رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا يمر يوم إلا ونسمع أخبارا عن عمليات إرهابية من تفجيرات ومجازر ومذابح هنا وهناك في مختلف العواصم العالمية وفي بؤر التوتر والنزاعات في العالم شماله وجنوبه وشرقه وغربه. فالظاهرة أصبحت عالمية بامتياز. ما زال الإرهاب يؤرق دول العالم قاطبة وما زال يضرب أينما أراد ومتى أراد كما أصبح ينتشر ويتفاقم يوما بعد يوم كالنار في الهشيم. كما أصبحت الجماعات الإرهابية تتفنن في توظيف الإعلام الجديد في تحقيق أهدافها المتعددة من حرب نفسية ودعاية وجمع أموال وبيانات وتجنيد الشباب من جميع أنحاء العالم...إلخ. فالإرهاب الإلكتروني أصبح من الأدوات الاستراتيجية التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها. يرتبط الإرهاب ارتباطا وثيقا بالإعلام، فالهدف الأول والهدف الإستراتيجي لأي عملية إرهابية هو الحصول على تغطية إعلامية تتميز بالتهويل والتضخيم والترهيب والتخويف، بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير للتأثير على الرأي العام ومن ثم التأثير على صانع القرار. فخلال العقود الماضية اعتمد الإرهاب على وسائل الإعلام التقليدية، لكن بظهور وانتشار الإعلام الجديد والمتمثل في الإنترنت والشبكات الاجتماعية لم تتأخر ولم تتوان الجماعات الإرهابية المختلفة وعلى رأسها القاعدة وداعش في الاستغلال الأمثل للإعلام الجديد لتحقيق أهدافها والوصول إلى الجماهير المختلفة. فالإعلام الجديد أدى إلى ظهور ما يسمى بالإرهاب الإلكتروني الذي غزا الفضاء الافتراضي وأصبحت هناك الآلاف من المواقع تستغلها الجماعات الإرهابية لأغراض الدعاية ونشر المعلومات وتجنيد الشباب وجمع الأموال والاتصال والتخطيط والتنسيق...إلخ. ويعتمد الإرهاب الإلكتروني على استغلال الإمكانات العلمية والتقنية. واستخدام وسائل الاتصال والإنترنت من أجل تخويف وترويع الآخرين وإلحاق الضرر بهم، أو تهديدهم وتدمير مرتكزات التنمية في البلاد ونشر الفوضى والدمار وإهدار الدماء ونشر الإشاعات الكاذبة بين الناس مما يؤدي لنشر الخوف والهلع بين الجمهور. الإعلام الجديد وفّر فرصا عديدة للجماعات الإرهابية لتنافس الأنظمة. وأجهزة الأمن والمخابرات، وأعطى مدلولا آخر للإرهاب يتمثل في الإرهاب الإلكتروني والذي يعتبره الكثيرون أخطر من الإرهاب التقليدي نظرا لكون الإرهاب الافتراضي أكثر خطورة وانتشارا لأنه يصل إلى مئات الملايين في ثوان معدودات. أصبح اليوم الحاسب الآلي وكاميرا الفيديو المحمولتين باليد أكثر أهمية وخطورة من الكلاشينكوف و(الآر بي جي). ولقد استغل الإرهابيون الحاسب الآلي والكاميرا إلى أقصى حد ممكن فأصبحت تقدم أدلة عسكرية ودورات تدريبية على شكل كتب وأفلام ووسائط متعددة وشرائح الباور بوينت تحتوي على معلومات شتى مثل أنواع الأسلحة والتكتيكات والاغتيالات وصنع المتفجرات والأساليب والعبوات الناسفة والآليات المختلفة لتنفيذ العمليات الإجرامية والانتحارية. لقد ظهر التناغم والتكامل بين الإنترنت والإرهاب بشكل جلي وواضح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، فلقد انتقلت المواجهة ضد الإرهاب من مواجهة مادية مباشرة واقعية إلى الفضاء الإلكتروني، حيث أصبح الإنترنت من أشد وأكبر الأسلحة الفتاكة. ولقد استخدم الإرهابيون الإنترنت في معركتهم على عدة محاور أهمها: أن يصبح الإنترنت عاملًا مساعدًا للعمل الإرهابي التقليدي المادي، وذلك بتوفير المعلومات المهمة والضرورية عن الأماكن الحساسة والمستهدفة أو كوسيط في عملية التنفيذ. وثانيًا، استغلال تأثير الإنترنت العضوي والنفسي من خلال التحريض على بث الكراهية والحقد وحرب الأفكار. وثالثًا، أنه يعطي صورة رقمية دقيقة من خلال استخدام آلياته الجديدة في معارك تدور رحاها في الفضاء الإلكتروني والتي لا يقتصر تأثيرها على بعدها الرقمي بل تتعداه لتحقيق أهداف أخرى.قدم الإعلام الجديد خدمة لا مثيل لها للجماعات الإرهابية حيث إن سهولة الولوج إلى المنابر والمحطات والتطبيقات على الشبكة وسرعتها وانتشارها عالميا سهّل مهمة هذه الجماعات في تحقيق أهدافها. لا يخفى على أحد أن الإرهاب من دون إعلام يموت وينقرض وأن الهدف الأسمى لأي عملية إرهابية هو الوصول إلى الرأي العام والحصول على العلنية وبذلك التأثير في الجماهير. تعتبر الدعاية والحرب النفسية من أهم الاستراتيجيات التي تستعملها الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها. ويعتبر الإعلام الجديد بمختلف تطبيقاته ومنصاته ومنابره وسيلة تؤدي الغرض على أحسن وجه حيث حرية التصرف والتواصل واستخدام الصوت والصورة والنص والتفاعلية لتحقيق الغرض. تحصل تلك الجماعات على الدعم المعنوي أيضًا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فقد شهدت بعض الصفحات الإلكترونية ما أسماه البعض "البيعة الافتراضية" لزعيم تنظيم داعش من جانب آلاف السلفيين الجهاديين، وجاء ذلك على أثر إعلان الناطق باسم التنظيم عن تأسيس "دولة الخلافة"، في المناطق التي يوجد فيها التنظيم في العراق وسوريا، وظهرت صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي من بينها "بيعة أمير المؤمنين" و"إعلان الولاء الشرعي لأمير المؤمنين أبوبكر البغدادي" وغيرها، وهو الأمر الذي أسهم في انتشار التنظيم وتوسيع مؤيديه عبر العالم الافتراضي، وبالتالي أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في تقديم الدعم للجماعات المسلحة والمساهمة في اتساع تأثيرها ووجودها. وهكذا أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الوسيلة الأمثل للدعاية بالنسبة لـ«داعش»، إذ إنها تخدم أجندتها، خاصة فيما يتعلق بتجنيد الأفراد وتلقين الشباب أيديولوجية التنظيم. وقد أصبح واضحًا مؤخرا أن تنظيم داعش نجح في نشر جيش من المتطرفين التكفيريين الراديكاليين، فالتنظيم نجح بشكل كبير في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية كأداة لتجنيد المقاتلين الأجانب وتخويف القوى المنافسة. ولقد أصبح تأثير داعش تراكميا وطويلا المدى، كما لم يعد جمهوره يقتصر على المسلمين وحدهم، فأشرطة الفيديو الخاصة بها يتم بثها على شاشات التلفزيون الغربي، بالإضافة إلى حساباته على انستجرام، وفايسبوك وتويتر. ولم يعد بالإمكان تجاهل فكر وسلوك داعش نتيجة للبيئة الرقمية التي أصبحت تميز العالم اليوم، حيث إن استخدام داعش لوسائل الإعلام الاجتماعي كوسيلة لنشر الأيديولوجية والفكر والهجمات العنيفة ليس شيئا جديدا، لكن الطريقة التي تبناها «داعش›› في استعمال وسائل الإعلام كأداة لتجنيد المقاتلين الأجانب ونشر الخوف والهلع على المستوى العالمي هو الجديد الذي أتقنه هذا التنظيم. والذي شكّل جيشا من الكتاب والمدوّنين وغيرهم من المتعاطفين. الشباب هم الفئة الاجتماعية المستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية للتجنيد، ويبدأ التجنيد بغرس الأفكار التي تستغرق وقتًا متفاوتًا يعتمد على ما توفره وسيلة نقل المعلومات من مواد سمعية وبصرية، ثم بعدها تبدأ مرحلة تبادل الحوارات من خلال غرف الدردشة التي تتيح للمدبر كشف شخصية من يتحاور معه ومدى إمكانية اختياره وتجنيده. تتم هذه العملية بسرعة فائقة وفي معظم الأحيان من دون تكلفة تذكر. وأخطر أنواع الشباب الذين تحرص عليهم المنظمات والخلايا الإرهابية حسب التقارير المنية هو الشاب المتفوق ولكنه المنطوي على نفسه حيث يحاول الهروب من الواقع الذي يعيش فيه ومن المجتمع لأنه يشعر بعدم الرضا عن كل شيء، ولذلك فيمكن التأثير عليه بسهولة ويكون لديه استعداد نفسي لتنفيذ ما يُطلب منه.
2003
| 02 يوليو 2016
الروهينجا، هذه الأقلية المسلمة التي تعيش في ميانمار وبنجلادش وباكستان وتايلاند تعتبر الشعب الأكثر اضطهادا في العالم، وهي في الوقت نفسه الشعب الأقل تغطية إعلاميا في العالم. هذه الأقلية تعاني الويلات في ميانمار لا لشيء إلا لأنها تدين بالإسلام.. والغريب في الأمر أن المنظومة الدولية خاصة الدول الفاعلة في النظام الدولي لا تحرك ساكنا ولا تتدخل لحماية شعب يقدر بأكثر من مليون وأربعمائة ألف نسمة. قبل أسبوع اغتيلت نائبة برلمانية بريطانية، وفي الكثير من وسائل الإعلام البريطانية الأمر مر مرور الكرام، وكأنه حدث عادي.. وتساءل سياسي بريطاني عن ما إذا كان القاتل مسلما، كيف ستكون التغطية الإعلامية؟ وهنا نلاحظ أن المعايير أصبحت واضحة للعيان حيث إن الإعلام أصبح أدوات مسيسة ومأدلجة ومكيفة وفق أطر معينة تخدم السياسة والمال وأصحاب النفوذ. فما يحدث للروهينجا في ميانمار يعتبر وصمة عار على جبين الإعلام الدولي الذي يتجاهل الإبادة الجماعية لشعب بكامله ويركز على تغطية حادثة إرهابية لأسابيع لأن القاتل مسلم والإسلام منه بريء. كشفت أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية عن الإرهاب الفكري الذي تمارسه الآلة الإعلامية الغربية على عقول الناس والبشر والرأي العام، حيث أصبحت كلمة الإسلام مقرونة بالإرهاب، وأصبحت وسائل الإعلام تفبرك وتصنع صورا نمطية وأنظمة فكرية ومعتقدات تجعل من المسلم معاديا للإنسانية وللبشرية وللأخلاق وللقيم السامية. تعتبر وسائل الإعلام المحدد الرئيسي لرؤيتنا وتصورنا للآخرين وهذا وفق ما تقدمه لنا من صور وأفكار عنهم، وما يقال عن الأفراد يقال عن الدول والمجتمعات. فما نشاهده في الأفلام وما نتصفحه في الجرائد والمجلات وما نشاهده في التلفزيون وما نسمعه في الراديو عن المجتمعات الأخرى وعن شعوبها يحدد إلى حد كبير موقفنا من هذه الثقافات ومن هذه الدول وشعوبها.. وهذا نظرا لاعتبارات عديدة من أهمها أن معظمنا يعتمد على وسائل الإعلام لتكوين مخزون معرفي معيّن وصور ذهنية وأفكار وإدراكات. وهذه الصور والمنتجات الإعلامية المختلفة هي التي تحدد سلوكياتنا وتصرفاتنا تجاه الآخرين، إما بالقبول والاستلطاف والمعاملة الجيدة، وإما الرفض والإقصاء والهروب والكراهية والرفض. وفي الكثير من الأحيان لا يستطيع الفرد أن يصمد أمام ما يُقدم له، بل يقف في غالب الأحيان مستسلما ولا يقاوم وإنما يتبنى ويتقبل خاصة إذا تعلق الأمر بالأشياء والقضايا التي تخرج عن اختصاصه ومعارفه.تؤكد الدراسات وجود علاقة ارتباطيه إيجابية بين الصور الذهنية والنمطية حول الدول وتأثيراتها في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية فيما بينها. فهذه الصور تؤثر في الرأي العام الذي يؤثر بدوره في صنع السياسة الخارجية نحو هذا البلد أو ذاك.. وأغلب الظن فإن الدولة التي تصوّر بطريقة سلبية وتعرض بصور نمطية وأفكار مضللة متحيزة ستجني رأيا عاما سلبيا وبذلك ستكون في آخر قائمة الدول الصديقة والدول التي تتمتع بتبادل تجاري واقتصادي وثقافي معتبر، بل على العكس ستكون في أول قائمة الأعداء الذين تطبق عليهم سياسات التهميش والاحتواء والحصار بمختلف أنواعه وأشكاله. هكذا كان الأمر بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي في عهد الحرب الباردة. الدراسات التي عالجت موضوع صورة الإسلام والعرب في وسائل الإعلام الغربية جاء معظمها على يد باحثين غربيين، وقلة قليلة من العرب، فقط اهتمت بدراسة هذه الإشكالية. وفي معظمها أكدت الدراسات والأبحاث العلمية أن وسائل الإعلام الغربية خاصة الأمريكية منها من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما وحتى الكتب الدراسية ترسم صورة مشوّهة وسلبية وغير صحيحة عن الإسلام. وهذه الصور النمطية تكون في معظم الأحيان نتيجة لأفكار مسبقة ولحقد على الأمة العربية والإسلامية ولجهل وتجاهل تاريخ المسلمين وحضارتهم وثقافتهم، وأخيرا نتيجة للصراع الحضاري بين الغرب والإسلام.وسائل الإعلام مقيّدة بآليات سياسة الدولة حيث إنها، بطريقة أو بأخرى، تمثل هذه السياسة وتدافع عن النظام الذي تعمل في إطاره. فالحركة الصهيونية، على سبيل المثال، وعبر تنظيماتها المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تسيطر على الصناعات الثقافية ووسائل الإعلام ودور النشر وتتحكم بذلك في محتواها وتحددها وفق ما يخدم مصالحها وأيديولوجياتها، أهدافها، وهذا عملا بتوجيهات وتوصيات برتوكولات حكماء صهيون.والأخطر من هذا أن رؤوس الأموال الصهيونية توّظف في المقام الأول في وسائل الإعلام والصناعات الثقافية وفي الوسائط التي تؤثر في الرأي العام وفي تفكير وإدراكات البشر. فالنفوذ الصهيوني في وسائل الإعلام الغربية وُظف بطريقة منظمة ومنهجية من أجل تقديم صور ذهنية وصور نمطية عن الإسلام والعرب بما يخدم المصالح الصهيونية بالدرجة الأولى. وبطبيعة الحال ما يخدم المصلحة الصهيونية هو تشويه سمعة العرب وتقديم صور نمطية تجعل الرأي العام يتخذ موقفا معاديا وسلبيا ضد كل ما هو عربي ومسلم وهذا الرأي العام يسّهل مهمة المشرع وصاحب القرار في عملية اتخاذ إجراءات وقرارات تضر بالعرب وبالمسلمين وبمصالحهم وتساند وتساعد الكيان الصهيوني من دون نقاش ولا مساءلة.الكلام عن مخرجات المؤسسات الإعلامية يقودنا للنظر في الضغوط التنظيمية وفي القوانين والأعراف والأحكام والقيم التي تدير العمل الصحفي. فالمؤسسة الإعلامية هي مؤسسة تجارية بالدرجة الأولى، لكنها تصنع الفكر والمخيال الاجتماعي والذاكرة الجماعية وتحدد للمجتمع كيف ينظر للعالم وكيف يقّيم الأحداث ومجريات الأمور من حوله. وسائل الإعلام تمثل وتعبر عن البنية الفوقية، التي هي عبارة عن جملة المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد والأعراف ونمط الحياة والمخيال الاجتماعي والموروث الثقافي...إلخ.. وهي في ذات الوقت تعمل على المحافظة عليها ونشرها وترسيخها في المجتمع. والصحفي ما هو إلا نتاج المجتمع ونتاج هذه القيم والتقاليد.. وبذلك فإننا نجده من خلال الميكانيزمات التي تربطه بالمؤسسة الإعلامية يعمل على تثبيت وترسيخ شرعية النظام والقيم التي تحكم هذا النظام، وإذا خرج عن المنطق فإنه يهمش ويستبعد ويوصف بالخائن والمتمرد والخارج عن النظام، وللعلم قد تكون بعض هذه القيم أو المبادئ غير سليم أو يتناقض مع القيم الإنسانية والأخلاقية.وحسب بعض المختصين والباحثين فإن التشويه والتضليل والانحياز في تغطية الإسلام من قبل وسائل الإعلام الغربية يعود بالدرجة الأولى إلى الصراع الحضاري والثقافي بين الغرب والإسلام. وقد ظهر هذا الصراع جليا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار القطبية الثنائية، حيث ظهر النظام الدولي الجديد وتهميشه للثقافات والديانات المختلفة في العالم خاصة الإسلام. وجاء مصطلح "الإسلاموفوبيا" للتعبير عن الهستيريا التي أصيب بها الغرب ضد الإسلام بعد انهيار الشيوعية، حيث أصبح هذا الأخير يتصدر قائمة أعداء أوروبا وأمريكا.وأكدت دراسات تحليل المضمون أن كتب التاريخ المدرسية وكتب الاجتماعيات في المدارس الابتدائية في بعض الدول الغربية وأمريكا أسهمت هي بدورها في إيجاد فكر باطني معادٍ لكل ما هو إسلام وعرب، وكانت النتيجة أن الأمريكي يتعرض منذ نعومة أظافره إلى جملة من الصور النمطية ومن الأفكار المضللة والمزيفة ضد كل ما هو عربي ومسلم.. وأصبح الإسلام مرادفا للتخلف وللإرهاب وللجهل وللأنانية ولحب النفس ولإلغاء الآخر وعدم احترامه وللغطرسة والتعصب... إلخ.
352
| 25 يونيو 2016
قد يسأل الإنسان نفسه عما فعله في هذا الكون لخدمة نفسه والمجتمع الذي ينتمي إليه وبلده والإنسانية بصفة عامة. فهناك أشخاص ومؤسسات قدموا الكثير وتركوا بصماتهم في الرقي والازدهار بالمحيط الذي يعيشون فيه والناس الموجودين من حولهم. هناك ناس غيروا ظروف حياة الملايين وهناك ناس أسعدوا مئات الآلاف بابتكاراتهم وعطائهم وإنجازاتهم. هناك أشخاص غيروا مصير البشرية نحو الأفضل لتكون سعيدة وهنيئة ومتحابة ومتلاحمة. على النقيض هناك أشخاص ومؤسسات تفننوا في صناعة الحقد والكراهية والإساءة للآخرين وتعذيبهم والتنكيل بهم. فهناك ناس صنعوا التاريخ وسجلوا أسماءهم بحروف من ذهب في تاريخ البشرية. على النقيض ومع الأسف الشديد هناك ناس وأطراف وجهات تفننوا في زراعة الحقد والكراهية والعنصرية والإساءة للآخرين. السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي رسالة شارلي إيبدو والمشرفين عليها؟ ماذا يريدون تحقيقه؟ هل الاستهزاء والسخرية والنيل من ديانات ومعتقدات الآخرين يفيد في شيء؟ هل معنى حرية الصحافة وحرية التعبير وحرية الفكر هو الانتقاص من قيمة الآخرين والسخرية منهم والإساءة لهم. ما هي الفائدة التي تجنيها شارلي إيبدو من المساس بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ ما الفائدة من الاستهزاء والسخرية من شخصية مثل محمد علي كلاي الأسطورة العالمية التي خلفت وراءها مبادئ ومواقف تدرس في كتب التاريخ. فالمجلة الفرنسية قد تصنف في خانة المؤسسات التي تسيء إلى الإنسانية والبشرية أكثر من أنها تقدم خدمة لمصلحة قرائها ومتتبعيها عبر العالم. فالأمر هنا يتعلق بتأجيج عواطف الناس والمساس بمشاعرهم ونشر ثقافة الحقد والعنصرية والكراهية. مع الأسف المجلة ما زالت لم تتعلم الدرس وما زالت مستمرة في غطرستها وفي تحدي القيم والمبادئ السمحاء المتعارف عليها عالميا. عادت المجلة الفرنسية شارلي إيبدو إلى سخريتها مجددا بعدما نشرت الجمعة 10 يونيو كاريكاتيرا صادما، تهكمت فيه بشكل عنصري من أسطورة الملاكمة، الراحل محمد علي كلاي. وشمل الكاريكاتير "المتهكم" مهاجم ريال مدريد الإسباني كريم بنزيمة، الذي استبعده ديديه ديشامب مدرب المنتخب الفرنسي من الـ"يورو 2016". وكان الكاريكاتير الرئيسي على غلاف المجلة الساخرة عبارة عن كاريكاتير إنسان داخل تابوت يجري في ملعب كرة ويرتدي قفازات الملاكمة وعلقت عليه جملة "ديشامب عنصري.. لم يستدع محمد علي لمنافسات يورو 2016". نشرت صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية رسما ساخرا يظهر فيه أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي داخل تابوت مع كتابة عبارة "ديشامب عنصري". الرسم الساخر أو "الكاريكاتير" يسخر من تعليق كريم بنزيمة بأن ديديي ديشامب مدرب منتخب الديوك استبعده من التشكيلة بدافع العنصرية وليس المستوى الفني. وتم نشر الرسم في يوم دفن أسطورة الملاكمة وأحد أفضل الرياضيين في التاريخ مما أدى إلى غضب عارم على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب المحتوى العنصري والتوقيت السيئ. الجدير بالذكر أن الصحيفة الفرنسية تملك تاريخا حافلا بالاستفزازات السخيفة والمنشورات العنصرية سواء الطائفية أو الدينية وأبرزها كان بنشر كاريكاتير ساخر يسيء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام عام 2011. وتم نشر الرسم في يوم تشييع جنازة أسطورة الملاكمة، محمد علي، وانطلاق منافسات يورو 2016، والتي استبعد منها بنزيمة لأسباب وصفها اللاعب بالعنصرية. وتسبب الكاريكاتير في موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتقد كثيرون طريقة تناول المجلة للموضوع بهذه الطريقة الصادمة، والتي تحمل في طياتها قدرا كبيرا من العنصرية والتعصب. وأكدت نسبة كبيرة من التعليقات أن ما تقوم به المجلة لا يتعدى الوقاحة وقلة الحياء من أجل لفت الأنظار، حتى لو كان بالهجوم على العرب والمسلمين، خاصة أنه لا علاقة بين محمد علي والمنتخب الفرنسي أو بنزيمة من أجل جمعهما في رسم ساخر، إلا إذا كان بسبب ديانتهما. يشار إلى أن مجلة "شارلي إيبدو" لها باع طويل في السخرية بطريقة عنصرية من عدة مواضيع سياسية ومتعلقة بالدين الإسلامي، بعدما نشرت كاريكاتيرات سخرت فيها من النبي محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وقضية اللاجئين السوريين بشكل فج. وتعرض مقر المجلة، مطلع العام الماضي، لهجوم تسبب في سقوط 12 قتيلا وإصابة 11 آخرين، وهي العملية التي تبناها تنظيم القاعدة. من جهة أخرى نلاحظ أن الأسطورة محمد علي وهب حياته للنضال من أجل حقوق الإنسان، ومن أجل المبادئ والقيم والأخلاق ليس في بلده فقط وإنما في العالم بأسره. خصص أمواله لنشر الإسلام في جميع ربوع العالم وهو الشخص الفقير الذي جاء من مدينة لويفيل بولاية كنتاكي ليتحدى الظلم والاستغلال والعنصرية وهو الذي رفض حرب فيتنام وضحى بالسمعة والشهرة والملايين من أجل مبادئ إنسانية راقية ترفض على لسان محمد علي الخوض في حرب ضد ناس لم يسيئوا للملاكم العالمي ولا للشعب الأمريكي. وهنا نلاحظ الفرق بين الخير والشر. مؤسسة تستهتر وتستهزئ بديانات وتقاليد وأعراف شعوب وأمم وشخص يؤسس للمحبة والإيمان والأمن والاستقرار في العالم. ما تمارسه شارلي إيبدو وتستمر في ممارسته لا يقدم أي شيء للبشرية ولأمم العالم، بل كل ما تقوم به هذه المؤسسة هو نشر ثقافة الحقد والكراهية وزرع الفتن عبر العالم باسم حرية الصحافة وحرية التعبير. ما الهدف من الإساءة إلى الأسطورة محمد علي وما الفائدة وما الإضافة للجمهور؟ وهنا نتساءل لماذا التطاول وهل هذه هي حرية الصحافة وحرية الفكر والتعبير؟ أسهم الأسطورة محمد علي في بناء أكثر من 170 مسجدا في أمريكا، وأسلم على يديه الملايين، ذلك هو الراحل محمد علي كلاي صاحب القبضة الفولاذية، والضربة القاضية، والكلمة الصادقة المؤثرة، والسجل الحافل المشرف في خدمة الإسلام والإنسانية بالدعوة الصادقة والعمل الخيِّر، فضلا عما تركه خلفه من تاريخ ومواقف بطولية جعلت منه واحدا من أكثر الرياضيين تأثيرا في العالم. سيظل محمد علي كلاي واحدًا من أهم الرياضيين وأعظم الشخصيات العالمية التي خدمت الدِّين، وقدمت للإسلام الشيء الكثير نفوذا ومساهمة وتعاملا ودعمًا ماديّا ومعنويّا ومساعدة وفكرا خلابا من خلال حواراته الصحفية ومقابلاته التلفزيونية التي لطالما استغلها للتعريف بالإسلام وسماحته... وصرح كلاي في أحد لقاءاته: "قريبًا سأصبح رجلًا متقدمًا في السن ويمكن أن يدركني الموت في أي لحظة، فالله سبحانه وتعالى جعلني أفضل رياضي وأشهر إنسان في العالم وسوف أستخدم هذه الشعبية الكبيرة التي منّ الله علي بها من أجل نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف في كل مكان وكذلك من أجل محاربة الجريمة والدعارة والكحول والمخدرات والأمراض الاجتماعية وغير ذلك". وعن تنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف والإسلاموفوبيا صرح كلاي في إحدى المناسبات: "أنا مسلم ولا يوجد شيء يمت للإسلام في قتل أناس أبرياء في باريس أو نيويورك أو لندن أو أي مكان آخر في العالم، المسلمون الحقيقيون يعرفون أن العنف الوحشي لمن يطلق عليهم (المتطرفين الإسلاميين) يتعارض مع صميم مبادئ ديننا". وعن الفرق بين الخير والشر وبين محمد علي كلاي ومجلة شارلي إيبدو الكلام يطول فالأسطورة ترك وراءه تاريخا حافلا بزرع المحبة والوئام ونشر ثقافة السلام والإسلام في العالم بأسره أما شارلي إيبدو فتفننت في زرع الحقد والكراهية والعنصرية عبر العالم باسم حرية الفكر وحرية التعبير وحرية الصحافة. وأي حرية هذه؟
913
| 18 يونيو 2016
لقد رأى محمد علي كلاي النور من خلال الإسلام وبالإسلام، ولذلك عبّر عن الحكمة وانحاز إلى الخير، وقال معبرا عن ذلك إن "الديك يصيح فقط حين يرى النور، ضعوه في غرفة مظلمة ولن يصدر عنه أي صوت. أنا أرى النور وأنا أصيح". انتقد التمييز العنصري وحرب فيتنام بجرأة واعتنق الإسلام، لم يكن الصبي كاسيوس مارسيلس كلاي قد تجاوز الـ12 من عمره عندما سرق أحد الأشخاص دراجته، وهو يلعب مع أحد أصدقائه في إحدى الصالات الرياضية، وثار الصبي عندما اكتشف سرقة دراجته، وتلفظ بألفاظ التهديد والوعيد قائلا: ”إنه سيسحق السارق ويضربه ضربًا مبرحًا عندما يعثر عليه”، وتوجه بالكلام إلى رجل شرطة وجده أمامه، فما كان من رجل الشرطة إلا أن سخر من الصبي الطويل النحيف قائلا له: ”من الأفضل لك أن تتعلم الملاكمة أولا قبل أن تحاول ضرب أحد”، ولم يخطر ببال هذا الشرطي أنه “بهذه الجملة الساخرة” كان سببًا في تغيير مسار حياة هذا الصبي، وتوجيهه إلى الولوج في عالم الملاكمة واحترافها. احترف محمد علي كلاي رياضة الملاكمة عام 1960، وكان عمره 18 عامًا، بعد أن أحرز للولايات المتحدة الميدالية الذهبية في دورة روما الأوليمبية، وفي عام 1964، صُدِمَ العالم عندما استطاع محمد علي إزاحة الملاكم سوني ليستون من عرش الملاكمة، وكان عمره آنذاك لا يتجاوز 22 عامًا. وفي عام 1967، وفي قمة انتصاراته في عالم الملاكمة كانت الولايات المتحدة متورطة في حرب فيتنام التي كان يعارضها محمد علي البطل العالمي للملاكمة، الأمر الذي أدى إلى سحب اللقب منه بسبب رفضه الالتحاق بالخدمة العسكرية في جيش الولايات المتحدة، اعتراضًا منه على الحرب. تم سجن محمد علي كلاي وتمَّ إلغاء رخصة الملاكمة، وتمَّ تجريده من بطولة العالم في الملاكمة، ولكن بعد أربع سنوات ألغت المحكمة العليا قرار إدانته، وأصدرت حكما جديدا مفاده ”إن رفضه لأداء الخدمة العسكرية لم يكن بدافع الجريمة أو الجنحة، وإنما يتماشى مع تعارض الحرب ومع قناعة ضميره كونه يدين بالإسلام”. وكان كاسيوس كلاي قد أعلن إسلامه في عام 1965، واختار لنفسه اسم محمد علي كلاي، عاد كلاي للملاكمة مرة أخرى عام 1970. وفي عام 1974، هَزَم محمد علي كلاي الملاكم القوى فورمان، ليستعيد بذلك عرش الملاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأسره.يُعد محمد علي كلاي واحداً من أبرز الملاكمين الذين شهدتهم حلبات الملاكمة في العالم عبر التاريخ، فهو صاحب أسرع لكمة في العالم والتي وصلت سرعتها 900كم، كما حقق العديد من الانتصارات التي أهلته للفوز بلقب “رياضي القرن” حيث فاز ببطولة العالم للوزن الثقيل ثلاث مرات على مدى عشرين عاماً. ولكن إصابته بمرض الشلل الرعاش بسبب ممارسته للملاكمة حرمته من الاستمرار في ممارسة رياضته المفضلة حيث اعتزل الملاكمة عام 1981م إلا أنه لا يزال رمزاً رياضياً محبوباً حتى الآن. أما عن قصة إسلامه فقد فاجأ الجميع بإعلانه الانضمام إلى جماعة أمة الإسلام وتغيير اسمه إلى “محمد علي”، وكان وراء تلك الحركة المفكر الأمريكي “مالكوم إكس” المتحدث الرسمي لجماعة أمة الإسلام الذي كان صديقا مقربا له ليعلن اعتناقه الدين الإسلامي عام 1975م.من أبرز مواقف محمد علي كلاي، معارضة خوض الحرب مع الجيش الأمريكي ضد فيتنام، قائلاً لا يمكنني خوض حرب تقضي على حياة آخرين، إننا كمسلمين لا نخوض الحروب إلا إن كانت في سبيل الله ورسوله، وحينها تم سحب لقب بطولة العالم منه وإيقافه عن الملاكمة ثلاث سنوات وهو في سن 25 عاما أي سن العطاء والتفوق. وعلى مدى مشواره في رياضة الملاكمة سجّل علي أرقاماً قياسية، وكان له حضور مميز، بالإضافة إلى مواقفه المثيرة للجدل، مما جعله واحداً من أشهر شخصيات القرن العشرين. وقال جورج فورمان، الملاكم السابق الذي كان منافساً لعلي، على موقع “تويتر” بعد نبأ الوفاة، “ذهب جزء مني.. أغلى جزء”. وقال الملاكم روي جونز جونيور على موقع “تويتر” “أشعر بحزن شديد، لكنني أشعر بارتياح وامتنان لأنه الآن في أفضل مكان”. وكان مرض الشلل الرعاش (الذي عانى منه الملاكم محمد علي منذ ثمانينات القرن الماضي) أثّر على طريقة كلامه، وجعله شبه مسجون في جسده. وصفَ علي نفسه بأنه “الأعظم” وكذلك “الأجرأ والأمهر”. وقد وصل إلى أوج مجده في الستينيات. وبخفة حركته وقبضتيه السريعتين استطاع، على حدّ تعبيره، أن يحلّق كفراشة ويلدغ مثل نحلة. وكان أول من يفوز ببطولة العالم للملاكمة للوزن الثقيل ثلاث مرات. وأصبح علي أكثر من مجرد رياضي مثير للاهتمام، فقد انتقد بجرأة التمييز العنصري في الستينيات وكذلك حرب فيتنام فإلى كونه رياضيا من الطراز الأول اشتهر علي بنضاله السياسي ومواقفه الإنسانية حيث إنه كان محبوبا في جميع أنحاء المعمورة من قبل عامة الشعب ورجال الأعمال والساسة.. إلخ.لم يكن محمد علي كلاي شخصية عادية، بل علما كبيرا بخصال حميدة، تشبع بروح الإسلام وأصبح يكتشفه ويتعمق فيه يوما بعد يوم، وقال عن ذلك، إنه كلما عرف الكثير عن الله وعن الإسلام كلما فهم أكثر أنه علم القليل. وصف محمد علي كلاي نفوره منذ نعومة أظفاره من الظلم ومن العنصرية المقيتة داخل المجتمع الأمريكي ضد السود، التي رأى وعاين ويلاتها وشرورها، وصف ذلك في كتاب سيرته الذاتية "روح الفراشة" قائلا إنه كان يبكي كل ليلة تقريبا قبل أن يهجع للنوم من الشعور بالإهانة الدائمة التي يتعرض لها السود في أمريكا. ولذلك انشغل منذ وقت مبكر من حياته بالبحث عن مثل عليا يتخذها طريقا في حياته اللاحقة ترسم له خياراته وقراراته المصيرية، وقاده هذا الشعور للتعرف على الإسلام في سن السابعة عشرة، فانجذب إليه واستقر فيه، ومنذ ذلك التاريخ وُلد من جديد، وتغيرت حياته بشكل جذري وشامل وأصبح اسمه محمد علي. وحين رفض الخدمة العسكرية في أوج الحرب في فيتنام عام 1967، حرم من رخصة الملاكمة ومن لقب البطولة العالمية، بالإضافة إلى الإدانة التي رفعتها عنه المحكمة العليا عام 1971، لم يجزع ولم يتردد، وأعلن بكبرياء أن "لا مشكلة له مع "الفيت كونج" (المقاتلون الفيتناميون) كما أن "الفيت كونج" لم ينادوه بتاتا بالزنجي!" ولم ينته الأمر عند هذا الحد فقد أعلن أن عقيدته الإسلامية لا تنسجم مع التزامات الجنود في تلك الحرب، وأنه لا يستطيع أن يجرح أو يقتل أناسا لا معرفة له بهم، أناس لم يتسببوا له ولا لبلده بأي ضرر، مضيفا أن تلك ليست المهمة التي وضعها الله على عاتقه.ولفت كلاي في معرض شرحه لظروف رفضه المشاركة في حرب فيتنام إلى أن قراره كلفه الكثير، وأنه خسر الملايين، وكشف أن السلطات الأمريكية حاولت إغراءه بشتى الطرق، منها أنهم وعدوه بأنه لن يحمل مسدسا في يده بتاتا، وأنه لن يقترب مطلقا من المناطق الساخنة، إلا أنه لم يتخل عن قراره على الرغم من هذه العروض، وذلك لأن الحكومة الأمريكية كانت تريد استغلاله للدعاية لهذه الحرب الظالمة.كلاي كان واضحا في موقفه الصلب والصعب تجاه أي مشاركة في حرب فيتنام حتى لو كانت شكلية، ويمكن القول إن الإسلام أعاد تكوين كلاي، ووجد البطل ذو الروح الكبيرة والعقل المتقد الذي لم تلهه قوته الجسدية عن البحث عن الحق والعدالة الاجتماعية والمساواة، في هذا الدين المعنى الخالد للوجود وللتسامي وللعدل وللمحبة وللخير، ولذلك عندما سئل عن موقفه من الأديان الأخرى، أجاب: "الأنهار والبرك والبحيرات والجداول بتسميات مختلفة، وكلها تحتوي على الماء، والأديان لها أيضا أسماء مختلفة وجميعها تحتوي على الحقيقة".
909
| 11 يونيو 2016
في مقال سابق، تكلمنا عن أهمية القراءة في مسار الشعوب والدول والأمم. فالشخص الذي يقرأ يختلف عن الذي لا يقرأ والمجتمع الذي تنتشر فيه ثقافة القراءة والمطالعة والمكتبات ومختلف روافد العلم والمعرفة يختلف عن مجتمع تنتشر فيه "الأمية المثقفة" أي أن هناك شعبا يعرف القراءة وله سنوات من التعليم لكنه من دون ثقافة وبدون ثقافة عامة لأنه بكل بساطة لا يقرأ. في هذا المقال، نناقش الحالة المزرية للغة العربية وعدم الاهتمام بها من قبل أبنائها والنظر إليها كما يدعي الكثيرون بأنها غير مؤهلة، لأن تكون لغة العلم والمعرفة والنظريات والتكنولوجية. فهجرة اللغة وعدم استعمالها والفخر بها يعني بكل بساطة التنكر للأصل وللتاريخ وللحضارة وللدين وللوطن. فالذي يهجر لغته يعني أنه لا هوية له ولا مواطنة له ولا ولاء. وهذا يعني أن البلد في خطر. قبل سنوات أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في إطار "رؤية الإمارات 2021" حزمة مبادرات لتعزيز مكانة اللغة العربية. تشمل ميثاقا للغة العربية لتعزيز استخدامها في الحياة العامة، ومجلس استشاري برئاسة وزير الثقافة، ولجنة خبراء عربية دولية لإحياء اللغة العربية كلغة للعلم والمعرفة، وإبراز المبدعين من الطلبة فيها، وإنشاء كلية للترجمة ومعهد لتعليم العربية لغير الناطقين بها، ومبادرة إلكترونية لتعزيز المحتوى العربي على شبكة الإنترنت. مبادرة أقل ما يمكن قوله عنها إنها جاءت في الوقت المناسب لرد الاعتبار لمكون رئيسي لهوية وذاكرة وتاريخ العرب والمسلمين. فاللغة العربية اليوم تعاني من مشكلات عدة من أهمها التهميش والتقليل من شأنها وقدرتها على إنتاج العلم والمعرفة. وعلى سبيل المثال ولا الحصر دعنا ننظر إلى الوضع الذي آلت إليه لغة الضاد في وسائل الإعلام. ما هي مكانة اللغة العربية في وسائل الإعلام، وفي حياة المواطن العربي وفي وجدانه وطريقة تفكيره وعيشه. الواقع يشير إلى أزمة معقدة تنتشر بسرعة فائقة ومذهلة والأمر خطير لعدة اعتبارات من أهمها أن العولمة وعصر الإنترنت والمعلوماتية لا يرحم ولا يشفق ومن لا يحصن نفسه بالعلم والمعرفة والإنتاج الفكري والأدبي، فإنه سيذوب لا محالة في الآخر وسيصبح كاللقيط الذي لا يعرف له لا أصلا ولا فصلا ولا تاريخا ولا جذورا. إذا نظرنا إلى إشكالية اللغة يجب أن ننظر إليها ليس كمجرد وسيلة بريئة أو كناقل للأفكار والمعاني والتجارب وإنما كثقافة وكحضارة وكذاكرة اجتماعية. اللغة هي هوية الشعب والأمة واللغة هي الرافد الرئيسي لتطوره وتقدمه وعلومه وابتكاراته واختراعاته. واللغة هي القاسم المشترك الذي يجمع الأمة في التعبير عن أفراحها وأقراحها واللغة هي الناقل الذي يلّم الشعب ويوّحده. فإذا أردنا أن نتكلم عن إشكالية اللغة فإنه يجب علينا أن لا نفرغها من محتواها ومن أيديولوجيتها وأبعادها المختلفة سواء كانت دينية أم سياسية أم حضارية أم أمنية أم قومية.. والقائمة قد تطول.. فاللغة إذن تحدد لنا كيف نفكر وكيف نلبس ونأكل ونمرح ونمزح فهي وعاء كبير قد يلّم معاني وأفكارا ومعتقدات وسلوكيات تعكس الفرد في بعده الإنساني والحضاري والثقافي والاتصالي والديني والاجتماعي. الوضع الذي وصلت إليه اللغة العربية في وسائل الإعلام المختلفة شيء مخز ومؤسف حيث أصبحت معظم هذه الوسائل خاصة السمعية البصرية منها تتفنن في استعمال اللهجات العامية والدارجة وهذا بافتخار واعتزاز والمبرر هو أن العامية بسيطة ومفهومة لدى الجميع. وإذا رجعنا إلى موضوع العامية بدلا من اللغة العربية الفصحى نجد أن بعض المستشرقين والحاقدين على العرب والمسلمين خاصة هؤلاء الذين كانوا يهدفون إلى طمس الهوية العربية ودفن الإسلام والحضارة الإسلامية كانوا يصّرون على استعمال العامية وهذا ما حدث على يد المنظرين للاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر. وبذلك نجد الكثير من المستعمرين الفرنسيين في الجزائر على سبيل المثال قد كانوا يصّرون ويشجعون استعمال الدارجة والابتعاد بقدر الإمكان على اللغة الفصحى مما جعلهم ينشرون كتبا بالدارجة ويشجعون كل من يستعمل العامية في التعليم والنشر والاتصال الرسمي وهم في نهاية الأمر من نشروا ثقافة تزييف القرآن وتحريفه وتجريده من معانيه الصحيحة من خلال شبكة من المشعوذين وأشباه الأئمة. موضوع استعمال العامية يطرح عدة تساؤلات: لماذا العامية؟ وهل اللغة العربية الفصحى عاجزة على إيصال المعاني والأفكار للجمهور؟ وهل اللغة الفصحى معقدة وصعبة إلى درجة أن الجمهور العريض لا يستطيع فهمها؟ وهل العامية مفهومة للجميع؟ أم أن اللغة العربية الفصحى عاجزة على مواكبة العلم والمعرفة وآخر الاكتشافات التكنولوجية؟ وإذا نظرنا إلى اللغة العربية المستعملة في المحلات وفي الشوارع من خلال اللافتات واللوحات الإعلانية نلاحظ تلوثا لغويا لا مثيل له حيث استعمال الدارجة وكتابة الإعلانات بالحروف اللاتينية واستعمال كلمات إنجليزية أو فرنسية مكتوبة بحروف عربية، والشيء نفسه نجده في الكثير من إعلانات الصحف التي لا تراعي احترام اللغة السليمة على الإطلاق. هذا الوضع مع الأسف الشديد يساهم في نشر ثقافة العامية والدارجة وثقافة الاعتداء على اللغة العربية الفصحى بحجة التبسيط والتطوير والتأقلم مع معطيات العصر.
2321
| 04 يونيو 2016
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1993 يوم الثالث من مايو/ أيار من كل عام يوما عالميا لحرية الصحافة عبر تبنيها توصية مؤتمر اليونسكو في جلسته السادسة والعشرين التي انعقدت عام 1991. وأصبح الثالث من مايو من كل عام يوما للاحتفال بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة؛ وتقييم أوضاعها حول العالم؛ والدفاع عن الصحافة في وجه الاعتداءات التي تعترض استقلاليتها. يشير الإعلان إلى أن ضمان الحق في المعلومات أمر حاسم لاتخاذ قرارات مستنيرة، للمشاركة في الحياة الديمقراطية، لرصد الإجراءات العامة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، ويمثل أداة قوية لمكافحة الفساد؛ وأن الحق في الإعلام له دور فعال في تحقيق تمكين الشعب، وتعزيز ثقة المجتمع المدني، وتعزيز المساواة بين جميع الفئات في المجتمع، ويرحب الإعلان بالاعتراف العالمي المتزايد بالحق في المعلومات، والذي تردد في البيانات والاتفاقيات الدولية والأحكام القضائية، وكذلك عبر اعتماد قوانين الحق في المعلومات على المستوى الوطني؛ ويشير الإعلان إلى أن غالبية الدول في العالم لم تعتمد تشريعات لضمان هذا الحق الأساسي؛ الأمر الذي يثير القلق من أن تبني القوانين والتشريعات ذات الصلة، وتنفيذها يواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك المقاومة السياسية والبيروقراطية. المنظمات الدولية المختلفة التي تعنى بشؤون وقضايا حرية الصحافة تدين الترهيب والاعتداءات والاعتقالات والاغتيالات التي يتعرض لها الصحفيون ورجال الإعلام في جميع أنحاء العالم، والتي تنتهك حقوقهم الأساسية بشكل كبير وخاصة حقهم في الحصول على مجموعة متنوعة من المعلومات والبيانات والأفكار والآراء. فالدول والحكومات في مختلف أنحاء العالم مطالبة باتخاذ الإجراءات اللازمة لسن التشريعات والقوانين الضرورية لضمان الحق في الحصول على المعلومات باعتباره حق كل فرد في المجتمع. ويبرز الإعلان أهمية تعزيز الوعي العام حول الحق في المعلومات، وتطوير قدرات كل فرد في ممارسة هذا الحق، مع التركيز بوجه خاص على الفئات المحرومة والضعيفة، بمن فيهم النساء والأقليات وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم؛ وتمكين الوصول غير المقيد للمعلومات ذات الصلة بانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك المعلومات المتوفرة في المحفوظات الحالية والتاريخية؛ وتسخير قوة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتسهيل تنفيذ الحق في المعلومات، وتعزيز التعددية من خلال تدفق المعلومات بسلاسة وسهولة في أرض الواقع. فحق الحصول على المعلومة من الحقوق الأساسية للإنسان التي نص عليه في المواثيق والاتفاقيات الدولية ويشكل ذلك الحق وسيلة من أهم وسائل مكافحة الفساد ويجسد عمليا مبدأ الشفافية في العمل الحكومي وبقية مؤسسات الدولة. إن منح الصحفي حق الحصول على المعلومة يسهم كثيرا في سد منافذ الفساد ويفتح الآفاق نحو معالجة الأخطاء ويحدد نقاط الضعف في الأداء مما يؤدي إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للمعالجة وتدارك الخطأ قبل وقوعه، ويعتبر الإعلامي عين الشعب المثقفة بثقافة التمييز والتدقيق واستجلاء الحقيقة من خلال ما يملك من أدوات حرفته في العمل الإعلامي. فهناك علاقة جدلية بين حرية الصحافة والحصول على المعلومة والديمقراطية. فالمعلومة تساعد الفرد في المجتمع على اتخاذ القرار السليم وتساعده على معرفة ما يدور في المجتمع وفي مؤسسات الدولة المختلفة وتساعد على الشفافية والوضوح ومحاربة الالتباس والشائعات وحملات التضليل والتشويه. تعتبر حرية التعبير عصب الديمقراطية والحق في الوصول إلى المعلومة هو عصب الشفافية، فإن التوفيق بينهما هو دعامة أساسية للديمقراطية التشاركية نحو بلوغ التنمية المستدامة التي تنشدها الدولة، فبإمكان وسائل الإعلام إذا توفرت على المعلومة والحرية أن تلعب دورا أساسيا في ترسيخ أسس الديمقراطية والحوار والنقاش وبذلك تحقيق تنمية الفرد والتنمية المستدامة. ولعل المبدأ العام الذي يجب أن يحكم ضمان "الحق في الحصول على المعلومة" هو أن تعمل الدولة على توفير وتيسير تقديم المعلومات لطالبيها وضمان الحصول عليها في الوقت المناسب، فالمعلومة يجب أن تكون متاحة ومتوفرة لكل من يطلبها وفقا للقانون، على نحو يقضي بأن يؤدي هذا القانون إلى المصلحة العامة حيث يجعل من المعلومة الصحيحة في متناول المواطن حتى يتمكن من الوعي والدراية بحقوقه وواجباته وبشؤون الدولة واجهزتها المختلفة. فوجود قانون ينظم الحق في الوصول إلى المعلومة يعتبر وسيلة أساسية لدعم حرية التعبير القائمة على البيانات الصحيحة وليس على الشائعات والتكهنات؛ كما يعتبر دعامة أساسية للشفافية وللمساواة في فرص التزود بالمعلومة الصحيحة وركيزة أساسية لفضح الفساد والمخالفين للقانون ووسيلة لوضع المواطنين في صورة السياسات العمومية وإدراكها والتصرف والتعبير على أساس المعرفة بالأشياء والقرارات وسياقاتها وأداة مساعدة على الاختيار السليم والتعبير عن وعي. وعلى هذا الأساس فإن حرية التعبير لها علاقة وطيدة بالحق في الوصول إلى المعلومة، فهُما من جهة ركيزتان أساسيتان للديموقراطية التشاركية وللشفافية ومكافحة الفساد، ومن جهة أخرى لا ينبغي الفصل بينهما، لأنه لا يمكن أن يساهم الإعلام في تنوير الرأي العام على النحو المطلوب وفي كشف الفساد ومكافحته في غياب وسائل تمكنه من الوصول إلى المعلومة بيسر وسهولة. وإذا كان هناك تبني الدول العربية لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن هناك وضع مزر على مستوى التطبيق، حيث يؤكد الواقع وجود صعوبة إلى درجة استحالة وصول الصحفي في البلدان العربية إلى مصادر الخبر السياسية والاقتصادية لإيصال المعلومة الصحيحة إلى الجماهير، حيث يعتبر فقدان ثقة الجمهور أخطر أمر على المؤسسة الإعلامية، علما أنه كثيرا ما تتحول الصحافة إلى مؤسسة تابعة عاجزة عن الاستقصاء والتحري وكشف الحقائق. فبوصول المواطن إلى المعلومات المتعلقة بالشأن العام، تطبيقا لمبدأ الحق في الوصول إلى المعلومة، يستطيع أن يرفع من مشاركته في المراقبة الجيدة على العمل الحكومي، خصوصا وأن معركة الحراك العربي تدور رحاها اليوم في ميدان المعلومة التي أصبحت متوفرة إلى حد معين من خلال المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي ولم تعد حكرا على السلطة السياسية بغض النظر عن مدى صحة المعلومات المتداولة على الشبكة العنكبوتية. إن غياب نصوص قانونية واضحة وصريحة، لاسيما على مستوى دستور الدولة أولا ثم قوانينها الداخلية، تقر الحريات والحقوق، بما فيها "الحق في الحصول على المعلومة" وحرية التعبير، وتجرم وتعاقب انتهاكها، يفهم منه غياب الشفافية الذي ينعكس بالضرورة بشكل سلبي على الفرد والمؤسسة والمجتمع وأهم من كل ذلك صناعة القرار والديمقراطية. كما يجب الإشارة هنا أن جودة النص القانوني لا يعني بالضرورة تنفيذه وتطبيقه في أرض الواقع. فالقانون شيء والممارسة شيء آخر. فتداول المعلومة الصحيحة في المجتمع هو ثقافة وسلوك حضاري يجب أن يتحلى به الجميع ويجب على الجميع أن يجعل منه وسيلة للرقي والتطور والازهار؛ أما إخفاء المعلومة فمن شأنه أن يفتح الباب على الشائعة والتضليل والتزييف. فالحق في الوصول إلى المعلومة هو مستلزم وشرط رئيسي للشفافية ومكافحة الفساد والبيروقراطية وشرط أساسي للديمقراطية وحرية التعبير وحرية الصحافة. هذا الحق منصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي من شأنه المساعدة على تعزيز دور الصحافة في تنوير الرأي العام، ودعم المشاركة في الحياة العامة وصناعة القرار وممارسة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالإعلام بدون المعلومة لا يستطيع أن يؤدي رسالته كما ينبغي ولا يستطيع أن يفي بوعده أمام الجمهور وأن يلعب دور الإبلاغ والتنوير والكشف عن الحقيقة والمساهمة في التنمية المستدامة والديمقراطية.
597
| 28 مايو 2016
مما لا شك فيه أن للقراءة أهمية كبيرة في بناء الأمم والحضارات وسبب لتقدمها. فالدول المتقدمة والمتحضرة تتميز شعوبها بحب الاطلاع والقراءة والفضول العلمي والبحث عن المعرفة من المهد إلى اللحد بعكس الدول التي يسيطر عليها الجهل والتخلف والفقر. قال تعال "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم" (سورة العلق). وهنا يشير سيد قطب في ظلال القرآن في تفسير هذه الآية إلى أن خط التاريخ تحول كما لم يتحول من قبل قط وكما لم يتحول من بعد أيضا وكان هذا الحدث هو مفرق الطريق. وكذلك ذكر أن سبب تعليم الرب للإنسان (بالقلم) لأن القلم كان ولا يزال أوسع وأعمق أدوات التعليم أثرا في حياة الإنسان. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة" رواه مسلم. فنرى أن للقراءة أهمية عظمى تزخر بها نصوص القرآن والسنة النبوية وما نراه اليوم من عزوف الناس عن القراءة واقع مؤسف يقضي على أسباب الرقي والتقدم والازدهار. رغم انتشار تنظيم معارض الكِـتاب في مُـعظم البلدان العربية، يُلاحظ الجميع انصراف الناس عن الحضور وعدم الإقبال على الشراء..فما هو السبب؟ ورغم انتشار "المكتبات العامة" في العديد من الميادين والمدارس والجامعات العربية، فإن الإقبال على القراءة والمطالعة يبقى مشكلة كبيرة تؤرق المسؤولين عن التربية والتعليم..فلماذا؟! وإذا كانت هناك قلة من المثّـقفين من الشباب العربي ما زالوا يقرؤون أو يُوفرون لاقتناء الكتاب..فماذا يقرؤون؟! وإذا كان الخبراء يؤكِّـدون أن معظم الصُّـحف والمجلاّت في العالم العربي تُـعاني من "حالة ركود ملحوظ" وعدم إقبال على الشراء.. فما هي الأسباب؟ وهل يمكن القول بأن الفضائيات العربية بما توفِّـره من برامج حوارية ونشرات إخبارية وتقارير حيّـة...قد فاقمت من أزمة المطالعة في العالم العربي؟تبرز الإحصاءات الخاصة بمعدلات القراءة في الوطن العربي حجم تدهور الوضع التعليمي والثقافي والمعرفي الذي تواجهه الدول العربية، خاصة إذا قارنا هذه الإحصاءات والمؤشرات بمثيلاتها في الدول الغربية. متوسط معدل القراءة في العالم العربي لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنويًا، وذلك بحسب نتائج خلصت إليها لجنة متابعة شؤون النشر في المجلس الأعلى للثقافة في مصر. ويعتبر هذا المعدل منخفضًا ومتراجعًا عن السنوات الماضية، ففي عام 2003، وبحسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن اليونسكو، كان كل 80 عربيًا يقرؤون كتابًا واحدًا، بينما كان المواطن الأوروبي يقرأ 35 كتابًا في السنة، والمواطن الإسرائيلي يقرأ 40 كتابًا، ورغم الفارق الكبير في نصيب القراءة للمواطن العربي مقارنة بالأوروبي، إلا أنه يعتبر أفضل من الوقت الحالي، حيث تراجع إلى ربع صفحة فقط، وهو معدل كارثي. يشير تقرير التنمية البشرية عام 2011، الصادر عن "مؤسسة الفكر العربي" إلى أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويًا، بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنويًا، ومن الملاحظ أن هناك اختلافات في الأرقام الخاصة بمعدل القراءة في الوطن العربي، ويعود ذلك إلى الأدوات المستخدمة في البحث والتحليل، لكن أغلبها تصل إلى نفس النتيجة، وهو إثبات وجود فرق شاسع بين ما يقرأه المواطن العربي ونظيره في الدول الأوروبية، سواء كانت النتيجة بالدقيقة أو بالصفحة أو بالكتاب، فكلها تؤدي إلى تأكيد هذه الهوة الواسعة بين ثقافة القراءة والمطالعة عند العرب وباقي شعوب العالم. بالنسبة للكتب أنتجت الدول العربية 6500 كتاب عام 1991، بالمقارنة بـ 102000 كتاب في أمريكا الشمالية، و42000 كتاب في أمريكا اللاتينية والكاريبي. وبحسب "تقرير التنمية الثقافية" الذي أصدرته منظمة اليونسكو فإن عدد كتب الثقافة العامة التي تنشر سنويًا في العالم العربي لا يتجاوز الـ5000 عنوان. أما في أمريكا، على سبيل المثال، فيصدر سنويًا نحو 300 ألف كتاب. أما بالنسبة إلى عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب عربي نجد اتساع الهوة، فالكتاب العربي لا يطبع منه إلا ألف أو ألفان على أكثر تقدير، وفي حالات نادرة تصل إلى 5 آلاف، بينما تتجاوز النسخ المطبوعة لكل كتاب في الغرب 50 ألف نسخة، وقد يصل إلى أكثر من هذا العدد. أما بالنسبة إلى ترجمة الكتب فإنها تصل في الوطن العربي إلى 20% من الكتب التي يتم ترجمتها في اليونان مثلًا. إنّ تدني الإقبال العام على القراءة مشكلة كانت ولا تزال تثقل قطاع الثقافة والتعليم في العالم العربي. إذ يشير تقرير اليونسكو الصادر عام 2014 إلى أنّ أعلى نسبة للأمية توجد في الوطن العربي، بلغت نسبة الأمية في مجمل الوطن العربي في سنة 2014 حوالي 19% من إجماليّ السكان، وبلغ عدد الأميين نحو 96 مليون نسمة. والقراءة في العالم العربي تأتي في المرتبة الأخيرة بالنسبة لاهتمامات المواطن، حيث يبلغ معدّل القراءة عند الفرد 6 دقائق سنويّا مقابل 200 ساعة للفرد في أوروبا وأمريكا. إضافة إلى أنّ الطفل الأمريكي يقرأ تقريبا 6 دقائق في اليوم بينما يقرأ الطفل العربي 7 دقائق سنويا. كما تشير دراسات أخرى إلى أنّ كتابا واحدا فقط يصدر لكل 12 ألف مواطن عربي، بينما يصدر كتاب واحد لكل 500 إنجليزي، ولكل 900 ألماني. ويرجع الباحثون هذا الوضع إلى عدد من الأسباب أبرزها: قصور مناهج التعليم والتربية في الوطن العربي وضعفها واعتمادها على الحفظ والتلقين، عدم تغيير أساليب تنمية مهارات القراءة في المرحلة الابتدائية وفي الثانوية والجامعيّة، عدم تشجيع أفراد الأسرة الطفل على القراءة والتفكير منذ الصغر، منافسة وسائل الإعلام المختلفة للكتاب خاصة الفضائيات والإذاعات، هناك أيضًا أسباب أخرى تقف وراء تراجع معدلات القراءة في الوطن العربي، منها تنافس الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يقضي المواطن العربي وقتًا أطول على هذه المواقع بدلًا من قراءة الكتب. من أسباب العزوف عن القراءة كذلك قلّة الدعم المالي لإنشاء المكتبات العامّة ودعم الكتاب ليصبح رخيص الثمن وفي متناول الجميع...إلخ وهناك العديد من الأسباب التي تقف وراء أزمة القراءة في الوطن العربي، أهمها ارتفاع مستوى الأمية، إلى جانب الصعوبات الاقتصادية التي لا توفر للمواطن العربي الوقت والمال للقراءة، إلى جانب نقص انتشار الكتب وعدم تشجيع المناهج الدراسية والتربية الأسرية على القراءة. وللخروج من هذه الأزمة لا بد للدول العربية ووزارات الثقافة والشباب والتعليم ومنظمات المجتمع المدني أن تضع الخطط الاستراتيجية من أجل غرس ثقافة القراءة في نفوس الصغار والشباب، واتباع البرامج التعليمية التي من شأنها أن تشجع الطلاب على القراءة، أيضًا البرامج التربوية والأسرية التي تشجع الأطفال على القراءة في المنازل، إلى جانب البرامج والمسابقات الخاصة بالشباب لتشجيعهم على القراءة، وذلك للتغلب على هذه الأزمة التي تهدد الوطن العربي ثقافيًا وحضاريًا وعلميًا.
16754
| 21 مايو 2016
"لنجعل من الإبداع سبيل نجاحنا في العلاقات العامة" كان ذلك عنوان المحاضرة التي ألقاها بارت دي فرايس رئيس الجمعية الدولية للعلاقات العامة بقاعة ابن خلدون بجامعة قطر بمبادرة كريمة من فرع الجمعية الدولية بالخليج. يرى الخبير المحنك دي فرايس أن الإبداع هو الطريق إلى التفرد والاختلاف عن الآخرين والتميز والتجديد المستمر. والذي يريد أن يبدع فهو مطالب بالبحث والدراسة والاستقصاء والاستفادة من تجارب الآخرين. الإبداع يتطلب المثابرة والتحضير والتركيز والمهنية والحرفية بطبيعة الحال. إذا أسقطنا كلام الخبير على واقع العلاقات العامة في الوطن العربي نجد أن هناك عملا كبيرا في انتظار الساهرين على المهنة في مختلف الدول العربية. فالمهنة بحاجة إلى المهنية والقيادة والأخلاق، بحاجة إلى ثقافة جديدة تعتمد على الاتصال المتوازي والشفافية والنقد الذاتي واحترام الفرد والابتعاد على التسبيح والتضخيم والبهرجة الإعلامية. تواجه مهنة العلاقات العامة في الوطن العربي تحديات كبيرة جدا داخليا وخارجيا هذا من جهة ومن جهة أخرى تمر الأمة العربية بظروف صعبة من حيث الإعلام والاتصال والتشويه والتضليل والدعاية والصور النمطية والتزييف والحرب النفسية. دوليا تعاني العلاقات العامة العربية من ضعف في الأداء وقصور في الاستراتيجية وغياب في الرؤية. فالعالم العربي بعد 11 سبتمبر 2001 وُصف بكل الصفات والنعوت ووُجهت له كل الاتهامات وأصبحت كلمة العربي والمسلم مرادفة لكلمة الإرهاب والقتل والبطش والجريمة المنظمة. وهنا نلاحظ ضعف الجانب العربي في مخاطبة الآخر والتواصل معه وتسويق تلك الصورة الحقيقية والتاريخ المجيد والحضارة الإنسانية التي ما زالت تداعياتها واضحة المعالم عبر الدول والأمم. ففي عصر العولمة تبقى قوة الكلمة والصورة والمعلومة هي الفاعلة في العلاقات الدولية وفي الاتصال الدولي، لكن مع الأسف الشديد، نلاحظ أن العرب ما زالوا لم يتقنوا الاتصال والإعلام والعلاقات العامة كما يجب وحسب الأصول والاستراتيجيات الحديثة. هذا على المستوى الدولي، أما على المستوى المحلي فالمجتمع العربي بحاجة إلى علاقات عامة قوية وفعالة سواء على مستوى المجتمع أو المنظمة أو الفرد. تعتبر العلاقات العامة كعلم وفن وممارسة كما نعرفها اليوم منتج من منتجات القرن العشرين، تطورت ونمت وانتشرت بتطور الوسط الاقتصادي والإداري والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي تعمل فيه. كانت بدايتها الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية على يد صحفيين مخضرمين اقتنعوا بأن الكثير من المشاكل التي تنشأ ما بين المنظمات وجماهيرها تعود أسبابها إلى انعدام أو ضعف الاتصال بشتى أنواعه وأشكاله. والالتباس الذي اقترن بالعلاقات العامة كان يتمثل دائما في مفهومها والنظرة إليها وكذلك تطورها عبر الدول والمجتمعات. فإذا كانت العلاقات العامة قد تطورت وانتشرت في المجتمع الأمريكي اعتبارا من الثلث الثاني من القرن العشرين فنجدها في معظم باقي دول العالم ما زالت في مراحلها الأولى وما زالت النظرة إليها كوظيفة وكعلم وكفن يشوبها الكثير من سوء الفهم والمغالطة وفي الكثير من الأحيان التبسيط والتهميش. من جهة أخرى يمكن القول إن العلاقات العامة قديمة قدم البشرية وعرفها الإنسان منذ الأزمنة القديمة. فطالما هناك ناس يعيشون مع بعضهم البعض في تجمعات بشرية، يعملون مع بعضهم البعض في منظمات ومؤسسات وتربطهم علاقات مهنية واقتصادية وبشرية ويشكلون مجتمع فهذا يعني أن هناك علاقات عامة سواء اعترفنا واقتنعنا بذلك أم لا. كما أن هذه الشبكة من العلاقات والمصالح والاتصالات تفرض وجود شكل من أشكال العلاقات العامة. فلسفة العلاقات العامة إذن تكمن في أن أي منظمة تقوم أساسا على وجود جمهور، وسبب نجاح المنظمة يرتبط بخدمة وتلبية رغبات هذا الجمهور فحتمية بقائها ووجودها واستمرارها مرهونة بقدرة تواصلها وتفاهمها مع هذا الجمهور. فنجاح المنظمة يقترن بوجود برامج وسياسات تخدم مصلحة الجمهور وتضمن موافقته ورضاه. فالوسيلة المثلى للنجاح في بناء جسور وعلاقات تفاهم بين المنظمة ومختلف جماهيرها تتمثل في إخبار وإبلاغ الجمهور والتواصل معه بمهنية وحرفية وموضوعية وشفافية. أصبحت العلاقات العامة تلعب دورا استراتيجيا في حياة المنظمة بمختلف أشكالها وأنواعها سواء كانت حكومية أو خاصة أو ربحية أو خدمية وسواء كانت تنشط في المجال الرياضي أو الثقافي أو الصناعي أو التجاري. وتكمن هذه الأهمية بالدرجة الأولى في مكانة الفرد عند المنظمة وفي المجتمع. فالفرد أصبح من حقه ومن واجبه أن يعرف ما يجري من حوله وما يجري داخل المنظمات والمؤسسات التي يتعامل معها. إضافة إلى ذلك أصبح الرأي العام يلعب دورا محوريا في المجتمع وهذا يعني ضرورة توفير المعلومة والاعتماد على هذه المعلومة في صناعة القرار. وإذا أخذنا الولايات المتحدة الأمريكية كمثال نجد أن العلاقات العامة أصبحت مؤسسة بحد ذاتها وأصبحت صناعة ومهنة وتجارة تقدر عائداتها المالية بمليارات الدولارات. فهناك أكثر من 250000 ممارس ومحترف في مختلف المجالات والتخصصات، كما قدّر المتخصصون نمو صناعة العلاقات العامة في الولايات المتحدة في الفترة ما بين 1994 - 2005 بـ47% وهذا رقم كبير جدا يعكس المكانة الاستراتيجية والدور المحوري للعلاقات العامة على جميع الصعد والمستويات. كما نلاحظ وجود أكثر من 200 كلية وجامعة في الولايات المتحدة الأمريكية تدّرس برنامج البكالوريوس في العلاقات العامة وأن أكثر من 50% من الطلاب المسجلين في برامج الإعلام والاتصال الجماهيري اختاروا مسار العلاقات العامة كمجال تخصصهم. (أكثر من 60% في كلية الاتصال، جامعة قطر). المنظمة العصرية لا تستطيع الاستغناء عن العلاقات العامة كما أن المجتمع الديمقراطي لا يستطيع أن يكون ديمقراطيا ينعم بالفصل بين السلطات وبالشفافية وبصحافة قوية من دون توفير المعلومة للجميع وبدون علاقات عامة قوية وفعالة حيث إن هذا الجهاز يّيسر ويسّهل التفاهم والاتصال بين المنظمة وجماهيرها. تواجه العلاقات العامة في الوطن العربي تحديات كبيرة جدا نظرا للتطورات التي يشهدها العالم وتداعيات العولمة وانحسار العالم في قرية صغيرة لا تعرف الحدود والحواجز. هذه المعطيات كلها تتطلب وجود أجهزة علاقات عامة قوية وفعالة سواء في القطاع العام أو الخاص لأن المنظمة الحديثة بحاجة إلى مستوى عال من الاتصال والتعامل مع جماهيرها المختلفة. فالعولمة الاقتصادية تتطلب درجة عالية من الاتصال والمعلومات والتعامل مع الجماهير. إن تصاعد وتنامي أهمية الرأي العام في المجتمع وكذلك انتشار الديمقراطية ونضج المجتمع المدني وانتشار تكنولوجيا الاتصال والمعلومات كلها عوامل تفرض حاجة المنظمة المتنامية للعلاقات العامة وكذلك الحاجة إلى الاهتمام بالجمهور وبالرأي العام وهذا ما يؤدي إلى نمو وتطور العلاقات العامة وانتشارها والحاجة الماسة إليها في مختلف أنواع المنظمات (حكومية، خاصة، تجارية، سياسية، خدمية...إلخ). من جهة أخرى نلاحظ توجه المنظمة الحديثة إلى الإدارة بالأهداف التي تؤمن بالدراسة والتخطيط الاستراتيجي وبالبيانات والمعطيات العلمية لصناعة القرار حيث ضرورة التوجه نحو الإبداع والابتكار في التعامل مع المشاكل التنظيمية والإدارية وقضايا الجماهير المختلفة. فالقرن الذي نعيش فيه يفرض عولمة العلاقات العامة التي تقوم أساسا على الحرفية (Professionalism) والقيادة (Leadership) والأخلاق (Ethics).
1712
| 14 مايو 2016
يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل سنة باليوم العالمي لحرية الصحافة، وعادة ما يكون هذا اليوم فرصة لتقييم الذات والوقوف على أهم الإنجازات وأهم المشاكل والعراقيل والتصفيات الجسدية وغيرها التي يتعرض لها الصحفيون في مختلف دول العالم. مراجعة الذات هنا تستوقفنا عن أهم الإنجازات وهل تغيرت دار لقمان أم بقيت على حالها أم أنها زادت سوءا وتدهورا. دراسات وتقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم و "مراسلون بلا حدود" والاتحاد العالمي للصحف والمنظمة العالمية للصحفيين وغيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية تبعث على التشاؤم والحسرة والحزن العميقين للمشاكل والمتاعب والخطورة التي تكتنف مهنة الصحافة. ففي كل سنة هناك عشرات الصحفيين يموتون قتلا ويغتالون، ومئات منهم يسجنون، ومئات يحاكمون ومئات يتعرضون لمضايقات ولإهانات هذا لا لشيء إلا لأنهم حاولوا القيام بواجبهم وبرسالتهم على أحسن وجه، حاولوا أن يكشفوا الحقيقة ويحاربوا الرشوة والمحسوبية والوساطة وتبييض الأموال وتهريب المخدرات..إلى غير ذلك من الآفات والأمراض التي يدفع ضريبتها وفاتورتها الغالبية العظمى ممن لا حول لهم ولا قوة. المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد على حرية الرأي والتعبير لكن في معظم دول العالم "مافيا" المال والسياسة لا تؤمن بهذا المبدأ وبهذا الحق، وأصبح من يملك المال والنفوذ والسلطة له حق التعبير والرأي أما باقي شرائح المجتمع فتكتفي باستهلاك ما يقدم إليها من دون مساءلة ولا استفسار. إخبار الرأي العام وإيجاد سوق حرة للأفكار أصبحت من المهام الصعبة في معظم دول العالم. والقائم بالاتصال يجد نفسه في هذه المعادلة بين المطرقة والسندان، فهو أخلاقيا ومهنيا وعمليا مطالب بإعلام وإخبار الرأي العام ومن جهة أخرى يجد نفسه تحت ضغوط لا ترحم ولا تشفق لإرضاء أصحاب النفوذ والمال وأصحاب السلطة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا خاصة بالنسبة لنا في الوطن العربي وأمام كل هذه المهام والمسؤوليات هل يتمتع الصحفي في دولنا العربية بالحصانة الكافية؟ هل يتمتع بحماية قانونية وبتشريعات تحميه من جبروت السلطة والمال؟ هل ظروف عمل الصحفي في دولنا مهيأة ومواتية للقيام بالعمل الصحفي على أحسن وجه، ماذا بالنسبة للرضي عن العمل والعلاقة بمصادر الأخبار؟ ماذا عن الراتب؟ والحوافز والامتيازات؟ هل في نهاية الأمر نطلب من الصحفي الكثير ونقدم له القليل.فلماذا يا ترى في وطننا العربي لا نجعل من المؤسسة الإعلامية مؤسسة مسؤولة وحرة ولا نثق فيها، ولا نعطيها الإمكانات اللازمة حتى تلعب دورها الإستراتيجي والفعال في المجتمع، لماذا ننظر دائما للمؤسسة الإعلامية على أنها خطر وبإمكانها أن تسبب مشاكل عديدة ومتنوعة للسلطة؟ لماذا لا نثق في الصحفي ونتركه عند ضميره يقوم بمهمة الإعلام والإخبار والتحقيق والكشف عن المساوي والتناقضات والأمراض الاجتماعية بمختلف أنواعها وأشكالها ومهما كان صاحبها ومصدرها بكل حرية ومسؤولية وشجاعة. تعتبر حرية الصحافة والديمقراطية وجهان لعملة واحدة، فإننا لا نستطيع أن نتكلم عن نظام ديمقراطي من دون منظومة إعلامية قوية وفاعلة ومشاركة في الحياة السياسية وعملية اتخاذ القرار. وأهم العراقيل التي تقف حاجزا أمام حرية الصحافة في معظم الدول العربية والدول النامية القوانين الجائرة والصارمة التي تحد من إبداع الصحفي ومن عطائه، أضف إلى ذلك أن معظم قوانين المنشورات والمطبوعات وتشريعات الصحافة تفرض على القائم بالاتصال ممارسة النقد الذاتي أو الرقابة الذاتية وهكذا تصبح الآلة الإعلامية عالة على المجتمع، فبدلا من أن تكون عنصرا فعالا تسهم في محاربة الآفات الاجتماعية وتشارك في تقديم الحلول للمشاكل المختلفة تصبح في يد القلة الحاكمة التي قد تكون في الكثير من الأحيان خاطئة في قراراتها وطرق تسييرها للكثير من الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وحرية الصحافة ترتبط كذلك بالكثير من المعطيات والمستلزمات التي يجب أن تتوفر في المجتمع. ومن هذه المستلزمات فلسفة ونظرة السلطة والمجتمع لوسائل الإعلام، كذلك النضج السياسي والممارسة السياسية لدى الشعب، وكذلك وجود الجمعيات السياسية القوية وجماعات الضغط والجمعيات بمختلف أنواعها وأشكالها. وجدلية حرية الصحافة والديمقراطية تكمن أساسا في أن الأخيرة تقوم أساسا على الاتصال السياسي وحرية التعبير والفكر وبطبيعة الحال هذه الأمور لا تتحقق إلا بوجود إعلام يراقب وينتقد ويكشف ويحقق. فالأطراف الفاعلة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بحاجة إلى وسائط إعلامية ومنابر للمعارضة والاختلاف في الرأي، والتعبير عن وجهات النظر المختلفة...إلخ. إن أي تراجع في حرية الصحافة يعني تراجع في الديمقراطية وتاريخ حرية الصحافة في العالم يؤكد فكرة التأثير المتبادل بين الديمقراطية والصحافة. فالأنظمة السياسية الدكتاتورية أو السلطوية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحلم بصحافة حرة وقوية والشيء نفسه يمكننا قوله عن تلك الأنظمة التي لا تؤمن بالتعددية الحزبية وبحرية الرأي والتعبير. فصحافة هذه الأنظمة تكون دائما أحادية الاتجاه تخدم من يشرف عليها ويمولها ويسيطر عليها.التعديل الأول في الدستور الأمريكي على سبيل المثال يضع قيود أمام الحكومة الأمريكية لعدم التدخل والتطفل على الصحافة وحتى رئيس الدولة نفسه لا يستطيع أن يقوم بضغوط على المؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال. الرئيس كلينتون رئيس أقوى دولة في العالم بقي مكتوف الأيدي أمام التغطيات الصحفية والتحقيقات والروبرتاجات المختلفة التي تفننت فيها مختلف وسائل الإعلام الأمريكية لكشف تصرفاتها اللاأخلاقية والتي خرجت عن الآداب العامة. أين نحن من كل هذا وإلى متى تبقى صحافتنا في الوطن العربي تلمّع وتصنع الديكورات والأطر المزخرفة بالورود والزهور؟السلطة في الوطن العربي ومع الأسف الشديد ما زالت تنظر إلى المنظومة الإعلامية والمؤسسة الإعلامية على أنها أداة لتثبيت شرعيتها وبسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي بعيدا عن طموحات الجماهير ومطالبهم. السلطة في الوطن العربي ما زالت بعد لم تستطع بناء المؤسسات اللازمة لضمان المشاركة السياسية الفاعلة ولضمان رأي عام قوي وفعال. ونتيجة لكل هذا فإنها فشلت كذلك في بناء نظام إعلامي إيجابي وفعال وليس سلبي يستقبل ويؤمر، نظام إعلامي يؤمن بالاتصال الأفقي ويعمل على إشراك مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية وفي اتخاذ القرار، نظام إعلامي همه الوحيد هو كشف الأخطاء والعيوب وليس التلميع والتلوين.
428
| 07 مايو 2016
"تتيح الصحافة الجيدة للمواطنين اتخاذ قرارات مستنيرة من أجل تنمية مجتمعاتهم. وتعمل على كشف الظلم والفساد واستغلال السلطة. ولأجل ذلك، يجب تمكين الصحافة من الازدهار في ظروف مواتية وأجواء آمنة تتيح للصحفيين العمل باستقلالية وبدون تدخل لا مسوغ له في عملهم". يحتفي العالم في الثالث من مايو كل عام بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، وتقييم ما تحقق للصحافة من نجاحات وإنجازات وما واجهته من متاعب ومعوقات وقيود في العالم، وحماية وسائل الإعلام من الاغتصاب، وتكريم الصحفيين الذين فقدوا حريتهم أو حياتهم في ممارسة مهنتهم. فالكلام عن الديمقراطية والحكم الراشد من دون حرية الصحافة يعتبر كلاما خاويا وبدون معنى ومجرد شعارات جوفاء. القانون على الورق شيء وتطبيقه في الواقع شيء آخر، والشيء نفسه بالنسبة لميثاق الشرف وأخلاقيات المهنة والعمل الصحفي. فالأخلاق هي قناعة شخصية وممارسة يومية نزيهة ونظيفة يؤمن بها الصحفي ويعمل بها ويدافع عن مبادئها. وإذا غابت القناعة والإيمان بالأخلاق فمواثيق الأخلاق لا تستطيع أن تغّير أشياء كثيرة في الميدان. فالقوانين والمواثيق لا قيمة لها إذا لم تطبق وإذا لم تجسد في أرض الواقع. فالإعلام القوي والملتزم والفعال يحتاج إلى الإطار التشريعي والقانوني والأخلاقي من جهة، ومن جهة أخرى يحتاج كذلك إلى بيئة ملائمة ومجتمع مدني قوي وفعال لممارسة حرية الصحافة وحرية الفكر والتعبير. فالإعلام هو مرآة المجتمع يعكس ما يحدث فيه وهذا يعني أن المجتمع بأسره من الفرد إلى الأسرة إلى قمة هرم السلطة مطالب بالإيمان الراسخ والاقتناع بحرية الصحافة، وبالرأي والرأي الآخر وبالنقد والنقد الذاتي. مجتمع يؤمن بتداول المعلومة وتوفير المعلومة من دون حجبها والمساومة بها. حرية الصحافة سلوك وفعل وتصرف قبل أي شيء آخر، وهي ممارسة في الميدان وتجسيد للقوانين والمواثيق. باختصار هي ثقافة وأسلوب حياة. ممارسة حرية الصحافة تتطلب الفصل بين السلطات وتحتاج إلى مجتمع مدني فعال وقوي وهذا يعني قوى فاعلة في المجتمع تنتقد وتراقب وتمارس حقها في المعرفة والتعبير عن الرأي والرأي الآخر والاختلاف... إلخ.. المجتمع المدني هو القوة الحقيقية في المجتمع التي توفر الجو المناسب والمناخ الملائم للمؤسسات الإعلامية حتى تقوم بمهامها ودورها ووظائفها في المجتمع على أحسن ما يرام. وهذا يعني أن هناك كتابا ومحللين ونقادا وسياسيين وجمعيات واتحادات ونقابات من مختلف التيارات والأطياف كل بطريقته وحسب اختصاصه يساهم في الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من شأنه بناء فضاء حر وديمقراطي، الكل يساهم فيه والكل يستخدم المؤسسات الإعلامية كقنوات لتبادل الأفكار والآراء ووجهات النظر. حتى تُجسد حرية الصحافة في أرض الواقع هي بحاجة إلى تشريعات وقوانين ومواثيق، لكن هذا لا يكفي فالأمر يتطلب ممارسة هذه الحرية من قبل الجميع. وعلى رأس القائمة السلطة نفسها، فالسلطة لا يجب أن تقنن لحرية الصحافة وتوفر المناخ التشريعي والقانوني لهذه الحرية، لكن نجدها هي الأولى التي تخترق مبدأ الحرية حيث إنها لا تتقبل النقد ولا توفر المعلومات كل المعلومات بل تقدم ما يحلو لها وتحجب ما يزعجها أو ينتقدها أو يكون ضدها. وأكثر من هذا نجدها تفرض سيطرتها على المؤسسات الإعلامية بطرق مختلفة لتتحكم في مخرجاتها وفي الخطاب الإعلامي، وفي هذه الحالة تبقى القوانين والتشريعات والمواثيق حبرا على ورق.فالتغطية الدقيقة للأحداث والوقائع والقضايا تحتاج إلى توفر المعلومات وتداولها بكل حرية وبدون تكتم أو تعتيم وبشفافية عالية وللجميع وهذا ما يسمح للصحفيين بالقيام بعملهم بدقة متناهية ويساعدهم على تجنب الأخطاء والهفوات واللجوء إلى التضخيم والتخمين والإشاعات. فمصادر الأخبار يجب أن تؤمن بحرية الصحافة وبحرية تداول المعلومات حتى يستطيع الصحفي القيام بعمله على أحسن وجه وتجسيد حرية الصحافة في أرض الواقع. وهنا يجب أن نطرح إشكالية محورية عندما نتكلم عن حرية الصحافة وهي علاقة الصحفي بمصادر الأخبار وهل هناك قوانين تجبر مصادر الأخبار – وزارات، دوائر حكومية، مؤسسات عامة خاصة - على توفير المعلومة وتقديمها للرأي العام وعدم حجبها أو إخفائها أو التلاعب بها لأن هذا التصرف يعتبر جريمة ومخالفة في حق القانون. هل يعاقب القانون الجهة التي تخفي المعلومة أو تتلاعب بها؟ ففي الكثير من الأحيان توصد الأبواب في وجه الصحفي، وفي أحيان أخرى يهان ويشتم ويطرد من موقع الحادثة؛ وإذا كتب الصحفي بالإيجاب والمدح والتسبيح فيُشكر ويُكرم أما إذا انتقد وكشف العيوب والتجاوزات فيصبح العدو اللدود ويصبح المفتري ويصبح صاحب الإثارة والمشكلات والتجاوزات. ففي ظل هذه الذهنية وهذه العقلية وهذا المناخ غير الصحي وغير السوي فإن القوانين والمواثيق لا تشفع لصحافة حرة، قوية تلعب دورا فعالا وملتزما ومسؤولا في المجتمع. حرية الصحافة في المجتمع ليست مسؤولية الصحفي وحده ولا المؤسسة الإعلامية وحدها، وإنما هي مسؤولية الجميع خاصة السلطة ومصادر الأخبار والمجتمع المدني. فإذا كانت السلطة تريد صحافة حرة لكن من دون نقد وبدون مراقبة وبدون كشف العيوب والسلبيات وبدون استقصاء التجاوزات والغوص في القضايا الحساسة في المجتمع؛ فهذا يعني أن الحرية هنا مفصلة وفق مصالح فئة على حساب المجتمع. وإذا كانت الجهات المختلفة في المجتمع ترحب بصحافة التمجيد والتهليل وذكر الإيجابيات وتعتبر كل ما ينتقدها أو يكشف عيوبها هراء وافتراء وخروجا عن القانون ففي هذه الحالة يبقى الكلام عن حرية الصحافة وعن قانون النشر والمطبوعات ومواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة مجرد شعارات جوفاء.من جهة أخرى نلاحظ أن الفضاء العام بحاجة إلى كل القوى المختلفة والفاعلة في المجتمع للمشاركة فيه وإثرائه، وهذا يعني إتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن آرائه وأفكاره ومعتقداته. فمنع كتاب معينين أو جهات محددة من الكتابة أو المساهمة في المؤسسات الإعلامية أو الفضاء العام يتناقض جملة وتفصيلا مع مبدأ حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير والفكر. فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، والاختلاف في الرأي هو في الحقيقة ثروة تساهم في عملية الوصول إلى الحقيقة عن طريق الحوار والنقاش وتوفير السوق الحرة للأفكار ومن ثم الرأي السليم. فالجميع يجب أن يؤمن في آخر المطاف ويتبنى حرية الصحافة قولا وفعلا، أي ليس على مستوى القوانين والمواثيق فحسب، وإنما في الممارسة كذلك، ابتداءً من الفرد إلى الأسرة إلى المؤسسة والسلطة. فإشكالية حرية الصحافة مطروحة في جميع دول العالم، والكل يتغنى بها لكن الممارسة تأتي في حالات كثيرة على عكس الأقوال والقوانين والمواثيق؛ حيث تغتصب حرية الصحافة من قبل السلطة ومن قبل المتلاعبين بالعقول ومن قبل أباطرة المال والسياسة الذين يعملون من أجل السيطرة على وسائل الإعلام للتحكم في عقول الجماهير، وفي الوقت نفسه يتغنون بقانون الإعلام وبمواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة وبحرية الصحافة. من أكثر الأشياء ضررًا بالتنمية هو قتل الصحفيين ففي السنوات العشر الماضية قتل أكثر من 1100، ما يعني أنه من غير الممكن أن نتحدث عن الحكم الرشيد والديمقراطية والرأي والرأي الآخر في ظل التصفية الجسدية وإرهاب القائمين على الصحافة.
1050
| 30 أبريل 2016
يعاني العالم اليوم من أزمات ونزاعات وحروب في مختلف أرجائه، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، سواء تعلق الأمر بالدول الغنية والديمقراطية أو تلك التي تعاني من الفقر والدكتاتورية. وقد يسأل سائل ويقول لماذا لا يسود السلام والوئام والاطمئنان والسلم والسلام دول وشعوب العالم؟ لماذا الإقصاء والرفض وعدم التفاهم والتعاون بدلا من التعايش السلمي واحترام خصوصية وثقافة وديانة وأيديولوجية الآخر؟ لماذا يحاول القوي فرض سياسته ولغته وثقافته على الآخر ولماذا ينجر وراء مصالحه الاقتصادية والسياسية ويستعمل كل الطرق والوسائل لتحقيقها؟ في كلمة ألقاها الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري مرشح دولة قطر لمنصب مدير اليونسكو في الندوة الدولية حول تعزيز قيم السلام والحوار التي انعقدت مؤخرا في مدينة سوسة بتونس أكد المتحدث على ضرورة تعزيز قيم السلام والحوار و"أن معركة البشرية اليوم، المعركة الجماعية هي ليست معركة عسكرية بل هي معركة ثقافية وساحتها الحقيقية ليست ساحة الحروب وإنما ساحة العقول"، فالإرهاب يولد وينمو في عقول البشر، والكراهية والحقد وإقصاء الآخر هي أفكار في أذهان الناس قبل أن تتحول وتتجسد في أرض الواقع. فإذا أرادت المنظومة الدولية أن تتخلص من هذه الآفات فلابد أن تبدأ بمعالجتها في عقول وأذهان البشر، فعلى قول أحدهم "لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام". مع الأسف الشديد هناك جهل كبير بقيم الإنسانية وحضارات وديانات الشعوب، جهل ناجم عن الحملات الظلامية وانتشارها عبر وسائل الاتصال المختلفة، وهناك جهل ناجم عن ظاهرة الاغتراب التي أصبحت تعيشها شعوب العالم قاطبة جراء الانغماس في ثقافة التبسيط والتعليب والتسطيح والتجهيل، وهناك نوع آخر من الجهل وهو الناجم عن الفقر وانعدام الوسائل والإمكانات، فالخوف من الآخر بسبب ديانته وجنسيته ولونه وعرقه ولباسه ما هو إلا تعبير واضح وصريح عن الجهل، فعلى أي أساس أخاف من دين معين وأنا أجهله تماما ولا أعرف أبسط قيمه ورسائله وأهدافه..إلخ، وعلى أي أساس أحكم على دين معين من خلال شخص لا علاقة له بذلك الدين أساسا، فالاختلاف لا يعني بالضرورة العداء والإقصاء وضرورة الحروب والنزاعات والحقد والكراهية وإنما الاختلاف هو طبيعة البشر والإنسانية والشعوب والأمم، والاختلاف يجب أن يكون مصدرا للنمو والازدهار والرقي والتقدم. ما نلاحظه اليوم في العالم، في عالم العولمة والأحادية هو انتشار ثقافة توحيد القيم وعولمة طرق التفكير والتحليل والنظر إلى قضايا البشر ما يعني تمجيد وتقديس الكوني والعالمي وإقصاء الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي، فعندما نتجاهل ثقافة الآخر فهذا يعني أننا تجاهلناه ويعني أننا قضينا على أسس ومقومات فهمه واحترامه وتقديره.تتميز العلاقة بين الغرب والإسلام بالمواجهة بدلا من الحوار، وبالتقصير من قبل الجانبين في تحقيق الفهم والتعاون لتجنب العداء والصراع. كيف ينظر كل طرف إلى الآخر ولماذا انتشرت ثقافة الخوف والصراع والاستئصال بدلا من التفاهم والتكامل والتعايش؟ ماذا يمثل الغرب للمسلمين؟ هل يمثل المسيحية أم العلمانية أم الإلحاد؟ هل يرمز إلى الثورة الاقتصادية والثورة المعلوماتية والمجتمع الرقمي والتنوير وحقوق الإنسان والحريات الفردية وحرية الفكر والرأي، أو تمثله الفاشية والعنصرية والاستعمار والهيمنة، أم أن الغرب تمثله كل هذه الخصائص والصفات المقومات والعوامل والظواهر معا؟الغرب مفهوم ضبابي تمثله كل التناقضات والظواهر والعوامل السابقة والتي قد يناقض بعضها البعض. ما يُقال عن الغرب يُقال عن الإسلام كذلك حيث أننا لا نستطيع أن نتكلم عن مجتمع إسلامي مثالي خال من أي تأثير للثقافة والحضارة الغربيتين. كما أن العالم الإسلامي ليس عالما متجانسا بالضرورة، فهو عالم يتسم بتناقضات داخلية عديدة ومتنوعة، قد تكون في بعض الأحيان حادة. من جهة أخرى نلاحظ أن الغرب لا يعني بالضرورة الديانة المسيحية وأنه عالم لا يسكنه سوى الأوروبيون؟ الغرب يحتوي على جنسيات وديانات عديدة ومختلفة ومنها الديانة الإسلامية. فهناك ملايين المسلمين يعيشون في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. ففي عصر العولمة هناك تداخل مستمر وخليط ومزيج بين الثقافات والمعتقدات والديانات وأنماط المعيشة. وهنا نلاحظ أن الإسلام كدين، يؤمن بهذا التنوع ويحترم الأديان والمعتقدات، فالتنوع والاختلاف والتمايز هي سنة من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل، فالإسلام يرفض مذهب الصراع والتصادم ويمجد التدافع الحضاري وفلسفته. جاء في كتابه سبحانه وتعالى:"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" المائدة:48. "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" الحجرات:13. فالتنوع والاختلاف من حكم الخلق من أجل أن يكون هناك تدافع وتنافس على طريق الصلاح والإصلاح والخيرات، فالمستقبل في الرؤية الإسلامية تتعدد فيه الديانات والملل والشرائع، فالإسلام يعترف بوجود تتعدد فيه العوالم المختلفة والتي تقوم على التنوع والتمايز والاختلاف والتعارف والتعايش.على حين ينكر كلٌ الآخر وينفيه، يتفرد الإسلام والمسلمون بالاعتراف بكل الشرائع والملل وجميع النبوات والرسالات، وسائر الكتب والصحف والألواح التي مثلت وحي السماء إلى جميع الأنبياء والمرسلين، منذ فجر الرسالات السماوية وحتى آخر وخاتم هذه الرسالات.. وفوق هذا الاعتراف، هناك القداسة والتقديس والعصمة والإجلال لكل الرسل وجميع الرسالات. وبالمقابل نلاحظ أن المشروع الغربي يهدف إلى إلغاء المشروع الإسلامي ويفرض العولمة والقيم الغربية على العالم بأسره ويطبق مبدأ الإنكار والاستئصال. ما هي المسافة إذن، التي تفصل العالم الإسلامي عن الغرب؟ الحقيقة أن الأجندة التي وضعتها وسائل الإعلام والصناعات الثقافية المهيمنة على الصعيد الدولي- والتي هي في واقع الأمر محتكرة من قبل حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات العملاقة- تُقدم العالم الإسلامي في صورة التخلف والتعصب الديني والقمع وانعدام حقوق الإنسان والحريات الفردية واضطهاد المرأة والأقليات، والقائمة قد تطول. كما تتناول وسائل الإعلام الغربية الأعمال الإرهابية والمتطرفة التي تقوم بها بعض الجماعات الإسلامية على أنها جزء من الدين والفكر والسلوك الإسلامي، وبذلك تساوي بين هذه الأعمال الإرهابية والإسلام وتستنتج أن الإسلام هو دين الإرهاب على نحو شمولي وتتناسى وتتجاهل أن الدين الإسلامي بريء من هذه الأعمال وأن سبب التطرف والإرهاب هو الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحرمان والإقصاء والجهل وعدم فهم الدين الإسلامي في الأساس. كما تتناسى هذه الوسائل أن التطرف والإرهاب موجودان في جميع الأديان وفي مختلف دول العالم. والأخطر من هذا، أن هناك فريقا من المفكرين والمنظرين والباحثين يدعمون وينظرون ويرّوجون لهذه الأفكار العنصرية والتضليلية من خلال أطروحاتهم وأفكارهم ودراساتهم وتحليلاتهم. وقد انضم إلى هؤلاء، مجموعة من القادة السياسيين الفاعلين على المستوى الدولي للتأكيد على هذه الصور النمطية وربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب والتطرف والعنف والجرائم والتخلف وإقصاء الآخر.
721
| 23 أبريل 2016
تتمثل أهمية التربية في كونها أداة تشكيل شخصية الفرد ضمن الجماعة التي ينتمي إليها، وهي بذلك الوحيدة دون سواها التي تعمل على تزويد المجتمع بالموارد والكفاءات البشرية التي تحافظ على مكانته بين الدول والأمم والثقافات، فالتربية هي عنوان التاريخ والهوية والانتماء والعلم والمعرفة والتاريخ والحضارة والهوية. والتربية هي عنوان النماء والازدهار والتفوق والتميز دون الانغلاق والانجراف والاغتراب والذوبان في الآخر. فالإصلاح التربوي هو أداة مواجهة التحديات على كل المستويات والتأقلم والتكيف مع التطورات الجديدة سواء على المستوى المحلي أو الجهوي أو الدولي، فالإصلاح هو التخطيط الإستراتيجي لما يجب أن يكون عليه جيل المستقبل لرفع راية التحدي وتحقيق الأهداف المسطرة في جميع مجالات الحياة ضمن رؤية مبنية على قيم ومبادئ ولغة وهوية الأمة، إصلاح مؤسس على القيم والأعراف والتقاليد والهوية الوطنية وليس الانجراف والاغتراب والذوبان في الآخر. تعتبر المنظومة التربوية في أي بلد الركيزة الأساسية والفضاء الحيوي للتربية والتعليم والثقافة والقيم والهوية الوطنية. والنظام التعليمي لأي بلد هو اللبنة الأولى لتنمية الطاقات البشرية والتنمية المستدامة. والنظام التعليمي الناجح هو ذلك المنهج الذي يفرز العلم والمعرفة والإبداع والابتكار ويؤهل الكادر البشري لخوض العملية التنموية في البلاد. على الصعيد العالمي هناك دول نجحت في وضع أنظمة تعليمية تنبع من واقعها ومن تاريخها وثقافتها وتقاليدها وأعرافها وهناك على عكس ذلك دول تلجأ إلى التقليد الأعمى وثقافة الاعتماد على الآخر واستخدام مناهجه وطرائقه في تحديد منظومته التعليمية. يجري هذه الأيام جدال ونقاش حول إصلاح المنظومة التعليمية في الجزائر بمساعدة خبراء فرنسيين والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو لماذا بالضبط الفرنسيين وما موقع هؤلاء في الخريطة العالمية للأنظمة التعليمية. فحسب الترتيب العالمي لأفضل الأنظمة التعليمية في العالم لا نجد مكانا ولا وجودا لفرنسا ضمن أحسن 20 دولة في العالم، بل نجد دولا كـ"كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة والدول الإسكندنافية وكندا وأستراليا...إلخ". هذه الدول أبدعت بأنظمة متميزة واستطاعت أن تعلم أجيالا ابتكروا وأبدعوا وأسهموا في ازدهار وتطور بلدانهم. فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو على أي أساس أختار المسؤولون الجزائريون الخبراء الفرنسيون وهل الموضوع يتوقف على اللغة أكثر من المناهج والطرائق. إذا كان الأمر يتعلق باللغة فيجب أن نعي النظام التعليمي لأي بلد يجب أن يقوم ويؤسس على اللغة الرسمية والوطنية للبلد. أما بالنسبة للغة الثانية فالموضوع بكل بساطة ومنطق يجب أن يبنى على لغة العلم والمعرفة واللغة المهيمنة عالميا على صناعة المعرفة وهذا يعني أن لا خيار غير اللغة الإنجليزية. مع السف الشديد هناك في الجزائر من المسؤولين من يرى أن فرنسا هي القدوة وهي المثل وهي مفتاح النجاح وما زال يصدق ويؤمن بأن اللغة العربية غير قادرة على نقل العلم والمعرفة وهي لغة النشر والشعر والموشحات.ماذا نستنتج عندما تصرح وزيرة التربية الفرنسية نجاة فالو بلقاسم بأن وزارتها أسهمت في "الإصلاحات التربوية" بالجزائر، وأن دورها لا ينحصر في تكوين الأساتذة فحسب، بل يتعدّاه إلى تكوين المكوِّنين والمفتشين وحتى مديري المدارس الذين سيرافقون هؤلاء الأساتذة في تطبيقها، واعتبرت ذلك "دورا نافعا" لفرنسا في هذه "الإصلاحات"، وأكّدت أن هناك "تقدّما جيدا" في هذا المجال، ينبغي أن يتحوّل إلى "شراكة قويّة"! الموضوع بالنسبة للجانب الفرنسي هو غنيمة حرب، هو بكل بساطة إحياء لغة هي العاشرة عالميا وهي التي أصبحت عاجزة عن التنافس عالميا، حيث إن الباحثين والعلماء الفرنسيين أصبحوا مجبرين على النشر باللغة الإنجليزية إذا أرادوا أن يصلوا إلى العالمية وأن تقرا أبحاثهم ودراستهم في الأوساط الأكاديمية والعلمية العالمية.هكذا إذن اتضح للجميع أن ما اقترحته لجنة بن زاغو التي كانت بن غبريط – وزيرة التربية والتعليم الحالية- عضوًا فيها، سيُطبّق حرفيا في عهدها، وبمساعدةٍ "قوية" من فرنسا؛ ويتعلّق الأمر بفرْنَسة المواد العلمية في التعليم الثانوي، في مرحلة أولى، بدعوى تحضير التلاميذ لدراسة العلوم الدقيقة والتطبيقية في الجامعة باللغة الفرنسية، وبعدها تمتدّ فرْنسة هذه المواد إلى التعليم المتوسط، ثم الرياضيات في الابتدائي، والحجّة ستكون نفسها في كل مرّة: تحضير التلاميذ للمراحل الدراسية المقبلة، وستتكفل فرنسا على مدار سنواتٍ عديدة بتكوين أساتذة هذه المواد والمكوِّنين والمفتشين باللغة الفرنسية ومرافقتهم لضمان نجاح العملية. ما نعيشه منذ سنوات طويلة في الجامعة من انقسام لغوي يميّزه فرْنَسة العلوم الدقيقة وتعريب العلوم الإنسانية، سيصل إلى كل أطوار التعليم، فتُدرّس الموادُ العلمية بالفرنسية ولا يبقى للعربية سوى الأدب والتربية الإسلامية والتاريخ والجغرافيا والتربية المدنية؛ مع إخضاعها بدورها لتعديلاتٍ واسعة في مضمونها، بذريعة مواكبة القيم العالمية كالحداثة وحقوق الإنسان ومكافحة التطرّف والعنف.. وغيرها من المسمّيات والمصطلحات والمفاهيم. هذا الانقسام اللغوي كان يمكن أن ينتهي بتطبيق قانون تعميم استعمال اللغة العربية الذي ينصّ بوضوح على تعريب الجامعة، لكن السلطة لم تكتفِ بتجميد القانون قرابة رُبع قرن، بل قرّرت الآن العمل في الاتجاه المعاكس له؛ أي تعميم استعمال الفرنسية في مختلف أطوار التعليم بدل تعريب التعليم العالي! إنها "إصلاحاتٌ" بهُوية فرنسية، تستهدف ضرب اللغة العربية في معقلها الرئيس وهو المدرسة، وإضعافَها، وكذلك التخلص نهائيا من لغة العلم والمعرفة، اللغة الإنجليزية التي يخشاها الفرنسيون ويخافون على انتشارها ما يعني نهايتهم في مستعمراتهم القديمة والقضاء على وجودهم الثقافي والذي يعتبر من اخطر وأفتك أنواع الاستعمار. ما فشلت في تحقيقه فرنسا خلال 132 سنة من الاستعمار نرى مجموعة من صانعي القرار في الجزائر هذه الأيام يعملون ليل نهار لتجسيده في أرض الواقع. فالبداية كانت بجس النبض وهو التدريس بالعامة في الأطوار الأولى من التعليم ثم الانتقال إلى الاعتماد على خبراء فرنسيين لإصلاح التعليم بحجة أن مديري التعليم والمسؤولين على التعليم في الجزائريين لا يعرفون لغات أجنبية أخرى ما عدا الفرنسية. الغريب في الأمر أنه بعد ما يزيد على نصف قرن من الاستقلال ما زالت الجزائر وإعادة الفرنسية بقوّة إلى كل أطوار التعليم، ومنحَها الاحتكار كلغةٍ أجنبية وحيدة في تدريس المواد العلمية، فتفقد اللغة العالمية الأولى أيّ تأثير لها وهي التي يعترف بها العالمُ أجمع إلا الفرانكوفوليين الجزائريين المتغلغلين في دواليب الحكم بالجزائر، اللغة الأم ولغة الدين والتاريخ والأصالة والقيم بالنسبة لهؤلاء هي لغة الشعر والأدب والنثر والغزلٍ وهي بذلك لا تقدر على العلوم والمعرفة بل اللغة الفرنسية هي الوحيدة التي تقدر على تحقيق ذلك.
606
| 16 أبريل 2016
مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
6600
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6480
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
3198
| 23 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2451
| 28 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1884
| 23 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1683
| 26 أكتوبر 2025
على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...
1458
| 27 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...
1386
| 30 أكتوبر 2025
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز...
1047
| 24 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
999
| 24 أكتوبر 2025
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...
987
| 27 أكتوبر 2025
“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...
921
| 27 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية