن العربي يستهلك منتجا إعلاميا وثقافيا وترفيهيا معظمه مستورد من وراء البحار بقيم وأفكار لا تمت بأي صلة لواقعه ومحيطه وبيئته وتاريخه وهويت. فالإعلام العربي الرسمي هو إعلام كرّس عبر عقود من الزمن انسلاخه التام عن واقع الشعوب العربية وجسد ثقافة اللا تواصل بين الشعوب والحكام وهذا ما أدى بالمواطن العربي إلى التوجه نحو إعلام الآخر، الذي صُمم وأُنتج أصلا للآخر وليس للعربي.وهكذا أصبح الإعلام الغربي هو الذي يحدد أجندة المشاهد والمستمع والقارئ العربي وهذا يعني أن إعلام الآخر هو الذي يشكل في حقيقة الأمر الرأي العام العربي إذا سلمنا بمبدأ أن الإعلام ليس بريئاً وأن أي إعلام في العالم له سياسته وخطه الافتتاحي وإطاره المرجعي وقيمه وأيديولوجيته. وانطلاقا من هذا الانسلاخ الخطير فإننا لا نستطيع الكلام عن أمن إعلامي ولا نستطيع الكلام عن إعلام وطني أو قومي أو محلي يتفاعل مع هموم وقضايا الشارع العربي. فالتبعية الإعلامية والتقليد وفقدان الهوية في النظام الإعلامي العربي تشكل خطرا على الأمن الإعلامي وتهدد بذلك كيان الأمة برمتها. من جهة أخرى نلاحظ أن الانفتاح الإعلامي الذي شهده العالم العربي في الربع الأخير من القرن الماضي لم يكن في خدمة الأمن الإعلامي العربي ولا المواطن العربي. فالانفتاح، خاصة في مجال الإعلام الفضائي، جاء عشوائيا وبدون تخطيط وجاء من أجل الربح السريع والاستهلاك السلبي مما زاد في تعميق هوة التبعية والتقليد والذوبان في الآخر.فالإعلام هو صناعة الفكر والقيم وهو التأريخ اليومي للدول والمجتمعات والشعوب، وهو كذلك ذاكرة المجتمع وإذا تُرك لرحمة التجار والسماسرة فإن عواقب ذلك ستكون وخيمة على الأمة. وهذا في حقيقة الأمر ما يشكل خطرا كبيرا على الأمن الإعلامي العربي. الأمن الإعلامي العربي بحاجة إلى إعلام حر ومسؤول لا ينحاز للسلطة ولا للمال وإنما لخدمة الحقيقة وقضايا الجماهير. سطوة السلطة العربية على الإعلام ضربت مصداقية الإعلام العربي في الصميم ودفعت بالشعوب العربية للتوجه إلى مصادر أخرى غير ما هو متوفر في الداخل، الأمر الذي عزز التبعية وكرس الانسلاخ وانفصام الشخصية. فالهروب من المحلي للارتماء في أحضان الأجنبي لإشباع الحاجات الإعلامية والثقافية عند المواطن العربي يضرب في الصميم الأمن الإعلامي. فالإشكال هنا مطروح على مستويين، المستوى الأول يتمثل في الفجوة القاتلة بين الإعلام المحلي والمواطن أما المستوى الثاني فهو اعتماد الجمهور العربي على الإعلام الأجنبي وهذا يعني أن هذا الأخير هو الذي يضع الأجندة للمواطن العربي وهو الذي يحدد له ما يقرأ وما يشاهد وما يسمع. فالتبعية الاقتصادية وانعدام الديمقراطية وغياب المجتمع المدني وتهميش المواطن العربي وعدم مشاركته في العمل السياسي كلها عوامل أدت بالإعلام العربي أن يكون مجرد انعكاس لهده التناقضات من جهة ومكرس للتبعية من جهة أخرى.وما نلاحظه في الكثير من الأحيان في القضايا الدولية الحساسة وفي القضايا التي تكون فيها الدول العربية طرفا مهما هو إعلام عربي تائه دون هوية وبدون شخصية وبدون حتى موقف واضح. نلاحظ إعلاما يكرر ويجتر ما تتداوله وكالات الأنباء العالمية أو ما تتناوله كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية، ففضائح غوانتانامو وفضائح أبو غريب وتمثيلية «جسيكا لينش» والأكاذيب المتكررة للبنتاغون والبيت الأبيض لم يتناولها الإعلام العربي إلا بعد ما فتح ملفاتها الإعلام الغربي.أما قضايا الإهانة والحملات الدعائية المتكررة ضد المسلمين والعرب فهي لا تُواجه بحملات إعلامية مخططة ومدروسة بطريقة علمية ومنهجية، لكن ما نلاحظه هو مجرد فرقعات هنا وهناك سريعا ما تزول وبدون أي أثر يذكر. كم هي كثيرة القضايا المهمة التي يمر عليها الإعلام العربي مرور الكرام دون استغلالها وتوظيفها بطريقة منهجية وعلمية مدروسة. وفي غالب الأحيان لا يعرف كيف يوظفها ويستعملها لخدمة القضايا العربية. وكم هي كثيرة المواضيع التافهة التي تنال مساحات كبيرة وفترات زمنية طويلة في وسائل الإعلام العربية. وكم هي كثيرة البرامج والمسلسلات والأفلام الهابطة التي تسمم وتحنط العقل العربي والفكر العربي أكثر مما تضيف له قيمة تذكر. النخب السياسية في العالم العربي مطالبة بـ «دمقرطة» النظام الإعلامي العربي وبالاستثمار في الصناعات الإعلامية والثقافية من أجل نشر قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومن أجل حماية الفضاء الإعلامي العربي من التلوث واللاأمن الذي يعاني منه. فالأمن الإعلامي يتحقق من خلال إعلام ملتزم ومسؤول يؤمن بكرامة الإنسان وبحريته ويؤمن بالبحث عن الحقيقة ومحاربة الفساد والفقر والجهل في المجتمع؛ إعلام يتفاعل مع الشارع ومع هموم ومشكلات الفئات العريضة من المجتمع. المواطن العربي بحاجة إلى إعلام هادف وملتزم ومسؤول ينبع من رحم قيم وتقاليد وعادات وهوية المجتمع، بهكذا إعلام يستطيع العرب الكلام عن الأمن الإعلامي وعن إعلام عربي الهوية وعربي القيم وعربي الرسالة وعربي الهدف.جامعة قطر

1738

| 21 فبراير 2014

الفرق بين الخير والشر

قبل أسابيع رحل رجل عظيم، رجل وهب حياته لمكافحة الظلم والعنصرية والاستغلال فأحبته شعوب العالم في الشمال والجنوب في الشرق والغرب، كل الأجناس والأعراق والديانات وحضر ما يقارب المائة رئيس دولة وحكومة إلى جنوب إفريقيا لتوديعه احتراما لما قدمه للشعب الجنوب الإفريقي وللعالم بأسره، من دروس في الصبر والقيم الإنسانية السمحاء من تسامح ومحبة وعدالة واحترام للآخر. نيلسون مانديلا حبيب الشعوب المضطهدة لم يقتل أحدا ولم يؤذ أحدا بل أحب الجميع بغض النظر عن ألوانهم وأعراقهم ودياناتهم ومعتقداتهم، بالابتسامة والأحضان والتواضع. أحبه الرجل الأبيض قبل الأسود وأحبه الجميع لأن مانديلا كان يحب الجميع، كان يحب السلام والفقراء والمساكين وكان ينبذ الظلم والاستغلال والعنصرية والتمييز بين دول وشعوب العالم. في المقابل، مات مؤخرا رجل عندما يذكر اسمه يذكر الإرهاب والقتل والبطش والمجازر والاستيطان والاستغلال والعنصرية.. رجل أحب إيذاء الآخر واستعمار الآخر وقتل واضطهاد الآخر. ثماني سنوات في غيبوبة وبعدها موت لرجل ترك وراءه مجزرة صبرا وشاتيلا وإرهاب دولة مقننا ضد أطفال فلسطينيين أبرياء، عزل، لا حول ولا قوة هم. هنا يتجسد الفرق بين الخير والشر، الاختلاف الكبير بين عظماء التاريخ وسفلائه. جاءت وفاة مجرم الحرب آرييل شارون، بعد أن دخل في واحدة من أطول حالات الغيبوبة، حيث دامت ثماني سنوات، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "آرييل شارون" أحد أبرز المسؤولين الإسرائيليين وأكثرهم إثارة للجدل، قضى حياته في التنقل بين الجيش والسياسة، وترك وراءه إرثاً من الجرائم لم يبلغه أحد في التاريخ. "آرييل شارون" أصيب بسكتة دماغية تسببت في دخوله في غيبوبة استمرت 8 سنوات – منذ الرابع من جانفي عام 2006 حتى وفاته السبت 11/01/2014 – اتُهم بالمسؤولية عن جرائم عديدة منها مجزرة "قبية" 1953، وقتل وتعذيب الأسرى المصريين 1967، واجتياح "بيروت" ومجزرتا "صبرا" و "شاتيلا" واستفزاز مشاعر المسلمين باقتحامه للمسجد الأقصى سنة 2000، وكذلك مذبحة مخيم "جنين" 2002، والكثير من الاغتيالات ضد أفراد المقاومة الفلسطينية وعلى رأسهم الشيخ المجاهد "أحمد ياسين". لم يكن تعيين شارون على رأس الدبلوماسية الإسرائيلية مفاجأة أو أمرا غريبا على الأوساط السياسية المهتمة بشؤون وشجون الكيان الصهيوني ودولة فلسطين.. فنتانياهو مهّد للموضوع وكشف عن عدة مؤشرات كانت ترشح المتشدد والمتطرف والعنيد شارون لرئاسة الدبلوماسية الإسرائيلية.. تعيين شارون جاء في وقت كان رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بحاجة لمن يقف إلى جانبه في مواجهة المعارضة الداخلية والرأي العام المحلي والدولي للتلاعب ببنود اتفاقية أوسلو خاصة وأن موعد مايو 1999م على الأبواب لتطبيق ما اتفق عليه. شارون عارض اتفاقية أوسلو جملة وتفصيلا وهو الذي جزم قاطعا أنه لا يصافح ياسر عرفات وهو الذي تفنّن في صبرا وشاتيلا في قتل آلاف المدنيين العزل الأبرياء، وهو الذي لعب دورا إستراتيجيا في بناء العديد من المستوطنات ونهب الكثير من أراضي الفلاحين الفلسطينيين الأبرياء. جاء تعيين شارون على رأس الخارجية الإسرائيلية في إطار إستراتيجية نتانياهو للخروج من بنود اتفاقية أوسلو وللتخلص من المعارضة الداخلية التي ترفض طريقة نتانياهو في تسيير شؤون الكيان الإسرائيلي والتي تريد الإطاحة بحكومته في أقرب الآجال. فحضور شارون قمة "واي بلانتيشن" كان على حساب عملية السلام وعلى حساب مفاوضات جادة وعملية، هدف نتانياهو هو دفع أقل وأرخص ثمن ممكن مقابل السلام في الشرق الأوسط.. وهنا بطبيعة الحال يلتقي كل من نتانياهو وشارون في الإستراتيجية والهدف. حيث إن نتانياهو كان يحاول دائما وأبدا إعادة قراءة وكتابة بنود اتفاقية أوسلو حيث كان يؤكد دائما على أن الاتفاقية تضر بأمن ومصالح إسرائيل.. ومن جهته، انتقد شارون مرارا وتكرارا ومنذ 1993م اتفاقية أوسلو.. شارون - والذي يمكن أن يلقب بالمقاييس المعترف بها دوليا أنه مجرم حرب - وصف اتفاقية أوسلو بـــ "الخطأ الكبير، الخطأ الأخلاقي، والخطأ العملي".. وبهذا إذن، فإن تعيين شارون على رأس خارجية إسرائيل لم يتم بهدف دفع عملية السلام إلى الأمام ولا بهدف تطبيق بنود اتفاقية أوسلو ولا من أجل تحقيق السلام الذي يرضي جميع الأطراف في الشرق الأوسط. وبعد خمس عشرة سنة في الخفاء وفي الظل رجع شارون إلى الواجهة والمجد، ورجع بقوة لأنه يتفق مع مسؤوله المباشر نتانياهو في الإستراتيجية وفي الأهداف.. فبعد أن أُبعد سنة 1983 من منصب وزير الدفاع بسبب وحشية أعماله ولمسؤوليته الكبيرة في مجزرة صبرا وشاتيلا يعود شارون ويؤكد أنه يعمل جاهدا على مساعدة "إنجاح سياسة إسرائيل من أجل السلام كما يعمل على الحفاظ على المصالح الأمنية والوطنية لإسرائيل"، وهذا يعني عدم التنازل عن شبر واحد من الأراضي المغتصبة ومن المستوطنات التي سُلبت وسُرقت من عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء. شارون العدو اللدود للعرب ولكل ما هو فلسطيني عرف بمواقفه اليمينية المتطرفة ورفضه المطلق للانسحاب من 13 في المائة من الضفة الغربية، شارون تم تعيينه ليعزز المواقف المتطرفة من عملية السلام وليكون درعا واقيا لنتانياهو لمواجهة تهديدات اليمين المتطرف للإطاحة بحكومته وكذلك لضمان الانضباط داخل الليكود. وهكذا، وأمام غطرسة شارون ظهر نتانياهو أمام الرأي العام المحلي والعالمي إنسانا متوازنا ومعتدلا. شارون عبر تاريخه الحافل بالمجازر والمذابح والمواقف العدوانية من كل ما هو فلسطيني وعربي، أصر طوال حياته على الاستمرار في مشروع تهويد فلسطين ومسح إلى الأبد الهوية الفلسطينية من كل ما تحمله من تاريخ وحضارة وتقاليد وعادات، كما شملت خطة شارون شطب فلسطين من الخارطة الجغرافية.. شارك السفاح في معركة "القدس" ضد الجيش الأردني ووقع أسيراً في معارك "اللطرون" عام 1948، وقد أسره يومها النقيب "حابس المجالي" – المشير فيما بعد.. في الخمسينيات تولى قيادة مجموعة من القوات الخاصة أطلق عليها "الوحدة 101"، كان هدفها شن هجمات انتقامية للرد على العمليات التي يقوم بها الفدائيون الفلسطينيون عبر الحدود، إلا أن وحدة "شارون" العسكرية أثارت الجدل بعد مذبحة "قبية" في خريف 1953، والتي راح ضحيتها 170 من المدنيين الأردنيين، وقام بمجزرة بشعة في "اللد" عام 1948 استشهد على أثرها 426 فلسطينياً بعد أن اعتقلهم داخل المساجد.. وشارك "شارون" في كل الحروب التي خاضتها إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، وبرز كمخطط إستراتيجي، وقاد كتيبة مظليين في حرب "السويس" عام 1956 وترقى إلى رتبة جنرال، وفي حرب جوان 1967 تولى "شارون" قيادة قطاع في "سيناء"، ولعب دوراً هاماً في احتلالها، وبعد ست سنوات قامت مصر وسوريا بحرب أكتوبر عام 1973 لتحرير "سيناء" و "الجولان" المحتل، وقاد "شارون" فرقة إسرائيلية لفتح الثغرة التي تسببت بمحاصرة الجيش الثالث في "سيناء". فكم هو الفرق كبير بين شخص وهب حياته للحب والسلم والأمن والأمان وشخص ارتبطت حياته بالدماء والمجازر والقتل والتعذيب والإرهاب.

2692

| 14 فبراير 2014

جدلية الإعلام والمجتمع المدني

يلعب المجتمع المدني دورا إستراتيجيا في مناقشة ومعالجة المشكلات والأزمات والآفات الاجتماعية، وكلما كان المجتمع المدني فعالا ونشطا ومراقبا لما يدور في المجتمع كلما كانت مساهماته في التكافل الاجتماعي وفي حل مشكلات المجتمع كبيرة وناجحة. ومن هنا، فإن مؤسسات عديدة في المجتمع بإمكانها المساهمة في التوعية الأمنية كالمدرسة والحي والمسجد والنادي الرياضي والكشافة والهيئات والاتحادات المختلفة التي تعنى بالشباب، والمجلس الأعلى للأسرة وغيرها من الجمعيات والمنظمات في المجتمع. وهذا يعني أن المؤسسات الإعلامية في المجتمع يجب أن تستهدف كل هذه الجهات لخلق الوعي بالمشكلة والمشاركة، كل من موقعه وحسب طاقاته وإمكاناته، في دراسة ومناقشة القضايا والمشاكل الاجتماعية واقتراح الحلول الناجعة والمساهمة في الحد منها والقضاء عليها. انتشر في السنوات الأخيرة مصطلح المجتمع المدني في الأدبيات العربية للتعبير عن القوى الاجتماعية المختلفة والمتعددة التي تنشط في المجتمع في إطار منظم بهدف تحقيق مطالب واحتياجات الجماعات التي تمثلها. يعتمد المجتمع المدني في أنشطته وتحقيق أهدافه على وسائل الإعلام للوصول إلى السلطة والفعاليات السياسية في المجتمع وطرح القضايا والمشكلات التي يواجهها السواد الأعظم من الشعب. والسؤال الذي يُطرح هنا هو إلى أي مدى تساهم وسائل الاتصال الجماهيري في الوطن العربي في نشر ثقافة المجتمع المدني وإلى أي مدى تخدم وسائل الإعلام المجتمع المدني؛ ومن جهة أخرى إلى أي مدى يؤثر المجتمع المدني في وسائل الإعلام ويجعلها أدوات في خدمة المجتمع ووسائل للمراقبة والنقد والاستقصاء، وقوى مضادة تضمن التوازن داخل الآلة السياسية في المجتمع. ومن هنا نتساءل: ما هي الأدوار التي تلعبها المؤسسات الإعلامية في العالم العربي فيما يتعلق بالتنشئة الاجتماعية ونشر الوعي السياسي والثقافة الديمقراطية وثقافة الحوار والاختلاف والتعددية والتنوع والتوعية الأمنية من أجل الحد من الآفات الاجتماعية كالجريمة والعنف والسرقة والمخدرات...الخ. فالعلاقة جدلية بين المجتمع المدني ووسائل الإعلام، حيث إن المجتمع المدني يتأثر بوسائل الإعلام ويؤثر فيها من جهتها تتأثر وسائل الإعلام بالمجتمع المدني وتؤثر فيه. فكلما كان المجتمع المدني قويا وفعالا ومشاركا في قضايا وانشغالات المجتمع كلما فتح المجال واسعا أمام وسائل الإعلام لتغطية هذه الفعاليات والأحداث لتكون المؤسسات الإعلامية بذلك منبرا للحوار والنقاش وللديمقراطية من أجل القرار السليم والحكم الراشد.لقد أسهمت العولمة والثورة المعلوماتية والاتصالية في بلورة ونضج فكرة المجتمع المدني في العالم العربي. ومن هنا يتمثل دور المجتمع المدني في خلق توازن بين القوى الاجتماعية والمؤسسات الاجتماعية وبين الطبقات الاجتماعية. كما يعمل المجتمع المدني على خلق فضاء مستقل يفرز قيم العدالة والمساواة والحرية. فالمجتمع المدني هو فضاء للحرية، يتكون من شبكة العلاقات التي تقوم على الاختيار والاقتناع والحرية، حيث إنه يمنح الأفراد قدرة على النشاط الطوعي الحر. إذ يعمل المجتمع المدني على تنظيم العلاقات داخل تنظيمات مدنية تحقق استقلالا نسبيا عن الدولة من ناحية، وعن قوى السوق من ناحية أخرى. فالحياة المدنية هي الفضاء الطبيعي للعمل الحر الذي تنمو فيه قدرات البشر وإمكاناتهم وقدراتهم على حب الاستقلال ونبذ التسلط والقمع.يستمد المجتمع المدني قوته من الثقافة المدنية التي تتمحور حول الحرية والمساواة والمواطنة، وهي في أساسها قيم عامة تتفرع عنها قيم تؤمن بالتفكير الحر الخلاق والفعل الحر المسؤول والحرية التي تستمد قيمتها من مبدأ الفرد الأخلاقي الذي يؤمن بأن حريته تعني حرية الآخرين. وأن حرية الفرد لا تسمح له بالانسلاخ من محيطه ومجتمعه وفضائه السياسي والاجتماعي والثقافي، ولا تسمح له بالاغتراب عن مبادئه وقيمه، حيث إن حريته مستمدة من حرية الآخرين والحرية الفردية هنا هي قيمة مثالية تنتهي إلى قيمة اجتماعية لا تقل عنها أهمية، وهي قيمة الترابط الجمعي التي تجعل الأفراد يتصرفون في إطار بيئة تضامنية عضوية تعبر عن روح الجماعة. فأدوات الاتصال الجماهيري في المجتمع هي التي تنقل ثقافة المجتمع المدني من مستوى الوعي الفردي والجماعي إلى مستوى الوعي العام. وبهذا تصبح الثقافة المدنية جزءا لا يتجزأ من وعي الأمة. هنا يتوجب على وسائل الاتصال الجماهيري أن تقدم خطابا إعلاميا هادفا يحمل في طياته قيما اجتماعية راقية تنبع من المجتمع وقيمه ومبادئه. فالمؤسسات الإعلامية إذن، مطالبة عبر البرامج الحوارية والدراما والأفلام والتحقيقات والأخبار، بطرح ومناقشة هموم وشجون المجتمع المدني ونشر ثقافته. ما ينشر في وسائل الاتصال الجماهيري هذه الأيام هو منتجات إعلامية معلبة مستوردة من الخارج تفرز انفصاما في شخصية الفرد العربي الذي يعيش واقعا مختلفا تماما عما يشاهده أو يستهلكه في المؤسسات الإعلامية العربية. فنشر ثقافة المجتمع المدني بحاجة إلى مؤسسات إعلامية ووسائل اتصال تؤمن بالمجتمع المدني وتؤمن بالمثقف العضوي وبالقيم المجتمعية الأصيلة. فوسائل الاتصال الجماهيري هي التي تنتج الوعي الاجتماعي وهي التي تكرس القيم والعادات والتقاليد والنسق القيمي والأخلاقي في المجتمع، ومن ثم فهي مطالبة بنشر ثقافة المجتمع المدني. المؤسسات الإعلامية هي الأدوات التي تنمي الثقافة المدنية وتعمل على نشرها وتقويتها والتصدي لثقافة العنف والتطرف والإقصاء والفردية والمادية ورفض الآخر والسلوك المنحرف. فوسائل الاتصال الجماهيري هي الحليف الاستراتيجي للمجتمع المدني وهي الوسيلة الفعالة والأداة اللازمة لتحقيق مبادئه وقيمه في المجتمع. فمضمون وسائل الاتصال الجماهيري هو الغذاء الروحي والفكري والعقلي للثقافة المدنية وأداء هذه المؤسسات في المجتمع يعتبر سلوكا مدنيا يدعم المجتمع المدني والثقافة المدنية. فالمجتمع المدني هو وعي وثقافة وقيم ومبادئ تٌترجم إلى سلوك وعمل يومي يؤمن بروح الجماعة والمصلحة العامة. ما هي القيم والوعي والأفكار التي تقدمها الفضائيات العربية للمواطن العربي؟ ما هي الإضافات الفكرية والثقافية التي تقدمها هذه الفضائيات للمشاهد العربي؟ أم أن هناك فجوة خطيرة جدا بين الواقع الذي يعيشه المواطن العربي وما يُنقل له ويشاهده عبر القنوات الفضائية المختلفة. يرى عدد من النقاد والباحثين أن ضعف أداء وسائل الإعلام في المجتمع يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف المجتمع المدني انطلاقا من مبدأ أن الإعلام هو مرآة عاكسة للوسط الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي الذي يوجد فيه ويتفاعل معه. فإذا كان المجتمع المدني ضعيفا فهذا ينعكس سلبا على أداء المؤسسات الإعلامية في المجتمع، فالإعلام القوي والفعال لا ينمو ولا يتطور ويزدهر إلا في مناخ الديمقراطية والحرية والرأي والرأي الآخر ووجود القوى المضادة الفاعلة في المجتمع، التي تراقب وتنتقد وتعمل من أجل مشاركة الجميع في تحقيق المساواة والعدالة في المجتمع وفي جعل كل فرد في المجتمع مسؤولا وواعيا وحرا. مازال العالم العربي يعاني من فجوة كبيرة بين الشارع والوسيلة الإعلامية كما أنه يعاني من ضعف المجتمع المدني الذي مازال عاجزا عن التفاعل مع الشارع والمؤسسات الإعلامية بطريقة إيجابية وفعالة.

2467

| 11 فبراير 2014

الإعلام الأمني

تعتبر القضايا الأمنية من أهم التحديات التي تواجهها الدول العربية في القرن الحادي والعشرين لاعتبارات عدة من أهمها ظاهرة العولمة والإعلام الجديد والمجتمع الرقمي والتطورات والتحولات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يشهدها العالم.. ناهيك عما أفرزته ثورات الربيع العربي من تداعيات وانعكاسات على مختلف الأصعدة؛ فالعولمة بمختلف مظاهرها وتجلياتها مست السياسة والإعلام والثقافة والاقتصاد والاجتماع والدين والهوية والعادات والتقاليد مما أدى إلى دمج وصهر دول العالم في بوتقة واحدة تشكل سوقا واحدة وأنماطا استهلاكية متشابهة وقيما معولمة وثقافة واحدة وهوية موحدة ما يعني انهيار وأفول الثقافات المحلية والهويات الوطنية واللغات وغيرها من مقومات الشعوب والأمم على مختلف أعراقها وثقافاتها ودياناتها وقيمها وعاداتها...الخ. فالبث الفضائي المباشر والإنترنت جعل من العالم قرية واحدة تعكس سيطرة وهيمنة من يصنع التكنولوجيا ومن يتحكم في محتوياتها. فالشبكات الاجتماعية على سبيل المثال غيرت خريطة العلاقات الإنسانية داخل العائلة الواحدة فما بالك بالقرية والعشيرة والمجتمع المحلي والمدينة والبلد ككل. كل هذا يؤدي أو يفرز بيئة جديدة للقضايا الأمنية تتعقد فيها الأمور وتختلط وتصعب مما يعقد الأمور ويزيد من التحديات أمام الجهات المعنية بالقضايا الأمنية خاصة والمجتمع ومكوناته المختلفة بصفة عامة.على غرار الأنواع العديدة من الإعلام المتخصص، يكتسي الإعلام الأمني أهمية كبيرة جدا نظرا لاعتبارين أساسيين؛ يتمثل الاعتبار الأول في الدور الاستراتيجي الذي يلعبه الإعلام في المجتمع سواء فيما يتعلق بتشكيل وتكوين الرأي العام أو فيما يخص تحديد ما يتعرض له الجمهور وما يتأثر به من قبل وسائل الإعلام المختلفة أو فيما يخص الوقت الكبير الذي يخصصه الفرد لاستهلاك وسائل الإعلام المختلفة من تليفزيون وإنترنت وإذاعة وجرائد ومجلات...الخ حيث تؤكد الدراسات أن عدد ساعات التعرض تتراوح ما بين أربع ساعات إلى ما يزيد على اثني عشرة ساعة.من جهة أخرى نلاحظ أن الأمن بمختلف أنواعه وأشكاله يلعب دورا محوريا في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة. كما أننا لا نستطيع أن نتكلم عن ثقافة أمنية ووعي أمني بدون وسائل الإعلام.فالجهات الأمنية والمسؤولة عن القضايا الأمنية في المجتمع لا تستطيع أن تنشر الوعي الأمني والثقافة الأمنية بدون الاستخدام المكثف والمنهجي والعلمي للإعلام. من هنا فرض الإعلام الأمني نفسه كمجال وكتخصص نظرا للرهانات التي يتضمنها والتحديات التي يواجهها الأمن في حياة الشعوب والأمم. والمقصود هنا بالاستخدام العلمي والمنهجي للإعلام هو التخطيط الإستراتيجي من خلال البحث والدراسة العلمية المستفيضة لمكونات القضية والعملية الاتصالية بمختلف مكوناتها. الإعلام الأمني يتعين أن يكون وظيفيا بمعنى أن الرسائل الإعلامية والحملات الإعلامية المنظمة ينبغي أن توظف لتحقيق غايات محددة وأن الإعلام الأمني باتساع مجالاته ومحاوره يجب أن يخطط له عن طريق وضع السياسات ورسم الاستراتيجيات قصيرة ومتوسطة المدى وتحديد سبل تحقيق الأهداف من خلال تحديد الوسيلة الإعلامية الملائمة وتصميم الرسائل الهادفة واستهداف المتلقين لتلك الرسائل ومعرفة شرائحهم العمرية والجنسية ومستوياتهم التعليمية ومعرفة مدى استخدامهم لوسائط الاتصال المختلفة وبخاصة الوسيلة التي تحوز على استحسانهم. فالإعلام الأمني إذن هو مجموع الأنشطة الإعلامية المختلفة – الأنواع الصحفية المختلفة من خبر، تعليق، تحقيق، مقابلة، تحليل، افتتاحية، ريبورتاج، فيلم وثائقي، فيلم قصير، متوسط، طويل...الخ - في وسائل إعلام متنوعة ومختلفة كذلك – الإعلام التقليدي والإعلام الجديد – المدونات - شبكات الاتصال الاجتماعي: فيسبوك، تويتر...الخ، التي تعنى بنشر الثقافة والتوعية الأمنية بهدف المحافظة على أمن الفرد والجماعة وأمن الوطن في مختلف المجالات والأصعدة. ويعتمد نجاح الإعلام الأمني وانتشاره في المجتمع على اهتمام الجهات المختصة بالقضايا الأمنية في المجتمع بتوظيف وسائل الإعلام المختلفة لنشر الثقافة الأمنية والتوعية الأمنية في المجتمع. فالموضوع يعتمد أساسا على درجة التعاون بين الأجهزة الأمنية والمؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني، وهنا يجب التأكيد على ضرورة إدراك الجهات الرسمية لأهمية الوعي بالقضايا الأمنية وضرورة توظيف الإعلام والعلاقات العامة في هذا المجال. المؤسسات الإعلامية من جهتها مطالبة بالقيام بمسؤوليتها على أحسن وجه لجعل التوعية بالقضايا الأمنية أحد أولوياتها الإستراتيجية. وهنا يجب التركيز على أن المبادرة الرئيسية في إنجاح الإعلام الأمني يجب أن تأتي من الجهات الأمنية بالدرجة الأولى حيث يجب عليها توفير المعلومات والبيانات والقضايا الأمنية الهامة وذات الأولوية لوسائل الإعلام حتى توليها الأهمية اللازمة وتطرحها على الجمهور.. إضافة إلى ما تقدم يجب على المجتمع المدني بمختلف مكوناته أن ينخرط في عملية التوعية بالقضايا الأمنية بمسؤولية والتزام.ومن أجل تحقيق إعلام أمني ناجح وفعال يجب أن تكون هناك علاقة تكامل وتفاهم وتلاحم بين الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام والمجتمع المدني، فالموضوع هنا لا يتعلق بالإثارة والسبق الصحفي والبحث عن الغرابة والتضخيم وإنما الهدف هو التوعية والتثقيف من أجل أمن الفرد في المجتمع وأسرته والمجتمع والبلد ككل، ومن هنا يتوجب أن تكون هناك ثقة بين الجهتين واحترام متبادل ونية لخدمة الوطن والمواطن. من جهة أخرى يجب على الجهات الأمنية أن تتوفر على مهنية وحرفية عالية للتعامل مع المعلومة بمصداقية كبيرة وبثبات حيث إنه من المستحيل كسب ثقة الجمهور بإبراز معلومات وإخفاء معلومات أخرى أو بتقديم نصف الحقيقة أو في بعض الأحيان بالتضليل والتلاعب. فهذه الممارسات تقضي على الثقة التي يجب أن تتوفر بين مصدر المعلومة والجمهور للتأثير فيه وإقناعه وتوعيته بما يعود عليه وعلى المجتمع بالفائدة. من عوامل نجاح الإعلام الأمني والتعاون بين الجهات الأمنية والمؤسسات الإعلامية الاتصال المباشر والفوري خاصة في أوقات الأزمات والظروف الطارئة فالبيروقراطية والتأخر في توفير المعلومة يؤدي إلى انتشار الشائعة وإلى دخول جهات على الخط قد يكون هدفها الترويع والتخويف والتشكيك ونشر الفوضى والنميمة في قدرات الجهات المختصة للتعامل مع الحدث أو الأحداث. فأهم وسيلة لاحتواء الأزمات والتحكم فيها هو الاتصال المباشر والصريح والفوري. من جهة أخرى يجب على الجهات الأمنية أن تتعامل مع الإعلام الأمني بحرفية ومهنية عالية فيما يخص تقديم المعلومة الواضحة والدقيقة والمحددة والتي تكون بعيدة عن الغموض والإبهام والعمومية التي قد تفسح المجال لتأويلات متضاربة ومتناقضة. من أجل تعاون فعال يجب على الأجهزة الأمنية أن تتوفر على موظفين ومسؤولين متخصصين في الإعلام والاتصال والعلاقات العامة من أجل التعاون الفعال مع المؤسسات الإعلامية وهذا يعني إعطاء أهمية كبيرة للتعامل مع وسائل الإعلام بمهنية وحرفية دون تفضيل أو محاباة وسيلة على أخرى ودون الهروب من مواجهة بعض القضايا والأحداث الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان الثقة من قبل رجال الإعلام والجمهور في الأجهزة الأمنية. فالاتصال الناجح هو ذلك الذي يرد على استفسارات وأسئلة الصحافيين والجمهور والرأي العام بصفة عامة دون تردد أو تهرب أو مراوغة أو تعتيم وبكل شفافية وصراحة ووضوح.جامعة قطر

2780

| 31 يناير 2014

في الذكرى 35 لوفاة الرئيس هواري بومدين (2)

تعيش الجزائر هذه الأيام حراكا سياسيا فريدا من نوعه يتمثل في البحث عن رئيس قوي ينقذها من وباء الفساد وهدر المال العام والبيروقراطية والمشاكل التي تعيشها في معظم مجالات الحياة. الكلام يدور حول عهدة رابعة للرئيس الحالي الذي يعاني من مشاكل صحية قد لا تؤهله لأداء مسؤولياته كما ينبغي، أو رئيس جديد برؤى جديدة وموازن قوى جديدة قد تمكنه من التخلص من عهد مهترئ والشروع في مرحلة جديدة تقوم على الرشاد الاقتصادي والتنمية المستدامة والشفافية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. في هذه الظروف يأتي السابع والعشرين من شهر ديسمبر هذا العام ليذكر الشعب الجزائري بالرجل الذي وهب حياته لبناء دولة خرجت من حرب ضروس ضد استعمار غاشم نشر الجهل والحرمان والاستبداد والطغيان، رجل كان شغله الشاغل هو استدراك ما فات البلاد من علم وتكنولوجيا وديمقراطية وتشييد وبناء مادي ومعنوي وبشري للحاق بركب الحضارة والتقدم والرفاهية والتطور. فالذاكرة الجماعية الجزائرية ما زالت تتذكر أعمال الرجل والشعب الجزائري اليوم ما زال يحلم ببروز شخصية سياسية من حجم بومدين حيث إنه بأشد الحاجة إلى شخصية سياسية كارزمتية قوية تخرج البلاد من الاختناق السياسي الذي تعيشه ومن ظاهرة البحث عن رئيس يقدر على إدارة البلاد والعباد ومحاربة الفساد. كان بومدين يؤمن بضرورة التوازن الجهوي وعدم التركيز على منطقة دون أخرى، خاصة عدم التركيز على المراكز الحضرية أو الشمال وتجاهل المناطق الداخلية والجنوبية والنائية والصحراوية خاصة أن الجزائر هي ثاني دولة من حيث المساحة في إفريقيا. تعتبر الخدمة الوطنية أو الخدمة العسكرية من أهم الآليات التي اعتمدها الراحل بومدين لتكوين جيلا جديدا من الشباب لا تفرق بينه لا الجهات ولا الطبقات الاجتماعية، ففي الخدمة الوطنية كان يلتقي ابن الفلاح بابن البورجوازي وابن الشمال بابن الجنوب و "الشاوي" بـ "الوهراني" و "القبائلي بـ "الميزابي"… الخ. ومفهوم الخدمة العسكرية عند بومدين لم يكن يتحدد في الثكنة العسكرية والجيش السلبي وإنما كان يرى بومدين في الخدمة العسكرية بناء الوطن كالمساهمة في بناء الطريق الصحراوي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ليكون بوابة الجزائر للقارة الإفريقية وكذلك بناء السد الأخضر وهو عبارة عن شريط أخضر يقطع الجزائر من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق وعرضه 20 كيلومترا من الأشجار والأحراش لمكافحة زحف الصحراء نحو الشمال، أي تصحر الجزائر. كما ركّز الراحل بومدين على تعميم ودمقرطة التعليم وتوفير التعليم للجميع ومن خلال هذه السياسة أتيحت الفرصة للفقير ولابن الفلاح للجلوس على مقاعد المدرسة جنبا إلى جنب مع مختلف الفئات الاجتماعية، وأدت هذه السياسة إلى تكريس العدالة الاجتماعية وإتاحة نفس الفرص لجميع أبناء المجتمع من دون تمييز ولا تفرقة.كان المرحوم بومدين يرى في سياسة التعريب استكمال السيادة الجزائرية واسترجاع هويتها وشخصيتها وعروبتها. فبعد استقلالها وجدت الجزائر مشاكل عويصة ومعقدة تراكمت على مدى أكثر من قرن من الزمن، وهكذا وجدت الجزائر نسبة كبيرة من نخبتها المثقفة والقائدة والفاعلة لا تعرف شيئا عن اللغة العربية وعن أصولها وتاريخها، ووجدت القلة القليلة من النخبة المثقفة باللغة العربية نفسها محاصرة من قبل الفرانكوفونيين والفرانكوفوليين هكذا ظهرت في الجزائر ازدواجية اللغة بمفهوم سلبي، حيث تم تسييّس هذه الظاهرة وأصبحت الأمور تسير وتنفذ انطلاقا من مفهوم المفرنس والمعرب. وظهر مصطلح الفرانكوفيل تعبيرا عن أذناب فرنسا وبقاياها المدافعين عن مصالحها رغم رحيلها من أرض المليون والنصف مليون شهيد. بومدين لم يكن معاديا للفرنسية حيث كان يتقنها جيدا ويستعملها في أحاديثه الصحفية مع الصحفيين الأجانب لكنه كان يعتبرها وسيلة وقناة للتواصل كغيرها من اللغات الأخرى، لكن العربية كانت بالنسبة لبومدين هي روح الجزائري وجسده، كانت اللغة العربية بالنسبة للرئيس الراحل هي الجزائري نفسه وبدونها فإنه فقد هويته وبذلك فقد نفسه. وينطلق بومدين في هذه الإشكالية من مبدأ أن الذي يكتب أو يتكلم بالفرنسية فإنه يفكر بالفرنسية وبذلك يلبس بالطريقة الفرنسية ويأكل الأكل الفرنسي ويشرب الشراب الفرنسي، وأخيرا يتقمص أو يذوب في شيء اسمه فرنسا أو الفرنسي. هكذا إذن كانت للرجل رؤية واستراتيجية وكان يحلم دائما بمناصرة الفقراء والمساكين والمستضعفين سواء على مستوى بلده الجزائر أو على المستوى القاري أو العربي أو العالمي. ذلك الرجل الذي وقف على منبر الأمم المتحدة سنة 1974 وطالب بنظام اقتصادي عالمي جديد يضع حدا للاستغلال والبطش والابتزاز الذي تمارسه الدول العظمى على حساب الدول المستضعفة والفقيرة والمغلوب على أمرها بسبب نهب وسرقة تلك الدول التي تسمى بالمتقدمة. لا ننسى كذلك أن الجزائر في عهد المرحوم بومدين لعبت دورا بارزا في حل العديد من الأزمات الشائكة والعويصة وكانت الوسيط في حل العديد من المنازعات والصراعات الإقليمية والجهوية.كيف ينسى التاريخ هواري بومدين وهو الذي تحدى فرنسا وأمّم المحروقات في 24 فبراير 1971 وهو الذي وضع مشروع بناء الألف قرية فلاحية للمزارعين الجزائريين الذين عانوا من ويل الاستعمار الفرنسي الغاشم وجردوا من أراضيهم، كيف ننسى بومدين وهو الذي قال "أؤمن بالمساواة في تعليم أبنائنا، إنه لا يعقل أن ابن الفقير يرعى قطيع الغنم بينما ابن الغني يذهب إلى المدرسة" فمن ديمقراطية التعليم إلى الطب المجاني إلى التوازن الجهوي. رحم الله الفقيد هواري بومدين وأسكنه فسيح جناته. وخير دليل على شهامة الرجل ومروءته وقدرته في تسيير شؤون الشعب والبلاد هو حلم الجزائر اليوم بعودة "البومدينية" وإيجاد رئيس تتوفر فيه مواصفات وكاريزما الرئيس هواري بومدين، فهل ستنجب الجزائر بومدين آخر؟ الجزائر اليوم وأكثر من أي وقت مضى وعلى أشهر بل أيام معدودات من الاستحقاقات الرئاسية القادمة بحاجة إلى شخص قوي، شخص محنك ينقذ البلاد من ثقافة الرداءة والبيروقراطية وإهدار المال العام والفساد. فالجزائر البلد الذي يتوفر على مستلزمات وشروط التطور والازدهار والتقدم سواء تعلق الأمر بالإمكانات المادية أو البشرية ما زالت وبعد مرور ما يزيد على نصف قرن من استقلالها تعاني من نقائص واختلالات جوهرية على مختلف الصعد.

1454

| 24 يناير 2014

في الذكرى الـ35 لوفاة الرئيس هواري بومدين (1)

تعيش الجزائر هذه الأيام حراكا سياسيا فريدا من نوعه يتمثل في البحث عن رئيس قوي ينقذها من وباء الفساد وهدر المال العام والبيروقراطية والمشاكل التي تعيشها في معظم مجالات الحياة.الكلام يدور حول عهدة رابعة للرئيس الحالي الذي يعاني من مشاكل صحية قد لا تؤهله لأداء مسؤولياته كما ينبغي، أو رئيس جديد برؤى جديدة وموازن قوى جديدة قد تمكنه من التخلص من عهد مهتري والشروع في مرحلة جديدة تقوم على الرشادة الاقتصادية والتنمية المستدامة والشفافية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. في هذه الظروف يأتي السابع والعشرون من شهر ديسمبر هذا العام ليذكر الشعب الجزائري بالرجل الذي وهب حياته لبناء دولة خرجت من حرب ضروس ضد استعمار غاشم نشر الجهل والحرمان والاستبداد والطغيان، رجل كان شغله الشاغل هو استدراك ما فات البلاد من علم وتكنولوجيا وديمقراطية وتشييد وبناء مادي ومعنوي وبشري للحاق بركب الحضارة والتقدم والرفاهية والتطور. فالذاكرة الجماعية الجزائرية ما زالت تتذكر أعمال الرجل والشعب الجزائري اليوم ما زال يحلم ببروز شخصية سياسية من حجم بومدين، حيث إنه بأشد الحاجة إلى شخصية سياسية كارزمتية قوية تخرج البلاد من الاختناق السياسي الذي تعيشه ومن ظاهرة البحث عن رئيس يقدر على إدارة البلاد والعباد ومحاربة الفساد. الرئيس هواري بومدين الذي حكم الجزائر من يونيو 1965م إلى ديسمبر 1978م يعتبر من أولائك الذين قدموا الكثير للجزائر وللشعب الجزائري ومن أولائك الزعماء الذين تركوا بصماتهم في التاريخ سواء على مستوى دولهم أو قاراتهم أو على مستوى العالم العربي ودول العالم الثالث أو حركة عدم الانحياز أو الحركة الأفروآسيوية. بومدين من الرؤساء أو الشخصيات السياسية التي همشها التاريخ محليا ودوليا ويمكننا القول إن الرئيس بومدين احترمه العالم قبل أن تعطيه حقه وسائل إعلام بلاده والمسؤولون الجزائريون أنفسهم. ففي عهد الرئيس الشاذلي بن جديد الذي جاء بعد وفاته مباشرة وحتى يومنا هذا أصبح الرئيس بومدين من المحرمات والممنوعات في وسائل الإعلام الجزائرية وفي الملتقيات والندوات والمناسبات وكأنه لم يكن وهذه الظاهرة ليست غريبة على الجزائر، حيث إن زعماء مثل "فرحات عباس" و"مصالي الحاج" و"عبان رمضان" لقوا نفس الجزاء قبل بومدين. لم يكن الرئيس بومدين معصوما من الخطأ ولم ينجح في كل مشاريعه وبرامجه، لكنه كان رجلا نظيفا لا تهمه شهوات الدنيا ومالها، ولم يأت بأخيه وأبناء بلدته ليوزع عليهم الوزارات والمناصب العليا في رئاسة الجمهورية. كانت له إيجابياته وسلبياته ونقاط ضعفه وقوته، فبومدين عايش وحكم الجزائر في "موضة" الاشتراكية والحركات التحررية وحركة عدم الانحياز والحركة الأفروآسيوية. كان، رحمه الله، يتنفس الحرية والكرامة والوقوف مع الشعوب المضطهدة. في الجزائر كان يعمل على توفير الحياة الكريمة للفقير من تعليم ورعاية صحية وسكن ومرافق الحياة الضرورية. بومدين الرئيس الذي مات ولم يترك الملايين أو المليارات من الدولارات في حساباته، بل لم يترك شيئا، مات من أجل الفلاح الجزائري، مات من أجل أولائك الذين حرمهم الاستعمار الفرنسي من العيش الشريف، من التمدرس ومن الحياة الشريفة الكريمة. بومدين ذلك الرئيس الذي لم ينس كل من وقف إلى جانب الجزائر في محنتها ضد الاستعمار الفرنسي، فوقف بجانب الدول العربية ووقف بجانب الحركات التحررية في إفريقيا وآسيا، بومدين الذي ناضل من أجل الحق في القارات الثلاث لتحرير الشعوب سياسيا وثقافيا واقتصاديا وأيديولوجيا. بسبب الفقر والجهل والحرمان انتهج الرئيس الراحل سياسة شنها على ثلاث جبهات: الزراعة، الصناعة والثقافة وسمى هذه الجبهات بالثورات الثلاث، فعلى المستوى الزراعي أُممت الأراضي الزراعية ووُزعت من جديد على الفلاحين في إطار سياسة التسيير الذاتي وهذا لمحاربة الإقطاعية ونظام "الخماسة" الذي كان سائدا في المجتمع الجزائري، وعلى المستوى الاقتصادي آمن الرئيس بومدين بمبدأ "الصناعات المصنّعة" والتركيز على الصناعات الثقيلة التي تغدي وتنمي الصناعات الخفيفة والصناعات التحويلية وباقي الصناعات الأخرى.أما فيما يتعلق بالجانب الثقافي فقد آمن الرئيس بومدين بمبدأ ديمقراطية التعليم وهذا بتوفيره مجانا لجميع أبناء المجتمع من السنة الأولى إلى أعلى درجة علمية ممكنة والتركيز على أن ابن الفلاح بإمكانه التمدرس والتفوق والاستمتاع بمقعد في الجامعة وبمنحة إلى أعتق وأشهر الجامعات في العالم إذا كان من المتفوقين. كما كان يؤمن بثقافة جماهيرية شعبية ملتزمة تخدم الفقير والمسكين والمحروم والمظلوم. كان بومدين يؤمن بأن اقتصاد البلد لا يُكتب له النجاح إذا لم يكن هناك تكامل بين قطاعاته المختلفة وكان يؤمن أن الزراعة يجب أن تغدي الصناعة والعكس صحيح وأن الصناعة الثقيلة تغدي الخفيفة وكل هذه الآلية يجب أن تتم وفق خصائص كل منطقة من مناطق الجزائر التي تزخر أراضيها بخيرات ومواد أولية معتبرة. وكان بومدين يؤمن كذلك بأن الدولة التي لا تستطيع تأمين غذائها لا تعتبر مستقلة. ففي عهد بومدين شهدت الجزائر شبكة من المصانع والمعامل انتشرت من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب احتراما لمبدأ التوازن الجهوي والتكامل الاقتصادي.كما كان يعني التكامل الاقتصادي لبومدين الاستقلال الاقتصادي، والاستقلال السياسي بدون استقلال اقتصادي لا يعني شيئا. وأهم إنجاز تاريخي قام به بومدين هو تأميم المحروقات وتحدي الفرنسيين الذين كانوا يسيطرون على استغلال آبار البترول والغاز في الصحراء الجزائرية الكبرى، فالفرنسيون لم يصدقوا أعينهم عندما استغنى عنهم بومدين وبمساعدة بعض الدول الصديقة واصلت الجزائر استغلالها لمحروقاتها بكامل سيادتها. وكان هذا الإنجاز درسا للدول العظمى وللشركات المتعددة الجنسية التي كانت تنهب خيرات دول العالم الثالث بأبخس الأثمان، الأمر الذي دفع الرئيس بومدين، وعلى منبر الأمم المتحدة بنيويورك، أن يطالب بنظام اقتصادي عالمي جديد وأن يكشف للعالم وبالأرقام أن النظام النقدي العالمي والتبادل العالمي والعلاقات الاقتصادية الدولية تعاني كلها من عدم التوازن والتكافؤ ومن استغلال الدول الكبرى للدول النامية والحديثة العهد بالاستقلال.

1131

| 19 يناير 2014

كيف نواجه الإرهاب إعلاميا؟

احتل الإرهاب على مدى الثلاثة عقود الماضية مساحات كبيرة ومعتبرة في الصحف والمجلات والقنوات الفضائية، والسؤال هنا هو: كيف تعاملت وسائل الإعلام مع ظاهرة الإرهاب؟ هل عكست الواقع بطريقة آلية دون الغوص في أعماق الظاهرة وأسبابها؟ أم أنها اهتمت بالإثارة والتضخيم على حساب التحليل والتطرق للأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تهدد دول العالم قاطبة من دون استثناء، حيث أصبح الجميع، أغنياء وفقراء شمالا أو جنوبا، يعانون من هذا الخطر الجديد الذي أصبح يهدد أمن واستقرار الشعوب والدول. أفرزت ظاهرة الإرهاب في الأوساط الإعلامية والعلمية والفكرية والأكاديمية تناقضات خطيرة، من أهمها الكيل بمكيالين وربط الإرهاب بالإسلام والعرب والمسلمين. وذهب البعض منهم ينّظر لصراع الحضارات والديانات، ورأى البعض الآخر أن الخطر قادم من الشرق الذي لا يؤمن بالحوار ولا يؤمن بمن يختلف معه في الدين والعقيدة والمبادئ. فأطروحات الإسلام الراديكالي أو المسلح و"الفاشية الإسلامية" و"صراع الحضارات" زادت من تلويث العقول والأفكار وزرعت ثقافة الخوف والحقد والكراهية في عقول الشعوب. هذا ما أدى بالبعض ليتهم الصحافة أو وسائل الإعلام بصفة عامة بالفشل الذريع في تغطية الإرهاب بطريقة حرة، مسؤولة ونزيهة بعيدة عن الابتزاز والاستغلال وبعيدة عن الإثارة ونزوة التجارة والربح وزيادة المبيعات وعدد المشاهدين وبذلك زيادة مساحة وأسعار الإعلانات. بالنسبة لمعظم وسائل الإعلام الغربية وخاصة تلك التي تركز على الإثارة وعلى بيع الغرابة والعنف والجريمة فإن الإرهاب يعتبر مادة دسمة مربحة تساعد المؤسسة على زيادة المبيعات وجني أرباح طائلة. فالإرهاب أصبح لغة القرن الحادي والعشرين وظاهرة انتشرت في جميع أنحاء العالم، وتركز وسائل الإعلام الغربية بدرجة كبيرة على ما يحدث في الدول النامية والدول الإسلامية، مستغلة الإثارة والجريمة لتكريس أفكار محددة للمحافظة ولدعم الوضع الراهن الذي فرضته القوى الفاعلة في النظام الدولي. ومع ظهور الإسلاموفوبيا أصبحت وسائل الإعلام الغربية تتفنن في إيجاد علاقة وطيدة ما بين الإسلام والإرهاب وما بين كل من يخرج عن طاعة أمريكا والغرب والإرهاب. وانطلاقا من الصور النمطية والأفكار المسبقة والمشوهة تقوم وسائل الإعلام بتقديم أخبار ملونة، الهدف منها النيل من العرب والمسلمين وربط الإرهاب بالإسلام. كما تستغل بعض وسائل الإعلام الإرهاب لترسيخ صور نمطية معينة وتعمل على تأكيد تفوق الحضارة الغربية وتخلف باقي الحضارات. ويبقى الصراع مستمرا ودائما بين الغرب الذي يريد بكل الوسائل والطرق إقصاء الآخر وفرض ثقافته وأفكاره وقيمه على العالم بأسره. ورغم التلاعب والتزييف والتشويه الذي تمارسه الآلة الإعلامية الغربية على عقول البشر في جميع أنحاء المعمورة، ما زال العالم بخير وما زالت عامة الناس ترى أن المشكلات التي تعاني منها دول ليست بسبب الإسلام ولا بسبب صراع الحضارات وإنما جذور هذه المشكلات تعود لمصالح سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى وهذا ما أكده استطلاع للرأي العام أجري على 28 ألف شخص من 27 دولة حول العالم؛ حيث رأت غالبية المبحوثين أن الصراع بين الإسلام والغرب ليس حتميا وأن التوترات والمشكلات الحالية تعود بالدرجة الأولى إلى المصالح السياسية وعدم التسامح. وهذا يعني أن ما تنقله وسائل الإعلام لا يعكس بالضرورة الواقع والرأي العام. فكيف تتطرق الصحافة العالمية للإرهاب دون أن تفرق بين العمل العسكري المشروع للدفاع عن النفس ولتحرير الأرض من المستعمر، وما بين الإرهاب الذي يتمثل في العمل الإجرامي الوحشي. وكيف تستعرض وسائل الإعلام ظاهرة الإرهاب وتربطها بشعب معين وديانة معينة وتتغاضى عن إرهاب الدولة الذي تمارسه بصفة يومية إسرائيل في فلسطين. ما يحدث في العراق هذه الأيام هو كذلك وسيلة أخرى لإفراز الإرهاب والتشجيع على انتشاره. كأي ظاهرة اجتماعية يعتبر الإرهاب نتيجة لعدة أسباب، منها الفقر والجهل والظلم وانعدام العدالة الاجتماعية وغياب الحريات الفردية وحرية الفكر والرأي والصحافة والتهميش والعنصرية..إلخ. فالحرمان والاستبداد من الأسباب التي تؤدي إلى استعمال العنف والجريمة للتعبير عن الاستياء أو لمحاولة تخويف السلطة والقوى الفاعلة في المجتمع للتنازل عن بعض امتيازاتها لصالح الفئات المحرومة. يقوم الإرهابيون عادة بالجرائم وأعمال القتل والتخريب وحجز الرهائن الأبرياء للضغط على الحكومات للاستجابة لمطالبهم وأهدافهم، وحتى يصلوا إلى الرأي العام فإنهم يعتمدون على وسائل الإعلام التي تباشر في التهافت على نقل الوقائع والأحداث الإرهابية والتفنن في تضخيمها. وفي نهاية الأمر نلاحظ أن العملية كلها دعاية وتدويل لرسالة الإرهابيين الذين كانوا يعملون جاهدين على إيصال مطالبهم ورسالتهم للمسؤولين والساسة وصناع القرار وقادة الرأي العام محليا ودوليا. ونلاحظ هنا أن الإرهابيين يقصدون من خلال أعمالهم استغلال وسيلة إستراتيجية تتمثل في وسائل الإعلام ويستعملونها كوسيلة للتواصل والتعبير عن مطالبهم وأهدافهم. والإشكالية التي تواجهها وسائل الإعلام تتمثل في ما العمل وما هو الموقف الذي يجب اتخاذه؟ هل يجب القيام بالتغطية وعرض المطالب والأهداف؟ أم مقاطعة التغطية تماما وتجاهل الأعمال الإرهابية، وإذا قامت الوسائل المحلية بالمقاطعة هل ستتبعها وسائل الإعلام الأجنبية؟ وإذا لم تقم وسائل الإعلام بالتغطية من يضمن عدم تسرب الأخبار وانتشار الإشاعة. أسئلة كثيرة ومتعددة تمس جوانب تنظيمية وأمنية وأخلاقية يجب أن تطرح بجدية وتدرس بتأنٍ لتجنب مشكلات قد تكون انعكاساتها وخيمة على المجتمع بكامله. ومن أهم الانتقادات التي وُجهت لوسائل الإعلام في تعاملها مع الإرهاب أنها أصبحت طرفا هاما في أزمات وعمليات الإرهاب وأصبحت طرفا يُستغل لخدمة مصالح وأهداف قد تتعارض تماما مع الرسالة النبيلة للإعلام في المجتمع. فبقوتها وإمكاناتها الاتصالية الهائلة تعطي وسائل الإعلام فرصة ذهبية للإرهابيين للوصول إلى ملايين البشر محليا ودوليا للتعبير عما يريدونه. فالقنوات الفضائية تصّعد الأزمات وتضخمها وتزيد من هلعها وخوفها وقوة آثارها وهذا من شأنه أن يخدم قضية الإرهابيين ويضع ضغوطا كبيرة وقوية على الحكومة للتنازل والتفاوض من مركز ضعف، حيث إنه بعد التدويل والإثارة والتضخيم يجد صاحب القرار نفسه ضعيفا أمام تأثيرات الرأي العام على الصعيد الداخلي والدولي. والوصول إلى الرأي العام الدولي يعتبر من أهم أهداف الإرهابيين، حيث محاولة الوصول إلى المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية. وهذه المعادلة الاستغلالية تعتبر من الممارسات السلبية التي تقوم بها وسائل الإعلام، خاصة عندما لا تقوم بمهمة الاستقصاء والبحث في جذور وأسباب ظاهرة الإرهاب. وبالمقابل نلاحظ أن هذه المؤسسات الإعلامية ترى أنها تقدم خدمة كبيرة للرأي العام وأنها تقوم بمسؤوليتها الاجتماعية على أحسن وجه. والحقيقة هي أنها في نهاية المطاف تخدم قضايا بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة ومصلحة المجتمع بأسره. القرار هنا أخلاقي ومن واجب وسائل الإعلام أن تتخلص من أي اعتبار تجاري ربحي أو أي اعتبار تنافسي، لأن الموضوع أهم من ذلك بكثير، حيث إنه يتعلق بأمن الدولة وسلامتها وسلامة سكانها، بل بدول وشعوب عدة.

2127

| 04 يناير 2014

جارودي .. المفكر الذي فضح الصهاينة

رحل المفكر والفيلسوف الفرنسي المسلم رجاء جارودي عن عمر ناهز98 عاما كان حافلا بإنجازات فكرية وأيديولوجية كثيرة ميزتها محطات رئيسية هامة أهمها اعتناقه الإسلام في سنة 1982 ومواقفه الجريئة ضد الصهيونية وآليات التضليل والتشويه والتزييف والأساطير المختلفة التي تفنن ويتفنن الكيان الصهيوني في استخدامها في تضليل الرأي العام وإخفاء جرائمه وعنصريته وهمجيته. ألّف الفيلسوف رجاء جارودي كتابا بعنوان" الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل" حلل من خلاله بالأدلة والبراهين والبحث والاستقصاء التناقضات التي تتميز بها دولة إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية. ومن بين المواضيع الذي تطرق إليها الكتاب موضوع المحرقة " الهولوكوست"حيث أكد جارودي من خلال البحث والاستقصاء أن الموضوع أُستغل بأكاذيب وتضليل من أجل اغتصاب أرض الغير وتشريد شعب بكامله. كما تطرق جارودي إلى اليهود الذين تعاملوا وساعدوا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية. من خلال كتابه استطاع جارودي وبكل شجاعة وجرأة أن يعري الأساطير الكاذبة التي استعملها الصهاينة لبناء دولة من العدم. نشط اللوبي الصهيوني في الأوساط السياسية والبرلمانية الفرنسية واستغل نفوذه وشخصياته سواء في البرلمان أو في حكومة لوران فابيوس لتمرير قانون يعاقب بالسجن لمدة سنة وغرامة تقدر بـ50 ألف دولار كل من يشكك في الهولوكوست والمآسي التي تعرض لها اليهود في المعسكرات النازية، وبكل بساطة جاء قانون "فابيوس- جيسو" لستر ودفن الأكاذيب وأساطير الصهيونية وجاء لحماية الخرافات اليهودية ولمنحها حصانة متينة لم تنعم بها من قبل أي حركة سياسية أو أيديولوجية. وهنا نلاحظ تناقضات القرن العشرين حيث من حق سلمان رشدي وتسليمه نسرين قذف وشتم وتشويه الإسلام، بل من حق هؤلاء التمجيد والتبجيل والجوائز والاستقبالات الرسمية وغير ذلك. أما بالنسبة لرجاء جارودي، المفكر المعروف والمعتدل في آرائه وأطروحاته وكتاباته، فجزاؤه المحاكمة والإرهاب الفكري والنفسي والمعنوي، وكل ما قاله جاوردي في كتابه "الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل" هو حقائق مدعمة ببراهين وإحصاءات وبيانات وباعتراف عدد كبير من اليهود أنفسهم. وهكذا جاء قانون "فابيوس-جيسو" في بلد زولا وفولتر وجون جاك ورسو كأول قانون يحمي الخرافات والأكاذيب الصهيونية ضاربا عرض الحائط حرية الفكر وحرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الاختلاف في الرأي، والقانون جاء ليدافع عن اليهود واليهود وحدهم ضاربا عرض الحائط حرية الفكر والتعبير ومبادئ العدالة والمساواة بين الأجناس والأعراق والديانات والأيديولوجيات، فقانون " فابيوس-جيسو" كما وصفه المحامي الشهير الراحل " جاك فرجيس " هو قانون فاشي وعنصري ووصمة عار على المشرع الفرنسي والعدالة الفرنسية.تمخضت آراء حكماء بني صهيون عن عدة قرارات في المؤتمر الصهيوني الأول في (بال) بسويسرا سنة 1897 خصص البند الثاني عشر منها للكيفية التي ستتم بموجبها السيطرة على وسائل الإعلام ومختلف قنوات الاتصال الجماهيري و جاءت القرارات التي احتواها البروتوكول الثاني عشر من برتوكولات حكماء بني صهيون على الشكل التالي:-* إن القنوات التي يجد فيها الفكر الإنساني ترجمانا له يحب أن تكون خالصة في أيدينا.* إن أي نوع من أنواع النشر أو الطباعة يجب أن يكون تحت سيطرتنا.* يجب ألا يكون لأعدائنا وسائل صحفية يعبرون فيها عن آرائهم، وإذا وجدت فلابد من التضييق عليها بجميع الوسائل لكي نمنعها من مهاجمتنا.* الأدب والصحافة هما أعظم قوتين إعلاميتين وتعليميتين خطيرتين، ويجب أن تكونا تحت سيطرتنا.* لن يصل طرف من خبر إلى المجتمع من غير أن يمر علينا، فالأخبار تتسلمها وكالات قليلة تتركز فيها الأخبار من كل أنحاء العالم، وحينما نسيطر عليها لن تنشر إلا ما نختاره ونحن من هذه الأخبار.* لابد لنا من الهيمنة على الصحافة الدورية حتى تصبح في خدمتنا، تهيّج عواطف الناس حين نريد، وتثير المجادلات الحزبية الأنانية التي تخدم مصالحنا حين نريد، ونسيطر بواسطتها على العقل الإنساني.* ستكون لنا جرائد (صحف) شتى تؤيد الطوائف المختلفة من أرستقراطية وجمهورية، وثورية بل وفوضوية أيضا، وستكون هذه الجرائد (الصحف) مثل الإله الهندي فشنو، لها مئات الأيدي وكل يد ستجس لنا نبض الرأي العام المتقلب.* سنصدر نشرات تهاجمنا وتعارضنا، ولكن بتوجيه اتهامات زائفة ضدنا مما سيتيح لنا الفرصة لكي نقنع الرأي العام بأن كل من يعارضنا لا يملك أساسا حقيقيا لمناهضتنا، وإنما يعتمدون على الاتهامات الزائفة.* يجب أن نكون قادرين على إثارة عقل الشعب عندما نريد، وتهدئته عندما نريد وسنفعل ذلك بطبع أخبار صحيحة أو زائفة حسبما يوافق غرضنا، وسننشر الأخبار بطرقنا الخاصة بحيث يتقبلها الشعب ويصدقها، ولكننا يجب أن نحتاط جيدا قبل ذلك لجس الأرض قبل السير عليها.* يجب أن نشجع ذوي السوابق الخلقية على تولي المهام الصحفية الكبرى خاصة في الصحف المعارضة لنا، فإذا تبين لنا ظهور أي علامات للعصيان من أي واحد منهم، سارعنا فورا إلى الإعلان عن مخازيه الخلقية التي نتستر عليها، وبذلك نقضي عليه، ونجعله عبرة لغيره. هذه القرارات جاءت في نهاية القرن التاسع عشر وبعد مرور أكثر من قرن من الزمن ورغم تطور وسائل الإعلام وتكنولوجية الاتصال نلاحظ أن الصهاينة يطبقون ويتمسكون بهذه البنود بندا بندا. والاضطهاد الفكري طريقة عمل ووسيلة معروفة عند الصهاينة حيث استعملت ضد النائب الأمريكي"بول فيندلي" وضد ممثل الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة " أندري يونج " وضد البروفيسور "روبير فوريستون" الذي قدم بحثا أكاديميا، جامعيا عن خرافة حرق اليهود في الأفران النازية، حيث وصفها بأنها أكذوبة صهيونية. كما سُحبت الدكتوراه من الباحث الفرنسي " هنري روكيه " لأنه حاول أن يكشف عن أكاذيب الصهيونية. وبالمقابل نلاحظ أن فيلم " ستيفن سيبلرج " " قائمة شاندلرز" حُظي بالدعم المالي والمعنوي والدعائي الصهيوني لنشره وترسيخ الأساطير الكاذبة في أذهان البشر من مختلف الأجناس والأعمار فوق هذه المعمورة. وهكذا كانت محاكمة جارودي وصمة عار على جبهة القضاء الفرنسي وحرية التعبير والرأي والصحافة وتعتبر محاكمة جارودي محاكمة للحقيقة لأن كل ما قدمه جارودي في كتابه هو الكشف وتعرية أساطير وأكاذيب عمرت لمدة طويلة جدا تزيد عن نصف قرن من دون مساءلة وبدون استقصاء أو بحث أو تكذيب. جارودي ليس هو الضحية الأولى ولن يكون الضحية الأخيرة للصهاينة ولآلتهم الإعلامية في مختلف أنحاء العالم. إن كل من يكشف تناقضات الحركة الصهيونية العالمية وأطماعها وجشعها سيلاقي نفس المصير الذي لاقاه جارودي. رحل الرجل الذي كافح وناضل من أجل الكشف عن الحقيقة في عالم تسيطر عليه قوى مالية وسياسية تستعمل كل الطرق والسبل والوسائل من أجل إخفاء الحقيقة والتشويه والتضليل لتحقيق مصالحها وأهدافها حتى إذا تطلب ذلك السجن والتصفية الجسدية.

2164

| 02 يناير 2014

هل حان الوقت لصحافة المواطن في الوطن العربي؟

صحافة المواطن أو الصحافة المدنية هي طريقة جديدة لمساعدة الجمهور على التغلب على حالات الضعف والتهميش والاغتراب والشعور بالإقصاء وعدم القدرة على المشاركة في الحياة العامة، فالصحافة المدنية تهدف إلى تدعيم وتعزيز مفهوم المواطنة ونشر ثقافة النقاش والحوار ومساعدة عامة الشعب على الاندماج والانخراط في طرح مشكلاتهم وهمومهم والوصول إلى الحلول العملية لاحتوائها واستئصالها والقضاء عليها، فدور الصحافة المدنية لا يقتصر فقط على تناول الآفات والأمراض الاجتماعية واستعراضها، بل يركز كذلك على إفراز فضاء عام لطرح ومناقشة القضايا والشؤون العامة، تهدف الصحافة المدنية من وراء تغطية مشكلات وآفات المجتمع مثل الفساد، والجريمة والعنف والسرقة والنشل...الخ إلى الوعي بهذه المشكلات من قبل المواطنين وحثهم على المشاركة في مكافحة هذه الآفات والأمراض الاجتماعية كل من موقعه وحسب إمكاناته. فطرح المشكلة الاجتماعية غير كاف وإنما يجب الذهاب إلى ما وراء استعراض المشكلة وهو البحث عن جذورها وأسبابها وبذلك توصيف الإجراءات العملية اللازمة بالتنسيق مع الجهات المعنية سواء الرسمية منها أو غير الرسمية لحل هذه المشكلات واستئصالها والقضاء عليها. ظهرت الصحافة المدنية أو صحافة المواطن في منتصف العقد الأخير من القرن العشرين في الولايات المتحدة كبديل للصحافة المسيطرة والمنتشرة في الساحة الإعلامية. وجاءت هذه الممارسة الصحفية الجديدة كبديل للصحافة التقليدية المرتبطة بالنظام القائم وبالنخب وبالمصالح الاقتصادية والسياسية وبالقيم المزيفة والمضللة والمعروفة بالموضوعية والحياد والحرية. وكبديل لصحافة التسطيح والتهميش والاستهلاك والاغتراب وصحافة تبرير وتشريع النظام والوضع الراهن. تقوم صحافة المجتمع المدني على مبدأ الوصول للمواطنين والاستماع إليهم وإعطائهم الفرصة للاستماع والتحدث لبعضهم البعض ولمناقشة انشغالاتهم ومشكلاتهم وطرح الحلول والبدائل وبذلك فهُم طرف في العملية الإعلامية ومشاركون فيها، وليسوا مستقبلين فقط، بل هم مستقبلون وفاعلون. يرى منظرو صحافة المجتمع المدني أنها صحافة جادة مسؤولة وملتزمة، وطريقة جديدة تهدف إلى تحديد القضايا والمشكلات الرئيسية التي تهم الرأي العام والسواد الأعظم من الشعب. وهي بذلك تهدف إلى خلق حوار ونقاش فعال ومجد ومثمر حول أهم قضايا المجتمع، والسعي لتشخيص الأسباب وطرح الحلول والبدائل لمعالجتها، فالهدف هو ليس تغطية الأحداث والقضايا والجرائم والانسحاب بعد ذلك، بل الذهاب أبعد من ذلك بكثير أي طرح هذه الأحداث والقضايا للنقاش والحوار والدراسة والتحليل، ومن ثم إيجاد الحلول العملية والناجعة لمعالجتها واستئصالها. فالصحافة المدنية هي نوع من الإعلام المسؤول والهادف الذي يعنى بإعادة تنظيم الأولويات وتحديد العلاقة النوعية التي تربط المجتمع المدني بالقوى الفاعلة في المجتمع وانتهاج طريقة جديدة في طرح المشكلات والأمراض الاجتماعية المختلفة كالفساد والرشوة والفقر والجهل والأمية والجريمة ومختلف السلوكيات المنحرفة بهدف مناقشتها ودراستها وتحليلها من قبل الجميع والتفكير في استئصال أسبابها للقضاء عليها، فصحافة المجتمع المدني هي مقاربة جديدة لمفهوم جديد للصحف والصحفيين باعتبارهم فاعلين وليس متفرجين على ما يحدث في المجتمع، وهم بذلك مساهمون في الحياة العامة وفي المجتمع المدني من أجل تغيير مجريات الأمور في المجتمع وليس تقديمها للقراء والانسحاب بعد ذلك. وهذا يعني من جهة أخرى، إدماج وإشراك المواطنين في العملية الإعلامية من خلال اختيار المواضيع وطرحها والمشاركة في مناقشتها واقتراح الحلول الناجعة لمعالجتها. الجميع مسؤول في الصحافة المدنية والجميع مطالب بالقيام بدور إيجابي وفعال يقوم على المشاركة والنقاش والحوار وتشخيص الأسباب واقتراح الحلول سواء تعلق الأمر بالصحفي أو بالمؤسسة الإعلامية أو بالمواطن. فدور الصحافة المدنية لا يقتصر فقط على تغطية الأحداث وتقديمها للقراء وطرح المشكلات ورصدها، بل يتعدى ذلك بحيث يهدف إلى المساهمة الملتزمة والمسؤولة والجادة والفاعلة للوصول إلى الحلول العملية من خلال فتح باب النقاش العام والواسع أمام المجتمع المدني ليقوم بدوره في تحديد المشكلات وأسبابها وخلفياتها وسبل حلها واستئصالها، فصحافة المجتمع المدني هي حلقة وصل بين المواطنين والسلطة وهي الوسيط الإعلامي للمجتمع المدني الذي يعتبر الفضاء العام للشرائح الاجتماعية والمكونات المختلفة للمجتمع. هذه المكونات من خلال صحافة المجتمع المدني تعبر عن همومها ومشاكلها وتبدي آراءها حول ما يجري في المجتمع، وهذا يعني أن المواطن يتمتع بدرجة عالية من الوعي الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية. فمن خلال المجتمع المدني والصحافة المدنية يطرح المواطنون مشاكلهم ويناقشونها ويضعون الحلول الإجرائية لحلها ومعالجتها. الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى ربط المجتمع المدني بالقوى الفاعلة في المجتمع وصناع القرار والمؤسسات والتنظيمات والهيئات المختلفة حتى تقوم كل جهة وكل طرف بمسؤوليته ودوره في التكفل ومعالجة القضايا الاجتماعية المختلفة كل حسب اختصاصاته وصلاحيته. ومن خلال صحافة المجتمع المدني يشارك المواطن في عملية التنمية الشاملة وفي المشاركة السياسية وصناعة القرار وهكذا يتكفل الفرد في المجتمع بواجبه الاتصالي والإعلامي لإيصال رأيه وفكرته ولاستقبال كذلك المعلومة التي تهمه وتساعده في صناعة القرار السليم. تتكفل الصحافة المدنية وكذلك المجتمع المدني في الوعي بالقضايا المهمة والمصيرية في المجتمع أولا، وطرحها للنقاش والحوار، ومن ثم إشراك كل الجهات المعنية في المساهمة في اقتراح الحلول وتنفيذها من خلال القوى الفاعلة في المجتمع والسلطة كذلك. تتحدد أدوار القائمين بالاتصال في صحافة المجتمع المدني حسب منظري هذا النوع الجديد من الصحافة على النحو التالي: الدور الملتزم شخصيًا بصحافة المجتمع المدني وينبني هذا الدور على الواجب والالتزام الشخصي من قبل الصحفيين بحل مشكلات المجتمع المحلية. الدور القائم على الثقة بالمجتمع المحلي، وهو يعني إيمان الصحفيين بقدرة المجتمع المحلي على حل مشكلاته بنفسه.الدور القائم على الالتزام المؤسسي وهو دور قائم على الإيمان بضرورة قيام الصحافة بمسؤولياتها إزاء حل مشكلات المجتمع المحلي. تتطلب الديمقراطية في المجتمع صحافة ملتزمة وواعية تقوم بمسؤوليتها الاجتماعية على أحسن وجه، ومواطن مسؤول وواع منخرط في مجتمع مدني يناقش مشاكله وهمومه وقضاياه بطريقة ديمقراطية صريحة وواعية ومسؤولة من أجل مشاركة الجميع في الحوار والنقاش واقتراح الحلول والإجراءات العملية لمعالجة المشاكل واحتوائها واستئصالها. والكلام عن الصحافة المدنية يقودنا للكلام عن ضرورة وجود مجتمع مدني نشط وديناميكي وفعال يكون الإطار العام الذي تنشط فيه الصحافة المدنية. التحدي إذن كبير جدا في العالم العربي، خاصة في عصر العولمة والثورة المعلوماتية وصناعة المعرفة وانهيار الحدود والحواجز. فالمواطن يجب أن ينتقل ويتحول من مجرد مستقبل ومستهلك إلى مشارك وفاعل واع ومسؤول عن سلوكه الاتصالي والإعلامي. في ظل الفضاء الإعلامي الملوث الذي تعيشه معظم المجتمعات العربية، وفي ظل ظاهرة التبعية والتقليد والانجراف يتحتم على المواطن والمؤسسة الإعلامية والمجتمع المدني –إن وُجد- في الوطن العربي التفكير في البديل، في صحافة مسؤولة وملتزمة وواعية تعنى بقضايا السواد الأعظم من الشعب- القضايا الحساسة والجادة والمصيرية- لطرحها واستعراضها ومناقشتها من أجل إشراك الجميع للمساهمة واقتراح الحلول الناجعة لمعالجتها. فهل سيكون الربيع العربي هو الانطلاقة الجادة لصحافة المجتمع المدني في العالم العربي؟ وهل ما بدأته الشبكات الاجتماعية في عملية التغيير والإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي سيؤدي إلى منظومة إعلامية جديدة بقيم ومبادئ جديدة لخدمة كلمة الحق ومصلحة الشعوب المغلوب على أمرها؟

2343

| 02 يناير 2014

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5058

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

4452

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3699

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2799

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2373

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1518

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1071

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1023

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

978

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

972

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

846

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

825

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية