رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أفادت وزارة الصحة الأوكرانية وبيانات منظمة الصحة العالمية بأن نحو 10 ملايين شخص سيحتاجون إلى دعم نفسي بسبب الصدمة الناجمة عن الحرب الروسية- الأوكرانية، وأشارت السيدة دينيس براون، المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في أوكرانيا، إن مواطني أوكرانيا "واقعون تحت ضغط هائل"، موضحةً أن "ذلك يشمل النساء والفتيات اللاتي يعانين من العنف الجنسي وأشكال أخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي، أو سماع الأطفال صفارات الإنذار يوميًا، أو العائلات التي انفصلت عن بعضها البعض أو الأشخاص الذين يحاولون البقاء على قيد الحياة كل يوم". نُطالب بالمساواة في توزيع الحنان الدولي، وتعاطف السيدة براون معنا في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق، وبمفعول رجعي لحنان السيدة بروان على مدار 60 عامًا خلت. لعلّ حنيّة السيدة براون تُعوّضنا عن ذكرياتنا في الملاجئ الرطبة القابعة تحت الأرض بطوابق، وتمحي الصورة التي رأينا فيها أمهاتنا تُنظّف أرضيات الملاجئ ورعبهنّ من قلق انتشار أي عدوى نتيجة اقتسامنا مع الجرذان والجراثيم والقطط المنسية تلك الملاجئ؛ وتعويضنا كأطفال أيضًا عن الليالي المرعبة التي حاولنا فيها استجداء الأمان في حمامات المنازل، فدورات المياه كانت بالنسبة إلينا الغرف المكان الأكثر أمنًا من القصف فوق رؤوسنا. نطالب السيدة براون وأقرانها بعلاجنا نفسيًا من أصوات الطائرات الإسرائيلية وهي تُحلّق لترصد وتقصف المدنيين، وتساؤلاتنا حينها إذا كان الصاروخ التالي سينسفنا أشلاء أو سيسقط في بيت جيراننا؟ السيدة براون وغيرها من المنسقات الأفاضل ممن يقمن بعملهنّ في كلّ الدول، نحن أطفال ضاعت طفولتنا في مسلسل الحرب المرعب، ولا نتمنى لطفل أن يعيش ما عشناه وما زلنا نعيشه في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن والصومال. وإذا كان الأمر بيدنا، لوقفنا خطًا أماميًا للدفاع عن كلّ أطفال العالم، لأننا نُدرك تمامًا لحظات الخوف والقلق وانتظار لحظات الموت، والنظر إلى ملامح أمهاتنا وآبائنا التي شاخت قبل أوانها، والبحث فيها عن لحظة أمان. لكنّ أصوات أطفالنا ما زالت غير مسموعة لأن أصوات القنابل والسلاح أعلى من أصواتهم، ألسنا من يعتنق مبدأ "خلي السلاح صاحي"؟ السلاح موجود في المخازن منذ عقود، ولله الحمد لا يُستخدم في عدد من دولنا إلا في مدافع رمضان، أو لإطلاق الرصاص ابتهاجًا بالنصر على العدّو. العدو الذي قتلنا بالمواد العنقودية التي نهشت رئة البلاد بالسرطان. السيدة براون.. نحنُ لم نحصِ عدد أطفالنا من ضحايا العنف النفسي لأننا كنا مشغولين بإحصاء عدد الجثث. نعم الصحة النفسية لأطفال أوكرانيا أولوية، ولكن دعونا نتشافى من ماضينا، وحاضرنا، فنحن نحاول عبثًا نزع إرهاب العنصرية من نفوس أطفالنا وأنتم مصرّون على نشرها بين أطفال العالم.
1116
| 24 أكتوبر 2022
اتفقت حكومتا لبنان وإسرائيل رسمياً على تسوية نزاعهما على الحدود البحرية بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية، هذا النزاع الذي يُعد أحد أسباب الصراع اللبناني - الإسرائيلي وتداعياته، ولن نقول الصراع العربي - الإسرائيلي لأن القومية العربية والموقف العربي الموحد انكشف وأصبح في مهبّ تاريخ حديث لا يُشرّف. وفي بيان منسوب إلى المتحدث باسمه، قال الأمين العام للأمم المتحدّة أنطونيو غوتيريش إنه "يعتقد بشدّة أن هذا التطور المشجع يُمكن أن يُعزز زيادة الاستقرار في المنطقة ويعزز الرخاء للشعبين اللبناني والإسرائيلي". كم نحن سُعداء لأننا شعبٌ تُفكّر في رخائه الأُمم، "سنرتخي" نحنُ والجار، مهلاً أقصد العدّو. أليس الرخاء يعمّ على الجميع، على مقولة "جاور السعد تسعد" وجاور المُجرم تُصبح أكثر إجرامًا، وجاور من لا تعترف به تُصبح شبحاً. ما علينا من الأشباح، مبروك للبنان سيره على خطّ إخوانه العرب ليكون من الدول المُنتجة للغاز، وما أدراكم ما الغاز؟ مصدرٌ جديد للنهب والصفقات في موطني، وتثبيت ركائز نموذج حكم فاشل وسيء. ولكن في المقابل الشعب سيتنشق الغاز وسـ"يتنغنغ" بالعملة الأجنبية، حيث ستُجدد القروض الداخلية والخارجية. ما ذُكر أعلاه ليس نكداً ولا تشاؤماً بقدر ما هو قراءة في فنّ الاستفادة من المُجرم وتوظيفه والاستثمار به وتوجيه سلوكياته بما يُناسب مصالحك. وهذه هي القوّة بحدّ ذاتها، أن تتمكّن من انتزاع اعتراف بوجودك بعد تاريخ طويل من "لا اعتراف، لا تفاوض، لا صُلح"، وأن تُجدد في الوقت نفسه شرعيتك محلياً ودولياً، وأن تُجدد البيعة لمن باع أعضاء شعبه في سوق "الاستشهاد" والدفاع عن المقدّسات الوهمية والأصنام البشرية. نعم، لن نستطيع تغيير الهيكلية "المافيوزية" التي بُني عليها نموذج الديمقراطية التوافقية، والتي تستفيد منها الدول على اختلاف مصالحها، ولن نستطيع أيضًا مقاومة هذا النموذج لأنه غُرس في النفوس عبر المدارس المذهبية، والتبعيات السياسية، ولأن من يُقاوم فكريًا يُكفّر لأنه خرج من الملّة الظلامية. الغاز لن يبني في لبنان ركائز الحُكم الرشيد، ولن تُستثمر مداخيله في البنية التحتية الشاملة أو في التعليم والبحوث، والصحّة، كما هو الحال في الدول الصغيرة المُنتجة للغاز، على سبيل المثال قطر. فنموذج القوى الناعمة القطرية نجح لأن القيادة في هذه الدولة تنتمي في وجدانها ورؤيتها إلى الوطن، وتؤمن أن وطنها وشعبها يستحقّ البقاء والحياة. لبنان يستحقّ الحياة، وإن نُهب الغاز، كما نُهبت الشطآن والوديان، والجبال، والثروات، ستبقى ثروته في شعبه الذي يُنتج الإبداع والأفكار والأحلام وينثر في ربوع العالم أكسير الحياة.
1488
| 17 أكتوبر 2022
الروبوت الآلي سيحلّ محلّ الصحفي بعد أقل من عشرة أعوام خصوصًا مع تطور الصحافة الرقمية وزيادة رأسمال الاستثماري المدفوع من قبل رجال الأعمال والصناديق السيادية في مجال وكالات الاتصال والعلاقات العامة التي تكمن مهمتها في بلسمة الخبر وتصنع القصة الإخبارية لمصلحة المُموّل، وهذا ليس بالشيء الجديد. لكن الجديد في الموضوع، هو لهفة الكثير من القراء لكي يشهدوا هذا التحوّل في مشاعر تنمّ عن تراجع كبير في الثقة بين الفرد والناس والصحفيين، وهذا ينعكس على مختلف المجتمعات والثقافات، فما هو دور الصحفي أو الإعلامي حاليًا إذا كان الفرد بإمكانه إيصال صوته وتغطية ما يجري حوله عبر الصوت والصورة، وبإمكانه أن يصنع الخبر، وأن يُخاطب صناع القرار عبر وسائل التواصل الاجتماعي. صحيح أنّه يُمكن للروبوت أن يكتب الخبر ويحرره وينقحه وينقله بالأسلوب والهدف الذي لُقنّ لكي يقوم به، ولكن سطوره لن تحمل مشاعر التضامن الإنساني الذي وإن شحّ فينا، إلا أننا ما زلنا نستشعر ذلك الضمير الخجول، الذي يختبئ بدواخلنا ويتأجج حين نقرأ خبر مقتل طفل بعدوان مُسلح على مدرسته، أو شابة نُحرت عند باب الجامعة بسبب ذكر مسعور.. الروبوت سيكتب ما يُريدون لك أن تتلقاه في عقلك الباطن، وأن تقتنع به، والروبوت سيوفر المال من ميزانية تلك الوسيلة الإعلامية، التي يمتلكها رجل الأعمال لا حُبّا وشغفًا بالصحافة، وإنما من باب السلطة التي تدعم رأسمال، والخيط الذي يربطه مع الحكومات. ولكنّ الإنسان مهما بلغ عقد إيجار قلمه شهريًا وحتى سنويًا، ومهما أجاد ادّعاء المهنية سيسقط لا محالة في فخّ أفكاره التي تُترجم مشاعره، وسيكون بإمكانك قراءة تلك الأفكار بين سطوره. ليكتب الروبوت أنباء الشخصيات العامة ومن استقبلوا ومن ودّعوا، وأين حلّوا ورحلوا، وليكتب لهم خطاباتهم أيضًا، ونقاط التحدّث الذي يتحصّنون خلفها أمام الإعلاميين، وليُحقق هذا الروبوت أقصى المعايير التحريرية تقدّمًا، وليُكافئ الروبوت الصحفي بتقارير التقييمات السنوية، ولما لا؟ وأغلبنا تحوّل إلى روبوتات الحضور والانصراف وأداة لإنهاء قائمة المتطلبات الوظيفية لتحصيل راتب نهاية الشهر.. ولتغزو الروبوتات الصحف ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة، وليبقى الصحفيون بلا مهنة، فالثورات الحقيقية لاستعادة الإنسانية لم تعد تحتاج للجلوس خلف المكاتب والشاشات الرقمية، وفي أستوديوهات الأخبار المُصطنعة، المُجهزّة بأحدث التقنيات المرئية. الإنسانية ستبقى في الأحياء والشوارع وبين الجيران والأصدقاء والأحباب.. في الأحزان والأفراح والمعاناة والآمال والدعاء والأعياد والفكرة والخاطرة والكلمة دون توجيهات رقمية وبرمجة اصطناعية.. وقلمنا دُواته الحرية.
1449
| 10 أكتوبر 2022
لبنان يُرسّم الحدود البحرية مع إسرائيل، ما يُعيد تأكيد حقيقة تاريخية الغاز والنفط أولى من المبادئ في العلاقات الدولية، وأن التفاوض مع البعبع وإن كان غير مباشر هو اعتراف بوجوده مهما حاولوا وضعنا في فقاعة شروطنا ومتاهة شروطهم. ما يهمّ المواطن اللبناني من هذا الترسيم هو جيبه، وكيف سينعكس ذلك على رواتب القطاع الحكومي ووظائف القطاع الخاص وارتفاع الدولار، ومن ثم العودة إلى المربع حيث كنا نُنفق من خزينة البنك الدولي، وندّعي أن كلّ شيء بخير، حتى تأتينا أزمة جديدة. وبالتالي، إصرار الدول الغربية وملحقاتها من الأنظمة العربية بالإبقاء على المنظومة الفاسدة في لبنان، وعدم دعم التحركات المدنية الشبابية دوليًا، يتضح الآن أكثر فأكثر، حيث إن المطلوب بقاؤها لغاية وضع النقاط الأخيرة على عملية الترسيم والتنقيب والتقسيم، على قاعدة «حرامي تعرفه يسهلّك، ولا أمين تتعرّف عليه يعرقلّك». ما نرغب باكتشافه هو مدى جدّية صنّاع القرار في مجال التعليم، بإعادة النظر وبشكل جذري في إبقاء الأمور على حالها في التعليم ما قبل الجامعي الذي يستمر لمدة 17 عاماً، فهل نحن اليوم - وفي زمن الثورة التقنية والتقدّم - نحتاج إلى إبقاء الأطفال في المدارس لمدة 17 عامًا، وبعدد ساعات الدراسة نفسها؟ ما كان يصح في القرون الماضية، لم يعد يُحقّق نتائج مثمرة في العصر الحالي، ولا بُدّ من الاعتراف أن طاقات كثيرة تُهدر في غير محلها. ربّما لا نحتاجُ إلى بذل المزيد من الجهود، بقدر ما نحتاج إلى إعادة تموضعها وتوزيعها وللشجاعة في أخذ القرارات والسير بها ولو في المدى القصير. الحياة قصيرة لمن يرغب بالنهل منها وقد تبدو أطول لمن يُفكّر يوميًا بـ «ماورائياتها»، ومؤخرًا تتزايد أخبار وفيات الشباب والأطفال بطرق مختلفة، والموت هو حقّ علينا، ولكنّ فكرة الخوف من الموت تُرهقنا أكثر من الموت نفسه، وكأنه انتقام إلهي! فكيف قُدّمت إلينا فكرة الموت منذ الصغر؟ «الله سيموتك إذا فعلت كذا»، وعند ذكر الموت يُقال «بعيد الشرّ»، والترغيب في أداء الفروض يقوم على الترهيب «جاك الموت يا تارك الصلاة».. قِس على ذلك من أمثلة. فهل سيكون لدى الناس - غير رجل الدين ونسائه - فرصة التعبير والتفكير في منظور الحياة والموت؟ ومناقشتها بعيدًا عن الخوف من الأحكام المُسبقة؟ التعبير دواء نوبات الهلع واضطرابات القلق التي تتسلل ليلًا وتوقظنا من لحظات الفرح. صدق من قال إن العقل قد يكون أكبر عدو للإنسان، لذا ثق بحدسك لأنه الصديق الوحيد الذي سيُلهمك تغيير فكرك. حدسي يُخبرني أن غاز لبنان تم بيعه في أرضه وتصديره كما بيع شعبه وصُدّرت أحلامه إلى الخارج.
1023
| 03 أكتوبر 2022
لماذا نُعادي الفرح؟ عندما نفرح ونضحك نقول "الله يكفينا شرّ هالضحكات ويعطينا خيرها"، وعندما تُشارك فرقة عربية في مسابقات عالمية وتفوز بجائزة عالمية نقول: "هيدا اللي شاطرين فيه"، حين تفوز دولة عربية باستضافة بطولة عالمية لأول مرّة في التاريخ، نغمض أعيننا ونشيح بنظرنا عن الكأس، وننظر إلى حفريات وأشغال في شوارع منسية. نرى زوجين سعيدين أو رجلا مفتونا بزوجته، نستعيذ بالله من السِّحر. يومياتنا مليئة بتصورات اجتماعية غريبة تستحقّ البحث في آليات تدمير الذات. نجلدُ أنفسنا إذا فرحنا، ونعتبر أن الفرحة مُستحقة فقط في الآخرة، وأن الدنيا لا بُد أن تكون همّا وغمّا وقلقا وتوترا وخلافات ودموعا. صحيح أن الحياة مزيج من هذا وذاك، ولكننا نتآلف مع الحزن ونحسبُ أن الفرح مسموح فقط في الأعياد الدينية والوطنية. والجديد هو نشر أغلب وسائل الإعلام، مقاطع فيديوهات مأساوية، ويتم تداولها بطريقة رهيبة، منها لمن مات وهو قائم، وآخر لمن مات وهو يُشهد، ولطفل فقد أهله في حادث، وآخر وقع من فوق الطابق السابع. وفيما تضجّ وسائل الإعلام الإخبارية بكلّ هذه المشاهد، يُجلد متابعو "تيك توك" ويُحاكمون لأنهم وصلوا إلى قمّة التفاهة؟ هل سألنا أنفسنا لماذا؟ لماذا يبحث شبابنا وكبارنا وصغارنا عن مصادر ترفيهية "تيك توكية" بهذا الشكل؟ وكمّ من الفكاهة اليوم الموجودة في منازلنا ومكاتبنا، في مدارسنا، وفي طُرق تعليمنا؟ لماذا ترتفع أعداد القلق والهلع والاكتئاب حول العالم رغم كلّ هذه الوسائل الترفيهية؟ ربّما آن الأوان لإعادة تصوّر معنى الفرح. الفرح في قاموسنا مرتبط بروتينٍ باهت، وهو التخرج، والإنجاب، والزواج، وكل من لا يسير على هذا الدرب، يُصبح إنسانًا تعيسًا لأنه لم يتمكّن من مجاراة مجتمعه. فنحن شعوب تربط الفرح بـ"إبهار" المجتمع والناس، لا نفرح لأنفسنا وإنمّا لأننا نريد أن نُثبت للآخرين أننا قادرون على مجاراتهم. العالم يحتاج إلى مزيد من الفرح، ومجتمعاتنا تحتاج إلى وقفة من علماء الاجتماع وعلماء النفس، وعلماء الدين الصادقين، ودعوة شجاعة نقول فيها إنه آن الأوان للتوقف عن الادعاء أنّ مجتمعاتنا سعيدة، والتوقف عن إيهام الفقير أنه يجب أن يكون سعيدًا بكفاف يومه، وإيهام المريض أنه يجب أن يفرح لمرضه، والمُبتلى أن يفرح لبلائه. لا بّد من آليات اجتماعية نُعلّم أنفسنا ومن حولنا ثقافة بناء الفرح، وفي مدارسنا أن الفرحة حقّ إنساني، وأن من يُريد لنا الحزن لا يُحبنا، ومن يبتغي لنا الهمّ لا ينفعنا. فلتفرحوا
696
| 19 سبتمبر 2022
في تقرير مُعنون بـ"لمحة عن النوع الاجتماعي 2022" كشفت منظمة الأمم المتحدة أنّ "تحقيق المساواة بين الجنسين سيستغرق تحقيقه حوالي 300 عام". وبناء على ذلك، من يبتغي وظيفة لا تفنى، ورؤيةً لا تتحقق، عليه أن يختار موضوع المساواة بين الجنسين ملفًا وقضية. تحقيق المساواة ليس بالأمر السيئ، ولكنّ المساواة بين أبناء الجنس الواحد مغيبة، فهل يستوي أبناء الأثرياء في التعليم والعمل والحقوق والواجبات مع أبناء الفقراء؟ وهل تستوي زوجة الزعيم مع زوجة الغفير؟ لقد آن الأوان لإعادة النظر في الأولويات التي يدفعنا المجتمع الدولي للتركيز عليها، والتي تلهثُ منظماتنا إلى توثيقها في تقارير دورية. السؤال الأجدر طرحه، ما هي طبيعة عمل المنظمات التي نرغب بإنشائها أو دعمها خلال السنوات الـ 300 المقبلة؟ وما هي خططنا لتحقيق المساواة الاجتماعية في زمنٍ يُكرّم فيه الانفلونسرز عبر الأحياء الثقافية ويُحجّم فيه تأثير الباحث والعالِم والكاتب في الشؤون الاجتماعية. زمن الانتخابات الرئاسية-التي من المفترض أن تدعو إليها رئاسة مجلس النوّاب اللبنانية-، ستكون محطّ التطلعات البائسة للبنانيين الذين يُدركون تمامًا أن التغيير في رموز السلطات الرئيسية الثلاث ما هو إلا تغير شكليّ داخل نظامٍ متهالك لا يسندهُ إلا مجتمع دولي منافق. قد ينتصب كرسيّ الرئاسة مُجدداً مع وصول رئيس أصغر سنًا من فخامة حالية تجاوزت الـ 85 عامًا. وقد يشعر بعض المنتشين من أتباع هذا النظام بتأثير الرئيس الجديد، سواءً ارتدى حذاءً عسكريًا، أم شارةً حزبية، أم بدلة إقطاعية، وقد تظهر مؤشرات الدخان الأبيض التي ستشغل وسائل الإعلام المحلية. ولكنّ مهما ابيضّت سماء لبنان سيبقى-وللأسف- سواد الظلام مخيمًا على وطنٍ يدفن أبناءه يوميًا ويقهرهم، ويبحث عن ضحايا تُغذّي صفقات الفساد، والسلاح، والغاز، حتى آخر نعش باسم القضية. نعش الملكة إليزابيث الثانية والتي حكمت نحو 70 عامًا في خدمة الشعب والمملكة، يسير نحو النهاية. وبغضّ النظر عن الآراء المتفاوتة في السياسة الخارجية البريطانية بمراحلها المختلفة وما قدّمته لبُلدان الشرق الأوسط وما سلبته، إلّا أن خدمة شعب واحد على حساب شعوب العالم، هو ما نفتقده في أنظمتنا؛ لكننا معذورون، فتركيزنا لا يخدم شعوبنا كفاية لأنه مشغول بخدمة القضية. القضية الأبرز في نيويورك هي شلل الأطفال، حيث أُعلنت حالة الطوارئ مع انتشار هذا الفيروس في جميع أنحاء الولاية بعد تحليل مياه الصرف الصحي. والسؤال، ماذا لو رُصدت هذه الحالات الصحية الطارئة في شارع من شوارع الشرق الأوسط؟ كم مبعوث صحيّ أممي سيزورنا ومليون دولار أمريكي سيتوجب علينا دفعه؟ وكم طفل سندعم تكفيرًا عن الشلل الذي يُصيب قضايانا العربية؟
1272
| 12 سبتمبر 2022
كشفت شركة رائدة في مجال التكنولوجيا عمّا أسمته "ثغرات أمنية خطيرة" في أجهزة الاتصال والحواسيب، مُشيرةً إلى أن هذه الثغرات قد تسمح "للمهاجمين بالسيطرة الكاملة على هذه الأجهزة"، وأن باحثين لم تُكشف عن هويتهم أبلغوا عن وجود هذه الثغرات. لم تُحدد الشركة توقيت اكتشاف هذه الثغرات وما نجم عنها. انتهى البيان هنا، والتزمت الجهات الرسمية المسؤولة عن الأمن السيبراني في الدول بتوزيع هذا البيان ودعوة الناس إلى التنبه لضرورة تحديث الأجهزة وتحميل هذه التحديثات. وهذا إن دلّ على شيء فقد دلّ على أن أغلبنا ضحايا سعداء، لا نُدرك كيف خُرقنا ولماذا وما الذي خُرقنا به وكيف تأثرت حياتنا وبياناتنا؟ وكيف تواجه حكوماتنا نفوذ الشركات العابرة للقارات وكيف تحمينا منها؟ على خط مواز، سحبت إحدى الشركات الكبرى منتجات بودرة أطفال شهيرة حول العالم، وذلك بعد الدخول في مواجهات قضائية مع ضحاياها، ودفعت الشركة أكثر من 400 مليون دولار لأنها تسبب بالسرطان للعديد من الأصحاء؟ طيّب، ماذا عن مستخدمي هذا المنتج في الدول العربية على مدار عقود؟ وما الذي قامت به حكوماتنا في هذا الصدد؟ هل سمعنا عن تقارير بحثية عربية بيّنا فيها عدد الذين استخدموا هذا المنتج، وهل رصدنا حالاتهم المرضية ربّما لمقاضاة الشركة نفسها؟ المغزى مما ورد أعلاه، أننا ما زلنا نعمل وفق عقلية التابع والمتبوع، ننُفّذ البيانات الصادرة عن الشركات الدولية العابرة للقارات دون تحميلها أي مسؤولية؟ والسؤال، هل ستدعم الحكومات العربية إعلاميًا وقضائيًا قضية أي مواطن عربيّ يُقاضي مثلاً شركة تكنولوجية رائدة لأنها "خرقته أمنيًا" أو شركة أخرى تسبب له بالسرطان؟ أو ما الذي ستقوم به هذه الحكومات إذا طلبت إحدى هذه الشركات العملاقة ملاحقة مواطن عربي قضائيًا لأنه "سبّ وقذف" منتجاتها، أكاد أجزم أن عدد من السفارات الغربية ستتحرّك احتجاجًا وستُهدد العلاقات الدبلوماسية؟ نحن لا نضع أنفسنا في موضع تحميل حكوماتنا مسؤولية وجود مواد مسرطنة في منتجات معينة، خصوصًا وأنها مُصادق عليها دوليًا. ولا نحملها أيضًا مسؤولية اكتشاف ثغرات أمنية، ولكّننا نحمّل أغلب الحكومات مسألة النقص في تمويل البحوث العربية لأنها ركيزة أساسية لحمايتنا. ألّا تدعونا هذه الأخبار لإعادة النظر في أولوياتنا التنموية؟ لقد مرّ أجل طويل على اهتماماتنا بالزواج والطلاق والمرأة والذكر وما شابه ذلك من انشغالات يومية تكاد عقولنا تهرم منها مثال: هل يحق للزوج أخذ مال زوجته؟ قد تكون الثغرات الأمنية مفروضة علينا، ولكننا نُحاصر أنفسنا كشعوب بثغرات فكرية تحوّلت مع الزمن إلى حفرة عميقة ومُظلمة ومرعبة.. ترمي فيها الشركات العابرة للقارات بياناتها الصحافية، لنُعرّبها ونوزعّها على مؤسساتنا الرسمية.
1091
| 22 أغسطس 2022
الخبز، الجدري، الكهرباء، حطام صاروخ، ترسيم الحدود.. أخبار العام 2022 تُشبه أخبار التسعينات، تلك الأخبار التي ظننا أننا تخطيناها وحلقنا بها إلى الأعلى في عالم السحابة الالكترونية فوصلنا في تصوراتنا إلى الإدارة العالمية. فيما العالم يعود فعليا في هذا العام بخطوات مدروسة إلى الوراء. الطاقة الحرارية، الحدود الجغرافية، الأمراض البدائية، عدنا لمرحلة القلق من الإنفلونزا وإن قال قائل إن كوفيد-19 هي حرب متقدمة وبائية لزمن الحروب البيولوجية والفيروسات، ولكن الكثير من الدول شرعت في التعامل معها على أنها أشبه بالأنفلونزا. وقس على ذلك من أمثلة، ففي موضوع الطاقة البديلة حيث النقاشات العالمية تركزت منذ ثلاثة أعوام على ضرورة استخدام الطاقة المتجددة، أو الطاقة البديلة من رياح وشمس ومياه، فيما الدول منشغلة اليوم بالغاز. مسألة الاستثمار في العملات الرقمية، يقابلها العودة إلى الجذور بدعوات الدول إلى الاستثمار في البورصة الرسمية بمجال العقارات أو الذهب وما إلى ذلك. إعادة خلط الأوراق والعودة إلى الجذور، ظهرت جليا مع الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث يبدو أن الخلاف بين الدول الكبرى التي حكمت العالم على أنقاض الحرب العالمية الثانية ينقسم إلى محورين: الأول يريد إبقاء النظام السياسي الاقتصادي الدولي كما هو مع الموافقة على إجراء التحديثات ضمن هذا النظام نفسه، والمحور الثاني يريد إحداث التغيير في النظام كاملا واستبداله بنظام جديد، وما "الفوضى الخلاقة" إلا مرحلة في ذلك المسار. وبين هذين المحورين، تحاول الغالبية من الشعوب العربية فهم التداعيات التي تتجلى في بحثنا عن الهوية، وهي الأزمة الأكبر في العديد من دولنا العربية، وهذا ما يؤكد أننا في مرحلة عالمية فرضت علينا التعامل مع الأساسيات. ففي السودان حيث الفقر والجوع اكتشفنا الذهب واكتشفه المستعمرون الجدد منذ سنوات، ولكن أهله منقسمون بين قبائل وأحزاب، وفي لبنان حيث الزراعة والصناعة والثروة المائية والمناخية نبحث عن الخبز والهوية، وفي تونس يتجه الشعب والنظام لمخرج للاتفاق على الهوية، وفي العراق خلافات على الهوية والطائفية، وسوريا حيث أزمة الطائفية والهوية والانتماءات الإقليمية. الخلاصة: كلنا يشعر أنه وسط صراعات خفية، وأن هناك من يريد أن يُعلمنا مجدًدا كيف نعطس بالمنديل!. فرضية أحادية القطب التي تحكم العالم، ومن ثم عدنا إلى فرضية العالم ثنائي القطب مع الحرب الروسية-الأوكرانية، لتُعلن الصين من خلال تحركاتها ومواقفها السياسية أن التعددية القطبية في المرصاد، وهذا ما يظهر في التحركات البريطانية التي خرجت من الإتحاد الأوروبي لتستقطب المستعمرات السابقة من خلال إعطائها دورا أكبر للإثنيات والعرقيات المتنوعة المجنسة ووضعها في الواجهة لتحارب بهم في حرب مستقبلية وتمجدهم في الأفلام والوثائق التاريخية.
947
| 01 أغسطس 2022
إعادة تعريف المصطلحات في المجتمعات أصبحت ضرورة لا بُدّ منها في أوطاننا العربية وذلك للحفاظ على ما تبقى من العقد الاجتماعي الذي لم يعد يتبين لنا فيه يومنا الأبيض من الأسود. هذا العقد الذي يتفق فيه الناس ضمنيًا على العيش في مجتمع واحد، ويُحددون فيه طبيعة العلاقة فيما بينهم، وعلاقتهم أيضًا مع السلطة. نشأنا على أن كلمة عميل هي لكلّ متعاون مع الكيان الإسرائيلي لأنه كان الكيان المحتل الوحيد. ولكن نتيجة لمسار الأحداث وما آلت إليه أوضاع هذا البلد، وبعد حرب أهلية دامية كانت إسرائيل طرفًا فيها إلى جانب أطراف عربية وغربية، أصبح العميل هو من يخدم مصالح دولة أخرى على حساب الدولة التي يحمل جنسيتها، كأن يُقال في لبنان هذا عميل لسوريا أو عميل لإيران أو أمريكا. مصطلح آخر وهو العنصرية، فمناقشة ظاهرة النزوح واللجوء وما تتضمنه من مشاكل وتداعيات اقتصادية واجتماعية تتحوّل إلى تُهم بالعنصرية. مُلحد تُطلق اليوم - ومع الأسف - على من يتساءل في الشؤون الماورائية أو اللاهوتية وقس على ذلك من أمثلة. المشكلة ليست في معاني هذه المصطلحات فحسب أو ما يقصد بها، بل في مدى التفاعل الذي تلاقيه هذه المفردات وتبعاتها القانونية والاجتماعية والنفسية علينا كأفراد، وما تُحدثه من تأثير على أفكارنا وقراراتنا ومصيرنا، لأننا شئنا ذلك أم أبينا نعيش في مجتمعات تؤمن بشعار "ماذا سيقول عنّي الناس"، هؤلاء الناس الذين يخشونهم الناس، يعيشون فيما بينهم كالبُعبع المُتخفّي، يتلطّون بين الجدران، ويتقصّون أخبار بعضهم البعض، ليس لسبب ما، وإنمّا فقط لأنهم غارقون في دوامة "هذا ما وجدنا عليه آباءنا". ماذا سيقول عنّي الناس، بعبع مُخيف لا يشيخ ولا يمرض، أُلِّف حوله العديد من القصص الفكاهية والدرامية من قصص جحا، والبخلاء، وغيرهم، غالبًا ما تسمع أحاديث بدايتها "الناس يقولون" ومن المعيب أن تسأل من هم الناس تحديدًا، على أساس أن ناقل الحديث يريد الحفاظ على هوية المصدر، ولو سألته لأصبحتَ مُشكّكًا ومزعجًا. هي كلمات تعكس الصراع الذي نعيشه بين ماضينا ومستقبلنا حيث نتمسّك بالمصطلحات المرتبطة بالمبادئ والأخلاقيات دون رصد آلية تطورها. ربّما لأننا كمجتمعات نخشى التطوّر، وهذا حقّ لنا. حيث إن التطوّر يُسقط علينا من أعلى الهرم الاجتماعي ولا ينبع من القاعدة، هو تطوّر مزيف، مصطنع، ومُستورد. فيوم ثارت مجتمعاتنا استوردنا مصطلح "الربيع العربي". الكلمة العربية قوّة ومسؤولية ووضعها في المقام المناسب مُتعة، فهل فهل تتضمن مناهجنا كيفية تطوّر المصطلحات، ومعانيها، ومدى تفاعل الناس معها.. أم أن المناهج ما زالت كحديث الببغاء يُطلب من أطفالنا حفظها ونفرح بهم عند تلاوتها؟ الأمة التي لا تبتكر سيرورة تطوّر مصطلحاتها تفنى.
774
| 25 يوليو 2022
يتطور الابتزاز السياسي مع تطور الأزمنة، ومهما سعينا جاهدين كعرب لانتزاع اعجاب "الخواجة" والحصول على صك الحداثة والبراءة، ستنظرنا دوما قضايا عصرية لتشغلنا عن قضايانا المصيرية. من حق الشعوب في تقرير مصيرها، إلى قضايا تحرير المرأة العربية، فمعاداة السامية، واحتمالية امتلاك الأسلحة النووية، والتطرف الإسلامي، والإرهاب، والشواذ والمثليين، والإجهاض، والاستدامة، واللاجئون، والإساءة للأنبياء والرُسل، ملفات لا خاتمة لها، حتى يُبعث البشر وتفنى الحياة على الكرة الأرضية، فهي قضايا خصبة على أجندة الابتزاز السياسي، وأمامنا خيارات محدودة في مواجهتها: المقاومة أو الامتثال أو الادعاء أننا في طور القيام بالإصلاحات ونحتاج لمزيد من الوقت حفاظا على السيادة والهوية، مع البقاء في دائرة الترقب والحذر وتعزيز التحالفات الدولية. المتعة في هذه اللعبة أن طرق الابتزاز السياسي تتنوع، وأول هذه الطرق وأكثرها قسوة هي فرض صاحب الابتزاز خياراته بالقوة العسكرية، مثال على ذلك غزو العراق بذريعة امتلاك أسلحة نووية؛ ثانيها إرغام الدول على الاقتراض أو دفع مبالغ مالية طائلة على شكل استثمارات مقابل الحماية العسكرية أو الغطاء السياسي، وقد يكون هذا النوع من الابتزاز على هيئة تعويضات مالية ضخمة ويحدث ذلك عندما تتحمل دولة معينة مسؤولية ارتكاب تنظيم إرهابي لجريمة معينة في دولة أخرى على اعتبار أن أفراد هذا التنظيم ينتمون إليها، وهنا تستمر عملة الابتزاز المالي والسياسي، حتى تتحقق الشروط السياسية المطلوبة. وجه آخر من وجوه الابتزاز وهو إدخال الدولة الضحية في دائرة من الشك والارتياب تجعل نظامها غير مدرك تماما لمصلحته فيعمل على تنفيذ الأجندة المطروحة أمامه ويرى فيها فرصة وهي في الحقيقة شرك سيؤدي به إلى التهلكة، وهنا استحضر مراسلات الحسين-مكماهون حيث الثورة على محتل عثماني تمخضت عن استعمار انجليزي وما تلاها بعد ذلك بعقود من تفكيك وتقسيم للدول العربية وفق سيكس-بيكو، ومن ثم تقارب عربي-عثماني، مقابل تحالف عربي- إيراني؛ وكذلك ينطبق هنا مثال أيضًا بعض ثورات الربيع العربي التي أفنت ديكتاتورا وأنجبت آخر ولكنه أكثر فكاهة واتقانًا للكنة الشعبية. وجه رابع من وجوه الابتزاز وهو الأكثر خباثة يتجسد في زرع الوهم بأن سلوكيات الدولة وتوجهات شعبها لا يتماشى مع التطورات والمتغيرات الدولية وأنه لا بد من إحداث التغيير حيث إن القيم السائدة أصبحت بالية ولا تلبي التطلعات العالمية، وهنا تقع الدولة في دوامة قص ما تراه في الدول الغربية ونسخه في مجتمعاتها مع إجراء بعض التعديلات الشكلية. الابتزاز السياسي لعبة أممية لا مفر منها تشارك فيها كافة الدول سواء كانت الجانية أم الضحية، وهي لعبة مشروعة في عالم العلاقات الدولية ولكن الجديد فيها أن ما كان يدور في الماضي بالأروقة الدبلوماسية، أصبح اليوم مكشوفًا بطريقة هزلية وعلنية. والفوز حليف من يتحالف مع المُبتز ويتفق معه على تمثيل دور الضحية من أجل الإيقاع بالضحية الحقيقية.
2765
| 04 يوليو 2022
من هو جعفر؟ شاب في لبنان عرض "برّادًا" أي ثلاجة للبيع عبر أحد حسابات التواصل الاجتماعي المخصصة لشؤون الناس في حيّ ما زال أبناؤه يُحاولون التمسك عبثًا بالطبقة الوسطى، ومنهم من انحدر للطبقة المعدومة، ولكنه مُقتنع بأن البؤس هو جزء من الكرامة الإنسانية. خبر بيع البرّاد، لَفت انتباه أسرة تعيش في الخارج، ظنّا منهم أن الفقر والحاجة هما سبب بيع البرّاد، حيث إن جعفر لم يعد يحتاج لثلاجته. لما الثلاجة، في بلد لا كهرباء فيه ولا رواتب لتشتري اللحوم والألبان والأجبان؟. الابنة أبلغت أباها أن برّاد قريبهم الفقير للبيع، الأب انتابه القلق من حال ابن عمه في لبنان، فبدأ بالتفكير ليلًا كيف يُمكنه تقديم المساعدة بما استطاع إليه سبيلاً، وانطلقت المشاورات الأسرية حول مساندة بائع البراد دون أن تُكشف هوية المُحسن المجهول. توالت الاتصالات إلى لبنان، وبدأ خبر بيع البرّاد يتغلغل من الأسرة إلى العائلة، وتم في النهاية وضع الخطة المُحكمة، وهي أن تتصّل شابة من خارج الأسرة، لتسأل عن سعر الثلاجة وتتقصّى الحقائق. وبالفعل تم تنفيذ الخطة، فإذا بجعفر يكشف أن الثلاجة هي ما ورثه حديثًا عن خالته، وأنّ برّاده الأصلي ليس للبيع، وإنما لا حاجة له في برّاد ثانٍ.. تنفسّت العائلة الصعداء وباتوا ليلتهم هانئين مُطمئنين أن جعفر لديه برّاد! رحم الله خالة جعفر التي ورثته البراد.. في قصّة حقيقية تتكرر أحداثها يوميًا بأشكال مختلفة وتعكس كيفية انتشار الخبر وتداوله بين المجتمعات، وكذلك هو حال الأخبار السياسية العالمية التي تُصوّرها كلّ قناة إعلامية بحسب توجهاتها السياسية، مع ما تتضمنه من تضليل للرأي العام، وغالبًا توجيه الناس نحو قناعة معيّنة. تتجسّد الوراثة هذه بشكل آخر في تغريدات عدد من الشخصيات السياسية في لبنان، التي يُقارنون فيها بين انقطاع الكهرباء في مطار شارل ديغول الدولي لساعات معدودة وبين انقطاع التيار السرمدي في لبنان، مُتشبثين بأوهامهم أن ما يحدث في لبنان هو مسار طبيعي يُعمم في كل دول العالم. فمن مطار شارل ديغول يكتب "الجهبذ" السياسي تغريدة أخرى يُقارن فيها انسيابية تشغيل مطار رفيق الحريري الدولي بما حدث من تأخير في الحقائب بمطار هيثرو الدولي. من المعقول أن تجد شخصية كجعفر في كافة المجتمعات، ومن المعقول أن تواجه بريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول عدم استقرار في توفير الطاقة؛ ومن المعقول أن ترزح أوروبا تحت وطأة الحرّ بسبب التغير المناخي مع تحقق نبوءة "معقول تشتّي بآب وتتلج عالدينا كلها" ولكن ليس من المعقول أن تجد وزيرا بموقع مسؤولية يُعاير الدول الأخرى بانقطاع التيار الكهربائي ويتغنّى بفشله المُقارن.. إلا في هذه المنظومة اللبنانية. البرّاد للبيع يا جماعة والسعر بالدولار.. أما الوراثة السياسية فهي ليست للبيع.. ومرهونة بالقدرة على شرب المزيد من الدم.
727
| 20 يونيو 2022
الجلوس في قاعة الانتظار بأي مطار دولي أو في أحد مقاهيه يجعلك تتعرّف على سلوكيات البشر وربّما شخصياتهم اذا أمعنت بملامحهم قد تلحظُ أفكارهم. فالمطارات هي المجتمع الذي تكتشف فيه آخر الصيحات العالمية سواء في اللباس أو في حقائب السفر أو في الأجهزة الذكية، وهي المكان الذي يجعلك تُدرك الاختلاف في ثقافات الشعوب، ومهما تبدّلت الأسماء والشخصيات، تبقى المشاعر الإنسانية العالمية مشتركة سواء كنت مغادرًا أو قادمًا أو عابر سبيل. القلق، وفرحة الوصول بالسلامة، اللقاء بالأحباء، والوداع، والرحيل، التعب، النعاس، والجوع، وغيرها من المشاعر التي تجدها في هذا العالم، أكثر مما تجدها في أي مكان آخر. المطارات هي النموذج المصغر عن واقعنا في هذه الحياة. كلّ منّا له وجهته، وعينه على البوابة التي سيُغادر منها، أو يصل إليها. لكلّ منّا حكايته، يسردها لنفسه، ويفكّر كيف يُقنع بها الآخرين. قد تُطمئنك ابتسامة مسافر وتُقلقك نظرة آخر. وقد تشعر بألفة تجاه غريب لم تشعر بها يومًا مع حبيب. فالغرباء يشعرون بشيء من الراحة عندما يفضفضون بهمومهم وأحلامهم لغريب، لأنهم يُدركون أن فرصة اللقاء به قد تكون معدومة. ذاك الرجل الذي يُمسك بيد طفلته وهي تسأله عمّا إذا كانت ستعود لمدرستها في بيروت أم في "غانا"، والشاب الذي وصل بعد فراق 22 عامًا يبحث عن نفسه في ملامح يذكرها أنها كانت لأهله، وامرأة تحمل طفلها، وتُمسك بيد آخر، وتتحدّث عبر الهاتف مع والدتها عن زوجها الذي انشغل عنها ولم يرافقها في رحلتها، وأُخرى تذرف دمعها وتُفكّر بالقصة التي سترويها لأهلها بعد انهاء خدماتها من عملها، وآخر في حالة هلع يتجاوز كلّ المسافرين علّه يرى وجه أبيه قبل دفنه. لكلّ مسافر حكاية، وحكاية الشابين اللبنانيين الذين قُتلا مؤخرًا بحادثة "الهليكوبتر" في إيطاليا، وكان أحدهما قد فقد زوجته في تفجير مرفأ بيروت، واليوم أضحى أطفاله يتامى، هي حكاية تعكس وجعنا كلبنانيين. القدر محتوم، والموت لا مفرّ منه، ولكنّنا شعب أصبحنا كالمسافر الذي يعيش في المطار ومن حوله غرباء، لا نعرف حكايات بعضنا البعض، ولكننا نشعر بها. نحن شعبُ يعيش في مطار نبحث فيه عن بوابة "المغادرون"، وفي الوقت نفسه نبكي أحلامنا عند صالة "القادمون".. هناك من خطف ربّان طائرتنا، وهويتنا.. نحن تائهون على متن الجمهورية.. فهل من ناصرٍ أم معين؟
619
| 13 يونيو 2022
مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2451
| 30 نوفمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1131
| 01 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
975
| 02 ديسمبر 2025
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...
645
| 28 نوفمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
570
| 30 نوفمبر 2025
كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...
495
| 30 نوفمبر 2025
في كلمتها خلال مؤتمر WISE 2025، قدّمت سموّ...
486
| 27 نوفمبر 2025
استشعار نعمة الأمن والأمان والاستقرار، والإحساس بحرية الحركة...
459
| 27 نوفمبر 2025
للمرة الأولى أقف حائرة أمام مساحتي البيضاء التي...
447
| 26 نوفمبر 2025
يقول المثل الشعبي «يِبِي يكحّلها عماها» وهي عبارة...
438
| 30 نوفمبر 2025
أكدت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، في المادّة...
432
| 28 نوفمبر 2025
شاع منذ ربع قرن تقريبا مقولة زمن الرواية....
423
| 27 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية