رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

احذر الشائعات ولا تطير بالعجة

أود بداية أن أشرح معنى "الطيران بالعجة" وهي مقولة دارجة، فلان طاير بالعجة، وهو الذي يسهم في التسرع بالحكم على الأشياء والتصديق والتمرير بمعزل من التبين والتحقق من صحة هذا الأمر أو ذاك، ويبدو أن العقل هو المقصود، بحيث يكون من الخفة ما يجعله يطير ويصدق كل ما يسمع حينما تأخذه العجلة بالإثم ويوقعه سوء التقدير في هذا المطب، ليس نقصاً في القدرة أو المهارة، بل في نزعه ثقته بنفسه وبملء إرادته، فهو يسير خلف الأغلبية، ذلك أن أدوات امتلاك القرار ليست بحوزته، بل مؤجرة ولا أدري هل هو إيجار منتهٍ بالتمليك أم لا؟ خفيفو العقول هؤلاء هم الزبائن الدائمون لمروجي الشائعات التي لا تقف آثارها عند إحراق الحقائق فحسب، بل تذهب إلى أبعد من ذلك حينما تثير الخلافات جراء البلبلة والافتراءات التي تستند على الكذب والخداع، وما ذلك إلا ضعف بارز في الوازع الديني وغياب للمثل العليا، فإذا غاب التأثير في العقول فإن الشعور بالذنب سيضعف نتيجة لذلك، وليس الخلل في الهدف بقدر ما تكون الوسيلة عاجزة عن تحقيقه، فمطلق الشائعة وممررها قرأ ودرس وتعلم ولكنه لم يتأثر أو بمعنى أصح لم يستشعر، فعلى سبيل المثال وحينما تذهب إلى الطبيب ماذا سيكون رد فعلك إذا خاطبك الدكتور قائلاً بأنك تعاني من مرض خبيث قد لا يمهلك بأن تعيش طويلاً وماذا سيكون شعورك حينئذ وأنت تتلقى هذا الخبر المفزع والذي استنبطه الدكتور لمجرد الاشتباه بمعزل عن التحليل الدقيق وهكذا هو دور "اللي يدرعم" ويبني استنتاجاته وقراراته وفقا لأهواء الآخرين ورغباتهم، وأيًّا كان من أطلق الشائعة إلا أنه حتما يوجد حيز من خير بين جوانحه وفي قلبه بالذات، غير أن هذا الحيز يتوارى حينما تسيطر عليه آلة الشر مدعومة من عدو الله إبليس اللعين، فيما يعتقد بأنه سيفلت من العقاب بتسويقه الكذب، وهو يتوارى خلف أقنعة زائفة إلا أنه لن يفلت من رب العباد القائل في محكم التنزيل: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد".وتطفو على السطح فرق شريرة دأبت على بث الأحقاد وإثارة الفتن وإشاعة الفرقة، وجل ما يصبون إليه مشاهدة التناحر والتخاصم بين الناس وزعزعة الاستقرار وإيغار الصدور بين الشعوب والطوائف كنتيجة بديهية لمركب نقص وخلل في التربية أفضى إلى ضمور في القيم الإنسانية الفاضلة والمبادئ العادلة، في حين أن الإنسان السوي لا يقبل أن يكون ألعوبة وإمعة يردد ما يقال كالببغاء ويشتري البؤس بثمن بخس، ولا أعتقد بأن عاقلاً يرغب في رهن عقله لبسطات التواصل الاجتماعي وأكشاك الفضاء وهي تقتات الشرور وتبث السموم.وإذا كان مصدر الشائعة موغلاً في الخبث، فإن الأجدر عدم تمرير هذا الإفك، لأن التمرير يسهم في انتشار الكذب ولأن الإثم سيلحق بمن أسهم في هذا التمرير لما في ذلك من مضرة قد تجلبها هذه الأكاذيب، ليتحول وبكل أسف إلى جسر كئيب وهو ينفذ رغبات هؤلاء الأفاكين في نشر السوء، ويرهن شخصيته باختياره في مزادهم البائس بتحريف المسميات تارة والعزف على أوتار نشاز تارة أخرى، والهدف واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، إثارة الشقاق واختطاف الاستقرار عبر صياغة بغيضة فجة للمعطيات منزوعة الدسم والأدب في ذات الوقت، وتوحي بالمقام الأول عن خلل في الفكر واهتزاز في المبادئ التي ارتهنت بضاعة مزجاة لتُشتري بأبخس الأثمان. والأمر الآخر ماذا عن الأثر النفسي السيئ والذي ستسببه لكثير من الناس إزاء نقلك خبراً عارياً عن الصحة، ولربما أيضاً يقع في الفخ، ويستقي الخبر من قنوات فضائية أو عبر شاشات الإنترنت ليثبت بأنه فعلا "شاة أو عنز سيان طالما يسوقونه كالبهائم". ثم ماذا سيكون شعور والدك أو والدتك إذا سافرت إلى بلد معين، وساقت بعض القنوات الفضائية ما خاب وخسر من أخبار أخضعت لعملية تشويه وتوحي بأنك في خطر، الإنسان بطبيعته لا يقبل أن يكون عرضة للاستغفال، لأنه يكره أن يكون غبياً وتنطلي عليه هذه الحيل. إن اختلال الأساسات منشؤه ولا ريب غياب الاعتدال والحكمة وبالرغم مما يحمله الإنسان من صفات متعددة ومتضادة بذات الوقت إلا أن القياس يكمن في الاستخدام الرشيد لهذه الصفات، على سبيل المثال لا الحصر، المحبة وتقابلها الكراهية، الرفق وتقابله الغلظة، التسامح ويقابله التشدد، التواضع ونقيضه الكبر. هذه الصفات وهي جزء يسير مما يحمله الإنسان يطوعها وفقاً لرغبته وهو الذي يحدد الكمية التي في ضوئها يبني توجهه وقراره، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ومما لا ريب فيه أن الشائعة تشكل خطرا محدقاً ولا تلبث أن تسقط من جعل التسرع عنواناً بارزاً لحماقته حين ضرب بتقدير الأمور ووزنها عرض الحائط، مسوغاً هذا الأمر استغفاله واستدراجه وهو ينساق بكل سذاجة في تصديق حكايات نسجت وفق خيال مريض تمكن منه البؤس وهو يحيك المؤامرات ويثير الضغائن، ليمتطي صهوة الفتن التي لا محالة ستنعكس عليه لتحرقه - كما كانت نيته السيئة وقلبه الأسود حينما أزاح الأمانة عن طريقه.فكِّر ملياً في هذا الأمر، فكما أن لك أحبابا يخافون عليك، فأبناء الناس أحباب لهم كذلك.قال أبو العتاهية:إن الفساد ضده الصلاحورب جد جره المزاحمن جعل النمام عيناً هلكامبلغك الشر كباغيه لكا

7905

| 23 يوليو 2015

التعبير عن الشكر والتقدير ينمي عمل المعروف

حينما يقدم لك أحد خدمة ما فإنك بطبيعة الحال تشكره على ذلك وإن كانت من صميم عمله، وضمن نطاق مسؤولياته، وإذا عمل الإنسان معروفاً فإنه بلا ريب يتوقع أن يجد الشكر والتقدير على ذلك، الشكر والتقدير في هذه الحالة ينمي المعروف ويشجع أهله على بذل المزيد منه وهي ترجمة صادقة لمشاعر فياضة مفعمة بالحس الإنساني الراقي، مغلفة بنبل الأخلاق، في تجسيد يعمق التآلف مفضياً إلى تأطير وتأصيل العلاقات الاجتماعية من خلال ضخ معان جميلة تتسم ببعد النظر، ويقين مطلق بأن الخير وعمله لا يذهب سدى، بل إنها موازين كلما ثقلت يوم تجزى كل نفس بما كسبت كلما خففت من وطأة الهموم التي تحيط بالقلب المترع بمسؤوليات الحياة وشؤونها والسعي في هذه الأرض لتحقيق مكاسب لم تكن بحال من الأحوال خاضعة لمقاييس وقتية زائلة، ويقترن رد الجميل بالبُعد الأخلاقي فمن خصائص النفس الكريمة إسداء المعروف ومن خصائصها كذلك رد المعروف بصيغة أجمل وأقرب إلى تحقيق الإنصاف المعنوي لكل طرف بمعزل عن الصد والنكران أو التجاهل والنسيان، فعندما يقابل المعروف بهذه المعايير غير المنصفة، فإنه حينئذ يكون للانحسار أقرب منه إلى الانتشار وبذلك يضيق الخناق عليه وتتضاءل فرص عمل الخير وفقاً للانصياع الإرادي لخلجات النفس والتي بدورها تحيل ما نتج عن هذا الأمر إلى المشاعر والأحاسيس ليشكل الانطباع السيئ صورة قاتمة تؤدي إلى التقوقع في دائرة ضيقة تكتنفها الظنون السيئة عطفاً على نوعية الاستجابة تلك، وكلما قوبل العمل الطيب بالتقدير كلما أتاح المجال رحباً واسعاً لاحتضانه والاحتفاء به وامتداده والعكس كذلك، وقد يكون للحساسية المفرطة حضور كثيف في هذا الجانب تبعاً لتفسيرات خاطئة أحياناً، أو أن يرافقها نوع من المّن على المتلقي، وهذا أقسى تمرير للألم والتجريح عبر هذا النفق المؤذي، فإذا كان من سينفق سيتبع ما أنفق منّا فخير له الاحتفاظ بجميله لكيلا يزداد قبحاً عندما يرى النور، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن إشعار المرء بجميل معروف أسدي إليه وتكرار ذلك لا ينحصر تأثيره على الجانب النفسي فحسب بل إنه لا يلبث أن يفرز شكوكاً تنخر في صلب العلاقة وتنبئ عن وجود خلل ما، ففي حالة نكران الجميل وعدم رده بالشكل اللائق والمقبول إقصاء وإبعاد للمعروف والتوجس من فعله، وكذلك ما يرافق المعروف من منّ أيضاً يجهز على ما تبقى منه، وهكذا تتسع الهوة، فلم يبق الأول بعدم شكره وتقديره سبباً لامتداده، ولم يكن الثاني أوفر حظاً في تجسير الهوة، وهكذا تتم محاصرة المعروف وأهله في سياق لا يتسق بحال من الأحوال مع الأخلاق الفاضلة، وتنم بشكل واضح في قصور في استيعاب التقدير كمفهوم جليل جميل من كلا الطرفين، وهذا بدوره يحيلنا إلى إشكالية توحي بانعدام التوازن من خلال التعامل مع التقدير فكل بالغ في الإساءة إليه سواء من ناحية تهميش دوره أو إلحاقه بالأذى متعمداً كان أم خلاف ذلك، وفي واقع الأمر فإن هذه الخيوط المحيطة بكيفية التعاطي مع هذا المفهوم الرائع والذي يزيده تألقاً ولمعاناً حضوره المكثف، يطرزها وبدقة متناهية عبق الذوق الأخلاقي، حينما ترادف الابتسامة الجميلة كلمة الشكر والتقدير، وبقدر ما يفرض التباين أنماطاً مختلفة من حيث المستوى في التعامل مع التقدير، بقدر ما ينتزع الإعجاب ويثير الانتباه من حين لآخر، فعلى سبيل المثال تجد من يتعامل مع كلمة (شكراً) عشرات المرات في اليوم والليلة بيد أن نصيبها عند البعض لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة في الشهر، مع العلم بأن ادخارها لا يحقق أي عوائد، بل إنه ضمور في الأريحية مقرون بنبرة التعالي التي ليس لها ما يبررها وما تجلبه من جفاف يصيب الينابيع التي تأبى إلا أن تتدفق وتضخ ما يتاح لها، حتى وأن كانت مالحة فإنها حتماً ستعبر محطات تحلية الأحاسيس والمشاعر لتحليها رقراقة عذبة، وغالباً ما يتم تداول تقدير المخاطر كمصطلح اقتصادي مرتبط باستشعار النتائج عبر التحليل والاستقراء الدقيق، ووفقاً لدراسة متقنة في هذا الجانب والحيلولة دون التعرض إلى هزات أو خسائر أو على أقل تقدير تحقيق الحد الأدنى منها، وسؤالي الذي أرغب في طرحه هو: لماذا لا يرادف مفهوم تقدير المخاطر تقدير الأمان أو بالأحرى المكاسب؟ وأعني بذلك إنصاف التقدير من جهة كأن يوضع في الخطة ما يرافق المكاسب من بذل وعطاء لقنوات الخير، فإذا كان التقدير للأسوأ يحتم تخصيص جزء من الأرباح لتجاوزه فإن التقدير للأحسن مقروناً بالنية الصادقة في تخصيص جزء لأعمال الخير ستصبح باذن الله فأل خير وامتداداً لشكر المولى عز وجل على دوام نعمه، بل إن البركة ستحل بإذن الله مزيحة هواجس الخسائر وآثارها السلبية وقال نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: "تفاءلوا بالخير تجدوه قال الشاعر: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس

8386

| 27 فبراير 2013

الوفاء صفة جميلة وخلق كريم

ترتبط قيمة الوفاء الجميلة الرائعة بمفهوم لا يقل جمالا ألا وهو رد الجميل، والإنسان بطبعه ينزع إلى تحقيق غاياته بأساليب مرنة تتيح له التعاطي والتفاعل إزاء المعطيات بمنظور يشمل السلوك السوي فيما يسند تحقيق مصلحته سواء أكان ذلك معنوياً أم مادياً، وإذا كانت الدول يساند بعضها بعضاً في هذه النواحي فإن هذا الأمر ينسحب أيضاً على علاقة المؤسسات مع بعضها البعض وكذا الأمر على مستوى الأفراد، وهذا ينم بالدرجة الأولى عن عمق الترابط الإنساني بين البشر، وكرست التعاملات المالية هذا المفهوم من واقع القروض قصيرة الأجل وطويلة الأجل بفوائد متدنية أو بدون فوائد، بل والمساعدات التي تمنح على شكل هبات لأطراف تتعرض لضوائق مالية ونحوها، وفي واقع الأمر فإن الخير وزرع بذوره الطيبة العطرة يجسد التفاعل المنطقي الخلاق من خلال التعاون المثمر ليترجم الإحساس الذي يفيض نبلاً على أرض الواقع عطاء متدفقا، وقطعا هذا يعني الشيء الكثير لمن تزيل أحزانه هذه المبادرات الإنسانية الجميلة، ولا يقتصر الوفاء على التعاملات المالية فحسب، بل إن هناك جوانب لا تقل أهمية من حيث استشعار قيمته الفذة ومعانيه المعبرة، كوفاء المواطن لوطنه والابن لوالديه والزوج لزوجته والجار لجاره والصديق لصديقه، ويندرج هذا الصنف من الوفاء بالجانب المعنوي والالتزام الأدبي، بمعنى أنها ليست استحقاقات مالية يحين موعد سدادها بل هي أكبر من ذلك بكثير، إذ إنها ترتبط بالنسيج الاجتماعي والتصاقها بالحس الوجداني العميق وفق سلامة النية ونبل القصد. ولاشك أن الوفاء للوطن يعزز الولاء إذ أن الوطن هو الظل الوارف والحضن الدافئ وهو البيت الكبير الذي نعيش بين أركانه، ولم يكن الإنسان ليبلغ مبلغا سواء في جانب التعليم أو العمل أو التجارة، بمعزل من بيئة تسانده وتقف إلى جانبه من حيث تهيئة السبل الكفيلة لتحقيق أهدافه وتوفير المقومات الأساسية من مرافق وخدمات ونحو ذلك، وحينما يشتد عوده ينظر بريبة حينما يمسي التشويش على الفكر معبراً لمن يريد به وبأهله وببلده الشر، فإذا كان الشاعر يقول بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنو عليّ كرام فهل يكون الوفاء إلا عنواناً بارزا للمواطنة الحقة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وهل يتأمل كيف بلغ ما بلغ من صحة وقوة، ومن جانب آخر وفاء الابن للوالدين، للأم والأب حقوق حددها الشرع الحكيم، وحث على معاملتهم معاملة كريمة لائقة، وطاعتهما، ومصاحبتهما في الدنيا معروفا، وعدم التضجر إذا بلغ بهم الكبر فهم سهروا الليالي لكي يروك كبيراً فلا تصغر فضائلك ومحبتك ولا يقل حنانك لهم، وأنت الذي ألفت الحنان وأدركته من سجاياهما، وبغض النظر عن الجانب المادي وواجبك تجاه الإنفاق عليهما بسخاء لا يقل في معناه عما حصلت عليه إبان صغرك وحرصهما على توفير ما يسرك ويسعدك، فإن الوفاء يتمثل في تجسيد الاستحقاقات الأدبية والمعنوية إلى واقع محسوس من رحمة واحترام وطاعة وإجلال وإكبارا أضف إلى ذلك وفاء الزوج لزوجته والزوجة لزوجها فحينما تكرس الألفة نبل الأحاسيس والحب والاحترام المتبادل بين الزوجين، فإن هذا مدعاة لنشوء علاقة تنبري لها المودة لتترجمها إلى حب صادق تحفه الرحمة والمودة والرغبة الصادقة في العيش الكريم وبناء أسرة تزداد ترابطاً وتماسكاً في حين يأبى الوفاء إلا أن يسطر ملامح الثقة تعضده السكينة ويعبر به الاطمئنان إلى آفاق رحبة تنشد الإخلاص في هذا الجانب، ولذلك تجد بعض الزوجات حينما تفقد زوجها تأبى الاقتران بآخر وهو من حقها، خصوصاً إذا كان لديها أولاد، وكذلك بعض الأزواج إذا فقد حليلته يحجم عن الزواج ليشكل الوفاء عنواناً أخاذاً لهذا السلوك الخلاق. ولاشك أن فاء الجار لجاره قمة السمو والرفعة فلم يترك ديننا الحنيف شأنا ينفع البلاد والعباد إلا أمرنا باتباعه ومن ذلكم حق الجار، لما في ذلك من حث على الترابط والتماسك والتواد والتراحم وحسن المعاملة والتواصل المؤلف للقلوب، وحفظ أهله في غيبته والإحسان إليهم، والوقوف بجانبه ومساندته في وقت الضيق. الصداقة تتكئ على الحب، وغالباً ما تنشأ نتيجة للتوافق في الأفكار، لتعبر جسر الحياة في تلاحم يجسد صفاء النفس وحسن الخلق، والتعاون على البر والتقوى، فأمسى الوفاء بين الأصدقاء معياراً دقيقاً لتقوية هذه الأواصر والتواصي على الحق. وبما أن الحديث عن الوفاء فإني لم أشأ أن أغادر من غير أن أشير إلى جهاز أفراده يعملون بصمت إنه جهاز خفر السواحل، هؤلاء الرجال الذين يسهرون الليل والناس نيام ويتحسسون المواقف الصعبة لتسهل أياديهم البيضاء من عناء الأخطار التي ترافق الصيادين، ومن يعبرون البحر، معرضين أنفسهم لتلك الأخطار، إيماناً منهم بنبل المقاصد الخيرة حينما يسهمون في إنقاذ الأرواح، فتحية لهؤلاء الرجال، وكلي أمل بأن يجدوا التغطية الإعلامية اللائقة وإلقاء الضوء على هذه الكوادر وهي تنثر الإخلاص محبة ووفاء لهذا الوطن الأشم وكل من على أرضه.

2499

| 20 فبراير 2013

النظافة محور ارتكاز التفكير السليم والعقل الواعي

لاشك أن الاعتناء بالنظافة يعد محورا إيجابيا يرتقي بسلوك الإنسان فضلا عن تأثيرها الأبرز على الصحة العامة فإنها كذلك تعكس سمعة البلد وأهله وتؤثر بشكل مباشر في الاقتصاد من خلال التشجيع والترويج للسياحة لذا تجد السائح حينما يعود من بلد معين فإن أول ما يتحدث عنه مستوى النظافة لأنها العنصر الجميل الأبرز ولا شك ان الفوائد التي يجنيها الإنسان من النظافة لاحصر لها بل إنها تؤثر في نفسيات الناس إذ أن الأماكن المتسخة تجلب التوتر وتصيب الإنسان بالاكتئاب (النظافة من الإيمان) نعم لأن الإيمان يعنى بنظافة القلوب والأبدان، لذلك كان الحرص على النظافة جسر العبور لصحة دائمة وسلامة تحقيق الشعور بالاطمئنان وطاعة الرحمن القائل في محكم التنزيل (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). إن من أسباب التهلكة إهمال المرء لمستوى الأمان المنشود بهذا الخصوص، وكما هو معلوم فإن كثيرا من الأمراض تنشأ تبعا لانتقاء المحافظة على هذا العنصر المؤثر ألا وهو النظافة، حيث إن الميكروبات والجراثيم تتكاثر وبالتالي تتناقل وتنقل مآسيها إلى البشر بمحض إرادتهم لإتاحتهم المجال رحبا لنموها لتستقر بالجسد وتنخر في الأجسام الصحيحة السليمة، بل إن بعضها يستعصي على العلاج. إن إهمال النظافة يجر إلى عواقب وخيمة سواء كان على مستوى الصحة والبيئة بشكل عام، أو على مستوى القلق النفسي المصاحب لتبعاته طبقا لانتشار الأوبئة والأمراض المختلفة، فضلا عن تأثير هذا الأمر على الناحية الاقتصادية مما يشكل هدرا للجهود والطاقات والأموال لمكافحة الأمراض المختلفة التي يكون بالإمكان تجنبها متى ما كان الحرص على النظافة محور ارتكاز التفكير السليم والعقل الواعي، وقد يهتم الإنسان بنظافة جسمه ويحرص على تحقيق مستوى جيد بهذا الصدد، كالدخول إلى دورات المياه وتحقيقه هذا المستوى فيما يخصه، بمعنى أنه يحرص على نظافته الشخصية بينما يترك المكان متسخا معتقدا أنه سيسلم من تبعات هذا الأمر، وهذا الخطأ بعينه فإذا انطلقت الجراثيم فإنها ستنتقل عبر الهواء والأشخاص من خلال العدوى، وكذلك الأثر السلبي على البيئة، فالميكروبات لا ترى بالعين المجردة وبالتالي لا أحد يسلم من ضرباتها الموجعة وهذا التصرف هو في الواقع قمة الأنانية وسوء النية ولا يمت لأخلاق المسلم بصلة، إن النظافة وتفعيلها حس جماعي يجب أ ن يتحلى به الجميع وغالبا ما يترك الإهمال آثارا سلبية سيئة على المجتمع، وقد يكون الإهمال وتحديدا إهمال جانب النظافة ناجما عن غفلة أو نسيان في بعض الأحيان، لذا فإني أود أن أطرح اقتراحا غير مكلف من الناحية المادية ولكن قيمته المعنوية ستوفر أضعاف أضعاف تكاليفه البسيطة، فضلا عن الاهتمام بالصحة بشكل عام والجانب الوقائي بشكل خاص، ويتمثل الاقتراح بوضع صور لحالات الأمراض التي تنتشر جراء عدم النظافة خصوصا في مداخل دورات المياه في الحدائق والمرافق الأخرى بل حتى في الميادين والشوارع العامة، هنا فقط سيكون الذهن مرتبطا بالصورة المؤلمة وبالتالي فإن التصور سيؤسس للحرص على النظافة وهي النواة التي يمكن أن ننطلق منها لتحقيق الحد الأعلى من المستوى المأمول لصحة الأبدان وتجنب كثير من الأمراض، وهذا بلا ريب سيشجع الجمعيات المختلفة للمساهمة في دعم هذه المناشط الخيرة الرامية إلى تفعيل الجانب الوقائي وامتثالا لقيمنا الجميلة الخالدة التي تحث على النظافة كعنصر مؤثر في السلامة، بالإضافة إلى العبارات التي تنبه إلى أن نظافة المكان مصدر الأمان لمجتمع نظيف يحب الأمان ويحرص على تحقيقه، ولاشك أن الجهود التي تبذل في صحة البيئة واضحة المعالم غير أن تعزيز الجانب الوقائي من الأهمية بمكان الوقاية خير من العلاج فهذا المفهوم لو طبق بحذافيره أو بالأحرى تحقيق الحد الأعلى منه فإن ثلاثة أرباع المشاكل التي نواجهها لاسيما الصحية ستختفي بإذن الله، ولا ريب أن تأمين وسائل الوقاية والسبل المؤدية لها خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالبيئة أمر في غاية الأهمية ناهيك عن أن المحافظة على البيئة واجب وطني إذ أن انخفاض مستوى الوقاية بهذا الصدد سيسهم وبشكل فاعل في تهيئة المناخ لتنمو البكتيريا ومرتعا خصبا للجراثيم المسببة للأمراض المهلكة وقانا الله وإياكم شرورها، وإذا كانت نظافة الأبدان محور ارتكاز الوقاية فإن نظافة القلوب تعد حجر الزاوية لهذا المحور، بل المغذي الرئيس للأفئدة الهينة اللينة حينما تنعكس آثارها الإيجابية على السلوك والتصرف، وترتبط تلقائيا بالنظافة بشكل عام في تمازج فريد يشي بالرقي ويجسد قوة الإيمان التي تستند إلى الخضوع لأوامر الخالق تبار ك وتعالى الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، إن تنقية القلوب من الضغينة والحسد والغيبة والجشع والطمع وفلترة المشاعر من الشوائب لا سيما التورع عن إلحاق الأذى بالآخرين سواء كان معنويا أو ماديا يعتبر السور المنيع وحائط الصد الذي ينبغي الاعتناء به وتقويته في كل حال ومجال.

4852

| 15 فبراير 2013

تصويب العادات السيئة من الأهمية بمكان

ظاهرة الإلحاح أو باللهجة الدارجة (التلزيم) تكاد تكون ذات صبغة شرقية ومن المعلوم بأن الشيء إذا زاد عن حده انقلب ضده، وهذه الصفة المحرجة بطبيعة الحال تتم عن حسن نية فيما يعتقد (الملح) بأنها تعكس مدى غلاء الشخص وتقديره له وهي تندرج في إطار المبالغة، وتتفاوت حدة الإلحاح من شخص لآخر إلا أنها كما أشرت آنفا ذات صبغة شرقية طبقاً للبيئة والثقافة التي تعزز من بروزها في هذه المنطقة أو تلك، ويصر الإنسان (اللحوح) على ممارسة هذه العادة السيئة لما تسببه من إحراج بالغ وعدم إتاحة الفرصة للطرف الثاني لتمرير قبول الاعتذار فقد يعتذر الطرف الثاني لـ (اللحوح) مرة، فيعيد الكرة في ملعبه بالطلب مرة ثانية وثالثة إذ إن المرة الثانية تعتبر كافية في إصرار (المٌلزم على الملزم عليه). وما زاد عن ذلك فإنه حتماً يندرج في نطاق الإلحاح غير المرغوب فيه والذي يصل حد الإزعاج والإحراج في ذات الوقت، فقد ينصاع الطرف (الملزم عليه) للأمر تبعاً للإصرار المتواصل ويرتبك برنامجه جراء هذا القصف الودي المشوب بحسن النية والمحبة الصادقة، إلا أن المحبة الصادقة تحتم تفهم الظروف وقبول الاعتذار وقد تتم العملية برمتها في إطار المجاملة في حين أن هذه العملية قد تتسبب في آثار سلبية قد تنعكس على مستوى العلاقة فالطرف (الملزم عليه) الذي أمسى رهنا لهذه الصفة غير المحببة ستجعله يتهرب من لقاء زميله آنف الذكر أو حتى الاتصال عليه خشية وقوعه تحت مطرقة (التلزيم اللي ما له لازمهْ) وهكذا تنحسر سبل التواصل ويتضاءل بريقها تبعاً لبعض العادات التي تصنف في بعض الأحيان من باب زيادة الكرم ولكن زيادة الكرم أيضاً تعني الاحتفاء الصادق بالمكرم وإكرام النفس هواها، أي أن قبول الاعتذار في المرة الأولى أو الثانية يوضح بجلاء بأن الرسالة وصلت، وعلى النقيض من ذلك فقد يستغلها البعض بطريقة أخرى كأن يعزم شخص آخر من باب المجاملة فيبادره الآخر بسرعة صواريخ توماهوك قائلاً (الله يهديك بس لو أنك ما لزمت) وهي مرة واحدة ومن طرف اللسان وتكمن المشكلة هنا في مسألة الأعداد أي أن العازم المجامل لم يكن يتوقع بأن مشاعر صاحبه في ثلاجة وأبرد من قطع الدجاج في الفريزر وليت الأول منح الثاني جزءاً من حمأة إفراطه وليت الثاني منح الأول زخماً من الواقعية بغض النظر عن اصطدام واق عيته بصاحبنا البارد، والأدهى من ذلك هو إدراج الحلف وإقحام الطلاق في هذه المسائل وهذا في الواقع يعد أزمة أخلاقية بكل أبعادها فالاستهانة بالحلف وتداوله في كل كبيرة وصغيرة ليست من الأخلاق في شيء وتوقع الإنسان في المحظور إذ إن التساهل في هذا الأمر وعدم تطبيق الحلف نتيجة لعدم تجاوب طرف إلى الطرف الآخر يحتم على المرء أداء كفارة اليمين قال تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) فلماذا كل هذا الأمر؟ ولماذا يتم إقحام الحلف في مسائل لا تعدو عن كونها تعبيراً عن المحبة ونحو ذلك، فهناك أساليب كثيرة أخرى بديلة لإبرازها كعربون محبة، إن تقنين الحلف وعدم الحاجة إليه إلا في الحالات الذي يتطلبها الحلف كأداء الحقوق والشهادة وغير ذلك من الأمور التي حددها الشارع الحكيم تجنب المرء الوقوع في المعاصي والزلات فضلاً عن ذلك فإن الصدق يعزز الثقة والثقة توجب الاحترام للموثوق به والصدق من صميم تعاليم ديننا، فلماذا لا يكون الدافع للتعبير عن مشاعرنا بقوة وقعه وتأثيره، وأمر من ذلك من يحلف بالله كثيراً وفي غير المواضع المخصصة للحلف بل ويضع زوجته تحت مطرقة هذا العبث فيطلق وربما بالثلاث إن لم يلبِ المدعو الدعوة وهذه قمة الإسفاف والاستهانة بالعلاقة الزوجية لترزح الأسرة تحت وطأة التبعات السلبية السيئة الناجمة عن هذا الجهل ويتشتت شمل الأسرة لا لشيء سوى تراكم التخلف المؤدي إلى هذه النتائج البائسة، وتدفع الأسرة ثمناً باهظاً لمجرد دعوة على رأس خروف محشي أو مشوي لا يهم، فهل أصبحت الأسرة وقيمتها رخيصة بخسة إلى هذا الحد ليهدم ما بناه في سنين عمره في لحظة كرم لا تمت إلى الكرم بصلة،بل أنها ستورث العناء والشقاء وهل يفقد الإنسان عقله حينما تنفلت عواطفه ويعجز عن السيطرة عليها عبر هذا العبث المخزي، إن وسائل الإعلام مقروءة ومرئية ومسموعة يقع على عاتقها جزء كبير في حمل هذه المسؤولية، وإيقاف هذا المد الهادر المفعم بالتجاوزات اللفظية التي لا تلبث أن تقلب كيان الأسر رأساً على عقب وتصيب الاستقرار الاجتماعي في مقتل، ومهما كانت العادات مرتبطة ارتباطاً وثيق الصلة بالمجتمعات، فإن تحجيم بعض العادات السلبية السيئة يتطلب جهداً ليس باليسير ويتطلب مثابرة دؤوبة لا تنقطع حيث إنها متأصلة ومتجذرة في العمق، لذا فإن فصل العادة بالعادة هو السبيل لإنجاح هذه المهمة، بمعنى أن من تعود على الحلف بمناسبة وبغير مناسبة، فبالإمكان أيضاً أن يتعود على الامتناع عن الحلف وكما أسلفت فإن سياق النماذج والأمثلة وتصويب العادات من الأهمية بمكان ومن ضمن المهام وأبرزها تكثيف الإرشادات بمغبة هذا الأمر وخطورته فضلاُ عن تعويد الصغار عدم الحلف وتفعيل قيمة الصدق في نفوسهم وأن يكون الحلف في أضيق الحدود طالما أن الصدق هو المقياس جئت إلى المنزل في إحدى المرات وإذا بابني الصغير يشكو من أخيه الكبير ويكثر من الحلف قلت له يا بابا لا تحلف أنا أصدقك بس لا تحلف يا بابا أنت مؤمن وتصلي لربك خمس صلوات وأخلاقك عالية فلماذا تحلف؟ وبعد فترة وجيزة جاء وقال لي بابا أبغي أشتري ملابس رياضة قلت له إن شاء الله عندما أعود في المساء نذهب إلى السوق، فبادرني بقوله أخاف تتأخر فقلت له أحلف لك إني ما أتأخر حينئذٍ أدركت أن المشكلة متأصلة وأننا نحن الكبار بحاجة ماسة إلى قوة في الإرادة وتصويب بعض السلوكيات الخاطئة فإذا فعلنا قيمة الصدق سيقلدنا الصغار ويقتدون بنا شيئا فشيئاً فقط دعونا نحاصر هذه العادة السيئة ونزيلها إلى الأبد.  

2134

| 08 فبراير 2013

سلامة القلوب

لاشك أن التفاخر وإبراز ما يمتلكه البعض عند ممن لا يمتلكون هذا الشيء أو ذاك على سبيل التباهي سيؤذي مشاعر الآخرين الذين لا يملكون ما يملك من مظاهر الثراء، وسيكتفون بمشاهدة هذا الطاووس والحسرة تتفاعل مع أحاسيسهم وتعزف ألحان الحزن في تناغم يشي بتلذذ بعض مرضى النفوس في إيذاء البعض الآخر معنوياً، ومهندس هذه اللذة وصانعها إبليس اللعين الذي سيستقر في جهنم، ويجر معه ما يستطيع جره ممن زالت مخافة الله من قلوبهم. إن مراعاة مشاعر الآخرين تسمو بالأخلاق الجميلة وتحلق بها نحو آفاق الإدراك المعرفي الواسع والإحاطة الأدبية الشاملة، فما برح عنصر الجهل يصول ويجول ويعيث في العقول فساداً، وتتعدد مصادر الجهل ومقوماته التي يتكئ عليها، والأدهى من ذلك كون دعائمه الرئيسة، تنبع تارة من أناس متعلمين، غير أن نزعة التميز وحب السيطرة تكاد تعمي القلوب التي في الصدور، ويدور في ذهني تساؤل لم أبرح مشغلاً تفكيري في البحث له عن إجابة، ويتمحور هذا التساؤل في سبب استشراء (العين) في مجتمعات وتضاؤل نسبة حدوثها في مجتمعات أخرى، وهذه المقايسة حتماً نسبية وقد تكون صحيحة أو غير ذلك، بيد أنه استقراء فرضي، في حين أن الإجابة ربما تكمن في طبيعة التعايش وصيغة التعامل واختلاف أنماطها من بلد لآخر أو من مجتمع لآخر، ودائماً ما نسمع حينما يقدم إنسان من بلاد الغرب إعجاباً بالبساطة التي يتحلى بها المجتمع الغربي، سواء كان ذلك من خلال اللباس أو الأثاث أو حتى الحوار بين الأطراف. وأكاد أجزم بأن من أسباب البساطة بهذا الخصوص عدا عن عدم إيذاء مشاعر الآخرين والاتسام بالخلق في هذه الناحية فإنها مؤشر للرقي والتطور ناهيك عن كونها الوسيلة الفعالة للحماية لتجنب الاختراق المهلك للعين وقانا الله وإياكم شرورها، وكما أشرت في المقدمة بأن إظهار التميز من حق كل شخص، إلا أنه يوجب كذلك احترام المشاعر بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ قيمة وسلوك رفيع، ومن مظاهر الاستعلاء والفوقية انتشار الأمراض النفسية في أوساط المتغطرسين أنفسهم وإذا أضفت زخماً هائلاً من الوساوس فإن عيادات الطب النفسي ستمتلئ بهذه النماذج والبحث عن الرقية لمجرد الإحساس بأن ما أصابه أو أصابها عين وقد يكون هو المتسبب في حدوث هذا الأمر لظهوره بشكل ملفت أمام الناس، وهذه الإشكالية تحيلنا إلى موضوع من الأهمية بمكان ألا وهي صيغة التواصل وتتشكل الأنماط المختلفة لطبيعة التواصل بين الأفراد، عطفاً على الأدبيات التي يتكئ عليها المجتمع، وبكل أسف أقولها بأننا لا نتخلق بهذه الأدبيات التي صاغها لنا الإسلام العظيم في التعامل، فتجد التشبث بالشكليات والابتعاد كلياً عن المضامين في ظل غياب التآلف أو بالأحرى الانسجام بين الشكل والمضمون ويجسده كذلك بعض التصرفات التي لا ترقى إلى مستوى الالتزام بالمبدأ من حيث إدراك دوافعه وأسبابه الجالبة للخير، في الوقت الذي تجد فيه تبايناً حاداً في نمط التفكير والسلوك بين طرفين، وربما يكونا جارين ولكن برؤى مختلفة وأنماط متباينة في التفكير رغم أن مصدر الاستقاء واحد، إلا أن الالتزام بالأدبيات الخلاقة من مصدر التشريع الواحد، هو المحك للتفاعل مع المعطيات، وفقاً للتحلي بهذه الأدبيات، ولا ريب أن مظاهر التفرد والتميز تورث البغضاء الحاضنة للحسد والعياذ بالله، وفترة حضانة هذا الداء البغيض هي اللحظات القليلة بين النظرة الأولى الخالية من ذكر الله، وبين الشعور تجاه الشخص (المتفشخر) الذي يشوبهانوع من الحقد ونحو ذلك، ليوجه الحسد المقيت ضرباته الموجعة نحو خاصرة (المتفشخرين) وكما أشرت آنفا وما للبساطة من إيجابيات وكيف أنها تسهم في تطور الأمم ذلك أنها تحفز لبلوغ العلم والمعرفة لأنها ترتقي بقيمة الإنسان الذي كرمه المولى وخلقه في أحسن تقويم وشعور الإنسان بقيمته يعد دافعا لتفعيل التفكير في العقل وبالتالي فإن الإبداعات والابتكارت المتلاحقة حصيلة طبيعية لمجتمع واع ينحو إلى بلوغ آفاق المعالي، ومهما يكن من أمر فإن المتفشخر لم يرتكب إساءة توجب الرد على هذا النحو الموجع، غير أنه أي المتفشخر يتوجب عليه كذلك أن يؤثر طريق السلامة، وأن لا يعرض نفسه للنفوس الضعيفة فالحسود حتماً يعاني من مرض في القلب ولا يمكن شفاؤه إلا بالالتزام بالأخلاق الفاضلة، وبعيداً عن جهل المتفشخر وسوء أخلاق الحسود فإن هناك عوامل مشتركة كثيرة تجمع الأطراف في إطار التآخي والمحبة والمودة متى ما تمت تنقية المشاعر وفلترتها لتلفظ الشوائب المؤذية خارجاً، ويبقى القلب السليم ينبض بالعطاء الزاخر بالمحبة الصادقة، لتتلاقح المشاعر وتثمر عن مجتمع يسوق الأمثال للأجيال ويعبر بحس صادق عن مدى ارتباط ثقافتنا بالسلوك النبيل وتفعيله في كل مناحي الحياة، فهل هناك مكسب أكبر وأعز وأجمل من أن تأتي الله بقلب سليم؟ نسأل المولى أن يرزقنا سلامة القلوب إنه جواد كريم.    

850

| 05 فبراير 2013

يجب أن تتضافر الجهود لمحاربة قطع غيار السيارات المقلدة

يتخذ الحديث عن السيارات جانباً مؤثراً لما لهذا المنتج الحضاري المبهر من أهمية بالغة من حيث الاستخدام، والذي أحدث طفرة في عالم النقل سريعة ومتوسطة وثقيلة إضافة إلى التطور التقني الذي واكب هذه الصناعة وما زال حيث أصبحت أشبه بغرف متنقلة لما تحتويه من عناصر الرفاهية ما انعكس بطبيعة الحال على مقتنيي المركبة ومستعمليها، وبقدر ما ترتبط السيارات بعوامل في غاية الأهمية بقدر ما تحمله أيضاً من مخاطر نتيجة لسوء استخدام هذا المنتج وما تلحقه من أضرار إذ إنها لا تتوانى في حصد الأرواح متى ما غاب التعقل في استخدامها، ومن ضمن المخاطر التي تهدد صحة الإنسان ولا ريب المركبات، ففي الوقت الذي يهب العالم بأكمله في الحرص على تطوير أدوات السلامة يبرز ما يهدد هذه الجهود بل ويصيبها في مقتل ألا وهي قطع الغيار المقلدة، والحديث عن قطع غيار السيارات أو بالأحرى عصب الحركة الصناعية في هذا المجال إذ إنه يمس وبصورة مباشرة الحياة الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء وقطع غيار السيارة قد تتجاوز الـ 50 ألف صنف على اختلاف المواصفات وهذا يحتم على الوكيل تأمينها في كل الحالات طبقاً لالتزامه بالأنظمة المرعية بهذا الخصوص ومن منطلق التزامه الأدبي وحرصه على سمعة المنتج وتسويقه. وإذا كانت الوكالات ملتزمة التزاما كاملاً بتأمين قطع الغيار للمنتج للاعتبارات سالفة الذكر، فإن مسألة التحكم في هذا الكم الهائل من الأصناف التي يتم استيرادها ومن ثم تأمينها للعميل تواجه في بعض الأحيان مصاعب، ورغم مساهمة الكمبيوتر الفاعلة في هذه الناحية إلا أنها تخضع لعدة عوامل، فعلى سبيل المثال عند هطول الأمطار يكون الطلب مضاعفاً لأصناف محددة ما يساهم في تكدس قطع غير مباعة لتشكل عبئاً على الوكالة في حين أن أنواع القطع تختلف من صنف لآخر من حيث الحركة، فهناك ما يتحرك منها بشكل سريع وهناك المتوسط وهناك البطيء إضافة إلى القطع التي ربما تطلب في السنة مرة واحدة وكذلك قطع ربما لا تطلب بتاتاً ويتم تأمينها من الوكيل من واقع التزامه بتأمينها، وهذه القطع الراكدة غير المباعة والتي يتم تصنيعها بدقة في نهاية الأمر تباع على شكل حديد لتنصهر تحت ألسنة اللهب غير مستفاد منها مشكلة جانباً للهدر والسؤال الذي أود طرحه حقيقة عن مدى إمكانية الاستفادة من هذه القطع وإعادة تدويرها ومن جانب آخر فإن استهلاك السيارات ليس كباقي المنتجات الأخرى ينتهي بمدة محدودة إذ يمتد إلى سنوات بل عقود ما يتطلب أيضاً الحضور الدائم للوكيل بحكم ارتباطه الوثيق بالمورد والتزامه أيضاً بتقديم خدمة ما بعد البيع حتى وإن كان البيع قد تم قبل عقدين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك. وجود الكوادر الفنية المؤهلة لصيانة المنتج نواة لاستمرار الأفكار الخلاقة وتجسيدها واقعا على الأرض، التدريب عامل رئيس في صقل المدارك ومحاكات الاستيعاب من واقع التجارب المختلفة ولا ريب أن وكالات السيارات أسهمت وبشكل كبير في أداء أدوار إيجابية وفق تمرير الثقافة الصناعية لاسيَّما في مجال السيارات، والوكالات المختلفة تحرص على عامل الجودة ولاشك أن التنافس في هذا المضمار خلق تفاعلا انسيابيا منسجما مع المتطلبات وما يستجد سواء من ناحية صيانة المنتج أو من ناحية الإضافات وفق ما يطرأ على كل موديل من مستجدات واختلاف للمواصفات في الموديل الواحد فضلا عن ما يواكب التصنيع من عيوب في بعض الحالات وهي نادرة وسهولة اتصال الوكالة بعملائها بات يسيرا. والحد من مخاطر القطع المقلدة تحديدا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار حيث إن المركبة مرتبطة بالمخاطر كما أسلفت بشكل مباشر، ولا يخفى على الجميع سلبية انتشار القطع المقلدة للسيارات، ورغم الجهود التي تبذل بهذا المجال إلا أنه قد يتم تسريبها بشكل أو بآخر ومدى خطورتها خصوصا فيما يتعلق بالمكابح والمساعدات، وكذلك الزجاج ورداءة تصنيعه ما قد يتسبب في إلحاق الأذى بقائد المركبة ومن معه، وكثيراً ما نشاهد سيارات محترقة نتيجة لاستخدام القطع الكهربائية المقلدة والتي تعتبر المتاجرة بها أو ترويجها أو استخدامها جريمة جنائية يعاقب عليها القانون في بعض الدول، وفي تقديري فإن مشاركة الوكالات بتفعيل الجانب التوعوي وأيضاً الفروقات بين الأصلي والمقلد ما يساهم بإذن الله في الحد من انتشارها ومكملاً للجهود المبذولة بهذا الخصوص وصولاً إلى اختفاء هذه القطع والحد من مخاطرها. ولما للنشرات التوضيحية من أهمية قصوى فإن الوكالات تستطيع المساهمة وحماية الناس ومنتجاتها، إن التكامل الموضوعي مطلب ملح لمواجهة هذا الخطر الذي يتربص بالناس وممتلكاتهم وأعني بذلك أن يكون التعاون معبرا لتحقيق الأمان والاطمئنان فحماية المستهلك وإدارة المرور والجمعيات المعنية بالنقل ووسائله ووكالات السيارات بتجاربها وكوادرها الفنية بالتعاون مع الصانعين يستطيعون بإذن الله تفعيل إستراتيجية فاعلة وملموسة في النهوض بتعزيز الجانب الوقائي لمخاطر الصناعة من خلال نشرات توضح الفروقات بين الأصلي والمقلد وبالتالي فإن المستهلك هو من يسهم في حماية نفسه ومركبته كأن توضع النشرات التوضيحية لاسيَّما المرتبطة بالسلامة مع كل سيارة ناهيك عن ما يتعلق بمواعيد تغيير السوائل وأنواعها، وكذلك مواعيد الصيانة ما يساهم وبشكل فاعل في تفادي الأعطال التي تنتج للمركبة من جراء الإهمال وعدم الالتزام بمواعيد التغيير تلك، فإذا كانت هذه التعليمات الأساسية قد أدرجت بخط كبير واضح ووضعت في مكان بارز داخل المركبة فإنها ستجد الاهتمام. إن تفعيل التواصل بين الوكالات والجهات ذات العلاقة في إطار الوقاية من الأهمية بمكان والتعاون المثمر البناء من شأنه بناء جسر ثقة والعمل جنباً إلى جنب في المحافظة على السلامة فالسلامة هي الهدف. أدام الله على الجميع السلامة

800

| 17 يناير 2013

تويتر والفيس بوك في التأني السلامة

 لاشك أن التقنية بمنتجاتها المتطورة أحدثت نقلة نوعية في جميع المستويات ولم يكن الاستيعاب يشكل معضلة بقدر ما كان ارتباطها بالسلوك والتصرف مثار شد وجذب غير أن وجود مساحة من الحرية لا يسوغ التجاوز فالكل مسؤول عن مراقبة نفسه وما يقدم إن خيرا فخير أو شرا فشر، فقدان التحكم بالألفاظ والعبارات بل حتى في طريقة الإلقاء تجر على صاحبها مشاكل جمة لاسيما أن التواصل أصبح يتم بلمح البصر لذا فإن المقياس مرهون بما سيقوله الشخص أو يكتبه فمن فيس بوك إلى تويتر مرورا بالهاش تاق وأمل ألا تكون على غرار مقولة الفنان عادل إمام (هشتقنا وبشتقنا ياريس ) وتذكرني تقنية التواصل المتطورة بمقولة ( ماتشوف إلا غباره ) إذ تتفاوت التغريدات فقد تجد تغريدة متجاوزة السرعة النظامية وتجد أخرى عاكسة السير ولا أعتقد بأنك ستجد تغريدة ( مغرزة ) طبقاً لمفهوم التغريد الذي يكون في الهواء غير الطلق ( ولا عزاء للبلابل ) وتكمن المشكلة حينما يعمل المغرد من الحبة قبة بمعنى أنه يفرط في الوصف من خلال التهويل والمبالغة بهذا الخصوص، وفي واقع الأمر فإن ذلك ينطوي على محاذير عدة وعواقب لا تُحمد عقباها إذ إن المتلقي سيبوب تصوره وفقاً لما سمع، فيكون هذا التصور مبنياً على هذا الأساس وبالتالي فإن رد الفعل النفسي يسهم في التصرف والسلوك ومن ثم يحدث الاهتزاز والارتباك في تصوير مغالط للمفهوم ووفقاً لاختلال الأساس، فالأساس أو بالأحرى مصدر استقاء المعلومة تنقصه الثقة وجانب الدقة في النقل مما أسهم في نشوء هذا التضليل المؤذي نظراً للافتقار إلى الأمانة بهذا الصدد، ولا يعني ذلك التقليل من شأن أمر ما فهو كذلك سيندرج في نطاق التضليل بقدر ما يكون التوازن وفي مسألة النقل بالذات أمرا تحتمه الأمانة والمسؤولية الأدبية إذ قد تنشأ جراء المعلومة حينما تتجاوز إطارها الموضوعي ويتم تضخيمها بهدف إثارة آثار سلبية جمة من حيث إلحاق الضرر وحينما يضخ الهدوء، طاقة جبارة، مستمدة من خصوبة الذهن للحصول على الحلول وبلوغ نقاط الالتقاء وإن شاب هذا الالتقاء نوع من الصعوبة، إلا أن الإخلاص في بلوغ الهدف ستفرضه حتمية نقائه وصفائه، سواء كان ذلك من خلال المناقشات العابرة، أو من خلال الحوارات المتزنة، في حين أن الاختلاف في وجهات النظر المكتسية بجانب كبير من الهدوء ستضفي قيمة أدبية وقوة معنوية لا تلبث أن تسهم في تمرير القناعات بانسيابية تتيح للتأمل مساحة واسعة في استيعاب وجهات النظر في أريحية تسوغ انتقاء الجوانب الإيجابية وتحديدها ضمن إطار موضوعي لا يقبل الانحياز ووفق منظومة منضبطة ومنظمة مما يؤدي في نهاية الأمر إلى التدرج والانصهار التلقائي إلى حيث الصواب الذي ينشده بطبيعة الحال الجميع، فأنا أختلف معك لا عليك وإن اختلفت مع رأيك فإن هذا لا يعني الشك في صدقك وحسن نواياك من هذا المنطلق يبرز دور الهدوء الفاعل في صياغة الأطر المنظمة والمتسقة مع الأساليب المهذبة، فكلما طغى التهذيب على الأسلوب زاد من قوته وصلابته بل وساهم في قبوله، لاسيما وأن البعض جزء من الكل بمعزل عن المزايدة على النوايا، ولما كان حسن النية معياراً للتواصل فإن الأمور ستسير من حسن إلى أحسن بمنأى سوء الظن المفضي إلى انحسار الفكر في تضييق لم يكن بحال من الأحوال إلا استمراراً لمكابدة الرفض وعدم القبول وبعيداً عن التشنج الذي ما برح محاصراً الحلول وحاجباً لها عن الظهور وهي في المخيلة رهن الاعتقال، الاختياري وما ذلك إلا انتقاءً لضبط النفس وشخصنة المواقف، ومن المؤكد أنه لا أحد معصوم من الخطأ بدءاً بالصغيرة ومروراً بالمتوسطة إلى الكبيرة؛ أي أن الخطأ في أي مجال كان واردا لأنها طبيعة البشر. غير أن الإنسان يبذل ما في وسعه لتجنب الوقوع في الأخطاء في اتساق مع الضمير الحي والتزاماً بالمعايير الأخلاقية، ومحافظةً على العقيدة المؤسسة لهذه المعايير، وبما أننا في عصر السرعة، فإن إصدار الأحكام بات ملتصقاً كذلك بهذه الصفة، في إجهاض للتأني ووفقاً لتغليب العاطفة وانحياز الرغبة إلى العجلة في الاستنتاج وإن كان على حساب الرؤية الموضوعية ما يضيف أعباء تثقل كاهل العقل، إذ إن اختلال معيار التوازن بهذا الصدد لا يبرح أن يخلف التراكمات السلبية في إطار قراءة تتخذ السرعة نمطاً إزاء بلورة المعطيات وما ينجم عن هذه المصادقة من تصورات خاطئة بعيداً عن الفلترة أو بالأحرى تنقية الطرح من الشوائب العالقة وفلترة المعلومة حال وصولها خير من رفضها بعد قبولها، لأن العقل الباطن لن يلبث أن يختزن رد الفعل المبدئي ما يشكل إرهاقاً معنوياً كان بالإمكان تجاوزه في حالة تحري الدقة، وإذا كان الشك يقطعه اليقين فمن باب أولى قطع دابر الشكوك وبتر الظنون السيئة وإحالة الأحكام إلى قرارات العقل وإحكام السيطرة على المشاعر والتحلي بالحكمة والصبر لكيلا ينخر التسرُّع عمق المسؤولية الأدبية، من واقع المحافظة على الأمانة في القول والعمل، وإتاحة الفرصة للتأمل على نحو يمنح العقل حيزاً أوسع وبالتالي فإن اتساع الأفق والإدراك الكامل سيؤديان أدوارهما المنوطة بهما بانسيابية تجنح إلى التعقل بلوغاً إلى اختيار القرار الصائب، لأن الصورة قد لا تكتمل من جميع جوانبها في حالة الرؤية الأولى، لذلك كان التريث في هذه المسائل من خصائص الاتزان المؤدي إلى الاستقرار النفسي. وفي الأحكام القضائية يعد الاستئناف محوراً رئيساً في التحقق والتثبُّت لإتاحة الفرصة كذلك والإحاطة بجميع الجوانب المتعلقة بالقضايا لتكون الأحكام عادلة، لأن التسرّع في إصدار الأحكام بمعزل عن التثبُّت يندرج في إطار الظلم ولله الأمر من قبل ومن بعد.

756

| 04 يناير 2013

صيانة الإحساس وقود التوجه الصائب

تقبع الحصافة والحماقة على طرفي نقيض، كل ينتظر دوره عبر المساهمة في تشكيل التصرف، وكل في معيته الآثار المترتبة على ذلك حسنة كانت أم سيئة بيد أن كل صفة لا سبيل لها في الاختيار، فهي تذعن لمن يطلبها طائعة وليس لها مجال في الرفض كذلك، إذ إن الفعل ورد الفعل ينطويان على تحديد الاتجاه لاختيار السلوك الذي من خلاله يتضح أي من الصفتين آنفتا الذكر ثم استدعاؤها وفقا للرغبة والشروع في تطبيق هذا التصرف أو ذاك، ولما كانت هناك مساحة مقدرة من الوقت للاختيار ولو لثوان معدودة، فإن هذه الفترة فترة التأمل من الأهمية بمكان في حين أن الهدوء وعدم الاستعجال في التعاطي مع الأمور المختلفة يدل على التفكير الخلاق والأخلاق الجميلة التي يتصف بها من كان طبعه الهدوء، والذي غالباً ما تكون أقواله وأفعاله جالبة للخير والسعادة حينما تنطلق من رؤية متزنة يحفها الاطمئنان وتحدوها مخافة الرحمن بيد أن المنغصات في الأفعال وردودها تأبى أن تخرج من هذه المسائل خالية الوفاض يعزز من تواجدها إبليس اللعين الذي لا يرغب الخير لأحد، فيجند أعوانه لنثر الأوجاع المختلفة والمآسي المتكررة، فحينما تخترق الوساوس القلب تحدث الثقوب تلو الثقوب، وكل هذا استدراج واختبار حقيقي في هذه الحياة، فالإنسان يحرص على رصيده البنكي ويخشى أن يفقد الدراهم ويتحسس من هذا الأمر، غير أنه في التفاعل مع الرصيد الفعلي وهو كم من الخير وعمله لا يلقي له بالا فيسب هذا ويشتم ذاك ويمشي بالنميمة ويحدث الضغينة والأحقاد بين الناس، فيؤسس خلية بائسة كئيبة بفكره السيئ وأخلاقه الرديئة، ولن ينال غير الخسران وضياع رصيده الحقيقي ليس في الآخرة فحسب بل في الدنيا كذلك، فلم يكن علام الغيوب تقدست أسماؤه غافلاً عما يعمل الظالمون، ومن البديهي أن يكون التجاذب والأخذ والرد بين الناس سواء في التعامل فيما بينهم أو بين المرء وأفراد أسرته وأقاربه وأبناء المجتمع بصفة عامة وفي خضم الشد والجذب تنشأ بعض الحزازات التي تنمو صغيرة فلا يتوانى الشيطان في إروائها لتنمو وتكبر وتصل إلى حد القطيعة بل وإلحاق الأذى بالآخرين، كل هذا الأمر يتم ربما في خلال ثوان معدودة، وحينما يصل الأمر إلى هذا الحد فإن هناك حتما حلقة مفقودة وصلة مقطوعة مع من خلق الأسباب ومسبباتها ولا تكمن المشكلة في طبيعة العمل من حيث إدراك الظلم والاعتداء، بل إن الجميع مؤمنون بالمبادئ والقيم الدالة على الخير واجتناب الشر، إلا أن الغفلة وقانا الله وإياكم شرورها لا تلبث وفي خلال ثوان معدودة أن تزين الإثم لتمتد أياديه الملطخة بالخزي من تهور وعناد واندفاع ورعونة، وتسحب المغفل إلى حيث الشكوك المؤذية والمآرب المخزية.. دعونا نجرب صيغة التعامل على مقياس الإعادة بالحركة البطيئة، فلو أعاد الإنسان كلامه أو فعله بالحركة البطيئة فإنه سيدرك حتما بأنه جانب الصواب في عمله كله أو جزء منه، فكيف يرضى بأن يكون صيدا سهلا لمن يتربص به وبرصيده؟ ويختلف التجاوز من حيث التقييم حيث يتباين مستوى الأخطاء فمنها ما هو شنيع ومنه ما هو أقل من ذلك غير أنه لا يختلف من حيث القياس أو بالأحرى المبدأ، فالمبدأ أشبه بلوحة تشكيلية رائعة الجمال بخطوطها الجذابة وتناسق ألوانها، بيد أنك لو سكبت نقطة حبر أو علبة الحبر بكاملها، فإن النتيجة واحدة، وهو غياب الروح والمعنى، حيث إن نقطة الحبر ستشوه المنظر بأكمله شأنها بذلك شأن سكب العلبة بأكملها، من هنا تبرز اللامبالاة التي تتيح المساحات الرحبة لاجتراح الأخطاء تلو الأخطاء على حين أن الاستشعار مرتبط بالإحساس والإحساس بحاجة دائمة إلى التغذية والتنشيط والتذكير والمتابعة، وما لم يتم صيانة الإحساس على الوجه الأكمل، فإن الشعور بقيمة الصواب والخطأ ستتلاشى ومن ثم فإن تبلد الحس سيطغى على الشعور وبالتالي فإن فساد اللوحة الجميلة سيكون النتيجة الحتمية، وفساد اللوحة يعني فساد العمل ومآلات هذا الفساد تؤدي ولا ريب إلى الخسارة الفادحة، فكلما سيطر الهدوء على العقل كلما اكتست المشاعر بوافر من التأني وضبط النفس وكانت البراعة جسراً سهلاً للمحافظة على الجمال المعنوي، جاء رجل إلى عمر بن عبيد وقال له: (إني أرحمك مما يقول الناس فيك)، فقال: (أسمعتني أقول فيهم شيئا) قال: (لا)، قال: (إياهم فارحم).. تأملوا كيف كان رد الفعل وكان القياس الدقيق لمعيار الكسب والخسارة، فلم يغضب ولم يتشنج بل أدرك بأنهم أضافوا إلى رصيده مزيداً من الحسنات جراء الغيبة والنميمة التي أصابته، إنه الاعتناء بالإحساس والحرص على جماله وروعته مما يجعل اللوحة الجميلة تزداد بهاء وجمالا، ليس فقط حينما يراجع الإنسان نفسه ويراها متألقة براقة في خياله بل في حسابات أخرى لا يدركها إلا صاحب القلب الكبير والوعي المستنير، وهكذا فإن صيغة الضغينة ليس لها حيز في قلب المؤمن الذي يعرف كيف يضبط حساباته جيدا فلا تجعلوا من الأخطاء الصغيرة والتي ربما لم تكن مقصودة مدعاة لشرخ اللوحة الجميلة، فالتسامح والصفح والعفو من شيم الكرام ناهيك عن أن رد الفعل المتزن لا يلبث أن يعيد الكرة إلى من فعل الفعل فيخجل من نفسه ومن تصرفه وقد يكون هذا سببا في تصحيح سلوكه وتقويم أقواله وأفعاله، إن التعليم إنما يتم بالحكمة والخبرة والمعرفة فإذا أخطأ من هو أصغر منك سناً فإن الواجب في هذه الحالة أن تأخذ بيده ولا تأخذ عليه، فكما تعلمت ممن سبقوك فحري بك تعليم من يلحقوك، لتمتد الآثار الجميلة الرائعة لتعتني بالإحساس وتثري بفنونها الجميلة أجمل معاني الحب والتسامح. قال الشاعر لي أن أرد مساءة بمساءة لو أنني أرضى بنصر خلب يأبى فؤادي أن يميل إلى الأذى حب الأذية من طباع العقرب

723

| 26 ديسمبر 2012

الاحتقار داء عضال

يرتبط الاحتقار كصفة قميئة بذيئة، بالسلوك الشاذ المنفر متمخضاً عن خلل في الشخصية السوية كشعور بالنقص يعتور المحتقر، لأنه فقد المقومات الأساسية لطبيعة النفس البشرية، التي خلقها المولى في أحسن تقويم في حين أمسى ضعف الإيمان  عنواناً بارزاً لسوء الأدب والأخلاق، مفضياً هذا الضعف إلى صياغة نموذج غير مشرف وهو ينظر إلى الآخرين بازدراء هو الجدير به، وإذا تأملت سلوك هذا الأخرق فإن أكثر من سؤال يدور في ذهنك  لماذا؟ وكيف؟ وما هي المحصلة والعائد من هذا الشذوذ ، وإجابة لهذا التساؤل فلأن الفكر خاو إلا من ترسبات سقيمة بائسة ألقت بظلالها لتحيله إلى كيان مهترئ انبرى له التخلف وأسهم  في تجسيده لوحة تشكيلية ذات ألوان باهتة لا معنى لها ولا قيمة وتفصح عن مكنونات وفاضها خالية من حسن الخلق، ومن ساء خلقه إلى السقوط أقرب، والأمر المؤكد هو غياب الثقافة عن هذا العنصر البغيض، فالثقافة تعني جمال الروح وليت روحه تروح من غير رجعة  ليريح الناس من نظراته البائسة، وحين تمعن النظر راغباً في تحليل هذه الشخصية  فإنك حتماً ستجد قلباً فظاً قاسياً لا تستميله المؤثرات الجمالية ولا تؤثر فيه، ذلك أن القبح نسج خيوطاً توغلت في قلبه وتمكن من نشر أشرعتها لتسهم في تضليله وتعزله منفردا الكل ينفرُ منه ولا يطيقه، ولا أعلم سبباً واضحاً يوحي له بالتميز وتفرده بخاصية ليست عند الآخرين تسوغ له الدخول في هذا النفق المظلم وتزج به إلى براثن سوء القول والعمل، ويتخذ الاحتقار والعياذ بالله صيغاً مختلفة من  حيث تمريره إلى الآخرين كسهام مسمومة، فعلى سبيل المثال قد يكون من خلال القول أو العمل، أو النظر، وفي تقديري بأن الأخيرة هي الأخطر والأسوأ، ولا أدري ما وجه الاختلاف بينه وبين غيره، فلربما خرج من بطن أمه حينما أكمل خمسة أشهر لأنه فعلاً لا يطاق ، وتجد هذا الصنف التعيس إن تحدث فإنه يتحدث من أرنبة أنفه وكأن الكلمات ستخرج من ماكينة صراف آلي، وتجده بطيء الكلام بطيء الحركة وأكاد أجزم بأنه  أحد أسباب اكتشاف المخرجين للحركة البطيئة في المسلسلات والأفلام، وإن مد يده ليصافح أحدا فبالكاد تلامس أصابعه يد الطرف الآخر وكأنه لمس سلكا كهربائيا مجروحا، وفي واقع الأمر فإن هؤلاء المرضى ليسوا بحاجة إلى علاج فقط بل إلى إعادة تأهيل لتقويم سلوكهم المعوج، ناهيك عن نظرات الاحتقار والازدراء، والشماتة وهذه من أقسى أنواع النظرات، لأنها تافهة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومن يطلق هذه النظرات  حتماً يعاني من مركب نقص ويمارس التعويض عبر خروجه من مدار الأخلاق ومن خلال إطلاقه هذه النظرات التي لا تمت إلى القيم النبيلة بصلة، فضلاً عن سلبها لقيمة الإنسان الذي كرمه المولى وبخسها هذا القزم بمعزل عن دراية أو معرفة أو ثقافة ليستدرجه الجهل ويزج به في أتون احتقار الناس له، ولما كان الشيء بالشيء يذكر فإن هناك نظرة وإن كانت أقل حدة من النظرات آنفة الذكر إلا أنها تشرخ الكبرياء وتحدث جروحاً معنوية ليس من السهل اندمالها ألا وهي نظرة الشفقة، فالبرغم مما تحمله هذه النظرة من تغليف بالرحمة والعطف، إلا أنها في الواقع مؤذية وينبغي التفريق هنا بين الإشفاق والرحمة، فنظرة الرحمة تختلف عن نظرة الشفقة، فالأجدر بالأولى أن تكتنز المشاعر والأحرى بالثانية أن تغادر، وهذه الأساليب الموغلة في الانحدار منتشرة وبكل أسف وتستهلك بشكل يومي على الرغم من انتهاء صلاحيتها للاستهلاك الآدمي أي أن من يستهلكها ليس آدميا وعليكم فهم الباقي . ويظل  السؤال الحائر، هو كيف ينشأ هذا السلوك غير السوي وحتماً ثمة سبب يفضي إلى صياغة هذه النماذج  غير المشرفة ويحيلنا إلى موضوع أعم وأشمل لأن المسألة برمتها تربوية فالتربية السليمة تنشئ فرداً سوياً عاقلاً يضع نصب عينيه الاحترام كمعيار للتعامل، وهو ما سيجده من خلال تعامل الآخرين معه على هذا المنوال، إن إزالة الترسبات المنتنة تلك تكمن في تفعيل دور الاحترام سواء كان ذلك عبر الأسرة من أب وأم أو من خلال القنوات التعليمية والإعلامية  وتكثيف الجرعات بهذا الصدد. والأمر السار بأن هذه النماذج التعيسة في انحسار بل إنها ولله الحمد قليلة، وقد يكون للمنعطفات الحضارية المتلاحقة والتطور المذهل في مجال التقنية  دور أسهم إيجاباً  في تضاءل دورها، فلم يعد للتميز بريق يغري وبات الجميع في منظومة واحدة فيما شكلت سهولة الحصول ولله الحمد على هذه المنتجات سياجا حاصر هذا السلوك القبيح.

6248

| 13 ديسمبر 2012

لا يؤخذ الإنسان بجريرة غيره

أدرك يقيناً أن الإنسان لا يؤخذ بجريرة غيره، بمعنى أن من ارتكب المخالفة، لا يجوز بحال من الأحوال معاقبة غيره، لأن هذا يندرج في إطار الظلم والاعتداء وقد علمنا ديننا الحنيف هذه الأسس السليمة، فقال الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، ومن المعلوم بأن الأخلاق وسموها كقيمة إنسانية كريمة نبيلة تبرز مآثرها من خلال التعامل أياً كان نوعه، سياسياً أم اقتصادياً أو غير ذلك، ويندرج الاحترام في إطار سمو الأخلاق كعنصر مؤثر في تنمية العلاقات من جهة، وكقيمة تتكئ على حسن الظن والنية الحسنة من جهة أخرى من خلال التعامل وبناء علاقة حضارية خلاقة تنبذ العنف وتشتت الأحقاد وتزيل الكراهية كما هي رسالة السماء للإنسان بإعمار الأرض لا دمارها، فكانت الأديان السماوية تهذيباً للنفس ورفع مكانة الإنسان وإعلاء قدره وتعريفه بخالقه وإرشاده إلى طريق الصواب، ويظل احترام المشاعر نبراساً مضيئاً يكسو القلوب بوشاح النبل المستعصي على الاختراق، ويعتبر التضليل أحد الجوانب المكرسة لابتعاد الحقائق وتحويرها على نحو يستخف بالحس الإنساني النبيل ويعبث بعقله ويجرده من قيمته المعنوية الجديرة بتلقي الحقائق كما هي، وسؤالي ما المحصلة من وراء استفزاز المشاعر بهذه الصيغ الفجة والتي لا يقبلها عاقل فضلاً عما تحدثه من إثارة للضغينة والكراهية، وتأصيلاً للعداء المنبثق من رحم الخطيئة، لم يكن المنطق إلا تقنيناً موضوعياً لفرضية القبول وعدمه في إطار القناعة المطلقة بالحقوق معنوية كانت أم مادية وحتمية حفظها في حين أن انتهاكها يخالف المنطق بأبعاده المتسقة مع الإطار الموضوعي للجوانب الإنسانية، ومراعاة هذه الجوانب ومن ضمنها بلا ريب احترام المشاعر والأحاسيس، وقد بدأت مقالتي بالآية الكريمة: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لإدراكي الكامل بأن المخطئ هو وحده من يتحمل تبعات خطأه، غير أن الأنظمة والقوانين سنت لحماية حقوق الإنسان وحفظ كرامته وحمايته من الأذى، والتجريح وخلاف ذلك، ولو أن الأمر خلاف ذلك لسرق الفقير من الغني بحجة المساواة، وإذا كانت المعايير الأخلاقية تحدد المسار التنظيمي للعلاقات بين الأفراد، فإنها بين الأمم تعد حجر الأساس وما تحتمه الأمانة في رفع المستوى المهني والأخلاقي من خلال التعامل الخلاق والرؤية الموضوعية المتزنة، لاسيَّما إذا كان الأمر مرتبطاً بوسائل الإعلام وميثاق الشرف، بما في ذلك أمانة الكلمة، ومن المعلوم بأن الرأي أو بمعنى أصح الفكرة، تتكئ على الاستناد قبل بلورتها وطرحها على الرأي العام، وعلى هذا الأساس يتوجب أن يكون الاستناد ثابتاً بالأدلة والبراهين المقنعة، وهذه من الدعائم الرئيسية في إطار المعايير المنظمة لهذا الشأن، وإذا كانت المعلومات غير متوافرة، فإن هذا لا يبرر الجرأة في الطرح على هذا المنوال، ويُعد مخالفة صريحة لميثاق الشرف الصحفي. وتحرص البلدان على ما يدعم العلاقات ويعززها وفقاً للالتزام بالاتفاقات المبرمة في هذا الشأن، من هذا المنطلق فإن العلاقة الرسمية بين الأمم تظل أكثر وضوحاً مما يضفي على هذه العلاقة صبغة الديمومة سعياً إلى تطويرها لتنعكس إيجاباً على علاقات الشعوب ببعضها البعض، وهنا مربط الفرس إذ تتشكل الرؤى وتتباين المفاهيم إزاء هذه العلاقة طبقاً لإرهاصات المراحل وإفرازاتها وآثارها سلباً وإيجاباً، وهذا ينطوي على أهمية دقة استقاء المعلومات من جهة، وتفسيرها على نحو صادقٍ بعيداً عن التسخير لتحقيق مآرب أو المزايدة على العلاقات لخدمة فئة دون الأخرى أو التشويش لأغراض خاصة، ومن ذلك تحليل المواقف بصيغة تفتقر إلى البعد الأدبي والإنساني والمهنية الصادقة ولصق أعمال فردية بهذه الأمة أو تلك كمقياس يعتريه الاختلال إذ إن القياس على هذا الأساس لا يفتأ أن ينخر في العلاقة من تأليب وخلافه وفقاً لغياب المنهجية الموضوعية ونتيجة الافتقار للاستقراء الدقيق المتقن مما ينسحب حتماً على تأصيل الكراهية وما تخلفه وراءها من تراكمات سلبية تفضي إلى نشوء الاحتقان المعنوي إن جاز الوصف كاستباق للتصورات غير المنضبطة التي من شأنها الإخلال بالأسس التي تبنى على ضوئها العلاقات، فضلاً عن الجانب النفسي الفاقد للاستقرار حيال هذه العلاقة التي شابها التصور المجحف المنقول بصورة تفتقر للتعقل فضلاً عن المنطق.

10700

| 29 نوفمبر 2012

أثر الأخلاق في ترسيخ الاستقرار

لا يقف أثر الأخلاق البالغ عند استقرار المجتمع فحسب بل إن المحافظة على الأخلاق تعد من صميم الإنسان السوي بما منحه المولى تبارك وتعالى من نعمة العقل والتفكير والتمييز، بيد أن تمرير المفاهيم النبيلة يخضع لمعايير محددة من حيث التأثير، إذ إن تبعات إفراز التراكمات السلبية المتتالية لم تكن لتجد التأثير وتستقر لو أن الرفض الحسي أحكم السيطرة من واقع الاستنتاج الموضوعي والاستيعاب للمعطيات بصيغة تنحو إلى استشعار الخطأ والصواب وفق ترسيخ الاقتناع لطرق الفضيلة والابتعاد عن الرذيلة في حين  تقف الرغبة الجامحة في اتكاء بليد على سطوة العاطفة لتقف حجر عثرة أمام التوجه السليم وفي المراحل المبكرة تحديداً وهي مرحلة النشوة بتحقيق رغبة آنية زائلة ليرزح المفهوم تحت وطأة الجهل من جهة، وقلة الإدراك لنتائج المرحلة المؤذية التي لا تسر حتى من أتاها من جهة أخرى، الشعور الوقتي بمتعة المخالفة أياً كان نوعها سيخلط الأوراق ومن ثم يجهز الخطأ بسطوته العمياء على النسبة القليلة المتبقية من تأنيب للضمير وجلد الذات والذي يكون تأثيره متأخراً أو بالأحرى لا يتم استدعاؤه إلا بعد خراب مالطة، فكان لزاماً ترميم الأسوار التي تتصدع جراء الثقوب المتواترة من تقنية يتم استخدامها سلباً وأطباق تحوي في أهدافها التأسيس للرذيلة، إن التهيئة للاتزان مرحلة مهمة ومؤشر دقيق لصدق التوجه  لئلا يذوب الاعتدال كنسق قيمي فذ أمام مؤثرات استجداء التمرد على القيم ليس قناعة بتطبيق هذا المفهوم الجانح بقدر ما هو استغلال ولفئات عمرية معينة من خلال اختراق الجانب النفسي المرن ووفق تعبئة تفتقر إلى الاتزان فضلاً عن انتفاء نقاء الأهداف ، وتتنوع الأساليب وتتباين المحاور في الهدم إلا أن الأهداف قد تتشابه إلى حد التطابق (وشبيه الشيء منجذب إليه) وللحيلولة دون مد تأثيرها ينبغي التركيز على تنمية فكر الاعتدال  والسلوكي تحديدا بموجب استحضار المحفزات المرتبطة بهذا الصدد وتطويعها إيجاباً وتفنيد المقولة المطاطة كل ممنوع مرغوب، فإذا كانت الرغبة هي الهدف فإن المنع ليس سوى الوسيلة، وتكمن المعضلة في تقديري في جانب يرتمي في أحضان الرغبة الملحة ليكون إلحاحه المتواصل جسراً يعبر من خلاله المخطئ إلى المصيدة، ألا وهو الفضول حينما يتسرب عبر نفق اهتزاز الثقة ويحدث اختلالا للتوازن وبالتالي طرق هذا المسلك السيئ حتى إذا ما تمكن فضوله من جره إلى القاع، يبيت الخروج  أكثر صعوبة لاسيما وأن الاعتياد يسهم في إضعاف الشعور بالذنب ومن ثم فإن التكرار يفضي إلى استسهال المخالفة تبعاً لغياب التواصل وعدم انتقاء الوسائل المقنعة في الوصول فضلاً عن التأثير، وهكذا يتم الاستدراج على هذا المنوال طالما أذيب الرادع الحسي وبات استشعار مرارة المخالفة تحصيل حاصل أمام هذا الزخم الهائل من الضخ المتواتر،  ومن ضمن الأمور المهيئة لهذه الأزمة ولاريب غياب القدوة المؤثرة حينما يجهز التناقض في التصرف أو السلوك على المصداقية فيكون للترك أقرب منه إلى الاقتداء، لتنزوي المثالية في ركن الشك المتربص للفتك بكل ما هو جميل وإحلال القبح مكان الجمال وما ذلك إلا نتاجاً لتمرير الصيغة النمطية للكمال، حينما اتكأ الغموض على حاجز الحياء وحال دون الاعتراف بالخطأ، بينما يكون الضرر قد بلغ أشده وفق ترسيخ هذا التناقض وما ينجم عن ذلك من وأد للتأهيل على نحو يكرس النفور من جهة وما يخلفه من فراغ ليجد المتردد من يملأ هذا الفراغ استغلالاً  لهذا الإرباك ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الضير في التراجع وغربلة الاعتداد بالنفس بمفهوم التواضع الفذ  وتبيان المفاهيم بصورة صحيحة، وأن الخطأ وارد في كل وقت، ومن أي شخص للحيلولة دون شرخ الصورة الجميلة، بل إن ذلك يعزز من قوة الإرادة مقرونة بالإخلاص حينئذٍ فإن المؤثرات ستتحطم أمام صلابة المبدأ، وستتوارى أفول الشر خلف أبواق التعاسة والانتكاسة والحسرة على ضياع التمكين أمام قوة الحق التي لا تهدأ أو لا تستكين، إن الفساد الأخلاقي من أقسى ما تواجهه الشعوب إن لم يكن الأقسى إذ إنه يقضي على قيمها ومقدراتها ولاسبيل لمقاومته إلا من خلال احتواء السلوك وما يفرزه من أخطاء عبر التوضيح والتصحيح بالكلمة الطيبة الصادقة ومن خلال الإقناع المؤثر بعيداً عن التجريح الذي لن يورث إلا التجريح المضاد، وكذلك مصادرة الاحتقار والإزدراء  لتسمو الروح بشموخ العزة والإباء عبر الألفة التي توجب المحبة، وبالتالي إنشاء صيغة ملائمة تتيح للجميع الانصهار في وحدة متكاملة مشكلة الإضاءة تلو الإضاءة.   قال الشاعر: إذا طالبتك النفس يوماً بشهوة وكان عليها للخلاف طريق فخالف هواها ما استطعت فإنما هواك عدو والخلاف صديق

1004

| 23 نوفمبر 2012

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

5865

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
كبار في قفص الاتهام.. كلمة قطر أربكت المعادلات

في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...

5595

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4455

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3318

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

1596

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1314

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1185

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1053

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
خطاب صريح أقوى من السلاح

• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...

831

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
حضور فاعل للدبلوماسية القطرية

تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...

831

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

831

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

819

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية