رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أظهرت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاستعلائية في حق الجزائر وشعبها أن الروح الاستعمارية للمسؤولين الفرنسيين لم تزل متمكنة ولم تتزحزح قيد أنملة مما كانت عليه في الفترة الاستعمارية 1830–1962، فقد ادّعى ماكرون في بوح جهير، عدم وجود أمة جزائرية قبل حقبة استعمار بلاده للجزائر. وفي تناقض مدهش في ذات الوقت قال ماكرون إنه "كان هناك استعمار قبل الاستعمار الفرنسي" للجزائر، في إشارة إلى الوجود العثماني 1514- 1830، فهل "استعمر" العثمانيون الأتراك قوم يأجوج ومأجوج ثم جاء من بعد ذلك المستعمر الفرنسي وأنشأ الأمة الجزائرية؟. الجزائر إزاء ذلك الزعم الغريب لم تتردد في وقف استخدام الطائرات العسكرية الفرنسية لمجالها الجوي العاملة في إطار "عملية برخان" في الساحل الأفريقي. فضلا عن استداع السفير ومراجعة العلاقات الاقتصادية والتجارية. لقد تسبب ماكرون في أزمة دبلوماسية بين بلاده والجزائر، مع اقتراب نهاية ولايته الأولى التي بدأت في 2017. ورغم أن ماكرون كان قد اعترف قبيل انتخابه رئيسا لفرنسا بأن استعمار بلاده للجزائر كان جريمة ضد الإنسانية، لكنه عندما زار الجزائر عقب انتخابه مباشرة لم يقدم اعترافا ولا اعتذارا رسميا عن جرائم الاستعمار كما طالب الجزائريون. بيد أن الجزائريين ظلوا يطرحون على باريس بإلحاح 4 ملفات وهي: الأرشيف وجماجم المقاومين والمفقودين وتعويض ضحايا التجارب النووية، باعتبارها مفتاح علاقات طبيعية بين البلدين. وربما هذا الذي عزز حالة اضطرابية من القلق المفرط، ظلت مسيطرة على تعاطي ماكرون مع ملف علاقات بلاده مع الجزائر. والعقل السياسي الفرنسي في عمومه متنازع بين نزعة استعمارية شوفينية ونزعة ليبرالية مصنوعة تريد فرنسا أن تظهر باعتبارها دولة قيم حضارية. لقد أضحت فرنسا منذ مطلع العام 1600 إمبراطورية إستعمارية ضمت مجموعة من المناطق التي خضعت للحكم الفرنسي خارج أوروبا حتى أواخر العام 1980. وكانت فرنسا، في القرنين التاسع عشر والعشرين، ثاني أكبر سلطة في العالم بعد الإمبراطورية البريطانية. وتمددت سلطتها على نحو 9% من مساحة الكرة الأرضية، أي ما يعادل 13 مليون كيلو متر مربع. وفرنسا اليوم التي تنافس تركيا وتتصادم معها في مواقع كثيرة من العالم، تشعر بقلق من تنامي دور أنقرة في أفريقيا لا سيما ليبيا والجزائر. ووفقا لوزير الخارجية الجزائري فإن تركيا لاعب دولي مهم جدا، وأن بلاده ترتبط معها بـعلاقات تاريخية عميقة، وتسعيان إلى تعزيز علاقاتهما المشتركة. وقال المسؤول الجزائري أن تركيا أسهمت بدور مهم في عملية التنمية بالجزائر في السنوات الأخيرة، وأن بلاده تتطلع إلى مزيد من علاقات الشراكة والاستثمارات التركية في الأيام القادمة. ولهذا حاول ماكرون وصف الوجود العثماني السابق في الجزائر على أنه "استعمار منسي"، فكأنما يحاول تبرير استعمار بلاده للجزائر. مما جعل بعض النخب الجزائرية تعتبر ذلك جهل بالتاريخ ومحاولة للإيقاع بين تركيا والجزائر. وبلهجة تحريضية ضد تركيا، تساءل ماكرون كيف نسي الجزائريون الدور الذي لعبته تركيا في بلادهم، وما أسماه بالهيمنة التي مارستها تركيا. لكن الجزائريين الذين استشهد منهم مليون فرد في سبيل طرد الاستعمار الفرنسي، يقولون أن العثمانيين الأتراك لم يقتلوا الجزائريين ولم يلقوا بهم أحياء من الجو ولم يرتكبوا جرائم ضد الإنسانية. بينما مكثت فرنسا 130 عامًا في الجزائر وسرقت ثرواتها وجعلت من الأراضي الجزائرية حقل تجارب للأسلحة النووية. ويقول قائل لماذا ترفض فرنسا الاعتذار للجزائر مثلما اعتذرت لليهود حين شاركت حكومة فرنسا الفيشية والشرطة الفرنسية في جمع اليهود وترحيلهم من فرنسا إلى معسكرات الاعتقال في ألمانيا النازية وبولندا المحتلة من قبل النازيين. إن أقل ما يطلبه الجزائريون من فرنسا لفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين تقوم على أسس نزيهة، هو أن تعترف فرنسا بجرائمها في الجزائر. وظل الدور الفرنسي في الجزائر سلبيا حتى ما بعد الاستعمار، فقد غضب الشارع الجزائري إثر إعلان فرنسا في مارس 2019 دعمها لخريطة طريق أعلنها الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة لتمديد فترة حكمه. وطوال العام 2019، ظلت تصريحات مسؤولين وسياسيين جزائريين، بينهم قائد الأركان تتزاحم متهمة باريس بالتدخل للتأثير في المرحلة الانتقالية بالجزائر حتى ما بعد بوتفليقة. وفي العام الماضي استدعت الخارجية الجزائرية سفير باريس لديها لتبلغه احتجاجا على نشر الجيش الفرنسي صورة على حسابه بتويتر تضمنت اسم الجزائر وعلمها، وأضيف إليها العلم الأمازيغي واسم منطقة القبائل، وكأن الأمر يتعلق بكيانين مختلفين أو مستقلين، وليس دولة واحدة هي الجزائر. إن فرنسا لا سيما نخبها السياسية تعيش أزمة في التعاطي والتواصل مع الآخر، فرغم احتلالها لشعوب مختلفة في ثقافتها وأصولها العرقية لكنها اليوم ترفض التنوع في المجتمع الفرنسي واندماج الآخر فيه. بل ينتشر فيها التطرف ومعاداة الآخر من منطلقات عنصرية انتشار النار في الهشيم؛ حيث يحذر مثقفوها مما أسموه بـ"الاستبدال الكبير"، أو إحلال الأجانب من أصول أفريقية ومسلمة محل الفرنسيين. فقد أطلق الكاتب الفرنسي المتطرف رينو كامو منذ العام 2013 دعوة تحت شعار "لا لتغيير الشعب والحضارة". ومن دعوات كامو العنصرية انطلق منفذ الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين بكرايست تشرش نيوزيلندا مسفرا عن وفاة 51 مسلما في مارس 2019. في كتابه قال كامو "لقد تحول كل فرنسي، حسب قوله، إلى رجل قابل للاستبدال جُرّد من كل الخصوصية القومية والإثنية والثقافية". ووصف هذه الحالة بـ"التبلد العام" زاعما بأن ذلك سمح بـ"استعمار استيطاني" حقيقي لفرنسا بسبب الهجرة المغاربية والإفريقية. وخلص كامو متحسرا: "إن نسبة السكان الأصليين في فرنسا لا تزال مرتفعة للغاية بين كبار السن، لكنها تنخفض بشكل كبير مع انخفاض المستوى العمري. إن المنحى السائد يشير الى أن الرضع هم من العرب أو السود، وهم ويا للسعادة! مسلمون، أطفال مسلمون؟". فإلى أي حد تشربت النخب السياسية الفرنسية ونهلت من معين كامو وما شابه كامو، فانداحت أفكارهم تؤطر السياسة داخليا وخارجيا؟. yasir_mahgoub@
5895
| 09 أكتوبر 2021
يعيش السودان في بحر أصوات صاخبة متلاطمة يريد مصدرها أن تبدو ألحانا وطربا، بيد أن غالبية الشعب لا تسمعها إلا طَنْطَنةً ونشازاً، فاليوم تحاول أطراف العملية السياسية عبثا أن تعزف أنشودة عنوانها التحول الديمقراطي، فيما يقوم ما يُعرف بالمجتمع الدولي بالدورالكورالي أو جوقة آلات النفخ. وبما أن التحول الديمقراطي واختيار نظام حكم البلاد شأن سوداني، إلا أن حركة دولية أممية نشطة تكالبت على الخرطوم إثر تصاعد الخلافات بين أطراف العملية السياسية الانتقالية التي تولت السلطة عقب الاطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير في ابريل 2019. والمجتمع الدولي مصطلح مضلل، فبينما يتبادر للذهن أنه يمثل إرادة دولية "حريصة" على إرساء السلام والحكم الراشد، نجده ليس إلا محصلة لإرادات دول غربية بعينها ساعية لتكريس مصالحها واستراتيجياتها التي فرضتها نتائج الحرب العالمية الثانية المنتهية في سبتمبر 1945. والمتابع لمسار الفترة الانتقالية يستبين بوضوح دلالات توقيتات وأسباب الهجمة الدولية الهادفة إلى التحكم في الشأن السوداني تحت مزاعم دعم التحول الديمقراطي. ومن المعلوم أن الشراكة السياسية في السودان بين المكونين العسكري والمدني، قامت على معادلة وقاعدة سُميت بالوثيقة الدستورية، فنشأت هياكل الفترة الانتقالية على أساسها. ولعل الالتزام بالوثيقة الدستورية ظل شرطا مهما لتماسك أطراف الحكم وصولا لإنجاز مهام الفترة الانتقالية بكامل استحقاقاتها. وأهم هذه الاستحقاقات على الاطلاق هو تنظيم انتخابات حرة ونزيهة تفضي إلى برلمان يطلع ببقية الاستحقاقات. المفارقة أنه عندما انتهكت هذه الوثيقة وظل المدنيون على وجه الخصوص ينقلبون عليها ويمزقونها شر ممزق، لم يحرك المجتمع الدولي ساكنا وغض الطرف عن كل ذلك. لكن اليوم عندما دخل العسكريون والذين يمثلون الجيش السوداني طرفا في نزاع علني، هب المجتمع الدولي يعزف أنشودة التحول الديمقراطي الذي "يهدده" العسكريون. المصالح والاستراتيجيات الغربية تعلم أن الجيش السوداني هو المؤسسة القومية الوحيدة القادرة على حفظ كيان ووحدة الدولة السودانية وهذا ما يصطدم ويتعارض مع الأهداف غير البريئة المتخفية وراء زعم "دعم" التحول الديمقراطي. والمجتمع الدولي الذي تجاهل الانقلاب على تحول ديمقراطي منجز في تونس، تجاهل خرق الوثيقة الدستورية في السودان لأن الخروقات جاءت من قبل من لا يُخشى اعتراضهم على مصالحه وخططه التي يعطلها قيام دولة سودانية ديمقراطية موحدة. لقد نصت الوثيقة الدستورية على تشكيل المجلس التشريعي خلال ثلاثة أشهر من بداية مهام حكومة عبد الله حمدوك، لكن هذا لم يتم حتى اليوم بعد مضي نحو عامين على الحكومة. وجعل غياب المجلس التشريعي، طرفا العملية السياسية يبتكران مرة بعد الأخرى طريقة لممارسة صلاحياته، بل اخترعا سلطة ثالثة باسم مجلس الشركاء الانتقالي وهو يضم مجلسي السيادة والوزراء وشخصيات أخرى، في تعد واضح على الوثيقة الدستورية. ومضت حكومة حمدوك قدما في تعديل واصدار القوانين المختلفة والتصديق على الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية، وكل ذلك من اختصاص المجلس التشريعي، ولعل تجاهل تكوين المجلس التشريعي يمكن تفسيره بالخوف من إبطاله واعتراضه على تلك القوانين المرتبكة والتي صدرت بليل، لما فيها من عيوب وسوء نية. كذلك فإن المكون المدني في مجلس السيادة وهم أغلبية (6 أعضاء مقابل 5 عسكريين) ظلوا جزءًا من جدال عقيم عطّل الموافقة على تشكيل مجلس القضاء العالي، واعتماد تعيين رئيس القضاء وقضاة المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بعد ترشيحهم من قبل مجلس القضاء العالي، واعتماد عدد من سفراء السودان في الخارج. ويأتي الخلاف الأخير بين المكونين بسبب مطالبة العسكريين للمدنيين بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، إذ تستأثر 4 أحزاب فقط بالسلطة بعد أن تم ابعاد أكثر من 70 تنظيما وحزبا سياسيا كانوا يمثلون مجتمعين الحاضنة السياسية المعروفة بقوى الحرية والتغيير. ولعل هذه المطالبة جاءت كمحاولة يائسة لمعالجة خرق آخر للوثيقة الدستورية في بندها الأول من المادة (15) والتي نصت على تشكيل حكومة كفاءات غير حزبية والواقع يقول إن حكومة حمدوك اليوم حكومة حزبية كاملة الدسم ولعل حمدوك نفسه قد يحاجج عند اتهامه بالفشل بأنه لم يكن لديه سلطة في اختيار وزرائه، حيث فرض عليه أشخاص غير أكفاء لم يكن ليرغب فيهم بسبب المحاصصات الحزبية المتهافتة. وفي مقابل مطالبات الجيش التي لم تعجب المكون المدني المستأثر بكيكة السلطة، شن الأخير هجوما على الجيش بزعم تهديده للتحول الديمقراطي وتدخلوا في شأنه مطالبين بهيكلته وتعني الهيكلة فيما تعني تفكيكه وابطال فاعليته وجاهزيته لحماية الوحدة الوطنية والأمن القومي. وهذا خرق أيضا آخر للوثيقة الدستورية التي نصت على أن مهمة (اصلاح الأجهزة العسكرية تسند للمؤسسة العسكرية وفق القانون) ولا شأن للمكون المدني بهذه المهمة. ولعل مما زاد التوتر أن السلاح الذي يلوح به المدنيون في وجه شراكائهم العسكريين هو تحشيد الشارع لكن هذا السلاح لم يعد بتلك الفعالية إذ إن اخفاقات حكومة حمدوك لاسيما في الجانب الاقتصادي. وعلى خلفية معركة الشريكين الأخيرة، دعت أحزاب المحاصصة إلى تظاهرات لاظهار قوتها في مواجهة العسكريين، وأن قطاعا كبيرا من الشعب السوداني لا يزال يتمسك بهذه الأحزاب التي تمثل أقلية، لكن الحشد جاء مخيبا للآمال وأظهر الحجم الحقيقي لتلك الأحزاب المستأسدة. حتى رئيس الوزراء عبر في خطاب له أمام اجتماع دولي بالأمم المتحدة عن الانتقال في السودان الخميس الماضي عن احباطه قائلا إن المرحلة الانتقالية "فوضوية ولا تذهب بأفق واضح". أما حاكم دارفور وأحد قادة الحركات المسلحة فقد قال إن الذين يرتدون عباءة الحرية والتغيير الآن، لا يمثلون كل التحالف، واتفق مع رؤية الجيش حين قال إن الانفتاح بين مكونات التحالف هو العلاج لتحصين الفترة الانتقالية. قبل نحو 35 عاما كانت هناك فترة انتقالية أعقبت نظام الرئيس جعفر النميري، لكن شتان ما بين تلك وهذه؛ فقد كونت حكومة تلك الفترة من كفاءات وتكنوقراط وحددت مدتها سنة واحدة واطلع المجلس العسكري برئاسة المشير عبد الرحمن سوار الذهب بمهامه وفي حدود اختصاصه بينما فعلت الحكومة المدنية ذات الشيء ولم نسمع بنزاع بين اطراف السلطة، وظل سوار الذهب يذكر شركاءه بمدة الحكومة الانتقالية حتى أوفى بعهده وسلم الأمانة. [email protected]
6135
| 02 أكتوبر 2021
حالة سيريالية فوضوية من عدم الاستقرار السياسي تسيطر على أجزاء كبيرة من الوطن العربي وتستحوذ على صدارة نشرات أخبار الإعلام العالمي؛ من تونس إلى ليبيا، وسوريا ولبنان واليمن والصومال والسودان، أما فلسطين فتلكم حالة دائمة ما بقي الاحتلال الإسرائيلي. وإن كانت فلسطين واقعة تحت احتلال متوحش، إلا أن عدم الاستقرار السياسي في بقية الدول بدا (بيدي لا بيد عمرو). هذه الحالة المتداعية تعمل على تركيز وتدعيم الصورة النمطية لدول وشعوب المنطقة العربية، فتزيد وتعضّد طوق العزلة واستدامة الأزمة الاقتصادية. وعدم الاستقرار السياسي يؤشر في ذات الوقت إلى خلخلة في نسيج الوحدة الوطنية، ووهن تماسك فئات المجتمع داخل الدولة، وترابطهم فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين السلطة من جهة أخرى، وبين مؤسسات هذه السلطة من جهة ثالثة، ترابطاً عضوياً يكفل وقوف هذه الدولة ومجتمعها أمام التقلبات والمتغيرات المختلفة كوحدة متماسكة. لا تحدثونا عن عدم الاستقرار السياسي في إيطاليا أو السويد على سبيل المثال، لمجرد قصر عمر حكوماتها، لأن مفهوم عدم الاستقرار السياسي يظل في كل الأحوال مفهوما نسبيا. ولعل مقاربة ابن خلدون في توصيف وتشخيص عدم الاستقرار السياسي لا تبدو متسقة ومواكبة للمفهوم العصري. فقد زعم أن عدم الاستقرار السياسي هو نتاج لعدم التجانس الثقافي في الأوطان التي تكثر فيها القبائل والعصبيات، بسبب الاختلاف في الآراء. بيد أن دولا وشعوبا معاصرة حققت الاستقرار السياسي على الرغم من وجود تلك الاختلافات في الجنس والعرق والأعراف والأديان، مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تزخر بالتباينات والاختلافات. بل إن الواقع والتجارب لا النظريات، قد أثبتا أن التباين الثقافي والعرقي في الدول الناجحة كان عامل استقرار وتمتين للوحدة ودافعا للتطور الاقتصادي. إذ يرى خبراء السياسة أن تلك الاختلافات قد توفر فرص لنشوء المجتمع الديمقراطي المقترن بالاعتدال في المواقف والسلوكيات والذي يتحقق نتيجة تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض. إن عدم الاستقرار السياسي وفقا لعلماء السياسة هو "عدم قدرة نظام الحكم على التعامل مع الأزمات التي تواجهه بنجاح وعدم القدرة على إدارة الصراعات القائمة، داخل المجتمع بشكل يستطيع من خلاله أن يحافظ عليها في دائرة تمكنه من السيطرة والتحكم فيها ويصاحبه استخدام العنف السياسي من جهة وتناقص شرعيته وكفاءته من جهة أخرى". وينتج عدم الاستقرار السياسي عن عدم احترام الدستور والقوانين والقيم وكذلك عدم قدرة الدولة على حماية الدستور من أهواء السلطويين قبل أهواء العامة، فضلا عن اخفاق الدولة في ضمان فعالية آليات استيعاب الصراعات داخل المجتمع التي تمنع انتشار ثقافة العنف. فلابد أن تتمكن الدولة من حماية الإطار المؤسسي للدولة وعدم سيادة العنف مكان الخضوع للدستور والقانون. وهذا يضمن التبادل السلمي للسلطة وسط الفعاليات السياسية المتنافسة فضلا عن التعبير الحر للآراء وسط عامة المجتمع، فلابد أن يطمئن الفرد العادي على صيانة حقوقه، وقدرته على ممارسه حرياته المشروعة في الرأي والفكر وفي اطار القوانين. وتأتي أهمية الاستقرار السياسي من كونه شرطا مهما للرفاه الاقتصادي، بيد أن انجاز التطور الاقتصادي وحده لا يحقق الاستقرار السياسي، بدون تنمية المفاهيم الثقافية والسياسية لدى عامة مجتمع الدولة. في أفريقيا بدت الانقلابات العسكرية لا الانتخابات، الطريق الأوحد والأكثر شيوعًا لإحداث التغيير السياسي. ومنذ خمسينيات القرن الماضي شهدت 40 دولة إفريقية 204 انقلابات؛ نجح منها 100. وكانت أفريقيا أكثر منطقة في العالم تشهد انقلابات. وفي الخرطوم بدأ الناس يومهم الثلاثاء الماضي بأخبار انقلاب عسكري تم احباطه لاحقا لكن تداعياته أظهرت توترا سياسيا كبيرة بين مكونات السلطة الانتقالية التي تحكم وفقا لوثيقة أعدها شركاء هذه الفترة وأسموها دستورية لكنها غدت كأصنام العجوة يأكلون منها كلما جاعوا وحدثتهم أنفسهم بأن يستولوا على مزيد من السلطات والصلاحيات بشكل رغائبي. والسلطة الانتقالية التي تولت السلطة بعد التغيير السياسي الذي أطاح بنظام الرئيس عمر البشير في ابريل 2019، يقودها مكونان، عسكري ومدني تربطهما علاقة مضطربة وملتبسة وزادتها محاولة الانقلاب الأخيرة اضطرابا وتوترا. المدهش أن المكون العسكري يهدد المكون المدني بانتخابات مبكرة مفتوحة لكل القوى السياسية فيما يهدده المكون المدني بإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية استنادا لرؤى وخطط عابرة للحدود. إن الاستقرار السياسي المرجو في السودان لابد وأن يقف على نظام سياسي ودستوري وحرية سياسية لا تستثني أحدا تحت أي مسوغ. لكن وفي هذه المرحلة التي تسبق وضع أسس النظام السياسي المرجو تبرز أهمية المؤسسة العسكرية المتمثلة في الجيش الوطني الذي ظل المؤسسة الوحيدة التي تحفظ الدولة السودانية ككيان جيوسياسي. ومن العبث أن تتحدث كيانات سياسية لا يعرف حجمها الجماهيري ولا مدى استقلالها أو حصانتها من الارتباطات الخارجية الآثمة، عن هيكلة الجيش والتدخل في شؤونه حتى تبلغ درجة عدم الاستقرار السياسي صفرا فتنهار الدولة وتتفرق أقاليمها شذرا مذرا وتنجح خطط استهداف الأمن القومي. ما لا تعلمه القوى السياسية المدنية - وهي أقلية لا تمثل كل القوى السياسية الفاعلة - أو تحاول تجاهله متعمدة أن للجيش أهميّة وربما قدسية في كافة المجتمعات، تعزز ذلك طبيعته النظاميّة، وهيكَليته المؤسّساتية، وانضباطه مما يؤدي إلى تحقيق أهدافه التي بالضرورة هي جزء لا يتجزأ من أهداف المجتمع والدولة. ولعل الأزمة السياسية التي تعمقت في السودان بعد سقوط النظام السابق سببها فشل المدنيين والعسكريين في الوصول إلى معادلة المصلحة الوطنية لعبور فترة الانتقال. اليوم يبدو الجيش السوداني أمام تحد وجودي كبير لاسيما الانفلات الأمني في بعض الولايات والانهيار الاقتصادي الماثل، فهو المسؤول عن الحفاظ عن وطن يقف على حافة الهاوية. وليس من المنطق أن يرهن مصير الاستقرار السياسي على شريكه تحالف قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية لحكومة عبد الله حمدوك التي لم تعد تتمتع بسند جماهيري بسبب فشلها في تحقيق كل ما أوكل إليها. فالجيش لا خيار له إلا إعادة صياغة تحالفه مع المدنيين بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وفق برنامج وطني جامع. [email protected]
6883
| 25 سبتمبر 2021
اتفاقية أمنية تاريخية ضمت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا أثارت غضب "العدو" والصديق في آن واحد؛ الصين وهي "العدو" والطرف المستهدف أصالة، انتقدت الاتفاقية بشدة ووصفتها بأنها "غير مسؤولة" و"ضيقة الأفق". أما فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، وهي الصديق المُبعد فقد رأت في الأمر"خيانة" و"طعنة في الظهر" إذ جاءت على حساب صفقة عقدتها مع أستراليا منذ 2016. وقال مسؤول الاتحاد الأوروبي إنّ "اتفاقاً من هذا النوع لم يتم فجأة وإنما استغرق وقتاً. لكن لم يتمّ إبلاغنا، ولم تتمّ استشارتنا. وعبر عن قلقه من كون ذلك يمثل نهجا إقصائيا لدى واشنطن. وأعلنت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا الاربعاء الماضي عن اتفاقية أمنية خاصة لتبادل تقنيات عسكرية متقدمة في محاولة لمواجهة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبموجب هذه الاتفاقية ستتمكن أستراليا من بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية عوضا عن أخرى تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء تعهدت بها فرنسا. وتغطي الاتفاقية كذلك مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمية والإنترنت. إذن فهناك تأهب وجدية من جانب واشنطن وحلفائها لمواجهة التنين الصيني وتقليم أظافره؛ فالتنين كما هو معروف كائن أسطوري من الوحوش التي أُلفت عنه القصص والأساطير إذ أنه يمثل رمزا للقوة غير المحدودة. وهكذا فقد لقبت الصين بالتنين تدليلا على قوتها لاسيما الاقتصادية ومن هنا شكلت بعبعا لأعظم قوة في العالم وهي الولايات المتحدة. ومع تباين الطريقة التي ينظر بها الأمريكيون إلى التحدي الصيني، يُركِّز الرئيس الأمريكي جو بايدن، وإدارته، على أن العلاقة بين البلدين واشنطن وبكين "علاقة تنافس"، فيما يرى آخرون بأن الصين تُمثِّل خطراً على أمريكا أكثر مما مثَّله الاتحاد السوفييتي في فترة الحرب الباردة. ولعل الاتفاقية الأخيرة بين واشنطن ولندن وكانبيرا بصدد إعادة أجواء الحرب الباردة في مواجهة الصين كعدو أول وذلك يتجاوز علاقة التنافس. ولعل الصراع بين واشنطن وبكين لم يتخذ أشكالا تقليدية بسبب الحذر الصيني، وربما لاعتماد بكين على (تكتيك) محمد علي كلاي الملاكم الأشهر في لعبة الملاكمة، والذي يقوم على امتصاص الضربة تلو الضربة والتراجع المستمر وعدم مسايرة الخصم ورد ضرباته حتى تحين الفرصة الملائمة وتوجيه ضربة للخصم حتى ولو طال أمد المعركة. بيد أن واشنطن قررت عدم الاكتفاء بوسائل الضغط غير العسكرية ولا الصبر على (تكتيك) كلاي حتى تقضي عليها بكين يوما بالضربة القاضية في ظل استمرار الاقتصاد الصيني في النمو وتمكنه في نهاية المطاف من تجاوز الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. من جانبها سعت بكين إلى ابقاء الصراع مع واشنطن في اطار منافسة حضارية وتدافع في اطار القوة الناعمة. فقد سعت الصين لوضع حد لانتقاد نظامها السياسي، والتدخل في شؤون هونغ كونغ وتايوان. وكذلك تخفيف الرسوم التجارية. لكن العقلية الأمريكية تأبى إلا أن ترفض مطالب ورغبات الصين. ومما لا شك فيه أن الصين اليوم تُمثِّل قوة التغيير الأساسية في النظام الدولي الراهن على مستوياته الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية كافة. إذ إن الولايات المتحدة تعتبرها التحدي الرئيسي لمكانتها الدولية. ولذا فإن الصين تعتبر في مركز دائرة الاهتمام والرصد الأمريكي ليس فقط تجاه واشنطن وإنما تجاه كل دول العالم. ويرى المفكر والفليسوف الأمريكي فرانسيس فوكوياما أن الصين دولة مركزية قوية تاريخياً استطاعت أن تقود نمواً اقتصاديا مستمر. ونجد اليوم أن إجمالي إنفاق الصين على البحث والتطوير ارتفع بنسبة 10.3% عما كان عليه في العام 2020 إلى 2.44 تريليون يوان (377.8 مليار دولار). ويقول الخبراء أن الصين ستصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2028، متفوقة على الولايات المتحدة، قبل خمس سنوات مما كان متوقعا في السابق. إن واشنطن غير معنية بإثارة غضب فرنسا والاتحاد الأوروبي لكن حساباتها الاستراتيجية والعسكرية تقتضي تموضعا عسكريا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بوسائل متطورة أكثر بكثير مما تضمنته الصفقة الملغاة. لكن الاتحاد الأوروبي يرى أن الشراكة الأمنيّة الجديدة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا تظهر الحاجة إلى نهج مشترك للاتّحاد الأوروبي في منطقة ذات أهمّية استراتيجيّة. وكان الأوروبيون قد حدّدوا لأنفسهم من قبل أولويّات عدّة مثل تحقيق خفض في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ووضع معايير للثورة الرقميّة فضلا تهدئة التوترات وتجنّبها. فهل تغير هذه الصفقة المثيرة للجدل في هذه الأولويات ويدخلون بقوة في غمار الحرب الباردة وهل تبقى الصين عدوا مشتركا وبنفس القدر مع واشنطن وبريطانيا واستراليا؟. ومما يجدر ملاحظته أن اتفاق صفقة الغواصات النووية يعتبر أول اتفاق عسكري واستراتيجي تدخل فيه بريطانيا بعد خروجها الداوي من الاتحاد الأوروبي، وعلق الاتحاد بأنه يسعى إلى التعاون مع لندن لكنه لا يلمس حماسة كبيرة من جانب القادة البريطانيّين، ومع ذلك لم يقطع الاتحاد العشم وترك الباب مفتوحا إذا ما أرادت بريطانيا التعاون. يشار إلى أنه رغم أن أوروبا كانت قد نحت في السابق منحاً ايجابياً تجاه الصين، وقد أشار خبراء في المجالين الاقتصادي والدبلوماسي إلى أن الصين كانت قد دخلت أفضل فترة للإستثمار في الأسواق الأوروبية، خاصة وأن أوروبا تتميز بأنها أكثر انفتاحا مقارنة بأمريكا. هذا فيما يخص لعب الكبار، فماذا بشأن منطقة استراتيجية ذات ثروات ضخمة مثل المنطقة العربية؟. رغم العلاقات القديمة والمتجذرة بين أوروبا وأمريكا من جانب وبين المنطقة العربية من جانب آخر، إلا أن المنطقة ظلت ترزح في التخلف الاقتصادي والتقني ولم تنل من تقدم أوروبا وأمريكا الاقتصادي والتقني شيئا يذكر غير أنها بقيت سوقا استهلاكية لما تنتجه المصانع الأوروبية والأمريكية من بضاعة مزجاة. [email protected]
6531
| 18 سبتمبر 2021
مثلت الانتخابات المغربية نهاية الأسبوع الماضي تسونامي عنيفا، أطاح بالحزب الذي قاد الحكومة خلال العقدين الماضيين؛ فقد مُني حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية بهزيمة كبرى في الانتخابات البرلمانية، فلم يحصل سوى على 12 مقعدا فقط في مجلس النواب، وكان قد حصل في آخر انتخابات عام 2016 على 125 مقعدا، حتى أمينه العام ورئيس الحكومة، فشل في تأمين مقعد نيابي له. والفوز والخسارة أمر وارد ومحتمل في ظل التنافس الحُر عبر آلية الانتخابات، بيد أن خسارة حزب العدالة والتنمية بدت فادحة وفاقت التوقعات، وليعلم حزب العدالة والتنمية وكل حزب يتصدى للحكم أن الحكومة وسيلة وجهاز تنفيذي لإدارة منظومة مؤسسات سياسية ومدنية واقتصادية تستهدف خدمة المجتمع؛ فالحكومة أجير للشعب الذي انتخبها واستمرار الأجير في عمله رهين برضا صاحب الشأن بأدائه. وليعلم - كذلك - حزب العدالة والتنمية باعتباره واحدا من حركات التغيير السياسية التي تؤمن بالإسلام باعتباره "نظاما سياسيا للحكم"، قد أزيح هذه المرة بالإرادة الشعبية وليس بانقلاب عسكري مدعوما من الغرب الذي يعادي ما يسميه بالإسلام السياسي، وهو مصطلح سياسي وإعلامي أطلقه الغرب نفسه واستخدمه لتوصيف حركات التغيير السياسية ذات التوجه الإسلامي، التي ترى أن الإسلام ليس مجرد عبادات وطقوس دينية، وإنما هو نظام سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي يصلح لبناء مؤسسات الدولة. الغرب الذي يؤمن بالعلمانية نظاما شاملا للحياة، يريد كذلك نظماً سياسية في الدول الأخرى تتماهى مع ما يؤمن، وهذا ما يصطدم تماماً مع رؤية الإسلام السياسي، ولذا يشيع عبر آلته الإعلامية الضخمة أن حركات الإسلام السياسي تسعى إلى الوصول إلى الحكم والاستفراد به، وبناء دولة دينية ثيوقراطية وتطبيق الشريعة الإسلامية التي لا تصلح في رأيه للعصر الحالي، ويجد الغرب في التيارات الليبرالية أو الحركات العلمانية ضالته، حيث لا تؤمن بفكرة تطبيق الشريعة الإسلامية في السياسة بل تؤمن بالرؤية الغربية وتريد بناء دول علمانية، وأن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية شأن خاص بالفرد المواطن ولا شأن للدولة فيه، وبالتالي فهي مدعومة من الغرب سواء جاءت للحكم عبر الانتخابات أو الانقلابات بينما تيارات الإسلام السياسي محاربة من جانبه سواء جاءت للحكم عبر الانتخابات أو الانقلابات. ورغم أن الحرب الغربية على تلك التيارات في كلتا الحالتين، فإن عددا من قادة ومفكري التيارات الإسلامية يقرون بخطأ الوصول إلى السلطة بالقوة أو الانقلاب العسكري، وكان موقف رئيس حركة النهضة التونسية أحد تيارات الإسلام السياسي في قوله إنهم يغلبون "مصلحة الوطن" على الكسب الحزبي، ذلك لأنَّ السلطة بالنسبة للحركة لا تمثل غاية في حد ذاتها بل وسيلة، فالرجل ظل يردد: "تعلمنا ألا نستخدم قوة الدولة في فرض توجهاتنا، لذا لم نطالب بتطبيق الحدود، أو إلغاء السياحة، أو فرض الحجاب، وتركنا كل ذلك لحركة المجتمع لتقرِّر بشأنه. في السودان لم يكن الاستفراد بالسلطة وبالا على المجتمع فحسب، بل انعكست هذه العقلية الإقصائية على البناء التنظيمي للحركة الإسلامية نفسها؛ فتعثرت فكرة تبادل السلطة داخلها، وأصبح القيادي في الحركة مثل الخليفة العباسي لا يتخلى ولا يتحول عن القيادة إلا بالموت الطبيعي أو المؤامرات الداخلية، وهذه إشكالية موجودة حتى في النظام السياسي الليبرالي؛ وحسبما توصل إليه فيلسوف علم الاجتماع الألماني روبرت مايشيلز ( 876 - 1936)، فالتنظيم السياسي مرتبط دائما باحتكار الأقلية له، فالعمل السياسي الحزبي يميل دائما إلى الاحتكار في أيدي حفنة من الأفراد القادة داخل الحزب أو داخل الحكومة مما يعقد التنظيم الديمقراطي، لأن اتخاذ القرار لا يمكن أن يكون جماهيرياً ولا من أغلبية الأعضاء لاستحالة ذلك وهذا ما يجعل الأقلية يستغلونها ذاتياً. ومن ناحية أخرى ليس للتيارات الإسلامية خلاف يذكر مع الشروط الأربعة لنموذج الديمقراطية الليبرالية؛ وهي: مبدأ الرقابة الشعبية؛ حيث السلطة في يد الشعب يعطيها من يشاء وله حق استرجاعها متى شاء، ولا يكون مصدر السلطة جهة أخرى غير الشعب وأفضل طريقة لتحقيق مبدأ الرقابة الشعبية هي الانتخابات. والشرط الثاني: مبدأ المساواة السياسية؛ يتم هذا المبدأ عن طريق الاشتراك في عملية التصويت من الأفراد المرشحين والأفراد والأحزاب المشاركة، والترشيح لمن يرغب في المشاركة السياسية لكل مواطن بالغ، ولكل فرد صوت واحد، بغض النظر عن جنسه ولونه ومعتقده، والشرط الثالث: مبدأ الحريات السياسية، ويتحقق ذلك بأن يكون التصويت حراً دون قيد (سرية الانتخاب) ضمانا لحرية المواطن في اختيار من يمثله دون خوف على نفسه أو ماله أو وظيفته، أما الشرط الرابع فهو مبدأ الأغلبية؛ وذلك بأن يكون صنع القرارات السياسية في يد الأغلبية الذين يمثلون الشعب، فلذلك يجب التأكد من أن عملية صنع القرارات وليس فقط اتخاذ القرارات التي تتركز في يد ممثلي الشعب أنفسهم. ومما يبعث الأمل ويمثل فهما يشكل دفعا إيجابيا للعملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، أن حزب العدالة والتنمية رغم الهزيمة الكبيرة لم يولول وإنما جاء على لسان أحد قياداته أن حزبه "هزم انتخابيا ويلزمه الاعتراف بذلك واستخلاص ما يلزم من نتائج، والأهم اتخاذ الخطوات العملية الضرورية"، مضيفا: "الهزيمة مؤلمة، ولكنها ليست نهاية المسار"، صحيح أن الحزب انتقد في بيان بعض ما رآه تجاوزات أضرت بنزاهة الانتخابات مثل الامتناع عن تسليم المحاضر لممثلي الحزب، في عدد كبير من مكاتب الاقتراع وطرد بعضهم الآخر، إذ رأى أن المحاضر تعد الوسيلة الوحيدة التي تعكس حقيقة النتائج المحصل عليها، لكن كل ذلك لم يكن مدعاة لرفض النتائج وعدم الاعتراف بها. ومن الواضح أن حزب العدالة والتنمية المنصرف لم يستثمر فرصة وجوده لمدة عقدين في السلطة لتعزيز مكاسبه وشعبيته بل فقد الكثير ولعله فشل في تجاوز التحديات الاقتصادية التي تمثل معاش الناس وهي تحديات ستواجه كذلك حزب الأغلبية الفائز الذي سيشكل الحكومة الجديدة. [email protected]
5904
| 11 سبتمبر 2021
وسط مظاهر بذخية لا تتناسب مع أوضاع السودان الاقتصادية المتردية، جرى تنصيب زعيم حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، حاكما لعموم إقليم دارفور، إنفاذا لاتفاق سلام موقع بين الحكومة السودانية وقوى تحالف الجبهة الثورية في الثالث من أكتوبر الماضي. ويطرح تعيين حاكم لدارفور في ظل الظروف الراهنة تساؤلا ملحا؛ وهو ما إذا كان تعيين حاكم لدارفور سيسهم بالفعل في وضع نهاية لأزمة دارفور التي اندلعت منذ نحو ما يقارب العقدين من الزمان أم يزيد المشهد تعقيدا. ولعل الاجراء الذي تم تحيط به اشكاليات وتحديات عظيمة تحد من حالة التفاؤل بانتهاء هذه الأزمة، فالأمر متعلق بطبيعة الصراعات القبلية في الإقليم الذي يعدل مساحة فرنسا، كما تحيط بالمنصب المستحدث اشكاليات قانونية ودستورية، فضلا عن ملاحظات تتعلق بشخصية الرجل الذي تم تعيينه في هذا المنصب؛ إذ لا يحظى بإجماع مكونات دارفور. ولطالما كان حفظ الأمن والاستقرار أحد أبرز التحديات أمام حاكم دارفور الجديد، فقد شهدت مناطق في دارفور ازدياد حدة التوتر الأمني في أعقاب منازعات قبلية وهجمات مسلحة شنتها مليشيات على قرى العودة الطوعية. فالنزاعات مستمرة بين المزارعين والرعاة بسبب الزراعة في مسارات الرعاة، وحرق مخلفات الزراعة بعد الموسم، مما يتسبب في إتلاف المراعي الطبيعية، ولعل أخطر التحديات التي تمسك بتلابيب كل من يتصدى لحكم الإقليم هي التضاريس القبلية الحادة لاسيما إن كان الحاكم يمثل أحد مكونات وقبائل الإقليم، حيث يرتفع مستوى الحساسية، ومن غريب ما شهده الاقليم من صراعات قبلية ما حدث في عام 2015، حين اقتتلت قبيلتا (الرزيقات والمعاليا) في معارك استخدمت فيها أسلحة ثقيلة متنوعة مثل صواريخ الكاتيوشا وقذائف "آر بي جاي"، فلم ينقصهما على ما يبدو إلا استخدام الطائرات، ومن عجائب تطورات صراع القبيلتين أن أصدرت مجموعة من أبناء إحداهما منشورا تم توزيعه في عاصمة ولاية شرق دارفور موطن الصراع، يعلن تهجير جميع أبناء القبيلة الأخرى المقيمين بالمدينة على أساس انتقائي عنصري وعرقي، وهدد المنشور بقتل كل أبناء القبيلة الأخرى الذين لا يغادرون المدينة بعد 24 ساعة كمهلة، وقال أعيان تلك القبيلة حينها إنهم توصلوا إلى استحالة التعايش مع الآخرين في إشارة واضحة لشركائهم في الولاية من القبيلة الأخرى. وتتضمن فسيفساء الخريطة القبلية في دارفور قبائل عربية وأخرى غير عربية، بيد أن الاتفاق الذي بموجبه تم تعيين حاكم لدارفور أغفل المكون القبلي العربي ويؤسس هذا الغياب لمشاحنات قبلية كان يمكن تفاديها. ومن ناحية أخرى ورغم أن الحركات الموقعة على الاتفاق تنحدر غالبا من إثنية واحدة، لكنها لا تبدو على قلب رجل واحد. وهذا مما يمهد لنزاعات حين توزيع مقاعد البرلمانات المحلية، سواء داخل المكونات القبلية المضمنة في اتفاق السلام أو من جهة أخرى، بين الأطراف والقبائل العربية غير الممثلة في الاتفاق. وتاريخ الحركات المسلحة يشير إلى أنها تناسلت وانشطرت من رحم حركتين رئيسيتين: "العدل والمساواة" و"تحرير السودان"، ليعانق عددها رقما فلكيا متجاوزة الأربعين حركة عبر أكثر من ثلاثين انقساما إما بسبب التباين القبلي أو بسبب قصور الرؤية السياسية. ويدخل في القصور السياسي عدم الوضوح لدى هذه الحركات حول ما إذا كانت تقوم بثورة مسلحة أم غير ذلك. فالتيار الثوري عادة يحمل أفكارا تؤمن بالثورة المسلحة كخيار ضد الاستعمار. وحتى ما يعرف بالكفاح التحرري، فهو نشاط مقاوم في المناطق التي تخضع للاستعمار، ويتخذ أشكالا مختلفة إما سياسية أو عسكرية أو كليهما، معبرة عن رفض الاستعمار. أما المقاومة فهي رد فعل سياسي أو عسكري يعبر عن رفض التدخل الأجنبي (الاستعمار). فكل هذه الأشكال تتحدث عن الاستعمار بينما لا تنطبق صفة الاستعمار بالضرورة على الحكومة في الخرطوم التي تقاتلها الحركات المسلحة. وخاضت هذه الحركات في العمل العسكري دون أن يكون لها جسم سياسي موازٍ، فغابت الرؤية السياسية العميقة والنظرة المستقبلية الثاقبة. ولذا ساد الاعتقاد بأن الخلل في عملية البناء السياسي كان من الأسباب المباشرة في تشرذم الحركات. ويؤخذ على قادة هذه الحركات - فضلا عن ضعفهم السياسي- استفحال الطموحات الشخصية بحثا عن المجد والمال، بل كان لبعض القادة مرارات وغبن تجاه بعض المكونات الدارفورية. ويواجه حاكم دارفور الجديد اشكالية تتعلق بتوصيف منصبه من ناحية دستورية وقانونية وعلاقة المنصب بولاة دارفور حيث يضم الأقليم 5 ولايات لكن اتفاق السلام أقر تنظيم مؤتمر ليناقش النظام الأنسب للحكم بالعودة إلى نظام الأقاليم ووضع أسس لإحكام علاقات المركز بأجزاء البلاد. ولذلك فإن تنصيب حاكم لإقليم دارفور قبل المؤتمر من شأنه أن يخلق مشكلات وتداخل صلاحيات بين الولاة والحاكم الجديد. وبالفعل أشار والي وسط دارفور إلى ما اعتبره عجلة في تعيين حاكم لدارفور، كما أبدى والي ولاية غرب دارفور تحفظه على أن تكون عاصمة ولاية شمال دارفور عاصمة للإقليم. وفعليا بدأ حاكم دارفور عمله دون تمرير القانون الذي ينظم العلاقة ويحدد مستويات الحكم علما بأن اجازة مثل ذلك القانون تتطلب وجود هيئة تشريعية وهو ما فشلت في انشائها السلطة الانتقالية الحالية واستعاضت عن ذلك باعتبار مجلس السيادة والوزراء مجتمعين يمثلان سلطة تشريعية برلمانية. فكان الأولى للحكومة إعداد مشروع قانون الحكم الإقليمي بدارفور ليحدد هياكل الحكم الإقليمي والاختصاصات، وبناء عليه يعين الحاكم. ويؤكد قانونيون أنه من ناحية دستورية لا يبدو للتعيين سند دستوري، حيث يصعب تصور تعيين حاكم قبل تأسيس الإقليم وحدوده والقانون والوثيقة المؤسسة للإقليم. [email protected]
6548
| 28 أغسطس 2021
بين رغائب الداخل السوداني المترع بغريزة الانتقام وأهداف القوى العظمى المتجبرة، تضيع حقائق قضية دارفور المتطاولة، حيث يراد لها إسدال ستار العرض قسرا وبدون نهايات منطقية بتسليم رئيس دولة سابق إلى المحكمة الجنائية الدولية. المسرحية كتبتها وأخرجتها القوة الدولية المتجبرة ضمن بازار المسرح الدولي الآثم لشيء في نفس يعقوب وقطفت ثماره وقضت منها وطرها، بينما الداخل السوداني الذي تستبد به نشوة السلطة يريد تمديد ليالي العرض الحمراء فيما ظلت أعناقهم لسكرة الصولجان خاضعة. عندما سقط نظام الرئيس عمر البشير في أبريل 2019، لم تعد القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في حاجة للعزف على وتر قضية دارفور ولا المحكمة الدولية الجنائية، وهي أداة سياسية من أدوات الإمبريالية المتنفذة، إذ كان المقصود إسقاط نظام البشير وحسب. لم يكن الاستثمار الآثم في قضية دارفور إلا جزءاً من سياسة واشنطن المعروفة بسياسة الراية الخداعة False Flag Policy وملخص هذه السياسة، التخفي وراء قضية مصنوعة لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالقضية التي تقرع لها الطبول، وهذا ما حدث في حرب العراق وما يسمى بالحرب على الإرهاب وغيرها. داخليا كان لخصوم البشير لرفع راية خداعة لإشفاء غليلهم السياسي والانتقام من البشير بالمضي قدما في تسليمه للمحكمة الجنائية، فقد قررت الحكومة السودانية الأربعاء الماضي، تسليم البشير واثنين من مساعديه إلى تلك المحكمة. حتى المحكمة الجنائية نفسها وعندما يئست من القبض على البشير كانت قد قررت حفظ التحقيقات، وأحالت الملفّ إلى مجلس الأمن الدولي بعد رفض دول عديدة التعاون معها في القبض على البشير مثل كينيا وجيبوتي ومالي والكونغو وتشاد وجنوب أفريقيا وغيرها. وقام البشير بعشرات الرحلات الخارجية منذ صدور مذكرتي التوقيف أصدرتهما المحكمة بين عامي 2009 و2010 في حقه، وبدت تلك الرحلات المتحدية كرحلات المغامرين. ولم تكن وجهات البشير محصورة في محيطه الإقليمي بل سافر إلى الصين وأندونيسيا والهند وجنوب إفريقيا، كما لم تكن قاصرة على الدول غير الأعضاء في المحكمة بل شملت الدول الأعضاء والملزمة قانونا بالقبض عليه وتسليمه إليها. قبل ذلك كان الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق كوفي عنان قد أكد في فبراير 2005 بتحسن الوضعين الإنساني والأمني في دارفور، بعد زيارة شهيرة للإقليم، بل طالب الحكومة والمتمردين على حد سواء ببذل الكثير من الجهد لزيادة تحسين الأوضاع والتوصل إلى حل سياسي، وتزامنت زيارة عنان تلك مع صدور تقرير لجنة أممية مستقلة كان قد شكلها لتقصي الحقائق في قضية دارفور، ورغم إدانة التقرير للحكومة السودانية، إلا أن الإدانة لم ترقَ لمستوى الإبادة الجماعية التي وردت لاحقا في صحيفة الاتهام التي أصدرتها المحكمة في حق المطلوبين. كما شملت اتهامات اللجنة الفصائل المسلحة في الإقليم بنفس القدر باعتبارها كذلك مسؤولة عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. ومن سخريات القدر أن الأسبوع الماضي شهدت دارفور تنصيب أحد قادة الفصائل المسلحة والمتهم بارتكاب جرائم في دارفور حاكما لإقليم دارفور وسبق له أن عين بعد ذلك التقرير في منصب كبير مساعدي البشير قبل أن يعود مرة أخرى للتمرد على البشير. حتى رئيس المجلس السيادي الانتقالي الحالي الجنرال عبدالفتاح البرهان كان قائدا ميدانيا في دارفور لسنوات طوال في خضم الأزمة تحت إمرة البشير. الولايات المتحدة الأمريكية نفسها التي استخدمت المحكمة الجنائية لإسقاط نظام البشير وتخفت وراء مزاعم أخلاقية لا تَعترِف بالمحكمة الجنائية ولم تُصادق على ميثاق روما الذي انبثقت عنه، كما أن لا ماضيها في فيتنام ولا حاضرها في العراق وأفغانستان يؤهلانها أخلاقيا لاعتلاء منصة الأستاذية في الأخلاق. والولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تنشر قواتها في طول العالم وعرضه، ولديها أكثر من 20 قاعدة عسكرية موزعة هنا وهناك. كما أن البشير ورفاقه مع افتراض صحة الاتهامات في حقهم لا يبلغ جرمهم جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي الصّديق االودود الجديد للحُكومة السودانيّة الراهنة، فلم تمتثل إسرائيل مُطلقًا لقرارات المحكمة الجنائية التي سبق أن طالبت بتسليم العديد من مُجرمي الحرب الإسرائيليين لجرائمهم افي قطاع غزّة والضفّة الغربيّة وجنوب لبنان. ومع هذه الزوبعة التي يثيرها خصوم البشير في الخرطوم لا يبدو أن واشنطن التي سارعت بتأييد قرار الخرطوم ولا حتى المحكمة نفسها لهما ذات الحماس والتوثب الضاري الذي يستبد بحكومة الخرطوم؛ فقد ترك مدعي المحكمة الجنائية الدولية كريم أسد خان الذي زار الخرطوم الأسبوع الماضي الباب مواربا حول ما إذا كان بالفعل سيسلم البشير ليحاكم بمقر المحكمة بلاهاي، حيث قال في مؤتمر صحفي بالخرطوم: "إذا رأى أن للقضاة إمكانية عقد المحكمة في أي مكان يرونه فإن الأمر يعود إليهم". مضيفا: "إن بعثة للمحكمة ستقيم في الخرطوم بشكل دائم". ومن مفارقات هذه القضية الملتبسة أن أسد خان تولى في وقت سابق الدفاع عن أحد متهمي المحكمة في قضية دارفور الذي حصل على البراءة وشغل منصب وزير الصحة في حكومة البشير حتى سقوطها. السؤال المطروح بصورة ملحة هل انتهت أزمة دارفور بعد ثلاث سنوات من سقوط حكم البشير أن الإقليم لم يزل ملتهبا؟. وهل سيعم الأمن والاستقرار الإقليم بعد محاكمة 3 أشخاص ضمنهم الرئيس البشير؟. السنوات القليلة الماضية شهدت خلالها دارفور أحداثا مروعة تقتيلا وتهجيرا وعنفا منظما. عموما يبدو أن البشير ورفاقه سواء حُكموا في لاهاي أو الخرطوم فلا يضير الشاة السلخ بعد ذبحها، وهو أعلى ما في خيل خصومه ليركبوه، بل قد توفر له المحاكمة ظروفا أفضل، خاصة إذا ما عقدت بلاهاي وتمكنه من كشف الكثير من المعلومات والحقائق. [email protected]
6625
| 14 أغسطس 2021
كان ابن الهرمة (80 – 179هـ) في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور، رجلا مراوغا سكيرا لكنه كان صاحب حظوة ومكانة لدى الخليفة. فهو يجيد السمر والطرفة، ولذلك كان يقدم خدمات السمر ليلا للخليفة، وبعد مجلس الخليفة الليلي يخرج لشوارع المدينة المنورة، حيث ولد ونشأ وتوفي فيها، وقد شرب الخمر حتى الثمالة، لكن في جنح الظلام يصادفه العسس ويستوقفونه، ويحيلونه للقاضي، حيث يقرر فيه تطبيق الحد الشرعي. بيد أن فساد السلطة ينقذه في اللحظة الأخيرة بوساطة آثمة من الخليفة ربّ البيت وضارب الدّف. لكن ابن الهرمة لم يكتف بهذه الوساطة من الخليفة فطمع في شيء أعظم إثما؛ ولعلمه بشغف الخليفة باللهو الليلي، انقطع ابن الهرمة عن زيارة الخليفة متعمدا فأرسل الخليفة في طلبه لكن ابن الهرمة بعث صديقا له لمقابلة الخليفة، مشترطا، أن يعطيه الخليفة "صكًا" يبرزه إلى العسس حتى لا يقبضوا عليه إذا وجدوه سكرانًا. بيد أن هناك ثمة ما يمنع الخليفة من فعل ذلك علنا لما يحتمله هذا من شبهة الخروج عن الشرع، والتعارض مع حدود الله، فطلب من ابن الهرمة أن يفكر في حل آخر يقيه شر العسس ولا يضع الخليفة في حرج بزعم أنه حامٍ للقانون والنظام ويريد أن يحافظ على صورته أمام رعيته ومؤسساته. ابن الهرمة لم يغلب حيلة، فكتب مرسوما ليوقعه الخليفة ويصبح نافذا. فجاء في المرسوم: (نحن أمير المؤمنين وقد تلاحظ لنا، أن هناك من بين الرعية رجلاً يدعى ابن الهرمة، كثر القبض عليه ليلاً وهو شارب الخمر، وقد عفونا عنه مرات ومرات دون أن يرتدع لذا نأمر بما يلي: إذا ضبط ابن الهرمة سكرانًا في أي وقت من أوقات الليل والنهار يجلد ثمانين جلدة، ويجلد من شارك في القبض عليه مائة جلدة). فصارت شرطة المدينة وعسعسها يمرون به، وهو سكران، فيسأل كل واحد منهم: من يشتري الثمانين بالمائة؟!. لقد أصبح ابن الهرمة وقانونه مضربًا للمثل في التحايل على القانون. ما هي الدولة المدللة التي تمثل ابن الهرمة؟ وما هي القوة العظمى الرغائبية التي تمثل الخليفة أبي جعفر المنصور؟. ربما الاجابة سهلة ولا تحتاج لعناء. أمس واليوم وغدا يتداعى مجلس أمن حكومة العالم لتبرير أفعال ابن الهرمة وتجريم كل من يعترض على أفعاله. بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا ودول أوروبية تتداعى لمناقشة الهجوم الذي استهدف الأسبوع الماضي ناقلة إسرائيلية تسمى الناقلة "ميرسر ستريت"، قبالة سواحل عُمان. بعد أن وجّه ابن الهرمة (إسرائيل) أصابع الاتهام لإيران التي نفت بشدة. وطالما الاتهام صادر من إسرائيل فبالضرورة أن تنضم الولايات المتحدة وبريطانيا إلى إسرائيل في تحميل إيران مسؤولية الهجوم المرجح أنه نفّذ بطائرة مسيّرة. بل أقسمت واشنطن بالقيام بتنسيق "ردّ جماعي" على إيران. وسواء قامت طهران فعلا بالهجوم في إطار الدفاع عن النفس أو ردا لصاع سبق، فلو أن إسرائيل هي المتهمة بالاعتداء فلن يحرك الخليفة ساكنا، بل إن إسرائيل في كثير من الأحداث تعلن عن اعتداءاتها صراحة وفخرا دون رادع أو لائم أو معاتب. إيران سبق أن اتهمت إسرائيل بالوقوف خلف هجوم "تخريبي" تعرضت له سفينتها "إيران شهركرد" في البحر المتوسط في مارس الماضي. وفي أبريل كذلك أعلنت طهران أن سفينتها "ساويز" تم استهدافها في البحر الأحمر. من ناحية أخرى أعلنت لبنان الخميس أنها ستتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي بعد غارات وقصف إسرائيلي استهدف جنوب البلاد. وقالت بيروت إن الاعتداء الإسرائيلي جاء بعد سلسلة من الخروقات لسيادة لبنان واستخدام أجوائه للعدوان على سوريا. لا تحدثوا إسرائيل عن القانون الدولي واحترام سيادة الدول، لكن حدثوها عن موائد الكبار دون أن تشبع أو تكتفي. يحكى أن ابن الهرمة دخل إلى عرس أو حفل يبتغي عندهم شيئا من الطعام، فأطال أصحاب الحفل الحديث معه وجعلوا يتذاكرون معه في أمور القرآن الكريم، ولم يطعموه شيئاً. فانصرف وهو يقول: لقد حفظوا القرآن، واستظهروا كل ما فيه إلا سورة المائدة لم تخطر على بالهم. لعل دعم واشنطن اللا محدود لدولة الاحتلال الإسرائيلي ظل أمرا جهيرا مفضوحا بيد أنه في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بدا عارما عاصف التوثّب ضاري؛ ففي بداية العام 2020 أعلن ترامب ما أسماه بخطة السلام بين فلسطين وإسرائيل والمعروفة بـ"صفقة القرن" بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو وسفراء أربع دول عربية في العاصمة الأمريكية واشنطن. وظل ترامب يصر على تسويق هذه الخطة ممنيا أهل فلسطين بوعود كاذبة في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل تطبيق حتى الحلول الاستسلامية، مثل حل الدولتين وعودة اللاجئين، وبقيت تؤكد أنه من الصعب إجلاء المستوطنين من أراضي الضفة الغربية. أما الجامعة العربية التي وصفها رئيس الوزراء الفلسطيني بأنها: "لم تعد جامعة بل مفرقة"، غدت مثل مومياء ترقد رقدة الموت في أحد متاحف التاريخ. وبلغ استياء الحكومة الفلسطينية من الجامعة حدا أن تداولت توصية للرئيس بتصويب علاقة فلسطين بالجامعة العربية لأنها تقف صامتة أمام الخرق الفاضح لقراراتها التي لم ينفذ منها شيء أصلا، والتي أصبحت رمزا للعجز العربي. على الصعيد الداخل الفلسطيني نشط الاحتلال الإسرائيلي في التنكيل بالفلسطينيين في ظل هجمة استيطانية شرسة مستغلة الدعم الأمريكي غير المحدود والعجز العربي وخوار فعل مؤسساته السياسية. ففي فبراير 2020 قالت حكومة الاحتلال إن ضم غور الأردن وشمال البحر الميت وفرض السيادة على المستوطنات في الضفة الغربية، يكون بالتنسيق مع الولايات المتحدة وليس مرتبطًا بموافقة الفلسطينيين. [email protected]
6943
| 07 أغسطس 2021
فيما تمضي إسرائيل بخطوات دبلوماسية حثيثة ضاربة دفوف الانتصارات ونافخة في أبواق الفرح بحصولها على صفة مراقب قي الاتحاد الأفريقي، تبكي الشعوب العربية على طلل أسموه جامعة الدول العربية، التي أصبحت من الأطلال الدوارس وآثار القوة المعنوية المتوارية في غيابة جُبّ الهوان. وحال الأمة العربية اليوم وهي تستنكر ما يحدث كحال الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى الذي استفهم استفهاما انكاريا وهو يعرف الجواب، لكنَّهُ كان يعبِّرُ عن حالةٍ إنسانيةٍ عميقةٍ تتجلَّى في دهشته وحسرته على ما يرى من دمار الطلل في قول: لِمَنِ الدِّيارُ بِقُنَّةِ الحُجْرِ ** أقويْنَ مِنْ حُجَجٍ ومِنْ دَهْرِ فأمتنا اليوم بسبب الهزائم المتكررة في كل الصُّعد يؤزها مرض النوستالجيا أزاً، فالحنين إلى ماضٍ زاهٍ أضحى في أحسن الأحوال نوع من تذوق لذة الوهم. والنوستالوجيا حالة مرضية أو شكل من أشكال الاكتئاب يتمكن الألم فيها من المريض إثر حنين مستسنٍ للعودة لماض تليد وخوف من عدم حصول ذلك. بعد نحو عقدين من العمل الدبلوماسي تمكنت إسرائيل الأسبوع الماضي من الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد: "هذا يوم احتفال بالعلاقات الإسرائيلية الأفريقية"، وأضاف الوزير المنتشي فرحا: "هذا يصحح الوضع الشاذ الذي كان قائما منذ نحو عقدين، ويشكل جزءا مهما لتعزيز نسيج العلاقات الخارجية لإسرائيل". ولفهم الاحتفاء الإسرائيلي نشير إلى أن فلسطين تتمتع بصفة عضو مراقب في الاتحاد، حيث ظلت بياناته فيما يتعلق بالنزاع العربي الإسرائيلي مصدر إزعاج لدولة إسرائيل الغاصبة لفلسطين. لا شك أن هناك مسؤولية عربية مباشرة وكبيرة في كلّ ما يحدث من تداعيات خطيرة حبلى بالمؤشرات بينما تقف الحكومات وقفة الصامت المتفرّج. إن ما يقلق إسرائيل أن الشعوب العربية تعيش على مساحة واسعة، وتستمتع بروابط تاريخية، وتقليدية موحدة، وبالرغم من أنهم ينتشرون في اثنين وعشرين بلدا مختلفاً، لكنهم يعتبرون أنفسهم جزءًا من أمةٍ واحدةٍ. في ذات الوقت يشكّل العالم العربي إحدى المرايا العاكسة لعلاقات القوى والمتغيرات الهيكلية في النظام العالمي ككل، بالإضافة إلى أنه يمثل واحدا من المتغيرات فيه والتي لعبت أدوارا في تغييره ودفعه نحو آفاق جديدة. ومع حدوث الخطوة الصادمة الأخيرة والتي تعتبر بحجم ما وصف تخفيفا بالنكسة في العام 1967، فهل نلوم الحُكومات الإفريقيّة التي صوّتت لصالح هذا القرار، وفتحت أبواب عواصمها أمام الدّبلوماسيين الإسرائيليين وسفاراتهم أم أن اللّوم كلّ اللّوم يجب أن يقع على العرب؟. لعل اللوم يقع على الأمة كلها، عربا ومُسلمين، ففي أفريقيا وحدها 28 دولة عضوا في منظمة التعاون الإسلامي أي نحو 50% من العضوية، أما الدول العربية فإن معظم شعوبها في أفريقيا وأكبر المساحات العربية في أفريقيا. فما بال 28 دولة تفشل في وقف قرار الاتحاد الأفريقي بمنح إسرائيل صفة مراقب؟!. ومن حيث المساحة فإن أفريقيا تحتل المكانة الثانية بين قارات العالم، إذ تزيد مساحتها على الثلاثين مليونا من الكيلومترات المربعة؛ وهي بعبارة أخرى تمثل نحو 22%. يذكر أنه سبق لإسرائيل أن حصلت على صفة مراقب في منظمة الوحدة الأفريقية، لكن بعد حل منظمة الوحدة عام 2002 واستبدالها بالاتحاد الأفريقي بجهود ليبية جرى إحباط محاولاتها لاستعادة هذه الصفة. لقد سعى زعيم ليبيا الراحل معمر القذافي إلى إنشاء الاتحاد الأفريقي في محاولة لتطوير أهداف منظمة الوحدة الأفريقية، وبذل الرجل من الجهد والمال الليبي العربي الكثير لأجل ذلك، واستضافت ليبيا قمتين أفريقيتين لهذا الغرض في عامي 2000 و2001 واتُّفِق في النهاية على قيام اتحاد أفريقي على غرار الاتحاد الأوروبي له من الأجهزة والمؤسسات ما يمكنه من تنفيذ الأهداف الموكلة إليه. ومن جانب آخر ومنذ إنشاء المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا في 1975، ظل يقوم بثلاثة أدوارٍ مهمة منها؛ المشاركة في تمويل التنمية في أفريقيا، وتشجيع مشاركة الدول العربية في التنمية الأفريقية، وتقديم المساعدات الفنية اللازمة للتنمية وبلغ مجمل ما قام به المصرف حتى العام الماضي نحو مليارين وخمسمائة وستين مليون دولار لتمويل 222 مشروعا إنمائيا. وهذا ما لم تقدمه إسرائيل ولن تقدمه مستقبلا. المدهش محاولات إسرائيل الهادفة إلى الولوج إلى القارة تأتي رغم نظرتها العنصرية العقدية تجاه الأفارقة، المنطلقة من الأساطير الإسرائيلية التي تزعُم أن سواد البشرة إنما أصله لعنة نوح لابنه حام؛ ومن ثم حفدته، وهو الزعم الذي تقوم عليه، أسس التفرقة العنصرية والتمييز اللوني. هذه هي مفاسد نظريات الشعب المختار والعرق، والعنصر السيد التي تسود في أوروبا وإسرائيل، والتي كانت تسود كذلك في جنوب أفريقيا قبل تحررها من نظام الفصل العنصري. لذلك استنكرت دولة جنوب أفريقيا بشدة القرار الذي اعتبرته أحادي الجانب من قِبَل مفوضية الاتحاد الأفريقي بمنح إسرائيل صفة مراقب. وقالت وزارة خارجية جنوب أفريقيا إن مفوضية الاتحاد اتخذت هذا القرار من جانب واحد من دون مشاورات مع أعضائها. مضيفة أن إسرائيل تواصل احتلال فلسطين بشكل غير قانوني، في تحدٍّ كامل لالتزاماتها الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. فمن غير المفهوم - وفقا لخارجية جنوب أفريقيا - أن تختار مفوضية الاتحاد الأفريقي مكافأة إسرائيل في وقت يكون قمعها للفلسطينيين فيه أكثر وحشية بشكل واضح. ومن المفارقات أن الجامعة العربية لاذت ببيداء الصمت ولم تحرك ساكنا ولو ببيان إعراب عن القلق!. في ظل هذا الصمت المريب جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السابق في 2016 عددا كبيرا من قادة الدول الأفريقية للقائهم دفعة واحدة كما يفعل زعماء الدول العظمى وطالبهم بمنح إسرائيل صفة دولة مراقب في الاتحاد الأفريقي مثلها مثل دول كبرى كالهند، والصين، وتركيا، البرازيل، واليابان، والاتحاد الأوروبي تتمتع بصفة مراقب. [email protected]
5894
| 31 يوليو 2021
ربما من غير تروٍ أو عميق تفكير، تعكف كليات الإعلام والاتصال في عجالة من أمرها على تغيير مناهج التدريس مع تنامي فرقعات زوبعة ما سُمي ب"الاعلام الجديد" تأسيسا على عقدة ألبرت مارشال ماكلوهان (1911–1980) أشهر منظري الإعلام في العصر الحديث. ماكلوهان وفي غمرة انبهاره بالتلفزيون في نهاية الستينات خرج علينا بـ "النظرية التكنولوجية لوسائل الإعلام"، التي قال فيها إن الرسالة هي الوسيلة. فالوسيلة (التلفزيون) التي تنقل الرسالة الإعلامية (المحتوى الإعلامي)، تطغى أهميتها على الرسالة نفسها. واليوم تسري عدوى عقدة ماكلوهان وينشعل بعض خبراء الإعلام بالوسيلة وما اصطلح على تسميته بـ"الإعلام الجديد" مهملين في ذات الوقت الأصل، وهي الرسالة والمحتوى الإعلامي. الحقيقة التي لا مراء فيها أن الدراسة الأكاديمية النظرية للإعلام ستظل أساساً قوياً لطلاب الإعلام في مستقبلهم العملي، لا سيما فيما يتعلق بصناعة الرسالة الإعلامية، سواء كانت خبرا أو تقريرا أو فيما يتعلق بأسس الحوار والإقناع. كما أن الوسيلة ظلت عبر التاريخ تتخذ أشكالا وقوالب لإيصال الرسالة الإعلامية، فالرسالة الإعلامية أصل وثابت، بينما الوسيلة فرع ومتغير. وفقا لنظرية ماكلوهان فإن مضمون وسائل الإعلام لا يمكن النظر إليه مستقلا عن تكنولوجية الوسائل الإعلامية نفسها، فطبيعة وسائل الإعلام التي يتصل بها الإنسان تشكل المجتمعات أكثر مما يشكلها مضمون وسائل الاتصال، ولا يبدو ذلك صحيحا بشكل مطلق؛ إذ أن المحتوى الإعلامي كائن حيّ فهو أفكار وقيم وتجارب بشرية، بينما وسائل الاتصال أيا كان تطورها التكنولوجي فهي كائن جامد أو في أحسن الأحوال عامل محايد. ويقول ماكلوهان إن الثورة التكنولوجية نقلت وعاء تخزين البيانات من الذاكرة الإنسانية إلى وسائط إلكترونية تطورت من الحروف الهجائية، ثم في أشرطة الكاسيت، ثم في وسط رقمي قابل للقراءة آليا، يسمى أحياناً تخزين البيانات الرقمية. وهذا ما جعله يدعم زعمه ونظريته آنفة الذكر، باعتبار أن أوعية التخزين الحديثة غدت جزءاً من الإنسان وامتدادا لحواسه، بيد أن هذه الأوعية لا تعمل ذاتيا، فهي تحتاج لعقل يديرها ويستثمر في مخزونها، ولا يعتبر محتواها رسالة إعلامية بشكل مجرد ما لم تخضع لمعالجات العقل البشري ومواءمتها بالظرف المكاني والزماني وغيرها من الظروف المحيطة. فهذه الأوعية مع ما كل ما تحمله من بيانات ومعلومات، فلن تحل محل الرسالة الإعلامية المتكاملة، وهي في أحسن الأحوال وسيلة نقل وليست رسالة في حد ذاتها. إن الرسالة الإعلامية فكرة يصوغها المرسل في عقله في شكل يمكن إدراكه من المرسل إليه. وماكلوهان لم يكن محقاً حين قلّل من قدر الرأي الذي يقول إن وسائل الإعلام أدوات يستطيع الإنسان أن يستخدمها في الخير أو الشر. ومع انبهار ماكلوهان الزائد بالوسيلة، فإن الرجل كان متأثرا كذلك بالهيام في سماوات الخيال الأدبي، فقد اختص الرجل بشكل أساسي في النقد الأدبي، وكانت إحدى كتاباته الأولى عن (المنطلقات الشعرية والبلاغية) في العام 1943، وهي مفتاح تكوينه الفكري السابق في النقد الأدبي. لا شك أن ثورة المعلومات التي يعيشها العالم في الوقت الراهن أحد أهم مراحل التطور التاريخي الكبرى، لكن من الخطأ تقسيم الإعلام تقسيما حتميا إلى إعلام تقليدي؛ ويقصد به الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون. وإعلام جديد؛ يقصد به اندلاق المعلومات عبر شبكات التواصل الإعلامي عبر الانترنت والهواتف الذكية. فذلك يقودنا مكرهين للوقوع في نظرية ماكلوهان، التي هي إسهام علمي مُقدر في وقته وله ما كسب وعليه ما اكتسب. فهذه الوسائل بنوعيها لا تعدو قوالب لنقل المحتوى الإعلامي وتكتسب فاعليتها وأهميتها من قيمة الرسالة الإعلامية نفسها وقدرتها غلى إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع. وإن كان من مرادفات مصطلحات الإعلام الجديد: الإعلام الرقمي، الإعلام التفاعلي، إعلام المعلومات، إعلام الوسائط المتعددة، الإعلام الشبكي الحي على خطوط الاتصال، الإعلام السيبروني؛ فإن ما سُمي بالإعلام التقليدي باعتباره مؤسسات متكاملة يحوي كل هذه الأشكال، فالقنوات الفضائية على سبيل المثال تضم مواقع إلكترونية عالية المهنية وتواصلاً تفاعلياً آنياً بجمهور المستقبلين، وكذلك الحال في كثير من الصحف. فنحن حقيقة أمام مؤسسات إعلامية تسمى ظلماً تقليدية، ربما للإشارة إلى تخلفها عن المواكبة التكنولوجية، لكنها تضم المحطات التلفزيونية التفاعلية، والكابل الرقمي، والصحافة الإلكترونية، ومنتديات الحوار، والمدونات، والمواقع الشخصية والمؤسساتية والتجارية، ومواقع الشبكات الاجتماعية، ومقاطع الفيديو، والإذاعات الرقمية، وشبكات المجتمع الافتراضية، والمجموعات البريدية، وغيرها. إن خبراء الاتصال والإعلام مطالبون اليوم بشكل مُلحّ بالبحث والتطوير في فلسفة الاتصال ومفاهيم الإعلام؛ فالاتصال سمة ملازمة للمجتمعات البشرية منذ الأزل، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للإنسان الذي يوصف بأنه كائن اتصالي؛ ولا تقوم للمجتمع الإنساني قائمة دون نظام للاتصال الذي اعتُبر شرطا من شروط بقاء الكائن البشري. وتاريخ البشرية من عصور نقوش الأحجار إلى بث الأقمار والثورة الرقمية، يمكن رصده متوازيا مع تطور وسائل الاتصال التي تربط بين الأفراد والجماعات. والاتصال يستهدف العمومية أو الذيوع أو الانتشار أو الشيوع. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة القصص الآية 51: "وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ". أي أتبعنا بعضهم بعضا فاتصل عندهم القول، يعني: القرآن.. أتممناه وبيناه وفصلناه. و(وصلنا) أصلها من وصل الحبال بعضها بعضا. والاتصال والإعلام ليسا مصطلحين مترادفين ولا يرمزان بالتالي لمعنى واحد ولا يحملان نفس الدلالة أو الإشارة إلى دائرة معينة. إن مفهوم الاتصال هو الأعم والأشمل، بينما الإعلام هو أحد وظائفه وأنشطته فهو جزء من كل. ومن الممكن القول بأن الإعلام بالضرورة اتصال، وليس الاتصال بالضرورة إعلام. علينا أن نبحث وندرس في كيفية إسهام الإعلام الإيجابي في أزماتنا الاقتصادية والسياسية والأخلاقية، وأن يكون قائداً وليس تابعاً أو مسبحاً باسم القوي، سواء كان ذلك مالا مستبدا أو سلطة غاشمة. [email protected]
8152
| 24 يوليو 2021
يقال: نفقت الدابة إذا ماتت، ومن ذلك جاء مفهوم النفاق وهو موت الضمير، والأخلاق، والقيم كذلك، ولعل من أخطر أنواع النفاق وأشدها فتكا وتدميرا للمجتمعات نفاق المؤسسات المتدثرة بالقيم والأخلاق وهي تنهى عن خلق سيئ وتأتي مثله، ومن أساليب النفاق الاحترافي التستر خلف العلم وكثير من الأعمال الإنسانية والقوانين الدولية، فذلك لا شك واقع تحت طائلة النفاق العقدي أو النفاق الأكبر، وفيه على سبيل المثال يظهر الإنسان الإيمان بالله لكنه يبطن خلاف ذلك. وهذا فيما يتعلق بالأفراد أما المؤسسات الموبوءة بداء الشيزوفرينيا، فتظهر المثالية القيمية والأخلاقية وتجعلها عنوانا لها، بينما سلوكها يفضحها رغم محاولات الاخفاء، فالداء العضال يأبى إلا أن يتمظهر ويعلن عن نفسه شاء صاحبه أم أبى، بل نفاق المؤسسات يشمل حتى النفاق العملي بمحاولة إظهار السلوك المثالي ليراه الناس طلبا لمنزلة في قلوبهم، بيد أن سلوكا مناقضا يتبدى في ذات الوقت، وهنا تتجسد شيزوفرينيا السلوك وهو العار الذي يخفيه المصابون ويخشون افتضاحه لدرجة التكتم عليه بكل الوسائل، ومن حسن الحظ فإن شيزوفرينيا السلوك تكشف العالم المثالي الواهم الذي تجتهد المؤسسات النفاقية في تصديره والظهور به. الأسبوع الماضي كشف راديو National Public الأمريكي، وهو منظمة إعلامية بمثابة نقابة وطنية لنحو 797 محطة إذاعية عامة في الولايات المتحدة الأمريكية، عن استقالة كورنيل ويست، أحد أبرز العلماء السود في البلاد من جامعة هارفارد، وقد اتهم الجامعة بالإفلاس الفكري والروحي العميق، وغرّد ويست في حسابه في تويتر متسائلا: هل جامعة هارفارد مكان لرجل أسود حر مثلي يؤمن بحق الأطفال الفلسطينيين في المساواة مع نظرائهم اليهود ومع جميع الأطفال، وقال إن جامعة هارفارد رفضت تثبيته في موقع رفيع بالجامعة بسبب موقفه من القضية الفلسطينية، معتبرا ذلك قرارًا سياسيًا يجب رفضه والتصدي له. مضيفا أن الجميع يعلم كذب أسباب رفض تثبيته، وأن لا علاقة لذلك بالمعايير الأكاديمية، وأكد ويست أن لا شيء يقف في طريق حبه العميق للشعوب المضطهدة أينما كانوا وتضامنه معهم، وأعلن المفكر البالغ من العمر 68 عاما، وهو أحد أهم المثقفين في الولايات المتحدة، أن الفوضى في المناهج بالجامعة، وخيبات أمل أعضاء هيئة التدريس الموهوبين والمحترمين، تلوح في الأفق بشكل كبير. هكذا بدت جامعة هارفارد مؤسسة تظهر المثالية القيمية والأخلاقية، لكنها وفقا لحادثة كورنيل ويست فإن سلوكها يتناقض مع الصورة الزاهية التي تقدم بها نفسها، وهارفارد تعتبر من أقدم وأعرق الجامعات الأمريكية، وإحدى أقدم جامعات العالم وأفضلها، وأكبر جامعة في العالم من حيث المساحة والتجهيزات، وكان قد أسسها القس البروتستانتي جون هارفارد عام 1636 لتناظر جامعتي كامبريدج وأوكسفورد في بريطانيا. واحتلت جامعة هارفارد المرتبة الأولى على قائمة أفضل 100 جامعة في العالم متقدمة على جامعتي كامبردج وأوكسفورد البريطانيتين في ترتيب نشر في ملحق لصحيفة تايمز البريطانية خصص لشؤون التربية، ومن أشهر خريجي الجامعة سبعة رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية تخرجوا من جامعة هارفارد وهم: جون آدامز، فرانكلين روزفلت، رذرفورد هايز، جون كينيدي، وباراك أوباما، ومن خريجيها بيل غيتس مالك شركة مايكروسوفت الشهيرة. في جانب آخر، وفي مايو 2006 أعادت صحيفة دانماركية نشر رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعها وسائل الإعلام التي أعادت نشر الرسوم، بزعم أنها تدافع عن حرية التعبير، في سياق هذا الموقف المناقض للقيم والمثاليات التي يتم تبنيها في الغرب انضم لموقف تلك الصحف طيف واسع من السياسيين والمفكرين والقطاعات الاجتماعية، منتقدين المظاهرات الغاضبة في الدول الإسلامية والدعوات إلى مقاطعة البضائع الدانماركية والأوروبية، فلم يروا أن من حق الآخر التعبير عن رأيه بالتظاهر والمقاطعة الاقتصادية. إن المراقب المحايد في هذا الحدث يجد في المواقف الأوروبية السياسية والثقافية والاجتماعية والإعلامية بشأن الرسوم المسيئة تناقضات كثيرة يصعب التجاوز عنها، إذ شددت على إعادة نشر الرسوم وطرح قضية حرية التعبير مع زعمها بأن الدين الإسلامي معادٍ للتسامح وتعدد الآراء. قبل الميلاد بـ 380 عاما أي قبل نحو أكثر من 2400 عام ألف أفلاطون مؤلفه السياسي الرئيس وأسماه "كاليبوس" وعرف لاحقا بجمهورية أفلاطون الفاضلة، تحدث فيه عن تعريف العدالة والنظام، وطبيعة الدولة العادلة والإنسان العادل، ووضع أفلاطون إطارا نظريا يوتيوبيا للدولة المثالية، وهي عنده مكونة من ثلاث طبقات، طبقة اقتصادية مكونة من التجار والحرفيين، وطبقة الحراس وطبقة الملوك الفلاسفة، يتم اختيار أشخاص من طبقة معينة ويتم إخضاعهم لعملية تربوية وتعليمية معينة، يتم اختيار الاشخاص الأفضل ليكونوا ملوكا فلاسفة، حيث إنهم استوعبوا المثل الموجودة في علم المثل ليخرجوا الحكمة، لكن قرونا عديدة مرت لم ينشغل خلالها أحد بطرح أفلاطون، فقد مثل طرحا نخبويا غير واقعي في عالم ظل يموج بالظلم والاستبداد وربما البهيمية. لكن في هذا العصر الذي تميز بالنفاق في كافة المستويات لا سيما المؤسساتية، فاق زعم الدولة الفاضلة زعم أفلاطون وتهويماته. وإن كان أفلاطون قد بدا بريئا حالما إلا أن (أفلاطونات عصرنا) قد غاصوا في مستنقع النفاق حتى أخمص أقدامهم. الكبار والصغار من المسؤولين الحكوميين أو مسؤولي الأمم المتحدة يلعبون على مسرح السياسة الدولية، بينما تستمر الأزمات الدولية والحروب المستعرة تطحن الشعوب المستضعفة، وأولها أزمة الضمير العالمي، فإن كانت المنظمات الدولية تمثل الضمير العالمي وأهمها الأمم المتحدة؛ فهي لم تعد سوى قصر مشيد وبئر معطلة، حصون رفيعة منيعة، وميزانيات مليارية سنوية تتدفق بغير حساب، وموظفون امتلأت جيوبهم وتضخمت بالنثريات، يروحون ويجيئون لم يجيدوا شيئا مثلما أجادوا رسم الابتسامات المصطنعة والباهتة. [email protected]
6547
| 17 يوليو 2021
ما بين حياة أو موت مقابل تنمية ورفاهية، تصرخ الخرطوم والقاهرة وتستجيران بمجلس الأمن الدولي مع بدء الملء الثاني لسد النهضة؛ مصر تقول إن السد الأثيوبي يهدد حياة ملايين المصريين وأن أمنها القومي يتهدده خطر ماحق، والسودان يحذر من مواسم جفاف وفيضانات تقضي على الأخضر واليابس. في مقابل ذلك ترى أثيوبيا أن السد، أساسي لتنميتها الاقتصادية وتزويد شعبها بالكهرباء. بيد أن رئيس مجلس الأمن الدوري استبق نقاشا للقضية معلنا أنه لن يكون بمقدوره حل الخلاف بين مصر والسودان وأثيوبيا حول السد، باعتبار ذلك خارج نطاق عمله. بالرغم من اختصاصات مجلس الأمن الدولي المحافظة على السلام والأمن الدوليين وفقا لمبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها التحقيق في أي نزاع أو حالة قد تفضي إلى خلاف دولي. أو على أقل تقدير تقديم توصيات بشأن تسوية المنازعات وشروط التسوية. فما الذي يمكن أن يهدد السلام والأمن في القرن الإفريقي أكثر من إعلان القاهرة أنها تواجه خطرا وجوديا بسبب السد وأنها ستضطر لصون حقها في البقاء، حال أصرت أثيوبيا على موقفها الحالي؟. إزاء تصعيد القضية لمجلس الأمن للمرة الثانية، فإن السودان ومصر بشكل خاص تبدو أمام ثلاثة خيارات: إما أن يصدر المجلس قرارا بوقف الملء لحين توقيع اتفاق قانوني ملزم بين الدول الثلاث كما تطالب مصر والسودان، أو توجيه ضربة عسكرية توقف التعبئة، أو القبول بالأمر الواقع واستمرار أديس أبابا في سياسة التعويل على الوقت وفرض وجهة نظرها. لكن لا يبدو من السهل القيام بعمل عسكري الآن ضد أثيوبيا؛ فأي هجوم على السد يعني جلب عداء كل أفريقيا وربما العالم كله. فضلا عن أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تبيح للدول اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة بعيداً عن السلطة المركزية الدولية (مجلس الأمن الدولي) التي تحتكر استخدام القوة المسلحة في المجتمع الدولي في حالة الدفاع الشرعي، لا تنطبق على حالة السد رغم اعتبار القاهرة له مهددا لأمنها القومي؛ إذ هناك شروط تحدد مشروعية العمل العسكري وفقا للمادة 51، إذ ينبغي أن يكون هناك عدوان مسلح، قائم بالفعل، وعلى قدر من الجسامة والخطورة، وهذا ما لا يبدو في حالة أثيوبيا. فلا يمكن وفقا لتفسير تلك المادة الاستناد إلى استخدام حق الدفاع الشرعي في حالات العدوان السياسي أو الاقتصادي أو تهديد المصالح الاقتصادية للدولة. وفي هذه الحالة وهي عدم وقوع العدوان المسلح على مصر والسودان فإنه يتعين إبلاغ مجلس الأمن الدولي بما حدث وتم أو - بما سيحدث - ويتعين على مجلس الأمن في مثل هذه الحالة اتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة باعتبار أنه صاحب الاختصاص الأصيل لمواجهة هذه الحالات. وهذا ما قامت به الخرطوم والقاهرة إلا أن المجلس هرب من مسؤولياته. وهذا التواطؤ يضع مصر والسودان في مربع القبول بالأمر الواقع خاصة وأن المجلس أحال الخميس للمرة الثانية الملف إلى الاتحاد الإفريقي وهو ما تطالب به أثيوبيا وترفض أي وساطة أخرى، سواء من جامعة الدول العربية أو حتى أي وساطة دولية أخرى. وهذا ما يدعم قول بعض المراقبين بأن الاتحاد الإفريقي يميل لوجهة النظر الأثيوبية. وبما أن مجلس الأمن سبق له أن أحال القضية للاتحاد الإفريقي دون أن يجدي ذلك فتيلا طوال سنة كاملة، فإن ذلك يدخل في إطار التسويف والمماطلة وهو ما يمكِّن أديس بالفعل من تمرير سياسة شراء الوقت وهذا ما يحدث منذ أن كان السد فكرة قبل أكثر من عقد من الزمان. لقد كان في مقدور مجلس الأمن توسيع نطاق المفاوضات، ووضعها تحت إشراف أممي مع الاتحاد الأفريقي وحضور مراقبين على سبيل المثال، من روسيا والولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يمنع أي من أطراف الأزمة من اتخاذ إجراء أحادي. المدهش فعلا أن المجلس ناقض في بيانه الأخير قول رئيس المجلس قبل مداولات أمس الأول الخميس بأن المجلس غير مختص بالقضية والإيحاء بأن القضية فنية ولا علاقة لها باختصاصات المجلس المتعلقة بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين؛ فقد زيل بيانه الداعي لتحويل الملف للاتحاد الإفريقي، بأنه يسعى إلى تخفيف التصعيد الذي يؤثر مباشرة على المنطقة والقارة الأفريقية. وتجاهل مجلس الأمن كذلك مشروع قرار قدمته تونس دعا إلى الضغط من أجل إبرام اتفاق ملزم بين الثلاث بشأن آلية تشغيل السد. وجاء التجاهل على هوى أديس أبابا التي اعتبرت أن مشروع القرار من شأنه أن "يُفسد فعليا" عملية الوساطة التي يقودها الاتحاد الإفريقي بين الدول الثلاث، وإن أثيوبيا تعمل على التأكد من عدم اعتماده. ومن مفارقات مجلس الأمن أنه في 2010 أرسل وفدا للسودان لغرض معلن بدا مستغربا ومثيرا للسخرية؛ رئيس الوفد البريطاني قال: "هدف زيارتنا هو تأكيد تأييدنا لعملية السلام ورغبتنا في المزيد من الاستقرار والازدهار للسودان". فقط مجرد تأييد ورغبة؟ لماذا تجشم وفد المجلس الصعاب وجاء إلى السودان قاطعا الفيافي ليقول هذا الكلام؟. ففي حين اعتبر المجلس قضية داخلية مهددا للأمن والسلم الدوليين، لا يرى أن أزمة السد والتي تصطرع فيها 3 دول أمرا يستدعي تدخله؟!. إن الفشل الكبير الذي يطوق مجلس الأمن وكثير من أذرع الأمم المتحدة ظهر جليا في العقود الأخيرة حين أكدت معظم الدول في أكثر من مناسبة، أن الأمم المتحدة بشكل عام ومجلس الأمن الدولي تحديداً يمر بواحدة من أخطر الأزمات التي واجهته منذ إنشائه بعد إفراغه من مضمونه وانتزعت صلاحياته ومهامه الأصلية، وهي المحافظة على الأمن والسلام العالمي خصوصاً في ظل هيمنة دول بعينها على القرار العالمي. فهذا الواقع الأليم نتج عنه مطالبة أغلبية أعضاء المجتمع الدولي بضرورة إصلاح مجلس الأمن. [email protected]
6469
| 10 يوليو 2021
مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد...
3657
| 04 نوفمبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...
2187
| 03 نوفمبر 2025
8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات...
2082
| 04 نوفمبر 2025
من الطرائف العجيبة أن تجد اسمك يتصدر أجندة...
1290
| 04 نوفمبر 2025
تُعدّ الكفالات البنكية بمختلف أنواعها مثل ضمان العطاء...
936
| 04 نوفمبر 2025
أصدر مصرف قطر المركزي في التاسع والعشرين من...
936
| 05 نوفمبر 2025
مضامين ومواقف تشخص مكامن الخلل.. شكّل خطاب حضرة...
894
| 05 نوفمبر 2025
تسعى قطر جاهدة لتثبيت وقف اطلاق النار في...
876
| 03 نوفمبر 2025
ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...
867
| 02 نوفمبر 2025
ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة...
747
| 06 نوفمبر 2025
تتهيأ الساحة العراقية لانتخابات تشريعية جديدة يوم 11/11/2025،...
705
| 04 نوفمبر 2025
لفت انتباهي مؤخرًا فيديو عن طريقة التعليم في...
678
| 05 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل