رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. عبدالله العمادي

د. عـبــدالله العـمـادي

 

مساحة إعلانية

مقالات

528

د. عبدالله العمادي

من وحي موقعة أمستردام

14 نوفمبر 2024 , 04:00ص

 

 

الأحداث التي أعقبت مباراة كرة قدم بين نادٍ إسرائيلي وآخر هولندي في أمستردام قبل أيام عدة مضت، كشفت للعالم مرة أخرى وليست أخيرة، كم صار الصهاينة منبوذين حول العالم، وكيف يحاول الإعلام الغربي المنافق مرة أخرى، خلق سردية متناقضة لما عايشه ورأه الآلاف على أرض الواقع، قبل أن تنتشر المقاطع حول العالم وتفضحه.

موقعة أمستردام، إن صح وجاز لنا التعبير، تنضم لمواقع وأحداث كثيرة منذ بدء طوفان الأقصى، لتكشف مدى رداءة تلك الحثالة الصهيونية التي تستوطن فلسطين، بعد أن سرقت وقتلت وبغت في الأرض سنين عديدة. كشفت الموقعة الأمستردامية رداءة هذه النوعية من البشر، وكيف أن العالم خلال عام واحد انكشفت له الألاعيب الصهيونية التي انخدع بها بصورة وأخرى، فكان من نتائج ذلك الانكشاف، ما يحدث الآن في كثير من دول العالم من تغير في المواقف والاتجاهات ضد الصهاينة، لم نكن لنحلم بها نحن العرب والمسلمين قبل عام واحد فقط أن تقع أو تنتشر في دور الفرنجة والغرب، الذين كانوا سبباً في صناعة هذا الكيان المسخ في زمن مضى.

كشفت لنا موقعة أمستردام كذلك كيف أن الإعلام الغربي المداهن، لازال ينافق ويجامل الكيان المسخ، ولا زال على غيه وفساده. لم يتعلم من دروس طوفان الأقصى الماضية. إنه بهذا يدمر نفسه بنفسه، ولا يهمنا ذلك بقدر ما يهمنا أن نعرف بأن هذا الحاصل هو أحد وجوه النصر لطوفان الأقصى غير الملحوظ تماماً.

إعلام لا يتعلم

إذن هذا الإعلام الجبار النافذ، الذي كان له دوره المؤثر على كثير من مجريات الأحداث حول العالم لعقود طويلة، ما كان أحدنا يتصور أنه سيقع في شر أعماله يوماً ما بالطريقة التي نراها الآن، بعد أن ساد في العالم أنه أصدق إعلام، وأكثر إعلام صاحب مبادئ وقيم وأخلاقيات، فإذا به ينكشف مع هزة حقيقية واقعية مع أحداث الطوفان التي فاقت قوتها أحداث تدمير أبراج نيويورك المفتعلة، التي قسمت يوماً ما العالم إلى فسطاطين. فسطاط حق وفسطاط باطل، أو كما جاء في التصور الأمريكي وروجت له الولايات المتحدة تحت مفهوم الإرهاب. فإما أن تكون مع الإرهاب أو مع المعسكر المناهض له، الذي هو بالطبع معسكر الأمريكان وحلفائهم !

طوفان الأقصى رج الأرض رجاً من تحت أقدام الإعلام الغربي، الذي سقط القناع عنه، وبدا ذا وجه بشع قبيح، يعمل بلا أخلاق أو ضمير، ولا قيم أو مبادئ، كما كان يروج لنفسه عقوداً من الزمن، وخدع العالم بها. أراد هذا الإعلام المنافق مرة أخرى أن يعيد سيناريو السابع من أكتوبر مع ما جرى في أمستردام، وإظهار الصهاينة في صورة الضحية، وإن كنت لا أستبعد أن تلك الأحداث كانت مفتعلة، بقصد استثمارها إعلامياً وتحسين صورة الصهاينة، وتشويه صورة العرب بشكل عام، وتبرير ما يجري في غزة منذ عام.

ويمكرون ويمكر الله

مهما مكروا وما زالوا يمكرون، إلا أن الله خير الماكرين. إذ بعد الأحداث، طار الإعلام الصهيوني ومعه الغربي ببعض المشاهد، محاولين إظهار الغوغاء الإسرائيليين في صورة " يهود ضحايا " وأنهم يتعرضون مرة أخرى لحدث لا يختلف مغزاه عما جرى لهم مع النازيين ! بمعنى آخر، أرادوا صناعة صورة ذهنية مطورة لليهود المضطهدين على يد أعداء البشرية، وهم حالياً العرب والمسلمون. أرادوا لعب دور الضحية من جديد، وللمرة الألف. الدور الذي أتقنه شذاذ الآفاق على مر العصور. لكن فاتهم أن الواقع الآن اختلف تماماً، وسيختلف بعد حين من الدهر قليل، ويتعمق أكثر فأكثر لصالح الضحايا الحقيقيين في هذه الأحداث المستمرة منذ أكثر من سبعين عاما.

مع كل ذلك الجهد الإعلامي وبعض الرسمي الغربي الجبان في دعم وترويج ذلكم العمل المفتعل أو المخطط له، وتصويره على أنه وقع بدوافع " كراهية اليهود " أو " ضد السامية "، كان الله لهم بالمرصاد. حيث خرج هولنديون شرفاء وآخرون من دول أوروبية أخرى، كانوا ضمن ميدان الحدث، فكان لهم رأيهم غير المدفوع له، واستطاعوا بهواتفهم تصوير التطورات قبل يوم وأثناء المعركة. كشفوا الزيف الإعلامي الغربي والحقائق التي أراده ذلك الإعلام المنافق أن يخفيها، فرأى العالم الجوانب الخفية، أو الصورة الكاملة لتطورات الأحداث، فزاد العالم مقته وكراهيته للغرب بشكل عام.

طوفان الأقصى يثمر

نعود مرة أخرى لما بدأنا به الحديث، ونقول إن موقعة أمستردام، مثلما كشفت رداءة هذه الحثالة المهيمنة على فلسطين، فإنها كشفت أيضاً أن طوفان الأقصى لا يزال يثمر الجديد والجميل كل يوم، وموقعة أمستردام أحسبها ثمرة من ثمرات هذا الطوفان، حيث إن تغيير صورة ذهنية مصنوعة بمليارات الدولارات خلال عقود عديدة، ومن ثم إخراجها من عقول وألباب العالمين خلال سنة واحدة فقط، لا يمكن وصفه سوى بالإنجاز الأسطوري، إن صح وجاز لنا الوصف.

وبالطبع مثل هذه الثمرات لا يمكن أن يتذوقها ويشعر بها إلا كل صاحب ذوق رفيع، يرى الأمور بقلب مؤمن سليم، ونظرته للأمور والوقائع دقيقة وبعيدة عن حسابات الربح والخسارة المادية، المتمثلة في خسائر الحروب الطبيعية من الأرواح والممتلكات، مهما كانت تلك الأرواح غالية وثمينة، لكن من المؤكد أنها ليست أغلى من الجزاء الموعود بالآخرة، أو هكذا يفهم المؤمنون.

إنه كما يخسر الجانب المؤمن في هذه المعركة، يخسر كذلك الجانب الكافر. وكما يتألم معسكر الإيمان، يتألم معسكر الكفر، وهو ما يدعو المعسكر الأول إلى الاستمرار وعدم التردد أو التوقف ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ).

الآلام كبيرة وكثيرة وموجعة، لكن الفارق أن آلام أو خسائر المعسكر الإيماني تصب في صالح بناء مستقبل واعد مشرق بإذن الله، دنيا وآخرة ( وترجون من الله ما لا يرجون ) على عكس آلام وخسائر المعسكر الشيطاني الكافر، التي تعني خسارة ما أنفقوا عليه من جهود وأموال وأوقات، ثم يرونها تذهب سدى وهباء منثورا، وتذهب نفوسهم عليها حسرات، تجعلهم بعد حين من الدهر قصير، لا يرون مستقبلاً آمنا مطمئناً، لا دنيا ولا آخرة، وهذا أقل جزاء قبل يوم الحساب ( وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار) أعاذنا الله وإياكم منها.

مساحة إعلانية