رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حطّ الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في السودان رحاله في القاهرة مجهداً متعباً تعتريه هواجس داخلية تنوء بحملها الجبال الراسيات، أمنية وسياسية واقتصادية. وبالرغم من أن زيارته للقاهرة في خواتيم الأسبوع الماضي، جاءت في سياق زيارات قام بها في ذات الأسبوع إلى كل من دولة الإمارات وجمهورية تشاد، إلا أن زيارته للقاهرة تكتسب أهمية خاصة جداً. ولربما أراد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أعدّ لضيفه السوداني مراسم استقبال رسمي دافئة كأنها يوم الزينة، اظهار الدعم الكبير له وامتصاص ضغوطه وتبديد قلقه. لكن عندما تتزامن زيارة البرهان للقاهرة مع زيارة فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في السودان المعروفة اختصارا بـ"يونيتامس"، وكل منهما يحمل رؤية مختلفة للوضع السياسي في السودان مع تدني حالة الثقة بينهما لنقطة الصفر؛ فذلك يشير إلى أن القاهرة ربما استطاعت امساك زمام المبادرة في السودان وتحاول بل تتطلع إلى لعب دور ما في السودان، ربما دورها التقليدي الذي اضمحل تأثيره كثيراً. وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية احتفت أيما احتفاء بتصريحات البرهان وأبرزتها وركزت على قوله: أن "أمن السودان وأمن مصر مكملين لبعضهما"، وأن "مصر كانت ومازالت تدعم الانتقال السلمي للسلطة في السودان"، و"نحلم بالتكامل المشترك مع مصر ونتعاون لمعالجة الفجوة الغذائية". فهل هناك من جديد في علاقات البلدين يمكن أن يخرجها من اطارها التقليدي الرتيب، أم أن الضغوط والمصائب يجمعن المصابين لحين، فلا يتجاوز الأمر حدود التكتيك العجل وليس الاستراتيجي المتجذر. الخرطوم ومنذ عقود ظلت تتهم القاهرة بأن ملف العلاقات بين البلدين يقبع في كواليس المخابرات المصرية وليس في وزارة الخارجية كما ينبغي، في إشارة إلى أن السودان بالنسبة لمصر ليس أكثر من ملف أمني، رغم الحديث المتكرر عن التكامل الشامل بين البلدين. فالواقع يؤكد أن علاقات البلدين لا تتجاوز كثيرا مربع الحديث الكلاسيكي عن أنها علاقات تاريخية وأن كلا من البلدين يمثل عمقا إستراتيجياً للآخر. ويبدو أن الظرف الحالي يفرض على الجانبين حوائج لكل منهما لدى الآخر؛ فالبرهان يشعر بقلق كبير إزاء تحركات نائبه الجنرال محمد حمدان حميدتي الذي يقود جيشاً موازياً للجيش السوداني تحت مسمى قوات الدعم السريع. فللرجل اتصالات قائمة مع طرف اقليمي يخشى البرهان أن تكون على حسابه. في ذات الوقت لا ترتاح القاهرة كثيرا لقوات الدعم السريع باعتبارها قوات بدت غير نظامية وغير احترافية وتفضل التعامل مع الجيش السوداني باعتبارها قوات نظامية احترافية لها تاريخ ناصع ممتد. كما أن القاهرة غاضبة من زيارة حميدتي الأخيرة إلى روسيا بعيد حربها مع أوكرانيا، وقد سلم مكتب الرئيس السيسي خطاب احتجاج رسمي إلى حميدتي في بادرة احتجاجية غير معتادة. فالقاهرة ينتابها قلقٌ مستمرٌ من التقارب الروسي السوداني، وخطط إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر. معتبرة خطراً على أمن الجبهة الجنوبية، وأمن منطقة البحر الأحمر، الأمر الذي يهدد أمن الملاحة في تلك المنطقة، مما يؤثر بشكل كبير على قناة السويس. وكان حميدتي قد قال أن السودان "لا يعارض إنشاء قاعدة روسية بشرط ألا يهدد ذلك الأمن القومي للبلاد". البرهان كذلك بصدد إعلان سياسي لكسر جمود الأزمة السياسية في البلاد ودعوة الأحزاب وقوى المعارضة والقوى الثورية مجدداً إلى الحوار. وبدا البرهان أكثر ثقة في الدور المصري من أدوار دولة أخرى بدت أقرب لحميدتي من البرهان. ولذا رأى البرهان ضمان الدعم المصري لمبادرته السياسية وأخذ مشورة القاهرة بشأنها باعتبار أن اهتمام القاهرة بما يدور في السودان، من منظور تأثيره السالب عليها. ويبدو أن مبادرة البرهان لا تجد قبولا من المبعوث الأممي فولكر الذي ظل يقف ضد المكون العسكري في السوداني ويحمله مسؤولية تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد. لكن القاهرة على لسان وزير خارجيتها الذي استقبل فولكر أكد له أن أمن واستقرار السودان يعتبر جزءًا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر، مؤكدا أن الجهود الرامية لحل الأزمة من الضروري أن تستند إلى الأولويات والرؤى الوطنية السودانية الخالصة. ولعل البرهان بدا أقرب إلى الفعاليات السياسية السودانية المعارضة للتدخل الأجنبي في شؤون البلاد الذي تمثله تحركات فولكر التي لم تزد الأزمة السياسية إلا تعقيدا وتأزيما. وقال البرهان في تصريحات صحفية أدلى بها خلال مؤتمر صحفي إبان زيارته القاهرة، قال فيها إن لدى البعثة "مهام محددة، ليس من بينها ما تمارسه حاليا". القاهرة فضلا عن أمن البحر الأحمر تريد أن تطمئن على موقف السودان من ملف النهضة وتعضيده، حيث يتبنى البلدان موقفا مشتركاً إزاء الملف إذ يرى البلدان في المشروع تهديدا لهما نظراً لاعتمادهما الكبير على مياه النيل، كما ينددان بما يصفانه "بالإجراءات الأحادية" من جانب أديس أبابا. كذلك لدى القاهرة محاولات مضنية لإبطاء عمليات تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل بدفع من طرف آخر عربي سبقت الإشارة إليه. وبشكل عام تخشى القاهرة من أن تدفع الأزمة السياسية والاقتصادية في السودان، المسؤولين هناك، إلى تقديم تنازلات لإسرائيل تؤثر على أمنها القومي من ناحية الجنوب الجغرافي. لكن مع التقارب المصري السوداني الحالي تظل عُقدة العقد باقية بدون حل نهائي، والخاسر الأكبر فيها الخرطوم. وتلك العقدة هي قضية مثلث حلايب حيث يتنازع البلدان السيادة على المثلث منذ العام 1958، بيد أنه في 1995 قامت قوات مصرية بالسيطرة على المثلث بالقوة، ورفضت القاهرة اقتراح الخرطوم بالتفاوض أو التحكيم الدولي لفض النزاع بشأنه. ومع مرور الوقت وتجميد الخرطوم مطالبتها بما تراه أحقيتها في المثلث، فإن القاهرة تمضي في فرض الأمر الواقع من خلال عمليات تمصير واسعة للمثلث وتغيير ديمغرافي سيكون في صالح مصر إذا ما وافقت يوما على التحكيم الدولي.
647
| 02 أبريل 2022
من تفسيرات أصل كلمة إفريقيا ذات السند العلمي المعتبر، أن (إفريقيا) أسم مُشتقٌ من أفريقش ملك اليمن الذي كان أول من سكن هذه البلاد، ولم يستطع الرجوع إلى مملكته بعد أن غلبه الملوك الآشوريون وطردوه؛ فاجتاز النيل مسرعا، ثم تابع سيره غربا؛ ولم يقف حتى وصل إلى ضواحي قرطاج في تونس. ولما رجع ترك هناك مجموعات من قبائل حمير صنهاجة وكتامة، فما زالوا بها باقين. وفي حقب لاحقة تمددت آثار اللُغة العربية في عددٍ من اللُغات الإفريقية المحلية لدرجة كبيرة، وظهر هذا الأثر واضحا في لغة الهوسا وصنفي والفولاني، ويُوجد في هذه اللُغات الكثير من الكلمات ذات الأصول العربية، بل أن الحروف العربية استخدمت في كتابة لُغة الهوسا منذ زمن مُبكر، كما استخدمت في اللُغة الفُولانية. أما الأثر الثقافي الإفريقي في البلاد العربية فقد بلغ مبلغا كبيرا فدخلت بعض المفردات اللُغويّة الإفريقية في اللغة العربية، بل إن بعض تلك المفردات وجدت طريقها إلى الأحاديث النبوية الشريفة؛ فقد "أخرج أحمد عن حذيفة قال سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الساعة فقال: عِلمها عند ربّي لا يجليها لوقتها إلا هو ولكن أخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها؛ إن بين يديها فتنة وهرجا، قالوا: يا رسول الله، الفتنة عرفناها فالهرج ما هو؟ قال بلسان الحبشة القتل". بل كانت هناك هجرات إفريقية معاكسة إلى الجزيرة العربية، فكان العهد الجاهلي زاخرا ببعض المجموعات الإفريقية التي استقرت بين العرب وانصهرت في بوتقة القبائل العربية عن طريق الولاء والانتماء الكامل. ولا شك في أنّ بعض هذه المجموعات شقّت طريقها إلى الجزيرة العربية لعوامل غير الرّق والغزو كالغزو الحبشي لليمن. ولعل فكرة الزنجية لم تكن رد فعل لما يُدعى بالهيمنة العربية الإسلامية وتجارة الرقيق العربية عبر الصحراء أو المحيط العربي بل كانت رد فعل للاستعمار الغربي وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. إن ويلات الاستعمار الغربي لإفريقيا ظلت ماضيا أسود وحاضرا مستحكما؛ المفكرون الأوروبيون والغربيون أفصحوا الأسباب التي دفعت بلادهم لاستعمار إفريقيا، فعدد المستعمرات تزداد معها هيبة الدولة المستعمرة بين رصيفاتها، ومن ثمّ تصبح لاعباً عالمياً. كانت تلك الدول المتنافسة بحاجة إلى موانئ لسفنها وقواتها البحرية للتوقف وإعادة الإمداد. فقد كانت القوات البحرية تمثل ذلك الوقت سلاحا نوويا. اقتصاديا كانت موارد الدول الأوروبية الطبيعية قليلة أو ربما معدومة. كما إنشاء المستعمرات يوفر أسواقًا جديدة لسلعها المصنعة من موارد ذات الدول التي تحول قسرا لسوق استهلاكية. لقد كان التوسّع في إفريقيا، والسيطرة على مناطق التحكم الاستراتيجي، والمعابر المائية القابضة، على طرق التجارة الدولية أحد الأهداف الاستعمارية في إفريقيا، وبرزت في الأفق الإمبراطوريات البريطانية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، وكانت تتصارع بعنف وتتسابق بنشاط لاقتسام مناطق النفوذ، وتوزيع الإرث وخاصة ما كان يُطلق عليه وقتها "أرض بلا صاحب"، وما كان أكثر تلك الأراضي التي وضعها الاستعمار الأوروبي تحت هذا الشعار خاصة في إفريقيا. وجاء مؤتمر برلين 1884- 1885م ليضع خريطة تقسيم إفريقيا، وليقنن السباق الاستعماري الأوروبي، ويحدّد لكل دولة من الدول حدود مستعمراتها الجديدة. لقد بقيت إفريقيا مستودعا مهما للمواد الأولية، ولم يكد يتم استغلال ما يزيد عن الطبقة السطحية من أرضها حتى اليوم، ومع ذلك فإنها تنتج ما يقرب من نحو 98% من إنتاج العالم من الماس و55% من ذهبه و22% من نحاسه مع كميات ضخمة من معادن جوهرية مهمة كالمنجنيز والكروم و اليورانيوم. كما تنتج إفريقيا نحو ثلثي كاكاو العالم وثلاثة أخماس زيت النخيل، وأرضها فيها احتياطيات لا نهاية لها من القوة المائية كما ينمو في أرضها أي نبات في العالم. في فرنسا شهد الأسبوع الماضي الدولة الاستعمارية الأعظم تظاهر آلاف الأفارقة في باريس ومدن فرنسية أخرى احتجاجاً على العنصرية وعنف الشرطة. وسار المتظاهرون خلف لافتة تدين "جرائم الدولة"، وحمل آخرون لافتات كُتب عليها شعار "حياة السود مهمة". وجاءت التظاهرات عشيّة اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري الذي يتم إحياؤه في 21 مارس تكريماً لذكرى مقتل 69 متظاهراً سلمياً في جنوب إفريقيا برصاص الشرطة عام 1960 في ظل نظام الفصل العنصري. جاءت الدول الاستعمارية بالأفارقة إلى أوروبا عبيدا ورقيقا فلما بنوا لها حضارتها مضت تسومهم سوء العذاب تحتقر أبناءهم وتشتم نساءهم. ومع كل تلك الكراهية العنصرية يتحدث اليوم الاقتصاديون في الولايات المتحدة عن الآثار الاقتصادية والمالية جراء انخفاض أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء من 2017 إلى 2020 بسبب السياسة المتشددة التي فرضها دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق. ويعترف الاقتصاديون بأن المهاجرين الدوليين ويمثل الأفارقة جزءاً كبيراً منهم، يشاركون أيضًا في الاقتصاد. وأن الانخفاض الحاد في قبول اللاجئين في الولايات المتحدة بدءًا من عام 2017 يكلف لاقتصاد الأمريكي الإجمالي اليوم أكثر من 9.1 مليار دولار سنويًا ويكلف الخزينة العامة على جميع مستويات الحكومة أكثر من 2.0 مليار دولار سنويًا. لقد كان التغيير الجذري الهائل في إفريقيا عقب ظهور الاستعمار بقيمه الثقافية ومبادئه السياسية، وطال هذا التغيير منظور السلطة وطبيعتها في المؤسسة السياسية الإفريقية، حين حقنها بقيم فضفاضة في جوانبها النظرية خاوية في أبعادها التطبيقية كما أنها لم تكن تتناسب مع البنية الثقافية الإفريقية نظراً لتعقد آليات تشغيلها. فقد رفض الاستعمار الاعتراف بوجود الممارسات الديمقراطية في الحياة السياسية التقليدية التي ربطها تلقائيا بالتخلف والبدائية، والاستقراطية، والديكتاتورية في الحكم، كما لم يمارس الاستعمار الديمقراطية المُدعاة في تعامله مع المجتمعات الإفريقية، وإن ادعى نشر قيمها والسعي لتوطيدها. وما من شك في أن الصراعات والنزاعات التي تدور حاليا بين بعض الأقطار الإفريقية، تعود جذورها إلى فترة الاستعمار الأوروبي للقارة الذي قام برسم الحدود بين الدول الإفريقية دون أن يراعي الاعتبارات الإنسانية والقبلية التي كانت موجودة في القارة، فمعروف أن هناك بعض القبائل كبيرة العدد، تعيش في بعض المناطق، وعندما قام الاستعمار برسم الحدود، لم يضع في اعتباره ضرورة وحدة هذه القبائل ووجودها في مكان أو دولة واحدة.
1075
| 26 مارس 2022
يسعى الإنسان بطبيعته للوصول إلى الاتزان في سلوكه ومعتقداته ومعرفته، ولا يحدث اختلال التوازن لدى الإنسان السوي إلا مع وجود قدر من المعلومات أو المعرفة المتناقضة. وهذا التناقض يحدث توتراً داخلياً يشكل نوعاً من المقاومة لما يسببه الإعلام اليوم بكل أشكاله وأنماطه لاسيما ذلك الذي أصبح أداة طيعة في أيدي الأيديولوجيات السياسية العابرة للقارات، إلا من رحم. بيد أن الطبيعة البشرية وفطرة الإنسان تعمل باستمرار لابطال التناقض المعرفي ومن ثمّ الوصول إلى حالة الاتزان والرضا النفسي قبل أن ينعكس ذلك على سلوكه. لكن في حالات الأزمات يغدو مفعول ذلك ضعيفاً لا يقاوم شمول الأزمة. ويؤكد علماء النفس أن التوازن لا يحدث إلا حينما تكون هناك معلومات أو معارف متسقة منطقيا، وحينما تكون الانفعالات والسلوكيات والتصرفات والأفكار والمشاعر، كذلك متسقة مع الأعراف فى المجتمع، وحينما تكون المعلومات والمعارف الجديدة متسقة مع الخبرات والمعارف السابقة. وهذا ما تقضي عليه الأزمات تماماً، فيصبح حجب الحقائق قراراً سياسيا. حينما أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية قناة فضائية باللغة العربية في عام 2004م قصدت منها التأثير في الرأي العام العربي وتغيير صورتها السالبة التي تعاظمت مع غزوها للعراق في تلك الفترة فضلا عن مواجهة قناة الجزيرة التي لعبت دورا مضادا للتناقض المعلوماتي والمعرفي وداعما للقضايا العربية المحورية لاسيما القضية الفلسطينية. وقد وجُهت القناة بانتقادات واسعة من قبل مختلف النخب العربية نظراً للفلسفة التي قامت عليها، فلم تكن لتجد أي ترحيب من جانب المستهدفين. وبالتالي فإن عزوف المواطن العربي عن متابعتها ظل يستند إلى اقتناعه بأنها وسيلة غير محايدة، ومنحازة ويتناقض محتوى رسالتها ليس مع القيم المحلية بل حتى مع القيم الأمريكية المعلنة المتدثرة بحقوق الإنسان. ومضت تدافع عن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة وجريمة احتلال العراق وتدمير كيانه وزرع الفتنة فيه. حتى عندما حاول مدير القناة الأسبق لاري ريجستر تلافي اشكالية الحجر على الآراء التي تمثل نبض الشارع العربي تعرض لانتقادات مباشرة من داخل القناة ومن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس شخصياً. وذلك بعد أن قام ببث خطب شخصيات مناوئة لأمريكا مثل رئيس الوزراء الفلسطيني حينها إسماعيل هنية، ولأنه طلب أيضاً من مذيعي القناة أن يضيفوا بعد كل إشارة إلى النبي محمد، عبارة -صلى الله عليه وسلم-. فرغم أن الرجل لم يكن ليعمد على تغيير جذري يطول التنافر المعلوماتي داخل رسالة القناة لكنه تعرض للتوبيخ والطرد لمجرد أنه أراد إجراء عمليات تجميل ظاهرية لصورة القناة لعل ذلك يغطي على الاختلال الرئيسي فيها. ولعل سائر الإعلام الغربي يغرف من ذات المعين، وقد أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية الحالية فشل الإعلام الغربي في اختبار المصداقية التي تُعنى بالمؤشرات والمعايير التي تحدد مدى صدق المضمون الإعلامي من كذبه. ومصداقية الوسيلة الإعلامية تكمن ببساطة في قابلية الوسيلة للتصديق أو الاعتقاد في صدقها أو امكانية الاعتماد عليها أو احترامها وتقديرها وتفضيلها كمصدر جدير بالثقة. في ظل هذه الظروف بات المواطن الغربي يسمع ويشاهد ويقرأ ما تقوله وسائل إعلام هذه الدول عن الحرب في أوكرانيا ويطلع على مواقف الحكومات الغربية من الأزمة الأوكرانية، بينما تغيب تماما الرواية الروسية وموقف القيادة الروسية عن وسائل الإعلام الغربية. وفي اطار هذه الأزمة بدأت قدسية الخبر تتهاوى وظهر ما يعرف بالخبر المضاد، والخبر المعاكس، والخبر المفبرك، والخبر الإشاعة، والخبر بالون الاختبار، والخبر (اللا خبر). فالمعارك في خضم هذه الحرب لم تقتصر على المعارك الدامية بين قوات المعسكرين المتحاربين التي تسيل الدماء وتدمر القرى والحضر؛ بل هناك معارك في سوح الإعلام بذات الشراسة تسيل فيها دماء الحقيقة والموضوعية بل إنها تغتال في نهاية الأمر. تقول البي بي سي في تقرير لها إنه عقب اشتعال شرارة الصراع فرضت روسيا والدول الغربية المزيد من القيود على العديد من وسائل الإعلام ووصل الأمر إلى حجب ومنع العديد منها بهدف التحكم بالرواية حيث يريد كل طرف أن يكون الوحيد الذي يتناول ما يجري على أرض المعركة وتقديم الحجج والمبررات التي يرى أنها ضرورية لكسب تعاطف الرأي العام ووقوفه إلى جانبه. وفي مطلع هذا الشهر أصدر الاتحاد الأوروبي قراراً حظر بموجبه قناة "روسيا اليوم" و "سبوتنيك" الروسيتين ومنعهما من البث في دول الاتحاد وأغلق مكاتب القناتين بحجة نشرهما معلومات مضللة. كما تم حجب موقعي القناتين على الإنترنت ولم يعد بمقدور المواطن الأوروبي معرفة ما يجري في أوكرانيا من منظور روسيا. بل وصل الأمر إلى الطلب من جوجل حجب اسمي الوسيلتين الإعلاميتين تماما بحيث لا تظهران حتى لدى البحث في محرك البحث. أما روسيا فقد حظرت تطبيق إنستغرام بسبب "الدعوة لقتل جنود روس" اليوم العالم أمام أزمة مصداقية الإعلام، وغدا الحديث عن معايير المصداقية التسع نوعاً من الترف النخبوي. وهي كانت معايير صارمة تؤطر لضرورة التزام وسائل الإعلام بدقة الأخبار والمعلومات وصحتها، وشمولية التغطية الصحفية، في عرض وتقديم مختلف جوانب الحقيقة، فضلا عن الواقعية والأهمية والفورية والتوازن والموضوعية. والموضوعية كذلك مطلوبة حتى فيما يكتبه صاحب الرأي، فإن كان الخبر معياره الدقة، فإن الرأي معياره موضوعية الكاتب. تُعَد حُرية الصحافة أو حُرية وسائل الاتصال هي المَبدأ الذي يشير إلى وجوب مراعاة الحق في ممارسة الحرة للاتصال والتعبير عن الرأي من خلال كافة وسائل الإعلام تَتَضَمن هذه الحرية غياب التدخل المفرط للدول، وحمايتها بالدستور والقانون. ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948 أن: "لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير؛ ويتضمن هذا الحق حرية الفرد في تكوين آراء بدون تَدَخُل أحد، والبَحث عن واستقبال ونقل المعلومات والأفكار من خلال كافة وسائل الإتصال بصرف النظر عن حدود الدول".
2364
| 19 مارس 2022
مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتبادل الاتهامات بين الشرق والغرب، ظهر المسروق؛ الخصمان سرقا أمن واستقرار ورفاهية شعوب العالم، وبدت القيم الحضارية المزعومة أشبه بالأساطير أو الميثولوجيا، فلم تعد إلا نوعا من الحكايات الخرافية. فقد ألقت هذه الحرب المدمرة أضواء كاشفة على الحقيقة المجردة، التي طالما ظلت تئن تحت وطأة نفاق الكبار وقد ظلوا يأمرون الناس بالبر وينسون - بل يتناسون – أنفسم. انكشاف الحقيقة تأكيد على أن ظل القيم الإنسانية لا يستقيم وعود الممارسات الفعلية أعوج. قبل نحو 75 عاماً والحرب العالمية الثانية توشك على الانقضاء وقد جاءت على كل أخضر ويابس وبلغت قلوب المتصارعين حناجرهم، اجتمع ممثلو 50 دولة في مؤتمر الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو، بالولايات المتحدة الأمريكية تحديدا في أبريل 1945. وقد شرعوا في صياغة ميثاق أدى بعد توقيعه إلى إنشاء منظمة دولية جديدة، باسم الأمم المتحدة، التي كان من المأمول أن تمنع نشوب حرب عالمية أخرى مثل التي جاءوا من ركامها وهم يجمحون طلبا للسلام والأمان. وسرعان ما بدأت الأمم المتحدة عملها رسميًا في غضون 6 أشهر فقط. لكن مع مرور الوقت لم تعد الأمم المتحدة سوى مبانٍ ومكاتب مكتظة بملفات ضخمة من التنظير لقيم ومُثل تعمل على الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، وحماية حقوق الإنسان، والتمسك بالقانون الدولي، بل وحتى أهداف التنمية المستدامة والعمل على الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري. لكن اليوم بدت هذه الأهداف نوعاً متطرفاً من اليوتيبيا لم تقدر على الإحاطة بها حتى مدينة أفلاطون الفاضلة. ما نراه أن الكبار والصغار من المسؤولين الدوليين أو مسؤولي الأمم المتحدة يلعبون على مسرح نفاق السياسة الدولية، بينما تستمر الأزمات الدولية والحروب المستعرة تطحن الشعوب المستضعفة، وفي مقدمة هذه الأزمات أزمة الضمير العالمي. فإن كانت المنظمات الدولية تمثل الضمير العالمي وأهمها الأمم المتحدة؛ فهي لم تعد سوى قصر مشيد وبئر معطلة. حصون رفيعة منيعة، وميزانيات مليارية سنوية تتدفق بغير حساب، وموظفون امتلأت وتضخمت حساباتهم بالرواتب والنثريات، يروحون ويجيئون لم يجيدوا شيئا مثلما أجادوا رسم الابتسامات المصطنعة والباهتة. في أحيانٍ كثيرة تبدو الثقافة والقيم المصنوعة والمرتبطة بكمياء السياسة والقوة، مفضوحة مكشوفة العورة، ويحاول قارعو طبولها عبثا، بحثا عن أوراق توت تستر ما انكشف منها. وشهد شاهد من أهلها حين قال الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار إن الليبرالية، والاشتراكية، والماركسية، وفلسفة التنوير عموما، أنظمة فلسفية وعدت البشرية بالتحرر من الفقر والجهل والقمع والظلم غير أنها فشلت فشلا كبيراً في نهاية المطاف وتوشك أن تنهار، ومن الواضح أن فترة ما سميت بمرحلة الحداثة قد تعرت تماما. اليوم أقبلت روسيا والولايات المتحدة وصويحباتها على بعضهم يتلاومون، ويذكر بعضهم بجرائم بعض؛ روسيا تذكر الولايات المتحدة وصويحباتها، بغزوها للعراق وتدميره وإبادة أهله. والولايات المتحدة تذكر روسيا بغزوها لسوريا وتدميرها وإبادة أهلها. أما لماذا صمتت روسيا على جرائم الولايات المتحدة في العراق، وكذلك صمت الولايات المتحدة على جرائم روسيا في سوريا؟، فذلك لأن اللصين لم يكن ليختلفا بعد. فقد ظل العالم فيما بعد الحرب العالمية الثانية محكوما بقلة قليلة ممثلة في روسيا والولايات المتحدة وصويحباتها ولا تشكل أكثر من 1 % من العالم، بينما 4 % من دول العالم يتم تحريكها من قبل القلة القليلة مثل العرائس في مسرحها، غير أن هناك 5 % من دول وشعوب العالم مدركٌ للحقيقة. بيد أن الدراما الحزينة، والدراما بالطبع هي تصوير للأحداث بنوعيها الخيالي وغير الخيالي، تكمن في محاولات الـ 4 % لمنع الـ 5 % من إيقاظ الـ 90 %. يشير الكاتب العراقي سليم مطر في كتابه (المنظمات السرية التي تحكم العالم) إلى سياسة "الراية الخدّاعة" التي انتهجتها الولايات المتحدة في طول العالم وعرضه، والتي اعترف بها أحد زعماء فيدرالية الأخوة العالمية FBI مودعا الحياة الدنيا، والذي نقل عنه في ذلك الكتاب قوله إنهم – يقصد الولايات المتحدة - لم يبلغوا ما أسماه بالنجاحات الكبرى في تدمير العراق خصوصاً باعتباره نموذجا لبلدان الشرق الأوسط الخطرة إلا لأننا استعنا بخلاصة تجاربنا السابقة التي نفذناها في العالم والتي أطلقنا عليها تسمية "سياسة الراية الخدّاعة". وتتلخص هذه الحيلة الماكرة في قيام الولايات المتحدة بعمليات إرهابية ضد مصالحها ثم نسبها إلى خصومها لتعطي التبرير لإعلان الحرب عليهم. وسرد ذلك الرجل أمثلة كثيرة لاستخدامات "سياسة الراية الخدّاعة" منذ العام 1941 وصولا إلى الحرب على العراق في 2003، حيث أكد نجاحهم في تأجيج الحرب الطائفية ونشر العنف والأحقاد من خلال فرض سياسة اجتثاث حزب البعث التي قصد منها اجتثاث الدولة العراقية نفسها. من المدهش أن الصراع الذي يدور رحاه اليوم بين الشرق والغرب بأدوات وأساليب غير أخلاقية، فإن انتصار أي من الطرفين يمثل خسارة في كلا الحالتين لطرف ثالث. هذا الخاسر هو قلب العالم الجغرافي ومهوى القيم الإنسانية والرسالات السماوية؛ والسبب أن العالم العربي والإسلامي اختار التخلي عن خيريته التي أخرج بها للناس والانزواء إلى منطقة رمادية تكفيه مواجهة الباطل لا بالسلاح ولا حتى بسديد الرأي. لكن تجنب الصدام ومخافة مقارعة الحجة بالحجة تفقد الدول والشعوب موقعها الإيجابي بين الأمم وليس ذلك فحسب، بل تكون هي الخاسر في كل الأحوال. فلو أن الشرق قهر الغرب في هذه الحرب، أو أن الغرب قهر الشرق؛ فإن قوى إقليمية مختلفة سيتعزز موقفها الإقليمي والدولي عسكريا واقتصاديا، ووضع كل من هذه القوى المُعزز سيكون على حساب المنطقة العربية وخصما عليه. [email protected] yasir_mahgoub@
4014
| 12 مارس 2022
في خضم الأزمة الأوكرانية الروسية الخطيرة ذات التأثيرات الدولية المباشرة على الأمن والاستقرار الدوليين، تُطرح عدة تساؤلات تفرض نفسها ويصعب تجاهلها؛ فما مدى وجاهة القلق الروسي على أمنه؟. وهل ورط الأوكرانيون أنفسهم ولم يتخذوا ما يجنبهم هذا المآل؟. وما مدى دخول واشنطن في هذه الحرب بشكل مباشر؟. وربما السؤال الأكثر إلحاحا، هل هناك من أفق للحل السلمي؟. لعل الحقائق الجيبوليتكية تشير إلى امتداد التشابك بين روسيا والولايات المتحدة في معظم أنحاء العالم؛ فمن أوروبا الشرقية إلى جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وصولا إلى إفريقيا، حيث إن تصادم الأطماع والمصالح بين الدولتين ظل قائما على مستويات مختلفة من الحدة ظرفيا ومكانيا، بيد أن الظرف الحالي جعل منطقة أوروبا الشرقية تقفز إلى هرم الأولوية القصوى. وتبدو أوروبا الشرقية امتدادا حيويا لروسيا وفي ذات الوقت هي جزءٌ لا يتجزأ من أوروبا التي تمثل جزءاً مهما من المنظومة الغربية. ولعل روسيا منذ أن كانت تعرف بالاتحاد السوفييتي ما قبل تسعينيات القرن الماضي، قد تعرضت لعملية إنقاص وزن إجبارية من قبل خصومها الغربيين نتيجة الحرب الباردة، فتفكك الاتحاد السوفييتي شذرا مذرا، وأصبح الدب الروسي هزيلا كامرأة زلّاء ضاوية كعود معلقة عليه ثيابها من شدة نحافتها، وأصبحت هذه الثياب التي تفوق حجم ومقاس صاحبها عرضة لتجاذب الطامعين. وقبل أن تنكشف عورة روسيا بالكامل بدأت تستعيد وزنها وتبحث عن ملابسها وترقعها لتناسب الوزن الجديد المكتسب. يقول رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعيّ الروسيّ، غينادي زيوغانوف، لصحيفة برافدا" الروسية في 14 أكتوبر الماضي، إن أمن روسيا يقتضي استعادة دائرة الأصدقاء والحلفاء. واليوم يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن من يسيطر على أوكرانيا كاملة غير روسيا من شأنه أن يشكل تهديدا للأمن الروسي، في إشارة للولايات المتحدة وحلف الناتو. ولذلك فإن حرب روسيا والغرب الذي تمثله أوكرانيا ليست حربا بين الديمقراطية والديكتاتورية ولا بين القانون الدولي وشريعة الغاب، وإنما هي حرب نفوذ وتحكم، بين روسيا من جانب وأوروبا الغربية من جانب آخر بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية. بيد أن بوتين على الأقل على المدى القصير والمتوسط، لا يطمع في مواجهة شاملة وتبقى أهدافه الآنية في إطار إبعاد شبح الناتو الذي يمثل التحالف العسكري للمنظومة الغربية، وإعادة تموضع بلاده على مستوى التأثير والفعل الدوليين على أيام الاتحاد السوفييتي. من ناحية أخرى يبدو أن مصاب أوكرانيا جزءٌ كبير منه بيدي لا بيد عمرو؛ فبمجرد أن عقدت النخبة في أوكرانيا تحالفاً مناهضاً لروسيا مع واشنطن والناتو، فلم يعد لديها فرصة لاستقلال حقيقي، بل مع الاجتياح الروسي الأخير لا يبدو أنها جنت شيئا من ذلك التحالف فالكل يتفرج عليها، بل أن الحلفاء الغربيين دفعوا أوكرانيا إلى إصلاحات ليبرالية لا تتناسب مع طبيعتها وتاريخها، فحرمتها مما تبقى لها من صناعة زراعة وإمكانات علمية. واليوم تجترُّ أوكرانيا علقم الندم وتقول أنها ضحية تقديرات خاطئة لحظة توقيعها على مذكرة بودابست للضمانات الأمنية، في 5 ديسمبر 1994، تلك المذكرة التي جردتها من سلاحها النووي وأمنها في آنٍ واحد. ووفقاً للمذكرة، تنازلت أوكرانيا عن ترسانتها النووية لروسيا، وتعهدت كلا من روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة باحترام استقلال أوكرانيا وسيادتها على أراضيها، وحمايتها من العدوان الخارجي. ومع كل هذه المعطيات هل كانت واشنطن تعد نفسها للحرب منذ فترة؟. البعض نظر إلى عدة مؤشرات أعتبرها دليلا لنية واشنطن خوض الحرب منها، الانسحاب السريع غير المبرر من أفغانستان، والإسراع في تسوية نزاعات وأزمات بعض الحلفاء والأصدقاء، فضلا عن الحرص الأمريكي على إعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران والوصول إلى تسوية معها. في ذات الوقت هناك تحركات تبدو مريبة لحلفاء واشنطن وبإيعاز منها؛ فقد تفاجأ الناس من تخلي سويسرا عن حيادها فقررت تجميد أموال روسيا، وأن فنلندا التي أرسلت رسالة حياد إلى بوتين قبل أسبوع قد تراجعت وقررت الانضمام للناتو وإرسال أسلحة لأوكرانيا، وأن ألمانيا وبعد نحو 8 عقود خرجت قوقعة اشتراطات الحرب العالمية الثانية ودخلت في عسكرة صناعاتها لمستويات وصلت حد ما قبل تلك الحرب، وحتى السويد التي بقيت محايدة من عام 1914 قررت التخلي عن حيادها البحري والانضمام لخطط الناتو. وأخيرا هل من أفق للحل السلمي؟. مع حقيقة أن الطرفين، الغرب وروسيا، يتصارعان حول النظام العالمي، فمن جهة تريد أمريكا الاستمرار في قيادة العالم. ومن جهة أخرى تتطلع روسيا إلى قيادة ثنائية للعالم واستعادة دورها كما كان؛ فإنه لابد من استعادة توازن القوى العالمي، وربما الأفضل قيام اتحاد يجمع روسيا وبلاروسيا وأوكرانيا، وقد يمثل هذا ضمانة لمجمل الأمن الأوروبي والعالمي. أما بالنسبة للقدرات النووية، فلابد من أن تبقى في إطار الردع المتبادل دون أن تستعملها أي من الدول التي تملكها لأثرها التدميري على طريقة "علي وعلى أعدائي". ويقتضي السلام العالمي أن يجلس الكِبار الفاعلون في هذه الأزمة على طاولة التفاوض، دون التعويل على قرارات منظومة الأمم المتحدة، لأنها ببساطة لن تُحقق أكثر مما حققته تلك القرارات في فلسطين، سيما وأن لدى كلا المتحاربَين حق الفيتو القادر على إبطال أي قرار لا يراه أي طرف أنه يخدم مصلحته. العالم اليوم يتطلع لنظام عالمي جديد، وبقيادة متعددة الأطراف، يتولى قضايا عالمية عديدة فضلاً عن السياسية والأمنية، منها عولمة الإنترنت، والعملة الدولية، ونظام عمل الأمم المتحدة، ومؤسساتها، ومعضلة التلوث المناخي. ولعل في مقدمة كل ذلك والممهد له، أن تسحب طلب انضمام أوكرانيا إلى الناتو وإنهاء التمدد الشرقي للحلف تجاه حدود روسيا لمنع المواجهة الشاملة. [email protected] yasir_mahgoub@
4201
| 05 مارس 2022
منذ ما قبل الدولة المدنية الحديثة، لم يكن حكم دولة من الدول أو التحكم في فضاء إقليمي أو دولي، ليتم بالبندقية وحدها؛ إذ كان وما يزال أنه ليس من بُدٌّ من وجود حاضنة دينية أو سياسية تتوكأ عليها البندقية، فيسري مارد السلطة بين الناس مختالاً آمراً. وعندما فسدت وأفسدت الحواضن الدينية، لاسيما الكنيسة في عهود تاريخية بعيدة، استبدلت بحاضنة سياسية أسموها العلمانية. وكان للكنيسة قبل ذلك خاصة في العصور الوسطى، سلطة كبيرة على الناس وكانت الأكثر مالا ونفوذا وتهدد الملوك وتعين الوزراء وتوزع المناصب أو تطرد وتمنع من يعارضها من حضور الطقوس الدينيية وحتى يصل الأمر الى الاتهام بالهرطقة ثم الإعدام والموت حرقاً. ولما بلغ سيل الكنيسة الزُبى قام الثورات ضدها، فجاءت فكرة فصل الكنيسة عن الدولة وهو ما عرف بـ"العلمانية" أو فصل الدين عن الدولة. فغدت العلمانية بعد ذلك عقيدة وحاضنة سياسية للحكومات والدول. فالدولة العلمانية، دولة ذات نظام حكم عَلماني، وهي رسمياً تضمن كونها محايدة تجاه القضايا المتعلقة بالدين. لكن العلمانية التي قصد منها حياد السلطة تجاه المؤمنين وتحريم الرموز الدينية في إطار أجهزة السلطة وأدواتها، استخدمت بقصد وبشكل غير منصف تجاه المجتمع من خلال تضخيم مبدأ الحيادية، مما أدى إلى تحييد المجال العام وليس تحييداً للسلطة فحسب، بمعنى تطور الأمر إلى منع عامة الناس وليس السلطة من ممارسة طقوسهم الدينية ولعل ذلك قصد به أقليات دينية بعينها، ولذلك أطلقوا على ذلك ـ"العلمانية الرادعة" المناعة للتعابير الدينية. لكن عودة أخرى للحواضن الدينية قد بدت؛ ولم يبدأها الرئيس الروسي فلادمير بوتين، فهو ليس رجلا متدينا أو أن اهتمامه بالكنيسة الأرثوذكسية نابع من ذلك، بل أن بوتين جاء متأخرا جداً. فعلى سبيل المثال تبدو صورة بريطانيا لدى الناس أنها دولة علمانية مدنية تفصل تماماً بين الدين والدولة، لكن ذات الوقت نجد أن الملكة هي رأس الكنيسة، وهي تتصرف بوصفها الحاكم الأعلى والقائد الأعلى للجيش. وتحمل الملكة في بريطانيا لقب "حامي الإيمان"، و"حامي العقيدة". ويوجد في مجلس اللوردات 26 أسقفاً أعضاء في المجلس تعتمدهم الملكة، ويمارسون دوراً أساسياً في عمليات التشريع وسنّ القوانين. حتى ممارسة السياسة على مستوى الحكومة البريطانية نجد أن للدين حظا وافرا في اسباغ الشرعية على قراراتها الكبيرة؛ ففي العام 2003 عندما كان توني بلير رئيساً للحكومة البريطانية، أيد الاجتياح الأمريكي للعراق، وشارك فيه على خلفية دينية. وقد منحته الملكة الأسبوع الماضي وسام الفروسية ولقب "سير". أما رئيس الحكومة الأسبق دافيد كاميرون، وصف بريطانيا بأنها "دولة مسيحية" في مقال نشره في الصحيفة الانجليكانية "تشرش تايمز" قال فيه: "يجب أن نكون على ثقة أكبر كدولة مسيحية، وبصراحة، أن نكون انجيليين أكثر”. بالطبع ليست بريطانيا وحدها التي عادت سرا للحاضنة الدينية، فقد أجرى مركز بحوث بيو الأمريكي دراسة تبيّن فيها أنّ 31 دولة مسيحية تحوي أعلامها عنصراً دينياً، منها النمسا والدانمارك وفنلندا واليونان والنرويج وإيسلندا وإسبانيا والسويد وصربيا وجمهورية الدومينيك. وكذلك كان حال مع دونالد ترامب وجورج بوش الابن، فمع كونهما رجال سياسة بالدرجة الأولى فلم يترددا في استخدام أدوات مختلفة لتحقيق خططهما ومن هذه الأدوات الايدولوجية الدينية لا سيما في أوقات الأزمات والشدة. وهذا ما فعله ترامب وبوش. فالناس كانوا مستغربين من علاقة ترامب المنفلت أخلاقيا حتى بمعايير القيم الغربية، وبين ما عرفوا بالإنجيليين البيض لأنهم لطالما ربطوا أنفسهم كحماة للقيم العائلية والأسرية، بيد أن ترامب كان أبعد ما يكون نموذجا لهذه القيم الأخلاقية أو الأسرية. ومن يفكر بعمق لا يجد أن هذه العلاقة مجرد علاقة نفعية، فالإنجيليون يعتقدون في فهم قومي مسيحي لما يسمى بالعظمة الأمريكية، وقد أخذوا على عاتقهم استعادة هذه العظمة ورأوا في ترامب بحماقته رجلا لا يخشى استخدام القوة العسكرية أو الأدوات السياسية القاسية لتحقيق النظام والأمن. والإنجيليون كانوا خارجين من حقبة باراك أوباما، حيث شعروا بتهميش فكرة العظمة الأمريكية. وكم رأينا كيف صاغ ترامب خططه السياسية وصبغها بالدين والمسيحية. أما بوش فقد بدأ حملته الانتخابية بقوله إن السيد المسيح هو أفضل فيلسوف سياسي لديه لكونه أنقذه من طريق الضلال ودله على الصراط المستقيم. ولاحقا برر بوش حربه على العراق بأنها تفويض إلهي. وعندما قال إن "منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة تاريخية ومفصلية يتوجب على شعوبها الاختيار بين الديمقراطية والحرية وبين الاستبداد والتطرف" فكانت رسائل مشفرة وليس كما يفهمها الشخص العادي على أنها تنم عن حسن نية والتزام الرئيس بوش بالمبادئ الأمريكية في الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان. أما المتدينون المسيحيون من أتباع الكنائس الإنجيلية، وعليه فإن فك الشفرة يبين لهم التزام بوش بتطبيق حكم الله في الأرض وتحقيق الرؤية التي نص عليها الإنجيل والعهد القديم ووردت في سفر الرؤية أي تخليص منطقة الشرق الأوسط من قوى الشر الذي هو شرط أساسي لعودة المسيح وتحضير المنطقة لخوض المعركة الأخيرة التي سينتصر فيها الخير على الشيطان وبالتالي إقامة دولة الله على الأرض. المدهش أن المتمسكين المتشددين بالعقيدة العلمانية تجد أكثرهم في الدولة الإسلامية، ويجدر هنا ذكر ما حدث للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 1998 عندما كان عمدة لمدينة أسطنبول حيث اتهم بالتحريض على الكراهية الدينية، لأنه خالف علمانية الدولة التركية وتسبب ذلك في سجنه وعزله من منصب عمدة أسطنبول ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية ومنها الترشيح للانتخابات العامة. وكل ذلك لأنه اقتبس أبياتاً من شعر تركي أثناء خطاب جماهيري يقول فيه: مسـاجـدنـا ثكناتـنـا قـبـابـنـا خـوذاتـنــا مـآذنـنـا حـرابـنـــا والمصلون جنودنا هذا الجيش المقدس يحرس ديننا [email protected] yasir_mahgoub@
5684
| 26 فبراير 2022
من يتابع تحركات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال السنوات الأخيرة، لا شك أنه مقتنع بأنه لم يعد في حاجة لبثّ رسائل مشفرة إلى خصومه الدوليين، والحصيف هو عندما يرى نيوب الليث بارزة لا يظن أبداً أن الليث يبتسم. فما هي حدود طموحات بوتين داخليا وخارجيا، وإن كانت طموحاته الداخلية تعتبر شأناً داخلياً وأن آثارها تبقى في حدود الداخل الروسي، فما هي حدودها خارجياً، وإلى أي حدٍّ يملك بوتين نفسه عند تصاعد حالة العظمة والغضب والثأر لديه، يدرك أن المغامرات العسكرية ليست نزهة وإنما تخلّف واقعاً من الدمار الشامل؟. في المقابل ومنذ سقوط أو إسقاط "إمبراطورية" الاتحاد السوفييتي التي ورثها بوتين مفككة مهيضة الجناح، هل أمعن الغرب في "احتقار" بوتين و"إمبراطوريتيه" الجريحة لأكثر من ثلاثة عقود، فاستدعى ذلك أن يغضب بوتين ويثور بعد أن أكمل لعق جراحه مردداً قول الشاعر عمر أبو ريشة: إن للجرح صيحة فابعثيها ** في سماع الدنى فحيح سعير المحللون أجمعوا أن هناك تحولاً عميقا في حركية العقل الروسي وإستراتيجيته تجاه الفضاء الجيوسياسي المحيط، بل في ما أبعد من الفضاء المحيط. لقد تجاوز بوتين ذو الخلفية المخابراتية خلال عقدين ونصف من الزمان التفكير التقليدي لأسلافه من قادة روسيا القيصرية ثم روسيا السوفيتية، وكان متعلقا بالمجال الجغرافي الحيوي المحيط بالإمبراطورية في مناطق القوقاز ووسط آسيا وأوروبا الشرقية والبلطيق. بيد أن اليوم طموحات قيصر روسيا الجديد ترتكز على فكرة أيدولوجية جديدة تستصحب السلطة المعنوية للكنيسة الأرثوذكية ليس في روسيا فحسب، وإنما في العالم وتأثيرها على العلاقات الدولية. وبذلك يكون بوتين قد أقر بموت الأيدولوجية الشيوعية وكتب شهادة وفاتها وشيعها لمثواها الأخير ضمن متحف التاريخ الإنساني. فهذا تحول دراماتيكي في إطار لعبة السياسة باعتبارها أداة للسيطرة والتحكم؛ ففي الحقبة الشيوعية، كان "الدين أفيون الشعوب"، ونال رجال الدين من الأرثوذكس والمسلمين وغيرهم حظوظا غير منقوصة من المذابح والتنكيل. لكن بوتين اليوم يتقرب إلى رجال الدين الأرثوذكس ويظهر الاحترام للكنيسة وسدنتها، بل إن التشريعات والقوانين الموقعة بقلمه تترا، وهي تحض على القيم الروحية التي تتأسَّس عليها الإمبراطورية الروسية. وهناك من يرى أن توجّه بوتين هذا ليس مجرد تكتيك محدود ولا براغماتية ظرفية وإنما هي إستراتيجية بعيدة تمهد عودة روسيا لنموذج سلطوي كما في عهد الإمبراطورية البيزنطية، وكان نموذجا متحالفا مع الكنيسة الأرثوذكسية. إن اعتصام بوتين بحِمى الكنيسة الأرثوذكية يؤكد ديمومة الصراع بين الشرق والغرب وهو الأمر الذي لم يتغير رغم تغير أدوات الصراع؛ فمنذ العام 451م، وقع حدث كبير تسبب في تمايز المسيحية إلى كنيستين شرقية وغربية، تختلف نظرة كل منهما تجاه بعض المسائل العقدية المتعلقة بالمسيح والثالوث وغيرها. ومن المعلوم أن هناك بابا للكاثوليك في الفاتيكان، وآخر للأرثوذكس في الإسكندرية، ومع تنامي التحالف المتوثّب الضاري بين القوة المادية العسكرية والمتمثلة في الكرملين وقيصره من جهة، وبين القوة المعنوية المتمثلة في الكنيسة الأرثوذكية من جهة أخرى، فهل تنتقل بابوية الكنيسة الأرثوذكية من الإسكندرية إلى موسكو؟. ولعل من حاول قراءة لغة الجسد التي استخدمها بوتين مع ضيفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل نحو أكثر من أسبوع، وكانت مثار جدل عالمي لم ينتهِ بعد، لا شك أنه يمكنه سبر أغوار ما يفكر به بوتين. فقد أراد إرسال رسائل إلى الغرب بمكوناته السياسية والدينية، مفادها أننا قادمون، نحن روسيا البيزنطية والكنيسة الأرثوذكية. جاء ماكرون الذي يرأس حاليا مجموعة الاتحاد الأوروبي وهي جزء مهم من الغرب، للتوسط في الأزمة الأوكرانية، وهي قضية تفصيلية صغيرة في إطار الصراع بين الشرق والغرب، لكنها بدت بشكل متعمد ولسبب ما، قضية محورية على الأقل من جانب الغرب الذي زرع بعناية مكبرات صوت في أوكرانيا ليسمع العالم صراخها كلما نحنح القيصر الروسي، والنحيح لغة صوت يُردِّدُه الرجلُ في جوفه. في تلكم الزيارة قال بوتين لماكرون ليس موضوعنا أوكرانيا فروسيا قادرة على "تأديبها" وإعادتها للسرب البيزنطي، فعُد من حيث أتيت ولا تعقّب. ولم يصافح بوتين ضيفه وأجلسه في طرف طاولة طويلة جعلت بينهما مسافة ممتدة، بصورة أثارت السخرية. ولم يُزل استغراب العالم تلك التفسيرات التي أطلقها القصر الرئاسي الفرنسي بأن ذلك كان بسبب التزام ماكرون بقواعد تباعد اجتماعي في روسيا شديدة الصرامة. لكن بوتين استقبل بعد ثلاثة أيام فقط رئيس كازاخستان وصافحه وجلسا متقاربين لا يفصل بينهما سوى طاولة صغيرة لوضع القهوة عليها. إن ما يشجع طموحات بوتين هو تفكك المنظومة الغربية وتضعضها، ابتداءً من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل نحو عام، فضلا عن تلك الأزمة الناشبة عن الاتفاقية الأمنية التي ضمت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في سبتمبر الماضي، وهي التي أثارت غضب فرنسا والاتحاد الأوروبي قبل أن تثير غضب الصين وقد كانت الطرف المستهدف أصالة وهي ضمن الشرق الجيوسياسي. وانتقدت فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، تلك الاتفاقية ورأت في الأمر "خيانة" و"طعنة في الظهر"، إذ جاءت على حساب صفقة عقدتها مع أستراليا منذ 2016. العبرة المستخلصة أن الدين ليس محورا أساسيا في الحياة اليومية وإنما محرك مهم لدولاب السياسية وكذلك الأطماع والطموحات السلطويّة غير المحدودة؛ بيد أن الغرب والشرق المسيحيين معا وهما يستخدمان الدين، يحرمان على المسلمين ليس استخدام دينهم على نحو رغائبي كا يفعلون، ولكن حتى مجرد تطبيقه في حياتهم والأخذ بقيمه السمحاء، فاجترحوا "تهمة" الإسلام السياسي ومضوا رفقة مواليهم في الداخل الإسلامي يدبجون المرافعات الكيدية الظالمة. إن الإسلام هو الدين الخاتم والمعترف بكل الأديان السماوية، وهو الدين الذي يمكن أن يؤسس ليس لإمبراطورية سلطوية ولا مدينة إفلاطونية فاضلة، ولكنه يؤسس لعالم مستقر يسوده سلامٌ ورفاهٌ مستدام. [email protected] yasir_mahgoub@
6628
| 19 فبراير 2022
بكل تأكيد ليس مطلق الحياد شرا، والحياد في الملاعب الدولية وفي خضم قعقة السلاح كذلك أمر آخر. فقد وضعت الأمم المتحدة له تعريفا على مقاسها، فقالت إنه الوضع القانوني الناجم عن امتناع دولة عن المشاركة في حرب مع دول أخرى، والحفاظ على موقف الحياد تجاه المتحاربين، واعتراف المتحاربين بهذا الامتناع وعدم التحيز. وتعني به الأمم المتحدة نفسها باعتبارها منظمة دولية وكأنها اجترحت هذا التعريف وفصلته على دور تريد أن تضطع به، بل أعلنت عن يوم دولي للحياد يصادف الثاني عشر من ديسمبر من كل عام. وتعتقد المنظمة بذلك أنها تكسب الثقة والتعاون من جميع الأطراف لأجل العمل بشكل مستقل وفعال. وإن كانت التجارب العملية المريرة لحياد الأمم المتحدة بذلك المفهوم، لم تثمر سلاما دوليا مستداما ولا استقرارا أصابته دول العالم، وظلت حالة عدم الاستقرار والاضطراب مخيمة منذ أن كانت هذه المنظمة شابة قبل أن تشيخ ويأكل عليها الدهر ويشرب، فلم تعد إلا مصدر دخل لجيش من الموظفين الخبراء في تشريع الامتيازات والرواتب واستدامة الترحال بين مدن العالم وفنادقه. الأمم المتحدة حامية قيم العدل والإنصاف هي ذاتها التي تتخذ الحياد بمفهومها في معركة طرفين أحدهما ظالم ومعتدٍ والآخر مظلوم ومعتدى عليه، فهي يستوي عندها الحق والباطل. ويبدو أن الوقوف مع الحق مكلف وقد يفقدها امتيازاتها إما بكثرة الإنفاق أو بإمساك الظالم من وراء حجاب عن دعمها. فالحياد الأممي يضع المنظمة في خانة لا تتعدى كونها مؤسسة علاقات عامة، مهمتها تسويق الباطل وتزيين وشرعنة الظلم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أي حياد هذا بين الفلسطينيين والدولة الإسرائيلية الغاصبة؟. غير أن الحياد الممقوت أو السلبي على المستوى الشخصي في دائرة العلاقات الاجتماعية والتواصل الإنساني، فذلك ما لا يختلف على سوئه اثنان. فبعض الناس يؤمن بأن الطعام عند معاوية أدسم، والصّلاة وراء علي أقوم، والجلوس على التلّ أسلم. فأولئك قد يبيع الفرد منهم دينه بعرض من الدنيا. أما حين تغدو الفتن كقطع الليل المظلم، ويثور الصّراع بين باطلين، فيصبح الأمر فتنة، ففي هذه الحالة لابد وأن تصبح كوليد النّاقة الذّكر الذي تطلق عليه العرب ابن لبون، فهو لا ظهر له فيركب، ولا ضرع له فيحلب، أي أنه لم يقوَ بعد فيُنتفع بركوبه، ولا هو بأنثى تحلب. والحكمة في هذه الحالة ترك الباطلين يتصارعان فيما بينهما، ليضعفا ولتكون القوّة من بعد ذلك للذي يحكم بالعدل بينهما. الاقتصاديون وأهل التجارة يعرفون ما يسمونه بـ"محايدة المخاطر"، وهي الحالة التي يكون فيها المستثمر غير مهتم بالمجازفة عند اتخاذ قرار الاستثمار في شيء ما أو قطاع ما. ويوصّف مصطلح "محايدة المخاطر" الحالة الذهنية لمستثمر عاصف التوثّب ضارٍ وهو ينوي اتخاذ قرار ينظر فيه بعين واحدة للفرص الاستثمارية المحتملة في حين يتجاهل المخاطر المرتبطة بها. وهنا يبدو الحياد حالة مخاطرة وقفزة في الظلام ونوعا من المقامرة. والمقامرة بالأموال كاللَّعِب بها قِمَاراً، أي لَعِبٌ قائمٌ على الصدفة والحظ، رابح أو خاسر. ويظن ظانّ أن الحياد السلبي فيه فسحة للهروب من إحن تعكر صفو الحياة فيلجأ للتخفي وراء أكمة الحياد، ملتزما الصمت حتى وإن كان الخطأ واضحا جليا كالشمس في رابعة النهار لا يمكن إنكارها أو تغطيتها بغربال. هكذا ينزوي بعض الناس إلى منطقة رمادية تكفيهم مواجهة الباطل لا بالسلاح ولكن حتى لو كان ذلك بسديد الرأي. فتجنب الصدام ومخافة مقارعة الحجة بالحجة تفقد الإنسان موقعه الإيجابي في مجتمعه. وهذا المجتمع تمدد اليوم ليصبح افتراضيا على امتداد رقعة الأرض، عبر مجموعات ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الفضاء الافتراضي يشيع الحياد السلبي أو التبلّد نوعا من الإمعية، وهي مجاراة الآخرين إن أحسنوا أحسن وإن أساءوا أساء. وهو ما يعرف في علم النفس بسلوك الامتثال أو الاتّباعية أو الإمعية، وذلك حين يرى الفرد بعض الأفراد يتصرفون خطأ في موقف ما، ثم يتبعهم بالرغم من تيقنه من خطأ موقفهم. وهو يخشى مخالفتهم والشذوذ عنهم. إن الخشية من الصدع بقول الحق تنبئ بشخصيات ضعيفة مهزوزة تنحاز للصمت حتى لا تخسر شيئا، كما تظن. ولعل العلاقات الاجتماعية المعافاة لا تتأتى إلا بقول الصدق وحفظ الأمانة والإخلاص في تقديم النصيحة ومساعدة الآخرين ويعضد كل ذلك التكافل المعنوي. وبدون مواربة يبدو الصراع حالة حتمية بين البشر، فالإنسان مخلوق اجتماعي، وعليه فالصراع بين البشر ظاهرة اجتماعية بسبب التعارض بين رغبتين أو بين إرادتين. وهو كذلك حالة ناتجة عن تعارض تخيلي للمصالح والقيم. أسوأ حالات الصراع محاولات حسمه بالقوة والسلاح أو حتى بالإرهاب اللفظي. لكن في بعض الحالات يبدو الصمت أفضل طرق حسم الصراع باعتباره قوة ناعمة وحيادا إيجابيا، فالصمت يمكن أن يكون قوة جبارة حين يقهرك يقين بأن الآخرين غير قادرين على استيعاب رؤاك وأفكارك. والصمت قد يبلغ درجة الهجوم المستتر فيغدو الصامت هو الأقوى في الزود عن الحق من دون كلام وعنت. ففي هذه الحالة يكون الصمت أفضل من الصراع وحتى من مجرد الجدل الذي يبعث التنافر والبغضاء. ويقولون إن الصمت هو الجزء الأصعب من علم الكلام وفنونه، فالصمت الوقور إجابة رائعة لا يتقنها إلا العقلاء ومن بلغ النضج العقلي فقد تكلّم صمتًا. على صعيد الصراعات الدولية وبعيدا عن سلبية الأمم المتحدة، يبرز مفهوم الدبلوماسية الصامتة والحياد الإيجابي مقابل الحروب التقليدية والحياد السلبي، وتعد كل من الهند واليابان والصين والدول الإسكندنافية السويد والدنمارك والمجر أكثر الدول اتباعا لإستراتيجية الدبلوماسية الصامتة في المناطق الملتهبة، بوسائل تختلف بحسب توجهات كل دولة وطبيعة النظام السياسي فيها، ففيما تركز الصين أكثر على تطوير علاقاتها الاقتصادية والتوسع في الاتفاقيات التجارية، تتبع الدول الإسكندنافية نهجا يعطي أهمية أكبر للتواجد الثقافي الناعم وتبني ودعم المبادرات الدبلوماسية. [email protected] yasir_mahgoub@
13554
| 12 فبراير 2022
عندما تتعارض الأجندات والغايات، فإن النجاح والفشل يصبحان بكل تأكيد مسألة نسبية ومختلفا عليها. فولكر بيرتس مستشار مبعوث الأمين العام للأمم المتّحدة لسوريا خلال الفترة 2015– 2018، لم يكتفِ بـ»نجاحه» في استدامة الأزمة السورية ونتائج عمله فيها، حيث غدت أثرا بعد عين. ومنذ حينٍ جاء فولكر إلى السودان بطلب غريب من رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك الموظف الأممي السابق. والرجل كفانا الله شرّه متخصص في تنظيم الثورات وترتيب الأحداث لتغيير الأوضاع والمسؤولين في المنطقة وصناعة الفوضى وفقا للأجندة الدولية الشريرة. تحت غطاء مهمة دعم المرحلة الانتقالية في السودان وتحت طائلة الفصل السادس، جاءت جحافل الأمم المتحدة إلى الخرطوم ضمن بعثة سميت اختصارا بـ»يونيتامس» مكونة من 269 موظفاً مدنياً، لها بالإضافة لمقرها بالعاصمة، نحو أكثر من 7 مكاتب إقليمية تغطي معظم أنحاء البلاد المترامية الأطراف. وكان لابد أن تضع البعثة لنفسها أهدافا برّاقة، مثل مساعدة الحكومة في الانتقال الديمقراطي، والمساهمة في بناء السلام، وإعداد الدستور الدائم، وإجراء التعداد السكاني، والإشراف على إجراء انتخابات بنهاية الفترة الانتقالية. فولكر الذي ظل يتحرك ويلتقي بحرية بالفعاليات السياسية، يصفه المعارضون للتدخل الأجنبي في شؤون البلاد ساخرين بحاكم عام السودان، مثلما كان للبلاد حاكم عام بريطاني في حقبة الاستعمار. قبل عام وصل الألماني فولكر الخرطوم بخيله ورَجلِه مُستهلا حقبته «الاستعمارية» في البلاد، لكن بعد عام من فشله بالمعايير الوطنية ونجاحه بمعايير الأجندة الدولية، ضاق الضمير الشعبي الحيّ به ذرعا، حيث نظمت قبل أسبوع مجموعات أهلية وسياسية ومجتمعية مسيرة أمام مبنى «يونيتامس» بالخرطوم، للتعبير عن رفض تحركات فولكر التي لم تزد الأزمة السياسية إلا تعقيدا وتأزيما. ومن المنتظر أن يُنظّم اليوم السبت ما سمي بمجلس حكماء وشباب ونساء السودان مسيرة مماثلة لمناصرة القوات المسلحة والقوات الأمنية الأخرى، ورفض التدخلات الأجنبية في البلاد، ويقول منظمو هذه التظاهرات أنهم يمثلون ما وصفوه بصوت الأغلبية الصامتة في السودان. ولعل الحصار الشعبي الرافض للبعثة الأممية سيضيق عليها يوما بعد يوم، لكن ليس من المنتظر أن يغادر فولكر «مُلك السودان» الذي أتاه يجرجر أذياله بسهولة، ما لم يتأكد من اكتمال تدمير وتفكيك الدولة السودانية. ولحين الوصول إلى هذا المبتغى سيزحم فولكر ومن راء أكمته ما ورائها، بمبادرات سياسية رنانة وذات بريق تستنزف الوقت وتصك الآذان، وتزيد أوار الصراعات السياسية حتى تتحول إلى صدام مسلح وحينها فقط سيحزم فولكر حقائبه ويعلن بكل جرأة فشل مهمته، فالتدمير حينها سيكون ذاتيا وبدون (فولكرية) طالما أصبح لا صوت يعلو فوق صوت السلاح. اليوم العديد من جيوش الحركات المسلحة والمتمردة سابقا تمركزت داخل العاصمة الخرطوم بعد اتفاق جوبا للسلام والذي لم ينص على تموضعها الحالي، بل نص على تفكيكها ودمجها في الجيش الوطني وهذا ما لم يتم بعد مضي نحو عامين على ذلك الاتفاق. بيد أنه في الشق السياسي من الاتفاق نال قادة الحركات المسلحة مواقع سياسية رفيعة على المستويين الاتحادي والإقليمي. خلال الأسابيع الماضية وفي غمرة توترات الشارع زادت المخاوف بعد إطلاق حراس يتبعون لحركة مسلحة، الرصاص الحي في الهواء لتفريق محتجين عند اقترابهم من مقر الحركة بوسط أم درمان، إحدى المدن الثلاث التي تشكل العاصمة الخرطوم. وقال المحتجون أنهم لم يستهدفوا لا الحركة ولا مقرها، وإنما كانوا يمرون قرب المقر بشكل سلمي. ولعل خطورة الوجود المسلح تنبع من اندلاع شرارة العنف المسلح نتيجة سوء فهم ما، خاصة وأن جنود هذه الحركات لم يخضعوا إلى تدريب عسكري نظامي يمكنهم من التعامل مع الكثير من المواقف خاصة داخل المدن. إن تفكيك السودان تم بنجاح في مرحلته الأولى بفصل جنوب البلاد في العام 2011. وقد اعترفت المسؤولة الأمريكية السابقة سوزان رايس بذلك في كتابها (Tough love) الصادر حديثا بأنها وآخرين وراء انفصال جنوب السودان وفرض العقوبات الأمريكية ووضع البلاد في قائمة الدول الراعية للإرهاب. أما السفير البريطاني السابق في الخرطوم، اعترف بشكل سافر بقوله: «كان علينا العمل على تغيير حكم عمر البشير، رغم أن التدخل الدبلوماسي في شؤون الدول، غير محبذ وغير مرحب به. لكنني فخور بما أقدمت عليه من أجل هذا التغيير. وقد أخذت زمام المبادرة، لأن هذا التغيير، يتوافق ليس مع مصالحنا فقط، وإنما مع قيمنا في بريطانيا. لذا اتخذنا الخطوة اللازمة في إبريل من أجل الانتقال السياسي ودعم الاعتصام». لا يبطل مخططات فولكر سوى أن ينبذ السودانيون خطاب الكراهية فيما بينهم، وأن يلفظوا كذلك نهج المعادلة الصفرية تجاه الآخر، وألا يرتبط مكسب جهة سياسية ما بالضرورة بخسارة الخصم. فالأسوأ حين يعتقد صاحب ذلك النهج الاقصائي أن ذلك لابد أن يكون مُطلقا أي مكسبًا كاملا مقابل خسارةٍ كاملة. الحالة المغايرة للمعادلة الصفرية هي حالة التوازن في الحقوق والواجبات بين الأطراف وهي سبب رئيسي في تحقيق الاستقرار في مجتمع من المجتمعات. على السودانيين أن يدعموا جيشهم الوطني فهو الذي يجعل بين الوطن ومخططات تفكيكه سدا، فليعينوه بقوة يجعل بينهم وبين الضياع ردما. ولا شك للجيش مهام أخطر وأسمى من خوض غمار السياسة بيد أن الذي يكفي الجيش رهق السياسة، تمكن الجميع من الوصول إلى شاطئ انتخابات نزيهة وكلمة سواء بينهم. إن الأصل الفلسفي لقيام الانتخابات يتمثل في رغبة الفصل بين الحاكم كشخص، وبين السلطة باعتبارها وظيفة، ليصبح الأساس في ممارسة السلطة التفويض الشعبي بما يترتب على ذلك من تقييد لسلطات الحاكم، استنادا إلى مبدأ حكم القانون. فالانتخابات وسيلة تمكن المواطنين من المشاركة، في عملية اتخاذ القرارات. وعن طريقها يمكن لهم قبول أو رفض الخيارات السياسية، وفي الوقت ذاته قبول أو رفض من يطرحون هذه الخيارات. وطالما الهدف إرساء الديمقراطية فالانتخابات تأتي أولا لا تسبق الديمقراطية بأي حال من الأحوال. [email protected] yasir_mahgoub@
9341
| 05 فبراير 2022
حالة الجزر المعزولة تتمدد وتزيد عزلتها وحشة باستمرار، بينما التكنولوجيا المتوحشة تمُدّ لسانها كمنتصر غاصب وقد تجبّر وافترى. في بيوتنا وفي شوارعنا وفي كل أماكن ارتيادنا، بدا الناس جُزرا معزولة عن بعضها البعض، فكل منهم يمسك بتلابيبه وخناقه، جهاز صغير سُمي ذكيّا بيد أنه غاصب لفكرنا وانتباهنا، وقد ورطنا في عالم افتراضي يموج فضاؤه بصراعات الشركات وإعلاناتها، وبصدام الأيديولوجيات ودعاياتها السوداء، وفوق كل ذلك فضاءٌ تسرح وتمرح فيه شياطين الإنس مبشرة بكل ما هو هادم للقيم، تروّج بضاعة مزجاة قوامها الجنس والمخدرات. وعوضا عن المدرسة والمسجد والأسرة، فقد أحكم الإعلام المتوحش سيطرته على المجتمع، محتكرا التسلية والتربية والتوجيه. بل غدا متلونا كالحرباء يظهر في كل يوم بوجه جديد، وفي كل حين بأسلوب مبتكر خبيث، وفي كل مرحلة بتقنية مدهشة، فغدت التربية تفقد بوسائلها المحدودة، وتطورها السلحفائي الحذر، سيطرتها على حدود مملكتها. وأصبح الإعلام يملك النصيب الأكبر في التنشئة الاجتماعية، والتأثير والتوجيه، وتربية الصغار بل والكبار كذلك. وإن كان الكبار أقل تأثيرا، حتى لو بشكل نسبي، إلا أن صغارنا أكثر الضحايا تأثرا؛ فهم موجودون معنا بأجسامهم وغرباء عنا بأفكارهم المسيطر عليها بفعل تلك الأجهزة قاتلها الله. ففي عالم المعلومات المفتوح والحوائط الزجاجية الشفافة، لا الجهات الرسمية تستطيع التحكم بتدفق المنتج الإعلامي تجاه الأطفال واليافعين، ولا لأي أحد القدرة على توجيهه لا زماناً ولا مكاناً، ولا حتى كمّاً وكيفاً. اليوم لا تستطيع الدول ولا أرباب الأسر أن يتخذوا قرارات بنزع تلك الأجهزة والتخلص منها؛ بيد أنه ومنذ سنوات قليلة ظهرت دعوات الخبراء بضرورة التعامل الإيجابي مع وسائل الإعلام التي لا فكاك منها. وبدأ الجدل ومازال على أشده، يدور حول ما اصطُلح على تسميته بـ»التربية الإعلامية» أو الدِراية بوَسائِل الاتصال. ويشمل ذلك الممارسات التي تسمح للأفراد بالوصول، والتقييم النقدي، لمحتوى وسائل الإعلام العابرة للمسافات والأزمان لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي. تُعَرف الرابطة الوطنية الأمريكية للتربية الإعلامية، التربية الإعلامية بأنها سلسلةٌ من الكفاءات الإعلامية مع قدرةٍ على الوصول والتحليل والتقييم والتواصل ضمن مجموعةٍ متنوعة من الأشكال التي يمكن أن تكون رسائل مطبوعة أو غير مطبوعة. ويذهب البعض إلى أنَّ التربية الإعلامية تتيح للأفراد ليكونوا مفكرين ناقدين لمحتوى الرسائل الإعلامية. وتعرّف منظمة اليونسكو التربية الإعلامية والمعلوماتية بأنها: «الكفاءات الأساسية التي تتيح للمواطنين التعامل مع وسائل الإعلام على نحو فعّال، وتطوير الفكر النقدي ومهارات التعلّم مدى الحياة، في سبيل تنشئة اجتماعية تجعل منهم مواطنين فاعلين». ويتفق الخبراء على أن التربية الإعلامية توفر العلاج الناجع لمعالجة المشکلات النفسية والثقافية والاجتماعية التي يعاني منها النشء والطلاب اليافعين مثل مشاکل الأمية الثقافية، والأمية الفكرية والسطحية السياسية، فضلا عن انعدام الثقة بالنفس جراء التواصل مع الآخر وعدم الألفة، والتحيزية والاستغراق في (الأنا). إن التربية الإعلامية باختصار تُعنى بمهارة التعامل مع وسائل الإعلام واتقاء شرورها المتناسلة بكثافة. ولهذا نجد أن مقرارت مؤتمرات منظمة اليونسكو وهي أكثر المنظمات عناية بالتربية الإعلامية، تؤكد على وجوب إعداد النشء للعيش في عالم سلطة الصورة والصوت والكلمة. وباختصار تكمن أهمية التربية الإعلامية في أنها تتيح للأفراد اكتساب المهارات والخبرات التي تمكنهم من فهم الكيفية التي يشكل بها غول الإعلام إدراكهم، بل أكثر من ذلك، وهو إرفادهم بكل ما يعينهم على المشاركة في صناعة المحتوى الإعلامي وتعديل إعوجاجه ليتماشى مع أخلاقيات المجتمع وقيمه وقوانينه. وحتى لا تقف تلك الغاية النبيلة في حدود الأمنيات العزيزة المنال؛ فلابد من أن يتخطى النقاش حول فعالية وأهمية التربية الإعلامية عتبة الترف النخبوي والأكاديمي إلى التفكير الجاد لأن تكون التربية الإعلامية منهجا دراسيا في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، حيث الكتلة الأهم من المجتمع والأكثر تأثرا بل تشكل غالب ضحايا الفضاء الإعلامي الملوث. وربما تمكنت بعض الدول والمجتمعات من السير في هذا الطريق الذي نتمنى ألا يكون طويلا ومليئا بعقبات الروتين والبروقراطية الـمُقعِدة. في عهود سابقة وما قبل الهجمة التكنولوجية، كانت التربية الإعلامية متمثلةً فيما عُرف بالصحافة المدرسية مثل فرض الكفاية يقوم به البعض ويسقط عن البعض. وكانت مهمة الصحافة المدرسية والحائطية، التعرف على مواهب الطلاب وتنميتها وتحويل خيالهم الخصب إلى إنتاج صحفي مفيد وربما إذاعي خلّاق من خلال الإذاعة المدرسية. وكان الطلاب المشاركون في نشاط الصحافة المدرسية يدركون الالتزام بشرف الكلمة المكتوبة. كما كانت الصحافة المدرسية تهتم بغرس القيم التربوية النبيلة بأسلوب غير مباشر، حيث تبنى الأخلاق الفاضلة من خلال تنمية ودعم السلوك الطيب داخل وخارج المدرسة، فينعكس كل ذلك على شخصية الطالب. وكانت كذلك تعمل على تنمية الاعتماد على النفس والثقة بالنفس. الخلاصة.. إن الإنسان ما لم يكن واعيـاً إعلاميـاً فإن التيـار الجارف سيكتسح كـل شخص معصـوب العينين. والتربية الإعلامية من خلال اليونسكو تعد جزءاً من الحقوق الأساسية للمواطنين، في كل دولة من الدول. وتوصي اليونسكو بضرورة إدخال التربية الإعلامية ضمن المناهج التربوية الوطنية، وكذلك إدخالها ضمن أنظمة التعليم غير الرسمية، والتعلم مدى الحياة. وفي ظل تعقيدات وتدخلات الإعلام في بناء وجهات النظر المختلفة عند العامة، فإن التربية الإعلامية تأتي لتكون جزءًا من الثقافة اليومية للفرد وتمكينه ليكون ناقدًا يتحكم بتفسير ما يشاهده أو يسمعه، وليكون نموذجاً ناجحاً للمتلقي النشط. فالمدخل الحديث للتربية الإعلامية هو أن التناول الناقد للمادة الإعلامية يؤدي الى إنتاج مواطن ناقد، وأن تعليم المتلقي التقنيات التي يستخدمها الإعلام لتوصيل رسالته يعني وعي المتلقي بهذه الوسائل وتشكيل المهارة الناقدة تجاه الرسائل التي يتم طرحها في الفضاء الإسفيري. [email protected] yasir_mahgoub@
10307
| 22 يناير 2022
يرتبط مفهوم الرأي العام في عمومه بالوعي السياسي لدى مجتمع من المجتمعات، فهو بدون شك يعتبر مظهراً مباشراً لوجود المجتمع السياسي، فلا ينشأ إلا مع توفر الوعي السياسي لدى الجماهير، أي وعيها بالقضايا العامة التي تمس مصالحها الجوهرية. في جزيرة العرب الرحيبة وحتى فيما قبل الإسلام، حيث المجتمع الجاهلي، كانت دار الندوة التي اتُّخذت مركزاً يجتمع فيه شيوخ قريش إذا ما طرأ غُمّ أو التبس عليهم أمر ما. وكذلك كان سوق عُكاظ الشهير صورةً حيةً من صور مؤسسات الرأي العام كوعاءٍ أوسع يجمعُ كل عرب الجزيرة العربية وليس قريشا فحسب. وكان عكاظ سوقا حددت قريش زمانه ومكانه (في الأشهر الحُرم بين الطائف ومكة) بعد أن رأت أن خطرا وجوديا يتهددها من قبل الأحباش. وبعد الإسلام استمر سوق عُكاظ يُقام كل عامٍ قبل انصراف الناس من الحج. وعلى الرغم أنه يبدو لأول وهلة سوقا ذا أغراض تجارية بحتة، إلا أنه كان معرضا عاما ومجمعا لُغوياً، له محكمون تُضرب عليهم القباب، فيعرض شُعراء كل قبيلة عليهم شعرهم وأدبهم، فما استجادوه فهو الجيد، وما بخسوه فهو كذلك. وبالفعل فقد تغلب النشاط الأدبي والسياسي على التجارة. من الناحية السياسية أراد زعماء القبائل جمع العرب على كلمة واحدة ضد ما يهدد كيانهم لاسيما بعد عام الفيل. وظل عُكاظ برلمانا سياسيا كبيرا تُقضى فيها أمور كثيرة وقرارات مصيرية. اليوم عبثا تقوم هيئة الأمم المتحدة بمجهود (رسمي) في سبيل بسط السِّلم الدولي، وعكاظ كان لها صورة مصغرة تشبهها بحسب الظاهر لا في الحقيقة، لأن عُكاظ لم تُرائي لتبرر للقوي أكل الضعيف. ولعل مفهوم الرأي العام ظل من المفاهيم الشائعة الاستعمال في العلوم الاجتماعية وفي لغة السياسة اليومية على السواء. ويرجع مفهوم الرأي العام إلى عهود تاريخية سحيقة، عاصرت وجود الجماعة الإنسانية، أو الظاهرة البشرية في صورة مجتمع، فقد عرفه الفكر السياسي والاجتماعي بمفاهيم مختلفة كإرادة الأمة، ومشيئة الشعب، وعبر عنه المسلمون الأوائل بمصطلحات عدة مثل الاجتهاد، والإجماع، والشورى، وجمهور الأمة. ولربما اختلفت ميكانيزمات تشكيل الرأي العام بتطور وعي المجتمعات وكذلك بتطور أدوات التشكيل حتى أن مصطلح (تشكيل) تحول إلى (صناعة). والتشكيل يُعنى بالمُشاكلة أي الموافقة والمماثلة والتشاكُل مثله. وإشكال: اصطلاح أرسطي في أساسه يراد به وضع رأيين متعارضين لكل منهما حجته في مسألة بعينها. وتشكيل بوجه عام؛ جملة العمليات الذهنية التي تنصب على المعطيات المباشرة التي تكوّن مادة المعرفة، فتصورها وتبلورها، وشاكله مُشاكلةً وافقه وماثلَهُ، وتشكّل الشيء تصوّر. فهذا التعريف المسهب قد يشير إلى التكوين التلقائي للرأي العام وفق تفاعلات معطيات معرفية؛ بينما قد يشير مصطلح (صناعة) إلى تدخل ما مقصود، لتوجيه الرأي العام وجهة بعينها إما لأغراض سياسية أو تجارية. وقديما كان الرأي العام في المجتمعات البدائية يتشكل عادة عن طريق الماكنيزمات المتولدة عن العادة أكثر مما كانت تأتي عن طريق المناقشة وإشاعة المعلومات وحرية تبادلها أو فرضها. فقد كان أفراد تلك المجتمعات يخضعون لتأثير العادات أكثر مما كانوا يخضعون لسلطان الأفكار. ما بين الصناعة والتشكيل يقع الرأي العام ضحية لسوء النوايا وخطل الوسائل والأدوات؛ فالحكومات والأنظمة السياسية فضلا عن الشركات تتزاحم وتصطرع لصناعة رأي عام يخدم مصالحها وإستراتيجياتها التي غالبا ما تتعارض مع مصلحة المجتمعات. ولعل بول غوبلز السياسي الألماني ووزير الدعاية في ألمانيا النازية منذ العام 1933 ظل أشهر السياسيين على مستوى الدعاية السوداء الهادفة لتجيير الرأي العام لصالح الحقبة النازية. وقد بدأ نشاطه منذ أن تم تعيينه رئيسا لمكتب الحزب النازي في برلين في عام 1926، بغرض استخدام الدعاية للترويج للحزب وبرنامجه. ولاحقا سيطرت الوزارة التي تولاها على وسائل الإعلام الإخبارية والفنون والمعلومات في ألمانيا. اليوم تتخذ محاولات صناعة الرأي العام وسائل وأدوات وطرقا مختلفة ومتخفية، وتنغمس وسائل الإعلام المختلفة في هذه الصناعة خوفا وطمعا. أما الآفة الأخرى التي تعتري الرأي العام، هي ما يعرف اليوم بوسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد اعتبرها بعض خبراء الإعلام أنها لم تقف عند حد الإضرار بمفاهيم الديمقراطية فحسب، بل إنها أدت إلى تغيير في مفاهيمها وممارساتها، حيث أصبحت هذه الممارسة نهباً لآفات الثرثرة والتكرار والتبسيط المخل إلى درجة التسطح، وهو ما يهدد – في تصور أولئك الخبراء - بإصابة الممارسة الديمقراطية، ومن ثم المشاركة الجماهيرية، بآفة الفوضوية في الفكر والتشتت والتخبط في الرأي وفي السلوك العام. ويجزم أولئك الخبراء بأن نمط التعددية الناشئ عن وسائل التواصل الاجتماعي إياها، لم يعد يشكل نموذج النهج الديمقراطي القويم أو المطلوب، بقدر ما أصبح نهجاً يفتقر إلى الاتزان وحسن الترتيب وتعوزه الرؤية المنظمة التي كان ينطلق منها مفكرو ودعاة وممارسو الديمقراطية. ولعل الدولة وبعيدا عن النوايا السيئة يمكن أن تضطع عبر ما يعرف بالإعلام التنموى بدور إيجابي في تشكيل رأي عام يستند في الأساس على مبدأ ديمقراطية الاتصال والإعلام والتي تفرز بموجبها إعلاما متفاعلا ومشاركا ومنتفعا، إعلاما يصف ويشخص ويجد الحلول للمشكلات أيا كانت في أي مجال من مجالات التنمية، إعلاما يعكس الإنجازات ويوسع الآفاق ويرفع التطلعات ويوجه ويشكل الرأي العام في ما يفيد الناس، إعلام يستقرئ الواقع ويستشرف المستقبل، ينبه للمشاكل والقضايا ويمنع حدوثها ويشخص المشاكل والقضايا بغية الوصول إلى حلول لها والحيلولة دون تكرارها، إعلام يربي ويعلم ويوعي ويوجه ويمارس الترفيه الواعي الذي يخدم قضية التنمية الشاملة والمستدامة خاصة في دولنا النامية، إعلام مخطط يعمل على تعزيز الاتجاهات الإيجابية وتغيير الاتجاهات السالبة للانطلاق نحو التنمية، إعلام ينشر الأفكار الجديدة والمستحدثة لتبنيها، إعلام يعتمد على المتابعة والتقييم المستمر لما يبثه من برامج وحملات عبر كافة الوسائط المستخدمة، إعلام تتكامل فيه كافة وسائط الاتصال الجماهيرية والشخصية والشعبية التقليدية والحديثة. [email protected] yasir_mahgoub@
12574
| 15 يناير 2022
جاءت ثورة السودان في سياق آخر التغييرات الدراماتيكية التي ضربت المنطقة بقوة، وضمن ما عرف بـ" الربيع العربي" الذي تحول بعد عقد من الزمان إلى صيف شديد القسوة. اليوم حال الأوضاع السياسية في بلدان الصيف العربي لا يسر صديقاً ولا عدواً؛ فوضى ضربت بأطنابها تلك البلاد وسكنت في أطرفها وجنباتها وتركتها قاحلة يبابا قاعا صفصفا. سرقة الثورات أو وأدها أو تغيير مساراتها أمر واقع ومحتمل بل بدا حتميا في كثير من الأحايين. السرقة قد تكون داخلية كما يمكن أن تكون خارجية أو الاثنين معا كما في حالة السودان كشكل شاخص من أشكال الانتهازية السياسية. إن كثيرا من التطوارات والاحداث قد جعلت الشكوك تحوم حول من يحركها ويستفيد منها من القوى الدولية صاحبة نظرية الفوضى الخلاقة، فقد تحولت بعض الثورات إلى حالة فوضوية دائمة، لا الثوار يبلغون أهدافهم أو يكونون على علم بها ولا الأحوال القديمة تنـزوي وتزول بل تغدو أكثر سوءا. في السودان مكّن التحالف الهش بين الشارع والجيش من إسقاط نظام الرئيس عمر البشير في ابريل 2019، بيد أن التحول من مرحلة الانتقال المؤقتة إلى وضع دائم، ركائزه السلام والحرية والتنمية والتبادل السلمي للسلطة، أضحى معضلة وجعل المرحلة الانتقالية مرحلة أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية متفاقمة جعلت المواطنين يحنون إلى شر هو أهون من شر ماثل. قوى سياسية محدودة العدد قليلة الخبرة تصدرت المشهد السياسي مدعومة خارجيا ومستغلة غياب القوى السياسية التقليدية التي كانت بصورة أو أخرى جزءًا من المشهد السابق الذي ذهب مع عاصفة التغيير. بينما كان في المقابل الجيش الذي استجاب لطوفان الثورة وقد ظل الجيش منذ استقلال البلاد في 1956 جزءًا من الفعل السياسي، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يُدعى فيها لاستلام السلطة بطلب من الشارع، فقد سبق لأحزاب سياسية وفي اطار الكيد لبعضها البعض أن سلمت السلطة التي كانت بيدها طواعية للجيش. الإشكالية الماثلة اليوم أن تظاهرات أحزاب القِلة المدعومة خارجيا، ظلت تدعو الجيش لتسليم السلطة للمدنيين سواء كان ذلك ما قبل استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الأسبوع الماضي أو ما بعدها. ولعل المقصود بالمدنيين هنا تلك الأحزاب التي اختطفت الثورة وجيّرتها لحسابها، ولم تستطع أن تحكم برشد عندما تسلمت السلطة التنفيذية مع تعيين حمدوك رئيسا للوزراء بل أضحت وبالا عليه وأقعدته فلم تسعفه خبرته السياسية المتواضعة لخوض الغمار ووقف أحزاب القلة عند حدها. الجيش بكل تأكيد كيان وطني مستقل وليس واقعا تحت إمرة المدنيين ومستجيبا لأهوائهم وأطماعهم وخضوع بعض للخارج المتربص، ليستدعوه متى ما شاؤوا ويركلوه متى ما شاؤوا. فالجيش له مسؤولية محددة كان يجب أن يتعاون معه فيها المدنيون وهي الاعداد للانتخابات ومن ثمّ تسليم السلطة كاملة للمنتخبين لا أن تسلم اليوم اعتباطا لأحزاب معدومة الوزن منبتة الأصل، الأمر الذي يدخل البلاد في صراعات دموية إذ لن تستكين القوى السياسية الأخرى صاحبة الوزن الشعبي فسرعان ما تستفيق من حالة الصدمة إثر التغيير الدراماتيكي الذي أطاح بحكم البشير. ولعل من أراد تفكيك البلاد يدرك أن ذلك لا يتم إلا بضرب الجيش وتشويه صورته، وأحزاب القلة المختطفة تضع الجيش أمام خيارين عبر هذه التظاهرات؛ فإما يسلمها السلطة أو أن تشعل ضده خطاب كراهية وتحقير. والجيش السوداني ليس الجنرال عبد الفتاح ورفاقه الذين يمثلون قيادته الظرفية، الذين عليهم أن يكونوا على مستوى تحدي المرحلة والعبور بمؤسسة الجيش والبلاد إلى بر الأمان. خارجيا وبتزامن مقصود مع الخاطفين بالداخل حذرت دول الترويكا التي تضم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إضافة إلى بريطانيا والنرويج، قادة الجيش السوداني من مغبة تعيين أحادي الجانب لرئيس وزراء جديد بعد استقالة حمدوك، بمعنى الرجوع لذات القوى المُختطفة ومن ثم إعادة انتاج الأزمة. في ذات الوقت لا تخاطب هذه الدول المفاخرة بأنظمتها الديمقراطية أحزاب الداخل وتحثهم على التحضير للانتخابات باعتبارها سبيلا وحيدا وديمقراطيا للحكم. كما لم تدع يوما إلى ضرورة التظاهر السلمي وعدم تخريب الممتلكات العامة والتعدي على حرية الحركة وإغلاق الشوارع. وفيما يدعو الجيش للانتخابات صراحة وقد حدد لها تاريخا بالفعل، تعتبره الترويكا معوقا للعملية الديمقراطية ووجهت له تهديدا مبطنا وقالت في بيانها: "في غياب تقدّم، سننظر في تسريع الجهود لمحاسبة أولئك الذين يعرقلون العملية الديمقراطية". المدهش أن كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور الأمريكي جيم ريش، دعا الأسبوع الماضي في بيان له المجلس العسكري في السودان الى تسليم السلطة الى "الزعماء المدنيين المنتخبين"؟!. ومعلوم أنه لم تعقد انتخابات بعد حتى تسلم السلطة إلى زعماء مدنيين منتخبين؟!. إن البحث في العوامل والخلفيات التي استهدفت دولا عربية دون غيرها في النسق الإقليمي والدولي، نجدها دولا مهمة في نظر القوى الكبرى، التي بدت عازمة على تفكيك بنيتها السياسية والإخلال بوظيفة دولها في استتباب أمنها، والنيل من مؤسساتها الأمنية لا سيما جيوشها. ولعل هدف تقويض الدولة بمؤسساتها ينفُذ من خلال تشجيع ما يسمونه بالإرادة الشعبية، وهو حق يراد به باطل. وتحرك هذه "الارادة لشعبية" بوقود قيم خارجية معنية بالمشروع التفكيكي والتفتيتي، عبر تعبئة مزيفة للجماهير وتحويرات فيروسية للرأي العام تعادي في الحقيقة الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي. "الإرادة الشعبية" المفترى عليها ليست اليوم سوى رد فعل مضاد، شكلتها استزراعات المختبرات الخارجية، التي صاغت شعارات حتمية التغيير باستخدام خيار "الثورة". كل ذلك يبدو تعبيرا عن حالة مأزومة في الدول المستهدفة استثمرتها الأجندات الخارجية، عوضا عن أن تحتويها الأنظمة الوطنية المستبدة وتعدل من سلوكها وتراجع سياساتها وأخطاءها التي استقرت في العقل الجمعي الشعبي. [email protected] yasir_mahgoub@
10341
| 08 يناير 2022
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...
6735
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...
6318
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر...
3396
| 12 أكتوبر 2025
في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...
2790
| 12 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2067
| 16 أكتوبر 2025
مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...
1812
| 10 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
1599
| 16 أكتوبر 2025
قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....
1521
| 14 أكتوبر 2025
الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...
1185
| 14 أكتوبر 2025
لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...
1062
| 14 أكتوبر 2025
حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...
966
| 10 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
762
| 16 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل