رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

حمد عبدالرحمن المانع

حمد عبدالرحمن المانع

مساحة إعلانية

مقالات

1785

حمد عبدالرحمن المانع

اطمئنان النفس مرهون بمرضاة الخالق سبحانه وتعالى

23 أكتوبر 2012 , 12:00ص

حينما تغيب القناعة عن النفس اللوامة تهيمن الرغبة على السلوك وتبرز القوة في الطلب الضعيف وبات ضعيفاً لعدم موضوعيته وانتفاء مشروعيته فضلا عن افتقاره لأبسط مبادئ الأخلاق. وليس ثمة ما يسند هذا الطلب كمسوغ إنساني سوى تقاطعه مع السياق الأدبي بكل ما يحتويه من معانٍ نبيلة ترتقي بالسلوك لتشبع الرغبة الكامنة في النفس حباً للخير، وأجمل الخير وأبلغه كف الأذى واستثمار المساحة البيضاء الناصعة في القلب فيما يحب ربنا ويرضى وكل نفس فيها الخير والشر، قال عز من قائل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}، وقد يسهم الإنسان في إلحاق الضرر بأخيه من غير قصد فهو في الظاهر لا يؤذيه غير أنه في قرارة نفسه ينال منه ومن ذلك التركيز فعبر مسألة التأمل يتوغل الشيطان إمعاناً في صده عن ذكر الله من جهة واستثمار هذه اللحظات بما يلحق الضرر. ولا ريب أن المبالغة والإفراط في القلق بأن هذه (عين) تكرس هذه الرؤية وهي لا تعدو عن كونها آثاراً نفسية تصيب البشر، فلا يخلو الأمر من ضغوطات تنسحب على الأفراد ويتم تجاوزها بعدم التفكير فيها ومنحها كبير اهتمام. فإذا كان كل عارض سيأخذ هذا الحيز من الاهتمام، فإنك ستعيش في دوامة، فضلاً عن تهيئة البيئة الملائمة للمرض أو الحالة إن جاز التعبير أن تستوطن وتستقر، فيصبح الوهم حقيقة فيما كانت الانفعالات غير المنضبطة معبراً سهلاً لنشوء هذه الأزمة من خلال تعميق هذا التصور النافذ المؤذي على أية حال. المولى تبارك وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم وحماه بالحفظة، درءاً من أن تتخطفه الشياطين، فهل بعد كل هذا يضعف اليقين. وليس ثمة ما يبرر رغبة الإنسان الجامحة في إصابة العباد لمجرد أنهم يملكون ما لا يملك، لأنه قد يفقد ما يملك هو فيسلط الله عليه من يصيبه، لأنه أماط اللثام عن السوء الذي يكتنف وجدانه، ونحى الخير وسبله جانباً (وكما تدين تدان)، فضلاً عن أن التوازن الدقيق المذهل يقطع الشك باليقين بأنك إنما تقدم الخير لنفسك، ويدرك المؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وحري به أن يتأمل ويتفكر في قدرة الخالق جل وعلا فلئن تباينت المستويات واختلفت المقامات فإن له في ذلك حكماً ولهذا تجد الدقة المتناهية والعدل المحكم في التوزيع، إذ تجد بعض الخصائص منحت لشخص واختفت عند آخر على اختلاف أنماطها فتجد ما منح لك فقد عند غيرك، وما منح غيرك حرمت منه، ولو حسبت من جميع النواحي بمعايير دقيقة ستجد نفسك منحت من المزايا مثل ما منح غيرك وهنا تتجلى قدرة الخالق في عطائه المقسط وهو العدل سبحانه وأحكم الحاكمين، العين أشبه بشفرة يستعصي فك رموزها، لأنها كما أسلفت ليست محسوسة، ولن يكون المجهر أكثر تفاؤلاً في تشخيص هذه الحالة عدا عن سرعة نفاذها، وفتكها الشرس، إذ إن هذه المسألة تتم بلمح البصر، فما هي إلا ثوانٍ معدودة إن لم تكن أقل، إلا وقد نسجت هذه الآثار المهلكة خيوط البؤس. وحتماً فإن تسرب هذه الإيحاءات المؤذية يسهم في تناميها عدة عوامل فكلما اتسعت الهوة بين الغنى والفقر، ساقت في أتونها دواليب الشر غير المرئية والمسموعة، وفي المقابل كلما زادت نسبة الوسط، أسهم ذلك في انحسار الجانب العدائي. ويشكل الاعتقاد الخاطئ بأن تمرير هذه المآسي خارج السيطرة، بمعنى أن المحاسبة غير واردة وهذا خطأ فادح وإفك مبين، فكيف تفسر الآية الكريمة (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ).

الرزق كفله رب العباد لعباده فلا يبتئس إن قل ماله، ولا يحسد الآخرين على ما أعطاهم ربهم وأن يحيط قلبه بسور قوي من المحبة، فكما أن لديه مشاعر فإن للآخرين كذلك، وكما أنه يخاف على نفسه من عيون الآخرين، فإن نفس الشعور يساورهم، وليبني من القناعة حائط صد يصعب على الجشع والطمع اختراقه.

النفس سر الأسرار وعلمها عند العزيز الجبار، لكل شيء معيار ومعيار النفس الشهوة في حين أن التحكم بالمسار تحدده الرغبة للفجور أو للتقوى، إنه استثمار خليق بالاعتبار، كم أنت غنية أيتها النفس، وكم حباك الله من مزايا، والقدرة في احتواء هذا المزيج، مقرونة بالنوايا، صفات متضادة من حيث القياس والتأثير، ولكل ميزة تفسير، ولا أخال من يمثلك من يد ولسان، وقدم وشفتين إلا رهناً للتعبير. فيك الجمال والقبح، فيك القسوة واللين، يفصل بين المتناقضات نوعية المسافات، في حين أن سلامة الطريق تكمن في سلامة التفكير وحسن التقدير والمآلات جسر العبور نحو غلظة وسماحة نحو تصويب وانتكاسة نحو ليل حالك أو نهار، نحو طاعة العزيز الجبار. لكل شيء مسببات وطبيعة الإحساس تحكمه الدوافع، الحزن والفرح كل له مسبباته ظروفه ومعطياته بيد أن تقييم التأثير لمفهوم الكسب والخسارة، يحدده الاستيعاب المتقن وحسن الاختيار، فالكل يسعى للكسب وتجنب الخسارة، وسلطة القرار في قبضة النفس الأمارة. عندما يتقابل اثنان، من أي جنس ولون، في أي أقطار الكون، يتلقى العقل الإشارة بواسطة العين، وبلمح البصر تتشكل الرؤية، معززة بالانطباع من النفس مصدر الإبداع، فيصنع الاحترام فكراً وتفيض السماحة نبلاً لتعكس الابتسامة محتوى الثقافة،

 قال الشاعر:

من شاء عيشاً هنيئاً يستفيد به

في دينه ثم في دنياه إقبالاً

فلينظرن إلى من فوقه علماً

ولينظرن إلى من دونه مالاً

مساحة إعلانية