رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

بين الجذور والفروع

الجذور تمتد في نخاع الأرض، والفروع تتمدد في الهواء الطلق، الجذور تجعل الشجرة راسخة الأصول، والفروع تجعل الشجرة رائعة الجمال، الجذور هي مصدر الغذاء والماء، والفروع هي مصدر الهواء، الجذور لا تتجمل بالألوان، والفروع تتلون بالخضرة والجمال، الجذور تميل إلى الصلابة والقوة، والفروع تميل إلى الليونة والضعف، لا تحيا الشجرة بغير الجذور لكنها قد تحيا لو انتقص من الفروع، الجذور تتمدد نحو هدفها المحدد (الغذاء والماء)، والفروع تتمايل مع نسائم الهواء، إذا اشتدت العواصف على الفروع تتعمق الجذور أكثر في الأرض بهدي خالقها سبحانه، لتحمي الفروع من الريح العقيم، الجذور في الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج هي الأركان التي تبطل العبادات بغيرها، والفروع هي الهيئات والمستحبات والمكملات، الجذور في الشريعة هي الضروريات والحاجيات، والفروع هي التحسينيات، الجذور في المعاش هي القدرة على الحصول على الغذاء والماء والدواء والسكن والكساء والتعليم والزواج، والفروع هي أشكال الملابس والمفارش والمراكب والهواتف والنظارات والحقائب والستائر و....، الجذور في السياسة هي العدل والشورى والحكمة، والفروع هي شكل الحكم خلافة أو إمارة أو رئاسة أو ملكية، الجذور في الاقتصاد توظيف الطاقات في العمل والإبداع، والموارد في الاستثمار والإنتاج، وألا يكون المال دولة بين الأغنياء دون الفقراء، ووقف الربا والغش والاحتكار والغرر، والفروع هي أشكال الشركات فردية أو جماعية ذات مسؤولية محدودة أو غير محدودة، محلية أو عالمية، الجذور في الحياة الزوجية أن يوجد الحب القلبي أولاً ثم التفاهم العقلي ثانيًا ثم التناغم الجسدي ثالثًا، والفروع أن يكون أحد الزوجين من عائلتين أو بلدين مختلفين، أو اختلاف التخصص الدراسي، فإذا صحت الجذور صارت: (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (إبراهيم:24)، وإذا فسدت الجذور صارت: (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) (إبراهيم:26).والذي أرجوه بإلحاح أن نبني الجذور قبل الفروع، وألا تؤثر الفروع على الجذور كما قال الشاطبي في الموافقات: "إذا اختل الضروري اختل وراءه كل حاجي وتحسيني، ولا يجوز أن يعود التحسيني على الحاجي والضروري بالإبطال". أمتلئ مرارة عندما أجد فقهاء وساسة واقتصاديين وقادة يتفاعلون مع الفروع والقشور تاركين الأصول والجذور، ويعالجون الأعراض دون الأمراض، فلنعد إلى صوابنا، ونرتب أولوياتنا قبل أن نلقى ربنا، ولنتذكر أن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة.

2651

| 03 ديسمبر 2014

بين ثبات المتظاهرين السلميين وخسة الانقلابيين الدمويين

أتعجب كثيرا من قسوة الانقلابيين وقتلهم المصريين بدم بارد، لكن المثير للإعجاب أكثر هو ثبات المتظاهرين السلميين ثباتا يجعلك تظن أنك في عهد الصحابة والتابعين، ومازلنا بكامل ثقتنا بالله القوي المتين، وسيكتب التاريخ مرحمة المتظاهرين السلميين وثباتهم بحروف من نور يضيئ للأجيال التالية، كما سيسجل بحروف من نار الرَصاص ملحمة الانقلابيين الدمويين وهم خليط من العسكريين والمخابرات والشرطة والشيوخ والبابوات وأمن الدولة والإعلاميين والبلطجية الذين: "لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ" (التوبة:10)، بأشكال من الخسة والنذالة غير مسبوقة لطَّخت تاريخ الجيش والشرطة بدماء وشواء أجساد المصريين، سيخجل منها كل مصري حر، بل كل إنسان في العالم، وفرح بنو صهيون بالسيسي الذي أمَّن الصهاينة من حكم المصريين الأحرار لبلدهم وهم موقنون أن نهضة مصر هي نهضة العرب والمسلمين والأمة كلها، وقديما قيل: لو فتحت مصر فلن تقوم لدولة الرومان قائمة إلى يوم الدين، فلما دخل الإسلام مصر فاتحا على يد عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي سرح بعد أربع سنوات من الجهاد وهي أطول بلد استغرقت وقتا طويلا لفتحها لكن لما فتحت مصر انتهى الرومان تماماً بعد عشرة قرون، ويقيني أن الصهيوأمريكان يدركون هذا جيدا من قديم ويعملون على تركيع مصر وجعلها ذيلا لهم كما كان نظام مبارك وعمر سليمان، لكن الشعب الذي وفقه الله لثورة ٢٥ يناير صار يؤثر الموت عزيزا على حياة الذل والعار، ويرددون قول الله تعالى : "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة: 111)، فأبوا أن يبيعوا النفس الشريفة إلا لخالقها فصاروا يترنمون بقول الشاعر:ونفس الشريف لها غايتان بلوغ المنايا ونيل المنىفإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدانعم والله إنها معركة الحق في مواجهة الباطل، بين ثورة ٢٥ يناير في مواجهة انقلاب ٣٠ يونيو، فهل يغلب الصهيوأمريكان والعملاء الانقلابيين قوة الملك التي لا تقهر؟!، ثم غضبة الشعوب التي لا تنكسر؟!.يا إخواني لا تهنوا ولا تحزنوا ولا تستكينوا؛ فاستمروا على سلميتكم ورباطكم حتى " يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ" (يونس: من الآية109)، لأن هنا إلهًا واحدًا لهذا الكون والأمر كله بيده، وليس من الكنيست أو البيت الأسود أو المجلس العسكري، بل القانون الإلهي هو الحكم كما قال تعالى:1. "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " ( الروم : 47).2. "وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ" (غافر: من الآية5).3. "سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ" (القمر:45-46).4. "قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ" (النحل:26). لا تخشوا علينا لأننا نذرنا حياتنا لله وبعنا أنفسنا وأموالنا لله وحده، وهم قد باعوا أنفسهم ومصر لأعداء الله، ونبذل قصارى جهدنا في عالم الشهادة ونحسن التوكل على الله في عالم الغيب، ويقيننا أن من توكل على الله كفاه وأغناه ووقاه ونصره كما قال تعالى: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (الروم: من الآية 47). فأبشروا بنصر قريب ونعيم مقيم.فانتظروا إنا منتظرون..

536

| 26 نوفمبر 2014

بين التلبيس والتدليس

التلبيس هو إدخال الأشياء المتباعدة في بعضها جهلاً بالحقيقة الكبرى وإن أدرك المُلبِّس بعض تفاصيلها، كما قال تعالى عن بني إسرائيل: "وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة:42)، ومن ذلك جدالهم حول ذبح البقرة، وتكرار الأسئلة الموهمة، فصغار الأطفال يعرفون ما هي البقرة لكنهم سألوا أولا: ما هي البقرة؟ ثم ما لونها ثم ما هي؟ مرة أخرى ليعودوا بالتلبيس إلى السؤال الأول، وهو ما يجري الآن مع الفلسطينيين في السُلطة الذين خاصموا شعوبهم وصالحوا أعداءهم، وصاروا أشداء على الفلسطينيين المجاهدين رحماء على الصهاينة المعتدين، أعزاء على حماس والمقاومين أذلاء لنتنياهو وأوباما!، فالتلبيس اختصارًا هو: استعمال الحق مع الباطل معا لتشويه الحقيقة، أما التدليس فهو: العلم بالحقائق الكبرى وتعمد قلب الحق باطلا بالتغيير والتحريف والتبديل والتزييف، وقد كان بنو إسرائيل ولا يزالون أساتذة التدليس بلا منازع، فقد قالوا عن الله تعالى: "يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ" (المائدة:64) - تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا- وهم موقنون من بسط الله الأرزاق بالليل والنهار، وعبدوا العجل وقد علموا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، وأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا لسيدنا موسى: "اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ" (الأعراف:138)، وقد علموا أن الله واحد أحد فرد صمد لكنهم دلَّسوا عمدًا ومع سبق الإصرار والترصد، وطلبوا طعاما غير ما يرزقون فقالوا: "فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا" (البقرة:61)، وقالوا لسيدنا عيسى: "هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَـزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ " (المائدة:112)، إن أنبياء الله تحولوا إلى رجال أعمال في فتح المطاعم فيطلبون طلبات مخصوصة، وموائد ممدودة، وهو قمة التدليس والتلبيس معا!، فلما طلب منهم أن يقولوا: "حطة" أي: يا رب حط عنا خطايانا، دلسوا تدليسًا مبينًا وقالوا سخرية من الله ورسله: "حنطة" أي: قمحًا!، كأنهم طلبوا الحنطة بدلا من المغفرة، وطلب من اليهود ألا يصطادوا يوم السبت فنصبوا الشباك يوم الجمعة ليلا ليصيدوا الأسماك التي تأتي شُرَعا يوم السبت ابتلاء لهم فرسبوا بقوة في الامتحان ومارسوا التدليس بالاصطياد غير المباشر يوم السبت بهذه الحيل الرهيبة، وصاروا بهذا في أعلى سلم التدليس على الله تعالى! وأساتذة لعلماء الانقلاب الذين سوَّغوا للانقلابيين من العسكريين جريمتهم وألبسوا الانقلاب ثوبا قال فيه الشاعر أبو ذؤيب: ثوب الرياء يشفُّ عما تحته فإذا التحفت به فإنك عاروهؤلاء لا تعرف لهم مواقف حاسمة في السخرية من الله علنًا في الفضائيات والمطبوعات، ولا من هتك الأعراض في السجون والمعتقلات، ولم تتحرك الدماء في عروقهم حمية على جرائم سفاح سوريا، ولم تشغلهم قضية فلسطين، أسرى ولاجئين، وقتلى وجرحي على مر السنين، ومسجدنا الأقصى الأسير الذي أُغلق وحُرق، ودُنس بقطعان اليهود، ولم يثوروا يوما لانهيار الأخلاق والقيم والعفة والمروءة في الفضائيات، بل الأهم عند علماء الانقلاب المدلسين هو الوصول إلى المناصب، والاستماتة أن يأتي ملك الموت وهم يفترشون الكرسي، وجمع مالا وعدده من المكافآت المادية التي تتوازى مع حجم التدليس والتلبيس والتسويغ والتحريف في دين الله تعالى، وقد وُجد عبر التاريخ من أمثال هؤلاء الكثير، ويُذكرون في هوامش كتب التاريخ كنخالة للأمة، ونفاية للحق، وزراية بالرجال.لابد من موقف من كل مصري أو إنسان أمام جملة الأكاذيب وليس بالقطاعي من الصهاينة المعتدين والانقلابيين المجرمين، أما وقاحة الكذب عندهم فهو كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يزالُ الرَّجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ كذَّابًا) (رواه مسلم)، وهؤلاء يكذبون بالجملة وليس بالقطاعي، ويكذبون بشكل مؤسسي وليس فرديا، فما يقوله "السيسي" كبير الانقلابيين من أكاذيب أو يشير به يصبح أغنية الفنانين، ومقالات الصحفيين، وأخبار المذيعين، وتحليلات السياسيين، وحلول المبدعين، ومحلول الشاربين، وهواء المتنفسين، ويا ليتنا نتعامل مع رجال الجاهلية الذين كانوا يستنكفون من الكذب ولو فلتة واحدة في تاريخ حياتهم، ونحن عندنا منهج عكسي لدى المنتسبين للإسلام من الانقلابيين العسكريين والعلمانيين وعلماء الانقلاب، وهو:"أخشى أن تؤثر عني العرب والغرب أني صدقت مرة"، ولهذا قال الله تعالى: "وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ" (المرسلات:15و19و24و28و34و37و40و45و47و49) عشر مرات في سورة من قصار المفصل "المرسلات" فضلا عن تكرارها الوفير في القرآن الكريم.يا قوم: إن سيدنا يعقوب كذَّب أولاده في أخذ بنيامين أخي يوسف، وقال: "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا" (يوسف: من الآية83)، وكانوا صادقين في المرة الثانية لأنهم كذبوا منذ أكثر من أربعين عاما مرة، فمتى يتوقف العقلاء عن تصديق من يكذبون ويلبسون ويدلسون كل يوم بل كل ساعة، ويبالغون في الكذب "المنحكش" ويمضون بقلب بارد كأنهم تنفسوا هواء أو شربوا ماء أو تناولوا غذاء، وهم بحق كما قال الله تعالى: "وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ" (إبراهيم: من الآية43).فيا شعب مصر العظيم: توقفوا عن تصديق الكذابين المدلسين، بل الوقحين في الكذب والتدليس، وانفضوا أيديكم من عمالقة التلبيس والتدليس، فمتى يا قوم تأخذون بمنهج العرب أو المسلمين، أو بعض نبلاء الغرب الذين يفضلون الموت على الكذب، لكن قادة الانقلابيين أصبحوا أساتذة التدليس والكذب فأهدروا كل ما جاء من ناحيتهم ولو أقسموا بالأيمان المغلظة لقوله تعالى: "وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ" (القلم: 10-16)، وهذا أصدق وصف للانقلابيين اليوم، والمصيبة فينا عندما نمتطي الكذب مطية في كل شارع ودار، فيا رب أعد لنا رئيسنا الشرعي محمد مرسي الصادق قولا، الصابر فعلا، القائد حقًاً، المعزول ظلمًا، العائد أملا في رب العزة سبحانه، "وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا" (الإسراء: من الآية51).

3431

| 19 نوفمبر 2014

بين أحجار الأقصى ورقاب الصهاينة

أحجار الأقصى مباركة طاهرة ورقاب الصهاينة دنسة نجسة، وقد تجرأ الكيان الصهيوني يوم الخميس30/10/2014م بإغلاق الأقصى في سابقة تاريخية ومن ثم اقتحام نائب الكنيست للمسجد، وأحسب أن هذه التطورات لن يوقفها إلا إعلان لا لبس فيه ولا غموض ولا مداراة: (اقتل صهيونيا مقابل كل حجر في الأقصى الشريف)، وأقول لكل نظام فاشل ينادي بالتفاوض مع المحتلين القتلة الذي أخرجوا أهل الديار من ديارهم وأموالهم، وسجنوا واعتقلوا مئات الآلاف من أصحاب الأرض الفلسطينية عامة وأهل القدس خاصة بل شردوا ستة ملايين فلسطيني في العالم، أمام هذا لم يعد يصلح إلا ما قاله المتنبي:السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعبوكما قال زهير بن أبي سلمى:"ومن لا يذُد عن حوضه بسلاحه يهدَّم" وقال الشاعر د.محمود داود:خذ من دمي واكتب بأشلاء اليد أن التفاوض لا يرد المعتديواكتب بأن دماءنا وحياتنا نفدي بها مسرى النبي محمدالمسجد الأٌقصى سيعلم أننا نحن العباد وقد بعثنا للغددوما أولي بأس شديد كلما حمي الوطيس نسلُّ كل مهندإنني أصرخ في أمتي بنداء الله عز وجل: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ * وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 58، 59، ومن الآية60)، يقول الإمام القرطبي في تفسيره للآية: "إِذَا ظَهَرَتْ آثَار الْخِيَانَة وَثَبَتَتْ دَلَائِلهَا. وَجَبَ نَبْذ الْعَهْد لألا يُوقِع التَّمَادِي عَلَيْهِ فِي الْهَلَكَة. وَجَازَ إِسْقَاط الْيَقِين هُنَا ضَرُورَةً "، إذا كانت هذه الآيات قد نزلت في قوم هم أصحاب أرض من يهود المدينة، ومع هذا يأمرنا الله أننا إذا شممنا رائحة خيانة فيجب نبذ العهود معهم، وإعداد القوة ومنازلتهم، فكيف بالمحتلين الذين يجب قتالهم، ولو لم يقتلوا إنسانا، أو يهدموا حجرا، أو يشردوا أحدا؛ لأنهم محتلون، وقد فعلوا كل هذا مما يستقل كل سبب بداعٍ ومسوغ لحربهم وقتالهم، وهذا اليقين أمام أعينا بحفريات المسجد الأقصى والتهديد بهدمه وحرقه وإغلاقه، وعليه فالواجب الشرعي يوجب نبذ العهود، وقتل اليهود من الصهاينة المعتدين، وأن تتوحد الأمة أنظمة وشعوبا، قوميين وإسلاميين، يساريين ويمينيين، مسلمين ومسيحيين، تحت لواء المقاومة لا المناورة، والمحاربة لا المحاورة، والقتال لا السلام، والمطاردة لا المفاوضة، وأن نعلن أن كل حجر طاهر من المسجد الأقصى يساوي رقبة نجسة لصهيوني من المحتلين، ولا عصمة لدم أحدهم ماداموا محتلين مخربين ماضين في هدم أقصانا واحتلال أرضنا، وتهويد مقدساتنا، وتشريد أهلنا، وقتل أبنائنا.إنني أدعو كل عالِم وعامل لله تعالى أن يسأل نفسه سؤالا واضحا: هل توجد أدنى درجة من الظن أمام النصوص الشرعية والحقائق اليومية قطعية الدلالة والثبوت التي توجب مقاتلة الصهاينة المحتلين؟ فأين استعدادنا للخروج لنجدة الأقصى؟أرجو أن نعلن جميعا عن حملة تبدأ ببيان حقائق التهويد للقدس والتخطيط لهدم المسجد الأقصى، والاستعداد لهذا الإعلان: "اقتل صهيونيا مقابل كل حجر في الأٌقصى الشريف"!

560

| 13 نوفمبر 2014

الأقصى ينادينا فهل من مجيب؟

هل يمكن أن تبقى أمة المليار والنصف صامتة هامدة راكدة عن تلبية نداء الأقصى الذي يصرخ صباح مساء، لعل صدى صرخاته تلقى قلوبا حية بالإيمان، قوية بالتوكل على الرحمن، عزيزة بحمل رسالة القرآن، أبية باتباع هدي سيد الأنام، حثيثة في طلب أعلى الجنان، كي تلبي نداء الأقصى: حرِّروني من هؤلاء الأوغاد من بني صهيون وعملائهم من المنافقين، حرِّروني من الصهاينة الذين حفروا الأنفاق من تحتي فصرت شبه معلق بين أرض خاوية وسماء ملبدة بالغيوم، حرِّروني من أقدام الصهاينة التي دنستني باقتحام ساحاتي وباحاتي، وبنوا كنيس الخراب على مقربة من قبتي وصخرتي، ولم أعد أرى حولي هؤلاء الأبرار الأحرار الذين يسكنون من حولي، ففي كل يوم يُطردون وأسمع صرخاتهم فلا يُجابون ويأتي من بعدهم الصهاينة المستوطنون يرقصون ويسكرون، ويلهون ويلعبون، ويسبون ويلعنون، ويطاردون المصلين ويعبثون، وأنا هاهنا أستغيث وأستحث نساء ورجال أمتي؛ لعلي أجد يوما من أرحام النساء ومن أصلاب الرجال من قال الله فيهم: "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا" (الإسراء:5)، ومع صرخاتي وأنَّاتي لم أفقد الأمل بعد في أمتي فهاهم أبناء القسام والشيخ أحمد ياسين والرنتيسي وعماد عقل ويحيى عياش وصلاح شحاته ونزار ريان وسعيد صيام يقفون على خطو قريب، وقد بذلوا المهج والأرواح "وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ" (آل عمران: 170-171)، لكن الله جعل لي في كل بلد أنصارا وحواريين، وإن كان بعضهم قد ألقي من أجلي في غيابات السجون، وبقيت ثلة من المؤمنين والمؤمنين الربانيين والربانيات يحملون الراية، ويبذلون كل وسيلة لتحقيق هذه الغاية وهي تحريري من الصهاينة رمز الضلال والظلم والغواية، وهاهم أبنائي وبناتي في كل بلد عربي وإسلامي بل في كل بلد غير إسلامي من أنصاري وحواري، يواصلون الليل بالنهار، دعاء للواحد القهار، وعملا دائبا لا يعرف الذلة والانكسار، وكأني أطل عليهم من بعيد فأقول لهم: "فلنِعم الأنصار ولنِعم الحواريون، ولنعم الإخوة والأخوات حاملي وحاملات الرايات، أنتم مني وأنا منكم، ولكم مني كل حب وولاء، وأنا من دعاة السلام والمفاوضات براء، وقبل أن أودعكم بالسلام من أرض القدس والعزة والكرامة، هذه واجبات عملية لنصرتي ونجدتي، فانثروها وانشروها عسى أن تتحول القلة إلى كثرة، والأمة الراكدة إلى رائدة وسحب الألم إلى أمطار الأمل، وإني لواثق أن النصر قريب، وأنا في انتظاركم رجال ونساء أمتي: 1. المتابعة الدقيقة لمعرفة جوانب الألم في قضية الأقصى وفلسطين كأن المصيبة في قعر بيتنا وبين أهلنا.2. بعث عقيدة الأمل من خلال بيان قوة الملك التي لا تقهر، وقوة المنهج الذي لا يتغير، وتاريخنا الحافل في مواجهة المغول والصليبيين.3. إحياء وإعلان عقيدة الجهاد والمقاومة، ورفض المفاوضات والسلام مع الصهاينة، مع ضرورة أن يكون إحياء الجهاد من الطفولة المبكرة. 4. دراسة كتاب "معركة الوجود بين القرآن والتلمود" للدكتور عبد الستار فتح الله سعيد، وعمل ختمة تدبر بحثا عن موضوع واحد هو: "خصائص بني إسرائيل في القرآن الكريم"، ثم دراسة السيرة النبوية وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع تجمعات اليهود في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وخيبر وإحياء فقه التأسي في مواجهتهم.5. دراسة تاريخ اليهود ومواقفهم مع الأنبياء والرسل والشعوب والأنظمة، مع أهمية دراسة موسوعة د.المسيري عن الصهيونية.6. عمل مهرجانات جماهيرية وشعبية لإحياء الجهاد ونصرة الأقصى، تجمع بين الأنشودة والقصة والشعر والمقالات والمشغولات واللوحات والمسرحيات.7. تبني منهجية الاقتصاد في الكماليات والتوسع في الصدقات، لمساندة المقدسيين والمسجد الأقصى والمحاصرين في غزة. 8. أن يقوم النخبة من خلال المقالات والفضائيات برد الشبهات التي يثيرها الصهاينة وعملاؤهم حول أحقيتهم في أرض فلسطين وخرافاتهم في موضوع الهيكل.9. العمل على إزالة الشبهات والافتراءات والأكاذيب التي يختلقها العملاء والخونة ضد المقاومة المشروعة في فلسطين،وسرعة الرد عليها قبل أن تتحول إلى رأي عام كاذب.10. تكوين لجان شعبية ونقابية تتواصل مع النخب الحاكمة، وأصحاب الأقلام المؤثرة والقنوات الفضائية سعيا إلى تبني القضية الفلسطينية وفق منهجية السياسة الشرعية وليس الخساسة الواقعية، وتشكيل جماعات ضغط سلمية ومجموعات شبابية للتصحيح لا التجريح، والنصيحة لا الفضيحة.11. إحياء وتفعيل ثقافة المقاومة الإلكترونية لبيان الوجه القبيح للكيان الصهيوني، والحق الأصيل لعودة الشعب الفلسطيني، وحق الأمة في مقدساتها الإسلامية خاصة الأقصى.12. دعم وتبني معارض ومناشط في دول الغرب بشكل دوري تبين حقيقة الاعتداءات الصهيونية على الأطفال والنساء والمقدسات وتشويه الحقائق التاريخية. وفضح سياسة الحصار في غزة.13. عدم الانشغال بالتفاهات إذا اشتدت الأزمات أو تقديم النوافل على حساب الفرائض؛ فإن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة. 14. السعي الحثيث إلى التقريب بين الجماعات وإزالة الخلافات ودعم المصالحة الفلسطينية.15. أن يجمع كل منا بين الحلم والأمل والجد والعمل لنيل الشهادة في سبيل الله، مع الأخذ بكل أسباب القوة البدنية والخلقية والفكرية والروحية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية.16. تفعيل دور المرأة والفتيات لنصرة الأقصى، وتقدير دورهن سواء داخل الأراضي المقدسة أو على مستوى الأمة كلها.17. تقدير دور المقدسيين شيبا وشبابا، رجالا ونساء في حماية المسجد الأقصى وتأكيد أهمية استمرار الانتفاضة ضد الهيكل وكنيس الخراب وتهويد الأرض وتشويه التاريخ.18. أن يطلع العلماء بدورهم ببيان الحكم الشرعي في وجوب نصرة الأقصى، ومقاومة المعتدين ومقاطعة المتعاونين معهم والبضائع المدعمة لهم، وأن ينشروا فقه الجهاد وآدابه وأحكامه وضرورة الاستعداد له، وأن يتحدوا في رؤية واحدة ضد مشاريع الاستسلام والمفاوضات.19. أخيرا دوام التضرع والابتهال إلى الواحد القهار، والصيام والقيام والبذل والإنفاق، والدعاء والقنوت أن يعز الله الإسلام والمسلمين، وأن يحمي الأقصى من عدوان الظالمين، وأن يحفظ الأمة من كيد الخائنين، وأن يشفي فيهم صدور قوم مؤمنين.

865

| 06 نوفمبر 2014

التخطيط للهجرة بين الأسباب الأرضية والعناية الربانية

التخطيط هو توظيف كل الطاقات والإمكانات للوصول إلى أهداف محددة في زمن معين، وللتخطيط في الإسلام خصائص لا توجد في غيره، أهمها ما يلي: 1. زمان الخطة هوالمعاش والمعاد، وصولا إلى عمارة الدنيا والنعيم في الآخرة. 2. وجوب الأخذ بكل الأسباب الأرضية، واليقين في العناية الربانية. 3. الحفاظ على الثوابت والمبادئ والقيم الأخلاقية. 4. الجمع بين دقة الاتباع وجودة الإبداع، حيث تنطلق معالم التخطيط وأهدافه الكلية تنطلق من النصوص الشرعية والاجتهادات العقلية معا لإصلاح الوقائع اليومية، وللمصيب أجران في الاجتهاد، وللمخطئ أجر؛ مما يشجع على الإبداع، ويجمع بين الأصالة والمعاصرة. ولا شك أن واقعنا في مصر خاصة وأمتنا العربية والإسلامية عامة أحوج ما تكون إلى فقه معالم التخطط الإسلامي في هذه المرحلة المفصلية، حيث يُصنع التاريخ من جديد، وقد اخترنا لقرائنا الكرام وأحبابنا في الله عز وجل من درس الهجرة منهجًا في التخطيط لإصلاح مستقبل مصرنا وأمتنا العربية والإسلامية، وتبدو معالم هذا التخطيط في نقطتين: الأخذ بكل الأسباب الأرضية المباحة شرعا، واليقين بالعناية الربانية حيث يقول سبحانه: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:157)، فمع الإيمان والعمل يحقق الإنسان - بإذن الله - الأمل، ويصل إلى الأفضل دائما، ومع الكفر يأتي الخلل والتراجع إلى الأسفل. أولاً: التخطيط في الهجرة والأخذ بكل الأسباب وتوظيف الطاقات. لقد بدا درس الهجرة معلما واضحا في هذه الهداية الربانية للرسول صلى الله عليه وسلم في التخطيط للهجرة والأخذ بكل الأسباب الأرضية، ولم يعتمد قط على أنه رسول الله ولن يضيعه فترك الأخذ بكل الأسباب، بل بدا التوظيف واضحا لكل الطاقات والإمكانات البشرية والمادية، ويبدو ذلك فيما يلي: 1- توظيف الطاقات البشرية باختيار أفضل الصحابة ليكون صاحبه في الهجرة. 2- توظيف الشباب حيث تم اختيار عبد الله بن أبي بكر ليتسمَّع الأخبار ويأتي بها إلي الرسول صلى الله عليه وسلم. 3- توظيف العمال مثل عامر بن فهيرة مولى أبي بكر، حيث كان يرعى غنما ويأخذها لإعفاء وإنهاء أثر المشاة لخدمة مشروع الهجرة. 4- توظيف النساء ومنهن أسماء بنت أبي بكر التي وظفت لحمل الطعام إلى الغار، كما حاور أم معبد وكان لها دور مهم في توفير الطعام. 5- توظيف الفرسان الشجعان حيث اختار عليا لشجاعته الفائقة أن يبيت مكانه لرد الأمانات. 6- توظيف غير المسلم لخبرته وأمانته، حيث استعان النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أريقط الليثي الذي وصفته الروايات بأنه كان هاديا خريتا أي عارفاً بالطرق غير المعتادة. 7- توظيف عنصر الزمن: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم في الهاجرة ـ حين يستريح الناس في بيوتهم ـ إلى أبي بكر رضي الله عنه ليبرم معه مراحل الهجرة، وخروجه للهجرة في عتمة الليل حين ساد الهدوء ونام عامة الناس، واستكن في غار ثور ثلاثة أيام؛ حتى يهدأ الطلب، وتقل الملاحقة في المنطقة. 8- توظيف عنصر المكان: حيث اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج من خوخة في دار أبي بكر ليلًا حتى لحقا بغار ثَوْر في اتجاه اليمن‏.،‏ واتجه صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور في جهة الجنوب من مكة، وليس في جهة الشمال حيث الطريق إلى يثرب؛ لصرف الأنظار، وتعمية الأبصار، وتظليل الكفار. 9- توظيف الدواب في اختيار راحلتين قويتين تعينان على السفر الطويل، كما تم توظيف الغنم في إخفاء الأثر وإخفاء معالم الحركة لرسول الله أو من يقوم بدور بالاتيان بالأخبار أو الطعام أو الهداية. 10- الاهتمام بالجانب الصحي حيث كان الطعام يأتي طازجا على يد أسماء بنت أبي بكر، ولما لدغت الحية أبا بكر تفِل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فبرأت، ولما طلب شاةً من أم معبد غسل ضرع الشاة قبل حملها، ولما توجه إلى المدينة وكانت قد اشتهرت بالحمى دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم. 11- توظيف القيم الأخلاقية الإسلامية: أبقى النبي صلى الله عليه وسلم عليًا لرد الأمانات وترك المشركين في حيرة بين ترديهم في المساوئ الأخلاقية وترقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المكارم الأخلاقية . هذه مجرد نماذج تدل على أعظم صور التخطيط السليم وعدم التواكل على أنه عبد الله ورسوله ولن يضيعه، ووظف الموارد البشرية والحيوانية والمكانية والزمانية والقيم الأخلاقية فماذا كانت النتيجة؟ هذا ما سأتناوله في العناية الربانية. ثانياً: نجاح التخطيط بالعناية الربانية: إن نجاح التخطيط يبدو من النتائج التي تتحقق في أرض الواقع لكن التخطيط الإسلامي يتعدى هذا البعد الأرضي المادي إلى الفوز في الدنيا والآخرة وإصلاح المعاش والمعاد كما قال سبحانه: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة: من الآية 201)، غير أن نتائج الإسلام تعتمد على الأرزاق التي يمنحها رب العباد لمن شاء، وهذا جزء من الإيمان بعنصره السادس ، وهو أن نؤمن بالقدر خيره وشره، وعليه فإن نتائج الأخذ بالأسباب جاءت كاملة من رب الأرباب في التخطيط للهجرة؛ حيث كان هناك النجاح الأكبر بالانتقال من الدعوة إلى الدولة، ومن العبادة إلى القيادة، ومن الجماعة المستضعفة بمكة إلى الدولة الراسخة بالمدينة، مع صور عديدة من العناية من أول الرحلة إلى آخرها، منها ما يلي: 1- خرج النبي صلى الله عليه وسلم من باب بيته الرئيسي مارًا بين أربعين من فرسان العرب وقد أجمعوا على قتله، وتفريق دمه في القبائل، لكن عناية الله أعمت أبصارهم. 2- إن إيثار أبا بكر وتحمله عن النبي صلى الله عليه وسلم ليسد الجحور حتى لا يلدغ النبي صلى الله عليه وسلم فلدغ هو،ـ فجعل الله تعالى في ريق النبي صلى الله عليه وسلم شفاء ناجعا من لدغة الحية. 3- لما استكن النبي وصاحبه في الغار واشتد المشركون في الطلب وتعقّبوا كل مكان يمكن أن يختبئ فيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ووصلوا إلى باب الغار واشتد الأمر على أبي بكر، فعاجله النبي صلى الله عليه وسلم بأن عناية الله تحوطنا كما قال سبحانه: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة: من الآية40). 4- أن يجري الله تعالى اللبن في شاة أم معبد ولم تكن شاة تُحلب فكانت العناية الربانية في إدارار اللبن منها. 5- لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بكل أسباب التخفي برحلته وتكفل شياطين الجن بإخبار قريش بشعر فعُرف مكانه وطريقه، فسبق إليه سراقة بن مالك على فرس جموح فساخت يدا الفرس في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخر سراقة عنه ثم زجرها فنهضت فتكرر هذا الأمر والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ارجع ولك سوارا كسرى. 6- لما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وفيها من الأوبئة الكثير، ومن الثمر القليل دعا الله تبارك وتعالى للمدينة بضعفي ما بمكة من البركة المدينة وكانت فرحتهم بأن العناية الربانية أدركتهم عكس ما أشيع في مكة والمدينة بأن هذه أرض الحمى لن تحمل فيه النساء، وسيضعف فيها الرجال، وستهلكهم الأمراض فصارت يثرب "طيبة" أي طيبة الهواء والماء والغذاء والأخلاق. هذا غيض من فيض أنهار العناية الربانية التي يكرم الله بها من يأخذون بالأسباب. ثالثاً: واقعنا العربي المعاصر بين الأسباب الأرضية والعناية الربانية: لا يخالجنا أدنى شك أننا إذا أخذنا بأسباب التخطيط السليم الذي يوظف قطرة الماء وهي عندنا بفضل الله أنهار تجري في الأرض، وأمطار تنزل من السماء وشمس تشرق كل صباح تضاعف النماء، وأرض مليئة في أعماقها بالمعادن النفيسة كما قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاس) (الحديد: من الآية 25)، أنزله الله من السماء وأودعه في جوف الأرض وأودع البترول والغاز والخيرات الجمة التي تحتاج لتخطيط وإرادة وحسن توكل على الله تعالى، فأرضنا بفضل الله خصبة ومياهنا عذبة، ورجالنا ونساؤنا مبدعون عاملون مخلصون إذا توفرت لهم الحرية والكرامة والعزة والمكانة، وسوف نجد بإذن الله انطلاقة فتية وحركة سوية، نحو الاستثمار في الزراعة والصناعة والتجارة والبحث والتأليف والابتكار والابداع والاختراع مما نثق في وعد الله تبارك وتعالى الذي قال: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف: 96) إنه ليس قطرات من البركات بل فتوحات من هذه البركات، وليست من الأرض دون السماء بل من السماء والأرض. إنني أدعو كل مصري وعربي بل كل مسلم في أرض الله أن يتجه إلى إدراك طاقته الداخلية وموارده الخارجية التي من الله بها عليه، وأن يوظفها في مشروع صغير أو كبير حسب ما أنعم الله عليه لننتقل إلى ميدان العمل كما قال الإمام الشهيد حسن البنا: إن ميدان القول غير ميدان العمل، وإن ميدان العمل غير ميدان الجهاد، وإن ميدان الجهاد الحق غير ميدان جهاد الباطل، فلتبدأ المشاريع أفرادا ومجموعات، وسوف نسعى بكل جهدنا إلى تذليل كل العقبات أمام الشباب والفتيات والرجال والنساء المسلمين وغير المسلمين لنصنع في كل بلد سلاما اجتماعيا نؤدي فيه حقوق المواطنة الأربعة وهي للناس رعاية وللأرض عمارة، وللقانون طاعة، وللسلطة "الشرعية" معاونة، فيما لا يخالف شرعا ثم نثق تمام اليقين أن رب العالمين لن يخذلنا وهو سبحانه الذي وعد ولا مخلف لوعده، ومن أوفى بعهده من الله، حيث قال سبحانه مخاطبا المؤمنين في كل مكان وزمان: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55). (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا) (الإسراء: من الآية 51).

1673

| 30 أكتوبر 2014

بين هجرة الدعاة والبغاة

هجرة الدعاة رحمة للعالمين: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"(الأنبياء:107)، وهجرة البغاة لعنة على أهل الأرض أجمعين: "وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ"..(البقرة: 205)، هجرة الدعاة إحياء لموات القلوب:"اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"..(الأنفال:24)، وهجرة البغاة قتل الشرفاء، وهتك الأعراض، وسلب الأراضي، هجرة الدعاة قيادة الناس من عقولهم وقلوبهم نحو الهداية والرشاد، أما هجرة البغاة فقيادة الناس بالسلاسل والحديد والنار والسيف البتار نحو الغواية والفساد والقهر والاستعباد، الدعاة يهاجرون من أرضهم ليعمروا أرضًا أخرى بنور الله تعالى يحركهم قوله تعالى: "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ"..(الأنعام: 122)، أما البغاة فيهاجرون من أرضهم كي يلتهموا أرضًا أخرى يحركهم الشيطان والهوى كما قال تعالى: "إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ."..(ص:23-24)، الدعاة أينما تحركوا يخافون الله ويلتزمون الأخلاق الراقية عاملين بقوله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" "إسناده صحيح أو حسن"، أما البغاة فيلتزمون قِيم مجتمعهم فإذا خرجوا لغيره عاثوا في الأرض فسادًا مثل "الفويسقة" تضرم على أهل البيت بيتهم، وهي الفأرة لا تخرج من جحرها إلا للإفساد، حركة الدعاة هي ترويض عباد الله ليعبدوا ربهم ويحسنوا إلى خلقه ويعمروا دنياهم ويصلحوا آخرتهم، أما حركة البغاة فهي إذلال عباد الله تعالى، وتخريب أخلاقهم، وتدمير منشآتهم، وإفساد آخرتهم. أرقى مثال لهجرة الدعاة ما تحرك به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه إلى المدينة ثم إلى الشام ومصر والعراق والهند والسند وبلاد ما وراء النهر وبلاد المغرب العربي والأندلس والقسطنطينية، أما هجرة الأمريكان فهي قمة البغي والظلم والعدوان على الأبرياء، حيث جاء آباؤهم من أوروبا ليقتلوا أكثر من 150 مليون هندي، ويُبيدوا سكان أمريكا الأصليين، والآن تتحرك في العالم كأنه "عزبتها" الخاصة؛ تأمر وتنهي والعبيد يبادرون للاسترضاء أيهم ألين وأسرع للسيد المطاع، وينهبون البترول والمعادن النفيسة والعقول الفذة ويسيطرون على منافذ الدول، ويُلقون الحِمم على الأبرياء والمساجد في أفغانستان والباكستان و..، ويدعمون فريقي الصراع في العراق واليمن و... ولو وقفنا أمام هجرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وتقديره لأبناء يثرب بكل طوائفهم فآخى بين الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار وعاهد يهود بني قينقاع والنضير وقريظة، فلما نقضت بنو قينقاع عهدها حاربها وحدها لبغيها ولم يمس بقية قبائل اليهود، حتى إذا عاود يهود بني النضير نزقهم وبغيهم، وهمَّوا باغتيال النبي صلى الله عليه وسلم حاربهم وحدهم دون مساس ببني قريظة أبناء ملتهم، فلما غدرت بنو قريظة بالمسلمين وتحالفوا مع المشركين قتلهم عن بكرة أبيهم، فكان العدل ميزان الحكم، والفضل خُلق الدولة الإسلامية، أما صهاينة اليهود فقد قذف بهم الغرب بين أحشاء العرب ليصنعوا مغصًا دائمًا، وسرطانًا قاتلاً، ووباءً ماحقًا؛ فقتلوا وجرحوا وأسروا ودمروا ونهبوا، ويسعون بكل حماقة وجدية إلى تهويد القدس، وهدم المسجد الأقصى، وطرد العائلات من بيوتهم في وضح النهار وظلمة الليل في بغي منقطع النظير، ومساندة مفتوحة ومفضوحة من صاحب جائزة نوبل للسلام "يا سلام"، وصمت مشوب بالعمالة من أنظمة عديدة، وخيانات بالجملة ممن باعوا الأوطان للبغاة وحاربوا الأبطال الدعاة. ومع كل هذا البغي وتلكم المآسي فلا ييأسن مسلم أو مسلمة أبداً من انتقام الله تعالى من هؤلاء البغاة ونصرة الدعاة، ولابد من اليقين أن للبغاة جميعاً يوم ينزل فيه سوط عذاب، وأشد عقاب وسيبقى الدعاة في حفظ من الله كما حفظ نوحًا ولوطًا وموسى ومحمدًا ومن آمن وهاجر معهم: "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" (الشعراء:227)، فلنكن بحق دعاة ولننتظر وعيد الله في البغاة: "وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ" (الأعراف:183).

781

| 22 أكتوبر 2014

بين عالمي الغيب والشهادة

عالم الشهادة في المشهد المصري اليوم مزري وموجع ومؤرق، وعالم الغيب مع الأمل والعمل لله مثمر ومزهر ومورق، عالم الشهادة فيه استماتة واحتيال بالجملة بالاستبداد السياسي والفساد المالي والتحلل الأخلاقي والتخلف الحضاري، وعالم الغيب فيه تدبير آخر يقول فيه رب العزة سبحانه: "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ" (الأنعام: من الآية 59)، ومن يدير مصر ليس السيسي الذي يحمل كل خصائص النظام البائد من كبر وعنجهية وظلم وطغيان، بل الذي يدير العالم هو الملك سبحانه فهو وحده الذي يعلم حقيقة ما يجري وما سيجري في عالمي الغيب والشهادة؛ لأنه الكبير المتعال الذي قال عن نفسه سبحانه: "عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ" (الرعد:9)، فنحن الفقراء إلى الله، الموقنون بنصر الله لأنا لا نحمل إلا الخير لعباد الله، بل لخلق الله، لأن ربنا سبحانه استعمرنا في هذه الأرض، لكن الانقلابيين والظالمين في عالم الشهادة قد طغوا وبغوا وأكثروا في الأرض الفساد، ومزَّقوا علائقنا إلا مع الكيان الصهيوني المحتل فقد جيَّر له كل خيرات مصر وحرم أهلها وأهلنا بغزة، وأشرف معهم على ضرب غزة وقتلِ أطفالنا ونسائنا ورجالنا وعلمائنا ومساجدنا ومدارسنا، وهو إلى اليوم يجيع أهلنا في غزة ويحرمهم من الوقود والسولار ولقمة الغذاء، وعلبة الدواء، ويقدم للكيان الصهيوني الغاز والبترول، وكان ولا يزال الصديق الحميم للمجرمين من قادة الصهاينة، لكن هذا المكر السيء في عالم الغيب يقابله المكر الإلهي كما جاء في قوله تعالى: "وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ" (إبراهيم:46-47)، وقال تعالى: "وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ" (فاطر: من الآية43)، فهو سبحانه عزيز على المجرمين رحيم بالمؤمنين، وأشهد الله أنني مع جولاتي في أرض الله تعالى من شرقها لغربها وشمالها لجنوبها لم أجد مثل أهل مصر إيمانا ويقينا وعزما وتصميما، ورجولة وتضحية، وصبرا ودأبا، وحمية وغيرة، وعلما وخلقا، وهؤلاء سيرحمهم الله من هذا الكيد الرهيب، والمكر الشديد المستند إلى الخارج اللدود، لكن علام الغيوب لن يرضى لمصر وأهلها بعد كل هذه التضحيات، والدماء والجراح، والرقي الحضاري في ثورتهم أن يمكنَّ للانقلابيين وفلول وأزلام النظام اللعين الذي يحكمنا بالحديد والنار والسيف البتار، لأن قوة الملك الجبار هي التي ستذل هؤلاء الأشرار، كما توعدهم بقوله سبحانه: "وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" (إبراهيم: 15).ونحن بحاجة قبل أي وقت مضى إلى فقه القلوب في الانتقال من الغفلة إلى استحضار القلب، ومنه إلى حضور القلب، بمعنى أن نكون أصحاب قلوب حية بذكر الله عز وجل؛ سعيا إلى درجات المقربين، وتعافيا من مقام أصحاب الشمال، وعدم الوقوف عند مقام أصحاب اليمين، وفيما يلي بعض المعالم التربوية والدعوية التي تعيننا على ذلك:1. نحن بمسيس الحاجة أن نتضرع إلى الله لمصر وأمتنا بدعاء الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان يطيل التضرع بقوله: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" رواه مسلم، وأن نحسن التضرع والدعاء والقنوت والإخبات خاصة مع الأدعية التي تناسب حالة القلق والتردد وكثرة الآراء واختلاط المفاهيم وانتشار الفتن. 2. أن نطيل الركوع والسجود قصداً، مع زيادة مصحوبة بالإيمان والاحتساب لعدد التسبيحات " سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى"، و"سبوح قدوس رب الملائكة والروح"، واستشعار أن الهويّ إلى السجود هو عين الارتقاء إلى ربنا الودود، ويحسن أن نقرر أن كل يوم فيه عدد وتري من التسبيحات، كأن تقول أسبح اليوم ثلاثا ثلاثا، أو خمسا خمسا، أو سبعا سبعا، وذلك حتى لا تتحول العبادات إلى عادات، مع حضور القلب، لأن السجود قمته في قوله تعالى: "واسجد واقترب" (العلق:19). ويحسن أن نطيل الدعاء أن يستعملنا الله في التمكين لدينه وإعلاء كلمته في مصر والعالم كله.3. أن نصوم يوما كل أسبوع ونبتهل لله عند الإفطار أن يحرر مصر وبلاد المسلمين من أعداء الدين، للحديث الذي أورده السيوطي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل، و الصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله تعالى فوق الغمام، و تفتح لها أبواب السماء، و يقول الرب تبارك و تعالى : وعزتي لأنصرنك و لو بعد حين" (حديث حسن)، والصيام والدعاء هنا زاد تربوي مهم في هذه الأوقات، وضمان من الجبار سبحانه باستجابة الدعاء.4. أن نجيد إرجاع البصر كرتين، تدبرا وتفكرا في النفس والكون، والانتقال من مرحلة كفر النعم أي جحودها "إن الإنسان لكفور" (الزخرف:15) إلى مرحلة الشكر، وهو من يشكر الله على نعم يدركها لقوله تعالى:"لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" (إبراهيم: 7)، ومنها إلى مرحلة "الحامدين" الذين يحمدون الله في السراء والضراء، ويرون أن العطاء من العبد حرمان، وأن المنع من الله إحسان، ويستشعرون بقلوبهم وعقولهم معا: "إذا رُزق العبد الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء"، فإذا كان ثمت توفيق فهو من الله وحده لقوله تعالى: "وما بكم من نعمة فمن الله" (النحل: 53)، وإن كان غير ذلك فمن ذنوبنا وتقصيرنا، ونستغفر الله من ذلك.5. التجرد من الحول والطول، والقوة والغنى، والعدد والعدة، فنبذل أقصى جهدنا في تحقيق أحسن الأسباب، ونكِل النتائج كلها إلى رب الأرباب، ولا ندع طريقا إلى خير بلدنا وأمتنا إلا سلكناه، و نرضى عن الله تعالى فيما يقدره، مستعينين بالله تعالى ذي القوة المتين، وذي الجلال والإكرام، الذي بيده ملكوت كل شيء، ولا يجري في ملكه شيء لا يريده، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فنعيش مقام "إياك نعبد وإياك نستعين" (الفاتحة: 5) بأن تتضاءل في عقولنا كل قوى الأرض أمام قوة الملك التي لا تقهر، وقوة المنهج الذي لا يتغير، وتتصاغر كل الموازين سوى مقام الله العزيز الحكيم الذي يحكم ما يريد، وهو سبحانه "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض" (السجدة: 5) و"يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون" (الرعد: 2)، فإن أجرى الله على أيدينا من العزة والقوة والتمكين لهذا الدين رعاية للناس وعمارة للأرض فهذا من فضل الله علينا ليبلونا أنشكر أم نكفر؟ وإن صرف عنا شيئا فنعود لأنفسنا مصححين، وعلى ربنا متوكلين، وبه وحده سبحانه نستعين، ونستمر في عطائنا حتى يأتينا اليقين، وتقر أعيننا برضا الله وجنات النعيم.6. بث رسالة الأمل – بالرغم من الألم - قبل العمل حيث إن علام الغيوم وعد المؤمنين العاملين الصابرين ألا يضيع أجرهم، ونكثر من النصوص الدالة على وعد الله بالنصر والعزة والكرامة ، وأنه سبحانه يقهر ولا يُقهر، وأنه سبحانه غالب على أمره، وأنه سيمنُّ على أهل مصر بخير كثير ويزيل عنها الغمة إذا وثقنا في قدرته ووعده سبحانه وبذلنا أقصى جهدنا، كما منَّ على المستضعفين في قصص القرآن وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكما نهضت دول مثل اليابان وماليزيا وتركيا والبرازيل وجنوب افريقيا وغيرها، وقد كانت تعاني جميعا مثلما نعاني نحن الآن من المتآمرين في الخارج والفلول في الداخل.فيا قومي من أهل مصر لا تركنوا إلى تلبيس وتدليس عالم الشهادة، وأيقنوا – مع الأمل والعمل – أن علام الغيوب لن يقدر لمصرنا إلا كل خير فهو القائل سبحانه: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (الروم: من الآية47) بل أسألكم بالله!!! هل يوجد خطاب طمأنة لأهل مصر ومحبي مصر آكد من وعد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.قوموا – لأجل مصر وأمتنا - بالليل تذللا وتضرعا، وتحركوا - لأجل مصر وأمتنا - بالنهار فريضة وتطوعا. وثقوا في قوله تعالى: "أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة: من الآية214).

1884

| 15 أكتوبر 2014

إمامة الناس بين إبراهيم الخليل وأمة المسلمين اليوم (1)

في هذا الوقت الذي يمر به العالم الآن بأحداث جسام تدع الحليم حيران حيث تراجعت الأيدلوجيات، وعادت الأديان, يبحث الناس أكثر من أي وقت مضى عن إمامة وقيادة للعالم من جديد. وتأتي فرحة عيد الأضحى بمقاصدها الإيمانية والأخلاقية والحضارية لتذكِّرنا بدورنا في استعادة الإمامة والقيادة والريادة لتحقيق مراد الله تعالى في آخر سورة الحج بما يعبِّر أن هذا هو المقصد الأسمى من هذه العبادة العظيمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:77-78).و الآن نحن من شعيرة عيد الأضحى نستعيد إمامتنا للناس، من خلال إمامة إبراهيم الخليل كما قال الله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124).و نريد أن نتعرف إلى سر هذه الإمامة وجوانبها، فسرُّها هو التضحية، وجوانبها هي الثلاثة التالية:1- سمو العلاقة مع الله.2- رقي العلاقة مع الأسرة.3- المسئولية عن إصلاح المجتمع والسلطة السياسية.و نعتقد أنه لن تكون هناك إمامة بدون هذه التضحية، والعلاقات الثلاث: (الله – الأسرة – المجتمع).والآن نعيش معا في مقاصد عيد الأضحى لنرى كيف تكون التضحية والتوازن سبيلا نحو إمامة الناس وإصلاح معاشهم ومعادهم. أولا: سمو العلاقة مع الله تعالى:وهي تظهر من خلال التقرب إلى الله بالعبادة والدعاء, لقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النحل: 120-121)، ووصل إلى أن صار خليل الله كما قال تعالى: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) (النساء: من الآية 125)، ورفع القواعد من البيت وكان ماهرا في حسن التضرع إلى الله تعالى كما جاء في سورة إبراهيم، وقد تدرج في الإيمان في طلب المزيد والاطمئنان عندما طلب من الله أن يريه كيف يحيي الموتى، وهنا أحب أن أؤكد أن هذا الحب لله جعله يقوم بالتضحية لله مستعذبا كل شيء ولو كان ذبح ولده لأن ذلك يرضي الله ويقبل أن يودع في النار دفاعا عن وحدانية الله، وما أحوجنا اليوم إلى هذه الربانية الصافية، والتزكية الراقية، والنفس المطمئنة الراضية التي تُنادى يوم القيامة بنداء الله الذي يحب عباده كما جاء في قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) (الفجر: 27-29)، فمن منا لا يريد الأمان مع الإيمان والاطمئنان مع الإحسان، ونيل أعلى الجنان بجوار الرحمن؟!.وهنا نريد أن نؤكد أن زحام الأحداث، وتلاحق الأزمات لا يجوز أن يشغلنا عن عمارة المساجد، وجولات التفكر في الكون والتدبر في القرآن، والتضرع للرحمن، والذكر النابع من أعماق القلب والوجدان، وسخاء العين بالذلة والبكاء، والقلب بالخوف والرجاء، واليد بالبذل والعطاء. ثانيًا: رقي العلاقة مع الأسرة: ولا يمكن أن تكون الإمامة إلا بحبل من الله وحبل من الناس، وأول الناس الذين يستحقون عنايتنا ورعايتنا هم الأب والأم والزوجة والولد، وأن يتقدم كل فرد إذا أراد الإمامة والريادة أن يتعلم فقه التضحية لأسرته وليس منطق النفعية من الأسرة، كما يسري اليوم بين الأجيال التي تشربت من المادية الغربية. ولو حاولنا أن نتعرف على سر الإمامة هنا فهي التضحية لأجل الأسرة من خلال ما يلي:1- رقي التعامل مع أبيه مع كفره، وتحمله الأذى كي ينقذه من النار كما جاء في قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) (مريم: 42-45)، ومع جنوح الوالد وغلظته وشدته فقد حفظ له حقه، واحتمل كي يقدِّم النوذج لأن سيد القوم لا ينسى الحقوق في الرضا والغضب، ولعل في نموذج سيدنا إبراهيم ما يوجب أن نستدعي التضحية لأجل صناعة السلام الاجتماعي مهما اختلفت الديانة، ونحن بمصر أمامنا مشوار لابد من السير فيه، وهو وأد الفتنة الطائفية واستعادة النسيج الاجتماعي القوي مع غير المسلمين مستهدين بملة إبراهيم عليه السلام لقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) (البقرة: من الآية 130). 2- رقي التعامل مع زوجته سارة حتى إنها لتضحي بمشاعر الأنثى الفطرية فتزوج زوجها كي يسعد بالولد الذي ترتجيه كل فطرة سوية، ولما حملت ورُزق الولد بعد كبر سنه، ضحى بوجود زوجته وولده إسماعيل في حضنه وموضع نظره فحافظ على مشاعر زوجته سارة التي غارت من هاجر فحفظ لها الجميل، وقبِل أمر الجليل أن يُسكن من زوجه وذريته بواد غير ذي زرع عند بيته المحرم، ولما قبلا معا الزوج والزوجة هذه التضحية بنفس راضية نبع الماء سقاء وغذاء ودواء وقبول دعاء إلى يوم القيامة؛ لتنعم الأمة بزمزم، وتطوف بين الصفا والمروة للتذكير بالسعي توكلا لا تواكلا، وعملا لا تكاسلا، وإنتاجا لا استهلاكا.3- علاقته بأولاده فسيدنا إبراهيم يعرف أصول التربية الحقيقة اعتقادا وتطبيقا، كما قال الله تعالى: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم: 37)، فالتربية الإيمانية لأولادنا أولا من خلال: "ليُقِيمُوا الصَّلَاةَ" ، واجتماعيا ثانيا مع ذوي القلوب الحية والصدور السليمة لأن الإنسان مدني بطبعه إما أن يصاحب الأخيار أو الأشرار، ثم تطبيقا من خلال اصطحاب ولده إلى البيت الحرام وإشراكه في رفع القواعد والدعاء معا كما قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة: 127-128).ولما أمر بذبح ولده لم يأت له من خلفه أو عند نومه ليذبحه دون استشارة وحوار مع ولده كما صوَّره القرآن في قوله تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (الصافات: من الآية 102-107).ومن هذه القصة من التضحية الأسرية العظيمة كان عيد الأضحى ليذكِّر بأسرة تتعاون معا لأعلى درجات التضحية لأجل الحفاظ على مقام المقربين إلى الله والمحسنين مع عباد الله. ونحن ندعو كل أب أن يكون حواره مع أولاده مثل حوار سيدنا إبراهيم مع ولده إسماعيل، وأن يكون أدب السمع والطاعة للأبوين في الخير مثل سيدنا إبراهيم وإسماعيل؛ لننعم بالسعادة والريادة معا، والشهادة والقيادة، والإمامة والريادة.ونحن نحتاج هذه التضحية والتوازن في هذا الوقت الحرج الذي يتهدد فيه استقرار الأسرة بتكاليف الحياة المادية، وتنشغل بتحصيل الكماليات وكثرة الرغبات والشهوات، وتربية ولد واحد إيمانيا وأخلاقيا وعلميا، ولن تتحقق ريادة وإمامة إلا بتمثل الصفات الإيمانية والأخلاقية، وإلا فقد نفى القرآن التوريت في تحمل الأمانة والقيادة بمجرد النسب، بل باستكمال المكارم الأخلاقية كما قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة:124).ثالثاً: المسئولية عن إصلاح المجتمع والسلطة السياسية:في الأمة من كانوا ولا يزالون سببا في تأخر الإمامة للناس عندما يلتفت بعض المتدينن إلى علاقتهم بالله ثم بالأسرة، ويغلق على نفسه باب الإصلاح الاجتماعي والسياسي لأنهم رضوا بالخلوة دون الجولة، وتفرغوا للأسرة دون الأمة، وهنا نجد نموذج سيدنا إبراهيم يشدنا إلى الريادة والقيادة من خلال عنايته الفائقة بإصلاح مجتمعه والنظام السياسي وقتئذ، ومن الشواهد على ذلك ما يلي: 1- لقد جعل سيدنا إبراهيم بيته قبلة للناس واستقبل الضيفان بأحسن ما يلقى به إنسان ضيفه، كما قال تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) (الذاريات: 24-27)، وانشغل بإصلاح قومه سواء كانوا عُبَّادا للأصنام أم للكواكب، وقبِل أن يضحي بحياته من أجل انقاذ قومه من النار، لكنهم عادوه ووضعوه في النار، وهذه أعظم تضحية لأجل إصلاح المجتمع بأن يقبل الإنسان التضحية بسلامته وحياته لله فيحفظه كما حفظ رسالته، كما قال تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69). وهكذا الدعاة الذين عمدوا لإصلاح مجتمعهم فكافأتهم السلطة السابقة بالقهر والاستبداد والسجون والمعتقلات، والإقصاء والإبعاد وها هم يعيشون في برد الحرية وسلامة العدالة.2- كان سيدنا إبراهيم شجاعا عندما تقدم إلى النظام السياسي وحاجج رأس السلطة "النمروذ" حجاجا طويلا تعبر عنه المدود في قراءة الكلمات " وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان"، حتى بُهِت الذي كفر، ليكون درسا لنا اليوم في المشاركة السياسية، والانتخابات النيابية والمجالس الشورية، والاتحادات الطلابية، والنقابات المهنية، مع أعلى درجات التضحية لأجل البلاغ وفق أصوله الشرعية، وتخليص الأمة من التبعية الغربية.و في هذه المرحلة لا يمكن للفرد في هذا المجتمع المتواصل الأطراف أن يحقق الإيمان دون أن يؤثر في المجتمع ويتأثر به، كما لا يصح أن يهتم بالمجتمع دون السلطة السياسية، فلابد أن يكون مشروع الإصلاح شاملا كل الجوانب الإنسانية سواء فردية أو أسرية أو اجتماعية أوسياسية، مع شرط جوهري وهو الاستعداد للتضحية من أجل الرسالة، والحفاظ على التكامل والتوازن بين جميع الإنسانية.و لابد أن تتكامل هذه الحلقات الثلاثة، وتتوازن وإلا فلن تتحقق الإمامة.أما روح كل هذه العناصر فهي التضحية:ونحن نحتاج إليها الآن فلا يوجد نصر بلا دماء، ولا تمكين بغير ابتلاء، ولا سعة بغير ضيق، وهذه التضحية هي المرحلة الفاصلة قبل التمكين ومن خلالها يتم التمحيص وتنقية السائرين على الطريق.فلو أردنا الخير لبلادنا من خلال فرحة عيد الأضحى فلابد من التأسي بسيدنا إبراهيم عليه السلام، في استصحاب التضحية، مع إكمال جوانب الالتزام فردا وأُسَرا ومجتمعا ونظما سياسية؛ تمهيدا للانتقال إلى العالمية وفق النصوص القرآنية، والسنة النبوية.فإلى الأضحية ومنها إلى التضحية لإسعاد البشرية.والله ولي التوفيق...

3492

| 01 أكتوبر 2014

بين حج الأمس واليوم

حجُّ الأمس كان نقلة نوعية نحو التمكين، وحج اليوم خطوة على طريق التوهين، في حج الأمس وقف النبي صلى الله عليه وسلم يهتف على جبل الرحمة: "أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد.."، وحج اليوم ربنا واحد لكن الواقع كأننا لسنا لأب واحد، فالحج الفاخر التطوعي قد يطعم آلاف الفقراء، وحمامات بعض الفنادق الفاخرة تكفي لإقامة عمارات لهؤلاء الغلابة الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ونجد الفوارق الطبقية بين أبناء الأمة كأن كل فئة تنتمي إلى عصر دون آخر، كالفرق بين العصر الحجري والذري، في حج الأمس على جبل الرحمة أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا، وبعد حج اليوم تنقسم الأمة إلى تيار متحلل يدفع المرأة إلى عصر "الجندر" و"البوي فرند" والخلاعة والمجون، وتيار العودة إلى الجاهلية الأولى في التحجر بمنع المرأة من أبسط حقوقها، في حج الأمس وعلى جبل الرحمة قال صلى الله عليه وسلم : "ألا إن ربا الجاهلية كله موضوع، وأول ربا أضعه تحت قدمي هاتين ربا العباس بن عبد المطلب"، أما حج اليوم فلا شئ يذكر في إنهاء هذا الربا حتى في أرض الرسالة.حج الأمس كانت أمة الإسلام دائما تحت قيادة واحدة مهما قويت أو ضعفت أمة الإسلام، لكن حج اليوم لا تجمع الدول الإسلامية رؤية واحدة، ولا مصالح متقاربة، ولا سوق إسلامية مشتركة، ولا ميثاق شرف للدفاع عن العرض والأرض والمقدسات. حج الأمس كان الأقصى حرا طليقا، وكان كثير من الحجاج يشدُّون الرحال في ذهابهم أو إيابهم إلى المسجد الأقصى، أما اليوم فثالث الحرمين وأولى القبلتين أسير يشكو إلى الله أمة تركته للصهاينة يحفرون الأنفاق تحته إلى ثمانين مترا تمهيدا لهدمه.حج الأمس كان يرتبط بالجهاد كما تنطق آيات سورة الحج والبقرة وآل عمران والأنفال والتوبة ومحمد، أما حج اليوم فشكل بلا مضمون وحج مع ذل وهوان، وفقر واستسلام، الحج كان فيه الإعلان على لسان بطل الإسلام علي بن أبي طالب: "لا يطوف بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان" ، أما حج اليوم فأنجاس المشركين يحكمون النقير والقطمير، الكبير والصغير "بالريموت كنترول" فلا يدخلون بأجسادهم المسجد الحرام لكن يحركون بمنهجهم وسلطتهم وإعلامهم واقتصادهم أمة الإسلام، ولطخوا بيوتنا وفنادقنا حتى في مكة والمدينة بأفلام وفنون تنشر العري والفجور في كل مكان، حج الأمس كان يُعلن: (فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (التوبة:9)، وأثناء حج اليوم يُقتَّل ويُشرَّد إخواننا في غزة هاشم، وفلسطين الأقصى، وعراق الحضارة، ويمن العراقة، وأفغانستان الأصالة، وسوريا البسالة، ويؤسر ويسجن خيرة أبنائنا في سجون الكيان الصهيوني، والقهر المصري، و....، وقد قعد الأعداء منا كل مرصد، يتجسسون من خلال الأقمار الصناعية، والهواتف الخلوية، والحسابات البنكية، حتى على المحادثات الزوجية، ولو شاؤوا لعدوا الأنفاس القلبية، وأمة الإسلام ما زلت تُغَنِّي: " يا امه القمر على الباب، يا امه أناديله ولاَّ أسك الباب"!!أما متى يكون حج اليوم كالأمس؟! حينما يتحقق شكلا ومضمونا ما جاء في آخر سورة الحج تعبيرا عن مقاصده العليا: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ" (الحج: 77-78)، فمتى نحجُّ حقيقة لا شكلا؟!.لا أدري لماذا تخيلت يوما يأبى فيه الحجاج أن يرجعوا إلى ديارهم وأوطانهم ويقولون: "لقد آن لنا أن نجمع إلى الحج الجهاد كما أمر رب العباد؛ فيقطعون كل واد ليحرروا ثالث الحرمين وأولى القبلتين من شذاذ البلاد وقتلة الأنبياء صهاينة هذا الزمان، يومئذ فقط يكون قد التحم اليوم مع الأمس العريق.

640

| 25 سبتمبر 2014

مفارقات بين الحلم الكبير والصغير

الحلم هو أمل يتبعه عمل مهما كان الألم، الحلم يبدأ خيالا ويراه الناس هزالا ويراه صاحب الإيمان واقعا ينتظر وأملا يرتقب، الحلم هدف يسعى الإنسان لتحقيقه بكل ما أوتي من قوة حتى يستنفد كل طاقاته سعيا لهذا الحلم. الحلم هو دعاء بالليل من الرهبان الربانيين، وحركة دائبة بالنهار من الدعاة المصلحين، خاصة إذا كان هذا الحلم كبيرا يتوازى مع شرف وكرامة وقداسة ومكانة المسجد الأقصى، وللناس أحلام تضعف أو تتضاعف، تكبر أو تتصاغر، تنمو أو تتراجع، ولا أنسى عندما كنت أدرس اللغة الإنجليزية في جامعة أوهايو الأمريكية أن درسوا لنا قصة بعنوان: "My Big Dream" "حلمي الكبير" تحكي قصة شاب أمريكي يذهب كل يوم إلى المحلات الكبرى ينقض ما تم تصفيفه من البطيخ باحثا عن حلمه الكبير أن يأكل بطيخا إيطاليا، وقد احتال أحد مديري هذه المحلات على الشاب فقال له: تعال بعد 15 يوما وأنا أوفِّر لك البطيخ الإيطالي بعد عودتي من رحلتي إلى إيطاليا، ولم يذهب المدير إلى إيطاليا، بل احتال ووضع بطيخا من بين البطيخ في كرتون وكتب عليه "Made in Italy""صنع في إيطاليا"، وجاء الرجل بعد أسبوعين راغبا في تحقيق حلمه في أكل البطيخ الإيطالي فقدم له الكرتون المزيف؛ وقال له هذا هو حلمك يتحقق الآن، فطلب سكينا على الفور، وفتح الكرتون، وقطع البطيخة وأخذ قطعة منها في مشهد رومانسي، وقرب قطعة البطيخ من فمه "يخضم" البطيخ – والخضم هو أكل الأشياء اللينة وهو عكس القضم - وهو يقول: الآن تحقق حلمي الكبير، الآن أنا في الجنة! ""Now my big dream is achieved. I'm in paradise، ولم أجد تعليقا غير قوله تعالى: "ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" (الحج: من الآية73)، وطلبت من الأستاذة الأمريكية أن يكتب كل طالب منا عن حلمه الكبير، بدلا من هذه التفاهات التي تحولت إلى قصص تدرس بالمدارس والكليات والجامعات الأمريكية، وكتبتُ أحلاما عديدة منها أن أرى الإنسان - من أي دين - يعيش حرا أبيا لا يقهره أخوه الإنسان ولا يعضه الجوع، ولا يظلمه حاكم، ولا يقهره ظالم، ولا يطارده دائن، ولا يخدعه خادع، وجعلت حلمي الكبير تحرير الأقصى الأسير، ويا له من حلم سال له مدمعي، وتجافى له مضجعي، وتشوف له مسمعي، وأبذل له كل ما عندي أو معي؛ كي نطوي صفحة البغي والعدوان، والظلم والطغيان، الذي يقوم به بنو صهيون على أقصانا الأسير وإخواننا وأخواتنا وأطفالنا من أبناء فلسطين، وصدق المتنبي إذ يقول:عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُوَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُلم يكن يوما ما من أحلامي أن أطعم لقمة سائغة، أو أرزق بيتا فسيحا، أو فراشا وثيرا، أو رصيدا كبيرا، أو مركبا سريعا، أو منصبا رفيعا، بل يسيطر عليَّ هذا الحلم الكبير أن أكون قائد جيش التحرير للأقصى الأسير؛ لنُري الله تعالى منا صدق المخلصين، وعزم المجاهدين، وثبات المرابطين، وقنوت الربانيين، وحركة المصلحين، وإبداع السابقين، مع اتباع القرآن العظيم، والنبي الصادق الوعد الأمين.إنني أستحث ذوي الأحلام "الحقيرة" أو الصغيرة أن يعدلوا إلى الأحلام العظيمة أو الكبيرة، وهي أحلام تُذكر في السماء، وتسجل في التاريخ، وليس مثل الأحلام الحقيرة التي تُطوى مع الهوى وتدفن مع اللحظة الأولى.إنني أستحث كل مخلص ومخلصة، صادق وصادقة، داع وداعية، أن يوسِّع حلمه، وأن يعظِّم أمله، وقد ضمن الله لنا أمرين لم يعطهما لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لحاكم طاغ، أو شيطان مارد، وهما: الرزق والأجل، فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر كبير، وقد قال الشاعر:وإذا لم يكن من الموت بدٌّ فمن العار أن تموت جبانافلتعش الحلم الكبير، ولتبذل له النقير والقطمير، والقليل والكثير، غير عابئ بعدد أو عدة لعدو لدود من الصهاينة اليهود، وأنصارهم من بني صليب أو الملاحدة والزنادقة وذلك لقوله تعالى: "ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ" (محمد:11)، فهل يخشى أولياء الله من أولياء الشيطان؟!أقول لكل إخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي كونوا - بالله عليكم - أصحاب كرامة في العقل والقلب والإرادة والحلم الكبير، فحقائق اليوم هي أحلام الأمس، وحلمنا الكبير اليوم هو عين الواقع غدا، وبإذن الله تشرق الشمس على الأقصى محرَّرا.

967

| 10 سبتمبر 2014

بين ما استطعتم وما لا تستطيعون أيها الانقلابيون (2)

ما كل ما يتمناه الإنسان يدركه، فهناك القليل الذي يستطيعه الطغاة، والكثير الغفير مما لا يستطيعونه؛ لأنه ببساطة بيد الله الواحد القهار ومن ذلك نستكمل الجزء الثاني لما عرضناه في الحلقة الأولى: 15. استطاعوا استمالة وإغراء شياطين علماء السلطة وعملاء الشرطة، لكن لا يستطيعون أن يمنعوا عنهم لعنة الله في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة:159).16. استطاعوا الركون على الأوامر العليا من سادتهم السيسي والصهيو أمريكان، وأولياء نعمتهم في الخليج، لكن لن يستطيعوا جوابا عندما يصرخون: (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) (الأحزاب: من الآية 67 و68)، فيأتي الجواب قطعيا: (لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) (الأعراف: من الآية 38)، حتى الشيطان سيتبرأ منهم، قال تعالى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أم صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمر إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (إبراهيم:21-22).17. استطاع الضباط والجنود أن يختالوا بأنواع السلاح والعتاد، وأن يتحركوا في كبر وخيلاء أمام السلميين، لكنهم لا يستطيعون أن يمنعوا من في قلبه ذرة كبر من دخول النار: (لا يدخلُ الجنَّةَ مَن كان في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ من كِبرٍ) رواه مسلم، وقال تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) (النساء: من الآية173)، وقوله تعالى: (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) (الأحقاف: من الآية20)، وقوله تعالى: (مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأعراف: من الآية48).18. استطاع الإعلام تشويه وتلطيخ صورة الشرفاء، وتجميل وجوه الفلول والخونة والقتلة، وجعلوا من البلاك لوك مواطنين شرفاء، والبلطجية أهالي، والصهاينة جيران، والنبي صلى الله عليه وسلم وصّى على سابع جار، ويكون أمثال عكاشة ولميس وعائلة أديب، و.... نجوما على الشاشة بالليل والنهار، وكانوا كما قال تعالى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(الواقعة:82)، حتى صار شعارهم عكس كرام العرب "أخشى أن تؤثر عني العرب أني كذبت مرة"، لكنهم لن يستطيعوا دفع وعيد الله لهم عشرات المرات: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (المرسلات:15)، وقوله تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (الزمر:60)، وما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (...، وإنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ، لا يُلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنَّمَ) ولا يستطيعون أيضا أن يملكوا قلوب الناس مهما زيفوا وشوهوا عقولهم فحتى الرسول صلى الله علي وسلم قال له ربه: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56)، وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ قلوبَ بَني آدمَ كلَّها بينَ إصبَعينِ من أصابعِ الرَّحمنِ كقَلبِ واحِدٍ، يصرِفُهُ حيثُ يشاءُ، ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: اللَّهمَّ مُصرِّفَ القلوبِ صرِّف قلوبَنا على طاعتِكَ، وفي النهاية لن يستطيعوا أن يقفوا أمام إرادة الله: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) (الرعد: من الآية 17).19. استطاعوا أن يسلبوا كل خزائن مصر، وأن ينهبوا خيراتها وعرق أبنائها، وأن يأخذوا عمولة الانقلاب والقتل والحرق والاعتقال والتشويه من حرامية الخليج، لكنهم لن يستطيعوا أن يمنعوا عنهم قوله تعالى: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:35)، وقوله تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة:55)، وما أورده الترمذي صحيحا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّهُ لا يربو لحمٌ نبتَ من سحتٍ إلَّا كانتِ النَّارُ أولى بِهِ).20. استطاعوا أن يختلسوا أموال المعتقلين وأرصدتهم، ويهدموا ويحطموا بيوتهم وشركاتهم، لكنهم قطعا لا يستطيعون إغلاق: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات: 22)، ولن يمنعوا هداية وتفوق أولادهم وصلابة وعفة نسائهم، لأن الله يرعاهم، والشيطان يرعي بيوتهم.21. استطاعوا اقتحام البيوت، وتفتيشها تفتيشا دقيقا، لكنهم لن يستطيعوا أن يمنعوا أن تحدِّث عنهم يوم القيامة، لقوله تعالى عن الأرض شاهدة: "يومئذ تحدث أخبارها، بأن ربك أوحى لها" (الزلزلة:4،5)، ولن يستطيعوا أن يمنعوا عن بيوتهم الفيروسات والميكروبات والشياطين، وسيحرمون البركة في أي شيء في بيوتهم، بل وستلعنهم كل ذرة من ذرات بيوتهم، بينما سجينهم ينام قرير العين في زنزانته الصغيرة منتظرا قوله تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق: من الآية 7).22. قد يملكون سلاح الطيران والآلي والأربيجيه والخرطوش، لكن لا يستطيعون امتلاك سلاح الإيمان وهو أقوى من آليات ومجنزرات المجرمين كما قال تعالى عن سحرة فرعون الذين تغيروا: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه: من الآية72و73)، ولا يستطيعون أن يغيروا العقائد بالإكراه، قال الشيخ القرضاوي: ضع في يدي القيد ألهب أضلعي بالسوط ضع عنقي على السكينلن تستطيع حصار فكري ساعة أو نزع إيماني ونور يقيني فالنور في قلبي، وقلبي في يدي ربي وربي ناصري ومعينيإن كان بعضكم لا يؤمن أن هناك سؤال القبر والملكين والبعث والنشور والحشر والنشر وتطاير الكتب والصراط والميزان والجنة والنار فاعملوا شيئا واحدا: "قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (آل عمران: من الآية 168).يا قوم هناك قانون واحد هو قانون الله تعالى الذي "يحكم ما يريد"، و"بيده الملك وهو على كل شيء قدير"، "وإليه يرجع الأمر كله" علانيته وسره، وقانونه الأبدي: (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم: من الآية 47)، ونُشهد الله أنهم من عتاة الظالمين، بل أكابر مجرميها، ونثق في انتقام الله منهم ونصر المؤمنين، كما اختصر الصراع بين الحق والباطل أواخر سورة هود في قوله تعالى: (وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ* وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود:121-123).

1036

| 03 سبتمبر 2014

alsharq
جريمة صامتة.. الاتّجار بالمعرفة

نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...

6645

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
طيورٌ من حديد

المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...

2712

| 28 أكتوبر 2025

alsharq
المدرجات تبكي فراق الجماهير

كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...

2217

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة لا غنى عنها عند قادة العالم وصُناع القرار

جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...

1701

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
الدوحة عاصمة الرياضة العالمية

على مدى العقد الماضي أثبتت دولة قطر أنها...

1515

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
طال ليلك أيها الحاسد

نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...

1113

| 30 أكتوبر 2025

alsharq
التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح...

1035

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
حين يوقظك الموت قبل أن تموت

في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...

1032

| 29 أكتوبر 2025

alsharq
فاتورة الهواء التي أسقطت «أبو العبد» أرضًا

“أبو العبد” زلمة عصامي ربّى أبناءه الاثني عشر...

969

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
بين العلم والضمير

عندما تحول العلم من وسيلة لخدمة البشرية إلى...

867

| 26 أكتوبر 2025

alsharq
انخفاض معدلات المواليد في قطر

بينت إحصاءات حديثة أن دولة قطر شهدت على...

828

| 27 أكتوبر 2025

alsharq
من المسؤول؟

أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...

678

| 30 أكتوبر 2025

أخبار محلية