رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قبل أيام اُختتمت في جزيرة مارغريتا بفنزويلا القمة الـ17 لحركة عدم الانحياز مكللة أشغالها بوثيقة تضمنت 198 صفحة. الحركة التي تضم 120 دولة أصبحت موضوع نقاش وجدال كبيرين حول أهميتها ودورها في العلاقات الدولية وفي مسرح الأحداث التي يشهدها العالم ويعاني منها الكثير من أعضاء الحركة، مثل ليبيا والعراق وسوريا واليمن ومصر، والقائمة قد تطول. لقد مرت 61 سنة على إنشاء المنظمة في باندونغ بإندونيسيا والظروف والأهداف التي تأسست فيها الحركة وجاءت من أجلها قد تغيرت بدرجة كبيرة جدا. فهل غيرت الحركة من إستراتيجيتها وطريقة عملها؟ وهل كيّفت نفسها مع ظروف جديدة من أهمها انهيار الشيوعية والكتلة الشرقية وظهور القطبية الأحادية ثم ظهور أقطاب جديدة على الساحة الدولية إلى جانب روسيا (الاتحاد السوفييتي) سابقا وأمريكا؟. فالحركة، التي تأسست في أوج الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي، قامت أساسا على مبادئ تؤمن بعدم الانحياز أو المشاركة مع أي طرف عسكري في إطار الحرب الباردة، والمحافظة على استقلال الدول المحايدة مع التعاون الكامل لكلا المعسكرين الشرقي (الاتحاد السوفيتي ودول حلف وارسو) والمعسكر الغربي (الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو). كما تعمل الحركة جاهدة على مساندة الشعوب غير المستقلة من أجل تحريرها، ودعم الدول المستقلة في المشاركة في حلّ المشاكل والأزمات الدولية، ودعم منظمة الأمم المتحدة ومساعدتها في تنفيذ قراراتها لصالح هذه الدول. وفي هذا السياق سارعت الدول الحديثة الاستقلال إلى المطالبة بأسس جديدة للعلاقات الدولية للحدّ من الهيمنة الأجنبية بعد تحرّرها من الاستعمار، وإلى محاولة فرض وجودها على الساحة الدولية، وكمحاولة للتضامن فيما بينها بشكل مشروع على الصعيد الدولي لتحافظ على استمرارية وجودها، فعُقدت عدّة مؤتمرات قبل الحرب العالمية الأولى وخلال الحربين العالميتين وبعدهما، إلا أن دول عدم الانحياز لم تظهر إلى الوجود إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وأخذت عدّة مواقف سلبية وإيجابية حتى تثبت دورها كدول غير منحازة للدخول بأي حرب تحت أي ضغوط أو ظروف إقليمية أو دولية وحتى داخلية. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل استطاعت دول عدم الانحياز تغيير قرارات مجلس الأمن لصالحها؟ وهل استطاعت تفعيل قرارات منظمة الأمم المتحدة في حلّ النزاعات داخلها وفي بلدان العالم الثالث والبلدان الأفرو-آسيوية وبلدان الشرق الأوسط؟ في سنة 1955 تبنى مؤتمر باندونغ فكرة عدم الانحياز امتدادا للحركة الأفرو-آسيوية، إذ شارك في تأسيسه 29 دولة. ومن أشهر الزعماء الذين وضعوا أسس ومبادئ الحركة جمال عبد الناصر وجواهر لال نهرو وأحمد سوكارنو وجوزيب بروز تيتو وكوامي نكروما وشو أون إن لاي، وأسفر هذا المؤتمر عن أهمّ 10 بنود عُرفت بـ "مبادئ باندونج العشرة"، والتي تحوّلت لأهداف محورية للحركة. تبنّت دول عدم الانحياز سياسة التوازن النووي بعد الحرب العالمية الثانية لتأكيد التعايش السلمي والحفاظ على السلام العالمي كأهمّ أهدافها، رغم تأثّر هذه الدول بسياسة الحرب الباردة، والتكتّل العالمي العسكري، والصراع بين المعسكريْن الرأسمالي والشيوعي، واحتمالات نشوء حرب عالمية ثالثة، فاتخذت دول عدم الانحياز مبدأ الحياد من المعسكريْن سياسةً إيجابيةً تحدّ من التوجّه نحو الحرب، وعدم الدخول بينها كطرف وسيط أو منحاز لأي معسكر، وذلك طلبًا لاستقرار الأمن وتحقيق غاياتها القومية، ومرت هذه السياسة بعدّة مراحل مبرزة تخوفها من عجز منظمة الأمم المتحدة في احتواء مشاكلها وسيطرة الدول الكبرى على قرارات مجلس الأمن، وتكتّل الدول المستقلّة بهدف الحياد عن المعسكرين، وتفاقم الصراع بين المعسكريْن وممارسة الضغوط عليهما من قِبل دول عدم الانحياز بهدف السلام والأمن الدولييْن. تأسست حركة عدم الانحياز في بيئة اتسمت بخصوصيات ومميزات محددة ونتيجة ظروف معينة في فترة معينة ما بعد الحرب العالمية الثانية. أما اليوم فإن هذا المفهوم لم يعد ممكنا تحقيقه أو تطبيقه بشكل كامل في بيئة دولية جديدة وفي ظروف وتحولات سياسية واقتصادية واتصالية يتميز بها القرن 21. والتي تفرض على جميع دول العالم الاختيار والانحياز إلى قضية أو إلى طرف على حساب طرف آخر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فإذا لم يكن ذلك التحيز لحساب مصلحة طرف ما، فإنه على أقل تقدير تحيز لمصالح الدولة نفسها على حساب بقية أطراف الصراع في السياسة الدولية. في ظل العديد الصراعات والأزمات الدولية وفي ظل الحرب على الإرهاب ومختلف القضايا الدولية الشائكة والعالقة والمعقدة ستثبت صحة مقولة "نهاية عقود الحياد أو عدم الانحياز" على حساب "التحيز والانحياز"، والذي يفرض بدوره ضرورة الاستعداد لتقبل فكرة التحيز والمشاركة المباشرة أو غير المباشرة في الصراعات والتجاذبات الدولية العابرة للقارات. فالعالم اليوم يعيش نهاية عقود الحياد الدولي أو مفهوم عدم الانحياز، وهو من المفاهيم التي تصور إمكانية بقاء بعض الدول التي تحاول النأي بنفسها بعيدا عن دائرة الصراعات والتجاذبات الدولية، فعلى سبيل المثال: هل تمكنت دول عدم الانحياز من التملص أو عدم المشاركة في الحرب العالمية الكبرى على الإرهاب؟ هذه الحرب التي تدار وتوجه وفق رؤية وإستراتيجية أمريكية ووفق مصالح محددة، والتي أدخلت مختلف دول العالم بطريقة أو بأخرى في حرب لا نهاية لها ضد العديد من القوى الدولية والمنظمات التي أطلقت عليها أمريكا ووفق معاييرها الخاصة اسم المنظمات الإرهابية. وماذا يعني وجود قواعد عسكرية للقوى الدولية كروسيا والولايات المتحدة الأمريكية في العديد من دول عدم الانحياز؟ ماذا يعني انحياز بعض دول عدم الانحياز إلى التكتلات والتحالفات الدولية على حساب دول وتكتلات أخرى؟، وماذا نفهم من وقوف بعض دول حركة عدم الانحياز وتحيزها مع دول بعينها وقضايا معينة ووفق مرئيات متحيزة لفكرة أو اتجاه أو قضية من قضايا ثورات الربيع العربي في بعض دول الربيع العربي؟ من جهة أخرى يرى البعض أن استمرار انعقاد مؤتمرات دول عدم الانحياز على مختلف المستويات القيادية عامل إيجابي يمكّن هذه الدول من تنسيق العديد من مواقفها حتى على مستوى اللقاءات الجانبية التي تعقد على هامش المؤتمرات، وبالتالي فإن المطلوب هو استمرار مجموعة عدم الانحياز وعدم التوقف عن أنشطنها مهما كانت التغيرات على المستوى الدولي، مع الحرص على عقد اجتماعاتها باستمرار لأن العديد من دولها تملك من الإمكانات الاقتصادية تمكنها من التأثير في مجريات الأحداث الدولية الاقتصادية منها والسياسية، وبالتالي فإن قرارات أو توصيات مؤتمرات قمم دول عدم الانحياز تأخذ أهميتها لو قامت دولها بالالتزام بها أولًا والتعامل مع الدول الكبرى بموجبها ووفق مصالحها الوطنية.
3828
| 24 سبتمبر 2016
انتهت أسطورة الأمن القومي الأمريكي بتدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 بهجمات إرهابية صاعقة، على إثر ذلك تم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق لبحث وجمع أكبر قدر من المعلومات حول تخطيط وتمويل وتنفيذ تلك الهجمات، وانتهت اللجنة إلى تقرير من أكثر من 800 صفحة، ظهر الجدال بشأنه مؤخرًا مع مناقشة الكونجرس الأمريكي لمشروع قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي يهدف إلى توفير العدالة لضحايا الأعمال الإرهابية التي تُرتكب على الأراضي الأمريكية وتوفير الغطاء القانوني لأهاليهم لإقامة دعاوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية ضد الأشخاص أو البلدان المشتبه في تمويلهم لتلك العمليات الإرهابية. هذا القانون الذي هدد البيت الأبيض باستخدام حق النقض «الفيتو» ضده، يتيح لعائلات الضحايا مقاضاة دول أجنبية خصوصًا المملكة العربية السعودية التي حمل جنسيتها 15 شخصًا من 19 نفذوا الاعتداءات. المثير في ذلك الموضوع هو حجب الفصل الأخير من التقرير عن الجمهور من قِبل إدارة الرئيس السابق جورج بوش لأسباب تتعلَّق بالأمن القومي، ليستمر التقرير محاطا بجدار من السرية حتى الآن، ويتكون ذلك الفصل من 28 صفحة وأصبح يُعرف في الأوساط الإعلامية بتقرير الـ28 صفحة، ويتناول - بزعم الإدارة الأمريكية - دور المملكة العربية السعودية في تلك الهجمات؛ لذلك يطالب أقارب ضحايا هجمات 11سبتمبر بحقهم في الاطلاع على ذلك الجزء من التقرير، لإتاحة الفرصة لهم بحسب قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب لممارسة حقهم القانوني في رفع دعاوى على المملكة العربية السعودية لمطالبتها بتعويضات مالية عمَّن فقدوهم في أحداث التفجيرات استنادًا لما أثبته تقرير الـ28 صفحة. ماذا لو صادق البرلمان الياباني على قانون يسمح لليابانيين بمحاكمة أمريكا ومطالبتها بتعويضات عن خسائر هيروشيما وناجازاكي، وماذا لو فعلت كل الدول التي عانت من ويلات الاستعمار الشيء نفسه، ماذا لو تبنى البرلمان الجزائري قانونا يستطيع الجزائريون من خلاله المطالبة بتعويضات عن جرائم 130 سنة من الاستعمار ومليون ونصف مليون شهيد؟ ماذا عن العراق؟ وأفغانستان، فيتنام..إلخ. ما تقوم به أمريكا هذه الأيام فيما يخص قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب هو بكل بساطة وسيلة جديدة للضغط والابتزاز وهو قانون عار من كل منطق قانوني أو شرعي. وإذا كان القانون الذي وافق عليه مجلس النواب والكونجرس موجها للسعودية مباشرة فالمحاكم الأمريكية لم تنجح منذ الحادثة إلى يومنا هذا رغم جهودها المضنية والمكثفة في إدانة شخصيات اعتبارية سعودية؛ وربطها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر. قضايا أهالي الضحايا فشلت لأسباب قانونية صرفة، ويفترض أن تشكل مجتمعة، سابقة تمنع المتضررين من رفع مزيد من القضايا ضد جهات لا علاقة لها بالإرهاب وأحداث تفجير برجي التجارة العالمية، فالسعودية اليوم تعاني معاناة كبيرة من الإرهاب والعمليات الإرهابية ورغم أن 15 شخصا ممن تفذوا أعمال 11 سبتمبر 2001 هم سعوديون فهذا لا يعني أن المملكة مسؤولة عن أعمالهم ومطالبة بالتعويض وهي الدولة التي تبرأت منهم. إن فتح باب مقاضاة الدول بعد رفع الحصانة عنها من قبل الأفراد سيفتح باب جهنم على الأمريكيين أنفسهم، وهو ما حذر منه المتحدث باسم البيت الأبيض، حين قال:«لدي قلق كبير أنه سيكون هناك تأثير سلبي على الأمن القومي الأمريكي وعلى أمن المواطنين الأمريكيين في جميع أنحاء العالم، والسبب أن دول العالم قد تستخدم هذا التشريع ذريعة لسن قوانين مماثلة تضع الولايات المتحدة والشركات، والمواطنين في خطر». المملكة العربية السعودية ليست بحاجة إلى إعادة تأكيد براءتها من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأي تهمة أخرى على علاقة بالإرهاب، طالما أن المحاكم الأمريكية أثبتت ذلك من قبل، إضافة إلى موقف المملكة المعلن من الإرهاب ومحاربتها له، وتضررها المباشر منه، غير أن التعامل مع المتغيرات التشريعية والقانونية يجب أن يتم وفق معايير دقيقة تضمن تحييد الخطر مهما تضاءلت نسبة حدوثه. مشروع «العدالة ضد رعاة الإرهاب» قد يكون حبل المشنقة الذي يلف على رقبة صاحبه، فقضايا الإرهاب المعلنة لا تخلو من الجانب الاستخباراتي الذي يُعتقد أن الأجهزة الغربية فاعلة فيه، إضافة إلى إرهاب الدول الذي يكيف اليوم على أنه تدخل لحماية الشعوب وإنقاذها وفرض الديمقراطية، وهو لا يعدو أن يكون تدخلا لتدمير الدول والشعوب وإسقاط حكوماتها ونهب ثرواتها. سيأتي اليوم الذي يحاكم فيه كل من تسبب في تدمير العراق وسوريا وليبيا ونشر جماعات الإرهاب فيها، والتخطيط لتدمير مصر والأردن والجزائر وتونس وفق قانونهم المسمى بـ« العدالة ضد رعاة الإرهاب»، سينقلب السحر على الساحر وتنجلي الحقيقة أمام العالم بأسره. وبقراءة الواقع السياسي الأمريكي نجد أن إثارة هذا الموضوع في هذا الوقت تحديدًا، واختلاق ذلك الجدل، جاء بشكل مُخطَّط ومتعمَّد لأسباب عدّة نلخصها فيما يلي: التغطية على الفشل الأمريكي في إدارة أزمات منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي خلال فترة رئاسة باراك أوباما، خصوصًا في ظل ما وصلت إليه العلاقات الأمريكية العربية من توتر يحدث لأول مرة في التاريخ خصوصًا مع السعودية، الضغط على الرياض بعدما عصَفَت سياسة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بالأهداف الأمريكية في اليمن والبحرين، ورفضها التفاوض مع إيران كقوة إقليمية في المنطقة. تحقيق مكاسب مالية ضخمة لشركات التأمين الأمريكية ومكاتب المحاماة العملاقة التي تولَّت مهمة الدفاع عن ضحايا الهجمات لتعويض ما دفعته من أموال طائلة للضغط على الكونجرس للموافقة على إصدار مشروع القانون المذكور. لقد اتخذت أمريكا من هجمات 11 سبتمبر ذريعة لإحداث التغيير اللازم لإحكام السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، فقد قامت في أبريل 2005 بإعداد خطة "الثورة الخلاَّقة" لتشكيل الشرق الأوسط الجديد كردَّة فعل مباشرة على ذلك الهجوم الإرهابي، بهدف استبدال الأنظمة العربية القائمة باعتبارها سببًا مباشرًا لأعمال العنف والإرهاب والتطرف الذي يهدّد الأمن القومي الأمريكي والعالم بأنظمة تعددية ديمقراطية. وكانت مملكة البحرين من الدول المستهدفة ضمن ذلك المخطط، لتكون منطلق إسقاط منظومة مجلس التعاون الخليجي، إلا أن ذلك لم يتحقَّق رغم الضغوط الكبيرة التي تعرَّضت لها مملكة البحرين من أطراف دولية وإقليمية معروفة وواجهتها المملكة بحكمة ومرونة ودبلوماسية، وفي تعليق عن القانون قال الأمين العام لجامعة الدول العربية: "إن القانون يتضمن أحكاما لا تتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة أو مع القواعد المستقرة في القانون الدولي، ولا يستنِد إلى أي أساس في الأعراف الدولية أو القواعد المستقرة للعلاقات بين الدول ولا تقر، تحت أي ذريعة، فرض قانون داخلي لدولة على دول أخرى". أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما فعلق قائلا: "إذا فتحنا الباب لحرية مقاضاة الحكومات الأخرى فإننا سنفتح الباب أمام الأفراد في الدول الأخرى لمقاضاة الولايات المتحدة".
324
| 17 سبتمبر 2016
من أعظم مقاصد شعيرة الحج الوحدة الإسلامية والعالمية والمساواة والحوار البناء بين مختلف ثقافات وحضارات العالم، فالحج مؤتمر لربط أمة الإسلام بمركز واحد، يديم لها رباط الدين، ويجدده فيها، ويوثق خيوطه، ويشدها بواسطته إلى ذكريات السلم والسلام والأمن والأمان الذي انبثق في فجر رسالتها فهداها وأخرجها من الظلمات إلى النور، وفي الحج تتجلى "الوحدة الكاملة للأمة الإسلامية" بكافة شعوبها وأعراقها وأقطارها ومشاربها. وحدة في المشاعر والشعائر، ووحدة في القول والفعل، لا إقليمية ولا عنصرية ولا عصبية ولا طبقية، وإنما الجميع مسلمون، وبرب واحد يؤمنون، وببيت واحد يطوفون، ولكتاب واحد يقرأون، ولرسول واحد يتبعون، ولأعمال واحدة يؤدون، ولهدف واحد يسعون. الحج فرصة لكل حاج كي "يجسد" الوحدة الإسلامية و"يستمتع" و"يعمق" شعوره بها - ولو لبضعة أيام أو أسابيع - فليوثقها بحسن التعارف والتآلف، وبالتعاون وحسن التعامل، وبتبادل الآراء والأفكار والمعلومات، متوجا ذلك كله بالمحبة والإخاء ويبرهن للعالم بأسرة أن الإسلام هو دين البشرية كلها ينبذ العنصرية والتمييز والتفرقة كما ينبذ العنف والإقصاء. فهو دين التسامح والمحبة والتآخي والتكامل. قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 97) فالحج أهم عبادة إسلامية تؤدى كل سنة، وهو عبادة جامعة لكل العبادات الأخرى؛ لأنها تحتوي على عدد من الجوانب العبادية. وإذا كان الله أمرنا بأداء العبادات دون بيان لمبررات كل عبادة إلا أننا نستطيع أن نلمس لكل عبادة معاني وحكما وأسرارا، وفي الحج تتجلى الأبعاد والمعاني السياسية بقوة وهذا ما تنبه له كثيرون ففي دائرة المعارف البريطانية: "يؤدي الحجَّ كل سنة مليونان من الأفراد، وتؤدي هذه العبادة دورًا بالغًا في اجتماع المسلمين معًا في احتفال ديني". الحج مركز إسلامي جامع: "ورد في القرآن في معرض الأمر بالحج" {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة: 125)، والمثابة مرادفة لكلمة المركز بمعناها الحديث، أي المكان الذي يجتمع فيه الناس ويكون مرجعا يرجعون إليه وجامعا يجمعهم ويصونهم من التشتت...فبيت الله هو المركز الإسلامي العالمي إلى يوم القيامة، وهو مقر الاجتماع العالمي السنوي لكل مسلمي العالم.الحج هو المؤتمر أو الملتقى الوحدوي الأعظم: ولو نظرت إلى الحجاج وهم في جبل عرفات بملابس الإحرام الموحدة المظهر فسترى أن الشعوب والقوميات تنصهر في بوتقة واحدة جامعة، لتكتشف أن الحج أكبر مظاهرة اجتماعية منظمة لا تجد لها مثيلا في أي مكان آخر في العالم، فالحاج عندما يأتي إلى هذه الديار المقدسة فإنما يستشعر نفسه كعضو في جسد أكبر، وفرد في أمة كبيرة مترامية الأطراف أمة لا تعرف التقسيمات السياسية ولا الحدود الجغرافية فحين يطوف الحاج مع إخوانه المسلمين من شتى بقاع العالم بالكعبة المشرفة وحين يقف في عرفات ويبيت في منى والمزدلفة فإنما يحس بارتباطه العضوي بهذه الأمة الإسلامية على اختلاف الألوان والأجناس والثقافات واللغات بينها والمشارب مصداقا لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى َوَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)، فدار المسلمين دار واحدة وإن اختلفت ملوكهم وجيوشهم ولغاتهم وأجناسهم وثقافتهم ومجتمعاتهم ولا يتحقق بين مسلم ومسلم اختلاف في الدار، وإن تباينت التبعية السياسية وتباعدت المسافات والدول. المساواة ميراث تاريخي: فإن المسلم إذا زار هذه البقاع الطاهرة تذكر تاريخ أمته وأنوار قرآنه العظيم وتذكر صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكيف كانوا سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحد على أحد مهما كانت مكانته ومنزلته إلا بالتقوى وصدق الله العظيم إذ يقول {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: 13)، وتتجلى المساواة بأسمى صورها الواقعية في الحج وذلك على صعيد عرفات حينما يقف الناس موقفا واحدا لا تفاضل بينهم في أي عرض من أعراض الدنيا الزائلة بل التفاضل والفوز والفلاح بالتقوى فحسب، ففي هذه المناسك يتساوى الفقير والغني، والأبيض والأسود، والعربي والأعجمي لا تفاضل بينهم، ولا تناقض في أعمالهم، فالأعمال واحدة، فلا فرق بين أمريكي وسعودي وفرنسي ونيجيري وإندونيسي وباكستاني ومصري وماليزي إلا بالتقوى. والمقصد والهدف نفسه والسبيل والنهج واحد. فالحج هو مجلس شورى المسلمين بامتياز حيث إنهم يجتمعون في وقت واحد ومكان واحد على عمل واحد ويتصل بعضهم ببعض ويتم التعاون والتعارف ويكون وسيلة للسعي في تعرف المصالح المشتركة بين المسلمين والسعي في تحصيلها بحسب القدرة والإمكان، وبذلك تتحقق الوحدة الدينية والأخوة الإيمانية؛ فالإسلام ليس دين طقوس عقيدية جامدة إنه دين حياة بكل أبعادها. والأمة الإسلامية أمة أراد الله لها أن تكون صاحبة رسالة دينية وحضارية والرسالة الدينية الحضارية المنوطة بالأمة الإسلامية لا يمكن تأديتها والقيام بحقها إلا إذا توحدت جهود الأمة الإسلامية دينيًا وفكريًا وحضاريا. فالحج هو مؤتمر إسلامي سنوي ينعقد بدعوة إلهية، وتلتقي فيه وفود الأمم الإسلامية وممثلوها، في أطهر مكان بنفوس صافية مؤيدين بمعونة الله؛ ليرسموا خطة تعاون المسلمين، ويقرروا ما يحقق آمالهم، ويعالج أمراضهم، ويوحد كلمتهم، ولو عُني المسلمون بهذا المؤتمر الإلهي السنوي ليستفيدوا من تجارب بعضهم البعض، وليتحدثوا بمشاكلهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في كل مجالات الحياة لاكتشفوا الإمكانات التي يمكن لأي بلد إسلامي أن يستفيد من إمكانات البلد الإسلامي الآخر على جميع المستويات، باعتبار أن المسلمين أمة واحدة وأن قضاياهم واحدة، وأن مشاكلهم واحدة في هذا المجال. والحج هو المقام الطبيعي لإعلان القضايا الاجتماعية والسياسية، ولذلك أعلنت أهم أمور الإسلام في مناسبات الحج، ومن أمثلته إعلان البراءة من الكفار والمشركين والذي تم بعد نزول سورة التوبة. لقد نزل حكم البراءة من مشركي الجزيرة العربية وكفارها في المدينة إلا أنه أعلن بمكة خلال موسم الحج، وهذا دليل واضح على أن موسم الحج بمكة هو المكان الصحيح لإعلان كل القرارات الإسلامية المهمة، فالحج هو المركز الاجتماعي لكل مسلمي العالم، وهم يجتمعون هنا وعليهم أن يعلنوا هنا قراراتهم الكبرى وعليهم أن يضعوا هنا الخطط العالمية للأعمال التي تجب عليهم تنفيذا لأوامر الله ورسوله، والمثال الواضح الثاني لهذا هو خطبة حجة الوداع، التي هي أهم خطبة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فمن خلالها أراد أن يعرِّف الناس بمقتضيات الدين الأساسية بصورة نهائية قبيل وفاته، ولم يعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم في أي مكان آخر بل أخّرها إلى أن حان الحج سنة 10 هـ وكان بإمكان رسول الله أن يستقدم الناس إلى المدينة ليقوم بهذا الإعلان أمامهم ولكنه لم يسلك هذا المسلك بل انتظر الحج، فأعلنها بعد وصوله إلى مكة. فهل حان الوقت لتتوحد الأمة الإسلامية في رؤاها وقراراتها وإستراتيجياتها لتقف أمام المتربصين بها؟
3819
| 10 سبتمبر 2016
بعد عقود من الزمن ما زالت فرنسا تراوح نفسها بالنسبة لتعاملها مع الإسلام والمسلمين الذين يعيشون فوق أراضيها. فرنسا حسب كل المعايير فشلت في احتواء وفي التعامل مع الإسلام بطريقة علمية ومنهجية وموضوعية. على عكس دول غربية أخرى فشلت فرنسا في التعامل مع المسلمين بعيدا عن العنصرية والغطرسة والتعالي والتهميش والكيل بمكيالين والدليل على ذلك هو المهزلة التي عاشتها في الأسابيع الأخيرة فيما يتعلق بقضية "البوركيني" حيث لاحظنا الإجراء التعسفي والعنصري لبعض البلديات والذي قابله القضاء الفرنسي بالرفض القاطع حيث اعتبر منع "البوركيني" في الشواطئ مساسا بالحريات الفردية. ومن قال إن العلمانية تتناقض مع الحريات الفردية ولا تحترمها؟ وهنا نلاحظ التناقض الصارخ عند الساسة الفرنسيين فيما يخص قيم الجمهورية التي يتغنون بها. فهذه القيم لا تتدخل في الحريات الفردية للأشخاص ولا تتدخل في لباسهم ومعتقداتهم. أصدر وزير الداخلية الفرنسي برنارد كازنوف قرارًا يقضي بتعيين الوزير الاشتراكي الأسبق جان بيار شوفينمان على رأس "مؤسسة الإسلام في فرنسا" بعد تصريحات أدلى بها في "قضية البوركيني" دعا فيها المسلمين إلى التزام بعض "الخفر" في حضورهم العام. وبرر كازنوف في مقال في صحيفة "لا كروا" الفرنسية قراره بثقته بأن "شوفينمان يعرف العالم الإسلامي جيدًا كما أن التزامه بالعلمانية لا جدال فيه" بالإضافة إلى إيمانه الكبير بالجمهورية. وكانت تصريحات أدلى بها شوفينمان، وهو وزير داخلية أسبق، خلال الأسابيع الماضية أثارت جدلًا حين نصح مسلمي فرنسا ببذل الجهد والحفاظ على "الخفر" أثناء تواجدهم في الفضاء العمومي على خلفية قرار حكومي بمنع ارتداء "البوركيني" على الشواطئ العامة. وأوضح شوفينمان الذي يترأس "الحركة الجمهورية والمواطنية" رؤيته للإسلام في حوار إذاعي اعتبر خلالها أن "إسلام فرنسا يجب أن يكون مستقلًا في تمويله وفي فكره". أما قضية البوركيني نفسها التي تشهد نقاشات وانقسامات في الأوساط السياسية والمجتمعية فأرجعها شوفينمان إلى "مشكلة في الاندماج". وأوضح أن "جميع موجات الهجرة المتتالية إلى فرنسا انضبطت وواءمت عاداتها وتقاليدها بحسب البلد المضيف" منبهًا إلى تصاعد الأصولية الدينية.يبدو أن الوضع الدولي والحرب على الإرهاب وتداعيات 11 سبتمبر كلها تركت بصماتها على النقاش الذي يدور حاليا في فرنسا حول الحجاب. وقد يتساءل سائل ويقول لماذا لم تفكر فرنسا قبل عشرين سنة في معالجة المشكلة بهذه الطريقة، مع العلم أن قضية الحجاب في فرنسا قديمة قدم تواجد المسلمين في فرنسا، هؤلاء المسلمون الذين حاربوا في صفوفها إبان الحرب العالمية الأولى والثانية والذين دافعوا عن ألوانها الوطنية في مختلف المحافل الدولية وفي مختلف المناسبات الرياضية العالمية. فيبدو أن عدوى "الإسلاموفوبيا" وعدوى الإرهاب قد انتشرت في الشارع الفرنسي كما في الأوساط السياسية الفرنسية وهذا يشير إلى فشل حوار الحضارات والديانات وفشل فهم الآخر وبكل بساطة أصبح الإسلام يُفسر ويُشرح وفق الصور النمطية ووفق الحملات الدعائية المغرضة التي تفرغه من محتواه وتشوهه وتجعل منه دين العنف ودين "الأربع زوجات" ودين الطغيان وإقصاء الآخر ودين الاستبداد والإرهاب. وانطلاقا من سوء الفهم ومن انعدام محاولة فهم الآخر وانطلاقا من الاعتماد على حفنة من المحسوبين على الإسلام والحاقدين عليه قد يكون جاك شيراك الرئيس الفرنسي قد ارتكب خطأ فادحا قد لا يغفره له التاريخ ولا تغفره له الثورة الفرنسية بمبادئها الإنسانية وبقيمها العالمية في التسامح واحترام آدمية الإنسان وحرياته الفردية. والعالم يحتفل بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يلاحظ أن هذه الحقوق تُغتصب وتنُتهك يوما بعد يوم ومن قبل تلك الدول الكبرى التي نظّرت لحقوق الإنسان والتي تتغنى بها ومن المفروض أن تحميها وتدافع عنها. صحيح أن الموضوع شأن فرنسي داخلي لكن هذا لا يمنع خمسة ملايين مسلم في فرنسا من حرية ممارسة دينهم وشعائرهم وعقيدتهم. وأن مساواة القلنسوة والصلبان الكبيرة بالحجاب ما هو إلا جهل تام بالدين الإسلامي وبفلسفته وأهدافه ومبادئه، وقد يكون العيب في المسلمين في جميع ربوع العالم وفي فرنسا في فشلهم في تفسير وشرح هذا الدين العظيم للشارع الفرنسي وللرأي العام العالمي. فسوء فهمنا من قبل الآخر يعني فشلنا في التواصل معه والتحاور معه وإبراز قيمنا وديننا ومبادئنا له، وهنا يكمن جوهر الموضوع. "إسلام فرنسا" مفهوم يسعى لجعل مسلمي فرنسا يمارسون الديانة الإسلامية بشكل ملائم ومتناغم مع قيم الجمهورية وتعاليم النظام العلماني الفرنسي". وهي محاولة لإدخال الممارسة الدينية في الحياة الخاصة ومحاولة تغييبها من الفضاء العام" ويرى الإمام الفرنسي الشاب محمد باجرافيل، أحد الأئمة في بلدية إيفري سور سين شمالي فرنسا أن "إسلام فرنسا" يعني أن "الإسلام سيكون ضمن مكونات المشهد الفرنسي سواء أريد ذلك أو لا". ويدافع باجرافيل وهو مؤلف كتاب "إسلام فرنسا" في حوار مع القناة الفرنسية الخامسة عن هذا المفهوم بالقول "الإسلام عالمي يمكن أن تتم أقلمته مع أي شخص أو مكان" وهو ما يبرر، حسب نظره، ضرورة وجود تلك المؤسسة. هل يكون "وصفة سحرية"؟ يرى كاتب الافتتاحيات الفرنسي إيف تريار أن مؤسسة إسلام فرنسا "لن توقف صعود الإسلام المتشدد" في البلاد. ويقول في مقال قدمه على إذاعة "أوروب 1" إن مروجي الأفكار المتشددة لا يوجدون فقط في المساجد، بل "في جوجل وفي ياهو" وغيرهما من المواقع على الإنترنت. ويوضح الطوسة هذه النقطة بالقول "الهدف من كل هذه التغييرات في المشهد الإسلامي الفرنسي هو محاولة قيام سياج سميك بين مسلمي فرنسا والعقيدة المتشددة التي تنشر العنف وتلهم الإرهاب". لكنه يتساءل "هل هذه الخطوات السياسية والتنظيمية التي تقوم بها فرنسا كافية للوصول إلى هذه الأهداف؟" في نظر الكثيرين الخطاب المتشدد الإرهابي لا يمر حتما عن طريق المساجد أو الجمعيات الدينية، لكن ما يجب أن تفعله فرنسا هو التقليص من حجم الموارد البشرية المهمشة التي يمكن أن تمنح آذانا صاغية لهذه المجموعات الإرهابية وتتجاوب مع أجندتها السياسية. "ويستبعد رئيس المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام غالب بن الشيخ من جانبه في حديث مع موقع قناة "الحرة" أن تقدم "مؤسسة إسلام فرنسا" حلولا فورية للفكر المتشدد في البلاد، مستدلا على ذلك بوجود تجارب سابقة مماثلة "باءت بالفشل". وتم إنشاء هذه المؤسسة على أنقاض مؤسسة أخرى جرى إعلان تأسيسها سنة 2005، لكنها لم تفلح في اجتثاث الأفكار المتشددة من فرنسا. إسلام فرنسا تحول إلى رهان سياسي وانتخابي تتسارع عليه الأحزاب السياسية. في الواقع لا توجد أي علاقة بين التطرف الديني والإسلام وأن هذا الأخير له مكانته الكاملة في فرنسا. في حقيقة الأمر لا يوجد إسلام فرنسي وإسلام أمريكي وبريطاني وأفغاني وإيراني، كل ما في الأمر أن هناك دينا عالميا يصلح لكل مكان وزمان، قائما على قيم إنسانية عالمية تحترم إنسانية الإنسان مهما كان لونه أو عرقه أو جنسيته أو مكانته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. الإسلام الذي تريده فرنسا هو أن يتجرد المسلم من قيم الدين الحنيف السمحاء ويذوب في مجتمع يتغنى بالعلمانية ويسيسها لمحاربة الدين الإسلامي.
458
| 03 سبتمبر 2016
مازالت سلسلة معاداة كل ما له صلة بالإسلام تتواصل في فرنسا وفي عواصم غربية عديدة آخرها قضية البوركيني، لباس البحر المحتشم الذي أزعج الكثيرين. قضية الإسلام والغرب تعود من جديد لتكشف المستور وتكشف فشل حوار الديانات والحضارات وغياب التسامح والعيش في فضاء متعدد الديانات والثقافات والحضارات بكل حرية وأمن وأمان واطمئنان. فالغرب الذي يتغنى بحقوق الإنسان وحرية الفكر والمعتقد لا يتسامح مع طريقة لباس الآخر وهي من الحريات الفردية. ففي الغرب البكيني والتبرج والعري مباح لكن اللباس المحتشم يتنافى والعلمانية وقيم المجتمعات الغربية. أثارت قضية الحجاب والنقاب في فرنسا خلال العقود الماضية نقاشات ساخنة وجدالا حادا بين أطراف عديدة في الوسط السياسي والرأي العام الفرنسي. خلال السنوات الماضية طُرح للنقاش موضوع الإسلام واللائكية بداعي "حماية النظام الجمهوري من مخاطر التطرف" كما يقول "جان فرانسوا كوبي"، الأمين العام لـ"حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية". ما نشاهده هذه الأيام في فرنسا هو حملة منسقة ومنظمة ضد الإسلام والمسلمين والعرب، بدأت بإعلان الحرب على الخمار ثم النقاب ثم اللحم الحلال ثم منارات المساجد ثم الهوية الوطنية ثم النقاش حول الإسلام واللائكية وأخيرا البوركيني ونلاحظ هنا استهداف الإسلام تحديدا دون غيره من الديانات الأخرى. في البداية يجب أن ننّوه أن فرنسا حرة في اتخاذ ما يناسبها من قرارات وقوانين تطبقها على أراضيها، لكن ما لا تستطيع فرنسا فعله هو أن تناقض المبادئ والقوانين والسياسات والشعارات التي أفرزتها الثورة الفرنسية قبل قرنين من الزمن. في سنة 1905 تبنّت فرنسا العلمانية وفصلت بين الدين والدولة وجعلت من الكنيسة مكان للعبادة والتقرب من الله، لكن لم تعن العلمانية معاداة الدين أو تهميشه أو اتخاذ موقف ممن يمارس ديانته أو طقوسه الدينية. بالإضافة نلاحظ أن مبادئ الثورة الفرنسية تقوم على "الحرية - المساواة - الأخوة"، وهذا يعني حرية التدين والمساواة في التعامل مع أفراد المجتمع الفرنسي من مواطنين بعدالة تامة بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين أو الأصل، أما الأخوة فتعني التلاحم التام بين المواطنين الفرنسيين بغض النظر عن خلفياتهم وأصولهم. فالمجتمع الفرنسي يحوي أجناسا عديدة معظمها ينحدر من مستعمراتها السابقة، أما عن المسلمين في فرنسا فيزيد عددهم على الخمس ملايين، أما عن الجنسيات في فرنسا فهناك أكثر من مائة جنسية وهناك فرنسيين من أصل عربي وإفريقي ولاتيني وآسيوي إلى غير ذلك. وإذا عدنا قليلا إلى الوراء وإلى لجنة "ستازي" التي شُكلت في عهد الرئيس جاك شيراك لتحضير ملف متكامل عن قضية الحجاب الإسلامي لاتخاذ قرار نهائي في الموضوع، نلاحظ أن هذه اللجنة استعانت في عملها بشخصيات محسوبة على الإسلام لكن لا علاقة لها به سواء من حيث الممارسة أو الفهم الشرعي والفقهي والقانوني للدين الحنيف. وبذلك وقفت شخصيات وأطراف عديدة من أصل مغاربي وشرق أوسطي وحتى إيراني ضد ارتداء الحجاب، الأمر الذي أدى باللجنة إلى الاعتماد على أقوال وشهادات هؤلاء في اقتراح حظر المظاهر الدينية في المدارس الحكومية. فبكل بساطة نظرت لجنة "ستازي" وفرنسا بحكامها وقادتها السياسيين إلى الحجاب والقلنسوة والصليب الكبير بنفس النظرة وسوّت بين الثلاثة بدون أن تحقق في الأمر الذي نلاحظ عليه تباينا كبيرا جدا. فإذا كانت القلنسوة اليهودية مظهرا من مظاهر هذه الديانة، والصلبان الكبيرة مظهرا من مظاهر المسيحية، فالحجاب الإسلامي يكتسي بعدا دينيا وفلسفيا وعقائديا وثقافيا وحياتيا وهو نهج حياتي متكامل والهدف منه ليس التمظهر وإبراز الانتساب الديني أو استفزاز الآخر وإنما الهدف منه هو احترام إنسانية المرأة وجسمها وشعورها واحترام الآخر بعدم إثارة مشاعره وغرائزه. هذه هي العبرة من الحجاب ليس إلا، وهنا نلاحظ الإتيكيت واحترام الآخر عندما تكون المرأة مرتدية لباسا محترما أنيقا يليق بمقامها وكم من فرد سواء كان علمانيا أو لائكيا أو ملحدا ينفر ويشمئز عندما يشاهد امرأة أمامه شبه عارية متبرجة لم تحترم جسمها في المقام الأول ولم تحترم نفسها ولم تحترم الآخرين. هذا هو الخطأ الكبير الذي وقعت فيه لجنة "ستازي" وأوقعت الرئيس شيراك في مأزق كبير قد يندم عليه مدى حياته. فالقرار جاء مناقضا لمبادئ الثورة الفرنسية ولحرية الفرد الفرنسي في التعامل مع لباسه وهندامه، فالأمر يتعلق بالحرية الشخصية وحرية الفرد كما أن الحجاب ليس استفزاز ولا اعتداء على حرية الآخرين. تجدر الإشارة هنا إلى سياسة الاندماج التي تنتهجها فرنسا والتي تهدف من ورائها إلى تحقيق ذوبان الآخر في المجتمع الفرنسي وفي ثقافته وتقاليده وعادته ففرنسا تريد من ما يزيد على الخمسة ملايين مسلم الموجودين على أراضيها ممارسة إسلام على الطريقة الفرنسية يتماشى مع المجتمع الفرنسي ومفصل وفق ما يريده الفرنسيون وهذا يعتبر في حد ذاته تدخلا سافرا في الآخر وفي دينه ومعتقداته، فالدين الإسلامي دين واحد فلا يوجد دين إسلامي خاص بفرنسا وآخر ببريطانيا وثالث بأمريكا إلى أخره. وحتى في مستعمراتها وتاريخها الاستعماري في القرنين التاسع عشر والعشرين كانت فرنسا تصنع رجال دين مسلمين يفّصلون لها الدين الإسلامي وفق المقاس الذي تريده، ووفق أهدافها الاستعمارية الاستغلالية الابتزازية أما الأئمة الذين يخرجون عن طاعتها فكانت تسميهم بالمتمردين"rebels" وتقوم بنفيهم أو إعدامهم أو سجنهم أو تهميشهم. إن قضية الإسلام واللائكية وقضية النقاب في فرنسا قديمة قدم تواجد المسلمين في فرنسا، هؤلاء المسلمون الذين حاربوا في صفوفها إبان الحرب العالمية الأولى والثانية والذين دافعوا عن ألوانها الوطنية في مختلف المحافل الدولية وفي مختلف المناسبات الرياضية العالمية. فيبدو أن عدوى "الإسلاموفوبيا" وعدوى الإرهاب قد انتشرت في الشارع الفرنسي والأوروبي ما يشير إلى فشل حوار الحضارات والديانات وفشل فهم الآخر وبكل بساطة أصبح الإسلام يُفسر ويُشرح وفق الصور النمطية ووفق الحملات الدعائية المغرضة التي تفرغه من محتواه وتشوهه وتجعل منه دين العنف ودين "الأربع زوجات" ودين الاضطهاد والطغيان وإقصاء الآخر ودين الاستبداد والإرهاب. وانطلاقا من سوء الفهم ومن انعدام محاولة فهم الأخر وانطلاقا من الاعتماد على حفنة من المحسوبين على الإسلام والحاقدين عليه قد يكون المشرع الفرنسي قد ارتكب خطأ فادحا في حق الديمقراطية وحقوق الإنسان والمبادئ التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية. خطأ قد لا يغفره التاريخ للحاقدين على القيم الإنسانية. صحيح أن الموضوع شأن فرنسي داخلي لكن هذا لا يمنع ملايين المسلمين في فرنسا من حرية ممارسة دينهم وشعائرهم وعقيدتهم، وأن مساواة القلنسوة والصلبان الكبيرة بالحجاب ما هو إلا جهل تام بالدين الإسلامي وبفلسفته وأهدافه ومبادئه، إن سياسة الحقد والكراهية والعنصرية لا تجدي نفعا. ففي الوقت الذي اشتدت لهجة الغرب الساخط على الإسلام بخصوص لباس البحر المحتشم الذي تم حظره في فرنسا مؤخرا، دافع رئيس الوزراء الكندي غاستن ترودو عنه بشراسة معتبرا أنه يندرج ضمن الحريات الشخصية التي لا تقبل الانتهاك. غاستن ترودو وقف شبه وحيد في وجه الأصوات المعادية للإسلام وقال: إن قبول البوركيني هو قبول للآخر في مجتمع متعدد الديانات والثقافات والأجناس، وأضاف رئيس الوزراء وهو المدافع عن التعددية الثقافية، في مؤتمر صحفي: إن "القبول بشخص ما يعني تقبل حقه في الوجود، لكن شرط ألا يأتي ويسبب الكثير من الإزعاج لنا". وردا على سؤال حول الجدل الدائر في فرنسا حول "البوركيني"، دعا ترودو إلى "احترام حقوق الأفراد وخياراتهم" وهو مبدأ "يجب أن يحتل الأولوية في خطاباتنا ونقاشاتنا العامة" على حد قوله. ومنع عدد من رؤساء البلديات في فرنسا خلال الأسابيع الماضية السباحة بلباس البحر المحتشم. يرى منتقدو "البوركيني" أنه يعكس نظرة غير متسامحة من المرتديات له. وتابع رئيس الوزراء الكندي: "نعم، بالتأكيد، هناك جدل هنا وهناك، كما هو مألوف دائما، والنقاشات ستتواصل"، مشددا في المقابل على أنه "في كندا يجب أن نذهب إلى ما هو أبعد من التسامح".
588
| 27 أغسطس 2016
تساءل ويتساءل الشارع العربي من المحيط إلى الخليج عن مرحلة ما بعد الثورات الشعبية؟ وهل ستشهد المنطقة تغييرات جذرية على مستوى الممارسة السياسية والديمقراطية والتنمية المستدامة في السنوات القادمة أم أن الأمور ستبقى على حالها في غياب مجتمع مدني فعال وفضاء عام يفرز سوقا حرة للأفكار تساهم في الحراك السياسي وفي مراقبة الفساد والدكتاتورية والتسلط؟ فالفضاء العام هو البيئة المثلى لتغيير الذهنيات والانتقال من مرحلة الفساد وسوء الإدارة والبيروقراطية إلى مرحلة جديدة تقوم على آليات الحكم الراشد والديمقراطية ومشاركة المجتمع المدني في صناعة القرار. مرحلة جديدة تحتاج إلى فرد بذهنية جديدة مسؤول، يلعب دوره على أحسن وجه في المجتمع يعي حقوقه وواجباته. ظهرت في بداية التسعينيات اتجاهات فكرية غربية تبشر بتغييرات إيجابية في الاتصال السياسي في العالم العربي كنتيجة لانتشار التكنولوجيات الحديثة للاتصال والإعلام والمعلومات التي أفرزت فضاء عاما أكثر ديمقراطية وأكثر مشاركة ومساهمة في مناقشة قضايا الشعب والمجتمع والشأن العام. تميزت هذه الأطروحات في مجملها بانحيازها للجهود التي تقوم بها الدول الغربية لإحداث التغيير والإصلاحات الديمقراطية في منطقة تحكمها منذ زمن بعيد أنظمة سلطوية. يستحيل الكلام عن فضاء عام عربي خارج إطار حدود التنمية المستدامة والمشاركة السياسية الديمقراطية والعادلة في المجتمعات العربية. يرى بعض المحللين أن "الإسلاموقراطية" كمبدأ وكمفهوم هو السبيل الأمثل لتحقيق الفضاء العام العربي الجديد والذي يقوم على القيم الأخلاقية الإسلامية والممارسات السياسية المعاصرة، المبدأ الجديد يحقق الاتصال البيني بين الدول العربية نفسها ويجسد الحوار بينها وبين الثقافات المختلفة في العالم. يلعب الإعلام العربي دورا محوريا في إثراء الفضاء العام من خلال تعزيز الهوية الثقافية والمشاركة السياسية في المجتمعات العربية، كما أنه لا يمكن البحث عن إطار واضح المعالم لإعلام عربي بهوية متماسكة دون التأسيس لنظرية اجتماعية وسياسية تقوم على النسيج القيمي العربي الإسلامي والتقاليد المعاصرة في المشاركة السياسية والاجتماعية في إطار مجتمع مدني فعال وديناميكي، لأن الإعلام لا يعمل في فراغ، بل يجسد دائما الرؤى الفكرية والثقافية السائدة في المجتمع في إطار منظومة واضحة ومتكاملة تقوم على منهج متناسق ومتكامل يجمع ما بين الأصالة ممثلة في قيم الإسلام العظيمة، والمعاصرة ممثلة في ممارسات العمل السياسي الحديث. فبعد مرور أكثر من مائتين عام على حملة نابليون بونابرت على مصر، مازال العالم العربي يبحث عن رؤية توفيقية تجمع بشكل متناغم بين القيم والتقاليد العربية الإسلامية وبين الممارسات الغربية المعاصرة في شتى جوانب الحياة. البحث مازال قائما حتى الساعة بل زاد حدة مع بداية التسعينيات من القرن الماضي في ظل أفول الشيوعية ونهاية الحرب الباردة وهيمنة العولمة على مختلف جوانب الحياة في العالم العربي. الفضاء العام حسب هابرماس ظاهرة إنسانية التداعيات رغم ارتباطها التاريخي بالمجتمعات الأوروبية في عصر النهضة. تجدر الإشارة هنا أن ثورة الاتصال والمعلومات قد شكلت بعدا جديدا في مفهوم الفضاء العام وأحدثت ثورة كبيرة في عالم العلاقات الاتصالية المؤسساتية والإنسانية، كما أنها وسّعت من الفضاء العام وأسهمت بدرجة كبيرة في إثرائه وتنوعه مما عزز قيم المشاركة والتفاعل في المجتمع. وإذا كان الفضاء العام يكتسب قيمته وديمومته من مستوى النقاشات والمشاركات التي ينتجها المجتمع في قضايا الفئات والشرائح المختلفة من المجتمع، فإن التراث العربي الإسلامي يزخر بمقومات النقاش والمشاركات الفكرية التي تهدف إلى الحفاظ على هوية المجتمع وتماسكه الثقافي. إنه من الصعب الحديث عن منظومة عربية للفضاء العام بمعزل عن فضاء العولمة، كما أنه من الطبيعي أن تتم مقاربة القضايا الرئيسية المطروحة في إطار عالمي واسع بدلا من حصرها في سياقات جغرافية ضيقة. فإذا كانت الممارسات الديمقراطية الحديثة التي تمكن الشعوب من تطوير قدراتها على المشاركة تحمل سمات عالمية، فإن القيم المعنوية الإسلامية هي أيضا ذات طبيعة إنسانية شاملة، ولا تتقيد بحدود الزمان والمكان. إن الصيغ التي استوردت من الخارج لإصلاح العالم العربي ستنتهي بالفشل لأنها ببساطة لا تستند إلى الواقع التاريخي والنسيج القيمي والأخلاقي للشعب العربي الذي يرى في تلك المبادرات غطاء للهيمنة وتحقيق مصالح الدول الغربية دون مراعاة الخصوصية الثقافية للمجتمعات العربية. كانت لحقبة التنوير انعكاسات وتداعيات كبيرة على العالم العربي في القرن التاسع عشر حيث كانت لها تأثيرات على المفكرين العرب أمثال رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي حيث قاموا بمبادرات التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، كما أنهم كانوا أكثر شفافية في التعاطي مع واقع الحياة في ظل حضور غربي متنامي في المنطقة العربية استمر عقودا من الزمن من خلال تواجد استعماري قاس امتد لأكثر من قرن من الزمان. وبموازاة التطور في الفكر السياسي سواء القومي أو الديني في المنطقة العربية، ظل الإعلام العربي حبيس حالة عدم اليقين الناجمة عن إخفاق النخبة المثقفة والنخب السياسية والاجتماعية الحاكمة في الوصول إلى صيغة مشتركة تحفظ الأمة من خلالها هويتها وديمومتها. إن "دمقرطة" المجتمعات العربية وفق النموذج الغربي كسبيل وحيد للتطور والرقي وكذلك أطروحات الإصلاح لم تكن سوى شعارات مهذبة لتحقيق أهداف مبيتة تمتد مرجعياتها خارج المنطقة العربية. كما تركت حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر الباب مفتوحا على مصراعيه أمام فوضى إعلامية في المنطقة العربية بسبب غياب المهنية والحرفية وغياب رؤية ثقافية وسياسية واضحة لوسائل الإعلام التي أصبحت في ظل ثورة الاتصال والمعلومات مجرد هياكل مبهرة في مظهرها وخاوية في جوهرها. وسائل ذابت في معظمها في ثقافة الاستهلاك والتسطيح والتهميش والتقليد والتبعية التي أصبحت من مظاهر وسمات العولمة. لكن رغم ما يقال عن سلبية النظام الإعلامي العربي فإن هناك أمامه إمكانات جمة لتدارك الوضع والتحول من السلبية إلى الإيجابية ومن رد الفعل إلى الفعل. فالإعلام العربي قادر على التطور والازدهار سواء على مستوى الأداء التكنولوجي أو الخطاب الثقافي والسياسي أو التأثير في الجماهير طالما أن هناك إرادة لاستدراك الوضع والنهوض بعزيمة أكثر خاصة إذا أقبل المثقفون العرب على تقديم قراءة مستنيرة للتراث العربي الإسلامي الأصيل وقيمه العظيمة، قراءة تستمد أسباب قوتها من قدرة الفكر الإسلامي على استيعاب معطيات العصر والتفاعل معها وإفراز نماذج فعالة في الممارسات السياسية والثقافية، كما أنها تجسد روح وهوية التراث الأصيل وفي الوقت نفسه تستجيب لمتطلبات العصر. وهنا يجب التأكيد على مستويات التناغم بين الحكم الديمقراطي الرشيد والفكر السياسي الإسلامي السديد حيث يؤكد كل منهما على الحرية والمساواة والأخوة والكرامة الإنسانية ومحاربة التمييز والظلم والقهر وعلى التعايش السلمي واحترام الأديان والأعراق. ومن خلال التأكيد على هذه الأرضيات القيمية المشتركة، يمكن للإعلام العربي أن يؤسس لفضاء عام مبني على الحفاظ على الهوية باعتباره حقا مشروعا للمجتمع، وفي الوقت نفسه يعمل على مد جسور التآلف مع النظم الاجتماعية والثقافية الأخرى في العالم. ففي عصر العولمة، ستبقى الهوية الثقافية، وليس السياسية، للإعلام هي التي تنير معالم الطريق نحو مستقبل تتحقق فيه رؤية المجتمع حول ذاته الثقافية في إطار من الوسطية والتسامح وفي الوقت نفسه تمّكن المجتمع من أن يكون عنصرا فاعلا في الساحة الدولية استنادا إلى القيم الإنسانية المشتركة التي يجسدها النهج الديمقراطي الرشيد والفكر الإسلامي السديد.
1083
| 20 أغسطس 2016
نقرأ في صفحات كتب التاريخ الصراع الأبدي بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة الدينية في الكثير من الدول التي لم تحسم الأسس والمبادئ الديمقراطية التي يجب أن يلتزم بها كل طرف. عديد الدول الإفريقية عودتنا على انقلابات عسكرية يغتصب من خلالها العسكر السلطة مبررا ذلك بإصلاح قضايا الأمة والتخلص من الحاكم "الطاغية" و"المتسلط" و"المتجبر". ويدعي الانقلابيون الذين جاءوا إلى الحكم أنهم يريدون بسط الديمقراطية والعدالة الاجتماعية رغم أنهم استعملوا طرق غير ديمقراطية للوصول إلى الحكم. والغريب في الأمر أن الحكومات العسكرية لم تأت بجديد وإنما جاءت بالأسوأ وبقي الشعب يعاني الفقر والاستبداد والظلم. هذه الانقلابات بطبيعة الحال أُزمت الأمور سواء على الصعيد المحلي أو الدولي وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام الانتهازيين والوصوليين للعبث بأموال الشعب وبالاستقرار والأمن والطمأنينة. وحسب الأعراف الدولية والدساتير والأحكام فالجيش لا يحق له أن يتدخل في القضايا المدنية التي هي في الأساس من صلاحيات المؤسسة السياسية. والأخطر في الانقلاب العسكري هو فقدان المصداقية وإتاحة الفرصة للآخر للعبث في مصالح الوطن والأمن القومي وأمور كثيرة قد تؤثر على سيادة البلد. ما حدث في تركيا يشير إلى تجربة هذا البلد مع الانقلابات العسكرية والتي تتمحور أساسا حول الديني واللائكي. فمشروع أردوغان لم يرض البعض سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. فعلى الصعيد الدولي هناك رهانات كثيرة سواء في منطقة الشرق الأوسط خاصة ما يدور في سوريا وتداعيات هذه الأزمة على كافة الأصعدة. أما أوروبيا فالأمر واضح تماما وتجلى ذلك من خلال ردود الأفعال المحتشمة لمعظم دول الاتحاد الأوروبي إزاء الانقلاب. فالكثير من دول المنطقة ودول الاتحاد الأوروبي كادت تبارك الانقلاب وترحب به؛ وهذا ما يدل على أن مشروع أردوغان يزعج ويقلق الكثيرين. تركيا قبل الانقلاب ليست هي ذاتها بعده، فمادامت الحكومة تواصل حملة تطهير جذري داخل المجتمع طالت كل من تشتم فيه رائحة المعارض فتح الله جولن، المتهم رقم واحد بهندسة الانقلاب، لكن الخارج وتحديدا أوروبا يقف على النقيض ويعتبر رد فعل أردوغان مبالغا فيه ويرقى لأن يكون انتقاما تم إعداده سلفا لتفكيك منظمة "خدمة" التابعة للمعارض جولن، والتي تضم مئات المستشفيات والمدارس والمصارف داخل تركيا. وبين هذا وذاك، يقف المتتبع للمشهد التركي حائرا وباحثا عن إجابة مقنعة على بعد نفس المسافة بين الطرفين. تخطت الأزمة حدود بلاد الأناضول، وأصبحت إقليمية بامتياز عندما أعلن الاتحاد الأوروبي عن موقفه إزاء ما جرى، والذي قدر أن القيادة التركية كانت تكن لهؤلاء الأشخاص حقدا قديما وأن القائمة كانت مبرمجة سلفا قبل وقوع الأحداث، ومبررها في ذلك سرعة اتخاذ قرارات الاعتقال خارج دائرة القضاء، وكذلك العدد المرتفع للمعتقلين، كما لوح بحرمان تركيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في حال استمراره في توسيع دائرة الاعتقالات وفي حال إعادة تفعيل حكم الإعدام الذي تم تجميده سنة 2004 امتثالا لشروط الانضمام. واصل الأتراك اعتصامهم في الساحات العمومية تحت شعار "صون الديمقراطية"، وهم يهتفون بتنفيذ عقوبة إعدام مهندسي الانقلاب، وتفاعلت معهم القيادة بالإيجاب، شريطة تمريره عبر البرلمان، وإن وافق فلا ترى مانعا في تفعيله وضرب أعناق من وصفتهم بالخونة، لكن هذا المطلب لم تستسغه دول غرب أوروبا، ورأت فيه فرنسا مثلا على لسان وزير خارجيتها، أنه خطوة إلى الوراء تُبعد أنقرة عن الاتحاد الأوروبي الذي لا يجيز تنفيذ مثل هذه العقوبات، وسارت النمسا في الاتجاه ذاته وهددتا بعدم فتح جولات جديدة في مفاوضات الانضمام بداعي "أن السلطات التركية تنفذ حملة قمع مبرمجة وعملية انتقام وعقاب جماعي، ولا وجود لمؤشرات على أنها تقوم بتطبيق القانون". وانضمت ألمانيا إلى صف الرافضين لكيفية تعاطي القيادة التركية مع الأحداث، إذ أكدت حكومتها أنه "لا مكان في الاتحاد الأوروبي لدولة تنفذ أحكام الإعدام"، وأن "أي تحرك من جانب تركيا لإعادة عقوبة الإعدام ستبخر جهودها في الانضمام"، ليأتي الرد سريعا من أنقرة واصفا التصريحات بالتدخل في الشأن التركي ولا يحق لأي كان تقييم تلك الإجراءات ما عدا الشعب صاحب السيادة والسلطة. تسارع الأحداث في تركيا واستهداف أتباع وموظفي منظمة "خدمة"، دفع المعارض التركي، فتح الله جولن، المتهم الأول بتدبير الانقلاب، إلى الظهور في مقابلة تلفزيونية هي الأولى مع قناة "الغد"، ودافع عن نفسه رافضا الاتهامات التي يكيلها له أردوغان، ووصفها بأنها "برنامج لتدمير منظومته تحت غطاء الانقلاب، وسبق له أن وظف اتفاقيات اقتصادية للضغط على الحكومات لإدراجنا كجماعة إرهابية من قبل، وكان قد استغل قضية قطاع غزة وعنوان الإخوان المسلمين كسجل تجاري ليحقق حلم الزعيم". أبدى جولن استعدادا لقبول أي اتهام بشرط أن يكون ناتجا وموجها من لجنة تقص دولية، متحديا امتلاك حكومة بلاده براهين وأدلة دامغة تثبت ضلوعه في العملية الانقلابية، أو تثبت تفوهه بكلمة واحدة تدعو إلى الانقلاب. وتسير علاقة تركيا بالمحيط الخارجي إلى مزيد من التعقيد، كلما أبدت أنقرة جدية في تفعيل عقوبة الإعدام لمعاقبة من تورطوا في محاولة الانقلاب، والذهاب إلى أبعد الحدود في استئصال من تشتم فيهم رائحة جماعة "الخدمة" التابعة لفتح الله جولن، وهي نقطة الاختلاف الجوهرية التي تفرق المواقف، بين من يراه استغلال أردوغان الأحداث لتصفية خصومه، قد يؤدي إلى تمزق النسيج الاجتماعي، وبين من أعطاه الحق بحكم أن ما جرى كاد يعصف بانسجام واستقرار الدولة. ختاما تجدر الإشارة إلى طبيعة الصراع على السلطة في تركيا، تلك التي خلفتها محاولة الانقلاب، فضلا عن طبيعة تركيا التي يريدها أردوغان أو حتى تلك التي يريدها الجيش أو التي تريدها الأحزاب الثلاثة الأخرى المشاركة في الحياة السياسية، وبالتالي يمكن القول إن الأيام القليلة المقبلة هي الوحيدة الجديرة بإخبارنا عن مستقبل تركيا .
389
| 13 أغسطس 2016
الألعاب الأولمبية لم تصبح لعبة ورياضة فحسب وإنما تخطت هذا البعد الرياضي لأبعاد أخرى مثل الاقتصاد والسياسة والثقافة والوطنية والتميز. الرياضة إذن في القرن الحادي والعشرين ليست بريئة، مجرد رياضة بل هي تجارة ورعاية وإعلانات وسياسة…إلخ. وصدق "هتلر" يوما عندما قال "إن ملايين الناس المدربين على الرياضة الشغوفين بحب الوطن، المتشبعين بالروح الهجومية يمكن أن يتحولوا في رمشة عين إلى جيش". فالمنتخب البرازيلي الفائز بكأس العالم لكرة القدم سنة 2002 جعل 170 مليون برازيلي ينسون هموم الفقر والمشاكل اليومية وسوء الإدارة والتسيير من قبل الحكومة البرازيلية، واستطاع أن يجعل هذه الملايين من البشر ترقص السامبا في عرس واحد وحفل واحد، الأمر الذي تعجز عن تحقيقه أي مؤسسة أخرى داخل البرازيل بما فيها مؤسسة رئاسة الدولة. ومن خلال الفوز بكأس العالم أدرك الرأي العام البرازيلي أنه بألف خير وأنه الأحسن والأقوى عالميا في ميدان كرة القدم وهذا إنجاز عظيم يجب أن تشكر علية وزارة الرياضة والشباب والاتحادية البرازيلية لكرة القدم والحكومة والرئيس البرازيلي. أكثر من هذا شعوب في دول عديدة رقصت السامبا وساندت الفريق البرازيلي وهنأت الرئيس البرازيلي والشعب البرازيلي بالإنجاز العظيم. هذه هي إذن الرياضة التي تخترق الهموم والمشاكل وتبرز الإنجازات والنجاحات. في القرن التاسع عشر ربطت القوى الاستعمارية التطور والتفوق الرياضي بحركة الاستعمار وتفوق النظام الرأسمالي الغربي، وأصبح المتفوق في الرياضة هو المتفوق في الاقتصاد وفي السياسة وفي الحضارة وأصبح المنتصر في الرياضة هو المنتصر في الحرب. وهكذا دخلت الرياضة السياسة وكيف لا وهناك دول استثمرت مليارات الدولارات لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم أو لاستضافة الألعاب الأولمبية أو الألعاب الآسيوية أو الإفريقية أو ألعاب البحر الأبيض المتوسط إلى غير ذلك. وبذلك تم توظيف الرياضة في خدمة السياسة وأصبحت السياسة الرياضية جزءا لا يتجزأ من سياسة الدولة. وأصبح الأبطال في مختلف الألعاب والرياضات خاصة الألعاب الأكثر شعبية ككرة القدم يقلّدون الأوسمة ويستقبلون استقبال المحررين المنتصرين من رئيس الدولة وتقدم لهم التهاني والتبريكات من قبل كبار السياسيين. مع مطلع القرن العشرين تحوّلت الملاعب إلى فضاءات للدعاية السياسية وللتجنيد ولغسل الأدمغة وحتى للانقلابات العسكرية. فعبرت الشعوب المستعمرة (بفتح الميم) عن حقها في تقرير مصيرها من خلال مشاركاتها المختلفة في المحافل الرياضية الدولية وكان فريق جبهة التحرير الوطني الجزائري إبان استعمار فرنسا للجزائر خير سفير للقضية الجزائرية، ونلاحظ اليوم المنتخبات الفلسطينية ودورها الريادي والإستراتيجي بالتعريف بالقضية الفلسطينية وإسماع صوت أطفال الحجارة للعالم. كما عبّرت الأقليات والأعراق عن حقوقها من خلال الرياضة وخير دليل على ذلك الزنوج الأمريكيون ابتداء من العداء المشهور "جيسي أوينس" إلى الملاكم العالمي محمد علي الذي رفض أن يلتحق بالجيش الأمريكي في فيتنام. وهكذا بلغ استغلال الرياضة سياسيا ذروته مع صعود الأنظمة الشمولية في ألمانيا الهتلرية النازية وإيطاليا الموسولينية الفاشية والاتحاد السوفيتي من لينين إلى ستالين إلى كروتشف وبريجنيف…إلخ. ففي سنة 1934 استضافت إيطاليا بطولة العالم لكرة القدم واستغل الفاشيون الحدث وحوّلوا ملاعب كرة القدم إلى حلبات للدعاية وغسل الأدمغة وتجنيد الجماهير واستغلال حماسهم وروحهم الوطنية ومشاعرهم القومية. وفي سنة 1936 استقبلت ألمانيا النازية الألعاب الأولمبية وجمعت برلين الرياضيين من جميع أنحاء العالم لكن بشرط أن يعلم الجميع أن العرق الآري هو أحسن عرق فوق الأرض وأنه وُلد ليتفوق وليحكم العالم. وهكذا زحفت ألمانيا من الملاعب المختلفة للرياضات الأولمبية إلى غزو جيرانها وإعلان الحرب على العالم. كما لا ننسى أن "هيتلر" رفض أن يسلم الميدالية الذهبية للعداء الأمريكي الأسود "جيسي أوينز" لا لشيء إلا لأنه أسود وفي منطق "هتلر" لا يمكن للأسود أن يتفوق على الأبيض. الأيديولوجية الاشتراكية والشيوعية هي بدورها استغلت الرياضة لتأكيد تفوقها وقوتها. الاتحاد السوفيتي ومن كان يدور في فلكه خاصة ألمانيا الديمقراطية ورومانيا وبلغاريا والمجر وتشيكوسلوفاكيا كانت هذه الدول كلها تستثمر استثمارا لا حدود له في مجال الرياضة وكانت تنفق مئات الملايين من الدولارات على رياضييها وبعض الأحيان تستعمل المنشطات وكل الوسائل للتفوق على المعسكر الرأسمالي. وكان الصراع يشتد دائما بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي في المحافل الرياضية الدولية وكانت دولة مثل ألمانيا الديمقراطية بحجمها الصغير وإمكاناتها المحدودة آنذاك تهزم في المسابقات الرياضية العالمية دولا عريقة مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وبريطانيا واليابان…إلخ. وابتداء من السبعينيات من القرن الماضي ظهرت الحروب الخفية في المجال الرياضي باستعمال المقاطعة الرياضية، ففي سنة 1976 قاطعت معظم الدول الإفريقية الألعاب الأولمبية احتجاجا على مشاركة زيلا ندا الجديدة التي كانت تقيم علاقات سياسية واقتصادية مع الأبارتيد بجنوب إفريقيا. وفي سنة 1980 قاطعت أكثر من 60 دولة الألعاب الأولمبية بموسكو احتجاجا على غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان. وفي الألعاب الموالية في سنة 1984 ردّ المعسكر الاشتراكي الصاع صاعين وتعامل بالمثل وقاطعت 18 دولة الألعاب الأولمبية التي احتضنتها الولايات المتحدة الأمريكية في لوس أنجلوس متعذرة في ذلك بانعدام الأمن. المونديال والألعاب الأولمبية والرياضة بصفة عامة ليست فقط كما نظّر لها "بيير دي كوبرتان" وغيره، مبادئ ومثل عليا وترقية المنافسة الشريفة وتربية الشباب بواسطة الرياضة وروح التفاهم المتبادل والصداقة من أجل بناء عالم أفضل وأكثر سلما، عالم تسوده القيم الإنسانية العليا، تسوده الأخلاق والمحبة والوئام، وإنما هي كذلك مظهر من مظاهر الصراع السياسي بين دول تتنافس وتتصارع كلها من أجل إثبات أنها هي الأقوى وهي الأحسن والأجدر بالفوز. وهل بإمكان كرة القدم أن توحّد الكوريتين؟ وهل مشاركة العراق وأفغانستان في أولمبياد ريو ستقضي على أعمال التخريب والجرائم والقتل وعدم الأمن والاستقرار في البلدين وهل الأداء الجيد لبعض الدول الفقيرة في الأولمبياد سيحل هموم ومشاكل شعوبها؟
455
| 06 أغسطس 2016
قمم ولقاءات واجتماعات تتوالى وتتكرر وبيانات ختامية تُصاغ وتُوزع على الصحفيين ووسائل الإعلام ورؤساء دول يغيبون عن القمة التي أصبحت بلا معنى وبلا أهمية تذكر. عمل عربي مشترك يعاني من الضعف والركاكة وعدم الفاعلية منذ عقود. قمة نواكشوط جاءت في أوج الرداءة والانحطاط والأزمات والحروب والانقسامات. الوضع في العراق وسوريا وليبيا واليمن وفلسطين يثير القلق ويطرح عدة تساؤلات عن الوضع الذي آلت إليه الأمة العربية. حالة التردي العربي الرسمي عكستها قمة نواكشوط المسماة قمة الأمل والتي تغيب عن حضورها أكثر من ثلثي رؤساء وملوك وزعماء الدول العربية، فيما اختصر جدولها من يومين إلى يوم واحد لتخرج في نهاية المطاف ببيان لا يرقى إلى تلبية مصالح الأمة العربية". بعد سبعة عقود ما زالت جامعة الدول العربية تراوح نفسها وتتخبط في جملة من التناقضات التي تقضي في المهد على العمل المشترك الناجح والفعال. ثقافة التناوب عند العرب وثقافة الديمقراطية في مؤسسة تجمعهم من أجل وضع إستراتيجيات العلاقات السياسية والدولية والاقتصادية بين الدول العربية فيما بينها ومع باقي دول العالم ما زالت قائمة وما زالت في صميم فشل أي مبادرة ناجحة تصب في صالح جميع دول المنظمة. فتسيير المنظمة وإدارتها بعيد كل البعد عن الديمقراطية وعن العمل العربي المشترك الفعال. فالمنظمة تُدار وكأنها مؤسسة توزيع رواتب وامتيازات وكفى. فمبدأ أن يكون الأمين العام لجامعة الدول العربية من بلد المقر خطأ ويتناقض جملة وتفصيلا مع العمل الديمقراطي والتناوب على المنصب وإعطاء فرص لكفاءات موجودة في 21 دولة عربية. وهناك عشرات بل مئات المنظمات في العالم لم تفرض على أعضائها أن يكون الأمين العام أو المدير أو الرئيس من بلد مقر المنظمة. فالاتحاد الأوروبي وإيمانا منه بالديمقراطية والتناوب على إدارته جعل منصب الأمين العام بالتناوب. وهذا ما يقودنا للقول أن إدارة جامعة الدول العربية تحتاج إلى إعادة النظر. وما ينسحب على الأمين العام ينسحب على اللجان كذلك حيث نجد تمركزها في حفنة من الدول. فكيف نتكلم عن الديمقراطية وعن العمل العربي المشترك في ظل تناقضات كبيرة وصارخة في الجهاز نفسه. الظروف الني جاءت فيها جامعة الدول العربية في سنة 1945 تختلف تماما عن ظروف اليوم، مما يحتم على العرب إعادة النظر في ميثاق الجامعة وفي أمور إدارتها وهيكلتها وتنظيمها. وأول خطوة في التغيير وإعادة الهيكلة هو وضع إستراتيجية ورؤية واضحة مبنية على أسس ديمقراطية في المقام الأول، بمعنى عدم إعطاء الفرصة لأي كان أن يستحوذ على الجامعة ويجعل منها مملكته ومؤسسته الخاصة لإدارتها وفق مصالح وأهوائه. فالجامعة بحاجة إلى ثقافة التناوب وثقافة الديمقراطية أي أن القرارات يجب ألا تملى من قبل دول معينة داخل المنظمة وإنما يجب أن تكون مبنية على آليات تتسم بالشفافية والوضوح ومصلحة الـ22 دولة المكونة للمنظمة. بالنسبة للجان والهيئات الفرعية للمنظمة يجب كذلك توزيعها بالتساوي وعلى الجميع ونفس الشيء بالنسبة للموظفين ورؤساء اللجان والهيئات الفرعية. فلماذا تحتم وتفرض مصر أحمد أبو الغيط على العرب؟ كوزير خارجية النظام المصري السابق نظام حسني مبارك الذي أثبت فشله وولاءه للكيان الصهيوني. هل يعني هذا أن هناك أجندة مبرمجة ومسطرة. هل سيستطيع أبو الغيط صاحب 77 سنة أن يوجه بوصلة جامعة الدول العربية في الاتجاه السليم والمنطقة تمر بأسوأ مرحلة في تاريخها، دول على وشك الانهيار وتحديات جمة وضخمة أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية...إلخ. أيعني هذا أن الدول العربية لا تتوافر على دبلوماسيين وساسة أكفاء ومؤهلين للقيام بالمهمة والمسؤولية على أحسن ما يرام. هل جامعة الدول العربية أصبحت بيت التقاعد ومكافأة نهاية الخدمة؟ مع الأسف الشديد ثقافة الاستمرار في الرداءة سائدة وإلا كيف نفسر تزكية الدول العربية قاطبة ما عدا تحفظ دولة قطر لشخص أبو الغيط. فمنذ سنة 1945 وجامعة الدول العربية قائمة على المجاملات وعلى المصالح الضيفة لبعض الفاعلين فيها؛ أما مصلحة شعوب الدول العربية فهي آخر من يسأل عنها القائمون على الجامعة. تعيين أبو الغيط أمينا عاما لجامعة الدول العربية هو تكريس الانبطاح وتكريس الرداءة وانتهاك لأحلام الشباب العربي من المحيط إلى الخليج، هو تعيين جاء ضد التغيير في المنطقة، ضد الثورات العربية التي أرادت أن تدشن عهدا جديدا للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في المنطقة العربية. أبو الغيط جاء تكريسا لنظام السيسي، نظام الانقلاب على إرادة الشعب المصري. تواجه جامعة الدول العربية انتقادات حادة ودعوات مكثفة للتغيير والتجديد والإصلاح لمواكبة التطورات والتغييرات التي شهدها العالم خلال السبع عقود الماضية. والسؤال الذي يطرحه الكثيرون هو ماذا قدمته هذه المنظمة من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية والتعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين الدول العربية من المحيط إلى الخليج؟ أين هي المشاريع المشتركة وأين هي العملة الموحدة وأين هي السوق العربية المشتركة؟ وأين هي عملية إلغاء التأشيرات وفتح الحدود بين الإخوة والأشقاء؟ أين هي السكك الحديدية والربط الكهربائي والطرق السريعة والخطوط الجوية والبحرية التي تربط الدول العربية بعضها ببعض. كيف نحقق التكامل السياسي والعمل العربي المشترك في غياب التكامل الاقتصادي والتجارة البينية بين أعضاء جامعة الدول العربية؟ مع العلم أن هناك عوامل عدة تساعد هذا التكامل والتعاون البيني والتي تتمثل في التاريخ واللغة والدين والحضارة المشتركة بين أعضاء الجامعة. تواجه جامعة الدول العربية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مشكلة إعادة الهيكلة والتنظيم والإصلاح والتغيير والتأقلم والتكيف مع الظروف الجديدة التي يعيشها العالم وضرورة تطبيق ديمقراطية صناعة القرار بداخلها وخروجها من الروتين والبيروقراطية إلى العمل الجاد والفعال على مختلف الأصعدة. فبعد ثورات الربيع العربي والحراك السياسي والاجتماعي الذي نجم عنها وبعد المشاكل التي تعاني منها عدة دول عربية فلا حل أمام منظمة العرب سوى الإصلاح والتغيير. فميثاق الجامعة واللوائح التي تحكمها وتديرها أُقرت في الأربعينيات من القرن الماضي وهذا يعني أن هذه القوانين بحاجة أن تُغير وتُجدد وفق التطورات العديدة والمختلفة التي شهدتها الدول العربية في السنوات القليلة الماضية. قمم الجامعة أصبحت روتينية شكلية وبروتوكولية وحتى آليات العمل فيها غير مبنية على أسس علمية ديمقراطية وفعالة. فالجامعة، مع الأسف الشديد، تعكس وضع الأنظمة العربية نفسها. فقوانينها ومواثيقها ما زالت كما جاءت في الأربعينيات من القرن الماضي من دون تطوير ولا تغيير ولا تكييف مع معطيات الألفية الجديدة. وحتى موضوع تدوير منصب الأمين العام للجامعة ورؤساء اللجان والمدراء وكبار المسؤولين فيها لم يُبت فيه بطريقة صريحة ومسؤولة وملتزمة. وإذا نظرنا إلى معظم المنظمات الإقليمية والجهوية والقارية والدولية في العالم نلاحظ ديمقراطية وإنصافا وعدالة وموضوعية وشفافية في توزيع المناصب والمسؤوليات. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على انعدام الرشادة والرؤية وروح الديمقراطية في إدارة شؤون جامعة الدول العربية.
959
| 30 يوليو 2016
عِبرٌ ودروسُ كثيرة تم استخلاصها من الانقلاب الفاشل في تركيا، ونبدأ بالتغطية الإعلامية التي جاءت متباينة ومختلفة وملونة باختلاف الانتماءات الأيديولوجية والسياسية والفكرية والموقف من الانقلاب نفسه، من قبل مختلف الجهات والأطراف والمؤسسات. فتفننت بعض المؤسسات الإعلامية في التهليل والتطبيل وتقديم التهاني للانقلابيين. فمن الفضائيات من نصب قادة الجيش في الحكم في البلاد ومنهم من "أرشف" نظام أردوغان ووسمه بالفعل الماضي الناقص وبدأ يحلل لعهد جديد تحت قيادة العسكر، ومنهم من تأسف على المباشر على فشل الانقلاب العسكري، ببساطة انكشفت الأقنعة وتبين جليا أن الإعلام هو صناعة مؤدلجة ومسيسة ولها أجندة وأهداف وأطر وإستراتيجيات تتخطى الموضوعية والالتزام والبحث عن الحقيقة. وخير دليل على ذلك هو ذلك النقاش الساخن الذي دار بين منتسبي قناة العربية ونظرائهم في قناة الجزيرة. فتغطية الانقلاب تحكمت فيه قوى خفية تؤمن بالتأطير وبـ"البروزة" السياسية والأيديولوجية للحدث. فهناك مواقف تعددت وتنوعت واختلفت لأسباب أو أخرى حساب التأطير الذي حددته كل مؤسسة إعلامية أو قوى سياسية أو دولة. فالملاحظ يمكن تلخيصه فيما يلي: أولا، جميع القوى الكبرى، لم تُندد بالمحاولة الانقلابية باعتبارها عَملا منافيا للديمقراطية، بل أفضلها اتخذت مواقف عامة تتمنى "السلام" للبلاد أو تُحذِر رعاياها من التعرُّض للخطر، وهذا يعني سياسيا أنها لم تكن تُعارض مبدئيا الانقلاب العسكري كعمل منافٍ للديمقراطية كما سَتَدَّعي فيما بعد.. وهو أول درس علينا أن نستخلصه، أن هذه القوى خاصة تلك التي تزعم أنها راعية للديمقراطية، لا "ترعاها" كموقف مبدئي إنما فقط تستخدمها كأداة من أدوات الهيمنة والابتزاز وأن ما يهمها في آخر المطاف هو مصالحها الدائمة ولو كانت على بحر من الدماء يذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء ماداموا من تلك الشعوب التي لم ترقَ إلى مستوى ما تعتبره تحضُّرا ومدنية، ومن بينها شعوبنا. فالقوى الكبرى كانت تحذر من الإعدام ومن التعسف والظلم واغتصاب الحريات الفردية وحقوق الإنسان. ثانيا، مواقف جميع القوى المعادية للرئيس التركي في العالم العربي خاصة سارعت، قبل أن يَتبيَّن الأمر، إلى الابتهاج بهذا الانقلاب وباركته، بل وأمرت قنواتها الفضائية وصحافتها "الحرة" بالخروج بأبرز العناوين المؤيدة للانقلاب، فكَتَبَ كبار مُعلقيها الافتتاحيات وبشَّر صحفيوها بخبر ما سلف من الانقلابات، دون أن يُدركوا أن كل ذلك سيُصبح بعد ساعات محل سخرية الملايين من المتابعين لتلك القنوات والصحف عبر مواقع اليوتيوب والتواصل الاجتماعي، الذين بلا شك تأكدوا بعد اليوم أن زمن الإعلام الغبي والقائم على التأييد الأعمى للحاكم قد ولّى في مجال بناء الدولة العصرية. ثالثا، مواقف المعارضة التركية التي، رغم رفضها لمشروع "أردوغان"، لم تؤيِّد الانقلابيين، بل عكس ذلك تماما، رفضت هذا الأسلوب في التغيير في الوقت الذي كان بإمكانها أن تَركب الموجة وتَتخذ موقفا انتهازيا وتؤيد عدو عدوها لعلها تحقق بعض المكاسب.. وبهذا أكدت بالفعل أنها معارضة وطنية شريفة تقبل تعرُّضها للقصف مثلها مثل الحزب الحاكم، على أن تُؤيِّد الأساليب غير السلمية وغير المشروعة في الوصول إلى الحكم. وهذا يعني أن الممارسة السياسية في تركيا بلغت درجة النضج وأصبحت تفرق بين المصلحة العامة والمصالح الضيقة لبعض القيادات صاحبة الرؤية القصيرة. فالدرس الأكبر من الانقلاب الفاشل في تركيا الأسبوع الماضي هو أن النظام السياسي المتماسك حقيقة هو ذلك الذي يقوم على ركائز ثلاث: لا يبني وجوده على الدعم الخارجي، ولا يؤمن بالإعلام المزيف القائم على الموالاة العمياء، ولا يُطيل عمره بشَيْطَنة المعارضة أو التشكيك في وطنيتها. وهي خلاصة لعلها تكفي لتعزز الأمل بغدٍ أفضل. لا تزال مصائر الذين ضلعوا في تنفيذ محاولة الانقلاب على الحكم في تركيا، ليلة الجمعة 15 يوليو، غامضة ودون وصف قانوني يحدد نوع العقوبات التي يستحقونها. فالإعدام الذي هتف به جموع المواطنين الذين نزلوا إلى الشارع، تراه السلطة التركية جديرا بالاحترام والاهتمام، كونه نابعا من الشعب، لكن يستوجب إجراءات قانونية لتنفيذه. بينما تعتبره الأسرة الدولية غير منسجم مع رؤاها، وتنصح القيادة التركية بعدم التمادي في فرض القانون، والانجرار إلى غلق مجال الحريات بحجة الرد على ما جرى. ويريد رئيس الوزراء بن علي يلدرم نزع وصف "العسكرية" عن الانقلاب ويكتفي بوصمه بالتمرد. داعيا إلى عدم إلصاق أو تحميل المسؤولية للمؤسسة العسكرية برمتها، حفاظا على تماسكها.. وبالنسبة إلى عقوبة الإعدام فقال إنها "غير واردة في الدستور، لكن تركيا ستبحث إجراء تغييرات لضمان عدم تكرار ما حدث". الدرس التركي يؤكد على وعي الشارع التركي وانقلاب الشعب على الجيش كما يؤكد أن المؤسسات الإعلامية والقوى السياسية الفاعلة في النظام الدولي تهتم بأجندتها ومصالحها قبل أي شيء أخر. فالانقلاب وحتى لو كان غير شرعي ومخالفا لحقوق الإنسان وللأعراف الدولية ليس مهما ويمكن استغلاله وتوظيفه لتحقيق مصالح هذه الدول التي هللت وصفقت للانقلاب إما ضمنيا أو علنا. في النهاية انحاز الشعب لأوردوغان وللنظام القائم الذي حقق لتركيا ولشعبها من تطور ومن إنجازات على مختلف الصعد ما لم يحققه أي زعيم آخر من قبل.
265
| 23 يوليو 2016
من أهم أقوال "مالكوم أكس" الزعيم الأمريكي الأسود عن وضع الزنوج في أمريكا مقولته المشهورة "إن الأجانب يعيشون أحسن من السود في أمريكا"، هذه المقولة تجسد وضع أمريكا المتعددة الأجناس والأعراق والألوان والديانات من العنصرية والتفرقة والتمييز والفصل. فرغم الادعاءات والشعارات والتغني بالمساواة وعدم التفرقة على أساس اللون أو الدين فالواقع يقول عكس ذلك تماما حيث تظهر جليا المساحة الشاسعة فيما يخص الفرص بين البيض والملونين في مختلف مجالات الحياة. بعد مرور القرون والعقود والسنوات ورغم وجود على سدة الحكم رئيس أسود ما زالت أمريكا تعاني من العنصرية ورغم كل الشعارات والادعاءات والكلام المعسول فإن أمريكا تعاني من التمييز العنصري وتقول الأرقام إن نسبة البطالة في أوساط الزنوج أكثر منها في أوساط الفئات الاجتماعية الأخرى في المجتمع الأمريكي. يرى المحللون والمهتمون بهذه الظاهرة أن المؤسسين الأوائل اقترفوا خطيئة كبيرة عندما قننوا التمييز العنصري وعندما حاولوا استئصال والقضاء على الهنود - السكان الأصليين للبلد - وعندما استعبدوا السود. فما يحدث من حين لآخر من قتل وظلم في حق السود وأقليات أخرى ما هو في حقيقة الأمر إلا وجه آخر من حقيقة المجتمع الأمريكي الذي يلقب بمجتمع مزيج الأعراق والأجناس، لكن بسيطرة الأبيض ببشرته وأيديولوجيته وفلسفته وفكره المسيطر على مجريات الأمور في المجتمع. بمقتل فيلاندو كاستيل في مينيسوتا الأمريكية، يرتفع عدد الأمريكيين من أصول إفريقية الذين راحوا ضحية غطرسة وعنجهية وعنصرية الشرطةِ خلال عام ألفين وستة عشر فقط إلى مائة وستة وثلاثين شخصا، وإلى نحو خمسَمائة من أولئك الذين فقدوا حياتهم على يد الشرطة بنفس العام. فيما بات يصفه حقوقيون بعنف الشرطة. وبعد كل حادثة قتل، يخرج المتظاهرون للاحتجاج.. تتوسع دائرة مطالبهم لتشمل ليس فقط كما يقولون، وقف عنف الشرطة وإنما إحقاق العدالة للضحايا وذويهم وإنهاء حالة العنصرية التي تعاني منها جاليات بعينها في الولايات المتحدة. مقتل خمسة من أفراد الشرطة على يد قناص في دالاس بولاية تكساس الأمريكية خلال مظاهرة قلب الموازين، فيما وصفته صحيفة أمريكية على غلافها بالحرب الأهلية.. ما قد يؤدي إلى تحول كبير حول الجدل المتجدد في الولايات المتحدة: عنف الأسلحة.. أما الحقيقة الراسخة، فيقول نشطاء هي أن القتل لم يتغير، ما تغير هو التكنولوجيا...الكاميرات التي توثق هذه الحوادث. فهل بالفعل تعاني أمريكا من حالة من العنصرية تشكل آفة يصعب القضاء عليها؟ أم أن الأمر متعلق أكثر بسهولة اقتناء الأسلحة في البلاد، أم أن عسكرة الشرطة كما يقول نشطاء هي التي أدت إلى ارتفاع نسبة العنف ضد المواطنين؟ العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرة تاريخية معقدة، حيث تعود إلى الفترة التي تلت الحقبة الاستعمارية والتوسعية للأمم، ونتيجة للهجرات الجماعية من العديد من الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية ودول أمريكا اللاتينية في مطلع القرن التاسع عشر. كانت العنصرية والتمييز العرقي في الولايات المتحدة قضية رئيسية منذ الحقبة الاستعمارية وحقبة الرقيق. وكان القانون الأمريكي يعطي امتيازات وحقوقا للأمريكيين البيض لا تمنح للأمريكيين الأصليين والأمريكيين من أصل إفريقي والأمريكيين الآسيويين ومن أمريكا اللاتينية. وكما ضمن القانون للأمريكيين الأوروبيين مميزات في التعليم والهجرة وحقوق التصويت، والمواطنة، وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائية بموجب القانون على مدى فترات من الزمن تمتد من القرن السابع عشر إلى الستينيات. وفي الوقت نفسه عانت الكثير من الجماعات غير البروتستانتية المهاجرة من أوروبا - لاسيَّما اليهود والأيرلنديين والبولنديين والإيطاليين - لقد تم حظر التمييز العنصري الرسمي إلى حد كبير في منتصف القرن العشرين، وأصبح غير مقبول اجتماعيا ومكروه أخلاقيا كذلك. ولكن ظلت السياسة العنصرية ظاهرة رئيسية، وتمثلت في عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، واتخذت أشكالًا أكثر حداثة، وما زال يتجلى التقسيم الطبقي في فرص العمل، والسكن والتعليم، والقروض، والحكومة. كما أكدت عليه شبكة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، "التمييز يتخلل جميع نواحي الحياة في الولايات المتحدة، ويمتد إلى جميع المجتمعات المحلية". اشتعلت «ثورة» غضب في شوارع الولايات المتحدة، منددة بوحشية الشرطة الأمريكية ضد السود، وخرجت مظاهرات في ولايات واشنطن ونيويورك ومينيسوتا وأريزونا ولويزيانا وكاليفورنيا وجورجيا وتكساس وفيلادلفيا وألاباما تحمل شعار «حياة السود تهم» احتجاجا على عنصرية الشرطة، وذلك بعد أسبوع من العنف الذي شهد قتل الشرطة لاثنين من الرجال السود بالرصاص، وبعد 24 ساعة من قيام مسلح بقتل خمسة من ضباط الشرطة في مظاهرة مماثلة في دالاس. وكان مرتكب الحادث ميكا جونسون، وهو جندي سابق أسود، عمره 25 عاما، خدم في أفغانستان، قد فتح النار على 14 من الجنود الأمريكيين، مما أسفر عن مقتل 5 ضباط وإصابة 9 آخرين. وأغلق المتظاهرون الطرق في مدينة نيويورك وأتلانتا وفيلادلفيا، وجرى التخطيط أيضا لمظاهرات في سان فرانسيسكو وفينيكس، ولم تتحدث تقارير وسائل الإعلام المحلية عن وقوع أي اشتباكات أو إصابات خطيرة. وفي العاصمة واشنطن، تظاهر المئات من أنصار حركة "حياة السود تهم" أمام البيت الأبيض لليوم الثاني على التوالي. وأكد أعضاء الحركة، أنهم ليس لهم أي علاقة بقتل رجال الشرطة الخمسة في دالاس، مشيرين إلى أن مثل هذه الأعمال لا تمثل وجهة نظر الحركة أو ما تؤمن به، وقال أحد المتظاهرين، إنه شارك في المسيرة، ليس لإدانة جميع رجال الشرطة أو لتأييد العنف، وإنما للتعبير عن الغضب الذي يعتبره حقا لا ينبغي تبريره. جاء ذلك في الوقت الذي أكد فيه ديفيد براون رئيس شرطة دالاس، أن جونسون أكد قبل مقتله أنه مستاء من حركة «حياة السود تهم»، كما أنه يكره البيض. من جانبه، دعا مايك رولينجز رئيس بلدية دالاس، خلال التظاهرات إلى تضميد جراح العنصرية، متسائلا: هل يمكن لمجتمعنا أن يفهم بصدق وعمق المعاناة التي تسبب بها التمييز العنصري والاستعباد، خطيئة أمريكا الكبرى، عبر التاريخ؟ لم يكن متوقعًا أن يأتي يوم يتولى فيه رجل أسود مثل أوباما منصب الرئيس، في بلاد لها تاريخ مع التمييز العنصري الذي بدأ يتجسد وينتشر بعد الحرب الأهلية الأمريكية، التي تسببت في ظهور قوانين عنصرية تدعم سيطرة البيض في أواخر القرن التاسع عشر. بدأت مقاومة السود لسياسة التفرقة العنصرية في أمريكا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، خاصة ما يتعلق بقوانين التعليم، وظهر في أمريكا زعماء سود يطالبون بتغيير القوانين العنصرية مثل: مارتن لوثر كينج، ومالكوم إكس، واتبع مارتن لوثر كينج الأسلوب السلمي في التعبير عن تلك المطالب المشروعة، وقاد في 1955 و1956 حركة مقاطعة السود لحافلة مدينة مونتجمري عاصمة ولاية آلاباما، بعد واقعة طُلب فيها من سيدة سوداء ترك مقعدها لرجل أبيض في حافلة إلا أنها رفضت، واستمرت المقاطعة إلى أن أصدرت المحكمة العليا حكما بإلغاء قوانين العزل، ودفع مارتن لوثر كينج الثمن بقتله، لكن مقتله لم يزد حركة التوحيد العنصري في أمريكا إلا اشتعالًا وحماسًا، خاصة بعد صدور قانون الحقوق المدنية سنة 1964، واستمر نضال السود في أمريكا حتى جاء اليوم الذي أصبح فيه أوباما الأسود رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية لكن العنصرية ما زالت متفشية سواء في عقول الناس وفكرهم أو في أفعالهم.
4337
| 16 يوليو 2016
من خلال الإعلام الجديد تمارس الجماعات الإرهابية مختلف تقنيات وأساليب الإقناع للتأثير في الناشئة واستمالتهم واستقطابهم للالتحاق بها من خلال الفايسبوك وتويتر وانستجرام وواتس أب ويوتوب حيث توجد هناك عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من المشاركين والمتفاعلين مع النصوص والصور والأفلام التي توظفها الجماعات الإرهابية للوصول إلى عقول الشباب والتأثير في عواطفهم ومشاعرهم مثل فيلم Flames of War (داعش) وموقع "خلافة بوك" وتطوير تطبيقات على جوجل بلاي وألعاب الفيديو الإلكترونية وموقع ASK FM. ولقد كشفت الهيئات الاستخباراتية لدول الاتحاد الأوروبي عن وجود شبكات تواصل اجتماعي متخصصة وموجهة لاستهداف شريحة معيّنة كالنساء، تكون معنية باستهداف تجنيد النساء من أوروبا كي يلتحقن بصفوف التنظيم في سوريا والعراق وليبيا. يركز التنظيم كذلك على إظهار وحشيته والتمرد والسطوة التي تعتبر في بعض الأحيان حاجات عند بعض الشباب خاصة الذين يعانون من الشعور بالتهميش سواء كان حقيقيا أو وهميا، حيث يجدون في التنظيم وسيلة للانتقام والثأر. تستخدم الجماعات الإرهابية مواقع التواصل الاجتماعي لتسهيل التحويلات الماليّة فيما بينها، بالإضافة للحصول على التبرعات المالية، في ظل سهولة استخدام تلك المواقع لتحويل التبرعات والدعم المالي، مع عدم إمكانية التحقق من هوية متلقي تلك التبرعات في بعض الأحيان. وقد اعتمد التنظيم على بعض الفتاوى التي يتم تقديمها من قبل بعض الدعاة المغرّر بهم على تويتر للتضحية بالأموال والأنفس، خاصة منذ أن انتقلت القاعدة إلى سوريا، فكانت هناك بعض التبرعات لحسابات مجهولة تحت دعاوى مساعدة الشعب السوري تصل إلى التنظيم، الأمر الذي حدا بالسلطات بعدة دول إلى التحذير من التبرع للجهات غير المصرح بها رسميًا من الدولة. تستخدم الجماعات الإرهابية الإعلام الجديد لجمع البيانات والمعلومات وبناء العلاقات والاتصال الداخلي. على سبيل المثال أسس أحد المواقع الإرهابية الكبيرة ما أسماه جامعة الجهاد الإلكترونية فهي تحتضن عدة كليات منها كلية الجهاد الإلكتروني وكلية جهاد النفس وكلية تقنية العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وكلية الجهاد الإعلامي!! لابد لنا من أن نعترف أننا أمام الإرهاب الإلكتروني بأننا أمام مجتمع افتراضي تحكمه ديمقراطية وحرية وفوضى بلا حدود ولا قيود. ولا توجد في الغالب مساءلة إزاء وجود محتويات غير قانونية أو غير أخلاقية فضلًا عن إمكانات هائلة في التواصل الصوتي والمرئي والمكتوب بطريقة سرية وفورية وقليلة التكلفة. كما تستخدم الجماعات الإرهابية يوتوب للتدريب حيث تحمل فيديوهات لكيفية تصنيع قنبلة على سبيل المثال أو عبوة ناسفة أو سيارة مفخخة...إلخ. كما يستخدم اليوتيوب لتقديم فيديوهات تشرح وتقدم تفاصيل القيام بهجمات واستخدام الأسلحة المختلفة. كل هذه الأمور تساعد التنظيم الإرهابي على بناء علاقات بين أعضائه في الفضاء الخارجي بعيدًا عن المراقبة الأمنية. حيث يستفيد من أعداد هائلة من الزوار من مختلف الجنسيات واللغات مما يمكن للتنظيم أن يجند بعضهم وأن يكسب تعاطف بعضهم الآخر. وتقوم العلاقات بين الأفراد في التنظيم الإرهابي الإلكتروني على العلاقات على النمط الشبكي الأفقي الذي يتساوى أفراده في الحقوق والواجبات فلا يملك أحدهم السلطة على الآخر فهو مجتمع بلا قوانين ملزمة لسلوك الأفراد ويستطيعون الدخول والخروج من هذه الشبكة متى أرادوا ذلك. تقوم العلاقات داخل التنظيم الإرهابي الإلكتروني على الهيكل الأفقي وعلى مبدأ المرونة والتنسيق والدعم والتخطيط الاستراتيجي والفكري. هذا المنطق يجعلها أكثر قدرة على امتصاص الضربات الأمنية. فالتنظيمات ذات البناء الهرمي الصارم تصاب بالتصدع بعد كل ضربة وقد تنهار نهائيًا، بينما تمتاز المنظمات غير الهرمية بالقدرة على امتصاص الضربة وعزلها والتعافي من آثارها بسرعة لأن العلاقات داخل التنظيم جانبية (أفقية) وليست رأسية (هرمية). ولذلك نرى تنظيمًا إرهابيًا مثل القاعدة أو داعش مثلًا يتبنى معادلة التوجيه الاستراتيجي والاستقلال التكتيكي وترجيح التنسيق الأفقي على الهيمنة العمودية. يحرص التنظيمان على وضع السياج الفكري المتطرف والتكفيري في أذهان الأعضاء مع السماح لهم بقدر كبير من الاستقلالية في التكتيك والأمور العملياتية، فهذه التنظيمات لا تمتلك في الحقيقة أوامر تنزل من الأعلى للأسفل، ولكن العمليات تتفق مع الخط العام للتنظيم وباستقلالية تامة، ما عدا الاسم والفكر فيكونان للتنظيم الأم. تتطور المواقع الإرهابية والمتطرفة بسرعة فائقة من حيث التصميم والإمكانات التقنية وكذلك العدد. ولقد تنبه الإرهابيون مبكرًا جدًا إلى الإمكانات التي توفرها الإنترنت مما جعلهم يطورون تقنياتهم فيها ويسعون دائما للتطور والتواجد الدائم في العالم الافتراضي بالمنطق الرقمي. ويوجد على الشبكة الإلكترونية بعض المواد التي تعد بمثابة دروس مجانية للإرهابيين، خصوصًا المبتدئين منهم، ابتداء من طرق كيفية صناعة الزجاجة الحارقة، مرورًا بكيفية صنع الطرود والسيارات المفخخة وصولًا إلى طرق صناعة القنابل والأحزمة الناسفة، ولقد أصبح كل ما يحتاجه الإرهابي المحترف في هذا المجال الحيوي والمعقد هو جهاز حاسب آلي وكاميرا واتصال بشبكة الإنترنت مما يتيح له القيام بأعمال تخريبية وهو آمن في مقره بواسطة نقرات بسيطة على لوحة المفاتيح ودون أن يترك لنفسه أثرًا. هذه النقرات على لوحة المفاتيح قد تنطوي على أوامر موجهة لبعض الخلايا للقيام بأعمال إرهابية معينة. فالشبكة العنكبوتية العالمية لها مجال مفتوح وواسع وبلا حدود ويتوسع في كل يوم، ويمكنك من موقعك من أي بلد في العالم الوصول لأي مكان دون أوراق أو تفتيش أو قيود، وكل ما تحتاجه هو بعض المعلومات لتستطيع اقتحام الحواجز الإلكترونية. كما أن تكاليف القيام بمثل هذه الهجمات الإلكترونية لا تتجاوز أكثر من حاسب آلي واتصال بشبكة الإنترنت. لقد أصبح الإرهاب الحديث أكثر ضراوة لاعتماده على التكنولوجيا المتطورة للإنترنت التي ساعدت المنظمات الإرهابية في التحكم الكامل في اتصالاتهم ببعضهم بعضا، مما زاد من اتساع مسرح عملياتهم الإرهابية، وبالتالي أصبحت مساعي وجهود مواجهة التطرف والإرهاب أكثير صعوبة وتعقيدا. أصبح الإرهاب الإلكتروني واقعا يفرض نفسه على الدول والأمم والشعوب. فالجماعات الإرهابية لم تتوان يوما ولم تتأخر في الاستثمار والاستغلال الأمثل في الإعلام الجديد بمختلف تطبيقاته ووسائله ومنابره. الجماعات الإرهابية أدركت منذ الوهلة الأولى أن المعركة هي معركة إعلام وصورة ورأي عام بالدرجة الأولى وأن استخدام الحاسوب المحمول والكاميرا هو السبيل الأمثل لكسب الحرب النفسية والدعاية وكسب عقول الشباب. تجربة القاعدة ثم داعش تشير إلى نجاح هاتين الجماعتين في تنفيذ برامجهما وأهدافهما من خلال فايسبوك وتويتر وواتس أب وانستجرام وفليكر وغيرها من محطات وتطبيقات ومنابر الإعلام الجديد. مكن الانترنت والإعلام الجديد الجماعات الإرهابية من القيام بالدعاية والتجنيد وجمع الأموال والاتصال وجمع المعلومات والاتصال الداخلي وبناء شبكات عالمية من المؤيدين والمناصرين. أصبحت جرائم الإرهاب الإلكتروني هاجسا يشغل الدول التي أصبحت عرضة لهجمات الإرهابيين والجماعات المتطرفة عبر الإنترنت والإعلام الجديد بمختلف تطبيقاته وأنواعه، وقد أصبحت هذه الجماعات تمارس نشاطها الإرهابي من أي مكان في العالم، وفي أي لحظة. هذه المخاطر تتفاقم يوما بعد يوم، لأن التقنية الحديثة وحدها غير قادرة على حماية الناس من العمليات الإرهابية الإلكترونية والتي سببت أضرارًا جسيمة للأفراد والمؤسسات والدول. ولقد سعت العديد من الدول إلى اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمواجهة الإرهاب الإلكتروني، إلا أن هذه الجهود قليلة وما زالت بحاجة إلى المزيد من الجهود والبحوث والدراسات والتنسيق والتشريع والتنظيم لاحتواء هذه الظاهرة الخطيرة. فمواجهة الإرهاب الإلكتروني تحتاج إلى استعدادات كبيرة من قبل كل دولة سواء في الجانب المعرفي أو اللوجيستي أو القانوني والتشريعي كما يتوجب على المنظومة الدولية أن تكثف جهودها في التنسيق والتعاون من خلال الهيئات والمنظمات الدولية لمحاربة هذه الآفة العابرة للقارات. كما يجب تشخيص الظاهرة ودراستها من مختلف الجوانب والرؤى حتى يتسنى للدول وللمنظمات الدولية أن تقدم الوصفة العملية الناجحة للتخلص من آفة ما انفكت تنتشر وتتضاعف يوما بعد يوم. فالإرهاب الإلكتروني هو قضية الجميع حيث إنه يهدد أمن وسلامة الجميع بغض النظر عن جنسهم ولونهم ودينهم وجنسيتهم.
332
| 09 يوليو 2016
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6435
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6390
| 24 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3840
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2955
| 23 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2859
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1854
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1650
| 26 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1575
| 21 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
996
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
993
| 24 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
990
| 24 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
987
| 21 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية