رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كان يتناقش مع صديق له حول موضوع معين وكل يبرر وجهة نظره بلوغاً إلى الاقتناع الذي هو بالطبع هدف كل واحد منهم، واتضح من خلال هذا الحوار الذي كاد ينهار لضعف أساساته، والأساس بطبيعة الحال هو التحلي بروح الحوار الذي ويا للهول افتقر إليه في الوقت الذي كان يعتقد فيه أنه ممسك بتلابيبه، على أية حال افترقا على الود والمحبة على الرغم من وجود الاختلاف الشائك، وحين أمعن النظر وأخضع فكره لمحاكمة فورية مستعجلة كتجسيد للضمير اليقظ لشرح ملابسات التشنج وابتعاد المرونة في الأخذ والرد والرفض والقبول بصيغة منطقية جذابة فيما انبرى فريق المحامين بقيادة العاطفة والاعتداد بالرأي والمكابرة يدافعون عن موكلهم الفكر ليخسروا القضية لاسيما وأن الفكر استقر بعد التأمل وتفهم المعطيات على نحو متزن على دعم موقف صديقه؛ أي أن الإنصاف والعدل لا بدَّ أن يأخذ موقعه الطبيعي طال الأمد أو قصر. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن مجرد الشعور بالإنصاف سيضفي راحة نفسية على النفس باعتباره الدينامو المحرك لكل التفاعلات الحسية، وإذا كانت محاسبة النفس من أنبل السلوكيات المؤطرة لحسن الخلق والمعززة لدور الحكمة (ورأس الحكمة مخافة الله) فإن مراجعة الفكر لا تقل أهمية من حيث الالتصاق بالمبدأ ، ومتى ما تلازمت محاسبة النفس ومراجعة الفكر فإنهما بلا ريب سيؤسسان لقاعدة صلبة متماسكة يتكئ عليها الاتزان كمحور مؤثر في رصد الحركة بل وتوجيهها بما يتواكب من مستجدات بصيغة منطقية خلاقة ، الخطأ لا يمكن أن يخضع لعملية تجميل وإدراجه في خانة الصواب مهما بلغت حرفية الجراح من الإتقان والصواب كذلك، وتكمن المعضلة في عدم إتاحة حيز يتسع للتحري والتأمل في الفكر أو بمعنى أدق قبول الرأي الآخر بأريحية تسهم في إسعاف الرأي بالبلورة المتقنة والموضوعية المنشودة وهذا ما افتقده إبان حواره مع صديقه، ويبدو أن اللياقة لم تسعفه لأن التمرين لم يكن كافياً ألا وهو تمرين الذات على اللياقة الفكرية والتجرد من مزج الموقف بالأنا أو بالأحرى شخصنة الموقف في حين أن اعتداده برأيه وتصلب موقفه كان منبعه إيحاء تسلطي ومكابرة ليس لها ما يبررها، إذن فهو بحاجة إلى مزيد من التمرين المكثف لكيلا تخونه اللياقة لأن النتيجة بالطبع ستكون الخسارة على جميع الأصعدة، وأصعبها على النفس حتماً خسارة التحلي بالروح الرياضية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من مدلولات عميقة رائعة، ولكل إنسان شخصيته الاعتبارية التي يعتز بها، وتكمن الإشكالية في كشف الالتباس المعرفي سواء من حيث صحة المعلومة ودقتها أو ضعف الاستناد، فيما تكون السياج الوهمية المحيطة بالفكر كعنصر مؤسس لحماية الاعتبار تشكل عوامل إعاقة لتطور الفكر وارتقائه وتضعف المسار التفاعلي المتزن في سياق البحث عن الأصح والأصلح والأجدر أن يؤخذ به، وفي خضم الهالة الإعلامية التي يصنعها الإنسان لنفسه المعززة لبروز التضخم الشكلي فإن المحتوى سيدور في فلك انعدام الاتزان وسيفقد كثيراً من خصائصه، مستوى اللياقة الفكرية يسقط في كثير من الأحيان من يفقدها، فكلما اتقد الفكر واكبته الحماسة في التطلع للمزيد من العطاءات الزاخرة هنا وهناك متى ما كان متهيئاً لقبولها، فالإنسان يتعلم كل يوم ومن كل شيء من حوله، بل إن التجارب تسهم في صنع الحكمة في كثير من الأمور، الفكر بطبيعة الحال في حالة حراك دائم أي أنه لا يستقر على نمط معين، فالذهن يعمل على التحليل أو الاستنتاج وتشكيل النمط اللائق المواكب للقناعة، فيما تكون مسألة ترويض الفكر ضرورة حتمية للحد من تسرب الجنوح المفضي إلى التعنت ، وحينما يرافق التسامح أي عمل فإنه يضفي إليه صبغة الارتقاء ويفضي إلى التقارب، ويسهم بشكل فاعل في انحسار حدة الخلاف مسطراً المودة والألفة في معنى جميل وصولاً للأهداف من خلال الاحتواء الأمثل وعبر استيعاب وجهات النظر بحيادية، وبلورتها لتصب في سياق الصالح العام ما يشكل ركيزة أساسية في هذا الجانب، ومسألة اختلاف وجهات النظر لا تعد مؤشراً سلبيا بقدر ما يكون البحث عن وجهة النظر الصحيحة هو المقياس والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ما الضير في التراجع وغربلة الاعتداد بالنفس بمفهوم التواضع الفذ الفريد وتبيان المفاهيم بصورة صحيحة، وأن الخطأ وارد في كل وقت ومن أي شخص، للحيلولة دون شرخ الصورة الجميلة، بل إن ذلك يعزز قوة الإرادة مقرونة بالإخلاص في هذا الجانب المؤثر بلوغاً إلى شحذ الاقتناع ببلاغة الإقناع، ولن يؤتي الإقناع أكله ما لم تتوافر الشفافية من خلال الصدق والمصارحة ليسقي الوضوح سنابل الخير ، من هنا فإن طيب الحصاد سيمسي مرتكزاً رئيساً لحماية العقول وتحصينها بالمثل العليا.
2757
| 11 نوفمبر 2012
حينما تغيب القناعة عن النفس اللوامة تهيمن الرغبة على السلوك وتبرز القوة في الطلب الضعيف وبات ضعيفاً لعدم موضوعيته وانتفاء مشروعيته فضلا عن افتقاره لأبسط مبادئ الأخلاق. وليس ثمة ما يسند هذا الطلب كمسوغ إنساني سوى تقاطعه مع السياق الأدبي بكل ما يحتويه من معانٍ نبيلة ترتقي بالسلوك لتشبع الرغبة الكامنة في النفس حباً للخير، وأجمل الخير وأبلغه كف الأذى واستثمار المساحة البيضاء الناصعة في القلب فيما يحب ربنا ويرضى وكل نفس فيها الخير والشر، قال عز من قائل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}، وقد يسهم الإنسان في إلحاق الضرر بأخيه من غير قصد فهو في الظاهر لا يؤذيه غير أنه في قرارة نفسه ينال منه ومن ذلك التركيز فعبر مسألة التأمل يتوغل الشيطان إمعاناً في صده عن ذكر الله من جهة واستثمار هذه اللحظات بما يلحق الضرر. ولا ريب أن المبالغة والإفراط في القلق بأن هذه (عين) تكرس هذه الرؤية وهي لا تعدو عن كونها آثاراً نفسية تصيب البشر، فلا يخلو الأمر من ضغوطات تنسحب على الأفراد ويتم تجاوزها بعدم التفكير فيها ومنحها كبير اهتمام. فإذا كان كل عارض سيأخذ هذا الحيز من الاهتمام، فإنك ستعيش في دوامة، فضلاً عن تهيئة البيئة الملائمة للمرض أو الحالة إن جاز التعبير أن تستوطن وتستقر، فيصبح الوهم حقيقة فيما كانت الانفعالات غير المنضبطة معبراً سهلاً لنشوء هذه الأزمة من خلال تعميق هذا التصور النافذ المؤذي على أية حال. المولى تبارك وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم وحماه بالحفظة، درءاً من أن تتخطفه الشياطين، فهل بعد كل هذا يضعف اليقين. وليس ثمة ما يبرر رغبة الإنسان الجامحة في إصابة العباد لمجرد أنهم يملكون ما لا يملك، لأنه قد يفقد ما يملك هو فيسلط الله عليه من يصيبه، لأنه أماط اللثام عن السوء الذي يكتنف وجدانه، ونحى الخير وسبله جانباً (وكما تدين تدان)، فضلاً عن أن التوازن الدقيق المذهل يقطع الشك باليقين بأنك إنما تقدم الخير لنفسك، ويدرك المؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وحري به أن يتأمل ويتفكر في قدرة الخالق جل وعلا فلئن تباينت المستويات واختلفت المقامات فإن له في ذلك حكماً ولهذا تجد الدقة المتناهية والعدل المحكم في التوزيع، إذ تجد بعض الخصائص منحت لشخص واختفت عند آخر على اختلاف أنماطها فتجد ما منح لك فقد عند غيرك، وما منح غيرك حرمت منه، ولو حسبت من جميع النواحي بمعايير دقيقة ستجد نفسك منحت من المزايا مثل ما منح غيرك وهنا تتجلى قدرة الخالق في عطائه المقسط وهو العدل سبحانه وأحكم الحاكمين، العين أشبه بشفرة يستعصي فك رموزها، لأنها كما أسلفت ليست محسوسة، ولن يكون المجهر أكثر تفاؤلاً في تشخيص هذه الحالة عدا عن سرعة نفاذها، وفتكها الشرس، إذ إن هذه المسألة تتم بلمح البصر، فما هي إلا ثوانٍ معدودة إن لم تكن أقل، إلا وقد نسجت هذه الآثار المهلكة خيوط البؤس. وحتماً فإن تسرب هذه الإيحاءات المؤذية يسهم في تناميها عدة عوامل فكلما اتسعت الهوة بين الغنى والفقر، ساقت في أتونها دواليب الشر غير المرئية والمسموعة، وفي المقابل كلما زادت نسبة الوسط، أسهم ذلك في انحسار الجانب العدائي. ويشكل الاعتقاد الخاطئ بأن تمرير هذه المآسي خارج السيطرة، بمعنى أن المحاسبة غير واردة وهذا خطأ فادح وإفك مبين، فكيف تفسر الآية الكريمة (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ). الرزق كفله رب العباد لعباده فلا يبتئس إن قل ماله، ولا يحسد الآخرين على ما أعطاهم ربهم وأن يحيط قلبه بسور قوي من المحبة، فكما أن لديه مشاعر فإن للآخرين كذلك، وكما أنه يخاف على نفسه من عيون الآخرين، فإن نفس الشعور يساورهم، وليبني من القناعة حائط صد يصعب على الجشع والطمع اختراقه. النفس سر الأسرار وعلمها عند العزيز الجبار، لكل شيء معيار ومعيار النفس الشهوة في حين أن التحكم بالمسار تحدده الرغبة للفجور أو للتقوى، إنه استثمار خليق بالاعتبار، كم أنت غنية أيتها النفس، وكم حباك الله من مزايا، والقدرة في احتواء هذا المزيج، مقرونة بالنوايا، صفات متضادة من حيث القياس والتأثير، ولكل ميزة تفسير، ولا أخال من يمثلك من يد ولسان، وقدم وشفتين إلا رهناً للتعبير. فيك الجمال والقبح، فيك القسوة واللين، يفصل بين المتناقضات نوعية المسافات، في حين أن سلامة الطريق تكمن في سلامة التفكير وحسن التقدير والمآلات جسر العبور نحو غلظة وسماحة نحو تصويب وانتكاسة نحو ليل حالك أو نهار، نحو طاعة العزيز الجبار. لكل شيء مسببات وطبيعة الإحساس تحكمه الدوافع، الحزن والفرح كل له مسبباته ظروفه ومعطياته بيد أن تقييم التأثير لمفهوم الكسب والخسارة، يحدده الاستيعاب المتقن وحسن الاختيار، فالكل يسعى للكسب وتجنب الخسارة، وسلطة القرار في قبضة النفس الأمارة. عندما يتقابل اثنان، من أي جنس ولون، في أي أقطار الكون، يتلقى العقل الإشارة بواسطة العين، وبلمح البصر تتشكل الرؤية، معززة بالانطباع من النفس مصدر الإبداع، فيصنع الاحترام فكراً وتفيض السماحة نبلاً لتعكس الابتسامة محتوى الثقافة، قال الشاعر: من شاء عيشاً هنيئاً يستفيد به في دينه ثم في دنياه إقبالاً فلينظرن إلى من فوقه علماً ولينظرن إلى من دونه مالاً
1776
| 23 أكتوبر 2012
إذا أطلق الإنسان العنان لفكره ولم يضع حداً للتجاوز أو بمعنى أدق لم يقنن أفكاره في سياق متوازن مع العقل، فإن حالة التمرد ستنشئ زخما هائلا من تصورات لا تصل إلى حد اليقين بقدر ما تفرز شكوكا من شأنها إضعاف الإنسان وإسقاطه ووقوعه في فخ المكابرة، لأن الوهم لا يمكن أن يكون حقيقة والحقيقة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، بل إنها استشعار يملأ الفؤاد قناعة ويمنحه السكينة والطمأنينة، وهذا بطبيعة الحال يبين ضعف الإنسان في عدم الوصول وإدراك ما سيحدث وعلم الغيب رهن للخالق تبارك وتعالى علام الغيوب، غريب أمر الإنسان هذا الضعيف الذي لا يزيده غروره إلا انتكاسا على عقبيه ففي حالة ضعفه ومرضه وإذا حلت به نائبة يستكين ويركن إلى خالقه متوسلا إليه بأن يفرج كربته حتى إذا شفي وعافاه الله عاد قويا متناسيا بأنه كان بالأمس من الضعف كسيرا طبقا لنشاط إبليس اللعين وتغلغله في قلبه وجوارحه ولم يدرك أن ما أصابه من ضعف ومرض ابتلاه الله به، إنما هو امتحان لقوة صبره وإيمانه بربه، والخالق تبارك وتعالى شديد العقاب وسريع الحساب قال تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)، وإذا لم يتحكم العقل بالمدارك ويوقف سطوة المشاعر فإن هذا يؤدي إلى تزعزع في القيم وتخلخل في الأخلاق وبالتالي السقوط في أخطاء ليس فقط تأنيب الضمير ما يؤرق مقترفها، بل إنها لا تتوانى في زيادة حسرته وكآبته وهو يئن من وطأة المرض إذا داهمه حينها بأي منطق يدعو ربه، وهو الذي أضحى طريح الفراش ربما من دعوة مظلوم بلغت مالك الملك وهي التي ليس بينها وبين الله حجاب، أخطاء البشر تؤذي البشر ومن كتاب الله نستلهم العبر، وفي هدي نبيه ما يزيل الهم والكدر. فإذا كانت الآلة وهي التي من صنع البشر قد أحكمت قبضتها وأسهمت بشكل أو بآخر في غرور وغطرسة الإنسان، إلى الحد الذي يجعل المشاعر تتجمد والأحاسيس تتبلد، فإن الشعور بالمسؤولية والإنسانية يتلاشى ويتبخر في تضليل وتعتيم يسهم في نسجه وصياغته وبسط سيطرته أعداء الإنسانية، فهم لا يريدون خيراً للإنسان، بل هم الشر، وتقدم الأمم لا يقاس في عدتها وعتادها وتطورها بقدر ما يقاس في أخلاقها، ولكي يكون العقل وهو مكمن قوة الإنسان في خدمة الإنسان فإن هناك قيودا على استخدامه، من هنا نزلت الأديان السماوية لكي تسخر هذا العقل في بناء الإنسان لا في تدميره، بل وتهذيب سلوكه وتعريفه بخالقه، والسبل الكفيلة لكسب رضا الخالق، وتجنب غضبه قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الْإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}، وحينما تجنح المكابرة بالعقل، ويبطش سوء التقدير بالفكر، فإن الضياع هو المحطة التي سيرسو فيها من فقد عقلة وتلوث فكره، ولو أن الأخطاء تعالج بالأخطاء لما بقي طالب واحد في مقاعد الدراسة، ولولد الإنسان كبيرا مدركاً الصغير يتعلم ممن يكبره في السن والجاهل يتعلم من المتعلم، والغافل ينبه، والمتجاوز يزجر، والمخطئ يعاقب، واستخلف المولى الإنسان بالأرض التي لم تحملها الجبال وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً، ومن نعم المولى جلت قدرته بأن قيض للخير والحب والمودة والرحمة أناساً قدروا الله حق قدره، وإذا قدر الله للإنسان أن يبلغ من القوة ما يشبع غروره في الفتك بالبلاد والعباد، فحري به أن يتذكر قدرة الله عليه وأنه قادر سبحانه بأن يسلب هذه القوة منه في طرفة عين، ومهما بلغ الظلم أوجاً، وشكل الشر فوجاً، واعتقد الظالم بأنه الوحيد في الساحة ولا أحد يراقبه أو يحاسبه فإنه قطعاً مخطئ في تصوره، بل سولت له نفسه الأمّارة بالسوء هذا الأمر، وتباين البشر واختلافهم في معايير القوة أو العلم أو الأدب فإنها حكمة أرادها الخالق جل وعلا، ولا يقتصر الظلم على العمل بل إنه يشمل القول أيضا، فقد يسوغ القول التبرير لتمرير الظلم حتى يخاله الظالم حقا ليمارس الإجحاف في حق نفسه لعدم تثبته وتحققه ويطال الآخرين وإقحامهم في دائرة شكوكه وظنونه التي لا تستند على بينة أو دليل واضح. رسائل إلى كل من: العقل: أنت القائد والإبحار بالسفينة يعتمد على مهارة ربانها في مواجهة الأمواج المتلاطمة لكي ترسو بإذن الله في شاطئ الأمان والاطمئنان. القلب: ما أجملك مطمئنا مفعما بالقيم النبيلة والمعاني الفاضلة، وما أحوجك لتقنين العواطف ومقايستها بدقة وفقا لما يتطلبه كل موقف من دون إفراط ولا تفريط. الصبر: أنت ولا أحد سواك يعتمد عليه بعد الله فأنت من يمهد طريق النجاة لكي ترجع النفس إلى خالقها مطمئنة راضية مرضية. الحكمة: مهما بالغت في إطرائك فإني لن أوفيك حقك فما تستحقينه يفوق أي وصف أو تعبير، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}. الهدوء: ما أروعك، وأنت تكبح جماح السوء وتلجمه. التسرع: دورانك في مضمار الشر لن تجني منه سوى الذل المقيم والخسران المبين. الإيثار: أين أنت لم نعد نراك أو نسمعك وأرجو ألا تكون قد ارتبطت بالآثار. الغلظة: قسوة القلب تنفير من دين الله العنف: ما ورد عن نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم في الحديث الشريف (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) نبراسا مشعاً مضيئاً. التسامح: قال الشاعر: وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى وفارق ولكن بالتي هي أحسن المروءة: سئل ابن شهاب الزهري عن المروءة فقال: (اجتناب الريب، وإصلاح المال، والقيام بحوائج الأهل) الحماقة: قال قيس بن الخطيم وبعض الداء ملتمس شفاه وداء الحمق ليس له دواء
3248
| 14 أكتوبر 2012
يتسع الأفق، فيستوعب الإدراك العلوم المختلفة، لتستقر في الذهن مشكلة بذلك نقلة فكرية لتتفاعل مع المنطلقات الحضارية، وتؤسس الرقي في المستوى، على نحو يترجم الأسباب الداعمة للتطبيق واستثمار العائد الإيجابي على جميع الأصعدة، سواء ما يتعلق منها بالصناعة، والطب والهندسة، والفلك والاقتصاد، وما إلى ذلك من تنوع معرفي، يفضي إلى تنمية فكر الإنسان، وهو الثروة الحقيقية للأمم، التي تبذل الغالي والرخيص في سبيل نهضتها وتطورها، ولا ريب أن التعليم والتدريب عنصران رئيسان في طرق النهوض الحضاري، بكل ما يتطلبه من بحث واحتكاك واكتساب للخبرات، في المجالات المختلفة، ويعتبر استيعاب المعلومة منطلقاً للمعلم أو المدرب بهذا الخصوص، فالاستيعاب يؤدي إلى الفهم، والفهم يقود إلى التطلع للمرحلة التي تليها، في سلسلة مترابطة إذ يقود التراكم المعرفي المتكئ على قدرة الاستيعاب، إلى بلوغ المراحل بانسيابية تعزز من تدفق المعلومات، وغرسها في الأذهان بصيغة تؤدي بالتالي إلى اكتمال العناصر المراد تحقيقها وصولا إلى الهدف، وهو نقل المعرفة سواء كان ذلك عبر التعليم أو التدريب، بأساليب سلسة تحاكي الإحساس، عن طريق الترغيب وإبراز العائد من هذا الأمر إذ تشكل القناعة محوراً رئيسياً في مسألة التقبل ومن ثم تطويع الذهن، وفقا للقناعة الراسخة من جدوى ذلك مما يسهل في عبور المعلومات، بحرفية المعلم وما يمتلك من مهارات مكتسبة وخبرة في هذا المجال، ولما كان للمعلم والمدرب وكل من يبسط علومه ومعارفه وينقلها للآخرين بحس إنساني نبيل، وشعور وطني يجسد المحبة والولاء، فإن استشعار الرسالة النبيلة والواجب تجاه تعليم الآخرين وتطوير مهاراتهم وتدريبهم يعد من مآثر الشهامة والمروءة، والإخلاص الذي يسري في الشرايين ليضخ القلب المتدفق بالخير، ينابيع العلم فتنساب رقراقة في عقول الشباب لتنتج جيلاً يطرق سبل المعرفة باحترام المعلم وتقديره وأريحية المعلم ورحابة صدره، التي اتسعت لتستلهم الصبر ونيل الأجر، ومما لا شك فيه أن المعلمين فضلا عن دورهم البارز في تهيئة شباب الأمة، وتطوير قدراتهم وصقل مهاراتهم، فإن حجر الزاوية في هذه المسيرة المباركة تتمثل في اتساع الصدر، حيث إن مستويات الطلبة والمتدربين، تتفاوت فمنهم من يكون لماحا ويدعمه ذكاؤه بهذا الخصوص في استيعاب المعلومة، ومنهم من يكون أقل من ذلك، لذا فإنك تجد المعلم يمعن في التركيز على الشريحة التي تتطلب من المعلم المزيد من الصبر، والتركيز في هذه الناحية، ولعل من المناسب هنا التطرق إلى بعض النقاط التي يمكن أن تسهم في تسهيل استيعاب المعلومة، بحيث يتم العمل بنظام المجموعات، أو بالأحرى الغربلة الاستيعابية بمعنى أن يتم إشراك الطالب الأكثر ذكاءً مع نظيره الذي يقل عنه في المستوى، لأن الفهم من الطالب إلى الطالب الآخر، سيشحذ الهمم، ويحفز الطالب على استثمار القدرة في الاستيعاب، بتعزيز مستوى الثقة، فقد يكون الطالب الأقل استيعابا من وجهة نظر المدرس، يمتلك القدرة في تنمية تفكيره، غير أن العوامل ولا سيما النفسية قد تقف حائلا دون تحقيق تطلعه في بلوغ الهدف، في حين إنه مع زميله ستتحرر قدراته الذهنية من بعض القيود، كالرهبة والخوف من المعلم، الذي بدوره يستطيع القياس بشكل دقيق بإتاحة الفرصة وحلمه، الحلم هذه الصفة المشعة في سماء العلم والأدب والمعرفة والأخلاق، والحلم سيد الأخلاق ولا ريب في ذلك وهو يخضع التفاعلات النفسية لصوت الحكمة، حينما تنسج الأريحية خيوطها، الذهبية البراقة، لتسطر أجمل المآثر، برقة العبارة، ولطف المعشر، في تناغم بديع متسق مع الرسالة السامية التي يحملها المعلم على عاتقه، بالرغم مما يتطلبه أداء الرسالة من صبر وتحمل، يؤجر عليه، في حين أن الصبر هو العامل المشترك بين الطالب والمعلم، فإذا كان صبر الطالب مضاعفا لحاجته للعلم والمعرفة فإن صبر المعلم جسر العبور، لتطور الأمة وتقدمها بأفكار أجيالها، التي تستمد الغذاء المعرفي، من رواد هؤلاء الأجيال، ومعلميهم، فتحية مفعمة بالتقدير للمعلم وللدور الجليل الذي يقوم به المعلمون والمعلمات، والذين يدركون كذلك بأنهم لم يصلوا إلى هذه المراحل المتقدمة، إلا عبر صبر وحلم معلميهم، وهذا الامتداد المخضب بالنبل، هو سمة أبناء هذه الأمة وهي تستقي الأساليب التربوية وتطبقها وفق قيمها الراسخة. بتواضع مفعم بالرفق والسماحة.
503
| 28 سبتمبر 2012
لاشك أن التواصل وتقنية تبادل المعلومات والأخبار بات سمة العصر وأحدث كثيرا من التغيير سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي،لذا فإن التعاطي مع المستجدات لايمكن أن يخضع للرقابة أو بالأحرى تصعب السيطرة عليه إذ يترتب على ابتعاد القيم والمبادئ والمثل العليا جوانب سلبية خطيرة، وقد يفرز هذا الوضع فرقاً تجيد رصَّ التهم وبشكل فريد من نوعه في ظل غياب البراهين والأدلة الدامغة أو بالأصح تجاهلها. وبعض القنوات الإعلامية تميل كل الميل في تقاريرها وتسوق قصصا وهمية عارية عن الصحة، فتلقم المتلقي الجرعة الأولى وغالباً ما تكون هذه الجرعة مفعمة بالمبالغة والتهويل، وتكون مبنية على استنتاجات واستنباطات لا تمت إلى الواقع بصلة، بل وتضيف للمعلومة «بهارات» أو بمعنى آخر إكسسوارات حتى تصل المعلومة إلى المشاهد «مُبْهرة» فتسهم بشكل مباشر في تضليله وخداعه، فهي أي القناة كمن يطفئ النور ويأتي بكشاف للبحث عن الحقيقة مع أنها تستطيع أن تفتح النور، ولكن طغيان الجانب السيئ على النفس البشرية لا يفتأ أن يهلك البشر ويوقع بعضهم ببعض. وإن جاءت بعدها جرعة تتصف بالحكمة فإنها لا تعدو أن تكون جزءاً صغيرا في منظومة كبيرة ومخادعة ومن البدهي أن تكون إفرازات الجرعة الأولى عالقة في الذهن حتى وإن جاء فيما بعد ما يفندها إلا أن آثارها البغيضة تظل راسخة.وغالباً ما ترتسم في ذهن المشاهد صورة مغايرة تماما للواقع وتسبح في خياله ولاتلبث أن تغرق لأنها لا تجيد السباحة، فهذه المسألة متوقفة على طول النفس فلابد لليل أن ينجلي وتبزغ شمس الحقيقة الساطعة، غريب أمر بعض هذه القنوات فتتعامل مع المشاهد بإيحاءات من السهولة بمكان إدراك أبعادها فهي تكون سريعة في التحليل بطيئة في التحقيق وبعضها لا يحتاج إلى تحليل، فمظاهر الإعياء والتعب والشحوب تبدو بارزة بعدما استنفذت معها أعتى المضادات الحيوية، ولكن يبدو أن المرض أخذ ينخر في الجسد، ويتبع آخر الأيام كما هو معلوم التخريف والهذيان. وكما أن هذه القنوات سريعة بالقفز بالمعلومة، فإنها سريعة بالوثب على مشاهديها وإطعامهم فضلات الفكر المنتن والمليء بالسموم . وقد ذهبت تقنية نقل المعلومة أبعد من ذلك من خلال البث المباشر أو بالأحرى الرص المباشر وفقا للمراد من المعلومة الملغومة طالما أن المسألة لا تعدو كونها سداً للفراغ وطالما أنها ستشبع نهم المشاهد. وقد لا تهمه الدقة في الحدث بقدر ما يستمليه عامل الإثارة والإبداع في الإخراج والتصوير وهنا تكمن المعضلة،وأحمد الله بأنهم لم يقحموا الحمام الزاجل في أعمالهم المريبة فهو بريء منهم ومن "عمايلهم السودا"، والغريب في الأمر أنك قلما تشاهد قناة فضائية من هذه القنوات اعتذرت عن خطأ بعدما ثبت عكس ما أوردت. فهل يعقل أن يكون البث 24 ساعة حياً أو ميتاً ولم يحدث مثل هذا الأمر أم أن المسألة عكسية؟ بمعنى أنها ربما تعتذر عن الصحيح الذي ورد وهذا بالأحرى هو الجدير بالبث، ومسألة كيل التهم جزافاً وكيفما اتفق فحدث ولا حرج، حتى أصبحت كلمة التثبت والتحقق مجرد مكملات في حل الكلمات المتقاطعة. ولو أن أول رائد فضاء وضع قدمه على سطح القمر، كان يعلم بأن الجهود العلمية الجبارة والتي كانت محصلة تجربته، كما تلاها تجارب أخرى مماثلة لم تخل من مخاطر، وما واكب هذه الرحلات والتجارب من آثار إيجابية جعلت العالم أشبه بقرية صغيرة فضلاً عن آثارها الإيجابية الأخرى ومساهمتها الفاعلة في مجال تقدم البحث العلمي، وقطعاً لم يكن يدرك رائد الفضاء بأن جهوده في هذا المجال ستستغل من خلال فرق شريرة دأبت على بث الأحقاد وإثارة الفتن وإشاعة الفرقة، وجل ما يصبون إليه مشاهدة التناحر والتخاصم بين الناس وزعزعة الاستقرار، وإيغار الصدور بين الشعوب والطوائف فلو كان يعلم بأن محصلة تجاربه ستؤول إلى هذه المهازل ربما فكر ملياً قبل أن يلبس خوذته في القبول من عدمه. وأذكر قصة طريفة رواها لي أحد الزملاء وترتبط بالتسرع وعدم التثبت فقال عندما كنت صغيراً وفي قريتنا ركبت دراجتي الصغيرة وركب معي ابن الجيران، وذهبنا إلى السوق وأمام أحد الدكاكين يوجد قرع معروض بالخارج فدعست «قرعة» بالكفر الخلفي فما كان من صاحب المحل إلا أن أوسع ابن الجيران ضرباً ظنا منه بأنه هو الذي يقود الكفر الخلفي رغم محاولاتي إقناعه بأني أنا الذي أقود الدراجة.
686
| 13 سبتمبر 2012
يحدث في بعض الأحيان أن يتوارد الناس ألفاظا معينة و يتداولونها فيما بينهم وغالبا ما تتخذ صفة السخرية وتكون متعارفا عليها وليس لها قياس محدد ولا معنى بالشكل الدقيق، بل هي أوصاف تعبر عن مدى سخافة من يطلقها على سبيل التندر والتهكم مع سبق إصرار الواصف على عدم خروجه عن حدود اللباقة واللياقة أي أنه يتصور في قرارة نفسه المنسلخة من تلك الصفتين أنه لم يستخدم التجريح الصريح أو السب العلني بكلمات قد تؤرق ضميره، وتدخله في حسابات الإثم ليتوارى خلف هذه الكلمات المبهمة للالتفاف على الإحساس بالذنب. وأقرب وصف لهذه الفئة هي (وين أذنك يا حبشي)، وتنشأ هذه الكلمات الدارجة للتخفيف بغية الترويح عن النفس، بصيغة أقل حدة من الوصف الصريح؛ وبالتالي فإن تداولها لا يترك أثراً بالغاً في النفس، طبقاً لتعاطي هذه العبارات بكثرة وعدم اكتراث، وهي أشبه بمن يأكل الكراث ويتجشأ أمام الآخرين غير مبال بالأذى الذي تسببه غازاته المسيلة للدموع، والمثيرة للاشمئزاز، معتقداً أن دمه أخف من قيمة الأسهم هذه الأيام، بينما تجد الآخرون يتصنعون الابتسامة على مضض آملين في الوقت ذاته بأن (يوريهم عرض أكتافه) وبأقصى سرعة ممكنة. وعلى ذكر السرعة، وهي سيئة في كل الأحوال، إلا في حالة صاحبنا سالف الذكر، ولم أقل سيئ الذكر؛ لأن الكراث من الخضراوات المفيدة، وذو منافع وصحي ولذيذ، ولكن أردت التشبيه وتفنيد الاعتقاد بأن هذه الكلمات بريئة وهي تنوء بالفحش وإطلاق العبارات خلف ستار التهكم والسخرية الفجة من خلال استسهال إطلاقها، وكأن مطلقها لا يدرك أنه نسف شخصية بكاملها ونفاها في جزر (الواق واق) وكم أتمنى زيارة هذه الجزر ولا أدري أين تقع، أن تهميش قيمة الإنسان بهذه النبرة الفوقية والتعالي لا يلبث أن يسهم في صياغة نماذج بائسة تتكئ على هدم القيم الخلاقة، وتصول وتجول وكأن البشر عبارة عن مواد استهلاكية، شأنهم في ذلك شأن (الشاورما بالكاتشب أو من دون لا يهمّ) طالما أنها ستشبع نهمه الفارغ من الكياسة والأدب. وحينما يتهيأ هذا الفراغ، وهذه المساحة الخالية من ذكر الله ومخافته، فلا غرابة أن تتفشى مثل هذه الكلمات الفارغة من المحتوى والمضمون، والتي تسيء إلى الآخرين من انتقاص وازدراء ونحو ذلك، وتقبع في مؤخرة الركب أيضاً كلمة لا تقل خبثاً من تلكم الكلمات هه (ل ك عليه) وهي أيضاً تتستر خلف هذا الغطاء المثقوب، وتعني أن الشخص الموصوف عليه مآخذ، ولكن يصعب تحديدها، ويجرّ هذا الغموض كثيراً من التساؤلات والشكوك إزاء الموصوف، وفي إطار الهمز واللمز تبرز أيضاً كلمة (لزقه) وهو اللحوح واللجوج الذي يصرّ على مقابلة شخص آخر ويلح عليه في تحقيق طلبه، مع عدم مراعاة ظروف المقابَل، وربما يفهم المقصود إلا أنه يتجاهل، وهذا التجاهل يدرجه بشكل تلقائي في قائمة (جونسون عفوا لزقه). ومن جانب آخر أيضاً يبرز كلمة (الغثيث)، وهي مستقاة من الغث وليس المقصود انتفاء القيمة، بل إنها محورة، ومعدلة إلى التعبير عن الهمّ والغمّ؛ كأن يقال (غثني)؛ أي جلب لي الهمّ والغمّ. وكل هذه الكلمات المتداولة تتم في الغالب بصفة تلقائية وعن غير قصد الإيذاء المباشر، إلا أنها في الواقع مؤذية بدرجة كبيرة؛ إذ إن المتلقي سيحدد وفقاً لهذا الهمز واللمز، رؤية عن الشخص، وسيبنى التصور قياسات قد لا ترتبط بالواقع، بقدر ما تسهم الآثار المنبثقة من إطلاق الكلام جزافاً، وبهذه الصيغة من تنافر وتباعد وولوغ في الأخطاء التي تكرس الفرقة والشتات، في حين أن المشاعر النبيلة والأحاسيس الصادقة، أصابها القحط والجفاف. وبعيداً عن التنظير وتحليل هذه المعطيات دعونا نبحث عن حلول عملية في حين أن الحرص على ترشيد استعمال هذه الكلمات أو على الأقل استبدالها من الأهمية بمكان ؛ فكلمة (ابن حلال مصيف أو مشتي سيان)ستعطي نفس المعنى وكلمات مشابهه كثيرة بمعزل عن الانتقاص والتجريح، وأنا على يقين بأننا يوماً بعد يوم سننسى هذه الكلمات على أمل ألا يتم اكتشاف كلمات أخرى أدهى وأمرّ لكيلا تتوالى إدانات الاختراع وتسجل - كما هو معلوم - ضد مجهول.
1596
| 08 سبتمبر 2012
يستمرئ أشباه البشر في تمرير فسقهم عبر هواتفهم المحمولة والمحملة بالآثام من خلال بث رسائل سمجة، لتخريب البيوت، وهز أركان الأسرة بإثارة الشكوك. وحينما يقتحم الشك المنازل، ويجد موطئ قدم فيها، فإنه يتحول إلى طوفان يقتلع جذور المحبة والألفة بين الزوجين، وغني عن القول أن الثقة بين الزوجين تعتبر من الركائز الأساسية، فالحياة الزوجية شركة تضامنية رأسمالها الكم الهائل من الأحاسيس والمشاعر، ولا ريب أن الأطراف المتضامنة حينما قرروا الدخول والمساهمة في تأسيس هذه الشركة المباركة، وكل يدرك بأنه وضع كل ما يملك من مشاعر نبيلة وأحاسيس تتدفق حناناً تحيطها الألفة من كل جانب ويحتويها الوئام ولا يرغب أي طرف من الأطراف في خسارة الأرباح المعنوية التي لا تقدر بمال فضلاً عن إشهار إفلاسها، من هنا فإن الهدف من إنشاء هذه الشركة ليس فقط لمجرد بقائها، بل إن الاستثمار الأمثل يكمن في تنميتها وتطويرها لتظل شامخة عملاقة لا تتأثر بفعل تقلبات ما يضخه الفضاء بين الحين والآخر من برامج أشبه ما تكون بأسلحة دمار شامل، وأعني بذلك تدمير الأسر، وتفتيت عرى التواصل بين الزوجين، سواء بتحريض مبطن لطرف على الآخر، أو من خلال الخلط في المفاهيم والتشويش المركز والمعتمد، لتتوشح بلباس الموضوعية، وهي أبعد ما تكون عنها، بل إنها في واقع الأمر تحمل في جوفها السم الزعاف، ولم يعد من الصعب اكتشاف نواياهم والتنبه إليها، والشك من الأمور المقيتة والمؤذية في الوقت نفسه، لذا تجد الصنف من هؤلاء يفتقر إلى التركيز، مرتبكا دائماً، ينخر هذا الاهتزاز في شخصيته ويصيب ثقته بنفسه، ويحيل حياته إلى جحيم، عطفاً على وساوس وأوهام شيطانية المنشأ تجعل أيضا من يعيش معه يكتوي بنار جحيمه، فالشك يكتنفه من أعلى رأسه إلى اخمص قدميه، يشك في كل الناس، بل حتى في نفسه، وحينما يشعر الإنسان بأنه متهم حتى في منزله فأي حياة هذه، وأي عيش يجعله مراقباً لكل حركاته وسكناته، ليظل حبيساً لأوهام لا تعدو عن كونها تخيلات لفكر مريض، نسج البؤس خيوطاً سوداء في داخله، ويتكون الشك وينبع دائماً من المساحة بين النفي والإثبات، ومسألة الإثبات تستلزم أدلة قطعية وبراهين وحججا دامغة، والنفي كذلك، وكلما اتسعت الهوة بين النفي والإثبات كلما كان المجال متاحاً للشيطان اللعين وأعوانه لكي يصول ويجول في مخيلة الإنسان حتى يتمكن من بذر الشقاق والخلاف، وكلمة هنا وكلمة هناك في ظل ضعف الإيمان، ليكون الحصاد ما يؤمله أعوان الشر في وقوع المحظور، عبر المساهمة في التضليل والخداع ليخسر كل شيء، وقبل هذا وذاك خسارته لنفسه، بابتعاده عن تحصينها وعن تعاليم ربه القائل في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، وقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، ولكي يبتعد الإنسان عن الشكوك وأشواكها التي لا تتوانى في إصابته وهلاكه، فإن الأجدر بالمسلم أن يحسن النية والقصد، وأن يكون الظن بالأحسن حتى يثبت العكس، ولا يكون بالأسوأ لأنه سيزيد الأمر سوءاً، ولا يبرح في مرحلة التحقق مخلخلاً العلاقة، بل ويمزقها شر ممزق، فإذا ثبت العكس فإن الشرخ الذي أصاب العلاقة إبان مرحلة التحقق تلك لا يمكن تجاوزه حينما تخدش الكرامة بظنون وأوهام لا أساس لها من الصحة، ومن أشد الأمور قسوة على الإنسان، وأكثرها إيلاماً حينما يدفع ثمنا لخطأ لم يرتكبه نتيجة وشاية مغرضة من سافل حقير معدوم الإيمان، ضميره لم يتسع إلا لأوبئة تكتنز فؤاده العفن لم تبرح ممزقة قيمه وتنخر في أخلاقه التي رهنها للرذيلة لتموج به في أتون المعاصي، غير مدرك مغبة عمله الشائن، وما يترتب عليه من إلحاق الأذى بالآخرين، إن من تسول له نفسه الدنيئة هذا العمل البغيض، وتسوغ له الخسة الخوض في أعراض الناس، تارة يصيب هذا، وتارة ينال من ذاك، في تكريس للقبح بكل ما يحمله من مدلولات، توحي بأن هذا الإنسان غير السوي وهب نفسه للشيطان، فريسة سهلة ليصبح ألعوبة وجسراً سهلاً لإشاعة الفرقة بين الناس، ولم يدرك هذا المغفل أنه يُهدي مَن يصيب لسانُه القذرُ من حسناته، إن كان ثمة شيء منها، ويأخذ من سيئاته معتقداً أنه بهذا العمل الخسيس سيزداد رفعة، إلا إنه السقوط الذريع، لأن الكل يفقد ثقته به، ويحتقره، ولأن من كان هذا ديدنه حري بالاحتقار والازدراء، وعندما تتحرك هذه الأفاعي لتنثر سمومها، فإن الأجدر عدم الانسياق والتصديق، بل إن الحكمة تقتضي التحقق والتثبت لكيلا يضيق الأفق ويسطر الظلم عنوانا للتسرع في إصدار الحكم، بل إن مَن نقل إليك هذا الكلام لن يلبث أن تكون أنت محطته القادمة بمجرد أن تدير له ظهرك، وهكذا دواليك، والأدهى من ذلك هو كيف نتيح لهؤلاء النجاح في تمرير أهدافهم القذرة، حينما نصغي إليهم، ويغضب المسلم من أخيه عبر هذه الصفاقة، ويهجره، مع أن وسائل الاتصال، ولله الحمد، متوفرة ويمكن للمرء الاتصال في ثوانٍ معدودة للتحقق، ويكون لحسن الظن الحظ الأوفر في التفاعل والتعامل، منطلقاً من قوة إيمانه بربه.
1523
| 10 يوليو 2012
لاشك أن التقليد يحمل الجانب الحسن والجانب السيئ وفقا للمراد منه أو بالأحرى طبيعة الأمر المراد تقليده ، والتقليد ترجمة لنمط سلوك معين يقع في أسره كثير من الناس، ولن أخوض في الجانب الحسن من التقليد سواء لشحذ الهمم والتحفيز لبلوغ التطوير أو لطرق سلوك مثالي وغيرها كثير، غير أني سأتطرق إلى الجانب السيئ في التقليد ، وحينما تغوص في تحليل هذا السلوك، ستتضح لك أمور كثيرة، لا سيما ما يخص الأسباب المؤدية للتوشح بهذا الأسلوب غير الخلاّق، وينطبق عليه المثل (مع الخيل يا شقرا) وهي كلمة شعبية دارجة تعني التقليد بمعزل عن الوعي ، ولاشك أن تأثير التقليد يمتد ليصيب النسيج الاجتماعي لاسيما في حال الحكم على الآخرين وغالباً ما يتأثرالحكم في ضوء الكثرة والكثرة لاتعني بالمطلق بلوغ الأمر الصائب بقدر مايكون مجرد إيحاء بعيدا عن القناعة المطلقة تجاه الحكم ، ويسهم التسرع في الحكم على الأشياء بفرز نتائج سلبية ويتضح ذلك جلياً من خلال التعليقات على الأخبار والآراء والمقالات المختلفة، بعد أن توسعت وسائل الإعلام المختلفة في قبول التعليقات المختلفة وأصبح التواصل ميسراَ وهذا بلا ريب شيء طيب، بل إنه يسهم في القياس ويعد نقلة نوعية في رصد المفاهيم وتحديد نوعية التفكير ، ولو تمت إضافة جزئية العمر كأن يذكر العمر على التعليق والتي ليست بالضرورة تكون صحيحة لاسيما وأننا نتحسس من هذه المسألة، فالصغير يرغب في إظهار أنه كبير والعكس بالعكس، وهذه العقدة راسخة في جذور التأسيس ولا يتسع المجال للحديث عنها، وفي إحدى المرات ومن خلال التعليق على موضوع معين في إحدى الوسائل الإعلامية كانت التعليقات في المرة الأولى للطرح تختلف عنها في ذات الموضوع في وسيلة أخرى في الغد لاختلاف صياغة النص، من هنا فإن التسرع في الحكم على الأشياء ما زال مرتبطاً بالنسق الثقافي، أو بالأحرى الأدبي لأن من كمال الأدب التحري والأناة، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالأشخاص فقد لا يعير المرء اهتماما لهذه الناحية خصوصاً وأنه (لا عارف ولا معروف) ويتعامل مع ثقافة (الكيك) السريعة التحضير وأزرة (الكمبيوتر) غير أن المسؤولية الأدبية هنا تكمن في محاسبة الضمير وسلامة النية، ولا ريب أن التشفي والشماتة نزعة عدائية مؤذية إلا أنها لن تلبث أن تنعكس على الباعث، بضغوط نفسية مقلقة، لأن العبور السيئ لا يستطيع تأمين العواقب من تأنيب للضمير وجلد للذات، وهذه أمور بين العبد وخالقه الذي يعلم ما تخفي الصدور، وقد يعتقد المتسرع في الحكم، بأن رأيه لن يكون له تأثير بيد أنه مخطئ فهذه الخدمة وضعت للقياس، وإذا كان ثمة إضافة فلتكن إلى الخير أقرب منها إلى الشر، وإلى الدعاء أقرب منها إلى التشفي والشماتة، فلربما يقع هو في هذه الدائرة فهل يتوقع أن يجد ما قدم لنفسه من خير ليعود إليه، هنا تكمن بلورة الحس الجمعي بصيغة تألفها القلوب ولا تنفر منها، لتتكاتف المشاعر في بذل الخير أياً كان صفته، حتى عبر الأسلاك الحمراء والصفراء، والآن لم يعد هناك أسلاك لا حمراء ولا صفراء ولا شقراء، قياساً لخلينا التي تستميل ذائقة الكثيرين ليلحقوا بها بل عبر الهواء الذي لايمت إلى الطلاقة بصلة وربما في قادم الأيام يكون البث عبر (الغبار) ، اهتزاز الثقة بالنفس تكمن في من يفهم ولا يريد ذلك، ليس نقصاً في القدرة أو المهارة، بل في نزع ثقته بنفسه بملء إرادته، فهو يسير خلف الأغلبية، لأن أدوات امتلاك القرار ليست بحوزته، بل مؤجرة ولا أدري هل هو إيجار منتهٍ بالتمليك أم لا؟ هذا الصنف ينطبق عليه المثل الوارد بحذافيره لأنه أعار فكره لغيره وفقد قراره وأصبح مجرد شكل شأنه بذلك شأن الآلات والأجهزة ناهيك عن تهميش اعتباره وسلب استقلاله أي (طرمبة) أو (خرنق) كما قالها الفنان المحبوب عادل إمام: إن التحرر من الوصاية يعد حجر الزاوية ولن يتأتى ذلك مالم يتم غرس بناء الشخصية والاعتداد بها منذ الصغر . ومما يُؤسف له أيضاً محاكمة النوايا وفقاً للتسرع في الاستنتاج المفضي إلى تكوين رؤية متعجله ولا تتكئ على معايير منطقية بقدر ما تفرز الاضطراب المؤدي بطبيعة الحال إلى شحن النفوس وإثارة البغضاء. وإذا كان الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره فإن التصور يسبق الحكم، إذ تتوافر في هذه الحالة المعطيات المساندة للتصور وعلى ضوء ذلك يكون الحكم، وبالتالي فإن التصور ينبثق من جراء الحيثيات المادية الملموسة، فأنت لا يمكن أن يُقال لك إن المبنى الواقع في المكان الفلاني جميل، وتجيب: يا سلام، كم هذا المكان رائعا وجميلا، وأنت لم تره. ومعضلة الخلط بين الخيال والتصور تقع في كثير من الأمور، وتكمن المعضلة في تهيئة الخيال المضطرب المهزوز بدوافع استباقية سيئة مبنية على سوء الظن لتسهم في صياغة التصور على نحو هشٍّ، وبالتالي فإن التصور سيتشكل في المخيلة (خديج) غير مكتمل النمو؛ لعدم خضوعه للقياسات الموضوعية فضلاً عن عدم تحري الدقة بهذا الخصوص؛ فحينما وصفت المكان بالجميل فإن خيالك أصدر الحكم بأنه جميل لمجرد سماعك الوصف، غير أنك لو زرت المبنى ولم يكن بالصورة التي بناها خيالك طبقاً لما سمعت فإنك ستتراجع، وسيكون الحكم أقرب إلى الدقة كما تراه بنفسك وليس كما صوَّره لك الآخرون.
1190
| 26 يونيو 2012
لاشك أنّ مفهوم النقد ومفهوم الإدانة يختلفان عن بعضهما البعض، إذ إنّ لكلِّ مفهوم آلياته وأدواته التي يتكئ عليها، ففي حين تتطلّب الإدانة الإثبات والبيِّنة، يتطلّب النقد الإيضاح والرؤية الموضوعية تجاه هذا الشأن أو ذاك، واتهام الأشخاص حتماً يوجب إبراز الأدلة على ذلك من واقع الأمانة والمسؤولية الأدبية، بيْد أنك حينما تنتقد شخصاً ما فإنّك ستبرز ما يشير إلى أوجه القصور وفق سياقات موضوعية، ومع الاثنين يبيت حسن الظن وسوؤه مؤشراً لسلامة النية أو عكس ذلك، فيما يكون القصد من عدمه محور ارتكاز البت في المسائل التي يتم في ضوئها إصدار الحكم، غير أنّ النقد الموضوعي المتزن يراعي جميع الجوانب المحيطة، في حين أن القفز على النقد في سياق الانفعال والتشنُّج حتماً سيصادر الهدف، لأنّ التحليق على هذا النحو لا يفتأ أن يجهز على صيغة الحوار وبالتالي فإنّها ليست حواراً بقدر ما تمثل محاكمة لفظية نسج منها التعجُّل أنماطاً استعدائية لا تعدو أن تكون استفزازاً في ظل غياب الأدلة والبراهين، إن هيمنة التأثير على الذهنية بهذه الصيغة يسهم في عزل التفكير وتحجيم استقلال الإدراك حينما يدور في فلك إقصاء الرأي ومصادرته دون النظر إلى المعطيات بشكل موضوعي وبالتالي الحكم المتعجل على أفكار الآخرين وقناعاتهم، إن معوقات نجاح الحوار في الغالب ترتكز على محورين رئيسيين، الانفتاح وضروراته والانغلاق وضروراته وإذا كان النقد هدفه التصحيح والإصلاح والإشارة إلى مكامن القصور وفق سياقات منطقية ووضع الأمور في نصابها، فإنّ السبيل إلى ذلك يتطلّب التحلِّي بروح الحوار وأدبياته، ويستسهل البعض إطلاق الكلام على عواهنه، ولا يسهم في تفكُّك الأمّة، وتنافر أفرادها غير ترسيخ التصنيفات المؤذية والموجعة في ذات الوقت ولا يعلم ما في السرائر إلا علاّم الغيوب، ففي الوقت الذي يسعى فيه الآخرون إلى تنمية وتطوير قدراتهم ومهاراتهم ننشغل في التنافر ويزيد من حدّته من يضرب تحت الحزام وفوقه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنّ المبالغة في الحذر والتوجُّس خيفة على نحو يكرِّس نهم الاختراق والهيمنة سيكون ممراً سهلاً تصعب السيطرة عليه والتحكُّم في أبعاده لاسيَّما أنّ وسائل الاتصال باتت معبراً يُعول عليه في تمرير المخططات والأهداف، أي أنّ أهداف التسلل ستمسي من الكثرة بحيث يصعب رصدها وتبعاتها المدمرة (ويؤتى الحذر من مأمنه)، وللارتقاء بالمستويات الفكرية على نهج يعزز الصلابة من جهة والثبات على المبدأ من جهة أخرى فإنّ أول خطوة إيجابية في هذا السياق هو نبذ التنافر والارتقاء في التعامل من منطلق الإحساس الصادق وتغليب حسن الظن، فطرف يمعن التركيز على ما نريد من خلال بناء تصوُّرات صادقة وخلاّقة في النهوض لمواكبة التطوُّر في ظل التمسك بالمبادئ ويبدي نوعاً من المرونة حيال التعاطي مع المسائل المختلفة، وطرف آخر يبدي تحفظه أو بالأحرى تخوفه يدفعه الحرص من أن تتآكل مقومات البنية الثقافية أو بالأحرى تنصهر ما ينال من الاعتبار ويضعف الهوية كما يتصور، من هذا المنطلق فإنّ الإدراك الكامل ووضع النقاط على الحروف أمسى مطلباً مُلحاً، ومن ذلك تفهم الأطراف لهذه المعادلة، والتي لن يستعصي على العقول النيّرة وفك رموزها، فديننا دين الوسط والاعتدال، قال نبي الهدى عليه أفضل الصلاة والسلام (لا ضرر ولا ضرار) فإذا كان ما سيأتي ويؤخذ به يحتوي على مضرة فتركه أولى وفي مقابل ذلك عدم ترك المصالح التي تعيننا وفقاً لخوف مبالغ فيه أو توجُّس مضطرب يفوِّت علينا الفرص في اللحاق بالرّكب، إن الأخذ بالعلوم النافعة وتسليح شباب الأمّة بالحصانة الفكرية بكلِّ ما تحتويه من دلالات، بدءاً بالتوكُّل على المولى سبحانه من الضرورة بمكان، إن تفعيل دور القيم المؤثرة يتطلّب جهداً وإخلاصاً لبناء أرضية صلبة للأجيال القادمة من خلال دعم الثقة بالنفس وتفعيل الرقابة الذاتية، أو بمعنى أدق محاسبة النفس، فطالما كان البناء على هذا المنوال، فإنّ التصدُّع لن يجد مجالاً ومن ثم فإنّ التماسك سيكون العلامة البارزة في حين أن التضييق سيفرز ارتخاءً في القيم كنتيجة عكسية ما يمنح التمرُّد صبغة الاستقلال وبالتالي مصادرة الهدف المأمول، وإذا أراد الإنسان المحافظة على شيء ما فإنه يحيطه بعنايته ويتلمّس الأساليب الواقية، فليكن التسامح واجهة لكلِّ الأطراف لبلوغ ما نصبو إليه لنا وللأجيال القادمة وفق صدق النوايا والتوجُّهات الحميدة ونترجم هذا بالإخلاص يداً واحدة تبني وتحاور وتؤثر، ولما كان الشيء بالشيء يذكر فإن الاحتكاك بالثقافات الأخرى لا يوجب التحسس من هذا الأمر، فصاحب المبادئ القوية، يفرض قوته بصحة وسلامة توجهه وثباته على منهجه. لقد عَبَر دين الإسلام إندونيسيا وماليزيا ودولا أخرى بقوة الحجة وصحة الأدلة ونصاعة البراهين. إن من يتخلق بآداب دينه يستشرف المعالي ونيل الثواب في تعامله الصادق المؤثر؛ لأن السلوك المستقيم السوي يعد واجهة مشرقة، فتفتخر الأوطان بدماثة أخلاق أبنائها وهم ينهلون العلوم والمعارف، في إطار الاحترام الذي بات يسكب عبيره الأخاذ وعطره الزاهي، فها هم أبناء الوطن يسهمون في البناء، وقبل هذا وذاك فإنهم يعبرون بأفكارهم النيرة، محافل العز بإرادة الموقن بربه الواثق من نفسه، والمعلم لغيره كيف كان الإسلام عظيما وسيظل عظيماً بمآثره الجميلة القيمة، وبأخلاق أبنائه وسلوكهم النبيل.
999
| 18 يونيو 2012
عندما يعمل الإنسان من الحبة قبة، فإنه يقصد بذلك أنه يضخم الشيء أو بمعنى أصح يفرط في الوصف من خلال التهويل والمبالغة بهذا الخصوص، وفي واقع الأمر فإن ذلك ينطوي على محاذير عدة وعواقب لا تُحمد عقباها، إذ إن المتلقي سيبوب تصوره وفقاً لما سمع، فيكون هذا التصور مبنياً على هذا الأساس وبالتالي فإن رد الفعل النفسي سيتماهى مع التصرف والسلوك ومن ثم يحدث الاهتزاز والارتباك في تصوير مغالط للمفهوم وفقاً لاختلال الأساس، فالأساس أو بالأحرى مصدر استقاء المعلومة تنقصه الثقة وجانب الدقة في النقل مما ساهم في نشوء هذا التضليل المؤذي نظراً للافتقار إلى الأمانة بهذا الصدد، ولا يعني ذلك التقليل من شأن أمر ما، فهو كذلك سيندرج في نطاق التضليل، بقدر ما يكون التوازن وفي مسألة النقل بالذات أمرا تحتمه الأمانة والمسؤولية الأدبية إذ قد تنشأ جراء المعلومة حينما تتجاوز إطارها الموضوعي ويتم تضخيمها بهدف الإثارة آثاراً سلبية جمة من حيث إلحاق الضرر، ومن يستمرئ هذا السلوك غير الأخلاقي، فإني أرغب في أن أطرح عليه هذا التساؤل، فعلى سبيل المثال وعندما تصاب بنزلة معوية أو نزلة برد، وتذهب إلى الطبيب، فماذا سيكون رد فعلك إذا خاطبك الدكتور قائلاً بأنك تعاني من مرض خطير قد لا يمهلك بأن تعيش طويلاً وماذا سيكون شعورك حينئذ وأنت تتلقى هذا الخبر المفزع، والذي استنبطه الدكتور لمجرد الاشتباه وبمعزل عن التحليل الدقيق فتحليل المعلومة مهم بدرجة التحليل بالنسبة للطبيب، وعلى هذا فإنك في حالتك تلك عبر التهويل والتضخيم تمارس نفس دور الدكتور إن لم يكن أقسى لأنك جانبت الدقة، وفي واقع الأمر فإن الأطباء الأفاضل يربأوا بأنفسهم عن طرق هذه الأساليب، بل تجدهم أكثر الناس اتزاناً وتفاعلاً أدبياً خلاقاً، بل إن جل عملهم يتكئ على بث روح الأمل في المريض والرفع من معنوياته في معالجة الحالات، إذن ستشعر بفداحة الألم النفسي من الموضوع سالف الذكر فماذا عن الأثر النفسي السيئ والذي ستسببه لكثير من الناس إزاء نقلك خبراً عارياً عن الصحة، ولربما أيضا تقع في الفخ، وتستقيه من قنوات فضائية أو عبر الإنترنت وماذا سيكون شعور والدك أو والدتك إذا سافرت إلى بلد معين، وساقت بعض القنوات الفضائية ما خاب وخسر من أخبار أخضعت لعملية تجميل ولكن هذه المرة عكس التيار وبلغة الكلمات المتقاطعة معكوسة أي عملية تشويه، فكر ملياً في هذا الأمر فكما أن لك أحبابا يخافون عليك، فأبناء الناس أحباب لهم، بيد أن المعضلة الأدهى لا تقف عند فطنة المتلقي وتنبهه ويقظته لهذا الأمر، بل تتمثل في الاصطياد في الماء العكر، بتحريف المسميات تارة والعزف على أوتار نشاز تارة أخرى، والهدف واضح وضوح الشمس في رابعة النهار إثارة الشقاق، واختطاف الاستقرار عبر صياغة بغيضة فجة للمعطيات منزوعة الدسم والأدب في الوقت نفسه، وتوحي بالمقام الأول عن خلل في الفكر واهتزاز في المبادئ التي ارتهنت بضاعة مزجاة لتُشترى بأبخس الأثمان، الإنسان بطبيعته لا يقبل أن يكون عرضة للاستغفال، لأنه يكره أن يكون غبياً وتنطلي عليه هذه الحيل في حين أن الفساد الأخلاقي من أقسى ما تواجهه الشعوب إذ أنه يقضي على قيمها ومقدراتها ووقود قراصنة الشائعات هم السذج والأغبياء، فما أن يسمعوا خبراً ملفقاً حتى يسارعوا من فرط غبائهم إلى نشره، ناهيك عن التحايل في استمالة السذج من واقع تنمية بذور الشقاق عبر إدراج مسألة التمييز والتفرقة في أجندتهم البائسة، إن اختلال الأساسات منشؤه ولاريب غياب الاعتدال والحكمة.. الاعتدال في الإنسان يترجمه السلوك المتزن وبالرغم مما يحمله الإنسان من صفات متعددة ومتضادة بذات الوقت إلا أن القياس يكمن في الاستخدام الرشيد لهذه الصفات، وعلى سبيل المثال لا الحصر المحبة ويقابلها الكراهية، الرفق ويقابله الغلظة، التسامح ويقابله التشدد، التواضع ونقيضه الكبر. هذه الصفات وهي جزء يسير مما يحمله الإنسان يطوعها وفقاً لرغبته وهو الذي يحدد الكمية التي في ضوئها يبني توجهه وقراره إن خيرا فخير وإن شرا فشر. قال حكيم: الصدق يوجب الثقة، والأمانة توجب الطمأنينة، والمنفعة توجب المحبة والألفة، والمضرة توجب البغض والعداوة، والعدل يوجب اجتماع القلوب، والجور يوجب الفرقة والتنافر، وحسن الخلق يوجب المودة، وسوء الخلق يوجب المباعدة، والانبساط يوجب المؤانسة، والانقباض يوجب الوحشة، والكبر يوجب المقت. وقال أبو العتاهية إن الفساد ضده الصلاح ورب جد جره المزاح من جعل النمام عيناً هلكا مبلغك الشر كباغيه لكا
1307
| 06 يونيو 2012
لا شك أن التحسس غريزة فطرية في الإنسان للحماية والتحرز وتحقيق المستوى الطبيعي من الأمان والطمأنينة بيد أن مستوى التفكير بهذا الخصوص يجب ألا يتجاوز الحد الذي يلحق الضرر أو بالأحرى الحرمان من المزايا والمنافع نتيجة للإسراف في ذلك، في حين أن الإنسان يحرص بطبيعة الحال على الصواب، وتحرِّي تحقيقه في القول والعمل، لذا تجده يجتهد في الحصول على العلم والمعرفة وفي الوقت نفسه يتحسّس من الخطأ وينزعج أشدّ الانزعاج متى ما وقع فيه ولا أقصد هنا الخطأ المقصود فهذا شأن آخر، بل الأخطاء غير المقصودة وهي مزعجة على أيّة حال، غير أنّ هناك حلقة وصل بين الصواب والخطأ فلولا وجود الأخطاء لما عرف للصواب طريقا، فالتجارب العلمية في المعامل والمختبرات تخضع لعدّة عمليات لبلوغ الأمر الصائب، وقد تخطئ مرة أو اثنتين أو ثلاث بل أكثر من ذلك غير أنّ المحصلة هو بلوغ الهدف مع الأخذ بالاعتبار تجنُّب وقوع الضرر في مرحلة التجارب، إذ كيف يرسخ المعلم على سبيل المثال المعلومة الصحيحة في ذهن الطالب لاسيَّما وأنّ احتمال وقوع الأخطاء وارد،الشعور بالذنب في حالة وقوع الخطأ ناتج طبيعي للفعل وردّ الفعل لاسيَّما وأنه مرتبط بالمشاعر والأحاسيس، وقد يحجم الطالب أو المتدرّب أو الموظف عن خوض التجربة والدخول في هذه المسألة التي لا يعرفها خشية الوقوع في الخطأ ليستقر المفهوم الخاطئ في ذهنه نتيجة لهذا الأمر ويبقى على الخطأ في ظل غياب التصحيح الذي لم يسع إليه، كخوف من التأنيب أو استحياءً من عدم معرفته لهذه المعلومة أو تلك، وهذه في تقديري من أقسى معوقات العلم والمعرفة، ولا أعتقد بأنّ أحداً لم يواجه هذا الأمر، وأجزم كذلك بأنّ آلاف المعلومات الصائبة لم تعانق الأذهان وغابت اختيارياً بسبب هذه المشكلة سواء على صعيد الدراسة أو العمل تجنباً لسيطرة هذا الشعور وهذا ما يدعو بشدة إلى غرس مفهوم اللياقة الفكرية، الحساسية موجودة عند كل شخص وفي كل المجتمعات غير أنّ الحد الأدنى منها سيفتح المعابر لبلوغ التصحيح وبالتالي فإنّ كماً كبيراً من العلوم الصائبة ستجد طريقها إلى العقول التي هي في أمسّ الحاجة إليها، ولم يقف حائلاً دون ضخّها سوى الإفراط في التحسّس، من هنا فإنّ من أولويات النهوض في المسيرة التعليمية وسبل التطوير المعرفي هو السعي لإزالة هذه الحواجز المعنوية المقلقة وإبقاء مؤشر التحسّس في وضعه الطبيعي عبر تكثيف الوعي المعرفي بهذا الخصوص، وتسليط الضوء على هذا الجانب الذي ما برح يقصي المعلومة الصحيحة تلو المعلومة وحتمية تحجيم دور الخجل في المبادرة أو السؤال، إنّ إزاحة هذا العائق يتطلّب مزيداً من الجهد الفكري والانسيابي في اتكاء على المرونة في التعامل، ولا ريب أن حائط الصد الأول والتصدي لهذه المعضلة هم المعلمون والمعلمات، وكذلك المديرون والمديرات وكل مسؤول ناهيك عن دور وسائل الإعلام بهذا الصدد، أنّ السبيل للمعالجة المؤرقة يكمن في الأريحية ورحابة الصدر، وحثّ الطلبة والطالبات والعاملين والعاملات بألا يتحرّجوا من السؤال والعمل على إزالة الشعور بالخوف أو الخجل من الوقوع في الخطأ، بل يبادروا في الإجابة وطرح الأسئلة فمن دون الخطأ لا يمكن استنتاج الصح وطالما كان المرء مخلص النية فلا حرج من عدم المعرفة، فالذي سيعلِّمك ويعرِّفك لم يكن نفسه يعرف حتى عرف ممن يعرف وسأل وجاوب وأخطأ وفي النهاية بلغ الصواب، إن إزالة الرهبة من إمكانية حدوث الأخطاء حلقة الوصل والخيط الدقيق المؤدي إلى تصحيح المعلومات ونقلها بأريحية تنمّ عن خلق رفيع ورحابة صدر تعكس الإخلاص، كثرة الأخطاء التي تقع سواء من الطلبة أو المتدربين أو الموظفين ليست مؤشراً للضعف بقدر ما يعكس تضاؤلها حرفية ومهارة المعلم أو المدرب أو الرئيس الذي ينتشل التصحيح من رحم الأخطاء ويمرره بصيغة خلاقة، وبالتالي يحقق هدفه المنشود بل إن درجة الارتياح ستشمل الجميع قياساً عن استقاء المعلومة الصحيحة وترسيخها بالأذهان ما يعود بالنفع والفائدة للجميع، الاستيعاب يؤدي إلى الفهم والفهم يقود إلى التطلع للمرحلة التي تليها وهكذا في سلسلة مترابطة حينما يعزز التراكم المعرفي المتكئ على حسن الاستيعاب من تدفق المعلومات، وتشكل القناعة محوراً رئيسياً في سياق التقبل ومن ثم تطويع الذهن وفقاً للقناعة من جدوى ذلك، مما يسهل في عبور المعلومات، بحرفية المعلم وما يمتلك من مهارات مكتسبة وخبرة في هذا المجال، إن استشعار الرسالة النبيلة تجاه تعليم الآخرين وتطوير مهاراتهم وتدريبهم يعد من مآثر الشهامة والمروءة وفق أريحية المعلم ورحابة صدره التي تتسع لتستلهم الصبر ونيل الأجر، فقد يكون الطالب يمتلك القدرة في تنمية تفكيره، غير أن العوامل لاسيَّما النفسية تقف حائلاً دون تحقيق تطلعه في حين أن قدراته الذهنية ستتحرر من القيود متى ما ساهمت اللياقة الفكرية في إزالة الرهبة والخوف، ولاشك أن الصبر يعتبر العامل المشترك بين الطالب والمعلم، فإذا كان صبر الطالب مضاعفاً لحاجته للعلم والمعرفة فإن صبر المعلم يترجم بعد النظر وجسر العبور لتطور الأمة وتنمية أفكار أجيالها، وتمريرها بتواضع مفعم بالرفق والسماحة.
1197
| 25 مايو 2012
الحياة لا تخلو من المشاكل في كل مناحي الحياة، وغالبا ما تكون الحلول قريبة وربما في متناول اليد وهو يبحث عنها، وحينما تغيب المشاكل وتصبح الأمور مستقرة يعود المتشمكل ليتمشكل ويمشكل خلق الله بتصور عدائي مخادع هو كسر الروتين والملل وغياب الأكشن أي أنه لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، هذا الانفصام يعود إلى طبيعة البعض أن لم يكن الأغلبية غيران تحقيق التكافؤ ومقايسة الحد الذي يتيح العبور وليس التعثر هو المؤشر الذي يمكن الانطلاق من خلاله لتحقيق التوازن بمعنى أن الحوار أو النقاش يستلزم وجود مفارقات تكون محفزة لتفعيل التفكير وإخضاعه إلى التأمل لينتج العقل االرؤية الصائبة في ضوءه سواء عبر التصحيح أو من خلال اكتساب معلومة غائبة، ويبرز في الأفق ازدواجية يتبناها الإنسان بمحض إرادته وغياب حكمته، حينما يتلون ويظهر بأكثر من شكل لاسيَّما في مجال العلاقة والتعامل، الحياة وإرهاصاتها لا تخلو بأي حال من الأحوال من المتاعب، وقطعا فإن الوضع يختلف من مرحلة إلى أخرى؛ إذ أن لكل مرحلة متطلباتها، وتحقيق الحد الأعلى يبعث على الارتياح، أي أن المرونة في التعامل والتنازل عن بعض الأمور الثانوية لن يؤثر على استمرار المودة في التواصل، حينما تنبري الألفة لتحتوي إزعاج الأطفال التلقائي، وبيني وبينكم فإن بعض الأطفال (يشيبون بخيوط شماغك فضلاً عن شعر رأسك) ولا أدري من يؤلبهم ويقويهم على آبائهم وأمهاتهم؟ أفلام الكرتون، والبلاي ستيشن والسوني 3 والأكس بوكس وغيرها مما لذ وأسرع قياساً على سرعة النت، هذه المواد جلها خالية من الرحمة والأدب والدسم والتي نحتاج معها إلى إعادة النظر، والضغط على الشركات المنتجة بتغيير سياساتها بهذا الخصوص، وحينما تفتقر الأسرة إلى الهدوء ويتسلل الضجيج خلسة إلى أروقة البيت المستقر، فإن هذا بلا ريب مدعاة لتمرير ما هو أدهى وأمرّ من الضجيج، وما الضجيج والصراخ إلا توطئة لبروز مسببات التفكك، وتهيئة لتبعات القسوة الحاضنة للعنف ومخالبه النتنة، ومسألة حدوث اهتزاز في العلاقات الأسرية جراء الخلافات التي تطرأ بين الحين والآخر واردة، إلا أن تأثير امتدادها يتباين وفقاً للنضج في المعالجة والاحتواء من واقع الالتزام الأدبي والالتصاق بالقيم، الأسرة تعني الأب والأم والأطفال يعني (دوخة راس) غير أن الكثيرين يستعذبون هذه الدوخة ويألفونها لفهمهم ونضج إدراكهم لمعنى المسؤولية وما تعنيه من احتواء للأزمات الصغيرة بقلب كبير وتجسيد مميز لقيادة فذة حكيمة، ولم تكن المشاكل الصغيرة لتكبر لو لم يتح لها أن تتغذى وتنمو على ركام الجهل والمكابرة، وفي سياق الغفلة عن هذه الهزات الارتدادية المؤذية تتوغل الترسبات السلبية العدائية في الأذهان، ليكون الاستقرار هدفاً مكشوفاً عندما تتآكل مقومات أسوار الحماية طبقاً لنزعة عدائية المنشأ دعمتها المشاكل الصغيرة في تصور كبير لمن في قلبه مرض، في الحاسب الآلي يوجد سلة للمحذوفات وفي المنزل العشرات منها، ولكنها بكل أسف لا تمتلئ إلا ببقايا الأغذية (والخلاقين) فيما كان الأهم هو حذف الأوهام والتراكمات البائسة والتي تستقر في الذهن وهي لا تعدو عن كونها تجاوزات طفيفة وغير مقصودة من أي طرف، لتجد موطأ قدم في رأس من لا يرى أبعد من قدميه، ويحدث في المنزل أخطاء تلقائية كوضع طبيعي لا يستلزم حشد هذا الكم من رد الفعل في حين أن البعض لا يمرر بعض الغلطات البسيطة وهو ينوء بالعشرات منها من دون أن تلفت انتباهه فضلاً عن عدم جرأة أحد في المنزل للفت انتباهه، وتكمن الازدواجية هنا من خلال تعامله مع الحاسب الآلي فسرعان ما يفتح الجهاز وعينه طبعاً على سلة المحذوفات لتظهر الدقة في رسائله، ولا يلبث أن يمارس الحذف تلو الحذف، حتى ولو كان حرف جر وليته يجره ليجيب عن سر افتعال المشاكل حينما عمل من الحبة قبة فهو يحذف من جهة ويثبت من جهة تمهيداً (للشوت) على ما يبدو. الحذف في مسألة الأخطاء لبسيطة في المنزل غير وارد، بينما في الرسائل التي يبعثها عبر الكمبيوتر ربما يحذف جملاً بأكملها لكي يبدو متنوراً فاهماً، وأبعد ما يكون عن الجهل والعكس صحيح، إذن نحن أمام شخصية تعيش في كنف ازدواجية مؤذية، إذ تجده يمارس في المنزل نظاماً رقابياً دقيقاً وصارماً، وسرعان ما تتبخر هذه المفاهيم مع أول فنجال شاي في المكتب، فضلاً عما يرافقه من (فول وفلافل وتميس) وخلافه، لتبدأ رحلة التسامح واللباقة التي يتصف بها مع زملائه في العمل، يا أخي الكريم إذا كان الحذف يعني تطوراً ديناميكياً حضارياً في المقاييس الكمبيوترية، فإنه يعني تطوراً أخلاقياً في المقاييس المنطقية، فطالما أنك لا محالة حاذف، فليكن حذف الأخطاء الصغيرة عربون توجه صادق ينحو إلى المثالية في التعامل والرسالة موجهة إلى جميع الأطراف بأن العصبية تتسبب في كثير من الأمراض وتؤذي من تحب فهل يعي أفراد الأسرة قيمة الهدوء والاستقرار؟ ابتسامة دخل شاب على طبيب نفسي للطبيب وشرح حالته وأنه يشعر في بعض الأحيان بأنه يتصرف بشخصيتين مختلفتين فسأله الطبيب عدة أسئلة وشًخص حالته وانه يعاني من انفصام في الشخصية والازدواجية وشرح له الحالة وشعوره بتصرف شخص آخر من داخله ووصف له العلاج وحينما أراد المريض الخروج دفع نصف القيمة وسأله الطبيب عن النصف الآخر فأجابه خذه من الشخص الآخر .
688
| 17 مايو 2012
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...
5388
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
4887
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...
4326
| 05 أكتوبر 2025
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...
2709
| 09 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...
1866
| 07 أكتوبر 2025
لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...
1536
| 08 أكتوبر 2025
قبل كل شيء.. شكراً سمو الأمير المفدى وإن...
1419
| 08 أكتوبر 2025
في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...
1026
| 05 أكتوبر 2025
لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...
906
| 03 أكتوبر 2025
التوطين بحاجة لمراجعة القوانين في القطــــاع الخـــــاص.. هل...
801
| 05 أكتوبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
798
| 02 أكتوبر 2025
المحاولات التي تتكرر؛ بحثا عن نتيجة مُرضية تُسعد...
765
| 07 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية