رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الإعلان دور مهم في حياة الفرد والمؤسسة والمجتمع والوسيلة الإعلامية، ما جعله صناعة تنتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم، وصناعة تتقدم باستمرار وتواكب التطورات التكنولوجية والعلمية في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال والمعلومات. هناك طفرة كمية ونوعية في صناعة الإعلان في المنطقة العربية، وخاصة في دول الخليج، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: ما هو موقع العرب في الخريطة الإعلانية العالمية سواء من حيث الإنتاج أو الإخراج أو من حيث الإنفاق الإعلاني أو من حيث التكوين والتدريس والتدريب أو من حيث الدراسات والأبحاث أو من حيث الآداب والأخلاق والقيم؟. فإذا كان الإنفاق الإعلاني في العالم يقدر بـ600 مليار دولار سنويا فإن نصيب العرب لا يتجاوز 3 مليارات دولار أي 0.5 بالمائة. وإذا كان نصيب الفرد من الإعلان هو 300 دولار أمريكي في أستراليا و450 دولارا في الولايات المتحدة الأمريكية فإنه لا يتعدى عشرات الدولارات للفرد الواحد في معظم الدول العربية. أما إذا تكلمنا عن إنتاج وصناعة الإعلان فالأمر يحتاج إلى وقفة متأنية نظرا لكون العالم العربي يستهلك الإعلان ولا ينتجه. فمعظم الإعلانات التي تنشر وتبث في وسائل الإعلام العربية سواء كانت صحفا أو مجلات أو محطات إذاعية أو تلفزيونية، فإنها إعلانات معلبة ومستوردة وما أضيف عليها هو الدبلجة وبعض اللمسات و"الرتوشات" البسيطة. وهنا نلاحظ مشاكل عديدة تتعلق بمضمون هذه الإعلانات المعلبة والتي تحمل قيما ومعاني دخيلة وغريبة، لا علاقة لها بالبيئة المحلية العربية الإسلامية. فوكالات الإعلان في الوطن العربي ما زالت قليلة جدا ومعظمها لا علاقة له بالمهنية والحرفية وصناعة الإعلان. فهذه الوكالات عبارة عن مكاتب سمسرة ووساطة بين المؤسسات الإعلامية والمعلنين. كما نجدها بعيدة كل البعد عن صناعة الإعلان وفنونه وطرق إنتاجه. أما عن العلاقة بين وكالات الإعلان ووسائل الإعلام فهناك العديد من الانتقادات تتمحور في الأساس حول انعدام الشفافية والحرفية واستعمال الكثير من النفوذ والعلاقات الشخصية واعتبارات أخرى تكون بعيدة عن أصول المهنة وأخلاقياتها. كما نلاحظ في بعض الدول العربية سيطرة الحكومة على الإنفاق الإعلاني وتوجيهه وتوزيعه حسب ولاء المؤسسة الإعلامية للسلطة. وبدلا من استعمال الإعلان للتنمية والتغيير والتطور يستعمل في هذه الحالة للضغط والرقابة. كما تلاحظ قلة عدد وكالات الإعلان وقلة المهنيين في المجال الإعلاني، وحتى معاهد وأقسام وكليات تدريس الإعلان وتكوين الكوادر المحترفة والمؤهلة لممارسته تبقى ضئيلة جدا ولا تكاد تذكر. وهنا تظهر الحاجة كبيرة جدا وماسة خاصة من قبل الجامعات العربية وكليات وأقسام الاتصال الجماهيري للاهتمام بالإعلان والتسويق والاتصال التسويقي المتكامل للاستجابة لمتطلبات السوق وإعطاء النكهة العربية المحلية للإعلان وثقافته وصناعته وترويجه وتسويقه. من جهة أخرى نلاحظ أن الرأي العام العربي ما زال يفهم الإعلان في حدود الاستهلاك وتقديم السلع وتقنيات الإغراء للشراء. وهذه الرؤية الأحادية تحمل الكثير من المغالطات والالتباسات، لأن الإعلان يُستعمل في مجالات عديدة لا تتعلق بالضرورة بالاستهلاك. فالإعلان وسيلة للتغيير والتطور والتنمية المستدامة وهو وسيلة كذلك لتغيير السلوك والتصرفات وليس كقوة محركة للاستهلاك فقط. فتمكن الاستفادة منه في مجال التوعية الصحية والثقافة البيئية وفي التوعية المرورية وفي مجالات عديدة مثل الزراعة والبيئة والصحة والتكافل الاجتماعي والأعمال الخيرية...إلخ. من المشاكل الكبيرة التي يعاني منها الإعلان في الوطن العربي عدم إقبال المعلنين الغربيين على الإعلان في المنطقة العربية بسبب غياب الإحصاءات والأرقام والدراسات الموثوقة الخاصة بتوزيع الجرائد والمجلات وعدد المشاهدين والقراء...إلخ. وهنا نلاحظ الحاجة إلى الكشف عن أرقام التوزيع بشفافية والتعاقد مع شركات دولية متخصصة تتمتع بالمهنية والمصداقية للتدقيق في هذه الأرقام. وهذا يعني أن سوق الإعلان في الوطن العربي بحاجة إلى دراسات وأبحاث، سواء فيما يخص ديمغرافية المستهلكين أو الفضاء الإعلامي وحجم وسائل الإعلام وأرقام توزيعها وانتشارها في المجتمع ومدى تفاعل المستهلكين مع الرسائل الإعلانية وكذلك القيم التي تحملها الإعلانات...إلخ. فالإعلان من دون دراسات وأبحاث منظمة ودورية ومنهجية علمية مخططة ومدروسة يبقى مغامرة لا أحد يعرف نتائجها وتداعياتها وانعكاساتها. كما نلاحظ، مع الأسف الشديد، غيابا كبيرا لدراسات وأبحاث المشاهدين والقراء والمستمعين وغياب كذلك دراسات الانقرائية والمقروئية في الوطن العربي. فكل وسيلة إعلامية تدعي أنها هي الأكثر توزيعا وانتشارا، لكن لا شيء يثبت ذلك. وحتى ساعات الذروة المتعارف عليها في الأوساط الإعلامية والإعلانية ليست واضحة في الدول العربية. فالإعلان الناجح هو ذلك الذي يعتمد على أرقام وإحصاءات دقيقة تتسم بالموضوعية والدقة والمصداقية. فمن خلال الأبحاث والدراسات نتعرف على الجدوى من الإعلان وعن نقاط القوة ونقاط الضعف فيه. وهذا يقودنا للتأكيد على موضوع الكفاءات والحاجة إلى تشجيع الشباب العربي على الإقبال على دراسة الإعلان والتسويق والاتصال المتكامل حتى تمارس هذه المهنة وهذه الصناعة وفق الأصول ووفق الأسس العلمية لصناعة تتميز بدورها الإستراتيجي في عملية التنمية الشاملة وفي الرشادة الاقتصادية وفي تزويد المستهلك والفرد في المجتمع بالمعلومات الضرورية للانتقاء والاختيار واتخاذ القرارات الرشيدة التي تُبنى على المعلومة وليس على الحدس والعشوائية. هذه القرارات يتخذها كل فرد في المجتمع عدة مرات في اليوم على مدار السنة. فهناك حاجة ماسة لتدريس الإعلان في الجامعات في المنطقة العربية والاهتمام بالتكوين والتدريب والاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين. أما الاعتماد على الاستهلاك فقط واستخدام ما ينتجه الآخرون فهذا يؤدي، لا محالة، للتبعية والاغتراب والذوبان في الآخر وفقدان الهوية والخصوصية والمحلية. من جهة أخرى نلاحظ انخفاض الميزانيات وغياب الإحصاءات وعدم توفر الدراسات والأبحاث وغياب جمعيات الإعلان ونقابات المعلنين وغياب التدريس والتكوين في مجال الإعلان. هذه المشكلات يجب النظر فيها بجدية ومعالجتها بمنهجية للنهوض بالصناعة الإعلانية في الوطن العربي وبنائها على أسس علمية. على المختصين والمسؤولين عن الإعلان والصناعة الإعلانية في الوطن العربي أن يقفوا وقفة تقييمية نقدية مع الذات، للتفكير في سبل وإستراتيجيات ومناهج النهوض بقطاع إستراتيجي يلعب دورا محوريا على مستوى الفرد والمؤسسة والمجتمع، وفي جميع مجالات ومناحي الحياة.
6604
| 21 سبتمبر 2013
في 28 مارس من سنة 2008 وافق المجلس الدولي الحكومي للبرنامج الدولي لتنمية الاتصال في دورته السادسة والعشرين على مؤشرات والإطار التقييمي الذي وضعته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لتنمية وسائل الإعلام. فمنذ إنشائها سعت اليونسكو إلى تسهيل حرية تداول الأفكار عن طريق الكلمة والصورة كما التزمت وما زالت تلتزم بتنمية وسائل إعلام حرة ومستقلة ومتعددة. فالنظام الإعلامي الحر والديمقراطي والشفاف والفعال يعمل دائما على تكريس الديمقراطية وتعزيزها من خلال تزويد المواطنين بالمعلومات والآراء والأفكار للمشاركة في العمل السياسي واتخاذ القرارات الصائبة والرشيدة القائمة على المعلومة الصحيحة. فهناك ارتباط عضوي بين وسائل الإعلام الحرة والنزيهة والملتزمة والديمقراطية والتنمية الشاملة. تشكل حرية التعبير عنصرا أساسيا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما أنها تدعم الديمقراطية والشفافية وتساعد على تكوين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والرأي العام ومراقبة المسئولين العامين والسلطات الثلاث في المجتمع. تعتبر وسائل الإعلام الرافد الحقيقي والمنبر الرئيسي للديمقراطية و للسوق الحرة للأفكار؛ فهي أدوات تعمل على تعزيز الشفافية في الحياة العامة وتراقب التجاوزات والفساد وسوء الإدارة واستغلال النفوذ كما تعمل على نشر ثقافة الفعالية والرشادة الاقتصادية والحكم الرشيد في المجتمع.هذا من جهة لكن من جهة أخرى نلاحظ أن وسائل الإعلام في العديد من دول العالم اُستعملت وتُستعمل لتكريس الوضع الراهن والانحياز لأصحاب النفوذ المالي والسياسي على حساب المصلحة العامة ومبادئ الكلمة الحرة والديمقراطية. ومن هذا المنطلق جاءت مؤشرات اليونسكو لتقييم وضعية الإعلام في دول العالم وخاصة النامي منه لتحديد النقائص ومواطن الضعف والمجالات التي تحتاج إلى تصحيح وتطوير وإعادة نظر من أجل الرقي بالإعلام ليكون أداة للكلمة الحرة وللديمقراطية وللتنمية الشاملة وليس أداة للطغاة و الديكتاتوريين. وتتمثل هذه المؤشرات فيما يلي: الفئة الأولى تتعلق بأنظمة توفر بيئة لحرية التعبير وتعددية وسائل الإعلام وتنوعها من خلال وجود إطار قانوني وتنظيمي يحمي حرية التعبير والمعلومات وفق المعايير الدولية للممارسة المهنية والمسئولة لوسائل الإعلام بالاشتراك مع المجتمع المدني. وهنا نلاحظ أن نسبة كبيرة من دول العالم تعاني من انعدام هذه البيئة لممارسة إعلامية تفرز الديمقراطية وتحميها وتصونها وتساعد على تحقيق التنمية المستدامة. فالإطار القانوني الذي يكفل التعددية الإعلامية وتنوع وسائل الإعلام وحرية الصحافة والتعبير نجده غائبا مما يحتم على العديد من دول العالم معالجة هذا المشكل والنظر في هذا المؤشر إذا أرادت أن تجعل من وسائل الإعلام أدوات للتنمية والتطور والشفافية والحوار والديمقراطية. أما الفئة الثانية فتعنى بتعددية وسائل الإعلام وتنوعها والتأكيد على المساواة الاقتصادية وشفافية الملكية. وهنا نلاحظ كذلك أن العديد من الدول النامية تعاني من أحادية الخطاب الإعلامي وتمركز الإعلام في العاصمة وفي يد حفنة من التجار الذين نادرا ما تربطهم علاقة بشيء اسمه الإعلام. وإذا طغى المال على الإعلام فإنه يتحول إلى نقمة بدلا أن يكون نعمة يخدم الديمقراطية والشفافية والتنمية المستدامة. تتمثل الفئة الثالثة في اعتبار وسائل الإعلام كمنبر للديمقراطية وهذا يعني تنوع الأفكار والآراء وإتاحة الفرصة للجميع للمساهمة في السوق الحرة للأفكار وإعطاء الإمكانية للمهمشين وللأقليات للتعبير عن انشغالاتهم ومطالبهم . وهذا يتطلب كذلك مجتمعا مدنيا فعالا وديناميكيا ورأيا عاما مستنيرا يتفاعل مع قضايا المجتمع ويساهم في صناعة الرأي العام. نلاحظ هنا كذلك أن معظم دول العالم الثالث تعاني من أنظمة إعلامية ما زالت تعيش تحت مظلة السلطة فلا ترى العالم والمجتمع إلا من خلال ما يرضي الحاكم وحاشيته وبذلك فهي أدوات لتبرير الوضع الراهن ولتكريس شرعية النظام. وفي غالب الأحيان نلاحظ فجوة كبيرة بين واقع الشارع والخطاب الإعلامي. فالربيع العربي مثلا كشف عن بعض الأنظمة العربية التي كانت، حتى عشية الإطاحة بالرؤساء الفاسدين، تمجد وتمدح وتسبح للرئيس. فالمبدأ هنا هو أن وسائل الإعلام هي في الأصل وسائل لرقابة الفساد والمحسوبية والتجاوزات التي توجد في المجتمع وتوفير البيئة الشفافة والصريحة من أجل إشراك فئات المجتمع المختلفة في بناء مشروع مجتمعي يأخذ بعين الاعتبار الشرائح الاجتماعية المختلفة في المجتمع. أما الفئة الرابعة فتخص بناء القدرات المهنية ودعم المؤسسات التي تعزز حرية التعبير والتعددية والتنوع وهذا يعني أن المنظومة الإعلامية بحاجة إلى كادر إعلامي متمرس ومتدرب وقادر على العطاء المسئول والمهني والمحترف تحت إشراف أكاديمي وعلمي وبدعم من الجمعيات المهنية والنقابية وجمعيات المجتمع المدني. فوسائل الإعلام في تطور مستمر وهذا يعني الحاجة إلى مواكبة المهنة ومواكبة القائم بالاتصال لهذا التطور واستغلاله لخدمة الكلمة الحرة والديمقراطية والتنمية المستدامة. تركز الفئة الخامسة والأخيرة على البنية التحتية واستغلالها لدعم استقلالية وسائل الإعلام وتعددها. وهذا يعني أن الإعلام الفعال بحاجة إلى إمكانيات ووسائل وإلى استثمار معتبر من قبل السلطات وإلى مواكبة التطورات العالمية في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال. فالفئات الخمس التي حددتها اليونسكو تعتبر الإطار الذي من خلاله يتم دراسة وضعية الإعلام في أي دولة والوقوف عند النقائص والسلبيات والثغرات التي يجب النظر فيها ومعالجتها. فالدول العربية قاطبة مطالبة بالقيام بدراسات ميدانية تعتمد هذه الفئات والمعايير من أجل تقييم موضوعي وشفاف للمنظومة الإعلامية. والهدف هنا هو ليس النقد من أجل النقد ولا مجال هنا للخوف من واقع مليء بالثغرات والسلبيات وإنما الهدف هو الوقوف عند ما هو إيجابي لتدعيمه والمحافظة عليه والوقوف عند ما هو سلبي من أجل وضع وصفة للعلاج والتصحيح بهدف النهوض بقطاع استراتيجي وحيوي إذا أردنا أن نتكلم عن الديمقراطية ونجسدها في أرض الواقع. وتجدر الإشارة هنا أن اليونسكو أنجزت دراسة معتمدة على هذه الفئات في تونس ومصر وحبذا لو عممت هذه الدراسات في جميع الدول العربية بهدف تطوير المنظومة الإعلامية في مجال القانون والتشريعات والتعددية والتنوع وشفافية الملكية ودور وسائل الإعلام في الخطاب الديمقراطي ونشر الثقافة الديمقراطية والمجتمع المدني وكذلك بناء وتطوير وتكوين وتدريب الكادر الإعلامي أكاديميا وعلميا وفي مجال المعارف والمهارات وتوفير البيئة الصحية للنقابات المهنية والجمعيات الصحفية وإشراك المجتمع المدني في الشأن الإعلامي وأخيرا الاهتمام بالبنية التحتية وتوفير التكنولوجيا اللازمة لمنظومة إعلامية مطالبة بمواكبة العصر وبخدمة الديمقراطية والتنمية المستدامة. إن سعي اليونسكو لتطوير الإعلام في مختلف بلدان العالم يجب أن تتبعه إرادة قوية وصريحة وشجاعة من قبل مختلف دول العالم من أجل إصلاح الإعلام الذي إذا صلح - فهو عنوان للديمقراطية والحرية والعدالة والحوار بين الثقافات والديانات وعنوان السلم والسلام ، أما إذا فسد فيصبح عنوانا للتضليل والتلاعب بالعقول والدعاية والصور النمطية والفتن والأزمات والحروب.
1365
| 14 سبتمبر 2013
بعد مرور أكثر من سنتين على الثورات العربية نلاحظ فوضى في الفضاء الإعلامي في دول الربيع العربي وأن الوضع لم يتحسن كما كان يتمناه الكثيرون. فنلاحظ الانفلات الأخلاقي في الممارسة الإعلامية حيث النيل من الآخر بأي طريقة ووسيلة انطلاقا من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. فانتشرت ظاهرة القذف والتجريح والتشهير واختراق الحياة الخاصة للشخصيات العامة والوصول إلى نيل من شخصية الرئيس بحق أو بدون حق. وهكذا انقسمت المنظومة الإعلامية إلى قسمين، القسم الأول يؤيد الجماعة الجديدة التي جاءت إلى سدة الحكم بحق أو بغير حق والفوج الثاني شغله الشاغل هو النيل من الحكومة الجديدة بكل الطرق والوسائل وبأخلاق وبدون أخلاق وبمعايير مهنية وبدونها. فأصبحنا نلاحظ تجاوزات بالجملة في حق حرية الكلمة والموضوعية والنزاهة والحياد والحرفية والمهنية. فأصبحت المؤسسات الإعلامية تركز على ما يخدم أجندتها وتتجاهل الرأي الآخر وكل ما يناقض أطروحاتها وكأن الأمر يتعلق بقضايا مختلفة وليس نفس القضية، حيث أننا نلاحظ تقارير وأخبارا متضاربة ومتناقضة حول نفس الموضوع. قبل الثورات العربية كانت المنظومة الإعلامية في معظم الدول العربية تعاني من سيطرة السلطة عليها فكانت ضحية قيود وضغوط تنظيمية وقانونية وتشريعية. فالإعلام سواء كان حكوميا، رسميا أو خاصا كان يدور في فلك الحاكم وحاشيته وهذا ما يعني فقدان المصداقية وغياب صحافة الاستقصاء والابتعاد عن الجماهير ومطالبها ومشاكلها. فالإعلام الليبي في عهد القذافي على سبيل المثال كان يقدم العقيد على أنه أحسن قائد في العالم وأنه يتحلى بالحكمة والذكاء والبصيرة ما جعل من ليبيا جماهيرية عظمى وبلد عظيم وكبير. كما كان يقدم هذا الإعلام الشعب الليبي على أنه شعب متمسك بقائد الثورة وراض عن مستوى معيشته وتطور وازدهار بلاده. كان الإعلام الليبي يقدم ليبيا على أنها آية في الكمال والتميز والقوة والعظمة وأن الخطط التنموية وسياسة الدولة الداخلية والخارجية متميزة وناجحة. وأن القذافي هو محبوب الجماهير العربية قبل الليبية. كما حققت ليبيا حسب إعلام القذافي إنجازات جبارة في التنمية والتطور والازدهار بالمقارنة مع ما كانت عليه في عهد الملكية ومقارنة بدول أخرى في العالم والقارة السمراء والوطن العربي. استمر الوهم لمدة أربعين سنة واستمر التضليل والتلاعب والدعاية والكذب إلى أن جاءت ساعة الحقيقة وجاء زحف الجماهير وجاءت الثورة الشعبية لتنجلي الحقيقة وينكشف المستور وتظهر الأمور على حقيقتها. واقع المنظومة الإعلامية في تونس ومصر واليمن لم يكن أحسن حال عن نظيره في ليبيا وهذا ما حرم المجتمع في هذه الدول من مؤسسة إستراتيجية كان بإمكانها أن تراقب السلطة وتحارب الفساد وتكشف العيوب والأخطاء والتجاوزات. على عكس كل هذا كانت وسائل الإعلام في هذه الدول تتفنن في المدح والتسبيح والتهليل وفي تكريس الفساد وإهدار المال العام. فالعلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام لم تكن سليمة وصحية كما أنها لم تكن واقعية وطبيعية مع الشعب. وهذا يعتبر خللا كبيرا في أبجديات الديمقراطية والتنمية المستدامة. بظهور الثورات العربية ورياح التغيير وهروب الحكام الفاسدين تفاءل الجميع خيرا بأن الربيع السياسي سيؤدي إلى ظهور ربيع إعلامي وسيوفر المناخ الأمثل لمنظومة إعلامية تختلف أجندتها عن أجندة المنظومة الإعلامية في عهد الرقابة وغياب حرية التعبير وحرية الصحافة والاستبداد والفساد. فالمشكل مع المجموعة الأولى هو أن رسالة الإعلام هي أكثر بكثير من الوقوف إلى جانب السلطة الحاكمة والدفاع عنها وتمجيدها وإنما الرسالة الحقيقية للمهنة الشريفة هي الوقوف على الأخطاء والتجاوزات ومراقبة السلطات الثلاث في أداء مسؤولياتها وواجباتها. فإذا عدنا إلى ثقافة المدح والتسبيح وتمجيد السلطة فهذا يعني أننا رجعنا إلى عهد القذافي، ومبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد صالح، بمعنى أخر أن لا تغيير ولا صحافة استقصاء ولا رقابة ولا صحافة تخدم البلاد والعباد.فالثورات العربية جاءت لتغير وتبدل في آليات الحكم وعلاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقة السلطة بوسائل الإعلام. فالحكومات الحالية في دول الربيع العربي بحاجة إلى إعلام قوي وفعال يوجهها في الاتجاه السليم ويكون حلقة وصل بينها وبين شعوبها. الحكومات الحالية بحاجة إلى منظومة إعلامية تراقبها وتكشف عن أخطائها وتساعدها في إنجاز مهامها والتصدي للانتهازيين والفاسدين وكل من يحاول العبث بالمال العام ومصلحة الوطن. أما المجموعة الثانية فهي كذلك خرجت عن السكة وخرجت عن رسالتها لتدخل في ثقافة الإطاحة بالسلطة بكل الوسائل والطرق. فهي لا ترى في المجموعة الحاكمة إلا الأخطاء والسلبيات حيث أنها تمثل الخطر الكبير القادم والذي يعيد البلاد إلى الوراء.هذه المجموعة، مع الأسف الشديد، لا تؤمن بالديمقراطية ولا تجيد إتقان اللعبة الديمقراطية. فرغم وصول رؤساء وحكومات الربيع العربي إلى الحكم بطريقة ديمقراطية وبإرادة الشعب إلا أن جزء لا يستهان به من الإعلام يعمل في هذه الدول على الإطاحة بالنظام بدلا من البناء والتشييد وتأدية الرسالة الإعلامية بكل مهنية ومسئولية والتزام نحو الجمهور والمصلحة العامة. فهذا النوع من الإعلام حكم مسبقا على السلطة الجديدة ونعتها بكل النعوت والصفات ووضعها في خانة المتهم والخطر على المجتمع. وهنا نلاحظ عدم احترام أخلاقيات المهنية والمبادئ الأساسية للممارسة الإعلامية المسئولة والنزيهة والملتزمة. من جهة أخرى نلاحظ أن السلطة في دول الربيع العربي تجاوزت حدودها وتدخلت في شؤون المؤسسات الإعلامية والصحفيين بدون حق وبدون الرجوع إلى القضاء والقانون. فالعلاقة هنا يجب أن تكون واضحة تقوم على التشريعات والقوانين المعمول بها في البلد، وإذا كانت هناك تجاوزات فيجب أن تعالج في إطار القانون وفي المحاكم. وهنا نلاحظ حبس صحفيين والاعتداء على آخرين في كل دول الربيع العربي وبدون استثناء. ففي تونس على سبيل المثال تعرض 36 صحفي للحبس أو المضايقة بتهمة انتهاكات مختلفة وعديدة خلال شهر ديسمبر من العام الماضي وهذا يعني أن المنظومة الإعلامية في تونس مقبلة على انتكاسة ومرحلة صعبة سواء بالنسبة للإعلام الحكومي أو الخاص وهذا ما يقوّض ويعيق حركة الشفافية والديمقراطية وإنجاح العملية الانتقالية وتحقيق المطالب التي قامت الثورة من أجلها قبل سنتين. ما حدث ويحدث في تونس بشأن علاقة السلطة بالإعلام نجده في مصر وفي ليبيا وفي اليمن. فالنظام الذي لا يتعامل بمهنية وبحكمة وبالقانون مع الصحافة لا يكتب له النجاح في التواصل الديمقراطي مع الشعب والمجتمع المدني والأحزاب السياسية. وهنا نلاحظ أننا خرجنا عن أسس وقواعد الممارسة الديمقراطية ودخلنا في نفق تصفية الحسابات والنيل من الآخر بحق أو بدون حق. وهذا يعني بكل بساطة أننا عدنا إلى عهد ما قبل الربيع العربي وعهد تدخل السلطة في المنظومة الإعلامية والتعامل معها على أنها جزء من النظام وامتداد له. الفوضى الإعلامية التي تعيشها دول الربيع العربي لا تبشر بالخير حيث أن صحة الإعلام وعافيته وقوته هي المدخل الرئيسي للديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد. فإذا سيطرت السلطة على الإعلام فهذا يعني القضاء على الحوار والنقاش والرأي والرأي الآخر والقضاء على الفضاء العام والمجتمع المدني ومبدأ التداول على السلطة.
1098
| 07 سبتمبر 2013
ربيع عربي وتغيرات جذرية وحراك سياسي واجتماعي وثورات وثورات مضادة في دول عربية عديدة تدعو المواطن العربي إلى طرح السؤال التالي: ما هو موقع المثقف العربي من كل هذه الأحداث؟ أين هو؟ ما هو دوره في المجتمع؟ ما هو موقفه مما يحدث من حوله؟ ما هي إسهاماته في كل ما يحدث؟ هل كان من المفروض أن يكون هو المحرك الأساسي لهذه التحولات والتغييرات؟ أي أن يكون هو الفاعل وليس المتفرج؟ أين هو المثقف العضوي؟ أسئلة وتساؤلات عديدة حول علاقة المثقف بمحيطه ومجتمعه وبالسلطة وبصانع القرار. خلال السنوات الماضية لاحظنا من المثقفين من انحاز وراء الظلم والاستبداد ومن أصبح ينظر للأنظمة الفاسدة ومن اختفى تماما كما لاحظنا قلة قليلة ناضلت بالقلم من أجل مساندة الفقراء والمساكين والمهمشين. إشكالية أزمة المثقف تبقى من الإشكاليات المهمة والرئيسية المطروحة على الساحة الفكرية والثقافية والسياسية في الوطن العربي. هل من مكانة للمثقف في مجتمع يفتقد لمستلزمات التفكير والتعبير عن الرأي والحوار والمناقشة والحريات الفردية وحرية الصحافة وما إلى ذلك من مستلزمات وضرورات وشروط الإنتاج الفكري الناضج الذي يستطيع أن ينظر ويؤسّس للتطورات والتحولات المهمة والمصيرية في المجتمع. التجارب التاريخية في الوطن العربي تشير إلى مرض الاغتراب والتهميش والإقصاء الذي عانى وما زال يعاني منه المثقف العربي عبر الأجيال والعصور، ففقدان الحرية والديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان كلها عوامل أدّت إلى اغتراب المثقف العربي وتهميشه سواء داخل وطنه حيث أصبح من الغرباء فيه لا يتعرف عليه ولا يتفاعل معه كما ينبغي، لأنه إذا فعل ذلك سيكون مصيره مجهولا، أو أننا نجده يلجأ إلى الهجرة طلبا للحرية ولمتنفس يجد فيه مجالا للتفكير والإبداع، لكن تبقى الغربة والعيش خارج المحيط الطبيعي للمثقف بمثابة الموت البطيء. والمثقف مهما كانت الصعاب والمشاق والمشاكل والعراقيل يبقى دائما مسؤولا إزاء مجتمعه لتحقيق الأهداف النبيلة التي يناضل من أجلها وهي العدالة والمساواة والحرية والقيم الإنسانية النبيلة ومن أهمها توفير الظروف المناسبة للتعلم والبحث العلمي والإبداع. إشكال آخر مهم جدا ضمن سياق ظاهرة اغتراب المثقف يتمثل في الرقابة الذاتية وممارسة الانسلاخ الإرادي والمباشر من المجتمع والعيش في ضفافه وقشوره، وهذا موت بطيء آخر يعاني منه المثقف العربي وهو نوع من الانتحار حيث لا يستطيع المثقف أن يجرؤ على التعبير عما بداخله ولا يستطيع أن يضع أفكاره في خدمة المجتمع وفي خدمة المهمشين والمحرومين. فالإشكال هنا يتمثل في التقرب من السلطة وهذا يعني بعبارة أخرى الانسلاخ عن الجماهير، أو التقرب من الواقع ومن الجماهير وهذا يعني غضب السلطة على المثقف وإسكاته أو تهميشه بطرق مختلفة، البعض منها معلن والبعض الآخر سري لا يعلم به إلا الله. وفي كل هذا نجد أن المجتمع في نهاية المطاف هو الخاسر الكبير لأن المجتمع الذي لا يملك نخبة من المثقفين العضويين ونخبة من المفكرين تنظر وتنتقد وتقف عند سلبياته وهمومه ومشاكله وتناقضاته وإفرازاته المختلفة لا يستطيع أن يكون مجتمع يتوافر على شروط النجاح والإبداع والتحاور والنقاش البناء والجاد بين مختلف فعالياته وشرائحه. وآليات الاتصال والتواصل داخل المجتمع مهمة جدا، فكلما كانت مرنة وسلسة ويسيرة كلما نجم عنها التفاهم والوئام والوصول إلى الأفكار النيّرة. وعلى العكس من ذلك كلما تعقدت وكلما أصبحت عسيرة ومفتعلة ومتملقة ومنافقة كلما زادت مشاكل المجتمع وتفاقمت وكلما زاد سوء الفهم وانعدم النقاش والحوار وتفاقمت المشاكل. هذا ما يقودنا للكلام عن الثقافة التي أفرزتها القوى المختلفة في المجتمع، فهذه الثقافة هي ثقافة التبرير والتملق والتخدير والتزييف، وكأن الهدف في نهاية المطاف هو تجهيل الرأي العام وتنويمه بدلا من توعيته والرقي به إلى مستوى الفعل والمشاركة في صناعة القرار وفي تقرير مصيره ومكانته بين الشعوب والأمم. ما هو دور المثقف في المجتمع؟ وما هي علاقته بالسلطة؟ أسئلة تفرض نفسها في الوطن العربي خاصة في الأزمات المتعاقبة والعويصة التي تعيشها الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج. في البداية نتساءل عن مكانة المثقف في المجتمع وعن وضعيته وعن الدور الموكل إليه. ولماذا نتكلم دائما عن أزمة المثقف؟ لماذا مثلا لا نتكلم عن المثقف العضوي في المجتمع، المثقف الحقيقي الذي ينتقد ويقف عند هموم وشجون المجتمع، المثقف الذي يعمل على تغيير الواقع وليس تكريسه، المثقف الذي يساهم في صناعة الفكر والرأي العام، المثقف الذي يحضّر مجتمعه شعبا وقيادة لمواكبة التطور الإنساني والحضاري والتفاعل الإيجابي مع ما يحدث في العالم. وهنا يجب الإشارة إلى ضرورة النظر إلى المثقف كجزء فرعي من نظام كلي وهو المجتمع، ونتساءل هنا هل المثقف يساهم في إنتاج النسيج الفكري والثقافي والاجتماعي للمجتمع الذي يعيش فيه؟ أم أنه جزء من المجتمع. فالمثقف عادة ما يكون مرتبطا بواقعه وبمجتمعه يتفاعل معه، يؤثر ويتأثر به. لكن الإشكالية التي تُطرح هنا تتمثل في ماهية وطبيعة العلاقات التي يقيمها المثقف مع الجهات المختلفة الفاعلة في المجتمع. وهنا نقف عند علاقة المثقف بالسلطة، هل هي علاقة خضوع وخنوع واستسلام وتملق؟ أم أنها علاقة مبنية على المهنية والاحترافية والصراحة والشفافية والديمقراطية والاحترام والنقد والنقد الذاتي من أجل مصلحة البلاد والعباد والمجتمع ومكوناته المختلفة. ما هي إذن، علاقة المثقف العربي ببيئته؟ أي علاقة المثقف بالسلطة وعلاقة المثقف بالجمهور وعلاقة المثقف بالقضايا اليومية للمجتمع وعلاقة المثقف بالقضايا الطارئة وعلاقة المثقف بالمشاكل اليومية للمواطن، وعلاقة المثقف بالمشاكل والأزمات التي يمر بها المجتمع. ففيما يتعلق بعلاقة المثقف بالسلطة بقيت الأمور على حالها رغم المطالبة بتجسير الفجوة الموجودة بين الطرفين، والمحاولات القليلة التي سُجلت كانت مع الأسف الشديد من قبل المثقفين إزاء السلطة ومن جهة واحدة الأمر الذي يدعو إلى التشاؤم والتحسر على واقع سلبي للغاية في عصر العولمة والثورة المعلوماتية. فالمثقف في هذه الظروف يبقى أسير نفسه يعمل ليل نهار من أجل إرضاء السلطة والتنظير لها وتبرير كافة أعمالها سواء كانت صائبة أم خاطئة. هذه النوعية من المثقفين تسمى بأشباه المثقفين pseudo-intellectuals وإذا انتشرت في المجتمع فإنها تنشر ثقافة الاستسلام والرضوخ وثقافة التملق والنفاق والقضاء على بذور الديمقراطية من أساسها لأن الديمقراطية تقوم على المعارضة والاختلاف في الرأي ولا معارضة ولا رأي من دون فكر ولا استقلالية في الفكر من دون حرية وبدون مبادئ. فلا مستقبل لأمة من دون مفكرين ومثقفين ومنظرين ينتقدون الباطل والفساد ويدافعون عن الحق ويعملون ليل نهار من أجل إنصاف المحرومين والمهمشين بعيدا عن شهوات ونزوات السلطة.
1125
| 31 أغسطس 2013
حروب ونزاعات وأزمات عديدة تحدث في مناطق مختلفة من العالم والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تتعامل وسائل الإعلام مع هذه الأحداث والثورات وهل يحصل القارئ والمشاهد والمستمع على الحقيقة وعلى الأسباب والتداعيات والنتائج؟ هل تصله المعلومة التي يحتاجها لفهم الخلفيات والأبعاد والمضامين، أم أن الأمر يبقى عبارة عن فبركة وصناعة متقنة من أجل التضليل والتزييف لتشكيل رأيا عاما وفق ما يريده الساسة وأباطرة المال والأعمال وتجار الحروب. تعامل وسائل الإعلام المختلفة مع الربيع العربي ومؤخرا مع ما يحدث في مصر يثير عدة تساؤلات ويطرح عدة قضايا جوهرية تتعلق بتسييس الأحداث والقضايا وقراءتها وفق معطيات تصب في أجندة وأيديولوجية المؤسسة الإعلامية على حساب الحقيقة والرسالة النبيلة لمهنة الصحافة. فالتغطية المختلفة والمتضاربة والمتناقضة لنفس الحدث من قبل مؤسسات إعلامية مختلفة في الرؤية والاتجاه والأيديولوجية توحي للجمهور وكأن الأمر يتعلق بأزمات وأحداث مختلفة وليس نفس الأزمة ونفس الحدث. تغنى وما زال الكثير من المختصين والباحثين والمنظرين في شؤون الصحافة والإعلام أن الصحافة هي السلطة الرابعة التي تراقب السلطات الثلاث في المجتمع: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية. ومنهم من رأى أن الصحافة هي بارومتر الديمقراطية وهي منبر الفقراء والمساكين والضعفاء ومن لا حول ولا قوة لهم، وهي الوسيلة الإستراتيجية للكشف عن الحقيقة واستقصاء الواقع حتى سماها الأمريكيون بـ"كلب الحراسة"، لكن واقع القرن الحادي والعشرين وواقع الحرب على الإرهاب يقولان إن الصحافة تحوّلت من السلطة الرابعة إلى وسيلة لتزييف الواقع وتضليل الوعي وفبركة الأحداث والوقائع وفق ما تمليه عليها قوى المال والأعمال والسياسة. فوسائل الإعلام اليوم، في عصر الفضائيات والإنترنت والمجتمع الرقمي، أصبحت تكيّف الأحداث والوقائع وفق القوى التي تتحكم في النظام، سواء كان ذلك النظام محليا أو عالميا. لقد كشفت الحرب على العراق الأخطاء والهفوات والتجاوزات الخطيرة التي وقعت فيها وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم حيث إنها انساقت وراء أقوال وأراء أباطرة السياسة وتجار الأسلحة والحروب دون أن تتجرأ وتستقصي الواقع وتحاول أن تكشف عن الأساطير والأكاذيب وغيرها من آليات التضليل والتزييف التي تستعملها كبريات وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية. فإذا أخذنا أحداث 11 سبتمبر كمثال نلاحظ التزييف والتضليل والتسييس للأحداث بآليات وتقنيات مختلفة ليس من أجل تقديم الحقيقة وإنما بهدف استغلال الحدث لتوجيه الرأي العام في الاتجاه الذي يخدم السلطة السياسية والمالية للنظام. تركت أحداث 11 سبتمبر والحرب على العراق انعكاساتها وبصماتها على جميع مجالات الحياة ليس في الولايات المتحدة فقط وإنما في جميع أنحاء العالم. فبعد مرور أكثر من عشر سنوات على ضرب رمز القوة الأمريكية في نيويورك وواشنطن وضرب أكبر قوة في العالم في عقر دارها وبعد عشرات الآلاف من المقالات والتقارير والدراسات والبرامج الحوارية والسياسية في المؤسسات الإعلامية المختلفة وعبر جميع أنحاء العالم، نتساءل عن الثمن الغالي الذي دفعته الصحافة والمضايقات والتجاوزات التي تعرضت لها من جهة، ومن جهة أخرى الانحرافات التي اُرتكبت في حق الكلمة الصادقة والأداء الإعلامي الموضوعي والهادف من أجل تزويد الرأي العام بالحقائق والمعلومات والمعطيات. فالخاسر الأول من أحداث 11 سبتمبر والنزاعات الدولية والحروب هي الكلمة الصادقة والممارسة الإعلامية وحرية لصحافة خاصة في الدول التي اشتهرت بتقاليد حرية الفكر والرأي والتعبير، تلك الدول التي بنت الديمقراطية على أكتاف الصحافة الحرة، القوية والفعالة. لكن ما حدث في التعامل مع وقائع 11 سبتمبر والحرب على العراق إعلاميا كشف أن وسائل الإعلام خانت رسالتها ولم تفلح في أن تنصف جمهورها وأن تنصف الرأي العام سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي لمعرفة حقيقة الحدث وخلفياته وأبعاده، وأهدافه. هل استطاعت وسائل الإعلام أن تزيح الالتباس والغموض والتضليل والتشويه والصور النمطية وتقدم الواقع كما هو؟ أم أنها تسارعت وتفننت في فبركة هذا الواقع، واقع 11 سبتمبر وفق أهوائها وأهدافها ومصالحها ضاربة عرض الحائط أدبيات الموضوعية والالتزام والنزاهة وتقديم الحقائق كما هي لا غير. الصحفي تيسير علوني سُجن في إسبانيا دون محاكمة نزيهة ودون أدلة تذكر، وهناك المئات من الصحفيين قُتلوا بحثا عن الحقيقة والمبرر هو محاربة الإرهاب والأمن القومي وإلى غير ذلك من أدبيات أباطرة الرقابة والتسلط والتفنن في التعتيم والتكميم. هكذا إذن، لم تصبح هناك فروق بين الدول السلطوية والدول التي تدعي الديمقراطية وحرية الفكر والرأي والتعبير وحقوق الإنسان. فأمريكا صاحبة "التعديل الأول" والبلد الذي يقدس حرية الصحافة ضربت عرض الحائط ما بنته خلال ما يقارب ثلاث قرون وأصبحت توّجه الأوامر لرؤساء التحرير وتتدخل في افتتاحيات المؤسسات الإعلامية مثلها مثل أي دولة سلطوية أو دكتاتورية في العالم الثالث. أسالت أحداث 11 سبتمبر الكثير من الأحبار وأفرزت اهتماما إعلاميا لا مثيل له في مختلف أنحاء العالم، فتهافتت المؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها وأشكالها ومشاربها الأيديولوجية والسياسية لتقديم الأخبار والتعاليق والبرامج التحليلية والدراسات حول الأزمة وأبعادها وخلفياتها وتداعياتها. والسؤال المثير للجدل والنقاش والدراسة من قبل الأكاديميين والسياسيين والمهتمين هو كيف تعامل الإعلام مع حادثة 11 سبتمبر؟ هل طرح كل الأسئلة التي خطرت وتخطر ببال الفضوليين من القراء والمستمعين والمشاهدين؟ هل اهتمت وسائل الإعلام بمعرفة لماذا تم الاعتداء على أمريكا دون غيرها؟ ومن ضرب أمريكا؟ وما هي الخلفيات والأبعاد؟ هل تساءلت وسائل الإعلام عن كيف كان بن لادن بطلا في الثمانينيات وحليفا استراتيجيا لأمريكا في محاربة الاتحاد السوفييتي والشيوعية وكيف أصبح بعد انتهاء المهمة العدو اللدود لأمريكا؟ كيف كان بطلا وأصبح إرهابيا؟ ومن الذي صنع بن لادن؟ ما هي علاقة ما حدث بما يجري في العالم من استغلال وظلم وبطش واستغلال وابتزاز في العلاقات الاقتصادية والدولية؟ ماذا عن الإرهاب الذي تمارسه العديد من الدول؟ وما هو الإرهاب في المقام الأول؟هل تساءلت وسائل الإعلام الأمريكية عن عشرات الآلاف من الشباب العرب المسلمين الذين جندتهم وكالة المخابرات الأمريكية للجهاد في أفغانستان ضد العدو الشيوعي؟ هل تساءلت عن سجن المئات بل الآلاف في غوانتانمو دون محاكمة وبدون وجه حق؟ أصبح الإعلام في القرن الحادي والعشرين صناعة تفبرك الواقع أكثر مما تشرحه وتفسره وتقدمه كما هو للرأي العام. الإعلام في عصر المجتمع الرقمي أصبح قوة تقرأ الواقع وتفسره وفق القوى المالية والسياسية التي تتحكم فيه. تعتبر عملية إخفاء الحقيقة الدرجة العليا من الجريمة ومن الإرهاب وأن تزوير الواقع وتشويهه والتلاعب بعقول الجماهير لإرضاء حفنة صغيرة جدا من تجار الأسلحة والحروب يفوق في خطورته أكبر الأعمال الإجرامية والإرهابية، فالضمير المهني الإعلامي مطالب باستعمال المهنية والحرفية والأخلاق والالتزام من أجل التفاهم والتواصل والمحبة الوئام والتكامل بين الأجناس والأعراق والشعوب والأمم وحتى يصبح الإعلام مصدرا لنشر القيم الإنسانية والمحبة والأمن والآمان والرفاهية والرخاء في جميع أنحاء العالم، وليس مصدرا ومنبرا لإشعال نار الفتنة والحروب والجرائم والحقد والكراهية والبغضاء والعنصرية لحساب حفنة من أباطرة السياسة والمال وتجار الحروب.
1560
| 24 أغسطس 2013
ما زال العديد من الأوساط الإعلامية والسياسية الغربية ينزعج من كل ما يحدث في أقطار مختلفة من العالم خاصة إذا تعلق الأمر بالديانات والمعتقدات وأنماط تسيير شؤون العباد والبلاد. ففرنسا على سبيل المثال تطلب من تركيا الاعتذار عن مجازرها ضد الأرمن لكنها تمتنع هي البلد المستعمر من تقديم الاعتذار عن جرائمها في مستعمراتها السابقة خاصة مجازرها وجرائمها في الجزائر. دول غربية كثيرة جعلت من الإسلام والنظام السياسي الإسلامي خطرا عليها وعلى البشرية جمعاء وجعلت الديانة الإسلامية وكل ما يتصل بها شماعة لإخفاقاتها وعنوانا للتخلف والعنصرية وإقصاء الآخر. هذه الدول، مع الأسف الشديد وهي الدول التي تتغنى بالديمقراطية والحرية واحترام المعتقد والدين سخرت الآلة الإعلامية لصناعة الحقد والكراهية والتضليل والتشويه بدلا من نشر ثقافة التفاهم والحوار بين الثقافات والحضارات والديانات. قبل سنوات أصدرت مجلة " شارلي إيبدو" الفرنسية عددا خاصا عنونته "شريعة إيبدو" تسخر فيه من الإسلام والمسلمين وأوكلت رئاسة تحرير العدد حسب مسؤوليها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وجاءت هذه المبادرة من قبل المجلة الفرنسية بعد فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس بنسبة كبيرة من مقاعد المجلس التأسيسي وبعد إعلان المجلس الانتقالي في ليبيا تطبيقه الشريعة الإسلامية في الدستور الليبي الجديد. ما حدث عن الصحيفة الفرنسية ومن قبلها الصحيفة الدانمركية وغيرها كثير فيما يتعلق بالتجاوزات ضد الإسلام والمسلمين والعرب يتنافى جملة وتفصيلا مع العمل الإعلامي الحرفي، المسؤول والملتزم. يتنافى مع رسالة الإعلام الشريفة والنبيلة، يتنافى وقدسية الرموز الدينية مهما كانت وأينما كانت. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو لصالح من؟ مثل هذه الاستفزازات والتصرفات غير المسؤولة، وما هي الأهداف من ورائها وماذا ستضيفه لخدمة الإنسانية ومبادئها وقيمها؟ وماذا ستضيفه لتأسيس وبناء قنوات التواصل والتفاهم بين الشعوب والأمم والحضارات والديانات؟ إلى أي مدى ستخدم هذه الافتراءات والتهكمات وهذا الاستخفاف وهذه الصور حوار الحضارات والثقافات والديانات والتقارب بين الشعوب؟ مثل هذه التصرفات بدلا من نشر ثقافة التفاهم والتسامح والتقريب تعمق الفوارق والتضليل والتشويه وسوء التفاهم وانعدام الحوار وانتشار الصور النمطية التي تفرز ثقافة الحقد والكراهية والبغضاء والعنصرية والجهل. قيل كلام كثير عن الحوار بين الحضارات وحوار الديانات واحترام الآخرين ومعتقداتهم ودياناتهم. وقيل الكثير كذلك على أن العولمة ستؤدي إلى تقارب الشعوب ودمقرطة الأنظمة، والتفاهم والتسامح والتعاون. كما قيل كذلك أن تكنولوجيا الاتصال والإعلام ستجعل من العالم قرية صغيرة تتعرف من خلالها شعوب العالم على بعضها البعض، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة التفاهم والتحاور وإلى قلة النزاعات والحروب وبؤر التوتر في العالم. كما قيل كذلك كلام كثير عن دور الإعلام في تقارب الشعوب والثقافات والحضارات والديانات، وأن الإعلام يلعب دورا إستراتيجيا في نشر ثقافة التسامح والسلم واحترام الآخر ومحاربة العنصرية والاستغلال والاستعمار والإرهاب واحتقار الآخر والاستهزاء به. في 12 سبتمبر 2005 نشرت صحيفة "جيلاندز بوستن" الدانمركية 12 رسما كاريكاتوريا مسيئا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مما أثار غضب المسلمين داخل الدانمرك وفي جميع أنحاء العالم. وفي 10 يناير 2006 أعادت صحيفة "مغازينات" النرويجية نشر الرسوم الكاريكاتورية الـ12 للرسول صلى الله عليه وسلم. تحدث هذه الإهانة والسخرية والانتقاص من قيمة الآخر والمساس بقدسية رموزه الدينية باسم حرية التعبير وحرية الصحافة. إن النيل والتهكم والسخرية من ديانات وأنبياء ورسل ومعتقدات وثقافات الآخرين يتناقض جملة وتفصيلا مع الرسالة النبيلة للصحافة ومع حرية التعبير وحرية الصحافة حيث إنه لا توجد ديمقراطية أو نظام سياسي يسمح ويبيح التحريض على كراهية أو شتم والانتقاص والاستهزاء بقيم ورموز الآخرين المقدسة. والمؤسف لحادثة "شارلي إيبدو" والرسوم الكاريكاتورية من قبلها وغيرها كثير من مظاهر الحقد والكراهية هو أن السلطات الدانمركية والفرنسية والمجتمع الرسمي والمدني في الدانمرك أو في فرنسا لم تحرك ساكنا أمام ما حدث، وكأن شيئا لم يحدث. وهذا يعني أن الأمر عادي بالنسبة لهم وأن الإساءة للآخرين ولمقدساتهم ودياناتهم لا تعني شيئا. والدليل على ذلك أن استطلاعا للرأي العام كشف أن أغلبية الدانمركيين لا يحبذون الاعتذار للمسلمين لما حدث كمخرج وكحل للأزمة. ما نجم عن صحف فرنسا والدانمرك والنرويج ومن دول أخرى يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق وأخلاقيات الممارسة الإعلامية في معظم دول العالم، كما يتنافى مع مبدأ حرية الصحافة الذي يقوم على الالتزام باحترام الآخر واحترام معتقداته ودياناته. كما تخالف تلك التصرفات مقررات منظمة الأمم المتحدة في حوار الأديان والحضارات. بكل بساطة هذه التصرفات تنم عن جهل وحقد وكراهية وعن عدم المقدرة على التعايش مع الآخر، بل التفكير في تدميره والقضاء عليه والتخلص منه، كما أنها تعبر تبرير الفشل باستخدام الآخر كسبب له. الأخطر في القضية كلها هو نتائج استطلاعات الرأي العام التي جاءت لتؤكد ماذا يدور في أذهان الناس العاديين. النتائج أكدت عدم الاعتراف بالخطأ وعدم احترام معتقدات وديانات الآخرين وهذا أمر خطير لأنه يشير إلى ضعف درجة التسامح والتفاهم والحوار بين الشعوب. وهنا نلاحظ الدور العكسي والسلبي والخطير الذي تلعبه وسائل الإعلام في عصر العولمة والثورة المعلوماتية والمجتمع الرقمي، وعصر القرية العالمية. فبدلا من تشجيع الحوار والنقاش والتفاهم والتعرف على خصوصية الآخر وثقافته نلاحظ، أن الآلة الإعلامية في المجتمع المعاصر أصبحت تهدم أكثر مما تبني وأصبحت تساهم في إثارة الفتن والحروب والنزاعات أكثر من مساهمتها في نشر السلم والأمن والاستقرار والتقارب والمحبة والتلاحم والتفاهم بين الشعوب، بل أصبحت وسائل الإعلام آلات لنشر ثقافة الحقد والكراهية والخوف. الحرية التي تطالب بها معظم المؤسسات الإعلامية في العالم والتي يتغنى بها الكثير أصبحت فارغة من محتواها الحقيقي حيث إنها آلت إلى أشخاص لا يعرفون المعنى الحقيقي للحرية ولا يعرفون الالتزام باحترام الآخر وخصوصيته. فالإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم هي إساءة إلى كل البشرية والسخرية من رسول الله صلى الله عليه وسلم سخرية برسل الله كافة وبالبشرية جمعاء. يكيل الغرب بمكيالين، فالإساءة إلى رموزه أو قيمه ومعتقداته تعتبر خروجا عن الأصول وعن الأخلاقيات والمهنية والحرفية، أما المساس بمعتقدات وقيم الآخر فهي من المبيحات. فالذي يجرؤ على الكلام في موضوع المحرقة – الهولوكوست - يحاكم قضائيا وهذا لا يعتبر مساسا بحرية الصحافة، أما الذي يسيء إلى الرسول والأنبياء والأديان والمعتقدات فهذا شيء طبيعي وممارسة لحرية التعبير والصحافة! فالتاريخ يذكرنا بمحاكمة رجاء جارودي لا لشيء إلا لأنه قال الحقيقة وكذّب خرافة الهولوكوست والأساطير التي أسست لدولة من العدم. كما يذكرنا التاريخ بسلمان رشدي وتسليمة نسرين والاحتفاء بهما في العواصم الغربية لا لشيء إلا أنهما أساءا للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم وهما لا يفقهان شيئا في الإسلام. فالإشكال المطروح هنا هو النية السيئة والخبيثة للمساس بالآخر وللسخرية والتهكم والاستهزاء والإساءة. أين هو المشكل إذا اختار التونسيون والليبيون الشريعة الإسلامية كدستور لتسيير أمورهم وشؤونهم؟ أليسوا أحرارا في اختيار من يحكمهم وما هو النظام السياسي الذي يليق بهم؛ أليس لديهم الحق في اختيار من يمثلهم؟ أليست هذه الحرية التي يمجدها الغرب؟ هل تدخل المسلمون في الشؤون الداخلية للدانمرك أو فرنسا وغيرهما؟ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما الفائدة من كل هذا؟ وما هو الدور الحقيقي لوسائل الإعلام؟ هل هو التوعية والتربية والتثقيف والتعليم ونشر ثقافة التسامح والعمل على التقارب بين الشعوب والأمم والحضارات والديانات، أم أن الهدف هو نشر ثقافة الحقد والكراهية والصور النمطية والتضليل والتشويه والاستهتار والاستخفاف والاستهزاء بالآخرين؟ ممارسات خطيرة تقوم بها وسائل الإعلام في عصرنا الحالي تتمثل في تلويث عقول البشر والتضليل والتشويه والفبركة وصناعة الحقد والكراهية والوهم أكثر من التنوير والتعليم والتثقيف.
1267
| 17 أغسطس 2013
ما يدور هذه الأيام في مصر على الساحة الإعلامية لا يطمئن بالخير وبأداء الرسالة النبيلة لمنظومة تعتبر بارومتر الديمقراطية والحرية والرأي والرأي الآخر. فهناك تجاوزات بالجملة واختراقات لا تحصى ولا تعد في حق الكلمة الحرة وفي حق الحقيقة وفي حق الإعلام النزيه والملتزم. أرقام مغرضة ومضللة، تشويه وتزييف للأحداث والوقائع، إقصاء الرأي الآخر، طرح وجهة نظر واحدة وعدم عرض باقي المعلومات والآراء أو كل ما من شأنه أن يناقض اتجاه الصحفي والمؤسسة الإعلامية. باختصار فوضى إعلامية منظمة ضاربة بعرض الحائط المهنية والحرفية وأخلاقيات الممارسة الإعلامية. فرغم مرور أكثر من سنتين على الربيع العربي ورغم التغييرات التي شهدتها الساحة العربية في السنوات الأخيرة إلا أن الملاحظ للشأن الإعلامي العربي يدرك أن العادات البالية ما زالت سائدة في الكثير من المؤسسات الإعلامية وأن الخطاب الإعلامي ما زال وفيا لماضيه؛ الأمر الذي جعل مبدأ السلطة الرابعة أو الإعلام الفاعل في المجتمع منعدما تماما في المجتمعات العربية. فالإعلام هو المنبر الرئيسي للديمقراطية وللسوق الحرة للأفكار وللرأي والرأي الآخر. فهو مؤسسة تسهر على تنوير الرأي العام الذي يعتبر السلطة الحقيقية في المجتمع. والإعلام الفعال الذي يفرز الديمقراطية ويؤثر فيها ويتأثر بها هو ذلك الإعلام الذي يستند إلى مجتمع مدني فعال وإلى قوى مضادة داخل المجتمع تعمل على إفراز ثقافة ديمقراطية وحراك سياسي يقوم على المراقبة وكشف الحقائق والوقوف أمام الفساد والتجاوزات واستغلال النفوذ والسلطة. فإذا تبنى الإعلام ثقافة التبرير والتمجيد والإشادة والمدح والتسبيح فهذا يعني أن الأمة قد دخلت في مرحلة النفاق الجماعي والتضليل الاجتماعي حيث يصبح الخطاب الإعلامي بدون معنى ولا جدوى ولا طعم ولا ذوق لأنه منفصل تماما عن الواقع، حيث التناقض الصارخ بين الحياة اليومية والخطاب الإعلامي. وهذا يعني شللا أو عقم قطاع إستراتيجي في المجتمع وهو قطاع الإعلام. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا هذا الشلل وهذا العقم في معظم الدول العربية؟ وما هي أسباب عدم فعالية ومصداقية الإعلام العربي؟ لماذا ثقافة التنظير للسلطة وثقافة التملق وثقافة التبرير و "كل شيء على أحسن ما يرام" بدلا من الاستقصاء والنقد والكشف عن الحقائق والمساهمة في إرساء ثقافة الرأي والرأي الآخر والسوق الحرة للأفكار. العلاقة بين الإعلام والمجتمع علاقة جدلية وعلاقة تأثير وتأثر. فالإعلام القوي بحاجة إلى مجتمع مدني قوي وإلى الفصل بين السلطات وإلى قضاء مستقل وحياة ديمقراطية شفافة وواضحة المعالم. من جهة أخرى يجب على المنظومة الإعلامية في المجتمع أن تناضل من أجل كسب المزيد من الحرية والاستقلالية والحرفية والمهنية وبذلك المصداقية واحترام الجميع. الإشكال المطروح هو أن الجميع يلوم وينتقد الإعلام وكأن القطاعات الأخرى في المجتمع العربي بألف خير وعلى أحسن ما يرام. الحقيقة هي العكس تماما حيث إن معظم القطاعات في المجتمع تعاني من مشكلات وتناقضات عدة. فالإعلام ما هو إلا نظام فرعي من النظام الكلي وبذلك فهو جزء لا يتجزأ من هذا النظام. فالدول العربية بحاجة إلى إصلاح النظام وإلى تحرير الفرد في المجتمع وإلى توفير مستلزمات وشروط السوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني والمؤسسات المستقلة، الديمقراطية التي تؤمن بالحرية وبالشفافية وبالنقد والنقد الذاتي. أسباب عقم الإعلام العربي متعددة ومختلفة فمنها ما يتعلق بالمحيط الذي يعمل فيه، ومنها ما يتعلق بالحرفية والمهنية ومنها ما يتعلق بالمصداقية ومنها كذلك ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة والعلاقة مع مصادر الأخبار والمعلن، ومنها ما يتعلق بالعوامل الخارجية كالتبعية للآخر والقيم الدخيلة...الخ. الإعلام العربي مسؤول عن تشكيل الرأي العام وتنشيط السوق الحرة للأفكار وتزويد المجتمع المدني بالأخبار والمعلومات والتقارير والتحليلات وغير ذلك. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو لماذا يوجد الإعلام العربي في الحالة التي هو عليها اليوم؟ هل المؤسسة الإعلامية هي أداة سلطة أم أداة المجتمع بأسره وبمختلف الشرائح الاجتماعية التي تشكله؟ هل عملية التواصل بين السلطة والجماهير عملية عمودية أم أفقية؟ هل الممّول هو المحدد الرئيسي لمخرجات وسائل الإعلام؟ هل أدت أو ستؤدي العولمة إلى دمقرطة الإعلام في الوطن العربي؟ هل ستؤدي الثورة التكنولوجية والمعلوماتية إلى التأثير في علاقة السلطة بوسائل الإعلام وفي طرق العمل الإعلامي وآلياته ومنهجيته في الوطن العربي؟ هل تتوافر مستلزمات الصحافة الحرة في الوطن العربي؟ وهل هذه الصحافة قادرة على أن تصبح واحدة من السلطات الفاعلة في المجتمع؟ هل بإمكاننا الكلام عن سلطة الإعلام أم الإعلام عندنا في الوطن العربي هو إعلام السلطة؟ الملاحظ والمطّلع على مخرجات الإعلام العربي يدرك المشاكل والتناقضات الكبيرة والمتعددة التي يعاني منها هذا الإعلام، فالمؤسسة الإعلامية العربية ما زالت في الكثير من الدول العربية لم ترق إلى المؤسسة الإعلامية بالمعنى الكامل للكلمة سواء من حيث الإدارة أو التسيير أو التنظيم أو الهيكلة أو الوسائل أو الكادر البشري أو المهنية أو الحرفية. ففي الكثير من الحالات نلاحظ المساومات والتجاوزات والمتاجرة بالمهنة على حساب مبادئ المهنة وشرفها وأخلاقها، وغالبا ما تُستعمل المؤسسة الإعلامية لأغراض ومصالح ضيقة جدا تكون في صالح فئة معينة أو حزب معين أو تيار معين على حساب الغالبية العظمى من أفراد المجتمع. في هذه الظروف تنعدم الإستراتيجية وتكون السياسة الإعلامية غير واضحة المعالم، هلامية تركز على التعبئة السياسية والتنظير للسلطة والمدح والتسبيح وكذلك الترفيه والتسطيح وإفراغ القضايا من محتواها الحقيقي. تعاني الصحافة العربية من جملة من المعوقات والمشاكل المهنية والتنظيمية والنقابية جعلتها تفشل في تحقيق الكثير من مهامها الإستراتيجية في المجتمع. وبما أن الصحافة العربية في أي مجتمع عربي لا تستطيع أن تكون فوق النظام والأطر التي يسير وفقها المجتمع ككل بحيثياته وعناصره ونظمه فإنها باعتبارها جزءا فرعيا من النظام الذي تعمل فيه وتتعاطى معه تتأثر بالمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد. فالسلطة في العالم العربي ما زالت تنظر للصحافة كأداة لتثبيت شرعيتها ووسيلة لتعبئة الجماهير وتجنيدها. وحتى دور الصحفي في المجتمع يُنظر له على أنه مكمل لدور السلطة وأجهزتها المختلفة فهو مطالب بالتغطية والمدح والتسبيح لكنه إذا استقصى وبحث وانتقد فيصبح من المغضوب عليهم. فمعظم قوانين النشر والمطبوعات في العالم العربي جاءت مجحفة ومقصرة في حق المؤسسة الإعلامية وفي حق الصحفي الأمر الذي أفرز عند هذا الأخير ثقافة الرقابة والرقابة الذاتية ومن ثمة قتل ثقافة صحافة الاستقصاء والبحث عن الحقيقة وقتل روح المسؤولية والالتزام والنزاهة والموضوعية عند الصحفي. التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية في مجال الإعلام هو تحريره وتحرير الطاقات والمهارات والإبداعات. التحدي يتمثل في الاستثمار الأمثل في القدرات والطاقات والإمكانيات المادية والبشرية لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية متطورة رشيدة وفعالة وقوية تستطيع أن تشكل الرأي العام والسوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني الذي يؤسس للديمقراطية والشفافية والحوار الصريح والبناء من أجل مصلحة الجميع. كل هذه الأمور تتطلب الدراسة والبحث وإقامة علاقة متينة وتفاعل وتبادل وحوار صريح بين السلطة والمؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال ومصادر الأخبار والجمهور من أجل إرساء قواعد الثقة والمصداقية والفعالية في الأداء وبهذا تتوافر المستلزمات والشروط لوضع إستراتيجية إعلامية وسياسات إعلامية تنهض بالعباد والبلاد إلى مصاف الدول المتقدمة والفاعلة في العالم. وفي الأخير يجب طرح السؤال التالي: ماذا نريد من الإعلام في الوطن العربي؟ المحافظة على الوضع الراهن وبذلك التبرير والتنظير أم تغيير الوضع وبذلك الاستقصاء والنقد والكشف عن الأخطاء والتجاوزات. سؤال يجب الإجابة عليه بصراحة وشجاعة إذا أردنا للإعلام العربي مكانة ودورا في الديمقراطية والتنمية المستدامة، وإذا أردنا أن يكون هذا الإعلام فاعلا وعنصرا للتغيير والتطوير والتنمية المستدامة.
6043
| 10 أغسطس 2013
إن السلطة في الوطن العربي وفي سائر الدول النامية تنظر إلى وسائل الإعلام كوسائل لتثبيت شرعيتها وبسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي بغض النظر عن طموحات وهموم الجماهير. وهي بذلك مازالت بعد لم تستطع بناء نظام مؤسساتي مستقر ولم تستطيع أن تحقق المشاركة السياسية الفعالة داخل المجتمع، وفي الكثير من الدول العربية ينعدم المجتمع المدني تماما. وكنتيجة لكل هذا فإن معظم الدول العربية فشلت كذلك في إقامة وبناء جهاز إعلامي فعال يؤمن بتوفير الاتصال الأفقي ويعمل على إدماج مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية والاقتصادية والثقافية. ولهذا نتجت النظرة الضيقة للإعلام على أساس أنه أداة من أدوات السلطة تستعمل في آليات وعمليات الحكم والسيطرة.و تجدر الإشارة هنا إلى أن الإعلام التنموي والفعال والأفقي لا يتأتى إلا بالديمقراطية والأجهزة المؤسساتية المختلفة التي تلعب بدورها دور المراقب والمعارض والمشارك في العملية السياسية وفي صناعة القرار. ونظرا لهذه النظرة الضيقة ولتسلط الحكومات وأنانيتها فلقد تميز الإعلام العربي بما يلي: * سيطرة الطابع الرسمي على الرسالة الإعلامية حيث نلاحظ التغطيات المكثفة لكل ما هو حكومي وقطاع عام ورسمي. * سيطرة الأداء الإعلامي الروتيني حيث تغطية نفس المناسبات ونفس القطاعات وإهمال اهتمامات الجماهير وانشغالاتها. * يتميز الإعلام العربي بأحادية الاتجاه حيث أنه يتدفق من الأعلى إلى الأسفل، من السلطة إلى الجماهير من دون مشاركة المستقبل في عملية رجع الصدى أو المشاركة في العملية الإعلامية. والتدفق الأحادي يؤدي بطبيعة الحال إلى التكرار والروتين واعتماد وجهة نظر واحدة ورأي واحد وفلسفة واحدة وهذا على حساب التعدد والاختلاف الموجود في المجتمع. * ضعف الاحترافية والمهنية في معظم وسائل الإعلام العربية خاصة المرئية منها وهذا كنتيجة للتركيز على الرسميات دون الارتقاء بالمهارات الفنية والإبداعية وهذا نظرا للرقابة والسلطة وهاجس تنفيذ الأوامر من دون مناقشة وإبداء الرأي. * الرقابة والحذف الذاتي حيث أن التحكم الرسمي في وسائل الإعلام بطريقة أو بأخرى أدى إلى نمو ما يسمى بالرقابة الذاتية عند الصحافي في الوطن العربي مما قتل روح الإبداع والابتكار عند القائم بالاتصال وهذا بطبيعة الحال أدى إلى ضعف الأداء وتبني الشعارات والكلمات الرنانة على حساب الحقائق والواقع. * اتساع الهوة بين الجماهير والإعلام بحيث إن الإعلام إذا فشل في إدماج الجماهير وتمثيلها أحسن تمثيل لدى السلطة والدفاع عن مطالبها ومصالحها، فإنه يهجر من قبل الجمهور وتضعف مصداقيته وتأثيره. * انعدام المصداقية وإشراك الجماهير في العملية الإعلامية يؤدي إلى هجرة وسائل الإعلام الوطنية والمحلية والتوجه إلى الإعلام الخارجي حيث أن المستهلك يتفاعل هنا مع طريقة مختلفة للطرح والتقديم والتحليل. * ضعف إدارة المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي حيث التركيز والاهتمام بالدرجة الأولى على كسب رضا السلطة ثم تحقيق الربح أو ضمان المعونة الحكومية بغض النظر عن اهتمامات ومشاغل وهموم الشرائح العريضة في المجتمع. أضف إلى ذلك أن في الكثير من الدول العربية المشرفون على المؤسسات الإعلامية لا يفقهون شيئا في الإدارة والتسيير أو لا يعلمون أبجدية العمل الإعلامي ويكون القائم بالاتصال في هذه الحالة هو الضحية والضحية الأكبر بطبيعة الحال هي الجماهير. ونتيجة لضعف الإدارة بطبيعة الحال تنعدم تقاليد العمل الإعلامي المحترف وتنعدم قيم الاحترافية الإعلامية وتسود سياسة ملء الفراغ بالمضمون المقبول الذي لا يزعج ولا يسبب مشاكل. * ضعف الإنتاج كما وكيفا واعتماد التلفزيونات العربية على استيراد المادة الإعلامية والثقافية المعلبة التي قد تكون في معظم الأحيان غريبة وبعيدة كل البعد عن عادات وتقاليد وهموم واهتمامات الجماهير. * ضعف الأبحاث والدراسات الإعلامية في الوطن العربي حيث إن القائم بالاتصال والمؤسسة الإعلامية لا تملك في معظم الأحيان البيانات والإحصاءات والمعطيات الضرورية لتطويع الرسالة والمادة الإعلامية بما يلائم اهتمامات الجمهور المستهلك وفي الكثير من الأحيان لا تعرف المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي هل هي تساهم في عملية التغريب أم التهميش أم الإدماج والتسييس أم السيطرة والتحكم أم ماذا؟ * انعدام الرؤية الإستراتيجية المستقبلية والسياسات الإعلامية الواضحة والثابتة حيث نلاحظ على سبيل المثال أن الدول العربية قاطبة اهتمت بموضوع القنوات الفضائية واقتناء التكنولوجيا ولم تتأخر عن مواكبة تكنولوجية الاتصال، والغريب في الأمر أن ساعات البث التلفزيوني تضاعفت أما الإنتاج فقد تراجع مما أدى بطبيعة الحال إلى تحول هذه القنوات الفضائية إلى صناديق بريد توزع ما تنتجه استوديوهات هوليود وطوكيو ومومباي غيرها من الشركات العالمية للصناعات الثقافية. إن تحديات القرن الحادي والعشرين والتناقضات السالفة الذكر التي يعيشها الإعلام العربي كلها تحتم على الأنظمة العربية ضرورة مراجعة إستراتيجياتها وفلسفتها تجاه الإعلام. ونقطة البداية هنا تتمثل في ضرورة النظر إلى وسائل الإعلام وإلى الجهاز الإعلامي بنظرة إيجابية تخدم المجتمع ككل وليس السلطة لوحدها وهذا لا يتأتى بطبيعة الحال إلا بتغيير وجهة نظرنا إزاء المواطن العربي حيث ضرورة النظر إليه كفاعل ومشارك ومساهم ومرسل وليس كمنفذ وتابع ومستقبل فقط. كذلك يجب علينا أن نقر حق الجماهير في التواصل والتفاعل مع وسائل الإعلام المختلفة وهذا لا يتأتى إلا بالعمل المؤسساتي الجمعاوي وعن طريق الجمعيات بمختلف أشكالها وأنواعها سياسية كانت أم اجتماعية أم ثقافية أم اقتصادية...الخ. و من أهم مستلزمات الإعلام القوي والفعال في أي مجتمع حرية التعبير وحرية الرأي وحرية الوصول إلى المعلومات، هذه المستلزمات يجب أن نعمل على توفيرها وعلى اكتسابها كسلطة وكقائمين بالاتصال وكمثقفين وباحثين ووسطاء ثقافيين...الخ، ومن دون هذه المستلزمات فإنه لا يحق لنا الكلام عن المجتمع المعلوماتي والثورة الاتصالية والعولمة الثقافية وغيرها من التحديات العديدة والمختلفة التي نعيشها اليوم وبصورة فائقة والتي ستميز الألفية الثالثة لا محال. فالنظام الإعلامي العربي الراهن يحتاج إلى نظرة نقدية جادة مع نفسه كما يحتاج إلى مراجعة مع الذات وهذا للوقوف على السلبيات والتعلم من الأخطاء والهفوات السابقة للانطلاق بخطى قوية وإيجابية نحو مستقبل لا يكون فيه الإعلام وسيلة للسيطرة والتحكم والتلميع والتملق وإنما وسيلة للحرية والعلم والمعرفة والتفكير والإبداع والاختلاف في الرأي وفي إيجاد سوق حرة للأفكار.تحديات الألفية الثالثة كبيرة وجسيمة وتتطلب إعلام قوي وصناعات ثقافية قوية وفاعلة سواء على المستوى المحلي أو الدولي، مع تمنياتنا بإيجاد أذانا صاغية لهذه المستلزمات عند أصحاب القرار في وطننا العربي. فإذا كانت هناك بعض التجاوزات في الممارسة الإعلامية في الغرب والدول الديمقراطية بالتستر وراء "الأمن القومي" ووراء "المصالح القومية" والتي أضرت في أرض الواقع بالوصول إلى الحقيقة وإلى تنوير الرأي العام وصناعة القرار السليم في آخر المطاف، يبقى أن الطريق مازال طويلا أمام الإعلام العربي لينهض بنفسه ويتعايش ويتفاعل مع ألفية ترتكز أساسا وتقوم على المعلومة والمعرفة وكيف نصنعها ونتداولها ونخزنها ونستغلها في صناعة القرارات المختلفة التي نتخذها سواء على مستوى الفرد أو العائلة أو المؤسسة بمختلف أشكالها أو المجتمع أو الدولة.
2428
| 03 أغسطس 2013
مازال الكثير من نقاد وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري ينظر ويقارن بين الممارسة الإعلامية في الغرب وفي الدول النامية من نفس الزاوية وبنفس المقاييس والمعايير ويضع التجربتين في نفس الخانة رغم أن المقارنة غير عادلة لعدة اعتبارات من أهما تاريخ التجربتين وكذلك الممارسة السياسية ومكانة الفرد والمجتمع المدني في المجتمع …الخ، لكن هذا لا يمنعنا من القول أن الممارسة الإعلامية هي وليدة بيئتها ومادام أن البيئة السياسية والاقتصادية سواء في الغرب أو في الشرق وسواء في الشمال أو الجنوب تشوبها شوائب وتميزها تناقضات وتجاوزات فإنها تنعكس على العمل الإعلامي اليومي للمؤسسة الإعلامية وللقائم بالاتصال. ومن التقنيات الفنية المستعملة بالاشتراك ومناصفة بين الشمال والجنوب مصطلح " الأمن القومي". اتصفت العلاقة بين الحكومات ووسائل الإعلام عبر العصور وعبر الدول بصراع دائم بين من يسيطر ومن يتحكم في تدفق المعلومات والأخبار، وإذا كان الأمر محسوم مسبقا لصالح السلطة في الدول النامية والدول التي تسعى جاهدة لتحقيق الديمقراطية فالأمر غير ذلك في الكثير من الدول الديمقراطية التي تسيرها قوانين ودساتير ومواثيق والتي تنعم بالمؤسسات والتقاليد والأعراف في ممارسة القانون والسياسة والإعلام …الخ، لكن هذا لا يعني أن في الدول الديمقراطية المؤسسة الإعلامية والقائمون بالاتصال يصلون دائما إلى مصادر المعلومات وينشرون كل الأخبار والأحداث والأسرار بكل حرية وبكل سهولة، الأمر ليس كذلك على الإطلاق فكواليس الصحافة حتى في أعتق الديمقراطيات في العالم تتكلم عن تجاوزات وعن تصرفات عادة ما تخرج عن مبدأ حرية الصحافة ومبدأ السوق الحرة للأفكار. و من أهم التقنيات التي تستعملها الحكومات في الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية على السواء عبارة "الأمن القومي". لكن هنا يجب علينا أن نفرق بين الممارسة الإعلامية بين النظامين. ففي الدول الديمقراطية حيث تكميم الصحافة ولجمها ليس بالسهل نلاحظ اللجوء إلى مصطلح مثل "الأمن القومي" وهو مصطلح مطاطي في مختلف الدول والثقافات والحضارات. ومصطلح الأمن القومي نجده في مختلف القوانين والدساتير الإعلامية لكن مفهومه عند السلطة يختلف عنه عند المؤسسة الإعلامية والصحافي وعند الشعب عامة. وهنا نلاحظ الصراع الدائم بين الحكومة التي تسعى للتحكم في تدفق الاتصال والمعلومات الحساسة باسم الأمن القومي وبين المؤسسة الإعلامية والساهرين عليها والذين يسعون ليل نهار ويخاطرون من أجل إيصال المعلومة للرأي العام. وانطلاقا مما سبق فإن أي حكومة في العالم ومهما كانت درجة ديمقراطيتها ونضجها السياسي تحاول أن تتحكم بطريقة أو بأخرى في المؤسسة الإعلامية وتسعى لمغازلتها ومحاباتها من أجل استغلالها واستخدامها في الاتجاه الذي يخدمها ويخدم السلطة قبل خدمة الرأي العام. والإيمان الراسخ بأن الممارسة الإعلامية سليمة في الدول الديمقراطية مغالطة كبيرة حيث إننا وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها وسائل الإعلام "تفبرك" الواقع وتصنعه أكثر مما تقدمه للرأي العام وأصبح "الشاو بيز" والجري وراء الربح عبر الإعلان هو الهدف الأسمى. ما حدث في حرب الخليج الثانية والثالثة وما حدث في غزو جزيرة "غرينادا" وفي حرب "الفولكلاند أيلاند" وما حصل في حرب فيتنام وفي حرب الجزائر وفي "كوسوفو" وفي "الشيشان" ما هي إلا أدلة دامغة على أن الصراع على السيطرة على المعلومة باسم "الأمن القومي" أصبح يحسم دائما لصالح الحكومات والسلطة وتبقى المؤسسة الإعلامية لا حول ولا قوة لها في معظم الأحيان بسبب التواطؤ وأحيانا أخرى بالقهر. و الغريب في الأمر أن المؤسسة الإعلامية في الدول الديمقراطية الغربية نجدها تكيل بمكيالين، فإذا تعلق الأمر بالشؤون الداخلية نجد أن هذه المؤسسات تضغط وتمارس كافة حقوقها وصلاحيتها وما يكفله لها القانون للوصول إلى الحقيقة وتقديمها للرأي العام، أما إذا تعلق الأمر بالشؤون الخارجية فالموضوع يختلف تماما. وهنا نسرد أمثلة تاريخية كثيرة منها اغتيال" سلفادور أليندي" وكيف تصرفت معه وسائل الإعلام الغربية، وماذا عن اغتيال رئيس الوزراء الإيراني" مصدق" وماذا عن اغتيال "شي غيفارا" وما ذا عن أكثر من مائة محاولة لاغتيال "فيدال كاسترو" وماذا عن اغتيال "مهدي بن بركة" و " باتريس لومومبا" والقائمة قد تطول. الموضوع باختصار هو أن حرية الصحافة تنعدم أو تنهار تماما وتتبخر عندما يتعلق الأمر ب"المصالح القومية" و ب ا"لأمن القومي" ولو كان هذا على حساب الرأي العام وعلى حساب الأخلاق وقوانين المهنة وحق الفرد في الاتصال والمعرفة. فالسياسة لا تعرف الأخلاق وبذلك فإنها لا تعترف بأخلاقيات الممارسة الإعلامية. وهذا ما يقودنا للكلام عن مستلزمات الإعلام القوي والفعال في الوطن العربي وفي أي مجتمع والتي تتمثل أساسا في حرية التعبير وحرية الرأي وحرية الوصول إلى المعلومة، هذه المستلزمات يجب أن نعمل على توفيرها وعلى اكتسابها كسلطة وكقائمين بالاتصال وكمثقفين وباحثين ووسطاء ثقافيين...الخ، وبدون هذه المستلزمات فإنه لا يحق لنا الكلام عن المجتمع المعلوماتي والثورة الاتصالية والعولمة الثقافية وغيرها من التحديات العديدة والمختلفة التي نعيشها اليوم وبوتيرة فائقة السرعة. فالنظام الإعلامي العربي الراهن يحتاج إلى نظرة نقدية جادة مع نفسه كما يحتاج إلى مراجعة مع الذات وهذا للوقوف على السلبيات والتعلم من الأخطاء والهفوات السابقة للانطلاق بخطى قوية وإيجابية نحو مستقبل لا يكون فيه الإعلام وسيلة للسيطرة والتحكم وإنما وسيلة للحرية والعلم والمعرفة والتفكير والإبداع. السلطة في الوطن العربي ومع الأسف الشديد ما زالت تنظر إلى المنظومة الإعلامية والمؤسسة الإعلامية على أنها أداة لتثبيت شرعيتها وبسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي بعيدا عن طموحات الجماهير ومطالبهم.السلطة في الوطن العربي ما زالت بعد لم تستطع بناء المؤسسات اللازمة لضمان المشاركة السياسية الفاعلة ولضمان رأي عام قوي وفعّال. ونتيجة لكل هذا فإنها فشلت كذلك في بناء نظام إعلامي إيجابي وفعال وليس سلبي يستقبل ويُؤمر، نظام إعلامي يؤمن بالاتصال الأفقي ويعمل على إشراك مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية وفي اتخاذ القرار، نظام إعلامي همه الوحيد هو كشف الأخطاء والعيوب وليس التلميع والتلوين والتملق.
1331
| 20 يوليو 2013
حراك سياسي واجتماعي كبير جدا شهدته المنطقة العربية خلال السنوات الماضية كان بطله الرئيسي وما زال الحشود ( (crowdsوالجماهير(masses). أما عن أسبابه فكثر الكلام عن الإعلام الجديد ودوره في نشر الأخبار والمعلومات وتجنيد مئات الآلاف من الشباب للمطالبة بالتغيير ومنهم من رأى أن الأمور وصلت إلى درجة كبيرة من الظلم والاستبداد الأمر الذي جعل الأحداث تتطور بسرعة وتؤدي إلى ما آلت إليه. الأكيد أن الفضاء الإعلامي العربي تغير تغيرا كبيرا بسبب الإعلام الجديد والقنوات الجديدة والعديدة و المتنوعة التي وفرتها التكنولوجية الجديدة للشعب العربي. الفضاء العام العربي كذلك شهد نموا لا مثيل له حيث أصبحت قضايا الأمة تناقش بكل حرية وديمقراطية وصراحة وجرأة وشفافية على الشبكات الاجتماعية. أمر آخر أكيد وهو أن المجتمع المدني في عديد الدول العربية فاق من سباته العميق وأصبح يتحرك ويتفاعل مع المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها عديد عواصم الدول العربية. النتيجة في أخر المطاف أن المنطقة العربية دخلت عصرا جديدا أصبحت فيه للشعب سلطة وأصبحت فيه للشعب كلمة يقول رأيه من خلالها وأصبحت المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات أقوى من الجيوش المدججة بالأسلحة وبالدبابات وغيرها. قبل سنوات لم يتصور أحد أن مظاهرات واحتجاجات ومسيرات بإمكانها أن تطيح برئيس وتجبر الآخر على الفرار والثالث على الموت بطريقة دراماتيكية. وهنا يتساءل المرء عن ما هي الأسباب ولماذا لم تحدث هذه الثورات من قبل؟ ولماذا فشلت عديد الحركات والمحاولات التي كانت تهدف إلى تغيير الوضع والتخلص من الاستبداد والبطش والظلم والطغيان. بطبيعة الحال الإجابة ليست بسيطة و لا يمكننا إرجاع ما حدث إلى عامل واحد أو سبب واحد وإنما هناك عدة متغيرات تداخلت وتشعبت وساهمت في حدوث ما حدث. وفي هذا المقام نركز على ظاهرة جد مهمة وهي دور الإعلام الجديد وخاصة الشبكات الاجتماعية في توعية الشباب وتجنيده وإعطائه الفرصة ليكون ويصبح فاعلا في الفضاء العام وفي المجتمع المدني للمطالبة بالتغيير والإصرار عليه حتى يتحقق في أرض الواقع. ساهم الإعلام الجديد في تحريك المياه الراكدة في العديد من الدول العربية وأفرز احتجاجات ومسيرات ومظاهرات لا زالت تزعزع وتهز العالم العربي حتى الوقت الحاضر.تسونامي الاحتجاجات أطاح بأنظمة مستبدة وسلطوية في تونس ومصر وليبيا. جمهورية الفيسبوك كشفت عقم الأنظمة الإعلامية العربية التي تفننت خلال ما يزيد عن نصف قرن في "شرعنة" الوضع الراهن وفي التملق والتسبيح والمدح في الرئيس والقائد والنظام القائم. فالإعلام الجديد أعطى الفرصة للمواطن العربي أن يكون فاعلا في العملية الاتصالية وأن يستقبل ويرسل ويدلي برأيه ويقدم مادة خبرية وإعلامية قد تتجنبها أو تغيب عن القنوات الإعلامية الرسمية وغيرها من وسائل الإعلام التقليدي. ثورة الفيسبوك قضت على نظرية حارس البوابة وقضت على الرقابة والتوجيه المنهجي للخبر والمعلومة. فالمنطقة العربية عرفت بذور الثورة الإعلامية بظهور قناة الجزيرة في أواخر القرن الماضي سنة 1996 وتبنيها نمطا جديدا في التعامل مع الأخبار والأحداث.وبانتشار الفضائيات- أكثر من 1400 فضائية عربية- أنتقل المواطن العربي من أحادية الرؤية والمنطق والاستقبال إلى التعددية وكذلك الاختلاف في الطرح وفي الرؤى وفي المقاربات وفي التحليل والتعليق. ومهما ما يقال من سلبيات عن الفضائيات العربية إلا أن هناك إيجابيات جعلت من المواطن العربي فردا آخر في مجتمع أصبحت مصادر معلوماته متعددة ومختلفة وغير محتكرة. من جهة أخرى استفاد المواطن العربي كغيره من شعوب العالم بظاهرة الشبكة العنكبوتية التي انتشرت بسرعة فائقة تفوقت على مختلف المعدلات في العالم. والكلام على الانترنيت يعني الانفتاح على العلم والمعرفة ومختلف التجارب والانجازات في مختلف المجالات وفي جميع أنحاء العالم. ففي ظل التطورات السريعة والجذرية وفي ظل ما تشهده المنطقة العربية من تغيرات تحوّل الشباب العربي إلى ملاحظ ومراقب ومشارك في تحديد مصيره ومستقبله والعمل على المشاركة في العملية السياسية وفي صناعة القرار. الشباب العربي من المحيط إلى الخليج حوّل الشبكات الاجتماعية إلى شبكات إخبارية استطاعت أن تتفوق على أقوى وأشهر الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى، بل أكثر من هذا أصبحت العديد من وسائل الإعلام تعتمد على جمهورية الفيسبوك في الحصول على المعلومات والأخبار والصور. فالشبكات الاجتماعية أصبحت تتفاعل مع المواطن العربي بطريقة فعالة وإيجابية بحيث أنها نجحت في تقديم همومه ومشاكله ومطالبه بكل صدق وواقعية حيث أن الشباب نفسه هو الذي يزود هذه الشبكات بالمعلومات والأخبار والصور والفيديوهات. فالإعلام التقليدي فشل فشلا كبيرا في تقديم خلفيات وحيثيات ومجريات ما كان يحدث في الشارع العربي. فالإعلام الرسمي وغير الرسمي والموالي للسلطة بقي يمارس طقوس التسبيح والتملق رغم أن المعطيات تغيرت تماما والكلمة أصبحت للشارع والسلطة للشعب. صنعت جمهورية الفيسبوك جيلا جديدا من الإعلاميين، هذا الجيل لم يدرس الإعلام ولم يمارس الصحافة في قاعات التحرير، بل أصبح يمارس نوعا جديدا من الإعلام، حيث تحول نموذج واحد إلى العديد (one to many) إلى من العديد إلى العديد (many to many). فالشباب العربي أصبح من خلال الفيسبوك وغيرها من وسائل الشبكات الاجتماعية يمارس ما يسمى بصحافة المواطن citizen journalism وهي الصحافة التي يشارك في صناعتها وإصدارها المواطن للمواطن. فمفهوم الممارسة الإعلامية تغير كليا من ممارسة للتلميع والتسبيح إلى ممارسة للتغيير وتقديم مطالب الفئات العريضة من المجتمع إلى صاحب القرار.فالمعطيات تغيرت كما أن طرق ووسائل الحصول على الخبر تغيرت. أما وظائف الخبر حسب جمهورية الفيسبوك فهي موجهة مائة بالمائة إلى المواطن تطرح همومه ومشاكله للنقاش والحوار والتداول. المتأمل والملاحظ لسنة 2011 يستنتج بدون أدنى جهد أنها سنة الشبكات الاجتماعية بامتياز حيث أصبح الإعلام الاجتماعي لاعبا فاعلا وأساسيا في حياة الشعوب. فشبكات التواصل الاجتماعي غيرت آليات وميكانيزمات الاتصال والإعلام والتفاعل مع القضايا المصيرية في المجتمع. أصبحت هناك وسائل جديدة لتقديم الأخبار والمعلومات والصور والفيديوهات وكل ما من شأنه أن يقدم الحقيقة للمجتمع. هذه البيئة الجديدة والفضاء الجديد حرر المجتمع من سيطرة السلطة على صناعة الكلمة والصورة والرأي العام. وكنتيجة لكل هذا تحررت المبادرات وتحررت الشعوب لتصنع الحقيقة بنفسها وإلى الوصول إلى الحقيقة بكبسة زر. فالحراك السياسي والاجتماعي الذي شهدته المنطقة العربية في سنة 2011 لم تشهده خلال عقود من الزمن ومنذ استقلالها وهيمنة السلطة على الكلمة والصورة. بمجيء الإعلام الجديد تغيرت المعطيات وأُتيحت الفرصة للشباب لتحقيق ما عجزت عنه المعارضة والأحزاب السياسية وغيرها من الكيانات التي لم تنجح في كسر القيود والوصول إلى تجنيد الجماهير وتشكيل الرأي العام المستنير والفاعل والذي من شأنه أن يقرر مصير الشعب ويحقق طموحاته ومطالبه. وبعد ما حدث نتساءل الآن هل يستطيع الإعلام الجديد من خلال الشباب مواصلة المسيرة والانتقال من مرحلة الإطاحة بالأنظمة المستبدة إلى مرحلة البناء والتشييد والوصول إلى الديمقراطية و العدالة الاجتماعية والرفاهية؟ إلى حد الساعة ما زالت ظروف الفقراء والمهمشين على حالها وما زال الاقتصاد في دول الربيع العربي يعاني من مشاكل عويصة. ما أدى في حالة مصر إلى نفاد صبر الذين أطاحوا بنظام مبارك.
2048
| 13 يوليو 2013
إن عملية التوطين لا تتم بين عشية وضحاها وإنما تحتاج إلى خطة عملية مدروسة ومنتظمة كذلك يجب الانتباه إلى الارتجال ومحاولة سبق الأحداث والمراحل. من أهم المشاكل التي يعاني منها خريج الجامعة ليلتحق بالمؤسسة الإعلامية سواء في دولة قطر أو في باقي دول العالم مشكلة الخبرة، وخريج الجامعة بطبيعة الحال لا تكون لديه خبرة لأنه في مرحلة شبابه كان منشغلا بالدراسة وليس بالعمل، وحتى إذا حاول أن يعمل بدون شهادة جامعية في أي مؤسسة إعلامية فإنه لا يُقبل. وهكذا يجد الخريج نفسه في حلقة مفرغة. المشكل الرئيسي الثاني الذي يواجه الخريجة الجامعية في ميدان الإعلام والاتصال هو موقف العائلة والمجتمع ككل من مهنة الصحافة حيث يواجهها موقف سلبي في الكثير من الأحيان ناجم عن صور نمطية وصور مشوهة وخاطئة عن العمل الصحفي والعمل في المؤسسة الإعلامية بمختلف أشكالها وأنواعها. مشكل آخر يحول دون إقبال الشاب القطري على مهنة الصحافة والممارسة الإعلامية بصفة عامة هو أن مهنة المتاعب تتطلب الكثير من صاحبها ولا تعطيه إلا القليل، أي أن الراتب والحوافز لا تشجع على الإقبال على العمل في المؤسسة الإعلامية وأن الوظيفة تتطلب مهارات كبيرة وثقافة واسعة ومطالعة مستديمة ومواكبة مجريات الأمور محليا ودوليا وهذا ما قد لا يقبل به الكثير من خريجي وخريجات الجامعة في أيامنا هذه. من المشاكل الأخرى التي تواجه خريجي الجامعة للالتحاق بالمؤسسات الإعلامية - وهذا ليس في دولة قطر فقط وإنما يكاد ينسحب على دول العالم بكاملها- الحساسية الموجودة بين الجيل القديم والجيل الجديد وكذلك بين الجيل الجامعي والجيل الذي امتهن الصحافة وأبدع فيها بدون الجلوس على مقاعد الدراسة في أقسام الصحافة والإعلام. وهذا الصراع بين الأجيال يؤدي دائما إلى سوء تفاهم وصد الأبواب أمام الجيل الجديد من الإعلاميين والمبدعين. وفي حال دولة قطر نلاحظ تعدد الجنسيات وتعدد المدارس والمفاهيم وبعض الأحيان المقاربات والاتجاهات، ورغم أن هذا التنوع والاختلاف يؤديان إلى تميز تُحسد عليه دولة قطر إلا أنه كذلك له سلبياته ونقاط ضعفه. إن عملية توطين وظائف الإعلام بالدولة تتطلب خطة محكمة ومدروسة من قبل المسؤولين على الإعلام في الدولة من جهة والمؤسسات التي تكوّن الكوادر الإعلامية من جهة ثانية والمؤسسات الإعلامية التي توظف هذه الكوادر من جهة ثالثة. وهذا يعني أن خريج الجامعة بالتنسيق ما بين الجهات الحكومية المسؤولة عن الإعلام والمؤسسة التي تكوّنه والمؤسسة الإعلامية التي توظفه مستقبلا بإمكانه أن يتدرب ويعرف مسبقا المؤسسة التي يعمل فيها منذ السنة الأولى من التحاقه بالجامعة. نستنتج من هذا الكلام أن المؤسسة الإعلامية وضمن خطة التوطين من واجبها أن توفر التدريب العملي للطالب الجامعي وتعمل على استقطابه للعمل لديها، كما أن الدولة يجب أن تنظم من فترة إلى أخرى دورات تدريبية للقائمين بالاتصال القدماء منهم والجدد وهذا لمواكبة التطورات التكنولوجية والنظرية في المجال الإعلامي وثورة الاتصال والمعلومات. وهنا تجدر الإشارة إلى الدور المتميز الذي تقوم به وكالة "قانا" في هذا المجال. من جهة أخرى يجب على الطالب أو الطالبة الجامعية أن تلتزم بالمؤسسة الإعلامية التي تسهر على تدريبها بعد الالتزام بحب المهنة والتفاني من أجلها. فعملية التوطين تتوقف على التزام المؤسسة الإعلامية سواء كانت عامة أم خاصة في وضع برنامج وخطة واضحة المعالم تحدد فيها احتياجاتها من الإطارات والكوادر الصحفية المواطنة على المدى القصير والمتوسط والبعيد وما هي إستراتيجية استقطابها للعناصر الجامعية وكيفية تدريبها وتكوينها للقيام بالواجب كما ينبغي. بالنسبة للدولة فدورها يتحدد أساسا في إلزام المؤسسات الإعلامية على توطين المهنة والمساهمة في عملية التدريب والتعليم المتواصل. من واجب المؤسسات الإعلامية كذلك إنشاء مراكز متخصصة للتدريب والتطوير الوظيفي في مجال الصحافة والإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة والوسائط المتعددة..إلخ. وهنا لا يسعنا إلا أن نشيد بالدور الرائع الذي تقوم به شبكة الجزيرة من خلال مركز التدريب والتطوير الذي لقي نجاحا باهرا ليس على مستوى دولة قطر فحسب وإنما على مستوى المنطقة بكاملها. الملاحظ أن نسبة كبيرة من القائمين بالاتصال في دولة قطر هم من الدول العربية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية الناطقة بالعربية أما بالنسبة للمؤسسات الناطقة باللغة الإنجليزية فمعظمهم آسيويون يمارسون مهنة الصحافة في دولة عربية ومعظمهم لا يتقن لغة الضاد وهذه مشكلة يجب أن تعالج مستقبلا حيث يتوجب على الجامعات والمؤسسات المكونة أن تكوّن إعلاميين مواطنين وعرب ينتجون المادة الإعلامية ويكتبون باللغة الإنجليزية كما يكتبون باللغة العربية. ونلاحظ أن ما يزيد على 95% من الصحفيين في دولة قطر وافدون، وأن معظمهم لم يستفد ولو من تدريب واحد منذ أن التحق بمؤسسته الإعلامية. هذه الأرقام تشير إلى ضرورة التوطين وأهمية التكوين والمتابعة العلمية والفنية والتعليم المستمر للقائم بالاتصال في الدولة، ذلك العنصر الذي يعمل على تشكيل الرأي العام ويعمل على مسايرة ما يجري في المجتمع بإيجابياته وسلبياته. العملية إذا تتطلب تعاون الجهات الثلاث: الدولة من جهة والمؤسسات الجامعية والكليات التي تكوّن الكوادر الإعلامية والمؤسسات الإعلامية التي توظف هذه الإطارات وإذا تهاونت جهة من هذه الجهات في التنسيق والتعاون والعمل على تنفيذ الإستراتيجية فإن العملية ستنتهي بالفشل ويبقى الخلل قائما. فالدولة مطالبة بوضع إجراءات وقوانين تلزم بها المؤسسات الإعلامية باستقطاب العنصر المواطن وضمّه إلى المؤسسة إضافة إلى تنظيم دورات تدريبية لضمان تطوير مهارات وخبرات الصحفيين والقائمين بالاتصال في الدولة سواء القدماء منهم أو الجدد وسواء كانوا مواطنين أو وافدين. لقد حان الوقت لوضع الثقة في ابن وابنة قطر كما حان الوقت بالنسبة للجيل الجديد من أبناء قطر أن يرفع المشعل ويفرض وجوده للقيام بالواجب الوطني، واجب البناء والتشييد والتنمية الشاملة. ومهما توفرت الكفاءات والإطارات فإن ابن قطر هو الأجدر بمعرفة خبايا وخلفيات مجتمعه وأبناء جلدته وهو الأجدر بمعالجة هموم وقضايا مجتمعه، وحتى يكون إعلام قطر في مستوى الإنجازات المختلفة للدولة فلابد من الاهتمام بصانع الرسالة الإعلامية دون أن ننسى المستلزمات الأخرى (الراتب والامتيازات، هيئة مستقلة تعنى بقضايا الإعلام، القوانين والتشريعات التي تضمن حرية الصحافة، جمعية للصحفيين) التي يجب أن تتوفر لنستطيع أن نتكلم عن إعلام قطري وطني حر ومسؤول وملتزم وفعال.
595
| 06 يوليو 2013
في ندوة نظمها قسم الإعلام بجامعة قطر بمناسبة حصوله على الاعتماد الأكاديمي من مجلس الاعتماد لجمعية تدريس الإعلام والاتصال الجماهيري بالولايات المتحدة الأمريكية عادت إشكالية توطين وظائف الإعلام بدولة قطر إلى ساحة المناقشة و الحوار و المصارحة من أجل تحديد مواطن الضعف و رسم استراتيجية لعلها تأتي بالحلول من أجل إعطاء هذا القطاع الحيوي الإستراتيجي حقه من الإمكانيات المادية ومن الكادر البشري المواطن و من القوانين و الإجراءات التشريعية و التنظيمية و من الأجهزة التي من شأنها توفير المستلزمات الضرورية لإعلام يكون في مستوى الطموحات و الإنجازات التي حققتها دولة قطر. الندوة حضرها مسئولون كبار عن المؤسسات الإعلامية القطرية والذين سايروا المسيرة الإعلامية بالدولة منذ بدايتها الأولى والذين يعرفون القطاع الإعلامي والمنظومة الإعلامية القطرية جيدا. في هذا المقال سنركز على إشكالية النظام الإعلامي في دولة قطر و هل قام هذا القطاع بالدور المنوط به و هل استطاع أن يكون في مستوى التطورات التي حققتها الدولة في المجالات الأخرى؟ و ما هو الدور المسند للقائم بالاتصال المواطن في رفع التحدي و القيام بالدور الإيجابي والفعال للمؤسسة الإعلامية في دولة ركز فيها كبار المسؤولين على حاجتهم إلى إعلام كشف الحقائق و الاستقصاء و طرح المشاكل بكل شجاعة و جرأة، المسؤولون أكدوا أمام الملأ أنهم ليسوا بحاجة إلى إعلام التملق و الزخرفة. تنعم دولة قطر ببنية إعلامية و اتصالية جيدة حيث تعد من أحسن البني الموجودة على مستوى الوطن العربي أو باقي الدول النامية. فالدولة تيقنت و تأكدت أن عملية التنمية الشاملة لا تستطيع أن ترى النجاح و لا النور إلا ببنية تحتية قوية و خاصة في ميدان المواصلات و الاتصالات و الإعلام. فدولة قطر تتمتع اليوم بأربع يوميات ناطقة باللغة العربية و ثلاث ناطقة باللغة الإنجليزية ناهيك عن القنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية والمحطات الإذاعية و وكالة "قانا" للأنباء هذا إضافة إلى أكثر من 60 دورية و مطبوعة تعنى بمختلف الميادين و المجالات و تنشر باللغتين العربية و الإنجليزية.ما يمكن قوله عن البنية التحتية الإعلامية في دولة قطر أنها في مستوى إنجازات الدولة و ما حققته في مختلف الميادين. كما أننا لا نستطيع أن ننكر الدور الفعال و الإيجابي في عملية البناء و التشييد في هذه الدولة التي لعبته مختلف المؤسسات الإعلامية بفضل الصحفيين و الإداريين و المسؤولين. إضافة إلى ذلك تنعم دولة قطر بإنفاق إعلاني معتبر كما تنعم قطر بعدد معتبر من المشاركين في شبكة الإنترنت. كل هذه المؤشرات تبشر بالخير، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل البنية التحتية و الإمكانيات المادية تكفي لوحدها لإيجاد منظومة إعلامية وطنية محلية قوية وفعالة؟ ماذا عن المحتوى و ماذا عن الرسالة؟ شهدت دولة قطر في الفترة الأخيرة حوارا صريحا وجريئا و مباشرا بين الرأي العام و كبار المسؤولين حول حرية الصحافة في دولة قطر و حول الخطاب الإعلامي في الدولة والواقع المعاش، و السؤال الإستراتيجي الذي يطرح نفسه في هذه المعادلة هو القائم بالاتصال و هل إذا كان هذا الأخير أجنبيا (أكثر من 95% من الصحفيين وافدون) هل باستطاعته أن يقوم بدوره كما ينبغي بدون رقابة ذاتية و حذف ذاتي و تخوف…الخ. و البديل هنا إذن هو التفكير في الكادر المواطن. ما هي مكانة القائم بالاتصال القطري في العملية الإعلامية بدولة قطر و هل العنصر المواطن موجود في الساحة و يقدم الرسالة الإعلامية الواجب تقديمها للرأي العام القطري سواء فيما يتعلق بالمسائل المحلية أو الإقليمية أو العالمية و هل أنه يقدم ما عليه في ما يتعلق بشؤون التوعية و التثقيف ومجالات التنمية الشاملة بمختلف دروبها و مجالاتها في الدولة، و هل يقوم بمساعدة السلطة في كشف العيوب و التجاوزات والتناقضات ومحاولة تصحيحها. اهتمت القيادة السياسية في دولة قطر في السنوات الماضية اهتماما بالغا بموضوع توطين الوظائف بالدولة و بإشراك العنصر المواطن في مختلف القطاعات و المجالات خاصة القطاع الخاص. بالنسبة لوسائل الإعلام يكتسي الموضوع أهمية بالغة لأن الرسالة الإعلامية هي قبل كل شيء منتج فكري وسياسي وأيديولوجي وثقافي واجتماعي وهذا يعني أن القائم على إنتاج هذا الموروث الثقافي والاجتماعي والفكري الذي تقدم للرأي العام القطري محليا و الذي يقدم للرأي العام جهويا وإقليميا ودوليا باسم دولة قطر يجب أن يحمل بدون أدنى شك بصمات و إمضاءات العنصر القطري بكل ما تحمل الكلمة من معنى سواء من حيث الشكل والمضمون والمحتوى و اللكنة و اللباس و المظهر و المخزون اللغوي و اللساني ...إلخ. هذا يعني أن فسح المجال لأبناء وبنات قطر لخوض التجربة الإعلامية والعملية الإعلامية أمر لا جدال حوله، و أن التطور الذي شهدته دولة قطر في مختلف المجالات يجب أن يرافقه تطور على مستوى الطاقات و الكوادر البشرية المواطنة. كما يجب كذلك إيجاد معادلة صحية و صحيحة ما بين خريجي الجامعات ومختلف الكليات من جهة والمؤسسات الإعلامية سواء كان عاما أم خاصا من جهة أخرى. كما لا ننسى أن مخرجات وسائل الإعلام تلعب دورا استراتيجيا في صناعة وتشكيل الرأي العام، وهذا يعني أن صناعة الرأي العام القطري يجب أن يشرف عليها ابن و ابنة قطر وهذا أمر لا نقاش فيه على عكس صناعة البضاعة المادية التي لا تحمل في طياتها الفكر والسياسة والأيديولوجية و التاريخ والذاكرة الجماعية و الموروث الثقافي للأمة. تجدر الإشارة هنا أن الكفاءات الصحفية و الإعلامية العربية و الآسيوية الوافدة لعبت دورا إستراتيجيا ومازالت تلعب دورا بالغ الأهمية في عملية التنمية الشاملة بدولة قطر، وهذه الكفاءات من مختلف الجنسيات العربية و الآسيوية وجدت مناخا مناسبا في هذه الدولة لاستخدام خبراتها ومهاراتها وتجاربها ومؤهلاتها ووضعتها في خدمة الدولة، لا أحد ينكر هذا لكن المطلوب الآن و بعد مرور هذه الفترة كلها هو إقحام العناصر الشابة التي تخرجت من الجامعات ومختلف مؤسسات التعليم العالي و إعطائها فرصة المساهمة والمشاركة في بناء وطنها بكل فخر و اعتزاز. بيانات و إحصاءات جامعة قطر تشير إلى تخرج عدد هائل من أصحاب الشهادات الجامعية في مختلف التخصصات الإعلامية، و هذا يعتبر مؤشر جد إيجابي لإنجاح عملية التوطين و تشجيع العناصر الوطنية الشابة على الاقبال على مهنة المتاعب. من جهة أخرى نلاحظ الشكاوى المتكررة لخريجي الجامعة و الكليات بشأن عدم وجود وظائف في قطاع الإعلام، هذا القطاع الذي يطلب الخبرة والتجربة إلى جانب الشهادة الجامعية. لكن يا ترى أين هو الخلل؟ خريجو الجامعة من حملة شهادة الاتصال الجماهيري متوفرون، المسئولون في الدولة يؤكدون ويصرون على عملية التوطين وضرورة النهوض بإعلام قوي و فعال، إعلام لا يعتمد التلميع والتملق وإنما إعلام ينتهج كشف الأخطاء والتجاوزات والتناقضات كمذهب رئيسي من مذاهب عمله. هذا يعني أن الشروط والمستلزمات متوفرة، و أن صاحب القرار في الدولة مقتنع بضرورة و أهمية عملية التوطين، لكن من دون شك هناك بعض العراقيل والمشاكل سنتناولها في الجزء الثاني من هذا المقال في الأسبوع القادم بمشيئة الله.
689
| 29 يونيو 2013
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5058
| 20 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
4452
| 24 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3699
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2799
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2373
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1518
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1071
| 20 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1023
| 23 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
978
| 21 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
972
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
846
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
825
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية