رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا شك أن التحسس غريزة فطرية في الإنسان للحماية والتحرز وتحقيق المستوى الطبيعي من الأمان والطمأنينة بيد أن مستوى التفكير بهذا الخصوص يجب ألا يتجاوز الحد الذي يلحق الضرر أو بالأحرى الحرمان من المزايا والمنافع نتيجة للإسراف في ذلك، في حين أن الإنسان يحرص بطبيعة الحال على الصواب، وتحرِّي تحقيقه في القول والعمل، لذا تجده يجتهد في الحصول على العلم والمعرفة وفي الوقت نفسه يتحسّس من الخطأ وينزعج أشدّ الانزعاج متى ما وقع فيه ولا أقصد هنا الخطأ المقصود فهذا شأن آخر، بل الأخطاء غير المقصودة وهي مزعجة على أيّة حال، غير أنّ هناك حلقة وصل بين الصواب والخطأ فلولا وجود الأخطاء لما عرف للصواب طريقا، فالتجارب العلمية في المعامل والمختبرات تخضع لعدّة عمليات لبلوغ الأمر الصائب، وقد تخطئ مرة أو اثنتين أو ثلاث بل أكثر من ذلك غير أنّ المحصلة هو بلوغ الهدف مع الأخذ بالاعتبار تجنُّب وقوع الضرر في مرحلة التجارب، إذ كيف يرسخ المعلم على سبيل المثال المعلومة الصحيحة في ذهن الطالب لاسيَّما وأنّ احتمال وقوع الأخطاء وارد،الشعور بالذنب في حالة وقوع الخطأ ناتج طبيعي للفعل وردّ الفعل لاسيَّما وأنه مرتبط بالمشاعر والأحاسيس، وقد يحجم الطالب أو المتدرّب أو الموظف عن خوض التجربة والدخول في هذه المسألة التي لا يعرفها خشية الوقوع في الخطأ ليستقر المفهوم الخاطئ في ذهنه نتيجة لهذا الأمر ويبقى على الخطأ في ظل غياب التصحيح الذي لم يسع إليه، كخوف من التأنيب أو استحياءً من عدم معرفته لهذه المعلومة أو تلك، وهذه في تقديري من أقسى معوقات العلم والمعرفة، ولا أعتقد بأنّ أحداً لم يواجه هذا الأمر، وأجزم كذلك بأنّ آلاف المعلومات الصائبة لم تعانق الأذهان وغابت اختيارياً بسبب هذه المشكلة سواء على صعيد الدراسة أو العمل تجنباً لسيطرة هذا الشعور وهذا ما يدعو بشدة إلى غرس مفهوم اللياقة الفكرية، الحساسية موجودة عند كل شخص وفي كل المجتمعات غير أنّ الحد الأدنى منها سيفتح المعابر لبلوغ التصحيح وبالتالي فإنّ كماً كبيراً من العلوم الصائبة ستجد طريقها إلى العقول التي هي في أمسّ الحاجة إليها، ولم يقف حائلاً دون ضخّها سوى الإفراط في التحسّس، من هنا فإنّ من أولويات النهوض في المسيرة التعليمية وسبل التطوير المعرفي هو السعي لإزالة هذه الحواجز المعنوية المقلقة وإبقاء مؤشر التحسّس في وضعه الطبيعي عبر تكثيف الوعي المعرفي بهذا الخصوص، وتسليط الضوء على هذا الجانب الذي ما برح يقصي المعلومة الصحيحة تلو المعلومة وحتمية تحجيم دور الخجل في المبادرة أو السؤال، إنّ إزاحة هذا العائق يتطلّب مزيداً من الجهد الفكري والانسيابي في اتكاء على المرونة في التعامل، ولا ريب أن حائط الصد الأول والتصدي لهذه المعضلة هم المعلمون والمعلمات، وكذلك المديرون والمديرات وكل مسؤول ناهيك عن دور وسائل الإعلام بهذا الصدد، أنّ السبيل للمعالجة المؤرقة يكمن في الأريحية ورحابة الصدر، وحثّ الطلبة والطالبات والعاملين والعاملات بألا يتحرّجوا من السؤال والعمل على إزالة الشعور بالخوف أو الخجل من الوقوع في الخطأ، بل يبادروا في الإجابة وطرح الأسئلة فمن دون الخطأ لا يمكن استنتاج الصح وطالما كان المرء مخلص النية فلا حرج من عدم المعرفة، فالذي سيعلِّمك ويعرِّفك لم يكن نفسه يعرف حتى عرف ممن يعرف وسأل وجاوب وأخطأ وفي النهاية بلغ الصواب، إن إزالة الرهبة من إمكانية حدوث الأخطاء حلقة الوصل والخيط الدقيق المؤدي إلى تصحيح المعلومات ونقلها بأريحية تنمّ عن خلق رفيع ورحابة صدر تعكس الإخلاص، كثرة الأخطاء التي تقع سواء من الطلبة أو المتدربين أو الموظفين ليست مؤشراً للضعف بقدر ما يعكس تضاؤلها حرفية ومهارة المعلم أو المدرب أو الرئيس الذي ينتشل التصحيح من رحم الأخطاء ويمرره بصيغة خلاقة، وبالتالي يحقق هدفه المنشود بل إن درجة الارتياح ستشمل الجميع قياساً عن استقاء المعلومة الصحيحة وترسيخها بالأذهان ما يعود بالنفع والفائدة للجميع، الاستيعاب يؤدي إلى الفهم والفهم يقود إلى التطلع للمرحلة التي تليها وهكذا في سلسلة مترابطة حينما يعزز التراكم المعرفي المتكئ على حسن الاستيعاب من تدفق المعلومات، وتشكل القناعة محوراً رئيسياً في سياق التقبل ومن ثم تطويع الذهن وفقاً للقناعة من جدوى ذلك، مما يسهل في عبور المعلومات، بحرفية المعلم وما يمتلك من مهارات مكتسبة وخبرة في هذا المجال، إن استشعار الرسالة النبيلة تجاه تعليم الآخرين وتطوير مهاراتهم وتدريبهم يعد من مآثر الشهامة والمروءة وفق أريحية المعلم ورحابة صدره التي تتسع لتستلهم الصبر ونيل الأجر، فقد يكون الطالب يمتلك القدرة في تنمية تفكيره، غير أن العوامل لاسيَّما النفسية تقف حائلاً دون تحقيق تطلعه في حين أن قدراته الذهنية ستتحرر من القيود متى ما ساهمت اللياقة الفكرية في إزالة الرهبة والخوف، ولاشك أن الصبر يعتبر العامل المشترك بين الطالب والمعلم، فإذا كان صبر الطالب مضاعفاً لحاجته للعلم والمعرفة فإن صبر المعلم يترجم بعد النظر وجسر العبور لتطور الأمة وتنمية أفكار أجيالها، وتمريرها بتواضع مفعم بالرفق والسماحة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8844
| 09 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5130
| 14 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4983
| 13 أكتوبر 2025