رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أثارت عملية تعاقد الحكومة المصرية مع شركة علاقات عامة أمريكية لتحسين صورتها لدى الرأي العام وصانع القرار الأمريكي ردود أفعال كثيرة وجدالا كبيرا. هل القرار سليم؟ وهل ستستطيع وكالة العلاقات العامة تحسين صورة قد لا يشفع لها إلا الممارسة السياسية السليمة والديمقراطية والمبنية على الرأي والرأي الآخر؟. هل القرار صائب خاصة أن الشركة لديها علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني وبعض المسؤولين فيها إسرائيليون بالإضافة إلى وجود تضارب في المصالح وتناقض صارخ مع أخلاقيات العلاقات العامة. من جهة أخرى هناك كلام كثير يُتداول هذه الأيام عن عملية تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على مكالمات رئيس 35 دولة في العالم مما سيهز صورة أمريكا محليا ودوليا، والسؤال هنا هو هل بإمكان العلاقات العامة أن تحسن صورة دولة تقوم بالتجسس على دول أخرى وتضرب عرض الحائط أخلاقيات ومبادئ العلاقات الدولية.
يظن الكثيرون أن العلاقات العامة بإمكانها أن تفعل كل شيء وأن تغير المواقف والآراء والصور. وأن الأمر يتعلق بمجرد استعمال استراتيجيات اتصالية وحملات إعلامية. هذا الاعتقاد في حقيقة الأمر ناجم عن فهم خاطئ للعلاقات العامة، حيث إن هذه المهنة، مع الأسف الشديد، هي من أكثر المهن في العالم معاناة من سوء الفهم وسوء الاستعمال. فالعلاقات العامة التي تقوم على المهنية والتميز والالتزام والأخلاق تعتمد في فلسفتها على الأفعال وليس الأقوال، كما أنها تعتمد على الصدق وعلى احترام الجمهور والرأي العام كما أنها تتجنب الوعود الكاذبة و الصور الفضفاضة والكلمات الرنانة التي قد تكون أكبر بكثير من حجم المنظمة أو المؤسسة التي تحاول تقديمها وتسويقها للجمهور. كما أنه يوجد اعتقاد سائد في العديد من دول العالم أن العلاقات العامة هي "دعاية" وأنشطة اتصالية تؤمن بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة.وهذا الاعتقاد خاطئ ولا أساس له من الصحة لأن الوظيفتين الرئيستين للعلاقات العامة هما بناء الصورة وإدارة السمعة. فمنطقيا العلاقات العامة لا تستطيع بناء الصورة بالاعتماد على الدعاية وبتضخيم الأحداث والمعلومات وغير ذلك لأن الرأي العام لا يقتنع إلا بالحقائق والوقائع والإحصاءات والأدلة والحجج والبراهين.
مارست الإدارة الأمريكية ما تسميه ب"الدبلوماسية العامة" لتجميل صورة الولايات المتحدة في العالم بعدما اكتشفت بعد 11 سبتمبر أن صورتها سلبية جدا و معظم شعوب العالم لها فكرة سيئة عن ممارسات الولايات المتحدة في العالم. الأمر الذي أدى بالإدارة الأمريكية إلى تأجير أقلام في دول عديدة من العالم لإبراز دور أمريكا في محاربة الإرهاب والتخلص من الدكتاتوريين أمثال الرئيس صدام حسين وغيره. أما داخل الولايات المتحدة الأمريكية فلقد استعملت مختلف أساليب القمع و كبت الحريات العامة بحجة الحرب على الإرهاب و شملت هذه الطرق والسبل حتى من يتظاهر للدفاع ومناصرة قضايا كالبيئة و حقوق الإنسان و الحريات الفردية و حرية الصحافة و التعبير.
فمنذ وصول إدارة بوش إلى السلطة و هي تستعمل طرق ووسائل مختلفة و عديدة للوصول إلى الرأي العام من أهمها إخفاء الحقائق والتركيز على ما يدعم سياستها و قراراتها. و من أهم الوسائل التي استعملتها إدارة بوش حملات علاقات عامة سرية لكسب ولاء وسائل الإعلام الأمريكية و الأجنبية للترويج لسياساتها. فإدارة بوش كانت تبدل قصارى جهودها لإقناع الشعب العراقي والرأي العام الأمريكي والعالمي أن الأوضاع في العراق أحسن بكثير عما كانت عليه في عهد صدام. والواقع بطبيعة الحال غير ذلك تماما. فكل وسائل الإعلام المأجورة و الموالية للبيت الأبيض أصبحت تتغاضى عن الواقع اليومي المر الذي يعيشه الشعب العراقي حيث تدنى مستوى الخدمات بمختلف أنواعها ناهيك عن انعدام الأمن وغلاء المعيشة والجرائم. ..الخ. و بدلا من كل هذا ركزت وسائل الإعلام على الأخبار الإيجابية و التي تزخرف وتلون صورة أمريكا محليا و عالميا خاصة في الوطن العربي وهذا بإنشائها راديو "سوا" وتلفزيون "الحرة". كما لجأت إدارة بوش إلى إنشاء ما يسمى بإدارة "العمليات الإعلامية" لإنتاج مقالات و تقارير صحفية تكتب باسم كتاب عراقيين لتضليل الرأي العام. هذه الإدارة والتي تنشط تحت مظلة البنتاجون خصص لها مئات الملايين من الدولارات من أجل نشر الدعاية السياسية والخطاب الإعلامي الإيجابي و المحابي لأمريكا من أجل إخفاء السلبيات و التركيز على الإيجابيات.
كما اعتمدت إدارة بوش على المعارضة العراقية التي كانت تزودها بأخبار مغلوطة و زائفة واشتهر الجلبي بالحصول على أموال طائلة لتقديم أكاذيب للأمريكيين من أهمها وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق و لقاء الرئيس صدام حسين بأسامة بن لادن ووجود علاقات وطيدة بين العراق والقاعدة. هذه الأخبار تداولتها وسائل الإعلام الأمريكية بدون مساءلة ولا تحقيق و لا تمحيص في مصداقيتها. ففي حربها على الإرهاب و غزوها لأفغانستان و العراق جندت إدارة بوش إمكانيات كبيرة لتجميل صورتها في العالم كما جندت عددا كبيرا من الصحفيين و استخدمت وسائل الإعلام كوسائط دعائية للحكومة.وبذلك جندت وكالة المخابرات المركزية عددا لا يستهان به من الصحافيين في عملية التضليل و التبرير و التلاعب الإعلامي من أجل كسب الرأي العام و من جهة أخرى و مقابل التقرب و كسب ود الصحافيين، استعملت إدارة بوش إجراءات أخرى للتخلص و إبعاد الصحافيين الجادين المعروفين بالتزامهم بقضايا الجماهير، و كانت هذه الطريقة تستخدم في المؤتمرات الصحفية للرئيس بوش حتى لا يتم إحراجه بأسئلة جدية و مبنية على معطيات و حقائق من الميدان. ففشل أمريكا في حربها على الإرهاب عملت المؤسسات الإعلامية الكبيرة على تبريره و تقديمه للرأي العام سواء في أمريكا أو في العالم على أنه نجاح.
اشتهرت أمريكا بانتقادها الموجه للدول السلطوية و للاتحاد السوفيتي سابقا بسبب سيطرتها على وسائل الإعلام و التحكم فيها كما تشاء، و أكثر من ذلك تسخيرها لتقديم الواقع كما تريده السلطة و ليس كما هو. المتتبع لحرب أمريكا على الإرهاب يلاحظ أن إدارة بوش أصبحت تتعامل مع وسائل الإعلام كالدول الشمولية و أصبحت تتعامل مع السلطة الرابعة و حرية الصحافة و حرية التعبير و كأنها الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية. ففي ظل إدارة بوش أصبح الصحفيون الأمريكيون عملاء لحكومتهم، بدلا من مراقبتها و الوقوف عند تجاوزاتها و استقصاء الحقيقة و مساءلة كل التصريحات والتقارير، أصبحوا يهللون و يصدقون كل التقارير و كل ما يصرح به السياسيون و الجنرالات. فوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية استطاعت و من أجل كسب الحرب الإعلامية الموازية للحرب على الإرهاب تجنيد العديد من الصحفيين واستكتابهم لتزييف الحقائق وتضليل الرأي العام وتقديم ما يخدم سياسات إدارة بوش و توجهاتها حتى و إن كانت على خطأ. قالت صحيفة نيويورك تايمز في هذه الفصيلة من الصحافيين ما يلي: "تكفي ضغطة واحدة على الزر لتعزف تلك الأبواق ولتصبح أداة لأوركسترا الدعاية بأية لغة و في أي بلد من بلاد العالم طالما أن مزاج السي أي إيه يتقبل الاستماع إليها. ويدعم تلك الأبواق أوركسترا كبيرة من الصحافيين". فإدارة بوش لم تقتصر على "شراء" الصحافيين الأمريكيين بل تخطت ذلك إلى أنحاء العالم حيث أشترت الأصوات والعملاء من الصحافيين والمؤسسات الإعلامية لإسماع صوتها و إسكات أي صوت من شأنه أن ينتقد الولايات المتحدة الأمريكية. فهل نجحت أمريكا في تحسين صورتها في العالم، طبعا لا لأن تحسين الصورة لا يتحقق عن طريق شراء الأقلام والذمم والتضليل والتشويه وتأجير وكالات العلاقات العامة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6387
| 24 أكتوبر 2025
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6387
| 27 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5103
| 20 أكتوبر 2025