رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
العنوان أعلاه جزء من قول مأثور للفاروق عمر - رضي الله عنه - في نقاش حازم مع أحد ملوك الغساسنة وهو جبلة بن الأيهم، بعد حادثة لطمه لرجل من عوام بني فزارة أثناء الطواف بالبيت، ما أغضب الفزاري حتى اشتكاه إلى الخليفة العادل عمر، فبعث اليه وسأله: ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك في الطواف فهشمت أنفه؟ قال جبلة: لستُ ممن ينكر، أو يكتم شيئاً. أنا أدَّبتُ الفتى وأدركتُ حقي بيدي ! قال عمر: أيُّ حقّ يا ابن أيهم؟ يريد أن يقول عمر لجبلة بأن مثل هذه المفاهيم لا محل لها عنده، يُقهر المستضعف أو يُظلم.. هي جاهلية وأزحناها من حياتنا يا جبلة، والكل سواسية أمام شرع الله. * حديث الفاروق لم يعجب جبلة وكان صدمة أولى له. هذا الذي عاش ملكاً قبل الإسلام، ويريد أن يكون كذلك بعد الإسلام ملكاً يعامل الآخرين كالعبيد كما كان في جاهليته. ثم كانت الصدمة الثانية حين أصدر عمر حكماً للرجل الفزاري أن يقتص من الملك، حسب قانون العين بالعين والسن بالسن.. يلطمه الرجل ويهشم أنفه. قال جبلة: كيف ذاك يا أمير المؤمنين؟ هو سوقة وأنا صاحب تاج. إنني عندك أقوى وأعز. أنا مرتد إذا أكرهتني. قال عمر: «عالمٌ نبنيه، كل صدع فيه بشبا السيف يداوى، وأعـزٌّ الناس بالعبد بالصعلوك، تساوى». لم يستوعب جبلة ما كان يعنيه عمر. لم يفهم أن الإسلام ساوى بين الناس، وأنه لا فرق بينهم إلا بالتقوى. ولم يفهم أن الارتداد عن الدين يستوجب حداً شرعياً إن هو أقدم عليه.. فما كان من جبلة إلا أن طلب من عمر أن يمهله إلى الغد. حتى إذا انتصف الليل هرب نحو القسطنطينية حيث هرقل الروم، مرتداً عن دينه ! فلما أصبح الناس، طلبه الفاروق، فعلم أنه فر إلى حيث إمبراطور الروم. لكن عمر لم يهتم به ولا مسألة ارتداده عن الإسلام، حتى وإن كان ملكاً من ملوك العرب، واحتمالية ارتداده عن الدين أن تؤثر على ردة ألوف من قومه معه. * الفاروق رضي الله عنه يدرك ويوقن تمام اليقين أنه في فترة تأسيس وترسيخ قواعد العدالة في دولة فتية، وإن أي تهاون في ذلك أو تأجيل هدم قيم الجاهلية غير المتوافقة مع الدين الجديد، ومنها تعطيل العدالة لصالح كبراء وعلية القوم وإضاعة حقوق ضعاف المسلمين، إنما يعني بناء الدولة على أسس هشة غير صلبة، أو أشبه بتأسيس بنيان على جرف هار يوشك أن ينهار بالبنيان في أي لحظة. الدول تبقى وتستمر بالعدالة، بغض النظر عن دين أهلها ومعتقداتهم. يروى عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال:» الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، والله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة «. الدول تنهار حين يتم الإساءة إلى قيمة العدالة بالتهاون أو التغييب، والتي تعني فتح الباب واسعاً أمام تغول الظلم وانتشاره، مع ضمور تدريجي للقيم الفاضلة بالمجتمع، ولعل ما سمع العالم به قبل أيام من قيام الرئيس الأمريكي الصهيوني بايدن بإصدار عفو رئاسي عن خمسة أفراد من عائلته، رغم ثبوت قيامهم بجرائم مختلفة، هو نموذج للتلاعب بقيم العدالة، حيث أراد حمايتهم من أن يصبحوا هدفاً لتحقيقات اعتبرها ذات دوافع سياسية، وهو تبرير أقبح من الذنب، رغم وجود آخرين كثيرين أصابهم الظلم وهم أحق بالعفو. * ولمزيد من تأكيد التلاعب بالعدالة، أصدر قرارات بالعفو عن جميع المشرعين الذين كانوا أعضاء في لجنة الكونغرس المعنية بالتحقيق في اقتحام مبنى الكونغرس من جانب مؤيدي ترامب بعد خسارته السباق الرئاسي في 2021 ، خشية أن يلاحقهم الرئيس الجديد الذي ثار معلقاً على القرار بأنه مخز، وأن كثيرين من المستفيدين منه ارتكبوا جرائم كبرى، لكن الطريف أن ترامب نفسه وقّع في اليوم الأول من حكمه على عفو رئاسي عن أولئك المشاركين في اقتحام مقر الكونغرس، ما يشير إلى أن العدالة فعلياً بدت ضائعة، وخرج المحققون والمتهمون من القصة وضاعت القضية الأساسية في خضم هذا التلاعب، إلى جانب كثير من القيم التي كانت الولايات المتحدة تتفاخر بها على العالم، ضاعت أيضاً خلال العدوان على غزة دون كثير شروحات وتفصيلات، فالعالم رأى وعاين وشاهد، والأدلة متوفرة في كل مكان. * الشاهد من الحديث أن ما قام به الفاروق وهو يسير على درب حبيبه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وشدته في الاقتصاص للمظلوم من ظالمه، كان يريد أن يرسّخ في الأذهان وإلى يوم الدين، معنى أن يعيش الناس أحراراً آمنين مطمئنين، لا يظلمون ولا يُظلمون، وأنه لا ذات مصونة أمام القضاء أو الشرع. الكل أمام الشرع سواسية. لا يوجد أي سبب يدعو للتفاضل بين الناس في مسألة العدالة. لا منصب، ولا مال، ولا جاه، ولا حسب أو نسب. وهذا يفسر لك لماذا يخاف كثيرون أن يحكم الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، سواء كان الخائفون من أمة محمد أو من هم خارجها..
738
| 23 يناير 2025
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. حقيقة حياتية لا ريب فيها. والآية الكريمة إشارة واضحة إلى أن تغيير واقع ما نحو الأفضل، إنما يتطلب أولاً أن يقع التغيير في الذين يقومون على أمر ذلك الواقع، سواء كانوا على شكل أفراد أو على هيئة كيانات سياسية، إدارية، مالية أو غيرها. وبصورة أكثر وضوحاً، على شكل شركات، وزارات، دول، أمم وغيرها. يحكى أن ملكاً كان يحكم دولة واسعة جداً، وأراد هذا الملك القيام برحلة برية طويلة ذات يوم. وبعد أن قطع شوطاً في الرحلة، بدأ في رحلة الرجوع، وخلال العودة وجد أن قدميه تورمتا بسبب كثرة المشي في الطرق الوعرة، فأصدر أمراً يقضي بتغطية كل شوارع المملكة بالجلد ! لكن أحد المستشارين حوله، أشار عليه برأي آخر وجده أفضل مما ذكره الملك نفسه، وهو صناعة قطعة جلد صغيرة تكون تحت قدمي الملك فقط تمنع تورم قدميه. فارتاح الملك وأراح من كان حوله من عمل ضخم بلا جدوى، فكانت تلك الفكرة أيضاً بداية صناعة الأحذية - أعزكم الله. العبرة من القصة أنه إذا ما أردت أن تعيش سعيداً في هذه الحياة، فلا تحاول تغيير كل الحياة أو كل العالم، بل ابدأ مشروع التغيير في نفسك أولاً، وابذل جهدك عليه، ومن ثم ابدأ في تغيير ما حولك من بشر وحياة بقدر ما تستطيع. إن أراد نفرٌ تغيير واقع شركة مفلسة مثلاً، أو وزارة فوضوية أو حتى دولة متدهورة أحوالها، فلا بد أن يحدث التغيير أولاً فيمن سيقومون على أمر التغيير. سواء كان على شكل إعادة تأهيلهم وتدريبهم، أو حتى ابعادهم عن مواقع الإدارة والمسؤولية. ومن ثم يتم بعد ذلك تغيير الأنظمة والإجراءات والقوانين في تلك الكيانات. وهكذا، يكون أولئك النفر قد بدأوا الخطوات الأولى في تجسيد الآية أو أحد أبرز قوانين التغيير الحياتية ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ). تغيير الكيانات البشرية إلى الأفضل حسب هذا القانون، يتطلب أن تطول عمليات التغيير كل الفاسدين والظلمة، والمرجفين والمنافقين، وكذلك المستفيدين من أوضاع التردي وأشباههم كثير كثير. إن مثل هذه التغييرات لا يمكن تحقيقها بالأماني والأحلام. بل بعمل صحيح ووفق رؤى سليمة بعيدة، وعلى أيدٍ مخلصة أمينة، ترى التغيير هو الحل الأنجع والأنجح في تغيير واقع سلبي محبط كئيب، إلى واقع آخر مشرق إيجابي سعيد. التغيير لا يمكنه أن يكون فاعلاً واقعاً ذا تأثير عميق ما لم يكن ناتجاً عن رغبة عارمة جازمة حازمة، وفيما غير ذلك لن يكون القيام بالعملية التغييرية بالصورة المثالية من تلك التي ترى أثرها إيجابياً على الواقع المراد تغييره. إذن واحدة من شروط التغيير الأساسية أن يكون بناء على رغبة عارمة في إحداث التغيير. وكلمة عارمة تفيد هذا المعنى. أي أن تتكون لدى راغبي التغيير، نهمٌ وشغف بتغيير ما يرغبون في تغييره، بحيث لا يمكن أن يحول بينهم وبين التغيير حائل، أو يمنعهم مانع. بهذه الروح وبهذا التصميم وذاك الحزم، ستتغير الأمور والوقائع، لأن هذا هو المنطق السليم في التغيير كما بينته الآية الكريمة. نقطة البداية تكون من الداخل، سواء كانت على شكل أفراد أو لوائح وإجراءات أو أخلاقيات وقيم أو غيرها من عوامل التدهور والواقع السيء الذي عليه الكيان المراد تغييره، وتغيير ما يحيط به. ثم بعد ذلك ينتقل التغيير تدريجياً نحو الخارج أو المحيط.. ولنا في رسولنا الكريم الأسوة والقدوة الحسنة. لاحظ وبتوجيه إلهي، كيف بدأ تغيير واقع متكلس جاهل غارق في الظلم والفوضى، ونقله إلى واقع آخر بشكل مختلف تماماً. فهو صلى الله عليه وسلم بدأ بعملية التغيير من الداخل أولاً، فأنذر عشيرته الأقربين، وشرح لهم دعوته. هكذا بدأ بهم ثم توسع تدريجياً في اختيار من سيكون لهم أدوارهم المؤثرة قريباً في عملية تغيير واسعة شاملة، وهكذا تدريجياً خلال سنوات ثلاث حتى اكتملت العملية بفضل من الله، لتتواصل عمليات التغيير يوماً بعد آخر وتكتمل خلال ثلاثة وعشرين عاماً حافلة، ليأتي عليه الصلاة والسلام ويقرأ على أصحابه ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ). والله سبحانه كفيلٌ بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
639
| 16 يناير 2025
يحكى أن رجلاً ذهب إلى أحد العلماء، وشكا إليه فقره، فقال له العالم: أَيسُرُّكَ أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا قال العالم: أيسرك أنك أخرس ولك عشره آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا قال العالم: أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الرجل: لا قال العالم: أيسرك أنك مقطوع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفا؟ فقال الرجل: لا قال العالم، أما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك نعم بخمسين ألفا ؟! بالشكر تدوم النعم. هكذا تقول التجارب البشرية، وهي التجارب ذاتها تؤكد أن كفران النعم، سبب لزوالها. والإنسان بحسب طبيعته - كما قال السعدي في تفسيره «لا تسمح نفسه بما عليه من الحقوق، فتؤديها كاملة موفرة، بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليه من الحقوق المالية والبدنية، إلا من هداه الله وخرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق». أغلبنا ينظر إلى المفقود من النعم وإن كانت قليلة نادرة، ولا يشعر بالموجود، وهي كثيرة وافرة. ومن هنا يعاتب الله الناس أن أكثرهم غير شاكرين، غير حامدين، بل لنعمائه جاحدون! حاول أن تجلس إلى نفسك يوماً لتعد وتُحصي نعم الله عليك، سواء في بدنك، أو بيتك أو محيطك أو ما شئت من المجالات التي ترى فيها نعم الله عليك وعلى أحبائك. حاول أن تكتبها كي لا تنسى نعمة أو أخرى. ستجد في لحظات قليلة، قائمة طويلة عريضة تشكلت عندك، وفيها من نعم الله الكثير الكثير. وستجد أن نعم الله عليك فعلاً لا تُعد ولا تُحصى. ولكن لتكرارها حولنا أو اعتيادنا على وجودها في كل لحظات حياتنا، ننسى أنها من نعم الله التي يغرقنا الله بها رغم كل التقصير في حقه سبحانه. نعمٌ ظاهرة وباطنة، تستوجب شكراً دائماً أبدا. إنّ زيارة سريعة لعدد من المرضى في أي مستشفى، ستدفعك دفعاً وأنت خارج عنهم أن تشكره سبحانه في كل دقيقة وثانية.. تشكره على نعمة العافية لا يمكن لأحد أن يساوم عليها بملايين الدراهم والريالات أو الدولارات، وهي واحدة من نعم الله علينا وعليك. ألا تلاحظ معي أن الناس في لحظات معينة من حياتهم صارت تدفع ما تملك، لتسترد ما كانت تملك من صحة وعافية؟ نعمةٌ لا نشعر بها إلا حين تغيب عنا ولو للحظات. يقول ابن قيم الجوزية:» إظهار النعمة والتحدُّث بها من صفات المؤمنين الشاكرين، وأما أن يكتم المرء النعمة، ويُظهر أنه فاقد لها؛ إما بلسان الحال أو المقال، فهو كفرٌ لها، وهو من صفات الكافرين الجاحدين، وإنما سُمي الكافرُ كافراً؛ لأنه يغطي نعمة الله التي أسبغها عليه، ويجحدها ولا يقرُّ بها «. حين منّ الله على نبيه داود – عليه السلام – وآله، بأشكال وصور شتى من النعم التي لم توهب لغيرهم، قال لهم ( اعملوا آل داود شكرا )، ليس شكراً بترديد كلمات وأذكار فحسب، بل ذلكم الشكر الذي يكون بالقلب واللسان والجوارح. أما الشكر بالقلب فيكون عبر الاعتقاد الراسخ أن ما أنعم الله عليك، فإنما هو من فضله سبحانه (وما بكم من نعمة فمن الله) وأما باللسان فعبر الرضا والقناعة بما عندك، وفي الوقت ذاته تسأله سبحانه المزيد من فضله وكرمه. وأما الشكر بالجوارح فعبر استخدام نعم الله فيما يرضيه سبحانه لا ما يجلب غضبه. يروى عن أحد الصالحين أن الرجل إذا سلم على الرجل، وسأله كيف أصبحت، فقال له الآخر: أحمدُ الله إليك. يقول المَلَك الذي عن يساره للذي عن يمينه: كيف تكتبها؟ قال: أكتبه من الحامدين. وروي أن رجلين من الأنصار التقيا، فقال أحدهما لصاحبه: كيف أصبحت؟ فقال: الحمد لله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا هكذا. نقطة أخيرة في موضوع الشكر وتدور حول الوعد الإلهي للشاكرين الحامدين، وهي أنه سبحانه يزيدهم من فضله ويبارك فيما ينعمه عليهم ( لئن شكرتم لأزيدنكم ). فكلما شكرتَ الواهب، زادك من فضله وبارك لك فيما أعطاك. لكن إن وجدت نفسك لا تشكر الله على نعمائه، وبعيدا عنه سبحانه، ومع ذلك لا تشعر بنقصان النعم والخيرات والثروات، بل تراها تزيد وتتكاثر، فاعلم أن الله يستدرجك. والاستدراج يعني الهلاك دون أدنى شك (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) والمبلسون هم اليائسون من كل رحمة وكل خير. فاللهم اجعلنا لك ذكّارين، لك شكّارين، إليك أوّاهين منيبين.. آمين يا رب العالمين.
546
| 09 يناير 2025
ما إن حدث التحول العظيم في سوريا قبل أسابيع قليلة، والانهيار الدراماتيكي لنظام فاسد ظالم جثم على صدور الناس عقوداً خمسة مظلمة، حتى صار ذلكم الانتصار المدوي لثلة مؤمنة مجاهدة، حديث العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه. لو أن الذي حدث في موقع جغرافي بعيد عن العالم العربي المسلم، ما كان جل العالم سيهتم به كثيراً كما هو الحاصل الآن مع الثورة السورية، بل ويدقق في تفاصيل الحياة اليومية للثلة المنتصرة، ولم يكن كذلك ليهتم كثيراً كيف ستدير تلك الثلة المنتصرة بلادها، ولن يهتم بمن سيتولى الحقائب الوزارية في حكومة مؤقتة أو دائمة.. لم يكن ليهتم بكل تلك التفاصيل التي تغرقنا بها وسائل الإعلام العالمية، لاسيما الغربية منها وتلك التابعة لها من الإعلام العربي.. كل هذا الاهتمام دون أن ندخل في كثير تفصيلات وشروحات، سببه واحد متكرر منذ أن عرف العالم هذا الدين. إنه الإسلام أو روحه التي ما إن تكون بالأجواء في أي موقع أو أي حدث، إلا ورأيت العالم كله يهتم ويجلس إلى تفاصيل التفاصيل، يريد أن يدقق فيها ويتعرف عليها، بل والأكثر من ذلك، يريد أن يتدخل في كل دقائق الأمور ويفرض رأيه بصورة وأخرى، وكأنما هذا العالم خلا من مشكلاته وقضاياه من تلك التي تحتاج لكثير اهتمام ومتابعة.. ولكن لأن الإسلام ظاهر في الحدث السوري وبشكل واضح للعيان، وجدت كل ذئاب وثعالب العالم وقد تجمعت وترادفت وتعاونت لكبح جماح هذا السيل الهادر، الذي جاء من أقصى الشمال السوري واجتاح كل ما يجد في طريقه حتى الساحل. دعم الشرع واجب شرعي لا يهمنا الآن هذا التكالب الغربي وبعض العربي على الدولة السورية الجديدة، والمحاولات التي تجري في السر والعلن لضبط مسارها لتتوافق مع ما تم رسمه للمنطقة منذ قرن بائس من الزمان.. ما يهم الآن أولاً هو كيفية دعم بناء هذه الدولة من منطلق شرعي كما في الحديث الصحيح «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». فالدولة السورية تمر بمنعطف مهم، بعد أن عبث بها العابثون سنين طويلة. مطلوب ذلكم التداعي الأخوي الصادق، بعيداً عن أي حسابات وأجندات سياسية، من أجل تثبيت أركان سوريا الجديدة وبناء مؤسساتها وفق نظام راسخ قائم على العدالة، حتى يتفرغ الشرع وإخوانه ثانياً للعلاقات مع الخارج. ما يقوم به السيد أحمد الشرع وإخوانه من خطوات بنَّاءة هادئة في ضبط الشؤون الداخلية، وإعادة الأمن والأمان إلى البلاد تدريجياً رغم تحديات الخارج والداخل، هو عمل كبير يستحق كل دعم وتأييد، سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وغيرها. إنهم يسيرون كما يبدو للمراقب، وفق شرع الله في اختياراتهم للأكفاء وذوي القدرات والمهارات في إدارة البلاد، رغم العويل والضجيج الذي يحدثه كل عمل يقوم به السيد الشرع وإخوانه، قبل وبعد العمل. لكن من طريف ما يمكن ذكره ضمن سياق حديثنا عن ترتيبات البيت الداخلي، أن تتدخل دول عربية وغربية في كيفية بناء الدولة السورية الجديدة، وكيفية إدارتها، وقد تناست تلك الدول أنها أكثر بؤساً وفقراً في فكرها وعقيدتها وقيمها ومبادئها، بل وأكثر حاجة لأن تتولى أمورها وتهتم بشؤونها قبل أن تتدخل في أمور غيرها. إعادة مفهوم الربيع العربي ما يعمل عليه السيد الشرع وإخوانه على نار هادئة، رغم النيران المشتعلة في نفوس كثيرين حوله خوفاً ورهباً، هو ما كان الجمهور العربي الثائر يأمله بعد انتهاء ثوراتهم في تونس ومصر وليبيا واليمن منذ أن اشتعلت شرارة الربيع العربي أواخر عام 2010. إنه يقوم بترتيب البيت الداخلي وتكليف القوي الأمين في كل موقع، لا يهمه إن كان فلاناً ابن علان، أو إن كان صاحب مال أو جاه، بقدر ما يهمه أن يكون من يختاره ذا سابقة في الجهاد، وصاحب فكر وعقيدة صافية، وكفاءة قيادية ومهارة إدارية. إنه يعلم أن تلك المعايير لن تعجب كثيراً من الحضر ولا الغجر، لكنها تتوافق مع شرع الله، وما توافق مع الشرع الحنيف، حصل التوفيق والسداد بإذن الله، وهذا هو المقصد والهدف. من هنا لا أشك لحظة في أن السيد الشرع وإخوانه يدركون في عملية البناء أهمية البطانة الصالحة، فإن أول ما يمكن أن يبدأ به أي مسؤول عمله هو القيام بالاختيار الدقيق لبطانته، أو من سيكونون حوله، أو بتعبير إداري أدق، يختار فريق العمل الخاص به، الذي معه يتحرك ويعمل. فإن نجح في هذه الخطوة، فالخطوات القادمات تكون سهلة يسيرة. أما إن فشل في هذه البداية، فالطريق سيكون شاقاً غير يسير. الله الله في البطانة مما سبق نرى أهمية بالغة قيام أي مسؤول بتشكيل أو اختيار البطانة أو فريق العمل، قبل أن ينطلق نحو تحقيق الأهداف والمهام الموكولة به. القرآن الكريم أشار إلى أهمية هذه الفئة، وضرورة الاعتناء بمسألة الاختيار كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا) حيث ينهى الله المؤمنين بهذه الآية – كما يقول القرطبي - أن «يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء ويسندون إليهم أمورهم». عمر بن عبد العزيز رحمه الله، نموذج إداري قيادي ناجح بعد الخلافة الراشدة. اختياره الموفق لبطانته، لعب دوراً في الرخاء والعدل والأمن الذي حدث للأمة في عامين هي مدة خلافته. فلم يكن رحمه الله يتحرك وفق أهواء وأمزجة متقلبة، بل وفق علم وفقه وإيمان، تسانده بطانة صالحة كانت أكثر كفاءة وعلماً منه، وليس في ذلك ما يعيب المسؤول، فإن قوة وكفاءة البطانة هي في صالحه قبل صالح الأمة. وليس شرطاً أن تكون البطانة جيشاً من خبراء ومستشارين، فقد تكون البطانة رجلاً واحداً، لكنه بألف رجل. ولنا في موسى - عليه السلام - النموذج، فقد كان هارون - عليه السلام - هو البطانة، وهو المستشار. ولنا كذلك قبل أي أحد، رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - ثم خلفاؤه الراشدون، القدوة الحسنة في هذا الأمر. والله بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
651
| 02 يناير 2025
منذ قديم الزمن حتى اليوم، لا تجد طاغية أو فرعوناً يتعظ من تجارب وأخبار من سبقوه في الحكم. كل طاغية يعتقد أن ما جرى لنظيره في موقع ما لن يتكرر معه، وشواهد التاريخ كثيرة ومتنوعة. أبرزهم فرعون موسى، ثم من جاء بعده من الطغاة على مر السنين، حتى كان آخرهم الذي خرج خلسة من قصره إلى صقيع روسيا، بعد أن « ظن أن لن يحور» ولن ينقلب عليه أحد ! أفعال الطغاة تلهب أفئدة الجماهير بعد حين من الدهر، طال أم قصر، فتتحول لجماهير غاضبة قد تنتج عنها ثورات ذات قوة هائلة لا يستوعبها الطغاة عادة. تلكم القوة قادرة على التغيير لو أنها اندفعت باتجاه صحيح عبر قيادة واعية راشدة، تعرف أولاً معنى حشد الجماهير وتوجيهها باستخدام القوة الهائلة الكامنة فيها، وتعرف ثانياً كيفية استنهاض وتوجيه تلك القوى الكامنة في الوقت المناسب، مع مهارة وقدرة تلك القيادة على ضبط وربط تلك الحشود حتى الوصول إلى الغاية المنشودة، دون أن تتشرذم تلك الحشود، ويحصل ما لا يُحمد عقباه. ليس كل حشد ثورة من بحثوا فلسفة الثورات وعلم نفس الجماهير، وجدوا أن الثورة يمكن أن تطلق على أي حركة شعبية تحدث تغييراً ونقلة نوعية في المجتمع، تشمل الجانب السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الأمني وغيرها من جوانب. بمعنى آخر، يمكن أن نطلق على أي فوران شعبي أنه ثورة، إذا اشترك فيه غالب قطاعات المجتمع، وهدف الجميع واحد أو محدد، وهو إزالة نظام بكامله، وليس شخوصاً بعينهم، كتغيير رئيس النظام مثلاً أو تغيير حكومة، مع بقاء بقية أنظمة الدولة كما هي، لاسيما الدولة العميقة. هذا تغيير لا يمكن أن يطلق عليه ثورة، لكنه أقرب لأن يكون انقلاباً أو انتفاضة على وضع معين، أو احتجاج بزخم ثوري مؤقت، ما يجعله محدود الأثر. بمعنى أنه لا توجد أي ضمانات أن تأثيراته ستمتد لحصول تغيير تام في البلاد، لكن رغم ذلك يمكن اعتباره شرارة أولية تحتاج إلى موجة ثانية وثالثة ورابعة وربما عاشرة من موجات عمل جماهيري ثوري حقيقي منظم. ما حدث مثلاً في انتفاضات الربيع العربي الذي انطلقت أواخر 2010 يمكن اعتبارها أمثلة واضحة على ما نتحدث فيه. فما جرى في تونس مثلاً ومن بعدها مصر ثم ليبيا واليمن، لم تكن سوى تفريغ سريع لاحتقانات شعبية على شكل تظاهرات وحشود، لكن لم يتم استثمارها بشكل صحيح أولاً، حتى تدافعت ثانياً قوى طاغية ظالمة تكاتفت بكل الصور والوسائل لوأدها أو تضليلها. وهذا ما حدث. إذ عادت الجماهير إلى المربع الأول وهي أكثر خشية ورعباً من أنظمة الحكم، التي تجبرت أكثر وأكثر، وأعادت ترسيخ نفسها، بل وتعاونت مع كل قوى الشر الأرضية من أجل البقاء وعدم تكرار ما جرى.. النموذج السوري لكن أبرز الأحداث التي شغلت وما زالت تشغل العالم كله، ذلكم الانقلاب الهائل الذي جرى في سوريا، بعد أن ظن الجميع أن الجماهير السورية التي انتفضت وتظاهرت وقاومت النظام في السنوات الأولى من الثورة، انتهت ولم تعد لها قائمة. فهي على أرض الواقع لم تعد إلى المربع الأول فحسب، بل تشتتت شرقاً وغرباً، بل في كل الأنحاء. وظن الجميع في الوقت نفسه أن النظام استقر وترسخ أكثر بعد أن تدافعت قوى شر لها أجندتها، زعمت ظاهرياً دعم النظام والمحافظة على أمن البلاد، وهي في الباطن كانت تسعى لتثبيت مصالحها وتجسيد أجندتها على أرض الواقع، وقد تناسوا جميعاً بطلان سعيهم وقذارته، وأنه ظلم وبغيٌ بيّن، وذلك الظلم مرتعه وخيم، وعلى الباغي تدور الدوائر ولو بعد حين، والمكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وقد حاق بهم من كل جانب. ما جرى فعلياً في الحراك الثوري السوري، أن نواة الثورة على الظلم بقيت صالحة لم تفسد، حيث تمت رعايتها وبناء مساراتها تدريجياً كي تدور فيها قريباً كل القوى الراغبة في تغيير واجتثاث نظام باغ فاسد ظالم، عاث في الأرض فساداً، وطال أمره كثيرا. حتى إذا دنت ساعة الخلاص والاجتثاث، تحركت الجموع المؤمنة بالله أولاً ثم المؤمنة بهدفها، فكان ما كان خلال أيام عشرة حاسمة جاء خلالها الحق بقوته، وزهق الباطل بقساوته وأدواته. وما زالت، حتى ساعة كتابة هذه السطور، عمليات التغيير مستمرة من أجل حصول كامل الاجتثاث لنظام فاسد أهلك الحرث والنسل كثيراً، وزرع الخوف والرعب طويلا، الذي لم يتعظ مما جرى لغيره، فحدث له ما حدث وما زال يحدث بفضل الله. القيادات وضبط الإيقاعات الجماهيرية خلاصة القول ولكي لا يحيد أي فوران وهيجان شعبي ضد الفساد والظلم عن طريقه، لابد من قيادة مخلصة حكيمة، توجّه وتهذب وتنظّر، وتحاول ضبط الإيقاع الجماهيري، والتحذير في الوقت نفسه من القوى المتربصة بها، وإلا فإن النتائج غالباً تكون كارثية لو تُرك الحبل على الغارب، أو انشغلت القيادات بخلافات بينية أو هامشية، وسيتضرر منها الثائرون ربما أكثر من المُثار عليهم، الذين بحكم خبراتهم وارتباطاتهم بالخارج أو خلاياهم الداخلية النائمة، قادرون في وقت معين على إحداث فُرقة أو ثغرة في المد الثوري عبر ما تسمى بالثورة المضادة، التي تكون مهمتها الرئيسية امتصاص الصدمة، والبدء بتفتيت القوى والقيادات الثورية بوسائل عدة، بمعية خارجية انتهازية، كي تمكّن النظام من العودة.. انشغال القيادات بالهوامش وصغائر الأمور، وعدم التنبه إلى دخول من يهمهم استمرار الأوضاع الفاسدة ضمن المنتفضين بصور شتى، من شأنه تعطيل حركة اجتثاث الظلم والفساد، وبالتالي تعطّل حركة البناء والإصلاح. وما انتفاضات الربيع العربي، باستثناء السورية حتى الآن، سوى أمثلة حية بارزة يمكن تأملها والاستفادة من أخطائها، وفي التاريخ دروس وعبر.
594
| 26 ديسمبر 2024
هذه الأمة كتب لها الله البقاء إلى حين يشاء سبحانه، قدرها أن تعيش وتستمر. لا يهلكها الله ويفنيها كما أفنى أمماً وأقواماً غابرين، هذه حقيقة لا يستوعبها المتربصون بالأمة منذ أن أخرجها الله للناس، فهي لن تموت، مهما أصابتها كوارث ومصائب ونوازل، وشواهد التاريخ أكثر مما يمكن حصرها ها هنا في هذه المساحة المحدودة. الأمة كانت تحت قيادة واحدة منذ قيام دولة المدينة، ثم الخلافة الراشدة فدولة بني أمية العظيمة، تبعتها دولة بني العباس، التي اتسعت وعظم شأنها حتى كانت أكبر الإمبراطوريات في تلك الفترة، وإن ظهرت بجانبها دول وممالك إسلامية متفرقة في الأنحاء، لها شخصيتها الاعتبارية، لكن كانت رغم ذلك توالي الخليفة العباسي، حفاظاً على الرابطة التي تربط الأمة ببعضها البعض، رغم نشوب خلافات ونزاعات بين تلك الممالك بعضها البعض، لكن الرابط كان باقياً. إن أمة صمدت أمام الحروب الصليبية المتتالية، ثم وباء المغول، وصولاً إلى وباء الاستعمار أو الاستخراب الغربي، الذي أهلك الكثير من الحرث والنسل، واستمراره في الكيد والتآمر، هي أمة تستحق أن تعود لريادة وقيادة الأمم، ولكن بعد أن تسترجع بعض عوامل تلك القيادة التي فقدتها جراء كل تلك الضربات القديمة والمعاصرة المستمرة. نماذج معاصرة ما جرى لمسلمي بلاد الأفغان من كوارث ومجازر على يد امبراطورية ملحدة، هي الاتحاد السوفييتي، وانسحابها مهزومة مدحورة أواخر 89، ومن ثم تعرضها لاحتلال أمريكي غربي غاشم مجرم تارة أخرى في 2001 والكوارث التي حلت بمسلمي أفغانستان على يد الأمريكان حتى خروجهم مدحورين مهزومين في قائظ 2021، أمر يدعو للتأمل. إن شعباً مسلماً فقيراً قاوم وصمد أمام أعتى قوتين ظهرتا في التاريخ، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وقدم مئات الألوف من الشهداء، دليل على حقيقة ما نقول، وهي أن الأمة لن تموت، مهما بلغت قوة ووحشية معسكرات الكفر والضلال ضدها. خرجت أفغانستان من تلك المحن، أقوى وأصلب وأثبت على عقيدتها ودينها مما كانت قبل ذلك، وها هي اليوم تخطو خطواتها الجادة في التنمية والبناء، لتؤكد إلى جانب الحقيقة الأولى التي ذكرناها آنفاً، أن ما يؤخذ بالقوة لا يمكن أن يُسترد إلا بالقوة. ما وقع على الأفغان في الثمانينيات تكرر على مسلمي البوسنة بداية التسعينيات على أيدي الصرب الأرثوذكس، وأهلك أولئك المجرمون الحرث والنسل، فيما كان العالم يراقب كعادته، بل أحياناً حدثت مجازر لمسلمي البوسنة بمعية ومعاونة دول غربية!. ثم يشاء الله بعد ذلك أن يضرب الظالمون بعضهم بعضاً، ليخرج من بينهم البوسنيون بعد سنوات من الظلم والقهر سالمين، وفي الطريق نحو الاستقلال، فتقوم دولة البوسنة والهرسك بفضل الله، ثم صمود أهلها ومقاومتهم بكل ما أوتوا من قوة، بمعية إخوة لهم في العالم الإسلامي منذ بدء الإجرام الصربي ضدهم. ولم يتحقق للغرب الصليبي مشروع تصفية وتذويب مسلمي البوسنة، في إشارة إلى أن هذه الأمة لا تموت. الشام وهو ينهض سوريا الشام، مؤشر آخر على حيوية هذه الأمة، فقد ثارت أغلبية شامية سنية على ظلم أقلية نصيرية حكمت البلاد بترتيب من المستخرب الفرنسي ودعم سخي، فأثارت في الأرض فساداً طال وامتد عقوداً كانت أشدها مجازر حماة في 1982 ليعيش الناس بعدها في رعب حقيقي سنوات طوالا، حتى قيام الثورة قبل عقد من الزمن مضى، فتكررت المجازر المتتاليات خلال سنوات عشر ماضيات، حتى رأى الشوام ما رآه شعب بغداد حين داهمهم المغول المجرمون. ومات من مات، وتشرّد من تشرّد. لكن مع كل ذلك الظلم والاستبداد، استرجع أصحاب الأرض والحق بلدهم، وفر من فر من الفئة الظالمة حتى حين، في إشارة تؤكد مرة أخرى إلى أن الأمة لا تموت، وأن جيش محمد سيعود. إنّ استرداد الحقوق لا يمكن تحقيقه بالمفاوضات العبثية، والمؤتمرات الفارغة، والوعود الكاذبة، وما طوفان الأقصى المبارك، إلا نتيجة هضم جيد للمقاومة الفلسطينية في غزة لتلك التجارب السابقة في بلاد الأفغان والبوسنة مع الأعداء، ومن قبلهم دروس متنوعة من تاريخ هذه الأمة، ذلك أن المعسكر الكافر لا يفهم إلا لغة القوة. وما دعوة القرآن لأهله بإعداد القوة قدر المستطاع، إلا لأجل ترهيب دائم مستمر لمعسكر الكفر، كيلا يتجرأ ويحقق مراده. إن مثل هذه الحوادث المفصلية التاريخية، وآخرها سقوط النظام السوري، وإن كانت بأثمان باهظة، فهي نتائج طبيعية في المجمل العام. هكذا هي قوانين أو سنن التدافع أو الصراع بين الحق والباطل. إن ثورات الربيع العربي التي بدأت قبل عقد من الزمان تأتي ضمن هذه السنن، فإن تمت مواجهتها بثورات مضادة عنيفة، وتعطلت في كل الدول التي كان لها النصيب من الربيع، إلا أن الحق أحق أن يُتّبع، وهو منتصر لا محالة على الباطل وجنده، وأن عودة جيش محمد لنشر العدل أمر حتمي بإذن الله. قطار الربيع العربي الذي بدأ في رحلة ذهاب من تونس مروراً بليبيا ومصر واليمن، وتعطل في سوريا، يبدو أنه في رحلة إياب وعودة جديدة إلى نقطة البدء، ربما أبعد وأوسع. رحلةُ تعزيز وتصحيح. رحلةٌ تنطلق هذه المرة من سوريا، بعد أن اشتعلت جذوة الثورة ضد الظلم والعدوان والاستبداد من الأرض المباركة، التي لها الفضل الكبير بعد الله سبحانه في الحراك الحاصل، ليس في أمة العرب فحسب، بل العالم أجمع، الذي عليه أن يدرك بأن الظلم مرتعه وخيم، وعمره قصير وإن طال. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
723
| 12 ديسمبر 2024
جاء في تفسير جامع البيان للطبري أنه لما نفخ الله في آدم من روحه، أتت النفخة من قبَل رأسه، فجعل لا يجري شيء منها في جسده، إلا صار لحماً ودماً، فلما انتهت النفخة إلى سرّته، نظر إلى جسده، فأعجبه ما رأى من جسده، فذهب لينهض فلم يقدر، حيث بقيت رجلاه. فلما كان بعد العصر، قال: يا ربّ عَجّل قبل الليل، فذلك قوله تعالى (وكان الإنسان عجولا). كانَ الإنْسانُ عَجُولا، أي ضجراً لا صبر له على سراء ولا ضراء. أي أن الإنسان في وقت الضجر ربما يلعن نفسه وأهله وولده وماله، ولو استُجيب له في الشر كما يُستجاب له في الخير لهلك، كما جاء في تفسير الرازي، الذي أضاف بأن «الإنسان قد يبالغ في الدعاء طلباً لشيء يعتقد أن خيره فيه، مع أن ذلك الشيء يكون منبع شره وضرره، وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء، وإنما يَقْدم على مثل هذا العمل لكونه عجولاً مغتراً بظواهر الأمور، غير متفحص عن حقائقها وأسرارها». * إذن خلاصة هذا الموضوع - لمن لا يحب الإطالة فيه ويرغب الانتقال إلى غيره - أن اليأس والعجلة من أبرز صفات بني البشر، بل ربما كثير من المشكلات والأزمات تأتي كنتيجة طبيعية لتلكم الصفات والطبائع البشرية. ولكن رغم ذلك كله، فإن بالتعلم والتدرب والاستمرار في العمل والسعي، مع عدم اليأس والقنوط واستعجال النتائج، يمكن تحقيق الكثير من الأهداف والغايات السامية والنبيلة، بعد اليقين التام بأنه رغم العمل والسعي واتخاذ الأسباب، كل شيء بقدر. الله تبارك وتعالى يصف الإنسان أنه يؤوس قنوط (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤوس قنوط). أي أنه يسأل الله دوام الصحة والعافية وسعة الرزق وغيرها من مباهج الدنيا وزينتها، حتى إذا ما نزلت به مشكلة في صحته أو ماله أو عياله أو مصدر رزقه، عاش الاكتئاب وخضع لمشاعر الإحباط والانهزام، ودخل في أجواء من اليأس والقنوط كأنه لم يذق نعمة من ذي قبل، ولم يسعد لحظة من لحظات حياته الفائتة، أو كأن الذي أنعم عليه ووسّع له في رزقه، وبارك في صحته وعياله، ليس هو من سيكشف السوء عنه إن دعاه. وهذا بالطبع سوء أدب مع الخالق، وسوء ظن واضح به وخلل عميق في الإيمان. الإنسان إذن مع عجزه في ضبط صفة اليأس والقنوط، قد تتعقد أموره أكثر وتتشابك حين تداهمه صفات أخرى لا يقوم بضبطها سريعاً، وأبرزها استعجال الخير والنتائج، مع ما يترتب على ذاك النوع من الاستعجال من نتائج تكون على الأغلب سلبية، لا تحمل الكثير من الخير. * حين تتأمل قوله تعالى (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا) ترى أن الإنسان لا يستعجل الأمور الخيّرة فحسب، بل حتى السيئة، فهو إن غضب على ولده أو أهله أو خادمه أو مركبته أو أي شيء ذي صلة به، تجده يدعو عليهم بالسوء والشر. ولو أن الله يستجيب له كما هو الحال مع دعاء الخير، لهلك هذا الإنسان ومن يدعو عليه. بمعنى أكثر وضوحاً.. لو أن هذا اليؤوس العجول يصبر بعض الشيء، ويمتلك زمام أموره ويسيطر على مشاعره المتنوعة قدر المستطاع، ويكون هو سيد قراره في أي موقف يدفعه إلى التهور والتعجل، فيضبط أعصابه كما تقول العامة، فإنما يكون قد سلك طريق خير لا غيره. والأمر نفسه يتكرر حين يأتي ويستعجل نتائج عمله حتى لو اعتقد أنه عمل خير، فإن استعجال نتائج ذلكم الخير يأتي في نفس درجة من يستعجل بالدعاء على ما أغضبه. النتيجة واحدة. * زبدة الكلام.. عليك بالصبر في كل أمورك. إذ يكفيك اطمئناناً أن الله مع الصابرين. فهذا يدعوك لأن تصبر على جهالة وأذى سفهاء وجهّال البشر، وتصبر على آلام الفقدان والحرمان، أو غيرها من المكدرات جالبة الأحزان. هذه حياة كلها دروس وعبر. العاقل من يستفيد منها في تعديل مساره نحو الهدف الأسمى والأرقى أو الجائزة الكبرى في الآخرة. فاصبر وتصابر، وما صبرك إلا بالله. هكذا يُذكر الله نبيه الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم. أي اصبر يا محمد على ما أصابك من أذى في الله، كما يقول الطبري، وما صبرك يا محمد إن صبرت، إلا بمعونة الله وتوفيقه إياك. فاللهم اجعلنا الصابرين المحتسبين، ومن عبادك (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).
681
| 05 ديسمبر 2024
كانوا يعذبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره، أو يلقونه على النار، ثم كانوا يسحبونه عليها، فما كانت تنطفئ الجمرات المشتعلة إلا بسبب شحم ظهره.. هكذا كان نوع العذاب على خباب بن الأرت - رضي الله عنه - وهو ابن عشرين عاماً، حيث كان مولى عند إحدى سيدات بني خزاعة، وقد مارست أشد صنوف العذاب عليه بعد أن علمت بإسلامه، ضمن حملة تعذيب تفنن المشركون بمكة فيها ضد ضعاف المسلمين في بدايات الدعوة. وقد صبر خباب على التعذيب حيناً من الدهر، لكن اشتد كثيراً عليه حتى نفذ صبره، إن جاز لنا التعبير. لم يجد حلاً لتخفيف بعض ما يعانيه، وخاصة أنه لم يكن هناك نصير ولا من يدافع عنه، إلا أن يشتكي وينقل الحال إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذهب إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو متوسدُ بردة له في ظل الكعبة. فقال له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ رد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم وقال: «كان الرجل فيمن قبلكم، يُحفر له في الأرض فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار فيُوضع على رأسه، فيُشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه. والله ليتمنّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون». التوجيه النبوي كان واضحاً لا يحتاج لكثير شروحات وتفصيلات. طالبهم بالصبر والتصابر، وعدم استعجال النتائج أو النهايات، أو النصر على العدو. كان يعلم عليه الصلاة والسلام شدة العذاب الذي يلاقيه أتباعه المستضعفون، لكنه يعلم قوة وبأس العدو، وهو بعدُ لم يتمكن، وبالتالي ليس له ولأصحابه سوى الصبر حتى يأتي الله بأمر من عنده. صناعة الرجال كيف يصنع النبي الكريم رجالاً سيكونون هم الأساس في دعوته، إن لم يُصقَل أحدهم ويُمتحَن بصنوف العذاب البدني والنفسي؟ وكيف يريد بناء دولة ونشر دينها وقيمها دون أن يصنع رجالاً، يكون أحدهم أمة لوحده، يعتمد عليهم ليس في التبليغ فحسب، بل في الدفاع عن الدين والدولة والمعتقد والرسالة. هكذا كانت الدعوة المحمدية تسير. غالبية من أسلموا من الصحابة في بدايات الدعوة، وعلى رغم أنه كانت رؤيتهم واضحة، وأن تغيير المعتقد والدين في بيئة وثنية جاهلة أمية، ليس بالأمر الذي يمكن أن يمر مرور الكرام، وأن الأمر سيتطلب منهم تضحيات كثيرة وكبيرة، منها خسارة الروح، إلا أن البعض القليل لم يتمكن من تحمل الأذى، فارتد عدد منهم والنبي بينهم، بل انهار أحدهم من شدة التعذيب وهو عمار بن ياسر - رضي الله عنه – وأعلن كفره بالدين الجديد، لولا أن الرسول الكريم ثبته بآيات نزلت من القرآن، وأنه غير مؤاخذ على ما بدر منه، لأنه تعرض لضغوط وإكراهات على رغم إيمانه. ومنهم أيضاً من شدة التعذيب، مَن بادر واشتكى الحال إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في حالة خباب بن الأرت، رضي الله عنه. ما أشبه اليوم بالبارحة الحالة التي عاشها المسلمون في مكة، هي التي يعيشها أهل غزة الآن. سنة كاملة تحت ألوان من العذاب البدني والنفسي. قتلٌ وتهجيرٌ وتجويعٌ وخوفٌ ورعبٌ وفقدانٌ للأمن والأمان. إضافة إلى كل تلك العذابات، يأتي الخذلان العربي والمسلم ليزيدهم ألماً إلى آلامهم، حتى يجد المرء أحياناً مجبراً على أن يتعاطف أو يجد العذر للبعض ممن بدأ يشتكي الحال ويتأفف، أو يجزع ويستسلم للأمر الواقع بصورة وأخرى، وإن كانوا على كل حال ليسوا بالعدد الذي يلفت الأنظار. الشاهد من الحديث، أن أصواتاً في غزة بدأت تشكو الحال مثلما أدى الحال بالصحابي خباب بن الأرت ليشكو إلى النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم – الذي قام بدوره وثبّتهم وطالبهم بالصبر وعدم الاستعجال. وهذا هو الأمر المطلوب أن يتكرر الآن ممن يثق بهم أهل غزة من العلماء، ورثة الأنبياء، ومن القادة الإيمانيين، وأهل الصدق والثبات. مطلوب من كل أولئك القيام بدور تثبيت الأهالي وكذلك المجاهدين، وحثهم على عدم استعجال النصر الذي وإن تأخر فلحكمة يريدها الله سبحانه، ومطالبتهم بالكف عن استجداء هذا الزعيم أو ذاك، وتلك الدولة أو أخرى. إنما الله فقط لا غيره، فهو حسبهم ونعم الوكيل. كما أن دورنا من الخارج، كلٌ في موقعه وبحسب قدراته والأدوات التي بيده، تعزيز وتثبيت أهل غزة بكل وسيلة ممكنة، ورد الشبهات والافتراءات والأكاذيب عنهم، وعدم تمكين أو فتح المساحات والمجالات لأدوات ووسائل العدو ومن عاونهم من خلخلة المجتمعات العربية المسلمة. إننا نعيش أحلك فترات الليل، التي لابد أن تنقضي وتنقشع ببدايات فجر يوم، لا شك أن شمسه ستشرق في سماء صافية بلا غيوم الخذلان والخيانات والعداوات، لتبدد ظلام الكفر والعربدة الصهيونية.. نعم، التضحيات كبيرة وكثيرة، والآلام شديدة مستمرة. لكن النصر على قوة جالوتية غاشمة وكبيرة مدعومة، تحتاج طاقة طالوتية إيمانية صابرة من تلك التي كانت قد سرت في أرواح فئة قليلة كتب الله لها الغلبة نهاية الأمر، وبها قتل داود جالوت. وسيأتي بإذن الله، داود غزة ليقتل وينسف جالوت اليهود، المتمثل اليوم في المشروع الصهيوني المدعوم. وما ذلك على الله بعزيز.. وإنما النصر مع الصبر كما في الحديث الصحيح.
516
| 28 نوفمبر 2024
لماذا هذه الرسالة إلى وزير التربية والتعليم دون بقية من تم تكليفهم بالحقائب الوزارية مؤخراً؟ الجواب باختصار، التعليم هو الأساس لأي بناء. فكلما كان الأساس متيناً متماسكاً مبنياً وفق أصول وقواعد، كان البناء كذلك، مهما كبُر وعظُم. ومن هنا أكتب رسالتي إلى الفاضلة لولوة الخاطر، وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، لتأتي ضمن سلسلة مستمرة متنوعة من الرسائل التي كتبتها من ذي قبل إلى وزراء تعليم سابقين.. كلنا يدري صعوبة متابعة شؤون التعليم والإشراف عليها وعلى ما تركه سابقون في هذا المجال المهم، فما بالك لو طالبنا بإصلاح التعليم بما يتوافق مع تطورات المرحلة التي يمر بها العالم كله؟ لا شك أن عملية الإصلاح أصعب، ولن تكون المهمة الإصلاحية سهلة إلا ما جعله الله سهلا، والذي في الوقت نفسه، إن شاء جعل الحَزْنَ سهلاً أيضاً. والحزن ها هنا هو الأمر الصعب الذي إن استشكل علينا، تذكرنا من فورنا دعوة نبينا الكريم « اللهمَّ لا سَهلَ إلَا ما جَعلته سهلاً، وأنت تَجعلُ الحَزْنَ إذا شئتَ سهلاً «. فاللهم بادئ ذي بدء، اجعل مهمة الخاطر سهلة ميسرة. لب الموضوع، وحتى نبتعد عن الإسهاب أو الاستطراد، أطرح بعض مقترحات ضمن أخرى كثيرة لا يتسع المقام لها، لكن كولي أمر من أولياء الأمور أولاً، ومهتم بأمر التعليم في البلاد ثانياً، أجد الوقت مناسباً لطرح تلك البعض على سعادتها، وتأجيل أخرى، وهي تدور حول ضرورة جعل تطوير وتحديث مناهج التعليم على رأس قائمة الأولويات لديها. تطويرٌ شاملٌ يتضمن كذلك أساليب التعليم، والبناء الصحيح لمفهوم التعلم الذاتي لدى الطلاب، مستفيدين من التطور التقني والمعلوماتي الهائل الذي يشهده العالم. الكتب المدرسية معنى ذلك أن الكتب المدرسية لا بد أن تصفّى من الحشو أو المعارف التي طرأ عليها الكثير من التغير بحكم الزمن، والتي يتم التعامل حالياً معها كما كان سابقاً، عبر إبلاغ الطلاب بأنها مواد لن تدخل الاختبار ! هكذا بكل سهولة، دون النظر إلى أن هذا الأمر هدرٌ للأموال والأوقات والجهود، وتكريس في الوقت نفسه لمفهوم خطير لابد من تغييره بكل الطرق، هو التعلم لأجل الاختبار، والذي أعتبره من أسباب تذمر الطلاب من التعليم ومؤسساته بشكل عام، وخلو نفوسهم من الشغف بالتعلم، على رغم أننا في عصر المعلومات والبحث عنها بوسائل متقنات متنوعات جاذبات، وهذا ما يدفع إلى أهمية تطوير أساليب وتقنيات التعليم والتعلم. ثورة المعلومات وتقنيات البحث عنها، جعلت الكثير من المعارف والعلوم في متناول اليد، وبالتالي صار الحصول عليها لا يتطلب سوى لحظات. وهذا يعني أنه لم يعد حفظ أرقام وحقائق ومعلومات تاريخية وجغرافية وغيرها من المعارف ذات أهمية كما كان قبل سنوات، بينما اليوم يستطيع أحدنا الحصول على مبتغاه في لحظات. وهذا هو ما قصدت بأهمية تطوير وسائل وتقنيات التعليم والتعلم، بحيث يتم التركيز على تعليم الطالب كيف يبحث عن المعلومة، وكيف يستفيد منها، وكيف يتعامل معها وكيف يعالجها، بدلاً من حفظها عن ظهر قلب لأجل استظهارها وقت الاختبار ! تغيير دور المعلم مهارة الحفظ مطلوب استثمارها لحفظ القرآن والأحاديث وما يتطلب حفظه من علوم الدين وبعض أساسيات اللغة العربية والحساب. لكن اليوم وبحكم التطورات التقنية والمعلوماتية، أرى أن نعلم الطالب كيف يحصل على مبتغاه من المعلومات عبر تقنيات البحث المتنوعة، وتدريبه على المهارات اللازمة للتمكن من بحث فاعل ومثمر، ثم نزوده بتقنيات معالجة المعلومات وكيفية تقديمها أو عرضها. هذا يعني تحويل كثير من المواد الإنسانية وبعض العلمية كذلك إلى مواد تعلم ذاتي، أي بدون معلم يقف أمام الطلاب يشرح لهم أهداف الثورة الفرنسية وحملة نابليون مثلاً، أو يعدد أشكال تضاريس الأرض وأنواع البراكين والأنهار، أو طبقات الغلاف الجوي، وما إلى ذلك من معلومات ومعارف يستطيع طالب المرحلة الإعدادية اليوم أن يبحث عنها بأريحية تامة. يقرأها ويشاهدها بمتعة وشغف، ربما أفضل من الطريقة التي يقدمها أستاذه، دون أن يرضخ في الوقت نفسه لضغوط حفظ المعلومات لأجل الاختبارات.. وبالتالي يكون دور المعلم وفق هذه الرؤية، هو التوجيه بشكل أساسي، وتسهيل أو توفير ما يحتاجه الطالب من أدوات وتقنيات لتنفيذ المهام المطلوب منه في عملية التعلم، ثم يكمل المعلم دوره بعد ذلك في تقييم عمل الطالب وفق آليات محددة. هذا يدفعنا للتساؤل عن طريقة اختبارات غالبية المواد بما فيها العلمية، ولم لا تكون بطريقة الكتاب المفتوح مثلاً، والتي يمكن اليوم أن نسميها باختبارات الفضاء المفتوح، بحيث تكون كل الوسائل متاحة وقت الاختبار للطالب، سواء كتب مدرسية أو أجهزة كمبيوتر مربوطة بالإنترنت، أو أي وسيلة أخرى تساعد الطالب على الوصول إلى المعلومة المطلوبة. تعديل آليات الاختبارات معنى ذلك أن فلسفة وآلية عمليات التقييم أو الاختبارات لابد أن تتغير، بحيث يكون التركيز في التقييم أو الاختبار على مهارات البحث عند الطالب، وكيفية الوصول للمعلومة الصحيحة المطلوبة بشكل دقيق، وتقييمه على مهارات معالجة المعلومات، وطريقة أو وسيلة تقديمها على شكل مقال أو بحث أو عرض تقديمي، بعد أن يكون قد تم تمكينه من أساسيات كتابة المقالات والبحوث والعروض التقديمية، ولو بصورة مبسطة تتطور مع التقدم في مراحل التعليم. أحسبُ أن هذه الفلسفة في التعليم والتعلم والتقييم، ستوفر الكثير من الهدر الحاصل في الأوقات والجهود والأموال، بل وتزرع في النفوس حب التعلم لأجل التعلم، لا لأجل الاختبار، بل وربما ساعدت كذلك على اختفاء ظاهرة التسرب لدى كثير من الطلاب، خاصة إن علم الطالب أنه سيتقدم من مستوى إلى أعلى دون ضغوط الإخفاق في مادة أو أكثر والمؤدي إلى إعادة السنة الدراسية، ليس لفقر الإمكانات العقلية والمهارية عنده، بقدر ما هو كائن غالباً في آليات التعليم والتقييم المتبعة حالياً، المعتمدة بشكل كبير على مهارة الحفظ والاستظهار وقت الاختبار عند الطالب، الذي يدخل عالم التعليم والتعلم وهو يملك مهارات وقدرات كامنة، وإمكانات ربما هائلة، فيصطدم بآليات تعليم وتقييم لا تراعي كثيراً مهارات وقدرات عديدة لديه فيكون الإخفاق، ومن ثم التسرب بعد حين من الدهر لا يطول، بالإضافة إلى عوامل أخرى تشمل طرائق التعامل معه من قبل الهيئات الإدارية والتعليمية بالمدارس !! خلاصة الحديث نرغب ونطالب أن تكون المدرسة واحة جذب للطالب، لا عامل طرد. نريد أن يجد الطالب نفسه خلال ساعات التعليم والتعلم في بيئة مريحة تساعده على نمو مشاعر الشغف بالتعلم، لا أن يحسب دقائق وساعات اليوم للخروج من بيئة مغلقة لا تختلف عن المعتقلات، بدليل تصاميم المباني المدرسية غير المريحة، ذات الأسوار الكاتمة العالية، بالإضافة إلى ساعات التعليم الطويلة التي نرى أهمية إعادة النظر فيها، لتتناسب مع ظروف الطقس وتقاليدنا الدينية والاجتماعية، ولاعتبار آخر مهم هو أن العالم اليوم يبحث عن تعليم نوعي ذي جودة، لا تعليم كمي يغرق فيه المعلمون قبل الطلاب! وبسبب التعليم الكمي المتبع حالياً، طالت ساعات الدوام المدرسي، وطارت بسببه مشاعر الشغف وحب التعلم، في ظل أجواء جاذبة مريحة باعثة على التعلم خارج أسوار المدارس.. والحديث في التعليم، ذو شؤون وشجون لا تكفي مساحات الصحيفة هذه للحديث عنها، فما بالك بهذه المساحة المحدودة، لكن ربما في قابل الأيام، نكمل ما بقي من هذه الرسالة بإذن الله، سائلاً المولى عز وجل للفاضلة لولوة الخاطر، كل توفيق وسداد. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
1359
| 21 نوفمبر 2024
الأحداث التي أعقبت مباراة كرة قدم بين نادٍ إسرائيلي وآخر هولندي في أمستردام قبل أيام عدة مضت، كشفت للعالم مرة أخرى وليست أخيرة، كم صار الصهاينة منبوذين حول العالم، وكيف يحاول الإعلام الغربي المنافق مرة أخرى، خلق سردية متناقضة لما عايشه ورأه الآلاف على أرض الواقع، قبل أن تنتشر المقاطع حول العالم وتفضحه. موقعة أمستردام، إن صح وجاز لنا التعبير، تنضم لمواقع وأحداث كثيرة منذ بدء طوفان الأقصى، لتكشف مدى رداءة تلك الحثالة الصهيونية التي تستوطن فلسطين، بعد أن سرقت وقتلت وبغت في الأرض سنين عديدة. كشفت الموقعة الأمستردامية رداءة هذه النوعية من البشر، وكيف أن العالم خلال عام واحد انكشفت له الألاعيب الصهيونية التي انخدع بها بصورة وأخرى، فكان من نتائج ذلك الانكشاف، ما يحدث الآن في كثير من دول العالم من تغير في المواقف والاتجاهات ضد الصهاينة، لم نكن لنحلم بها نحن العرب والمسلمين قبل عام واحد فقط أن تقع أو تنتشر في دور الفرنجة والغرب، الذين كانوا سبباً في صناعة هذا الكيان المسخ في زمن مضى. كشفت لنا موقعة أمستردام كذلك كيف أن الإعلام الغربي المداهن، لازال ينافق ويجامل الكيان المسخ، ولا زال على غيه وفساده. لم يتعلم من دروس طوفان الأقصى الماضية. إنه بهذا يدمر نفسه بنفسه، ولا يهمنا ذلك بقدر ما يهمنا أن نعرف بأن هذا الحاصل هو أحد وجوه النصر لطوفان الأقصى غير الملحوظ تماماً. إعلام لا يتعلم إذن هذا الإعلام الجبار النافذ، الذي كان له دوره المؤثر على كثير من مجريات الأحداث حول العالم لعقود طويلة، ما كان أحدنا يتصور أنه سيقع في شر أعماله يوماً ما بالطريقة التي نراها الآن، بعد أن ساد في العالم أنه أصدق إعلام، وأكثر إعلام صاحب مبادئ وقيم وأخلاقيات، فإذا به ينكشف مع هزة حقيقية واقعية مع أحداث الطوفان التي فاقت قوتها أحداث تدمير أبراج نيويورك المفتعلة، التي قسمت يوماً ما العالم إلى فسطاطين. فسطاط حق وفسطاط باطل، أو كما جاء في التصور الأمريكي وروجت له الولايات المتحدة تحت مفهوم الإرهاب. فإما أن تكون مع الإرهاب أو مع المعسكر المناهض له، الذي هو بالطبع معسكر الأمريكان وحلفائهم ! طوفان الأقصى رج الأرض رجاً من تحت أقدام الإعلام الغربي، الذي سقط القناع عنه، وبدا ذا وجه بشع قبيح، يعمل بلا أخلاق أو ضمير، ولا قيم أو مبادئ، كما كان يروج لنفسه عقوداً من الزمن، وخدع العالم بها. أراد هذا الإعلام المنافق مرة أخرى أن يعيد سيناريو السابع من أكتوبر مع ما جرى في أمستردام، وإظهار الصهاينة في صورة الضحية، وإن كنت لا أستبعد أن تلك الأحداث كانت مفتعلة، بقصد استثمارها إعلامياً وتحسين صورة الصهاينة، وتشويه صورة العرب بشكل عام، وتبرير ما يجري في غزة منذ عام. ويمكرون ويمكر الله مهما مكروا وما زالوا يمكرون، إلا أن الله خير الماكرين. إذ بعد الأحداث، طار الإعلام الصهيوني ومعه الغربي ببعض المشاهد، محاولين إظهار الغوغاء الإسرائيليين في صورة " يهود ضحايا " وأنهم يتعرضون مرة أخرى لحدث لا يختلف مغزاه عما جرى لهم مع النازيين ! بمعنى آخر، أرادوا صناعة صورة ذهنية مطورة لليهود المضطهدين على يد أعداء البشرية، وهم حالياً العرب والمسلمون. أرادوا لعب دور الضحية من جديد، وللمرة الألف. الدور الذي أتقنه شذاذ الآفاق على مر العصور. لكن فاتهم أن الواقع الآن اختلف تماماً، وسيختلف بعد حين من الدهر قليل، ويتعمق أكثر فأكثر لصالح الضحايا الحقيقيين في هذه الأحداث المستمرة منذ أكثر من سبعين عاما. مع كل ذلك الجهد الإعلامي وبعض الرسمي الغربي الجبان في دعم وترويج ذلكم العمل المفتعل أو المخطط له، وتصويره على أنه وقع بدوافع " كراهية اليهود " أو " ضد السامية "، كان الله لهم بالمرصاد. حيث خرج هولنديون شرفاء وآخرون من دول أوروبية أخرى، كانوا ضمن ميدان الحدث، فكان لهم رأيهم غير المدفوع له، واستطاعوا بهواتفهم تصوير التطورات قبل يوم وأثناء المعركة. كشفوا الزيف الإعلامي الغربي والحقائق التي أراده ذلك الإعلام المنافق أن يخفيها، فرأى العالم الجوانب الخفية، أو الصورة الكاملة لتطورات الأحداث، فزاد العالم مقته وكراهيته للغرب بشكل عام. طوفان الأقصى يثمر نعود مرة أخرى لما بدأنا به الحديث، ونقول إن موقعة أمستردام، مثلما كشفت رداءة هذه الحثالة المهيمنة على فلسطين، فإنها كشفت أيضاً أن طوفان الأقصى لا يزال يثمر الجديد والجميل كل يوم، وموقعة أمستردام أحسبها ثمرة من ثمرات هذا الطوفان، حيث إن تغيير صورة ذهنية مصنوعة بمليارات الدولارات خلال عقود عديدة، ومن ثم إخراجها من عقول وألباب العالمين خلال سنة واحدة فقط، لا يمكن وصفه سوى بالإنجاز الأسطوري، إن صح وجاز لنا الوصف. وبالطبع مثل هذه الثمرات لا يمكن أن يتذوقها ويشعر بها إلا كل صاحب ذوق رفيع، يرى الأمور بقلب مؤمن سليم، ونظرته للأمور والوقائع دقيقة وبعيدة عن حسابات الربح والخسارة المادية، المتمثلة في خسائر الحروب الطبيعية من الأرواح والممتلكات، مهما كانت تلك الأرواح غالية وثمينة، لكن من المؤكد أنها ليست أغلى من الجزاء الموعود بالآخرة، أو هكذا يفهم المؤمنون. إنه كما يخسر الجانب المؤمن في هذه المعركة، يخسر كذلك الجانب الكافر. وكما يتألم معسكر الإيمان، يتألم معسكر الكفر، وهو ما يدعو المعسكر الأول إلى الاستمرار وعدم التردد أو التوقف ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ). الآلام كبيرة وكثيرة وموجعة، لكن الفارق أن آلام أو خسائر المعسكر الإيماني تصب في صالح بناء مستقبل واعد مشرق بإذن الله، دنيا وآخرة ( وترجون من الله ما لا يرجون ) على عكس آلام وخسائر المعسكر الشيطاني الكافر، التي تعني خسارة ما أنفقوا عليه من جهود وأموال وأوقات، ثم يرونها تذهب سدى وهباء منثورا، وتذهب نفوسهم عليها حسرات، تجعلهم بعد حين من الدهر قصير، لا يرون مستقبلاً آمنا مطمئناً، لا دنيا ولا آخرة، وهذا أقل جزاء قبل يوم الحساب ( وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار) أعاذنا الله وإياكم منها.
528
| 14 نوفمبر 2024
مكائد الشياطين لا تنتهي، فإن أسبقيتهم عن البشر بالظهور في هذه الدنيا، جعلت خبراتهم وألاعيبهم تتراكم وتتنوع، فلا يستوعب الإنسي مكيدة شيطانية إلا وأخرى خرجت أمامه ضمن عمليات مستمرة لا تتوقف، تطبيقاً وتنفيذاً لتعليمات إبليس، من بعد أن طرده الله من رحمته. طلب إبليس بعد تأكده من قرار الطرد الذي لا رجعة عنه، ولا له توبة أبداً، طلب من الله أن يمد في عمره ولا يموت كباقي الخلائق إلى يوم البعث. لماذا كان ذلك الطلب الغريب؟ لكي يتمكن من إغواء بني آدم ودفعهم لاتباع خطواته. يريد أن ينتقم من ذرية هذا الإنسي الذي بسببه خرج من الملأ الأعلى. خرج من مكانة لا يصل إليها أي مخلوق سوى الملائكة. خرج بعد أن صدر قرار طرده من الرحمة الإلهية. فاستجاب له ربنا تبارك وتعالى، فهو موجود منذ أن خلقه الله وإلى أن تموت كل الخلائق والموجودات مع نفخة اسرافيل الأولى. بدأ من فوره في عمليات الإغواء والاضلال، بدءاً من آدم ومن سيأتي من ذريته، ودفعهم عن جادة الصواب والصراط المستقيم. هذا هو ما حدث ولا يزال يحدث من إبليس وذريته منذ إغوائه لأبينا آدم – عليه السلام – إلى يوم الناس هذا، وإلى ما شاء الله أن يستمر إغواء الشياطين لبني آدم. من هنا لا تظن أيها الإنسان، مهما كنت صاحب إيمانيات عالية، أن الشيطان تاركك على صراط الله المستقيم. لابد أن يدفعك دفعاً للخروج عنه وسلوك طرق أخرى معروفة نهاياتها. إن استطاع دفعك بالإغواء فلن يتردد لحظة واحدة في سبيل ذلك، فإن لم يستطع أشغلك حتى النسيان، فإن عجز عن ذلك قام بالتشويش عليك، فإن فشلت عملية التشويش قام بتخويفك ونسج خيالات وأوهام متعلقة بعملك أو حياتك أو أهلك أو مالك. لن يعجز الشيطان في الاتيان بكل ما هو جديد عليك من مسالك ودروب ومداخل وخطوات. كلها تؤدي للهدف نفسه وهو إخراجك عن الصراط المستقيم. القرآن يحذر الآيات القرآنية التي تحذرنا من الشيطان وألاعيبه كثيرة، فهذا الشيطان تكمن قوته في مهارته وقدرته على الإغواء والوسوسة والايحاء ليس أكثر. بمعنى أنه لا يملك سلطة عليك، ولا يقدر أن يأمرك مباشرة لفعل الشر، بل هو يدرك مسألة التحدي عند بني آدم حين يأتي وقت التحدي. الإنسان منا إن دخل موقفاً قد ينتج عنه فعل يقلل من الشأن ويصيب بالإهانة، تجده يصمد ويتحدى ويتعالى على الموقف، فتصعب عملية إذلاله، سواء دفعه إيمانه القوي بالله إلى ذلكم التحدي، أو دفعته اعتبارات أخرى شخصية أو اجتماعية أو غيرها لأن يترك نفسه الأبية أن تنزل منازل هابطة ويرضى بها. هذا بالمجمل أو بشكل عام، إلا ما ندر من نفوس تكون بالأساس قد نشأت في بيئات المذلة والإهانة، فهذه نفوس تحتاج لجهود جبارة لتشكيلها من جديد. حتى لا يضيع منا خيط الموضوع.. أقول: إن الشيطان يتجنب وضع الإنسان في مواقف تثير عنده روح التحدي والتصدي، لأنه سيخسر معه جولاته وسيضطر لمحاولات عدة متنوعة، وهو في الواقع - أي الشيطان - يرغب أن تقع ضحيته من أول جولة كي يتابع عمله مع آخرين. إن اثارة روح التحدي عند الإنسان غالباً تكون مرتبطة بعقيدة قوية، وإيمان راسخ، بغض النظر عن ماهية تلك العقيدة أو ذلك الإيمان. فكيف لو كانت تلكم العقيدة وذلكم الإيمان بالله سبحانه؟ لا شك أن الشيطان سيبذل جهوداً جبارة في عملياته ضد صاحب تلك الروح المؤمنة الصادقة. بالطبع لن يتركه هكذا يسير مستريحاً على صراط الله المستقيم. لكن، ولأنه عاش أزمنة عديدة اكتسب خلالها مهارات ومعارف وتراكمت عنده خبرات السنين الطوال، يبدأ في ممارسة تكتيكاته مع هذا الشخص. إن نفع التكتيك الأول، قام بتعزيزه فترة ثم يتركه ليتفرغ لآخر. أما إن فشل، فيبدأ في طرق وأساليب أخرى متنوعة. لا يهدأ له بال، ولا يستريح ليلاً أو نهارا. البداية عنده أن يدفع بالإنسي إلى عالم الشرك، فإن لم يقدر عليه دفعه إلى عالم البدع والخرافات، فإن لم ينجح أدخله عالم الضلال والانحراف، فإن تجاوز الإنسي ذلك، يبدأ الشيطان في اشغاله عن الصالحات من الأعمال، لاسيما العبادات كالصلاة والصيام والصدقة، فإن لم ينجح تراه يشغله بالفاضل عن الأفضل، أو يزين له التعمق في عالم المباحات أو التساهل في المتشابهات، أو تحقير صغائر الذنوب، وهكذا هو الشيطان في عمل دؤوب مستمر لا يكل ولا يمل. وصايا نبوية الوصايا النبوية الكريمة لأمته بالثبات على الأذكار في الصباح والمساء، وتلاوة القرآن والمداومة عليها، إنما هي بمثابة ارشادنا إلى الأدوات والأسلحة اللازمة من أجل الاستمرار أقوياء صامدين في حروبنا مع شياطين الجن، ومعهم شياطين الإنس كذلك. الله عز وجل يحذرنا من هذا الكائن في مواضع عديدة من القرآن (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين). نداء إلهي إلى عباده المؤمنين يحذرهم من عدوهم الذي لا يكل ولا يمل. يا عبادي الذين آمنوا بي حق الإيمان، انتبهوا إلى عدو أبيكم آدم وعدوكم أنتم ومن يكون معكم من المؤمنين إلى يوم الدين. انتبهوا يا عبادي المؤمنين ولا تتبعوا خطوات الشيطان. وإن خطواته بالمختصر المفيد، هي طرائقه في الغواية والوسوسة، وأساليبه ومسالكه في تزيين الشر، حيث عمله القديم المتجدد إلى ما شاء الله له أن يعيش. انتبهوا يا عبادي من هذا العدو، ولا يغرنكم بالسير معه أو وراءه في طرق ومسالك لن تكون عاقبتها ونتائجها سارة لكم، فمتى زيّن هذا العدو الخير للمؤمنين وعباد الله الصالحين؟ إن من يضعف أو يغفل لحظة عن هذا العدو، فيتبعه هنا أو هناك، فلا شك أنه الخاسر. لا يضعف أحدكم فيسير في النميمة والغيبة وأحاديث الإفك والوشاية والإشاعة، أو أحاديث اللهو والباطل من تلك التي تميت القلب أو تجعله قاسياً، لا يتأثر بذكر الله. إنها أفعال وأقوال وسلوكيات، يدفع إليها الشيطان بكل ما أوتي من قوة، ويزينها بأجمل ما عنده من وسائل وطرائق. إنه يأمر بالفحشاء والمنكر. ولولا رحمة الله بعباده المؤمنين، ما سلِم من أذى الشيطان ورجسه أحد. ذلك أن فضل الله عليهم كبير وكثير، فإن هدايتهم إلى الاستغفار والتوبة، تُعد من أجمل وأزكى فضائل الله على عباده المؤمنين، وهي تستحق الحمد والشكر بالقول والعمل. والله سميع عليم، غافر الذنب وقابل التوب ومجيب الدعوات.
1086
| 07 نوفمبر 2024
استكمالاً لما تطرق إليه زميلي الأستاذ إبراهيم عبد الرزاق في مقالته قبل أسابيع حول امتحانات الثانوية العامة، ووصفها بالمرعبة، فأتفق معه في الوصف، لأنها فعلاً امتحانات مرعبة، وسنة رعب ليس للطلاب فحسب، بل لأولياء أمورهم كذلك ! ظني أن هذه الأجواء هي نتاج فلسفة ونظام هذه الامتحانات التي وضعت قبل عقود مضت، وظلت راسخة لا تتغير ولا تتبدل، محصنة من أي محاولات تطوير تفرضها التحولات والتطورات الحاصلة بالعالم. هذا ما دفعني لطرح الموضوع، وأهمية إعادة النظر في آلية الاختبارات ضمن دائرة أوسع هي فلسفة التعليم الثانوي بشكل عام، وماذا نريد من الطالب مع دخوله المرحلة الثانوية وليس ما يريده الطالب، باعتبار أنه لم يصل بعد للنضج الذي يكون قادراً فيه على تصور مستقبله التعليمي والمهني دون دعم واستشارة. لفت انتباهي تصريح لأحد معلمي الرياضيات في فنلندا حول برنامج دولي لتقييم طلبة المدارس، يقول: «نحضّر طلابنا ليتعلموا كيف يحصلون على المعلومات، ولا نعلمهم كيف يجتازون الاختبارات». فلسفة تعليمية جعلت طلاب فنلندا في التقييمات العالمية متفوقين، ليس لأنه يتم تحضيرهم لتلك التقييمات، بل لأن طريقة جذبهم وتشويقهم للعلم والتعلم في مدارسهم، تجعلهم يتفوقون تلقائياً. الصورة الذهنية للثانوية بعد هذه المقدمة أجد أهمية تغيير الصورة الذهنية لمرحلة الثانوية بشكل عام، كي تؤخذ سنوات المرحلة كلها بجدية ومثابرة، ولا يقتصر التركيز على السنة الأخيرة كما الحاصل الآن واعتبارها سنة نجاح أو فشل !! في عالم التعليم والتعلم ليس هناك فشل أو إخفاق، بل هي مجموعة ممارسات لأجل إظهار قدرات ومهارات تُنمّى وتُرسّخ عبر مناهج متخصصة، هدفها تنمية تلك القدرات والمهارات في كل طالب يعيش عصر التقنية السريعة والمعلومة المتطورة، وتوجيهه تبعاً لذلك نحو وجهة مناسبة له تلائم تلك القدرات والإمكانات والظروف المحيطة. وكلٌ مُيسّر لما خُلق له. الصورة الذهنية لابد أن تتعدل وتساير التوجه العالمي في التعليم، الذي بدأ منذ سنوات عدة يتأثر بالثورة المعلوماتية المتسارعة وتقنيات البحث والحصول على المعلومات عبر أدوات وآليات متعددة ومتطورة، وصولاً إلى ما يسمى الآن بالذكاء الاصطناعي.. وهي كلها وسائل مؤثرة على مسألة التعليم والتعلم بشكل عام، ومنها فلسفة الاختبارات في كل مراحل التعليم وليس الثانوي فقط، والتي لابد أن تتوافق مع التطورات الحاصلة، بحيث لا تكون الاختبارات تقليدية روتينية تعتمد على قياس مهارات الحفظ والاستظهار في كثير من المواد، والتي لم تعد لهذه المهارات تلك الأهمية، ما يجعل تنويع طرق وأدوات التقييم ضرورة، بدءاً بالاختبارات السريعة، إلى اختبارات الكتاب المفتوح، ومروراً باستخدام الإنترنت في حل المسائل، ثم تقييمات القدرة على كتابة التقارير وعمل الأبحاث، وانتهاءً باختبارات شفوية تعتمد على النقاشات وتقديم العروض والمحاضرات وغيرها كثير.. التعليم الأساسي حتى ندخل في صلب الموضوع ولا تضيع منا الخيوط، أقول: بعد أن ينهي الطالب تعليمه الأساسي خلال سنوات عشر متتاليات تتكون من ست سنوات ابتدائية وأربع سنوات إعدادية، لا مجال فيها لإعادة السنة الدراسية (سنبين في نهاية المقال سبب الزيادة في الإعدادية) تكون خلالها القدرات والتوجهات الأولية والمهارات لدى كل طالب قد تشكّلت وظهرت، خاصة في السنة العاشرة أو السنة الإعدادية الرابعة، وبانت للجهة المشرفة عليه، وهي الإدارة المدرسية بقسميها الإداري والأكاديمي، بحيث لا يتخرج الطالب من التعليم الأساسي، إلا وتكون الرؤية واضحة له ولأهله والجهة التي ستتولى تعليمه، كي تكون انطلاقته صحيحة للسنوات الثلاث القادمات، بحيث يمكن بناء على ما حصل عليه من التعليم الأساسي من قدرات ومهارات وإمكانات، تحديد المرحلة التالية المناسبة له، إما مهنية أو أكاديمية نظرية. وفي السطور التاليات شروح وتفصيلات.. الثانوية الأكاديمية الثانوية الأكاديمية أو التعليم الأكاديمي، هو ذاك النوع من التعليم الذي يركز على الدراسة النظرية والعلمية في المواد المختلفة، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء أو التاريخ والجغرافيا واللغات. ويغطي المنهج الدراسي مجموعة واسعة من المواضيع تمنح الطالب قاعدة معرفية واسعة، مع تنمية مهارات حل المشكلات وتطوير المعارف ومهارات التفكير النقدي عنده، وتدريبه على طرائق وآليات القيام بأبحاث ودراسات عن الموضوعات الأكاديمية في كل مادة. ويكون هدف هذا التعليم هو إعداد الطالب لمهنة عامة مستقبلية عبر توجيهه نحو تخصص معين في المرحلة الجامعية وما بعدها. وتكون الثانوية الأكاديمية نظرية عامة، أو تخصصية - والاتجاه العالمي نحو التخصصية أقوى من ذي قبل - بحيث تكون هناك ثانوية علمية، تكنولوجية، إدارية، إنسانية، تجارية، مالية، وغيرها من مجالات متنوعة بحسب حاجة كل بلد. الثانوية المهنية أما الثانوية المهنية أو التعليم المهني، فهو ذاك التعليم الذي يركز على تدريب الطلاب على مهارات تطبيقية ومهنية من أجل تمكينهم وتوجيههم نحو إكمال تعليمهم المهني في المعاهد الفنية العليا، أو للتوجه مباشرة إلى سوق العمل.. ويهتم المنهج بتوفير تدريب مهني وعملي في مجالات حياتية عديدة مثل مجالات الصيانة المختلفة، الإنشاءات، الصناعات، التمريض، الخدمات، وغيرها من مجالات مهنية متنوعة. ويركز على مجال معين من أجل تطوير مهارات الطالب الفنية ومعارفه العملية المؤدية به لإجادة مهنة محددة، يمكنه بعدها وبكل ثقة بعد إتمام المرحلة، خوض الحياة العملية، أو مواصلة دراسته المهنية في المعاهد الفنية العليا كما أسلفنا. واقعنا التعليمي الطالب الآن يبدأ تعليمه الثانوي دون توجيه حقيقي من المدرسة السابقة ولا اللاحقة. يبدأ عامه الأول بمواد كثيرة وعلى ضوء نتائجه، يحدد هو أو أهله إلى أي مسار يتجه، العلمي أم الأدبي. ومؤخراً المسار التكنولوجي، وإن كان لا يختلف عن العلمي في شيء. اختيارات الطلاب أو الأهالي تكون غالباً وفق تصورات ونظرات المجتمع للقسم العلمي والأدبي، أو النظرة لبعض المهن في المستقبل، أو بسبب نظام التوظيف بالخدمة المدنية، والمطلوب إعادة النظر فيه أيضاً، وهو موضوع يحتاج حديثاً مطولاً ليس مجاله ها هنا. اختيار الطالب لمسار علمي أم أدبي أم مهني، عادة لا يكون وفق قدراته ومهاراته وإمكاناته وميوله، والتي غالباً لا يقدر على تحديدها دون مساندة واستشارة، ومن هنا تتضح أهمية دور المدرسة السابقة في إعداد تقرير مفصل يوضح فيه إمكانات كل طالب، والتوصية بالتوجه نحو تعليم أكاديمي أو مهني. معنى هذا أن المرحلة الثانوية، ومن السنة الأولى، لابد أن تكون معالمها واضحة لكل طالب وأهله. فهذا طالب قضى عشر سنوات في التعليم الأساسي، وكانت المحصلة أنه صاحب قدرات ومهارات معينة تجعله يجيد التعامل مع التعليم النظري، وبالتالي فهو مؤهل لإكمال مسيرة التعليم الأكاديمي في هذه المرحلة وما بعدها في المرحلة الجامعية. فيما طالب آخر صاحب مهارات وقدرات تجعله يجيد التعامل مع التعليم العملي أو المهني ومؤهل لإكمال تعليمه بالمعاهد الفنية العليا، أو دخول سوق العمل إن كانت له رغبة في ذلك بعد إنهاء الثانوية. بتلك المعطيات، نحفظ أعمار طلابنا من الضياع والتوهان بسبب التبديل بين هذا المسار وذاك، أو عدم التوفيق والنجاح بسبب عدم ملاءمة قدراته ومهاراته مع المسار الذي اختاره هو أو تم دفعه إليه، وهذا دون شك سبب رئيسي من أسباب التسرب من التعليم، وهدرٌ لا ينبغي أن يحدث في زمن العلم والتعلم. الشهادة الثانوية نأتي الآن إلى بيت القصيد.. الشهادة الثانوية أو السنة الأخيرة من التعليم الثانوي، أرى أن تكون كغيرها من السنوات السابقة فيما يتعلق بالتقييم، بحيث يتم احتساب كل مجهودات وأنشطة الطالب طوال العام، لا كما الحاصل الآن والمقتصر على اختبارين فقط بالصورة التقليدية المتبعة منذ سنوات. لم لا تستمر عملية التقييم كما السنوات السابقة للطالب، بحيث يكون في كل فصل امتحانان، منتصف وآخر الفصل، بمجموع أربعة امتحانات طوال العام، بالإضافة إلى تقييم مجهودات أخرى للطالب مثل الواجبات اليومية، التقارير الأسبوعية، الأبحاث الشهرية، وغيرها من أنشطة وأعمال يمكن التفكير بشأنها والتوسع منها، ويكون القصد منها تنويع طرق كسب الدرجات، وتنويع طرق التقييم التي تراعي قدرات ومهارات كل طالب في كل وقت من أوقات العام الدراسي، لا أن تكون النسب موزعة على اختبارين فقط لتقييم قدرات الحفظ والاستظهار وقت الاختبار ! ولذلك نجد أن تنويع طرق التقييم وتحصيل الدرجات، عامل مهم في دفع الطالب ألا يتراخى ويتكاسل طوال عامه الدراسي الأخير، أو أن يتعامل مع الاختبارات التجريبية بتهاون وعدم جدية، كما الحاصل الآن. هذه نقطة أولى. الرسوب والإعادة نقطة ثانية متعلقة بالتقييم، وتتمثل في مسألة عدم تحقيق الطالب درجة النجاح الدنيا في أي مادة، والذي يتم حالياً التعامل معه عبر منحه فرصة ثانية لتقديم الاختبار في المادة أو المواد التي لم يحالفه التوفيق في تجاوز حد النجاح، أو تحقيق العلامة المأمولة، حتى إذا لم يحالفه التوفيق أيضاً في الدور الثاني، عليه إعادة سنة دراسية كاملة !! وهذا من وجهة نظري، هدر للجهود والأوقات والأموال، وسبب من أسباب التسرب من التعليم الثانوي. فما الحل؟ إن كان ولابد من الإعادة للسنة الثانية - وسيظل هدراً على أي حال - أرى أن تكون الإعادة مقتصرة على المواد التي لم يحقق الطالب النجاح فيها. بحيث تكون سنة الإعادة فرصة لتحقيق درجة النجاح في المواد التي لم يحالفه التوفيق فيها فقط دون إعادة بقية المواد التي حقق درجات النجاح فيها. فإن حالفه التوفيق ونجح في سنته تلك، يتم اعتماد درجات المواد الجديدة مع درجات المواد التي تجاوزها العام الفائت وتحسب له النسبة المئوية النهائية. أما إن لم يحالفه التوفيق في سنة الإعادة مرة أخرى في مادة أو أكثر، يُحتسب له الدرجة الدنيا من النجاح، ويتم تخريجه ولا يعيد سنة ثالثة ورابعة ويضيع عمره وجهده وجهود من معه، باعتبار أن خروجه من بيئة الثانوية أو المدارس، ربما دافع له لإكمال مسيرته العلمية في بيئات جديدة بالنتائج التي حصل عليها، سواء كانت ملائمة لإكمال التعليم الأكاديمي الجامعي أم المهني، أو يتجه لسوق العمل كأضعف الإيمان، ويتحول لعنصر منتج إيجابي. السنة الثالثة بالثانوية نقطة ثالثة تتعلق بالسنة الثالثة بالثانوية، سواء الأكاديمية أم المهنية، ولكن قبل ذلك نجيب على تساؤل ربما لاح في الأذهان حين ذكرنا بأن التعليم الأساسي مدته عشر سنوات متتاليات (ست ابتدائيات وأربع إعداديات) ولماذا الزيادة بالمرحلة الإعدادية دون توضيح ؟ السنة الرابعة الإعدادية، هي بمثابة الأول الثانوي حالياً، أو السنة الحاسمة التي على ضوء نتائج تحصيل الطالب خلالها يتم توجيهه نحو المسار الأفضل له بالمرحلة الثانوية، كما شرحنا في حديثنا عن التعليم الأكاديمي والتعليم المهني أعلاه. عودة إلى النقطة الثالثة إذن والمتعلقة بالسنة الثالثة الأخيرة في الثانوية، أقترح أن تكون مواد هذه السنة هي المواد الأساسية والاختيارية ذاتها والمقررة على الطالب في السنة الأولى بالجامعة، وهي مواد اللغة العربية والثقافة الإسلامية واللغة الإنجليزية ومواد إنسانية أخرى كالتاريخ والجغرافيا والجيولوجيا وغيرها من مواد اختيارية معروفة بالجامعات عندنا في قطر. بحيث يكون هناك تنسيق واتفاق بين الوزارة وجامعة قطر وتوابعها من الكليات، لاعتماد تلك المواد التي يدرسها طالب السنة الأخيرة في الثانوية كمواد سنة أولى بالجامعة، بحيث يبدأ الطالب مباشرة في التخصص. بمعنى آخر، يختصر سنة دراسية في الجامعة أو الكلية. وهذا موضوع آخر وجيه نحتاج للتحدث فيه مستقبلاً، والمتعلق باختصار زمن التعليم الجامعي في ظل التطورات التقنية والمعلوماتية والبحثية في العالم. ملخص القول كلما كانت البداية صحيحة كانت النهاية سعيدة دون كثير هدر في الجهود والموارد. إن بداية دخول الطالب المرحلة الثانوية بشكل علمي صحيح، هي الأساس الذي بناء عليه يتم الوصول للنهاية المأمولة، بعد أن تكون الرؤية قد اتضحت مع انتهاء الطالب من التعليم الأساسي، وعرف كل طالب قدراته ومهاراته، وأين يمكنه الإبداع والإنتاج والعطاء. لهذا كله أجد أن الموضوع يحتاج جرأة وهمة وإرادة في مس محظور مخيف يتجنبه كثيرون، وتفضيل البقاء في منطقة الأمان بالسير على هدى من وضع أسس وقوانين التعليم الثانوي قبل خمسين عاماً أو أكثر، يوم أن كانت الظروف ملائمة ومتوافقة معها، والتي لا أشك اليوم لحظة واحدة أنها لم تعد تتلاءم مع الثورات العلمية والتقنية الهائلة السريعة في عالم التعليم والتعلم، التي أوجزها ذاك المعلم الفنلندي، أنهم يعلمون طلابهم «كيف يحصلون على المعلومات، وليس كيف يجتازون الامتحانات». المهمة ليست يسيرة، لكنها ليست مستحيلة، بل أجدها ضرورة يفرضها واقع الدولة والتحديات التي أمامها في كثير من المجالات، والتعليم هو الأساس، خاصة أن الدولة تسعى جادة لتجسيد رؤية لم يبق لها من الزمن سوى سنوات ست قادمات، مليئات بكثير من الصعاب والتحديات.. فمن يبادر ويعلق الجرس ؟
2292
| 24 أكتوبر 2024
مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2355
| 30 نوفمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1125
| 01 ديسمبر 2025
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...
639
| 28 نوفمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
630
| 02 ديسمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
564
| 30 نوفمبر 2025
كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...
495
| 30 نوفمبر 2025
في كلمتها خلال مؤتمر WISE 2025، قدّمت سموّ...
483
| 27 نوفمبر 2025
للمرة الأولى أقف حائرة أمام مساحتي البيضاء التي...
447
| 26 نوفمبر 2025
استشعار نعمة الأمن والأمان والاستقرار، والإحساس بحرية الحركة...
447
| 27 نوفمبر 2025
يقول المثل الشعبي «يِبِي يكحّلها عماها» وهي عبارة...
438
| 30 نوفمبر 2025
أكدت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، في المادّة...
429
| 28 نوفمبر 2025
شاع منذ ربع قرن تقريبا مقولة زمن الرواية....
411
| 27 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية