رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
اهتزت مشاعرنا ولم تهتز نظرتنا فيما يدور حولنا. قد تبدو الفرضيات التالية مزعجة لا سيما وأنها في ظروف تُعتبر بالنسبة إلى الكثيرين، غير مسموح خلالها «الفلسفة» و»التنظير». ولكن التنظير في وقت الكوارث هو استنتاج نبني عليه ما ينبغي أن يكون، ويخولنا للهزات الفكرية التي من الأجدر أن تأتي من الداخل لا من الخارج. المتخصصون في الجيولوجيا بالعالم العربي موجودون والباحثون أيضًا، ولكن ريختر لم يهزنا ولم يوقظنا من سباتنا العميق وهو شيء متوقع في ظل الدعم المُقدم من أغلب الحكومات ووسائل الإعلام للفعاليات «الاستعراضية» على حساب تمويل البحوث المتخصصة، وإعطاء الأهمية للعلماء على حساب «المُطبلين». لا مهرب من الأوبئة والزلازل، أو من قدر الله سبحانه وتعالى، ولا ريب أن التحلي بالإيمان والتعازي وخشية الله سبحانه وتعالى مطلوب مع كل نَفس، بل وواجب، ويتعاظم عند الشدائد. ولكن أليس من المهم أن يُشارك العلماء في تشخيص المشاهد الجيولوجية والاجتماعية والاقتصادية في ظل الكوارث الطبيعية؟ تفيض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بالمشاهد الروحانية التي تحولت إلى مشاهد مصطنعة، وإن كان العزاء الوحيد في الكوارث يتطلب العيش في الروحانيات، ولكن هذا لا يعني أن يخفت صوت العلماء الذين تحتاجهم المجتمعات كمصدر للطمأنينة أو للاستعداد. بعيدًا عن المقاربة النظرية بين العِلم والإيمان، والتي لا أرى فيها أي تعارض، بل على العكس لا عِلم دون إيمان، ولا إيمان دون عِلم أو فكر، من المُهم أن نطرح فرضية أخرى من هَول الكارثة، وهي فرضية تحويل أزمة اللاجئين إلى ظاهرة طبيعية وهي «مجتمعات الظل»، حيث تنمو وتتكاثر على هامش المجتمعات الأساسية، فلا تُدمج ضمن المجتمع الذي يُشكل نواة الدولة، ولا تتم معالجتها بحلول إنسانية وقانونية طويلة الأجل. في مجتمعات الظل هذه، تبدأ عملية التكاثر من أجل الحصول على زيادة أكبر في المساعدات، فكل زوجة يُقابلها معونة، وكل طفل يُسجل يُقابله مساعدة إضافية، وهكذا تعيش مجتمعات الظل وتتكاثر. في المقابل، وفي العديد من المجتمعات المزدهرة تربوياً وتعليمياً، تبذل الأُسر سعيها للإنجاب، فتلجأ الأُسرة إلى التلقيح والأنابيب، وتدفع مبالغ طائلة، وتبذل معارك نفسية جمة من أجل تحقيق حلم الأمومة والأبوة. بين هذين المشهدين، تُقرر المجتمعات الدينية والفكرية والإنسانية والمدنية والربحية وغير الربحية، التبرع لمن يستغل أطفاله وزوجاته من أجل الحصول على مساعدات إضافية للبقاء على قيد الحياة في مجتمعات الظل، بدلاً من وضع برامج تنموية وتعليمية وقانونية تُحمل من يرغب بالبقاء جاهلًا وعبئًا مسؤولية قانونية، وعوضًا عن مساندة من الأُسر المتوسطة في المجتمعات الباهظة. مجتمعات الظل تنمو على حساب الطبقة الوسطى، إذا لم توقظنا الأوبئة والزلازل من تلك الدائرة الحالكة التي ندور بداخلها وكيفية نظرتنا للأمور، فنحنُ إما مُتعمدون أو خامدون.. وما هي إلا هزة واحدة.
1353
| 20 فبراير 2023
زلزال مُدمّر.. كويكب يضرب الأرض بعد أقلّ من 5 أيّام.. شباب مفعمون بالحيوية والنشاط مواظبون على التمارين الرياضية يلقون حتفهم لأسباب غير متوقعة كحوادث دهس أو سير غير مُبررة.. "بلوجر" تُقتل على يد والدها بعد تحرّش أخيها.. وغيرها الكثير من الأخبار السلبية التي تبعث القلق والتوتر والحزن الذي ينتشر اليوم بين الشباب تحت مُسمّى "فقدان الشغف". أغلب الناس في حالة صدمة أو ما بعد الصدمة، ما إن يمرّ يوم على خبر ما، تستيقظ المجتمعات العربية على خبر آخر، حتى الأفلام والمسلسلات الرائجة أصبحت تلك التي تعتمد على الدراما والرعب والقضايا الاجتماعية المُحبطة. إمّا هذا، أو اللغو في "تيك توك" وأفلام هابطة، لا معنى فيها ولا قيمة. برامجنا تافهة، وصُحفنا ملهيّة برصد الإنجازات الرسمية، وتوثيق التحرّكات الدبلوماسية، والتصريحات البيروقراطية، والبحث عن قضايا لـ"إبهار" الغرب بتطلعاتنا المستقبلية، فيما ينشغل رجال أعمالنا في دراسة التوجهات المستقبلية وترويج الكماليات كمنتجات استهلاكية. القافلة تسير، وكلّ واحدٍ منّا في جهة، جمعتنا الكمامة وفرّقنا "فقدان الشغف" عبر وسائل التواصل اليومية، لا مفرّ لنا من جهاز صغير يستنزف طاقتنا النفسية، فالمعاملات الحكومية تُنجز من خلال التطبيقات، وحضورنا لا بُدّ أن يُسجّل في المنصة الإلكترونية، واستلام مهامنا الوظيفية عبر البرامج التطبيقية. مواعيدنا الصحية عبر الروابط الإلكترونية، وأطباؤنا يتسمّرون أمام الشاشات لملء ملفاتنا الإلكترونية. أنت تصف له أعراض التعب النفسية والجسدية، وهو يشيح بنظره إلى الحاسوب، ليُضيفك كرقم جديد إلى ملفاته الشهرية. لا يراقب حدقة عينك الخائفة من لا شيء، ولا يلمسُ عقدك اللمفاوية المتضخمة من الكبت، ولا يرغب أيضًا برؤية "اللهاة" في حلقك، وأنت تقول "آآآه"، فيه ما يكفيه من الآآه. لطالما حملت الحياة أخبارها السلبية، ووقعت الكثير من الكوارث الطبيعية، وانتقل الشباب إلى الموت دون قضيّة. الجديد، هو كم تعرّضنا إلى هذه الأخبار السلبية، بما يفوق طاقة استيعابنا اليومية. نحن عبيد التكنولوجيا بكلّ ما للكلمة من معنى، ومن يُطالب فينا بالتحرر، سيدفع الثمن غاليًا، وسيُجرّد من حقوقه الشرعية، سيكون حتى بلا رقم ولا عنوان ولا هوية. انتهاك الحرية الشخصية من خلال التكنولوجيا وصل إلى حدّ يستوجب فيه التحرّك بوجه من يفرض علينا كبشر أن نعيش مثل روبوتات تقنية. إلى أغلب خبراء النفس والاجتماع والوسائل الإعلامية في مجتمعاتنا العربية.. أنتم متقاعسون ومتواطئون لأنكم تُعينون كلّ مجرم يستنزف طاقتنا العقلية والروحية والنفسية على التسلل إلى حياتنا دون وقفة منكم عِلمية.
1197
| 13 فبراير 2023
لا أتخيّل كمّ النفايات الطبية والنفايات المتراكمة من كمّ البضائع المنتجة والمستوردة حول العالم من عبوات بلاستيكية وعطورات زجاجية وأغلفة من النايلون والبوليستر وغيرها.. يُمكنك أن تدخل إلى أي مجمع تجاري، والنظر إلى كمّ الملابس الهائلة المُصنعة والموجودة في قسم الخصومات والمُعاد طرحها في الأسواق البديلة، أو ادخل إلى أي متجر كبير وانظر إلى كمّ العبوات البلاستيكية والزجاجية للمنتجات الغذائية وغيرها. نظرة سريعة حولك في المنزل، تجعلك تُدرك عدد العلب الكرتونية المُهملة لأجهزة كهربائية فيها عدد من الكُتيبات الورقية. تلمّس قميصك واحصِ عدد الأوراق الموجودة بداخله، والتي توضح بمختلف اللغات كيفية غسل هذا القماش أو ذاك. كم ورقة قطعت مرّات ومرّات. هذا في كفّة.. والتلوث الناجم عن المصانع الضخمة التي تنتج الملابس والمنتوجات الكهربائية والكمالية، ونسبة التلوث الناجمة عن معامل النفط والغاز، والصناعات البتروكيميائية، وعدد رخص القيادة التي تصدر للسائقين كلّ عام، حيث يُزين كلّ منزل لا يقلّ عن سيارتين أو ثلاث، مصادر التلوّث اليومية المحيطة بنا لا حصر لها. نستخدمها مُكرهين ونستنشق الهواء الملوّث الذي تتجاوز نسبة تلوّثه المعيار المُحدد من قبل منظمة الصحة العالمية، والتعب والخمول والكسل الذي نشعر به بسبب نقص الأوكسجين وارتفاع نسب ثاني أوكسيد الكربون، ومراجعة المستشفيات والعيادات دون سبب واضح، ودون شفافية من مقدّمي الرعاية الصحية الذين لا يريدون الاعتراف بهذه الحقيقة ويُصرّون على تجاهلها، رغم الأرقام التي يُمكن لأي فرد "أُميّ" الاستدامة، أن يقرأها عبر التطبيقات المخصصة لجودة الهواء وغيرها من التقارير والدراسات. وبدلًا من إلزام الشركات الكبيرة بمسؤوليتها في الحدّ من إنتاج الألبسة التي لا داعي لها واستيرادها، وزجاجات العطور ومساحيق التنظيف والتجميل وغيرها، والكماليات المغلفة بأوراق من النيلون والعبوات البلاستيكية وأغلفة الأجهزة الكهربائية، وإلزام هذه الشركات باعتماد طرق أخرى دون التسبب بمزيد من التلوث وتمويل البحوث التي تبتكر أغلفة مستدامة، تفرض المتاجر الاستهلاكية على الأفراد الذين يتبضعون احتياجاتهم اليومية، دفع ثمن الأكياس المستدامة والصديقة للبيئة، ومن ثم وفي "مسخرة بيئية" حقيقة، تطبع هذه الشركات وصلاً ورقياً تعطيك إيّاه لتتمكن من استبداله بكيس ورقيّ آخر. ما يعني أنك تدفع ثمن كيس ورقيّ لتوفير الأكياس، وتأخذ مقابله أيضًا ورقة من شجرة مقطوعة! كّل ذلك تحت شعار خطوة بسيطة تصنع الفرق، وفي ذلك تلاعب بعقل المستهلك، وتحايل عليه من الشركات التجارية، التي تتخذ من الاستدامة تجارة، لأن المُستهلك نفسه الذي يلتزم بالكيس الصديق للبيئة، لا يلاقي أي خطوات فاعلة وإيجابية وهادفة ومؤثرة من الشركات المنتجة للتلوث نفسه. فهذه الشركات ستوفر في ميزانية شراء الأكياس وستزداد أرباحها، وكلّ ما تقوم به هو عقد مؤتمرات وتمويل ندوات لباحثين ومتحدثين باسم الاستدامة. عندما تُغرّم هذه الشركات وتدفع غرامات ومخالفات باهظة، وعندما يُصار إلى إعادة دراسة سياسات الإنتاج والاستيراد والتصدير، وعندما تُلزم هذه الشركات قانونيًا بخفض عدد منتجاتها، أو وقف صادراتها، حينها فقط حدّثوني كمستهلك عن شراء "كيس" ورقيّ صديق للبيئة في كلّ مرّة أرغب بها بشراء خَسّة خضراء في بلاد صفراء.
825
| 06 فبراير 2023
في ظلّ الحفل النفطي، وبما أنّ الجميع مسرور، يُسعدني كمواطنة لبنانية - لم أنتخب أحدًا ليُمثّلني في مجلس النواب الحالي - أن أبيع حصتي من النفط المُنقّب عنه، وفق مبدأ "عوّاد باع الأرض يا ولاد". "قطر للطاقة" و"توتال إنيرجيز" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، شركاء رسميون في التنقيب عن النفط اللبناني، هذا ما أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية في حفل التوقيع على اتفاقيات الشراكة. الباحثون عن النفط لا يهتّمون بالمشروعية بقدر اهتمامهم بالشرعية. فالحكومة اللبنانية الحالية التي توقع على اتفاقيات التنقيب ووقعت قبلها ترسيم الحدود مع الكيان الصهيوني، هو نظام شرعي جاء وفقاً لانتخابات نيابية، ومشاورات لتشكيل الحكومة، بما يرضي الدستور وبما لا يُرضي الله. أما فيما يتعلق بمشروعية هذا الوضع السياسي، فهو غير حائز على رضا الناس خارج صناديق الانتخابات، وما المسرحية الانتخابية التي عُقدت في مايو 2022 إلا جزء من الإجراءات التي ينبغي أن تكتمل قانونياً قبل الترسيم والتنقيب. فواضع القانون الانتخابي ومُقسّم الدوائر الانتخابية ومُمول الأحزاب وفارز النتائج ومالك وسائل الإعلام نظام واحد وإن تعدّدت ألوانه. وباكتمال هذه الإجراءات يتأكد للمراقبين أن هذه الطبقة السياسية الحاكمة مدعومة عربياً ودولياً ومسنودة في "بحصة تسند خابية" على شكل معونات عينية للمنظومة الأمنية لمنع الهيكل من السقوط، إلى حين التنقيب والاستكشاف والتوقيع على الصفقات التي لا بُدّ أن تمرّ على شكل اتفاقيات موقعة من مجلس النواب حفاظًا على "موارد الأمّة". وفيما وَصف رئيس الحكومة اللبناني "دخول قطر للطاقة" بأنه "حدث مهم واستثنائي" وأنه: "سيفتح الطريق مستقبلاً لاستثمارات عربية وخليجية على وجه الخصوص"، وهذا موقف إيجابي، إلا أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ الطائف، وعلى ما يبدو، تعيش حالة من الإنكار، وهي حالة سلوكية نفسية متفاقمة باتت تحتاج إلى علاج وربّما إلى استئصال؛ أو تتغذّى على تضليل الرأي العام. إنّ الطريق نحو المستقبل الذي يُشير إليه المسؤولون في لبنان هو طريق واحد مُحاصر بثلاثٍ: البحر، الكيان الإسرائيلي، وسوريا. وتبعية الموجودين في التركيبة الحالية لأطراف خارجية على حساب المصلحة الوطنية محسومة وإن اختلفت درجاتها. ومهما استثمرت شركات الطاقة في صدق النوايا، فإنّ مصلحة هذه الشركات تلتقي عند البحر، وليس من شأنها تحقيق التنمية المستدامة في لبنان، بخلاف ما تُسوقه الطبقة السياسية والاقتصادية اللبنانية، فالاستثمار العربي والغربي لن يُحقق التنمية المُستدامة والإنماء المتوازن، بقدر ما سيعمل على إنعاش النظام السياسي الموجود، فتحقيق التنمية هو مسؤولية لبنانية بحتة. والحقيقة أن مهندسي هذه الصفقات لا تعنيهم التنمية الوطنية للدول الأخرى بقدر ما يعنيهم الاستقرار الأمني، ولهذا كان الرجل الأمني هو المُنسق بين الشرق والغرب، وكان المُخوّل بالتفاوض بين الأطراف المختلفة. إنّ طبيعة هذه الصفقات والظروف التي هُيِّئت لها وسيرورتها ستزيد من نفوذ المُسيطرين على مقدرات الدولة براً وبحرًا وجوّاً، وسيكون للفساد باب جديد في لبنان، مع "رشّة" من المسؤولية المجتمعية والاقتصادية التي ستبدو للمواطن اللبناني أنها خطوة على طريق الإنقاذ. ملاحظة: كُتب هذا المقال تحت تأثير الرشح والزكام وربّما لا تمت أحداثه للواقع بصلة.
1137
| 30 يناير 2023
يبدو أن بداية العام 2023 فنية بامتياز، وكأن صناع القرار السياسي والاقتصادي أخلوا الساحة مؤقتًا. وبالتالي، هذا الهدوء الحذر يُنذر بتغييرات نوعية وخصوصًا في المجال المالي وسط دعوة عدد من رجال الأعمال وخبراء الاقتصاد في العالم إلى الادخار، في توجيه مباشر وإعلانات مدفوعة الأجر إلى ضرورة عدم صرف الأموال والادخار وشراء "الكاسيو" بدلاً من "رولكس". وإذا كان الادخار يعني تحويل ما في جيوبنا ومنازلنا إلى المصارف، فذلك أيضاً يعني أن البنوك تبحث عن السيولة، وأن الدعوة باتت أكثر وضوحًا لترويج الحسابات الرقمية، ما يُسهل على عمل الإدارة العالمية للنقد المباشر أو "الكاش". فهل تجفيف الدولار في الأسواق المالية مؤشر على شيء ما يلوح في الأفق؟ وهل نموذج سرقة الودائع في لبنان ولعبة الصرف هي عينة لما يدور في الغرف السوداء حول العالم بين مشاهير المال. الغرفة السوداء في حياة الأمير هاري فُتحت إلى العلن، تجمع الناس في شوارع لندن لشراء هذا الكتاب الذي تُرجم إلى نحو 16 لغة في العالم، وكأن الناس نهمة للتصالح مع نفسها ومع حياتها في إشارة إلى أن حياة الأمراء صعبة وغير سعيدة، وأن الأمير المُجرد من لقبه عانى ويعاني من "اضطرابات ما بعد الصدمة" ومن وفاة والدته ومن بروتوكولات أسرته. في الحقيقة، لا أجد في قلبي الأبيض ذرة تعاطف مع هذه الشخصية. ولن أصدق ان حياة الفقراء والمهمشين حول العالم هي أفضل من حياة هذا الأمير السابق، وأن هذه الشخصيات محرومة من راحة البال والطمأنينة والسعادة لبعض الوقت. من الطبيعي أن يمر الإنسان بصدمات وأن يُعاني ويحزن ويخاف، لكن هناك فرقا بين أن تكون معاناته في قصر ونفوذ ومال ووسط أخصائيين يهتمون به، وبين من لا يملك شيئًا. ما أراه إيجابيًا إلى الآن، هو القيمة التي ما زال يمنحها الكتاب لصاحبه، فاللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزة في برامج شهيرة، لم تحقق التعاطف المطلوب، وقصة هذا الأمير لم تلق التضامن الاجتماعي الكافي، وجاء الكتاب ليُتمم ما مهدت له هذه الحملة الإعلانية، لذا توثيق "الصدمة" خطوة تؤكد أهمية الكتاب الورقي للتاريخ. على خط مواز التاريخ الكُروي سيذكر لاعب المنتخب الاسباني جيرارد بيكيه على أنه هجر شاكيرا، لم يعد العالم يُحصي أهدافه، ولا إمكاناته، ولا مستقبله الرياضي، جُل ما يهم الملايين حول العالم، الأغنية التي "زفته" فيها طليقته والتي تم سماعها أكثر من 150 مليون مرة منذ إصدارها بوقت قصير، فالناس تنتشي بحقيقة أن حياة المشاهير تُشبه حياتهم، وأنه مهما بلغت المرأة من جمال وشهرة وحيوية، فإمكانية خيانة الرجل لها واردة لا محالة، فيما يرى الرجال أن قرار الهجر لا يثنيه جمال أو ليونة. وبين "رولكس" و"كاسيو" تبقى الساعة البيولوجية الأكثر دقة، فالإنسان هو الأكثر جدلًا في عواطفه ومشاعره أميرًا كان أم غفيرًا.
906
| 16 يناير 2023
لا مجال للمقارنة بين كأس الخليج العربي وكأس العالم لكرة القدم، لا من حيث البطولة ولا التنظيم ولا الاستضافة ولا في غيرها من أوجه المقارنة. فمن الإجحاف أن تتم هذه المقارنة وإن كانت لا إرادية في الوعي الشعبي، وذلك بعد النجاح منقطع النظير الذي حققته بطولة كأس العالم FIFA قطر ٢٠٢٢™، وفي ظلّ الجرح العراقي الذي ما زال ينزف دمًا جرّاء الاحتلال العسكري والثقافي للعراق، وتداعياته. أليس هدف كرة القدم التقارب بين الشعوب والثقافات؟ أو لتسليط الضوء على المنصات الرسمية ومن يعتليها. الهفوات البروتوكولية تحدثُ عمدًا أو سهوًا، ولكن كيفية معالجتها بالحنكة والدبلوماسية في اللحظة نفسها وتحديد الواجبات والمسؤوليات هي من يُحدد معيار النجاح، ناهيك عن كيفية إدارة هذه الأزمات إعلاميًا. المُحزن هو تفاعل الشعوب العربية مع هذه الهفوات، والانجرار في معارك إعلامية تعكس الشرخ العربي الذي يبدو أن علاجه بالأدوية المُسكّنة التي تشمل الاجتماعات والبطولات والاتصالات غير مفيد، وحتى الاستئصال أيضًا لم يُحقق نتيجة طويلة الأمد، إذ أُستئصل النظام العراقي السابق على أن تُخمد مشاعر الخوف من البعبع، فحلّ محلّه بعبع أكثر رعبًا، ليعتاش على ما تبقى من الأمن الثقافي والاجتماعي. الأمن الثقافي للشعوب الأصيلة مُهدّد أيضًا، وكيف لا، والأصالة في عروبتنا، ولهذا أطلقت الأمم المتحدة مؤخرًا العقد الدولي للغات الشعوب الأصلية بهدف حمايتها من الانقراض، فمع انقراض أي لغة، تنقرض ثقافة هذه الشعوب وتقاليدها. وتأتي هذه الخطوة، لحماية نحو 6% من سكّان العالم، و4 آلاف لغة، من أصل 6700 لغة في العالم. لغة حظر الأسلحة الكيميائية ترتفع بوجه سوريا، ويبدو أن سيناريو غزو العراق سيُطرح على طاولة المفاوضات والضغط على سوريا، وإن لم يسأم مجلس الأمن الدولي من هذه اللغة، إلا أننا كشعوب عربية سئمنا من تهديدنا بلجان دولية لحظر الأسلحة الكيمائية، ولبنان يُجاور قوة نووية وكيمائية مجرمة وهي الكيان الإسرائيلي، وليس هذا فحسب، بل تطاير الشعب اللبناني أشلاء بمواد متفجرة ولم تُغثنا الأمم ولن تُنصفنا المنظمات الأممية. الأمم تسعى لإعادة النظر بالمسارات المهنية والتخصصات الجامعية، وذلك من أجل تفادي الفوضى بسوق العمل العالمي، الذي تلوح بالأفق، مع تبدّل طبيعة الوظائف التي تحتاجها هذه الأسواق، ففي تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) أظهرت المؤشرات ارتفاع مستويات الفقر في المنطقة العربية مقارنة بالسنوات الماضية ليصل عدد الفقراء إلى نحو 130 مليون شخص أي ثلث سكان المنطقة باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي. ووفق التقرير، سجلّت المنطقة أعلى معدّل بطالة عالميًا في عام 2022 بنسبة 12%، ما يفرض تحديًا نوعيًا أمام الحكومات العربية لإنعاش الاقتصاديات الوطنية التي ستكون مدخلًا للتغيير السياسي والاجتماعي وفرض الشروط الدولية الجديدة.
855
| 09 يناير 2023
لكل منا أجندته الخاصة ليس بالمعنى السياسي حيث يتراءى لنا أن الأجندة تعني المؤامرة أو المصالح الشخصية، وإنما أجندة ذاتية غير مرئية، نضع فيها أحلامنا وأمنياتنا في بداية كل عام جديد. أجندة نُخبئ في داخلها أسماء أناس نحبّهم وآخرين نحلم باللقاء بهم وغيرهم ممّن نحتاج لمجهود نفسي وعصبي للتعامل معهم. هي أجندة فيها من الوجوه والأماكن التي لا نزال نذكرها ولو دون مغزى، لكنها دائماً ما تُثير فينا مجموعة من المشاعر يصعب تصنيفها، حبّ أو غضب أو ندم وربما أسى أو حنين. في نهاية كل عام، يتغير وزن الأجندة في نفوسنا، هي ثقيلة الحِمْلِ حيناً، وخفيفة أحياناً كنسيم الربيع في بلادنا. يرتبط كلّ منا بعلاقة قوية مع هذه الأجندة، وتختلف أشكالها، فمنها العلاقات المرضية، ومنها الصداقة القوية، ومنها الجفاء وما ينجم عنها من مشاكل نفسية. بعضنا يسير على درب التخطيط وفق هذه الأجندة، فيخطّ سنوياً قائمة بالمهام أو بالأهداف التي يسعى إلى تنفيذها، ويعيش طوال العام بصراعٍ ذاتي، ونزاع مع المحيطين به، لتنفيذ كل ما جاء في أجندته، وكأنها تحد اجتماعي، فينشر كلّ خطوة نحو الهدف على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مجتمعنا المخطط واضح: صور التخرج، فالخطبة، فالزواج، فالإنجاب، فالتكاثر، التخالط، ومن ثم صور التعزية. ويفتقر أصحاب هذه الأجندة إلى قيمتهم الوجودية الحقيقية، فلا يشعرون فيها إلا إذا دخلوا في منافسة مع الآخرين لإثبات الوجود. وهؤلاء مصابون بحمّى التنظيم وتحقيق الهدف، ومن السهل ملاحظة سلوكياتهم في الأسواق، إذ تراه يلهث ليجد موقفاً للسيارة قبلك، ويُسرع ليضع يده على عربة التسوق قبلك، وربّما لا يراك وأنت بجانبه فيقتحم مسافتك ويأخذ ما خطط له من هذا الرفّ وتلك الزاوية وفي ذاك الرواق، معانداً لوجودك أصلاً في مكان الهدف. ومتعة هؤلاء في تحقيق هدفهم لا تدوم لأكثر من ساعات وربما أيام. في المقابل، يعيش آخرون في فوضى من الأجندات، وهؤلاء سعداء بقدرتهم على تحدّي أنفسهم يومياً وثقتهم بأنفسهم أنهم قادرون على التعامل مع ما يظهر أمامهم من مشاكل وتحديات، ويستمتعون بالتسوق العبثي، وبفكرة نسيان ما كانوا يرغبون أصلاً بتحقيقه مع تبدل الظروف والمتغيرات، مع الإبقاء على أهدافهم الوجودية في هذه الحياة التي لم يكتبوها يوماً في قائمة مهام ولا يُشاركونها في أمنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأنهم يشعرون أن قيمتهم في إنسانيتهم وفي الشعور بالشفقة على من يلهث ليدخل من باب المطعم قبله ومن يصارع ليجد موقف سيارة، ومن يُقاتل لوضع يده على "البلوزة" قبله. إلى أصحاب اللوائح والمهام والبارعين في التخطيط والتنظيم، أتمنى لكم تحقيق ما ورد على قائمة المهام للعام الجديد ٢٠٢٣. وإلى المبدعين في عالم الفوضى الواثقين بأن الحياة بما فيها أكثر جمالاً ومتعةً وعمقاً من أن تُكتب في قائمة مهام، أتمنى لكم عامًا فيه الكثير من النجاح والسعادة والابتسامات التي تظهر على محياكم عندما يلجأ إليكم أصحاب الأجندات التنظيمية مرتبكين تائهين يبحثون بين الصفحات عن طوق نجاة وفوضى داخلية خلاقة ليشعروا فعلاً أنهم على قيد الحياة. كل عام وأنتم بخير دون أجندات.
2184
| 02 يناير 2023
مُشاهدات متنوعة في حبّ مونديال قطر يحكيها القلم الذي يقفزُ فرحًا على هذه الصفحة لتأهل المنتخب المغربي إلى نصف النهائي، مع دمعة مالحة ذرفها على خروج المنتخب البرازيلي من المنافسة. لا شكّ أن أسود الأطلس قلبوا المعادلة، ومن الحِكمة أن يستفيد المجتمع العربي بكل مكوناته مما يجري في هذه البطولة، والتأمل قليلًا يدفعك لاستنتاج ما يلي: فرحة لاعبي المنتخب إلى جانب أمهاتهنّ أسعدت قلوب الكثير من الشباب العرب، وبيّنت وجهًا جديدًا من وجوه برّ الوالدين، الذي لطالما وضعناهُ في خانة واحدة وهي: الدراسة، والزواج، والمرض. وفي الوقت نفسه، هؤلاء الشباب العرب الذين يتداولون صور اللاعبين مع عائلاتهم، إذا سألت أي واحدٍ منهم عن حال أمّه لحسبها مذمّة، ولتحوّل السؤال إلى مشكلة وربّما إلى جريمة قتل، إذ قلّما ترى في المجتمعات العربية والدةً تشهدُ إنجازات أبنائها أمام وسائل الإعلام وتحتفل معه - اللهم إلا في حفل التخرّج والزواج. وهنا، يضرب "مونديال" قطر نموذجًا جديدًا فيما نخبئه من مشاعر مكبوتة وإن كانت مشاعر فخر بالوالدين، أو على العكس مشاعر فخر بالأبناء. ومن الفرحة على أرض الملعب إلى نداء آخر نوجهه لوسائل الإعلام والدبلوماسيين والصحفيين ومن لهم سلطة على القلم، بالاستغناء عن كلمة "الحلم العربي"، لأنّ تركيزنا على مفهوم "ده حلمنا طول عمرنا" يعطينا انطباعا كشعوب وأفراد أن أي إنجاز لنا هو حُلم، وبالتالي يبقى كُل هدف مُجرّد حلم بعيد المنال، وهذا ما رسمه الإعلام الغربي بالنسبة إلينا. المفردات المُعرّبة والمُعلّبة تُبقينا في دائرة الأحلام، والأجدر أن نختار مفرداتنا التي تعلو بهمّتنا كأن نقول العمل العربي المشترك، أو التكامل العربي، أو الأهداف العربية، الحُلم طال والعمل وَجَب. وَجب أيضًا إعطاء بطاقة حمراء لجُملة "رفعتوا راسنا" في تبادل التهاني والتبريكات، لأنه بكل بساطة ستُذكّر المواطن العربي بأن رأسه مُطأطأ ورقبته محنيّة مكشوفة لـ"السحسوح" الغربي – والسحسوح هي كلمة عامية شعبية لبنانية تعني الصفعة على الرقبة من الخلف - وعليه، يرجى التكرم بالإيعاز لمن يلزم، بالاستغناء عن جملة "رفعتوا رأسنا" والبحث في قواميس اللغة عمّا يُشعر المواطن العربي بأن الإنجاز هو جزء من حياته اليومية وأن رأسه مرفوع وإن أخطأ. خطأ هي تلك الصورة التي تقدّمها الشركات العابرة للقارات عن نجوم كرة القدم، التي تُظهرهم على أنهم أبطال خارقون في الإعلانات حتى ظننا أنهم مندوبو مبيعات لكثرة الملصقات التجارية في حياتهم. كرة القدم هي متعة وملاذ للفقراء والضغط النفسي الذي تُسببه هذه الشركات على اللاعبين وجماهيرهم تُحوّل متعة كرة القدم إلى منصات تجارية فارهة. وفي حب مونديال قطر، البحث عن تذكرة لـلأكل في البوفيه الفاخر والصورة في "سكاي بوكس" - جناح فاخر لحاملي تذاكر الضيافة - بات أعلى قيمة من مُشجّع ادخر طوال العام ليتحمّل مشقة السفر، والنوم أرضًا من أجل أن يرفع علم بلاده بين الأعلام. وفي هذا الحب، المجد لـ"سوق واقف".. وبالهناء والشفاء لــ"سكاي بوكس".
1239
| 12 ديسمبر 2022
"من قطر 2022 اللبيب يفهمُ" الأسبوع الماضي إلى الدور الـ16 من مباريات بطولة كأس العالم FIFA قطر ٢٠٢٢™️، حيث تستمر المشاهدات التي يحكيها القلم. وأولها الروابط الأُسرية وفرص التواصل التي ازدهرت في هذه البطولة بشكل عفوي تلقائي جميل حيث يردك ذلك الاتصال الهاتفي من قريب أو صديق بعيد عنك جغرافيًا ليقول لك: "أنا مُتوجه إلى قطر سأراكم قريبًا" هو شعورٌ مفرح ومُطمئن، وكأن هذه البطولة تمسحُ تعبنا الذي غرسه كوفيد-19 في بيوتنا، فمن لم نرهم منذ أعوام بسبب جائحة كوفيد-19 سيحطون رحالهم في قطر ليكونوا جزءًا من حدث عالمي ينشر السعادة. في مشهد آخر له أهمية بالغة هو اجتماع أفراد الأسرة معًا وتواصلهم اليومي حيث التجهيز للذهاب إلى الاستاد سويًا، أو لمشاهدة المباريات في مناطق المشجعين أو المقاهي والمطاعم، والتقاط الصور بين أعضاء الأسرة، منهم من يرتدي قميص المنتخب البرازيلي وآخر يستهجن مرتديًا قميص الأرجنتين، وتلك الطفلة التي - وإن لم تُدرك ما يحدث حولها إلا أن الطاقة الإيجابية والتشجيع اللافت - يدفعها لاختيار اللون المفضل لديها قائلة بعفوية "جووو بلوو". من الأجواء العائلية واللقاء بين الأصدقاء في الداخل والخارج إلى الكرة التي أعادت للأطفال قيمة اللعب خارج حدود الغرفة، وبعيدًا عن شاشة الألعاب الالكترونية، حيث تزينت الحدائق وباحات المباني الخارجية وساحات اللعب في الأماكن العامة، والمجمعات التجارية بكرات قدم ضخمة وزينة رياضية لافتة للنظر تثير اهتمام الطفل وفضوله لاستكشاف ماذا يحدث هناك؟ ويُدركوا أن لعب كرة القدم فعليًا لا افتراضيًا له نكهة مختلفة ومميزة. وفعليًا، في الأسبوع الماضي، تفاديت الكرة التي اتجهت نحوي ثلاث مرات في ثلاثة أماكن مختلفة بقطر، وكم كان لطيفًا لعب "الصبيان" الذين يرتدون قمصان منتخباتهم المفضلة، يُمررون الكرة بين المشاة بفخر وكأنهم نجوم. وبينما يحاول أحدهم الاستئثار بالكرة، صبي آخر يُسير فوق رؤوسهم طائرة بلاستيكية صغيرة ومضيئة، مُدعيًا تصوير مباراة أصدقائه جويا في محاكاة ما يجري في الملاعب، وكأن هذه البطولة ألهمتهم المهن التي يحلمون بها. أما الجملة التي أصبحت رائجة جدًا في قطر ويتداولها الناس بينهم سواء عبر التواصل الهاتفي أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي فهي: "معك تذاكر؟" من لم يكترث بكرة القدم أصبح يبحث عن فرصة لحضور مباراة واحدة على الأقل، لأنه يرغب بأن يكون جزءًا منها. ومع بداية هذا الأسبوع، تحية تقدير لكل العاملين خلف الكواليس، ممن لا تظهر وجوههم على الشاشات، ولا أسماؤهم على البطاقات واللافتات ولا يتلقون الدعوات، إلى الذين يعملون يوميا لتوفير هذه الأجواء ولا يعيشونها لكم ألف سلام وتحية. أنتم من تكتبون هذه الحكاية.
2520
| 05 ديسمبر 2022
"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ۚ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ۚ إن الله عليم خبير"، الآية الكريمة التي تم اختيارها في حفل افتتاح بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022™، فيها رسالتان أساسيتان، وُجهّتا من "استاد البيت" إلى كلّ العالم. رسالتان واضحتان، لمن يفهم اللغة العربية، ومن لا يفهمها، فالترجمة لا تحمل تأويلات. ولهذا، لم يُركّز الإعلام الغربي على هذه الرسالة، بقدر ما حاول تجاهلها. الرسالة الأولى هي: إيماننا بفكرة الذكر والأنثى لا ثالث لهما. الموضوع محسوم ومنتهِ. الرسالة الثانية، هي إيماننا بالانفتاح على الثقافات الأخرى وتاريخ الرحالة المسلمين لاستكشاف القارات، وتجاراتهم مع السند والهند والأندلس، والمخطوطات التاريخية التي تؤكد حبّ المعرفة لديهم والتواصل مع الثقافات الأخرى، ناهيك عن ثقافة الترحيب بالضيف وإكرامه التي اشتهر بها العرب. وفي رسالة إضافية ورائعة، جسّدها الشاب القطري غانم المفتاح، الذي أكّد فيها للعالم أن الشخص المعوّق هو من يُعوقه فكره، لا أطرافه، وأنّ الإنسان رغم الصعوبات التي تعترض طريقه التي لا يُمكنه التحكّم بها أو تغييرها، يُمكن أن تكون الحافز له على صنع ما يعتبره الآخرون مستحيلًا، وأن ما يراه الغير فينا ليس هو المهمّ، الأهم كيف نرى نحن العالم. وفي استضافة أحد الشباب العاملين في توجيه المشجعين والزائرين لمحطة المترو في إحدى المباريات، وتمكينه من مخاطبة الجمهور الغربي بحسّ الفكاهة الذي يمتلكه، رسالة إضافية بأننا في الوطن العربي ليست لدينا عُقدة "العنجهية" "والغرور" التي يدّعيها الغرب علينا ويتهمّنا بها، وأن الدخول من باب حقوق الإنسان المنتهكة بشكل صارخ بات شمّاعة مفضوحة، وما حصل في سجن غوانتنامو في العراق ومجازر إسرائيلية في لبنان وفلسطين، الحصار الدولي على أطفال العراق في معادلة "النفط مقابل الغذاء"، وقصف معامل الأدوية في الصومال إلا دليل على ذلك. وفي رسالة رابعة، بعثتها الشعوب العربية للعالم هي قدرة المواطن العربي مهما كانت جنسيته أو اهتماماته أو مستوى ثقافته أنه قادر على دحض حجة الإعلام الإسرائيلي عندما يُفتح المجال لها بذلك، وأن على الإعلام العربي التركيز على الشعوب، بدلًا من استضافة المحللين والسياسيين الذين ملّت الشاشات من وجوههم، وأن الفرد العربي قادر على الحديث عن مواقفه دون خطابات مُعدّة ومكتوبة سلفًا. في المقابل، يسعى الإعلام الإسرائيلي لاستغلال المواقف المدنية العربية، وتحويلها إلى أداة لاستعطاف شعوب العالم، بأن الإعلام الإسرائيلي مضطهد وغير مرحب به، وأنه مظلوم، وأنه لا يعرف كيف يتصرّف مع العرب، وهو محاولة مقززة، ومكشوفة. خامسًا وسادسًا وسابعًا، رسائل كثيرة واضحة وإن كانت كرة القدم هي محطّ اهتمام الجميع، ولكنّ هذه البطولة تحمل الكثير من المعاني الإنسانية التي ستكون لها تأثيرات إيجابية بالغة الأهمية ستُعيد خلط الأوراق في العلاقات الدولية.. وللحديث بقية.
1788
| 28 نوفمبر 2022
افتُتِحت بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022. من هنا، من قطر، من دولة عربية مستقلة ذات سيادة، في منطقة الشرق الأوسط، ولأول مرة في التاريخ. شبه جزيرة تقع وسط الساحل الغربي للخليج العربي، تنتصر لحقوق نحو 500 مليون نسمة حول العالم. دولة صغيرة الحجم بالمعيار الجغرافي والسكّاني، نافست دولا تُصنف نفسها بـ"العظمى"، وانتزعت أنظار العالم على كأس تجوّل 92 عامًا منذ إطلاقه خارج حدود العرب. يُعدّ نجاح حفل افتتاح هذه البطولة صكًّا تاريخيًا لقطر كنموذج جديد للقوّة الناعمة. دولة حشدت معايير القوّة لديها، وبَنتها في أقلّ من 20 عامًا وصَقلتها اقتصاديًا وثقافيًا ودبلوماسيًا وتنمويًا، لتُثبت للمجتمع الدولي - بكلّ مكوّناته من دولٍ وأُممٍ ومنظمات وأفراد - أنّ قوّة الدولة في سيادتها. 20 نوفمبر 2022، يوم تاريخي، ليس بالثناء وإنما بالفعل، فقبل أسبوعين من انطلاق هذه البطولة، شهدت قطر حصارًا شبه سياسيّ وإعلامي ودوليّ مُناهضا، دخله الأغيار من نوافذ عديدة، منها حقوق العمالة الوافدة، والشذوذ، ووجود الإعلام الإسرائيلي، وغيرها الكثير من الدهاليز. ورغم كلّ ذلك، تجاوزت الدبلوماسية القطرية هذا الفخ بنجاح لافت. فخٌ، نصبه من "تأبطّوا شرًا"، لكنّ قطر استخدمت قوّتها الذكية لترد على هذه الادعاءات باحتراف من خلال القيّمين على تنظيم هذه البطولة والمتحدثين باسمها وشركائها في الفيفا، فيما تابع الجهاز الدبلوماسي عمله، وحفاوته، وترحيبه بالأشقاء والأصدقاء ومن يضمر له أيضًا العداء. نجحت قطر بالحصول على حقّ بطولة كأس العالم، لدرجة اعتبر فيها البعض هذا الفوز استفزازًا دبلوماسيًا، وأن ما قامت به قطر هو تحدٍ لقوانين الطبيعة. قوانين وأعراف تحكم مسار العلاقات الدولية، فالغرب يُخطط وبقية العالم عليه التنفيذ، الكبار يضعون قواعد اللعبة، والصغار يلعبون في الهامش المُحدد لهم، ومقابل ما نحصل عليه من حقوق، لا بُدّ لنا من دفع امتيازات في عالم النفط والغاز والمواقف السياسية. لقد استضافت قارة أوروبا بطولة كأس العالم لكرة القدم 11 مرة، ومرتين منها كانتا من نصيب ألمانيا الغربية، ومن ثم ألمانيا ما بعد سقوط جدار برلين، وفرنسا نالت حصتها أيضًا من تلك الاستضافة. أما قارة أمريكا الجنوبية التي استضافت فيها الأوروغواي أول بطولة لكرة القدم في العالم وكان ذلك عام 1930، فاستضافت هذا الحدث 5 مرّات فقط، وتوزعت الحصة الثلاثية بين الأوروغواي والبرازيل والأرجنتين، وكان لقارة آسيا نصيبها عام 2002، لينتقل كأس العالم ضيفًا إلى أفريقيا عام 2010، ومن ثم البرازيل عام 2014، وروسيا 2018، ومن ثم منطقة الشرق الأوسط وقلبها النابض بالعروبة. بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، غيّرت قواعد اللعبة الدولية، وفي جعبتنا البطاقة الصفراء للمتسللين، والحمراء للمعتدين، والخضراء للاعبين.. ولتنطلق اللعبة.
972
| 21 نوفمبر 2022
غادر فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية السابق ميشال عون قصر بعبدا، متوجهاً إلى منزله الهادئ وسط الطبيعة في لبنان، الذي يشعّ بالأضواء الكهربائية، والمُحاط بأشجار عالية، وعصافير تُغرّد أمام مقرّ إقامته، تاركاً همّ الشعب في "جهنّم" التي كان قد أعلن عنهما سابقًا خلال عهده. وكعادة الشعب اللبناني تنقسم الآراء بين مؤيدين لفخامته نصبوا خيمًا لوداعه واستمعوا إلى كلماته الوداعية مع البكاء لانتهاء هذا العهد، وبين من تجمّعوا في المقلب الآخر و"كسروا الجرّة" في تقليدٍ شعبيّ للاحتفاء بمغادرة شخص غير مرغوب به. اللبنانيون متفائلون بعهد جديد، وتنطلق رحلة البحث بين الإخوة الموارنة عن رئيس تتوافق عليه الدول العربية والإقليمية وأعضاء مجلس الأمن الدولي من أمريكا وفرنسا شرط ألاّ نُغضب روسيا. وينبع هذا التفاؤل من عوامل متعددة، وأهمها "الهيبة" فاللبنانيون تعنيهم "الكايزرما" وهذه صفة مطلوبة بالرئيس الجديد وإن كان ذا "كرش" أو "يلدغ بالراء"، الأهم أن يكون عسكريًا متقاعدًا أو إقطاعيًا متوارثًا، وذلك للحفاظ على "هيبة الدولة"، وأن يكون أيضًا قادراً على تحمّل مشقة "المريسة" في لبنان، ويستطيع ردّ هيبة كرسيّ الرئاسة التي ضاعت بين خطابات الحليف الأصفر وممارسات الصهر البرتقالي، وتوزيع الأوسمة على الداعمين للعهد رغم سواده، وأن يكون أيضًا شخصية مُحنّكة في التمثيل، بإمكانه أداء دور المُقاوم الشجاع الذي لا يفرّط بأرض وبحر وهواء، وفي الوقت نفسه يمتلك قلمًا يُرسّم فيه الحدود مع العدّو الإسرائيلي الشرير بخطّ عريض. وفي انتظر الرئيس الموعود، يزداد تفاؤل اللبنانيين بـ "الأمل" الذي سيُحرّك عجلة التعطيل بأمر من رئاسة المجلس النيابيّ التي لم تكن "تهضم" ممارسات الصهر البرتقالي، فالخلاف على الحصص كان عميقًا وعلنيًا وصل إلى درجة تصريحات رسمية مفادها "كان بدنا نشتغل ما خلّونا". ولكنّ الشغل سينتعش بوجود "مريسة جديدة" ستُنصبّ في مرحلة مهمة لاستكمال صفقات التنقيب عن الغاز، وإياكم أن تعتقدوا أن هذا التفاؤل مردّه إلى ثقة الشعب بمن سيُنقب، ومن سيُوقع، ومن سيستثمر الغاز في مشاريع بُنيوية أو صناعات أو خدمات أو سياحة، داخل لبنان؛ بل هو تفاؤل بأن المُرابين الدوليين سيعودون إلى لبنان، وأن الحكومة الجديدة ستقترض الأموال لكي يتمكّن عمالقة النفط من إنهاء المعاملات الحكومية التي تتطلب تواجد الموظفين الحكوميين في مقر أعمالهم، وصرف رواتبهم بعد انتظار طويل، وأموال ستُضخّ في شركات خاصة مملوكة لفلان وعلان لتسيير المهام النفطية. كسرنا "جرّة الرئيس" ولكن في الجوهر، لن يتغير شيء في هذه المنظومة. شكلياً سنحصل على رئيس يُحبّ السفر إلى الدول العربية والمشاركة في حضور القمم والمؤتمرات -ونسأل الله السلامة له وألاّ يقع أرضًا لحظة التقاط الصور الجماعية-، ومن المُرجح أيضًا أن يكون رئيسًا قادرًا على توزيع الابتسامات والتصريحات التلفزيونية دون أن تباغته الغفوة، وأن يكون مُتمكّنا من الخطاب فينا لبثّ روح المقاومة في عروقنا، وأن يدعو الشباب المهاجر للعودة إلى وطن فيروز ووديع الصافي، مع التعبير في الوقت نفسه بفخره بلبنان الذي يُصدّر الأدمغة! "الترويكا" التوافقية مستمرّة، وسنعود من جهنّم إلى وحدة المسار والمصير. ملاحظة دستورية: على الرئيس الجديد أن يكون لبنانيًا منذ أكثر من 10 سنوات وعربيّ الهوية والانتماء. #بس_أقول.
1296
| 31 أكتوبر 2022
مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2487
| 30 نوفمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1329
| 02 ديسمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1131
| 01 ديسمبر 2025
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...
648
| 28 نوفمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
591
| 30 نوفمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
576
| 03 ديسمبر 2025
كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...
498
| 30 نوفمبر 2025
في مايو 2025، قام البابا ليو الرابع عشر،...
498
| 01 ديسمبر 2025
في كلمتها خلال مؤتمر WISE 2025، قدّمت سموّ...
489
| 27 نوفمبر 2025
استشعار نعمة الأمن والأمان والاستقرار، والإحساس بحرية الحركة...
462
| 27 نوفمبر 2025
للمرة الأولى أقف حائرة أمام مساحتي البيضاء التي...
450
| 26 نوفمبر 2025
أكدت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، في المادّة...
438
| 28 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية